الترجمـة السبعينيـة للعهد القديم – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات الأستاذ معوض داود عبد النور
التصنيفات الكتاب المقدس, دراسات في العهد القديم
آخر تحديث 7 فبراير 2021


الترجمـة السبعينيـة للعهد القديم.

بيشوي فخري.

مدخل:

اليهــود في الأسكنـدريـة

+ عاش اليهود في مصر قبل الأسكندر والأسكندرية، منذ السبي وقبله، وهناك أشارة صريحة لأرميا النبي: «اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ كُلِّ الْيَهُودِ السَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ» (أر44: 1).

+ وفي سفر الملوك أشارة لوجود يهود في مصر أتى بهم «شيشق» كأسرى بعد غزو فلسطين في القرن العاشر ق. م.

+ وكان هناك تجمعات معروفة بهم، خاصة في الاسكندرية والفيوم وأسوان حيث كانت مستعمرة عسكرية اليهود كانوا أحد عناصرها والتي كشفت البرديات الموجودة هناك عن طبيعة حياتهم اليومية.

+ وجاء بطليموس في العصر اليوناني بأعداد كبير منهم كأسرى فوصل عددهم إلى 100000 يهودى، واندمجوا في الحياة حتى نسوا العبرية وتكلموا باليونانية مثلما تكلموا بالآرامية نتيجة السبي.

+ من هنا صار أحتياج شديد لوجود نسخة من العهد القديم باللغة اليونانية لقرائتها خاصة للأجيال اليهودية الجديدة التي لم تتعلم العبرية.

قصة الترجمة السبعينية:

وصلت إلينا قصة الترجمة السبعينية في رسالة: «أريستياس» 110ق. م وأوردها المؤرخ يوسيفوس في عمله: (العاديات اليهودية 12: 11 - 103)، ولخّصها فيلون في كتابه: (حياة موسى 2: 25 - 44)، تقص علينا أن ديمتريوس أمين مكتبة الأسكندرية قدّم تقرير للأمبراطور بطليموس فلاديلفيوس سوتير (285ق. م - 247ق. م) مفاده أن المكتبة تضم أعظم الكتب العالمية، إلا أن أعظم خمسة كتب غير موجودة في مكتبته وهى الكتب الخاصة بالقانون اليهودي، ولكن هذه الكتب تحتاج إلى ترجمتها إلى اليونانية أولاً.

+ فقد كان العهد القديم كله مكتوب بالعبرية ماعدا 268 آية فقط كًتبت بالآرامية (دا 2: - 7: 28) (عز 4: 8 - 6: 18؛ 7: 12 - 26) (ار 10: 11)؛ بالأضافة إلى كلمتين في (تك 31: 47).

+ واستجاب بطليموس لطلب ديمتريوس وأرسل إلى أليعازر رئيس كهنة أورشليم يطلب منه علماء يجيدون اللغة اليونانية والعبرية والآرامية للترجمة مع نسخة من التوراة، فأرسل ستة شيوخ من كل سبط (72شيخ)، مع نسخة مذهبة للتوراة، واستقبلهم بطلميوس أفضل أستقبال في جزيرة فاروس... ولضمان دقة الترجمة قسمهم أثنين أثنين.. وبعد الترجمة أجسلهم ليقرأءوا ما ترجموه فكانت الترجمة دقيقة جدًا حتى في اسماء الاعلام.

+ ومع الوقت شملت الترجمة كل اسفار العهد القديم حتى نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، وآخر سفر ترجم هو سفر الأمثال، وترجم سفر يشوع بن سيراخ حفيده.

+ ولم تخضع السبعينية لعبادة الحرف في كثير من الأسفار، بل أنطلقت من الحروف العبرية لتُخاطب الثقافة اليونانية بلسانها، فجاءت السبعينية حرفية في سفري نشيد الأناشيد والجامعة لتقابل فيها اللفظ باللفظ، بينما وُجدَت حرة في سفري أيوب والأمثال بحيث بدا المترجم وكأنه يُقدِم نصًا جديدًا، بينما جاءت أدق وأكمل ما يمكن في أسفار التوراة الخمسة والأسفار التاريخية.

+ لاقت الترجمة السبعينية ترحيبًا كبيرة من الجاليات اليهودية، لأن المترجمون كانوا من اليهود، وأقتبس منها كل علماء اليهودية، وفيلون أعتبرها وحيًا ألهيًا ومن قام بها أنبياء.. ويوسيفوس المؤرخ أقتبس منها وشهد لها.. ودخلت المصطلحات اليونانية الموجودة فيها في كتابات اليهود والأبوكريفا والشعراء.

