عقيدة الكفارة والفداء وإعلان محبة الله وعدله على الصليب – الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأنبا بيشوي – مطران دمياط والبراري ورئيس دير الشهيدة دميانة ببراري بلقاس
السلاسل سلسلة الرد على الهرطقات - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري
التصنيفات دراسات عقيدية مجمعة, عقيدة
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 4.999 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
1MB

تقديم

رتبت عناية الرب أن أقوم بإعداد هذا الكتاب بالاشتراك مع الصديق العزيز الدكتور جوزيف موريس فلتس السكرتير المساعد المشارك فى اللجنة المشتركة للحوار الأرثوذكسى الرسمى التى شرفنى قداسة البابا شنودة الثالث بتمثيل كنيستنا فيها، واختار الدكتور جوزيف لعضوية هذه اللجنة مع جناب القمص تادرس يعقوب وجناب القس الدكتور شنودة ماهر. فكانت لنا لقاءات كثيرة ودراسات وجهادات عديدة حول طبيعة السيد المسيح وحول المجامع التى عقدت لهذا الغرض. وكانت الجهود التى قامت بها لجنة الحوار هى من أجل السعى للوحدة بين عائلتى الكنائس الأرثوذكسية.

وكما اشتركنا فى لجنة الحوار الأرثوذكسى نشترك الآن معاً فى إصدار هذا الكتيب من أجل إبراز حقيقة عقيدة الفداء فى مواجهة العديد من التعاليم الغربية التى بدأ البعض يروّجون لها فى هذه الأيام.

وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث –حفظه الرب- بإلقاء العديد من المحاضرات فى الكلية الإكليريكية ونشر العديد من المقالات فى مجلة الكرازة لمواجهة ما أسماه قداسته “بدع معاصرة”.

ونحن فيما نقتفى آثار خطوات قداسته فى هذا المجال إنما نرغب فى تأكيد إلتفاف الجميع حول القيادة الحكيمة لقداسة البابا لكنيستنا المجيدة فى حفظ الإيمان الأرثوذكسى المسلَّم مرة للقديسين.

عيد القديس كيرلس

عامود الدين       بنعمة الله

10/7/2000م          مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى

3 أبيب 1716ش     ورئيس دير القديسة دميانة ببرارى بلقاس

يقول المزمور “الرحمة والحق تلاقيا. العدل والسلام تلاثما. الحق من الأرض أشرق والعدل من السماء تطلع” (مز84: 10، 11). فكما أن الصليب هو إعلان عن محبة الله حسب قول السيد المسيح: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16)، فإن الصليب أيضاً إعلان عن قداسة الله الكاملة وعن عدالته المطلقة. كما هو مكتوب “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب9: 22).

فالغفران الإلهى هو غفران مدفوع الثمن. لأن الخطية والبر لا يتساويان عند الله. ولكى يعلن الله بره الكامل وقداسته المطلقة فلابد أن يعلن غضبه على الخطية. كقول معلمنا بولس الرسول: “لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم” (رو1: 18). ويقول أيضاً معلمنا بولس الرسول: “مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى” (عب 10: 31)، ويقول: “لأن إلهنا نارٌ آكلة” (عب12: 29). وقيل عن عمل السيد المسيح الفدائى المذكور فى سفر الرؤيا “وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شئ” (رؤ19: 15).

إذاً، الله يغضب بسبب الخطية وهذا واضح تماماً فى كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد المقدسة. ولكن توجد موجة معاصرة وسط بعض أفراد الكنيسة، نقلاً عن لاهوتيين غربيين محدثين، تَدّعى أن الله لا يغضب بسبب الخطية، ولا يعاقب الخطاة على خطاياهم. وتستبعد فكرة إيفاء العدل الإلهى حقه على الصليب. وتستنكر فكرة العقوبة فى حكم الموت الذى صدر ضد الإنسان. وبهذا يبدأ تمييع فكرة الفداء وعقيدة الكفارة بما يؤدى إلى إهدار قيمة العقيدة المسيحية. موضوع خطير إلى أبعد الحدود..!

