دكتور راغب مفتاح – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات الدكتور راغب حبشي ميخائيل مفتاح
التصنيفات أدب مسيحي, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

اضغط هنا لقراءة الفهرس

د. راغب مفتاح... الملاك الحارس للموسيقى القبطية.

إعداد: بيشوي فخري

"بدون الموسيقى يبدو لي العالم فارغًا" – يبدو أن راغب مفتاح أتخذ عبارة "جاين أوستن" هذه شعارًا لحياته، حتى عاش عمره كله الذي تخطي 100 عام في تكريس للحفاظ على تراث على لا يُعبّر عنه بالكلام. إنما بالأحاسيس والمشاعر الراقية، تراث الموسيقي القبطية الضاربة في القدم التي تحتضن بين نغماتها الأصالة المصرية منذ عهد الفراعنة، وملامح من الموسيقي اليهودية التعبدية، والوجدان العقيدي المسيحي الأرثوذكسي.

فإن العلامة راغب مفتاح هو الحائط المنيع وسور القبط العظيم للحفاظ على هذا التراث الذي أمكنه جمعه على عشرات الأشرطة حتى يكون نبراسًا ومنارة أمام كافة الأجيال وأمام المؤرخين والمبدعين.

في 12ديسمبر 1898م وُلد راغب حبشي مفتاح بالقاهرة، ونشأ في أسرة مكونة من عشرة ابناء تنتمي إلى عائلة قبطية عريقة هى عائلة روفائيل مفتاح الذي عاش في أوائل القرن السابع عشر (بحسب المخطوطة 75 بالمتحف القبطي مؤرخة بعام 1613م)، نال تعليمه الأساسي في مدارس مصرية، وسافر الى ألمانيا فى سنة 1919 ليحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة بون University of Bonn ثم تفرغ بعد ذلك لدراسة تاريخ الموسيقى بأوروبا.

بدء إهتمامه الجاد بالموسيقي منذ عام 1925م، وفي انجلترا عام 1927م تعرف على الأستاذ "أرنست نيولاند سميت" الأستاذ بالأكاديمية الموسيقية بلندن وهو مؤلف موسيقي واسمه مدون في جميع الموسوعات الموسيقية، وإتفقا أن يحضر الأستاذ سميث إلى مصر لمدة سبعة شهور لتدوين الموسيقي القبطية بمساعدة المعلم "ميخائيل البتانوني" كبير مرتلي الكنيسة المرقسية الكبرى بالازبكية. وأنتهى العمل بتسجيل16 مجلد تشمل كل طقوس الكنيسة القبطية أستغرقت في تسديلها فترة طويلة من سنة 1928م إلى سنة 1936م، وهى محفوظة الآن بمكتبة الكونجرس الأمريكية.

وكانت هناك بعض المشاكل تعوق مفاوضات النشر مع الجامعة الأمريكية إلى أن تدخل قداسة البابا شنودة (وهو صديق حميم لدكتور راغب) بحسم هذه المشاكل بأعلان قداسة البابا «بأن هذه الموسيقى هى ملك للكنيسة وليست ملك أى أنسان» وكان هذا حافزًا لأنهاء إجراءات حقوق الطبع والنشر.

وذاع صيت شهرة راغب مفتاح في الموسيقى القبطية لدرجة حثت علماء أوروبا في مختلف العلوم على حضور محاضراته، وعلى سبيل المثال حضر محاضرته التي ألقاها بجامعة إكسفورد عالم المصريات بلاكمانBlachman، وعالم القبطيات كرمcrum، وعالم الفيزياء الشهير ألبرت اينشتين. Einstein.

وفى عام 1932م وجهت الحكومة المصرية الدعوة لكبار الموسيقيين من ألمانيا والنمسا وفرنسا وإنجلترا والمجر وغيرها من البلدان، إلى مؤتمر لدراسة الموسيقى الشرقية للنهوض بها علميًا، وقد بلغ عددهم 29 موسيقيًا، كما وجهت الدعوة للأستاذ راغب مفتاح ممثلاً للموسيقى القبطية وكان من بين هؤلاء العلماء “بيلا برتوك BelaBartock ” و”إيجون ولز  EgonWellesz” الذي فك رموز الموسيقى البيزنطية القديمة، ومدام “هيرشر كليمنص  Clemence” رئيسة الجمعية الموسيقية في باريس، وقد طالب هؤلاء العلماء الموسيقيون بزيارة إحدى الكنائس الأثرية، فوقع الاختيار على كنيسة السيدة العذراء , والشهيدة دميانة "المعلقة" بمصر القديمة، حيث أدّى القمص مرقس شنودة صلوات القداس وإشترك معه في ترديد المردات والألحان المرتل ميخائيل جرجس، فتأثر الجميع تأثرًاً بالغًا حتى إن الأستاذ فلز قال: “إنه لم يتأثر في حياته بعذوبة ترديد الصلوات والألحان مثلما تأثر بها في هذا القداس” وقال آخر: “إذا كانت هناك موسيقى دينية تستحق الإبقاء عليها فإنها تكون الموسيقى القبطية”.

وفى عام 1945 م كون خوارس choirs من طلبه الاكليريكية بمهمشة وكان عددهم 250 طالبًا، وأسس مركزًا لتسليم الألحان للمرتلين والشمامسة وعهد للمعلم ميخائيل جرجس التدريس فيه.