+ وفي بداية القرن الأوّل ب. م. يشهد فيلون الإسكندراني أنّ يهود مصر يذهبون كل سنة إلى جزيرة فاروس ليكرّموا المكان الذي فيه استضاء للمرّة الأولى نورُ الترجمة، وليشكروا الله على هذا الخير القديم والذي لا يزال جديدًا.

+ وكانت معين لليهود للتبشير للأمم، بديانتهم المنغلقة مما ساعد في ظهور ما يعرف في سفر أعمال الرسل: «اليهود الدخلاء»، « تجوبون البر والبحر لتصنعون دخيلاً واحدًا... (مت 23: 15) (تكررت كلمة "دخيل" في العهد الجديد أربع مرات).

+ كذلك ساهمت هذه الترجمة في نشر المسيحية التي أخبرت الأمم أن المسيح الذين يكرزون به هو المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم... وهى التي كانت بين الرسل وأقتبس منها كتاب العهد الجديد..... فمن خلال السبعينية نظرت الكنيسة إلى العهد القديم فوجدت المسيد المسيح أوضح في النبات والرموز، وأكتشفت الجذور العميقة للمسيحية في تربة أسفار العهد القديم، فأضاء العهد القديم بوجود الجديد داخله، وثبت الجديد بوجود جذوره في القديم!

+ كذلك أخذت المسيحية ترتيب، وأسماء الأسفار من الترجمة السبعينية. وكذلك القطمارس والأجبية نصوص القراءات الكتابية عن القبطية المترجم من السبعينية. بينما أخذت الترجمة البيروتية من النص العبربي وليس السبعيني وأن كان اسماء أسفار التوراة فيها هى نفس الأسماء في الترجمة السبعينية، أخذت التوراة اسماء الأسفار من أول كلمة بالسفر، بينما أطلقت السبعينية الاسماء على الأسفار طبقًا للموضوع الرئيسي للسفر:

أقســام العهد القديم في العبرية:

كان لليهود أسفار متفرقة ولما عاد عزرا الكاتب من السبي حاول جمع الأسفار المقدسة ليقيم نهضة كبيرة وسط الشعب، فجمع عزرا أسفار ولكن...

1. كان هناك أسفار مكتوبة لم يستطع عزرا جمعها، مثل: (طوبيا، باروخ).

2. كانت هناك أسفار لم تكتب مثل: (سفري المكابيين، وسفري حجي وملاخى).

3. جاء ترتيب الأسفار بحسب ترتيب قانونيتها، فقد أجمع اليهود أولاً على قانونية أسفار موسى وهو أول ما أهتم عزرا بجمعه ليصبح الركيزة والنواة الروحية التي تلتف حولها االشعب بعد العودة من السبي،.

وفي مقدمة ترجمة سفر يشوع بن سيراخ بيد حفيده حوالي 117ق. م،... ظهر ما يُعرف بــ: « التـناخ» (ת נ ך).. (ت ن خ).. التقسيم الثلاثي للعهد القديم ويضم:

24سفر، (والبعض جعلها 22 سفر حسب عدد الحروف العبرية بضم سفر راعوث إلى سفر القضاة، وضم سفر المراثي إلى سفر إرميا)، وهم الــ39 سفرًا الموجودين في الطبعة البيروتية:

الكتوبيم

כתובים

النبييم

נביאים

التوراة

תורה

أسفار حكمية

14. תהלים = مزامير

15. איוב = أيوب

16. משלי = أمثال

لفائف

17. שירהשירים = نشيد الأناشيد

18. רות = راعوث

19. איכה = مراثي ارميا

20. קהלת = جامعة

21. אסתר = أستير

تاريخية

22. דניאל = دانيال

23. עזרא = عزرا / نحميا

24. דברי הימים = أخبار أيام أول / ثاني

أنبياء سابقون

6. יהשוע = يشوع

7. שפטים = قضاة

8. שמואל = سفري صموئيل

9 - מלכים = سفري الملوك

أنبياء لاحقون

10. ישעיהו = أشعياء

11. ירמיהו = أرميا

12. יחזקאל = حزقيال

13. תרי עשר = الأنبياء الصغار

1. בראשית = تكوين

2. שמות = خروج

3. ויקרא = لاويين

4. במדבר = عدد

5. דברים = تثنية

هذا التقسيم الثلاثي نجده بوضوح في العهد الجديد:

"وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ»." (لو 24: 44).