غضب الله

لا أحد يستطيع أن ينكر غضب الله بسبب الخطية، بل لابد أن تُعلن قداسة الله الكاملة كرافض للخطية والشر فى حياة الإنسان أى كرافض لخطية الإنسان. عدل الله فى محاسبته على الخطية معناه أن تظهر قداسة الله الكاملة بأن تنال الخطية قصاصاً عادلاً. حتى لو دفع الثمن من يحمل خطية الإنسان عوضاً عنه، مانحاً الخاطئ فرصة للتوبة والحياة، بعد أن يكتشف بشاعة الخطية ويكرهها قابلاً محبة الله الشافية والغافرة التى يمنحها الروح القدس فى الأسرار.

كان الإنسان الضائع الذى سقط فى فخ إبليس، وسقط تحت الغضب الإلهى يحتاج إلى من يخلّصه. كقول الرب: “من يد الهاوية أفديهم. من الموت أخلّصهم” (هو13: 14). وكان الأمر يحتاج إلى من يسحق سلطان الموت ويهزم طغيانه، ويحرر المأسورين ويخلصهم من أسر إبليس وينقذهم من الغضب الإلهى.

 تحرير البشر من سلطان الشيطان

يتضح ذلك من كلام السيد المسيح لبولس الرسول حينما ظهر له وهو فى طريقه إلى دمشق وقال له: “قم وقف على رجليك لأنى لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم لتفتح عيونهم كى يرجعوا من ظلماتٍ إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بى غفران الخطايا ونصيباً مع المقدّسين” (أع 26: 16-18).

إنقاذ البشر من غضب الله

إن السيد المسيح احتمل الغضب. الألم الذى احتمله هو نتيجة الغضب المعلن ضد الخطية. الغفران فى المسيحية، ليس غفراناً بلا ثمن بل هو غفران مدفوع الثمن. والذى دفع الثمن هو السيد المسيح بدافع محبته لكى يخجل الخطاة بهذا الحب العجيب..

فالإنسان يخجل من خطاياه التى تسببت فى آلام المخلّص، واحتماله التعيير، وموته كما قال بفم النبى “تعييرات معيّريك وقعت علىّ” (مز69: 9).

إن الإنسان حينما ينظر إلى صليب الرب يسوع المسيح يقف مبهوراً من محبته، ومخزياً من كل خطية تسببت فى صلبه. إنه يرى فى الصليب الحب بأجلى معانيه. ويرى أيضاً العدل يأخذ مجراه. ويسمع كلمات الرسول منذراً إياه هو وغيره من المؤمنين: “قد اشتُريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله” (1كو6: 20). وأيضاً قوله فى (1كو6: 19) “أنكم لستم لأنفسكم” بل للمسيح. أليست هذه هى الأنشودة الرسولية “كى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات لأجلهم وقام”  (2كو5 : 15).

إن الله لكى ينقذنا من نتائج خطايانا، “أرسل ابنه كفّارة لخطايانا” (1يو4: 10) وأدان الخطية كقول معلمنا بولس الرسول: “الله إذ أرسل ابنه فى شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية فى الجسد” (رو8: 3). إدانة الخطية فى الجسد، تعنى أن الخطية قد أدينت على الصليب. فالله “لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين” (رو8: 32)، الله لم يشفق على ابنه حينما حمل خطايانا فى جسده بل أعلن غضبه على الخطية لكى تنال الخطية دينونة عادلة. وهنا يتبرر الله كقدوس وكرافض للشر.

إن الله يريد أن يعلن نقمته وغضبه ضد خطية الإنسان. فمن يقبل أن يحمل المسيح خطاياه عنه، فإنه يرى بعينيه الخطية قد سُمرت على الصليب. ويعلم بهذا أن خطاياه قد غُفرت. يرى بعينيه الخطية وقد أدينت دينونة عادلة. وهكذا قال معلمنا بولس الرسول: “إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إيّاه بالصليب” (كو2: 14).