وفي عام 1954م قام مجموعة من علماء القبطيات بإلقاء مجموعة من المحاضرات في القاعة اليوسابية بالانبا رويس تمهيدًا لتأسيس معهد الدراسات القبطية عام1955م الذي أشترك د. راغب مفتاح في تأسيسه مع مجموعة مع أساتذة الجيل وتوًلى راغب مفتاح رئاسة قسم الموسيقي والألحان فيه لمدة 47 عام.

في سنة 1970م وجّه الدعوة للعالمة المجرية مارجريت فوت للتعاون معه في استكمال زخارف وحليات القداس الباسيلي.

في عام 1972 إشترك في إعداد مقالتين عن الموسيقي القبطية، مع العالم جون جلبن بكاليفورنيا.

وأشترك مع أحد أعلام الموسيقى اليابانية بجامعات اليابان في إعداد مقالتين عن الموسيقى القبطية.

وفي عام 1984م، منحة البابا شنودة الثالث الدكتوراه الفخرية تقديرًا لجهوده.

وفي عام 1989 وجهت إذاعة برلين دعوة لراغب مفتاح مع خورس معهد الدراسات القبطية لزيارة إلى ألمانيا لسماع الموسيقى القبطية وتسجيل بعض منها.

وفي مارس 1989م  بدء قسم الموسيقى والألحان بمعهد الدراسات القبطية في إعداد نوتة موسيقية على أسس علمية لأول مرة في تاريخ الكنيسة القبطية، وفى سنة 1996م صدر قرار بابوي بتدريسها بالمعهد.

ومع آخرين أشترك في إعداد المقالة الخاصة بالموسيقي القبطية بدائرة المعارف القبطية Coptic Encyclopaedia.

وفي عام 1992 م قام بإهداء كل إنتاجه إلى مكتبة الكونجرس بواشنطن لحفظها بالوسائل التكنولوجية الحديثة وأفردوا لها ركنًا كبيرًا وكتبوا عليه "الموسيقي القبطية التي تعد أقدم موسيقى كنائسية في العالم كله"، ولقد أعرب المدير العام لمكتبة الكونجرس مستر Billington   عن أن المجموعة الموسيقية القبطية التي أهداها د. راغب مفتاح للمكتبة هى أهم وأعرق مجموعة تضمها جنبات المكتبة... وبعث نسخة منها لمتحف SMITH SANION  الذي يحتوي على أهم ما تضمنه مختلف علوم العالم.

ونشرت الجامعة الأمريكية بالقاهرة القداس الباسيلى فى عام 1998م، بعد العيد المئوي لميلاد د. راغب مفتاح مباشرة، ويشمل هذا العمل – والذي أستغرق اكتماله ثلاثين عامًا - علي نص القداس كاملًا باللغة القبطية والعربية ويحتوي علي ترجمة أنجليزية، بالإضافة علي ستة أشرطة كاسيت للقداس الباسيلي، ويشمل هذا العمل ايضًا عدد 26 بكرة لف لشرائط تحتوي تسجيل لقداس القديس غريغوديوس..

وتم تكريم د. راغب مفتاح في مناسبات وأحتفالات عديدة، وصار اسمه مقترنًا بالموسيقي القبطية التي عشقها وأفنى نفسه في حفظها من الضياع، وتسليمها للعالم كله بكل دقة، وأثار حبه للموسيقى ميول ومواهب كل المعاصرين ومعلمين الكنائس والأديرة وشباب الدارسين من الكلية الاكليريكية ومعهد الدراسات القبطية للمساهمة في حفظ لغة المشاعر الراقية.

وكانت أُمنية د. راغب، أن تكون للموسيقي القبطية مُقرر دراسي في الجامعة لتقنين هذا الفن الجميل ووضعه في أسس علمية ومنهجية ونشره والأستفادة منه الأستفادة القصوى وأوصى الأقباط  أن: « يتعلموا ويقرأوا هذا التراث الكنسي والمحافظة علي هذه الجوهرة الثمينة التي وصلت الينا من حوالي ألفي عام، وأستلمة جيل بعد جيل»، كما قال د. راغب: "أنه نظراً لأهمية اللغة القبطية والألحان الكنسية وموسيقاها وعذوبتها وسهولتها فإنه يجب تعليمها للأطفال منذ نشأتهم وذلك للحفاظ علي جمال طقوس الكنيسة وتراثنا المصري. فقد وهب الله الأطفال ذاكرة ممتازة للغات وحفظ الكلمات". ويقول على اللغة القبطية «أنها لغة الصلاة وأن ميزة هذه اللغة أن أغلب كلماتها تحتوي علي حروف متحركة كثيرة تؤدي إلي سهولة اللفظ وجمال الغناء، لهذا السبب تفقد أنغام هذه اللغة عندما تنقل إلي لغة أخري 70 % علي الأقل من أصولها الموسيقية».

أخيرًا تنيح د. راغب مفتاح في 16 يونيو2001 م بعد 103 عام، قضى منهم قرابة خمسة وسبعين عامًا خادمًا وحافظًا التراث اللحني القبطي.

المراجع:

ا. د. رفعت ميخائيل خليل، الأستاذ الدكتور / راغب مفتاح، مجلة معهد الدراسات القبطية 2002م، ص 27 - 29.

الأنبا صموئيل والقمص متياس نصر، ذكريات مع الألحان القبطية د. راغب مفتاح.

د. ماجد عزت إسرائيل، راغب مفتاح رائد الموسيقى القبطية، نسخة إلكترونية.

أ. د. مينا بديع عبد الملك، أعلام مضيئة في تاريخ مصر، سنة 2002م.

مجلة الكرازة عدد 21، 22 السنة 29 بتاريخ 29 - 6 - 2001م.