وفي إشارة ضمنية:

لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُهْرَقُ مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ (أول قتيل في أول سفر) إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا (آخر قتيل في آخر سفر "الأخبار أيام ثاني" بحسب التقسيم) الَّذِي أُهْلِكَ بَيْنَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ. (لو 11: 50).

موقف اليهود من الترجمة السبعينية:

بعد خراب أورشليم وهدم الهيكل 70م وتفكك الشعب اليهود لعدم وجود مذبح وهيكل وكهنوت. كان لابد من وضع قانون كتابي يلتف الشعب الباقي حوله لمحاولة تحديد هويته الدينية، فأجتمع بعضهم في مدينة "يمينا أو جامينا"، لوضع قائمة الأسفار القانونية إلا أن الأمر لم يكن سهلاً أبدًا، فقد كانت الفترة السابقة للقرن الاول الميلادي تتميز بالكثير من الكتابات الرؤيوية والرجاء المسياني الموعود، بالأضافة إلى الكتابات التاريخية التي تتحدث عن تاريخ الأمة اليهودية بعد عزرا، هذا بجوار الأدب اليوناني الذي كتبه يهود الشتات تأليفًا أو ترجمة عن أصول عبرية وآرامية، فوسط هذا السيل من الكتابات اختلط عند المجتمعين ما هو موحى به من الله، وما يجب بالفعل فرزه عن الأسفار الحقيقية، فكانت القاعدة غير الدقيقة بعزل كل ما هو يوناني ومكتوب بعد عزرا خاصة وما جاء في الترجمة السبعينية التي يستخدمها المسيحيين في التفسير والتبشير!

لما وجد اليهود أن الترجمة السبعيينة يستخدمها المسيحيون في كرازتهم، خاصة مع وضوح النبوات المسيانية فيها... رفضها اليهود وحذفوا كثير من الأسفار التي جاءت فيها، وعقدوا مجمع في « جامينا» عام 90 م. رفضوا الترجمة السبعينة وأعتبروها ترجمة غير دقيقة ومن يقبلها يحرم نفسه من الحياة الآتية (التلمود الأورشليمي)، وقالوا أن الوحي توقف بعد عزرا... وأن لغة الوحي هى العبرية وما كُتب بغيرها مرفوض! (تاريخ الكنيسة ليوسابيوس: الهامش السفلى للفقرة 11 من الفصل 8 من الكتاب 5، قاموس الكتاب المقدس ص768). ومن يأتي ببيته بغير الأربعة وعشرون سفرًا الذين جمعهم عزرا يأتي ببيته وعلى نفسه بالبلية (مدارش الجامعة 12: 12). ففي نظرهم أن اليوم التي تمت فيه الترجمة السبعينية ليس أقل سوءًا من اليوم الذي عبد فيه الشعب العجل الذهبي!

وبتعبير آخر نستطيع أن نقول أنهم وضعوا هذه الأسفار (طوبيا ويهوديت...) مع الأسفار والتعاليم المسيحية (في سلة واحدة) لجعلها أسفارًا (تدنس الأيدي SEFARIM HIZONI وهو تعبير الذي أصطلح عليه للدلالة على الكتب المرفوضة (كما استخدمه التلمود).

وفي حوار الشهيد يوستينوس الشهيد مع تريفو اليهودي يقول:

"إني لا أثق بمعلميكم، الذين يعتبرون أن الترجمة التي قام بها السبعون شيخًا، لدى بطليموس ملك مصر، أنها غير صحيحة، ويحاولون أن يقوموا بترجمة خاصـّة بهم. فحذفوا أسفارًا كاملة من الترجمة التي عملها الشيوخ لبطليموس، لأنها كانت تبيــِّن وتعلن بوضوح أن يسوع (هذا الذي صُلب) كان إلهًا وإنسانًا، وأنه عـُلِّق على الصليب، ومات. يجب أن تعرفوا أني أعلم أن معلميكم ينكرون كلَّ هذه النصوص، ولذلك فأنا لا أحاول أن أحاججَكم منها، بل أحاججكم بالتي تعترفون بها فقط … لاحِظ أنني لم أحاول أن أعطيكَ برهانًا عن المسيح من مقاطع الكتاب المقدّس التي لا تقبلونها، بل فقط من التي تقبلون بها، وأخشى أن يَحذفها معلِّموكَ هي الأخرى، عندما يفهمون معانيها، كما فعلوا بالمقاطع السابقة".