ويشرح القمص تادرس يعقوب هذه الآية ويقول: ماذا يعنى تمزيق صك الدين الذى علينا الذى أعلنته فرائض الناموس؟ إلا إيفاء الدين تماماً بالصليب.

وقد أشار القديس يوحنا ذهبى الفم إلى أهمية رفع الغضب الإلهى لإتمام المصالحة فقال: [ولكى تعلموا أننا أخذنا الروح القدس كعطية تصالح الله معنا.. وأن الله لا يرسل نعمة الروح القدس إذا كان غاضباً منا. لكيما إذا اقتنعت بأن غياب الروح القدس هو دليل غضب الله، تتأكد أن إرساله مرة أخرى هو دليل المصالحة لأنه لو لم تكن المصالحة قد تمت لما أرسل الله الروح القدس] (العظة الأولى عن عيد حلول الروح القدس).

فلماذا يميل البعض إلى رؤية الحب الإلهى مُعلناً على الصليب ولا يميلون إلى رؤية الخطية مدانة هناك؟ إننى أخشى أن يكون هؤلاء البعض لديهم تعاطف مع الخطية فيستثقلون إعلان غضب الله ضد الخطية الذى رأيناه فى الصليب!! فحينما يتكلمون عن الحب يرحرحون له، ويرحبون به. وحينما يأتى الحديث عن إدانة الخطية وعن غضب الله بسبب الخطية فإنهم يتهربون من مواجهة هذه الحقيقة التى لا تريح أنفسهم. وإننا لنرى فى هذا عجباً، لأن نفس الذين يرددون هذا المعنى قد وصل بهم المطاف إلى القول التالى: [الذى غُلب من شهوته توقفه ذبيحتك بلا لوم أمام أبيك مقبولاً. والذى تعذّرت توبته ألا تكفى ذبيحتك أن تكون له توبة وأنت ضمين].

فانظروا يا ذوى الألباب وافهموا ما هو القصد من هذه الحبكة الفكرية؟ تجاهل العدل الإلهى والهروب من مواجهة فكرة العقوبة، ثم الانحدار إلى هاوية إعلان قبول الله للخطاة بغير توبة.

هذا المسلسل الرهيب الذى لو تركناه فسوف يؤدى إلى الاستخفاف بالخطية وهلاك الرعية.. وهنا نتذكر قول معلمنا بولس الرسول: “مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى” (عب10: 31). “من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذى قدّس به دنساً وازدرى بروح النعمة” (عب10: 28، 29).

“فإننا نعرف الذى قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب. وأيضاً الرب يدين شعبه. مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى”     (عب10: 30، 31). وقو له أيضاً: “لذلك ونحن قابلون ملكوتاً لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى. لأن إلهنا نارٌ آكلة”. (عب12: 28، 29).

نحن اليوم حينما نقول: {سامحنا يا رب} عندما نخطئ؛ يقول لنا الرب: نعم أسامحكم لكن لابد أن تفهموا أن خطيئتكم ثمنها مدفوع. ثمناً غالياً..

 لماذا لا يغفر الله لنا بدون الصليب ؟

البعض يقولون لماذا لا يغفر الله الخطية بناءً على طلب الإنسان بدون آلام الصليب ومعاناته. ونحن نجيبهم: إن الله إذا غفر بدون قصاص كامل للخطية يكون كمن يتساوى عنده الخير والشر. وإذا كان الغفران هو علامة لرحمته فأين قداسته الكاملة كرافضٍ للشر إن لم تأخذ الخطية قصاصاً عادلاً؟

نحن نفهم أن الله يقول أنا أغفر لكم. لكنى أغفر لمن يُدرك قيمة الغفران إن ثمنه غالٍ جداً؛ ولمن يقبل نعمة الشفاء من الخطية بفعل التجديد والتطهير الذى يعمله الروح القدس.

