الكَنِيسَةُ ضَمِيرُ عَصْرِهَا – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
التصنيفات الكنيسة, عقيدة
آخر تحديث 12 مايو 2020

الكَنِيسَةُ ضَمِيرُ عَصْرِهَا

إن مصداقية الكنيسة في دفاعها عن المظلومين والمضطهدين والمسحوقين من كل دين وجنس تتأكد في سِجِلّ طهارة حياتها الداخلية... فالكنيسة هي ضمير عصرها، وقد وُضعت في العالم لتكون قدوة ونورًا وأخًا أكبر وحضنًا أبويًا لكل شرائح وفئات المجتمع وليس لأعضائها فقط... منارة نور وسط ظلمة الفساد الأخلاقي والتدنّي وتفاقم المشكلات الإنسانية والاقتصادية في المجتمع، مؤدية لواجبها الوطني من خلال شعبها الذين يتعين عليهم أن يجتهدوا هم أيضًا ليترجموا إيمانهم المسيحي إلى مواقف بنّاءة في خدمة الوطن. في مصرنا كنزنا وكنيستها العريقة خميرة إذا نشطت خمّرت العجين، وإن عجزت أو تعاجزت فلن تكون بعيدة عن المسئولية، فهي صوت الله الصارخ في البشرية، ذلك الصوت الذي يرفض الطغيان والاستبداد والظلم والفساد والتخريب والإيذاء... الكنيسة المستعدة عملها أن تشهد لله، وهي قوة الدفاع عن حقوق المظلومين والمقهورين والجوعانين، وهي في ذلك مسئولة عن خدمة الوطن والمجتمع أمام الله وأمام التاريخ وأمام الشعب. ولا عجب في أن تكون الكنيسة امتدادًا للصوت النبوي لأنبياء العهد القديم، وهو أيضًا الحضور الحي للمسيح في المواقف الإنسانية حيث يُهان إخوته البشر. لا ننسى أن تحقيق تأثيرنا وحضورنا في ذاته هو تكميل لكرازتنا كملح وكنور وكسفراء، نسعى لكبح تجبُّر الطغاة ولإيقاف قُبح افترائهم، وكفا ما تكبدناه من مظالم وحرائق ومذابح، وما عانيناه كأقباط من مجازر كان آخرها في نجع حمادي ثم في العمرانية ثم في الاسكندرية ثم في قطار سمالوط... لا بد علينا كأقباط أن نشارك في صناعة تاريخ مصر الجديدة وأن ننخرط في المصالحة الوطنية، فمصر كلها تستحق أفضل حياة كريمة، ولنتضرع إلى الله ونطلب وسط زحمة الهرج والمرج هذه وجه ربنا القدوس ليحرس بلادنا التي سار على ترابها وباركها وصنع فيها أعاجيبه، وليوقف الله كل التيارات المسمومة التي تُعيق قيام دولة مصرية ديمقراطية مدنية عصرية حديثة... وليحمِ الله شعبها ومُقدَّراتها لتبقى جنة الله في أرضه. لقد عاش آباء الكنيسة الأولون في عالمنا هذا... عاشوا آلام ومِحَن مجتمعهم، رعوا شعبهم بأصالة وبلا انتظار لمكافأة، عاشوا حقًا مسيحيتهم، ولم تتناقض أعمالهم مع أقوالهم، ومازالوا يُعلِّمون بنموذج حياتهم، لذلك فإن المساهمة الفعالة الحية لآباء الكنيسة التي يقدمونها لإنسان العصر الحديث باعتبار أنهم النماذج الحية للمسيحية الحقّة، وهم الصورة الحية القابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر. لم يكن آباء الكنيسة الأولون متلاعبين بالمنطق والحَدْس العقلي وتوازنات العالم... بقدر ما كانوا ينشدون الصلاح الروحي والبنيان الذي يكمله الله ويسنده بالكيفية التي تتناسب مع خطة خلاصنا. أيضًا لم يكونوا مؤلفي نظريات عن الإيمان المعاش، بل عائشين هذا الإيمان في اتّساق، لذا لم تكن الكنيسة يومًا ما مُكمَّمة ولن تكون، لأنها كنيسة الله الكلمة التي تخدم الخلاص، خلاص النفوس المتعبة والثقيلة الأحمال لتعود إليها أصالتها وحريتها في الله تحت نِير المسيح الهيِّن وحِمْله الخفيف (لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أفسس 10: 2).

ويعلمنا الآباء بأن نحيا التقوى الصادقة في حرية أولاد الله... وفي أن نلتزم بحاسة التقوى الصحيحة بحسب الإنسان الباطن، وأن نقوم لنزرع لا في إناء مغلق ضيق ولكن في الحقول الواسعة الرحبة، فالمسيحي الحق لا يمكن أن يعيش منعزلاً عمن حوله، لأن موقف المتفرج ليس موقفًا مسيحيًا، لكنه موقف اقتناء الإمكانية للتمييز بين اليمين (الجيِّد) واليسار (الرديء) بين الصحيح والخطأ، بقيادة الروح القدس الرب المحيي، تلك القيادة التي لا تتمشّى مع الفردية أو العاطفية لكن مع شركة الكل في حياة جسد المسيح الواحد، التي أراد لها المسيح الرأس أن تكون من أجل العالم لا أن تكون منفصلة عنه... فوظيفة الكنيسة لا تقاس بأرضاء الحكام أو الإذعان لهم، وإنما بإعلاء وإعلان الحق والعدل والرحمة وفقًا للمواطنة السماوية والمصرية معًا.