فهم حرفوا نبوة أشعياء النبي وبدلوا كلمة "عذراء"، إلى فتاة، وهذا ما وضحّة يوستينوس في حواره مع تريفو:

فالمولود الذى تكلم عنه أشعياء، إن لم يكن سيولد من: {عذراء} (لأن اليهود حرَّفوها إلى: فتاة) فلماذا إذن يقول الروح: [يعطيكم السيد نفسه: {آية}: ها العذراء تحبل وتلد إبناً] (أش 7: 14)، فإن كان هذا المولود سيولد نتيجةً للتزاوج البشرى العادى، مثلما مثلما يحدث مع كل الأبكار (الفتيات)، فلماذا قال الله أنه نفسه سيعطينا: {آية}، بمعنى أنها شيئ غير عادى بين الأبكار (الفتيات). + فما هى هذه: {الآية} التى يعطيها كسبب ثقة للجنس البشرى؟ إلاَّ بأنه تجسد ووُلد من بطن عذراء (أى: تجسد معجزى وولادة معجزية، مع إستمرار كونها عذراء)، ولكنكم تتجاسرون على أن تشوّهوا الترجمة التى أعطاها شيوخكم لبطليموس ملك مصر (أى أنها ترجمة متميزة وعظيمة الشأن، تمت بواسطة أشخاص معتبرين، وقُدِّمت لملك مشهور بالتدقيق)، فتدَّعون أن الكتاب لا يحتوى على ترجمتهم بل إنه قيل: هوذا فتاة تحبل وتلد!!. فهل شيئاً كهذا — أى إنجاب إمرأة من مجامعة بشرية – يمكن أن يكون: {آية}!، أليس هو الأمر الذى تفعله كل النساء، بما فيهنَّ العواقر إذا شاء الله أن يلدن!!!... فلا تتجاسروا على تحريف نبوءات الله أو الإساءة إلى ترجمتها) (راجع: حوار يوستينوس مع تريفو – فقرة83 و84 (.

وعلماء اليهود الإثنين والسبعين فهموا الآية جيداً وترجموها جيداً، فالآية - مثلما فى مخطوطات قمران - تقول: هوذا البنت تحبل وتلد، وليس الشابة مثلما إدعى المحرفون اليهود. وكلمة البنت لا تُقال عن المرأة الناضجة إلاَّ إذا كانت عذراء، مثلما فى مواضع كثيرة بالعهد القديم، فعلماء السبعينية فهموا حقاً وترجموا حقاً.

على أننا ينبغي أن نشير إلى أن يهود الشتات استخدموا هذه الأسفار في عبادتهم، نظرًا لاتساع أفقهم اللاهوتي، بالنسبة لنظرائهم في فلسطين، بل أن جماعة الآسينيين ESSENS والتي سكنت بجوار البحر الميت في فلسطين كانت تستخدم هذه الأسفار، حيث عثر في سنة 1947 م. في كهوف قمران QUMRAN على خمسة أجزاء من سفر طوبيا وبعض من سفر يشوع بن سيراخ.

وقد أشار العالم إسفلدت EISSFALDT في طبعته الثانية لكتابه AINLATLUNG سنة 1956 م.، أن اكتشافات قمران أثبتت أن المجتمع الأسينى في قمران، عرف مجموع كتابات تتفق مغ القانون اليوناني المعمول به لدى يهود الشتات والمأخوذ عن السبعينية.

موقف الكاثوليك من الترجمة السبعينية:

ظلت الترجمة السبعينية هى الترجمة الرسمية للكنيسة ككل في الشرق والغرب مترجمة عن اللاتينية واستشهد بها كل الآباء اللاتين وحتى القرن الرابع.