ما الفائدة أن مريضاً يطلب من الطبيب أن يسامحه على مرضه دون أن يطلب منه الشفاء؟!! الأجدر بالمريض أن يطلب من الطبيب أن يشفيه بكل الأدوية الضرورية. وهكذا لا يكفى طلب المغفرة من الله بدون وجود سبب للمغفرة، بل يلزم طلب المغفرة على حساب دم المسيح وطلب الشفاء وقبول تعاطى الدواء الذى يمنحه الطبيب السماوى وهو تجديد الطبيعة بالمعمودية وممارسة الأسرار المقدسة.  والكتاب يقول عن شفاء مرض الخطية التى دفع ثمنها السيد المسيح “الذى بجلدته شفيتم” (1بط2: 24).

وقيل أيضاً أنه “مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا” (إش53: 5، 6).

الإنسان يشعر أن ثمن خلاصه مدفوع، وأن السيد المسيح اشتراه بدمه. فلم يعد ملكاً لنفسه. وأنه قد دُفن مع المسيح وصُلب معه فى المعمودية. فحينما تأتى الخطية وتقول له خذ نصيبك من المتعة، يقول لها أين هو نصيبى من لذة الخطية؟! هل الميت له نصيب فى ذلك؟!! لهذا يقول القديس بولس الرسول: “احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا” (رو6: 11). فالإنسان يرى أن خطيته قد دُفع ثمنها لكى ينال الغفران.

يأتيه الشيطان ويقول له ارتكب الخطية مرةً أخرى. فيجيبه: كيف ذلك؟!! هذه الخطية ثمنها غالٍ.. الغفران مدفوع الثمن بالكامل. لأن “أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23).

فالموت الذى أستحقّه أنا، المسيح مخلصى دفع ثمنه بالكامل. الإنسان يخجل من نفسه كلما ينظر إلى الصليب ويشعر بالخزى، يحتقر نفسه.. يكره نفسه.. يكره النفس التى تطالب بالخطية وبلذتها.. يبكت نفسه ويقول فى مقابل هذه اللذة الرخيصة العابرة قد جُلد المسيح الذى أحبنى بالسياط وسُمّر بالمسامير. إذاً فكل لذة محرَّمة يقبلها الإنسان قد دفع ثمنها السيد المسيح بالجلدات الحارقة فى جسده المبارك تلك التى احتملها فى صبر عجيب وهو برئ.

فإذا تجاهلنا العدل الإلهى.. فما الداعى للصليب أصلاً؟.. ما لزومه؟ هل الصليب مجرد تمثيلية لكى يظهر لنا السيد المسيح محبته فقط؟!! ثم ما معنى كلمة “الفداء”؟ حينما يقول “ليبذل (المسيح) نفسه فدية عن كثيرين” (مت20: 28) أو “الذى بذل نفسه فدية” (1تى2: 6). هل أصبحت كلمة الفداء كلمة ليس لها معنى؟

والعجيب أن البعض يرفضون أن يقدم الفادى نفسه فى موضع الخاطئ. أى يضع نفسه فى مكان الخاطئ بينما الكتاب واضح إذ يقول إشعياء النبى: “والرب وضع عليه إثم جميعنا” (إش53: 6). وقال القديس يوحنا المعمدان: “هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم” (يو1: 29). ويقول أيضاً إشعياء النبى: “جعل نفسه ذبيحة إثم” (إش53: 10). ويقول معلمنا بطرس الرسول فى رسالته الأولى: “عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى.. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب” (1بط1: 18، 19). ويقول معلمنا بولس الرسول: “المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا” (غل3: 13). ويقول: “قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله” (1كو6: 20). ويقول “إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إيّاه بالصليب” (كو2: 14).

ماذا يعنى تمزيق صك الدين الذى كان علينا؟ إلا إيفاء الدين تماماً بالصليب. فلماذا نحسب الدين إهانة للمخلص المحبوب؟

بولس الرسول يقول فى جسارة: “لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” (2كو5: 21).

القديس مار أفرام السريانى يقول: [السبح للغنى الذى دفع عنا ما لم يقترضه وكتب على نفسه صكاً وصار مديناً] (الترنيمة الثانية عن الميلاد).

القديس أمبروسيوس يقول: [بالجسد عُلّق على الصليب ولأجل هذا صار لعنة. ذاك الذى حمل لعنتنا] (شرح الإيمان المسيحى -الكتاب الثانى- الفصل 11).

والقديس أثناسيوس يقول: [ولأن كلمة الله هو فوق الكل فقد لاق به بطبيعة الحال أن يوفى الدين بموته وذلك بتقديم هيكله وآنيته البشرية لأجل حياة الجميع] (تجسد الكلمة فصل 9 الفقرة 2).

مسألة إهانة كرامة الله

الذيــن يرفضـون عقيـدة الكفــارة يقـولون: [إن شــر الإنسـان لا يمكن أن يجرح كرامة الله، ولا يهينه. إذ كيـف  للإنسان أن يمس كرامة الله، حتى لو فعل الإنسان كل ما فى وسعه من شر!!؟] ونحن نجيب عليهم بأن خطية الإنسان لن تَمُس كرامة الله طالما يُعلن الله غضبه ضد الخطية. أما إذا لم يعلن غضبه كقدوس ففى هذه الحالة -وهذا مستحيل- تكون كرامته قد أُهينت إذ لم تعلن قداسته المطلقة كرافض للشر. ولهذا فنحن نرى العدل والرحمة يتلاقيان بالصليب وبهذا أعلنت قداسة الله العادل ومحبته فى آنٍ واحد.

وقد أوضح القديس أثناسيوس أن العدل الإلهى قد استوفى بآلام وموت الصليب فقال: [لهذا كان أمام كلمة الله مرة أخرى أن يأتى بالفاسد إلى عدم فساد، وفى نفس الوقت أن يوفى مطلب الآب العادل، المطالب به الجميع، وحيث إنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذى يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شئ وأن يتحمل الآلام عوضاً عن الجميع وأن يكون نائباً عن الجميع لدى الآب] (تجسد الكلمة فصل 7 فقرة 5).

الموت النيابى

ينادى البعض فى زماننا الحاضر بأن السيد المسيح لم يمت عنا بل مات لأجلنا. بمعنى أنه لم يمت على الصليب بدلاً عنا بل مات بنا وبهذا نكون قد متنا معه!!!

ويقولون إنه من الخطأ القول بأنه تألم عنا أو صلب عنا أو مات عنا.. وهكذا وقد نسى هؤلاء أن الكنيسة كلها تردد فى قانون الإيمان فى جميع صلواتها الليتورجية عن السيد المسيح أنه [نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى] فمن الواضح أننا نعترف بأنه صلب عنا..

وإن السيد المسيح نفسه قال إن “ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين”. (مت20: 28).

وما معنى الفدية إن لم تكن عوضاً عمن افتداهم؟!!

لو كنا قد متنا مع المسيح يوم صلبه فى يوم الفداء، فما هو لزوم الفداء؟ إننا فى هذه الحالة نكون قد دفعنا ثمن الخلاص بأنفسنا فى يوم الصليب.

نحن صلبنا مع السيد المسيح ودفنا معه يوم قبولنا لسر العماد المقدس كقول معلمنا بولس: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جِدّة الحياة” (رو6: 3، 4).

إن الروح القدس بعمل فائق للطبيعة وفوق الزمان والمكان يعمل فى سر العماد ويأخذ من استحقاقات موت المسيح ويعطينا.. يمنحنا الغفران باستحقاقات دم صليبه ويمنحنا الطبيعة الجديدة التى تليق بحياة البنوة لله ويجعلنا أعضاء فى “جسده الذى هو الكنيسة” (كو1: 24). النعمة الإلهية لا حدود لها أما نحن فمحدودين.