في عام 383م استدعى بابا روما جيروم لأعادة الترجمة اللاتينية في ترجمة مبسطة فقام بترجمة «الفولجاتا»، لكن جيروم ذهب إلى أورشليم ولم يترجم العهد القديم من السبعينية وأنما من النسخة العبرية الخاصة باليهود، بعد محاورات معهم حول قانونية الأسفار التي وردت بالسبعينية ولجهلهم بالتاريخ أو لتعمد تشكيكه في الأسفار التي في يديه حاولوا أقناعه بمجموع الأسفار بحسب القانون العبري الأورشليمي التي لا تحتوي على الأسفار اليونانية، وألحق بها الأسفار التي جاءت في السبعينية وذكر أنه ترجم سفر طوبيا من أصل عبري، وأعتمدت الكنيسة كل الأسفار بنفس الدرجة. معتمدة على قرارات مجمع هيبو سنة 393م الذي حضره القديس أغسطينوس وأقر قانونية هذه الأسفار، ومجمع قرطاجنة سنة 397م الذي أكّد على نفس القرار.

وفي مجمع في القرن السادس عشر أبتدع لاهوتى فرنسي، «سكستس سينا» عام 1566م اسم «الأسفار القانونية الثانية»، رغم تأكيد مجمع ترنت 1546م بقانونية هذه الأسفار ومن لم يعترف بها يصبح محروم.

موقف البروتستانت من الترجمة السبعينية:

أراد مارتن لوثر ترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية عام 1534م ليحدد قانون أسفار الكتاب المقدس البروتستانتي، خاصة بعد استخدام الكاثوليك نص من سفر المكابيين الثاني بتفسير خاطئ لدعم عقيدتهم في المطهر (2مك12: 43 - 46)، فترجم الفولجاتا ووضع هذه الأسفار، بين أسفار العهد القديم والعهد الجديد وأعتبرها أسفار غير موحي بها لكنها نافعة للقراءة... وخرجت لأول مرة هذه الاسفار من مكانها، ووضعت مؤخرًا في الكتاب تحت اسم «الأبوكريفا».

عندما صدرت الترجمة الانجليزية «الملك جيمس King James Version» عام 1611م تبعت ترجمة لوثر وترتيبه.. وأستمر هذا الحال في كل الترجمات حتى عام 1827م عندما أرادت جمعيات الكتاب المقدس وأصحاب المطابع تخفيض تكاليف الطبع بالاستغناء عن ما يسمى «الأبوكريفا»، وللآسف تخلوا عن هذه الأسفار لزيادة أرباح البيع!

بالأضافة لوجود عقائد يرفضوها في هذه الأسفار مثل: (الصلاة من أجل الراقدين، شفاعة الملائكة، الصوم والصلاة).

دقة الترجمة السبعينية:

شهد الآباء للترجمة السبعينية مثل:

القديس إيريناوس (من آباء القرن الثاني): (ضد الهرطقات: ك3، ف21، ف2).

"ألم يكن الرسل الذين صادَقوا على هذه الترجمة (السبعينية) أقدم من كلِّ هؤلاء الهراطقة؟ لقد توافقت السبعينية مع تقليد الرسل، من بطرس إلى يوحنا ومتى وبولس والآخرين وكذلك تلاميذهم أيضًا. كلّ هؤلاء اقتبسوا النبوءات، واستشهدوا بها كما جاءت في هذه الترجمة السبعينية تمامًا، فكما أنّ الله حفظَ الإسرائيليينَ في مصر أيامَ صار الجوع في الأرض، هكذا أيضًا حفظَ الله كلمته سالمةً في مصر بواسطة المترجمين اليهود غير المتحيّزين... وحيث أن هذه الترجمة قد تمت قبل ظهور الرب والمسيحين فهي برهان لصحة الإيمان المسيحي".

+ القديس أغسطينوس: (مدينة الله: مجلد 3، ك 18، ف 42).

«أنهم نجحوا في اختيار تعابيرهم بحيث كان التوافق بينهم رائعا وعجيبا والهيا حقا حتى ان كلا منهم وقد اتم على انفراد ذاك العمل لم يقم بينهم اى خلاف في المعنى او في قيمة الكلام وترتيبها وبما أن المفسر ظهر وكأنه واحد ظهر تفسير الجميع موحدا لان الروح القدس في الكل روح واحد وكانوا قد نالوا من الله تلك الهبة الرائعة لكى تاخذ سلطة الكتب المقدسة لا بصفتها عملا بشريا بل بصفتها عملا الهيا.. فان الكنيسة تسلمت ترجمة السبعون كما لو انها وحيدة.. فالله أظهر تجاههم مساعدته فكل مفسر ملتزم بالتوافق مع السبعون لان الروح القدس كان يعمل في الانبياء وهو ايضا مع مفسرى ترجمة السبعون.. ».

الترجمة السبعينية هى الترجمة التي كانت وسط الجاليات اليهودية في كل العالم، ولذلك بولس الرسول يقول لتيموثاوس: «لأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكًمك للخلاص.... »، وما هذه الكتب المقدسة إلا الترجمة السبعينية.

وفي دراسة أنه في العهد الجديد 275 أقتباس من العهد القديم منهم 220 أقتباس من الترجمة السبعينية من بينهم 106 أقتباس لبولس الرسول وفي الرسالة للعبرانيين 28 أقتباس تتفق حرفيًا من الترجمة السبعينية.

والسبعينية هي الكتاب المقدس الذي استعمله الرب يسوع والرسل واقتبس منه كتبة العهد الجديد: متى، مرقس، لوقا، يوحنا، بولس، بطرس، وكل من جاء بعدهم من الرسل والآباء.

  • نقرأ في إنجيل متى 21: 16 كيف يقتبس الربّ يسوع من المزامير:

نص العهد الجديد

النص المسوري للمزمور 8: 2

النص السبعيني للمزمور 8: 2

ἐκ στόματος νηπίων καὶ θηλαζόντων κατηρτίσω αἶνον

فَقَال لَهُمْ يَسُوعُ: «نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحًا؟ »

מִפִּ֤י עֽוֹלְלִ֙ים׀ וְֽיֹנְקִים֘ יִסַּ֪דְתָּ֫ עֹ֥ז

من فم الأطفال والرضع أنشأتَ قوةً

Out of the mouth of babes and sucklings hast thou ordained strength (KJV)

ἐκ στόματος νηπίων καὶ θηλαζόντων κατηρτίσω αἶνον

من فم الأطفال والرضع أنشأتَ تسبيحًا

Out of the mouth of babes and sucklings hast thou perfected praise (LXA)

ونقرأ في (عبرانيين 11: 21) حيث يقتبس بولس عن السبعينية من (تكوين 47: 31) هكذا:

العهد الجديد

(عبرانيين 11: 21)

النص المسوري

(تكوين 47: 31)

النص السبعيني

(تكوين 47: 31)

καὶ προσεκύνησεν ἐπὶ τὸ ἄκρον τῆς ῥάβδου αὐτοῦ

بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ

וַיִּשְׁתַּ֥חוּ יִשְׂרָאֵ֖ל עַל־רֹ֥אשׁ הַמִּטָּֽה

فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ السَّرِيرِ

καὶ προσεκύνησεν Ισραηλ ἐπὶ τὸ ἄκρον τῆς ῥάβδου αὐτοῦ

فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ

لا حظ أنّ الفرق بين الكلمتَين العبرانيتَين هو التشكيل فقط: מִּטָּֽה سرير מַטֶּ֣ה عصا.

بالعبرانية מטה (مطه) والكلمة غير مَشكولة طبعًا في النص الأصلي، عندما أضاف المسوريون علامات التشكيل في القرون الوسطى أثبتوها هكذا מִּטָּֽה (مِطَّه) فصار معناها “السرير” وتبعتهم في ذلك كل الترجمات ومنها الترجمات العربية، أما الشيوخ اليهود الذين ترجموا السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد فقد قرأوها هكذا מַטֶּ֣ה (مَطِه) فصار معناها “عصا” كما أثبتوها في السبعينية، وكما استشهد بها الرسول بولس في العهد الجديد (عبرانيين 11: 21) حيث اقتبسها حرفيًا عن السبعينية.

ترتل الكنيسة الرومية في الأودية السابعة من قانون عيد رفع الصليب الكريم هكذا: “إنَّ إسرائيلَ الْمُتَأَمِّلَ فِي الآتِيَاتِ، سَجَدَ لِطَرَفِ عَصَا يُوسِفَ، فَسَبَقَ مُشِيرًا بِذَلِكَ إِلى السجودِ للصَّلِيبِ الْفَائِقِ التَّمْجِيد”.

أهمية الترجمة السبعينية:

أوّلاً: إنّها تمثّل نصًا عبرًيا للتوراة سابقًا للنص الماسوري. ولهذا فهي تساعدنا على ضبط النص الأصلي لأسفار عديدة من العهد القديم.

ثانيًا: استعملها الرسل وكتّاب العهد الجديد، فجاءت كلماتها كشهادات رسولية وأسسٍ للإيمان المسيحي.