نحن لم نكن موجودين قبل أن نوجد لكى نشارك المسيح تقديم نفسه فدية عن حياة العالم. وكيف نكون موجودين من ألفى عام؟ هل نأخذ حالة عدم المحدودية لكياننا البشرى المحدود بالزمان والمكان؟!!

نحن كنا فى صُلب آدم حينما أخطأ فى الفردوس لأننا من نسله بحسب طبيعتنا البشرية. ولكننا لسنا من نسل السيد المسيح بحسب طبيعتنا البشرية، لأن السيد المسيح لم ينجب نسلاً جسدياً مثل آدم، بل الروح القدس يجدد هذه الطبيعة فى المعمودية ويمنحنا التبنى بالولادة الجديدة من الماء والروح لأن “المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح”    (يو3: 6). نحن نصير أولاداً لله فى المعمودية وننتقل من الانتساب إلى آدم إلى الانتساب إلى السيد المسيح طالما نكون ثابتين فيه ونحيا فى حياة القداسة والبر وبهذا نصير أعضاءً فى جسده أى الكنيسة التى هو رأسها.

إن السيد المسيح قد اشترك فى طبيعتنا بلا خطية لكى يصير قادراً أن يموت نيابة عن جميع الذين افتداهم حينما حمل خطاياهم مسمراً إياها بالصليب.

عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولى فى كتاب تجسد الكلمة الفصل الثامن: [وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسداً مماثلاً لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضاً عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا، وذلك: أولاً: لكى يبطل الناموس الذى كان يقضى بهلاك البشر، إذ مات الكل فيه، لأن سلطانه قد أُكمل فى جسد الرب ولا يعود ينشب أظفاره فى البشر الذين ناب عنهم. ثانياً: لكى يعيد البشر إلى عدم الفساد بعد أن عادوا إلى الفساد، ويحييهم من الموت بجسده وبنعمة القيامة، وينقذهم من الموت كإنقاذ القش من النار].

وأيضاً فى الفصل التاسع [وإذ رأى الكلمة أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى باتحاده بالكلمة، الذى هو فوق الكل، يكون جديراً أن يموت نيابة عن الكل، وحتى يبقى فى عدم فساد بسبب الكلمة الذى أتى ليحل فيه وحتى يتحرر الجميع من الفساد، فيما بعد، بنعمة القيامة من الأموات. وإذ قدّم للموت ذلك الجسد، الذى أخذه لنفسه، كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فوراً عن جميع من ناب عنهم، إذ قدم عوضاً عنهم جسداً مماثلاً لأجسادهم].

إن السيد المسيح قد ناب عن البشر الخطاة وصُلب بدلاً عنهم وأوفى الدين الذى علينا. لم يكن معه أحد على الصليب يوم صُلب لأنه هو المخلص الوحيد الذى ليس بأحد غيره الخلاص وهو الوحيد الذى بلا خطية والوحيد الذى يستطيع أن يحمل خطايا العالم كله ويكون فدية مقبولة أمام الآب السماوى لسبب بره الكامل وذبيحته الفائقة فى قيمتها فى نظر الله الآب لأنها ذبيحة الابن الوحيد “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).

إن كان هناك أحد قد صلب مع المسيح فى يوم الفداء على الجلجثة فلماذا دار الحوار التالى بين إشعياء النبى والسيد المسيح بروح النبوة؟: “من ذا الآتى من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهى بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟ أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص. ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة؟ قد دست المعصرة وحدى ومن الشعوب لم يكن معى أحد. فدستهم بغضبى ووطئتهم بغيظى فرش عصيرهم على ثيابى فلطخت كل ملابسى” (إش63: 1-3).