ثالثًا: دوِّنت السبعينية في اللغة اليونانية الشائعة وهي اللغة التي دون فيها العهد الجديد، فساعدنا نصّها على فهم عبارات العهد الجديد.

رابعًا: شرح آباء الكنيسة السبعينية وتأملوا نصوصها، فلم يعرفوا غيرها توراة يهودية.

خامسًا: نُقلت عن السبعينية أقدم النصوص اللاتينية التي استعملها أوّل الآباء اللاتينيون، فاستعملوا بطريقة غير مباشرة التوراة اليونانية.

سادسًا: كانت السبعينية (بجانب العبرّية) النموذج الذي انطلق منه العلماء لينقلوا التوراة إلى ترجمات سريانية وقبطية وحبشية وجيورجية وعربية..

ملاحظات:

  • تعتبر السبعينية حتى هذه اللحظة أقدم نصٍّ كامل للعهد القديم، فالمخطوطات اليونانية التي تحتوي على كامل أسفار الكتاب المقدس تعود إلى القرن الرابع الميلادي، كالمخطوطات الفاتيكانية والسينائية والإسكندرانية.
  • أقدم النصوص المعروفة اليوم للكتاب المقدس هو بردية للسبعينية تعود للقرن الثاني قبل الميلاد محفوظة في جامعة مانشستر في إنجلترا فيها جزء من (تثنية 25: 1 - 3).
  • صدرت أول طبعة من الترجمة السبعينية في بداية القرن السادس عشر بعد اختراع الطباعة.
  • ليست الترجمة السبعينية على مستوى واحد في كل الأسفار، ومن السهل أدراك أنها من عمل مترجمين عديدين. فترجمة الأسفار الخمسة الأولى ترجمة جيدة بوجه عام. أما الأسفار التاريخية فبها بعض الملاحظات وبخاصة في الملوك الثاني... وهكذا لا تسير الترجمة في سائر الأسفار على وتيرة واحدة.. ولكنها مع ذلك تعتبر أثرًا رائعًا من النواحي التاريخية والاجتماعية والدينية، كما أنها تحتفظ لنا بمعاني كلمات عبرية لم تعد تستخدم الآن.
  • معظم اقتباسات العهد الجديد من القديم تتفق حرفيًّا مع السبعينية تصل إلى 80% من أجمالي الأقتباسات، وبخاصة في إنجيل لوقا وسفر الأعمال والرسالة إلى العبرانيين ويوحنا الرسول، ولكن في بعضها الأحيان - كما في إنجيل متى - يبدو أن الكاتِب نقل عن العبرية مباشرة، أو عن ترجمة أرامية أو غيرها من الترجمات اليونانية أو عن نسخة منقحة من السبعينية، أو انه مزج بين عبارتين من العهد القديم وصاغهما بإرشاد الروح القدس صياغة جديدة.
  • في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، اصدر أوريجانوس كتابه العظيم "الهكسابلا" أي "السُّداسية" لان كل صفحة كانت تشتمل على ستة أعمال متوازية، كل منها يحتوى على نص من النصوص بالترتيب الآتي: النص العبري، النص العبري بحروف يونانية، ترجمة اكيلا، ترجمة سيماخوس، الترجمة السبعينية (وقد أجرى عليها بعض التنقيح والكثير من الملحوظات)، ثم ترجمة ثيودوتيون. ويبدو انه رتبها بحسب تقييمه لها: وللأسف لم يصل إلينا هذا العمل الضخم، ولكن وصلنا منه جزء صغير اكتشف في نهاية القرن التاسع عشر في المكتبة الامبروزية في ميلان، وجزء أختام في "جنيزة" القاهرة.
  • ضمّت الترجمة السبعينية أسفارًا لم تأخذ بها الكنيسة ولا أعتبرتها من الأسفار القانونية مثل (سفري المكابيين الثالث والرابع، سفر آخر لعزرا، مزامير سليمان)، وهذا يُعني أن الكنيسة أختارت من بين أسفار عديدة ما رأت فيه أنها كًتبت بروح الله وما هو قادر أن يعضدنا في طريق خلاصنا وفهم تدبير الخلاص، ورفضت ما فيه مبالغات أسطورية وفلسفة عقلية وما ينُسب إلى الله ورجاله وهم بُراء منه!

هذا الفرز تطلب إجماع كنسي وليس رأى شخصي، وهو ما أستغرق جهد ووقت ليس بقليل حتى أستقرت الكنيسة على هذه الأسفار.