أليس هذا هو المخلّص المسيح الذى رآه يوحنا فى رؤياه راكباً فرساً أبيض “وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله.. وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله.. رب الأرباب” (رؤ19: 13-16)؟.

لو كان أحد قد شارك المسيح فى يوم صلبه فلماذا قال: “من الشعوب لم يكن معى أحد؟!!” ولماذا قال لتلاميذه: “تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوننى وحدى. وأنا لست وحدى لأن الآب معى؟!!” (يو16: 32). لو كان هناك من رعيته من صلب معه فلماذا قال لمن أرادوا أن يقبضوا عليه: “إن كنتم تطلبوننى فدعوا هؤلاء يذهبون” (يو18: 8). ولماذا قال: “أنا أضع نفسى عن الخراف” (يو10: 15). ولماذا تنبأ قيافا وقال: “أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه” (يو11: 49-51). كيف يتجاسر أحد أن يقول إنه قد شارك المسيح فى صلبه يوم الجلجثة وفى تقديم ذبيحة الفداء بينما النبى إشعياء يقول: “كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا” (إش53: 6).

حتى اللص اليمين الذى صُلب إلى جوار السيد المسيح ومات على الصليب لا يستطيع أن يقول أن المسيح لم يمت بدلاً عنه. لأن موت اللص اليمين على الصليب كان عقوبة أرضية على جرائمه التى ارتكبها فى حياته على الأرض. ولم يكن هذا ليعفيه من القصاص الأبدى على الإطلاق.. لولا أن المسيح مات بدلاً عنه على الصليب لما أمكن أن ينجو من الموت والهلاك الأبدى. وبواسطة ذبيحة الصليب الكفارية أمكن أن يفتح له باب الفردوس بناءً على توبته وبناءً على طلبته. اللص اليسار هو أيضاً مات ولكنه هلك لأنه لم ينتفع من موت المسيح عوضاً عنه على الصليب.

لا وجه للمقارنة على الإطلاق بين صليب المسيح وصليب اللص، لأنه على صليب المسيح كانت الذبيحة الوحيدة المقبولة أمام الله الآب، والتى تفى بكل ديون الخطاة، وتوفى العدل الإلهى تمام الإيفاء.

لذلك وردت النصوص التالية عن ذبيحة المسيح على فم أشعياء النبى :

“أما الرب فسُرّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم” (إش53: 10).

“عبدى البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها”   (إش53: 11).

“هو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين” (إش53: 12).

والسؤال الخطير الآن هو ما يلى:

إذا كنا قد صلبنا مع المسيح فى يوم الصـلب بحيث لم  يصلب عنا بل صُلب بنا كما يقول البعض فهل نصلب معه مرة ثانية فى المعمودية أم لا؟!!

وهل يجوز أن يتكرر الصليب بالنسبة له، أو بالنسبة لنا؟!!

وما فائدة أسرار الكنيسة والمعمودية؟ وما فائدة عمل الروح القدس فى الكنيسة؟!!

نحن ننال شركة الموت مع المسيح فى المعمودية، ولهذا قال القديس بولس الرسول فى حديثه عن المعمودية: “إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته” (رو6: 5).

ونحن فى قوله “صرنا متحدين معه” يدل على أن هذا شئ قد حدث فى وقت العماد ولم يكن حادثاً من قبل. وإلا فما معنى الصيرورة هنا (من كلمة صرنا).

إننا نحذّر من هذا التعليم الغريب والخطير الذى يهدم عقيدة الفداء فينبغى أن نثبت على تعليم الآباء القديسين القدامى وتعليم قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته الذى أكد مراراً ضرورة التمسك بالتعليم الآبائى الصحيح “كى لا نكون فى ما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال” (أف4: 14).

موهبة التكلم بألسنة - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري

طقس معمودية الأطفال - رد على الهرطقات - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري

سلسلة الرد على الهرطقات - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري
سلسلة الرد على الهرطقات - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري