أعجوبة النور المقدس – الأستاذ شريف رمزي

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ شريف رمزي
التصنيفات معجزات وعجائب
الأماكن مدينة أورشليم القدس
آخر تحديث 18 أبريل 2020

#أُعجوبَة_النُّور_المُقدَّس.

تسبَّب مقطَع فيديو نُشِر قبل أيام، في حالةٍ من الجَدَلِ بين رواد فيسبوك، حول ماهية النُّور الذي ينبثق من قبر السَّيِّد المسيح سنويًّا في #سَبت_النُّور.

وفي المقطع المُشار إليه يظهر شاب وسيم يمتلك حِسًا فُكاهيًّا وأسلوبًا جذابًا وبراعةً في عرض ما يعتقد أنَّه الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يَديه ولا من خلفه. وقد اختلفت ردود فعل مُتابعيه ما بين الثَناء والهِجاء، لكن آحدًا ما لم يتوقف - ولو قليلًا - لتحليل ما قدَّمه من موادٍ تتَّصل بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر بالعِلمِ، وبالمنطق، وبالتَّاريخ!

وهو ما دعاني لأُدوِّن عِدَّة مُلاحظات شخصيَّة..

أولًا: اهتمام البعض بالإشارة إلى هويّة صاحب المقطع وموقفه الشَّخصيّ من المسيحيَّة - أو الأديان عمومًا - هى مسألة تخصّه وحده، ولا تعني أحدًا غيره، كونها مسألة شخصيَّة بحتة تتعلق بحق كل إنسان في اختيار مُعتقداته، ومن غير المُستساغ استخدامها كوسيلة إهانة أو تعريض بصاحب الفيديو نفسه، أو التَّلويح بالثأر منه عبر اتهامه بازدراء الدِّين.. لأنَّنا بشكلٍ أكثر واقعيَّة نزدري جميعًا آدياننا حينما نتخلَّى عن مبادئ تلك الأديان وننحرف إلى الحقدِ والبغضاء ونسعى للانتقامِ كلٍّ من خصومه!

ثانيًا: إن المعجزات والأعاجيب وظهورات القدِّيسين حقيقة كتابيَّة، لكنها ليست إلا استثناء.. حَدَث عارض ونادر الحدوث، وله دوافع قوِّيَّة تستلزمها حاجة البشر في مواقف لا تُفيد فيها الحلول البشريَّة. وعلاقتنا كمؤمنين بالله تستند في الأساس على #الإيمان، والإيمان - بشهادة الكتاب المقدَّس - هو: "الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب 11: 1).

أما مُحاولة البعض تحويل أنظار النَّاس عن الإيمان باجتذابهم إلى مظاهر ماديَّة وحسّيَّة ملموسة في صورة ظهورات ومعجزات وزيتًا يَنضَح من أيقونات، ففيه تَسطيح لإيماننا القويم، وانحراف عن تعليم الكتاب المقدَّس الذي يوصينا أن نَسلُك بالإيمانِ لا بالعِيَانِ (2 كو 5: 7).

ثالثًا: الفِكر يُرَد عليه بفكرٍ، والحُجَّة بالحُجَّة، والبيِّنة على من ادعى، إنّ كان آهلًا لذلك، ولست أرى في صاحب مقطع الفيديو ما يؤهله للخوض - دون تَخصُص - في العِلم والتَّاريخ والمنطِق معًا، وهو مُحمَّل بذلك القدرِ الهائل من انعدام الحياد وغياب الموضوعيَّة، والافتقار لأبسط قواعد البحث العِلميّ، الذي ظهر جليًّا واضحًا في طريقة ومضمون عرضه للمطاعن التي أوردها حيال أُعجوبة النُّور المقدَّس، برغم براعة الآداء التَّمثيلي وجاذبيَّة الإخراج!

ولنبدأ في تحليل تلك المطاعن:

أوَّلًا: #منطقيًّا:

1 - يبدأ الطاعن عرضه بتفنيد إشارة تاريخيَّة - وَرَدَت بموقعٍ إلكترونيّ يحمل اسم "مُعجزات جديدة" - وفيه قصَّة عن مُشاهدة السُّلطان صلاح الدِّين لأُعجوبة النُّور المقدس واعترافه بها! https: / / goo. gl / TkqE8W.

شخصيًّا لن أرهق نفسي، ولا قارئ تلك السُّطور، في محاولة إثبات ما فنده صاحب الفيديو.. لكني اُعارض المنطق الذي يستخدمه والذى بنى عليه اعتراضه.. ببساطة لأن عدم ثبوت القصَّة قد ينال من مصداقيَّة الموقع الإلكترونيّ، أو من حِنكة القائمين عليه، ومن ذا يبنى قبوله للمعجزة أو رفضه لها على روايةٍ واحدة، أو على مصدَّرٍ واحدٍ؟! وبخاصةٍ إذا كان ذلك المصدَّر موقعٍ مجهول الهويَّة!، فلا هو موقعٍ رسميّ يتبع طائفة مسيحيَّة مُعيَّنة ولا هو موقعٍ بحثيّ يتحرَّى الدِّقة التَّاريخيَّة فيما ينشره.

فإن صَح ادعاءك على الموقع الذي اَقمت دعواك عليه - عزيزي الطاعن - تكون قد نِلت من مكانته كأحد "مواقع بير السِّلم"، لكنك لم تَنَل من المُعجزة نفسها، ليس لأنَّها صحيحة، بل لأنَّ المنطق الذي تستند إليه ضعيف ولا يَصلُح حُجَّة للنَّيل من حدثٍ تاريخيّ، فما هَكذا تورَد الإبِل.

2 - يستخدم الطَّاعن تصريحات منسوبة لأحد البابوات الكاثوليك، تَتَضَمَّن إنكارًا للًمعجزة، مُشيرًا إلى قيمة تلك التَّصريحات كونها صادرة عن "أعلى رُتبة في الكنيسة" و "الحِبر المقدَّس"!

هُنا يضع الطَّاعن "أبو قرش على أبو قرشين"، لأن بابا الكاثوليك هو أعلى رُتبة في الكنيسة الكاثوليكيَّة، لكن كنائس العالم الأخرى (ومنها الرُّوم الأرثوذكس) لا تخضع لرئاسته، وهوّة الخلافات بين الفريقين عميقة، فبأيّ منطقٍ يستخدم الطَّاعن تصريحات منسوبة لبابا الكاثوليك في زمنٍ ما لدَحضِ المُعجزة؟!.. وما قيمة تلك التَّصريحات - إن صَحّت - طالما أن صاحبها لم يكن جزءًا من الحَدَث نفسه ولا شاهد عيان؟!

أما نُطق الطَّاعن لمُصطَلَح "الحِبر المقدَّس" (بكسر الحاء) فجهلٍ غير مقصود، نلتمس له العذر فيه.

ثانيًا: #تاريخيًّا:

يُركِّز صاحب الفيديو على رواية تاريخيَّة بطلها صلاح الدِّين الأيوبي كأساس للطَّعن في صِحَّة المُعجزة تاريخيًّا! ويعتبر أنَّ الرُّواية مُزوَرة وينسب التَّزوير لكاتب دنماركي مُعاصر، على الرَّغم من أن زيارة صلاح الدين لكنيسة القيامة في سبت النُّور مَدعومة بشهادات لمؤرِّخين مُسلمين، طبعًا مع اختلاف التَّفاصيل..

يقول سبط الجوزيّ (المتوفي سنة 654 هـ): [حدثني جماعةٌ من المجاورين بالقدس، قالوا: لمَّا فتح صلاح الدِّين - رحمه الله - القدسَ وجاء يوم الفِصْحِ، جاء بنفسه فدخل القُبَّة [التي فيها القبر] وقال: أريد [أن] أشاهدَ نزولَ النُّور. فقال له البطرك: تُريد أن تضيِّع علينا وعليك أموالًا كبيرةً بقعودِكَ عندنا، فإنْ أردتَ المال فقُمْ عنَّا. فقام، فما بلغ بابَ القُبَّة حتى صاحوا [وقالوا]: نزل النُّور].

والجوزيّ هو من آشار إلى وفاة صلاح الدِّين في نفس السَّنة التي زار فيها القبر المقدَّس، وليس الكاتب الدَّنماركي الذي نسج الطَّاعن حوله حكاية ورواية! (راجع: مرآة الزَّمان في تاريخ الأعيان، لسبط الجوزيّ، حوادث سنة 398 هـ).

فماذا عن الشَّهادات التَّاريخيَّة الأخرى (الأقدَم والأكثر موثوقيَّة) التي لم يتطرَّق إليها الطَّاعن؟!

1 - أوَّل شهادة تاريخيَّة ثابتة وصلتنا مُدوَّنة في كتب الأقدَمين، هى شهادة لراهب فرنسيّ يُدعى برناردوس (Bernardus Monachus)، زار الأراضي المقدَّسة في الفترة ما بين ٨٦٥ و٨٧٠ م، وقد طُبعت في أصلها اللاتيني أكثر من مرَّة (راجع: مجموع الآباء اللاتين لمين Megne. P. L. CXXI، صـ ٥٦٩ - ٥٧٦)، ومن بين ما ذكره في الفصل العاشر عن تفاصيل تلك الرِّحلة يقول ما تعريبه:

[وفي السَّبت المقدَّس الذي هو برامون الفصح، يُتلى صباحًا في كنيسة القبر الفرض المقدَّس، وفي إثره يتغنون بالكيرياليسون إلى أن ينحدر الملاك فيوقد النُّور في المصابيح المطفأة فوق القبر المذكور، ومن نوره يوزِّع السَّيِّد البطريرك للأساقفة ولبقيَّة الشَّعب لكي يستنير به كل واحد وينقله إلى بلاده. وكان اسم البطريرك المذكور ثاؤدوسيوس وهو رجل عظيم القدر كان راهبًا في ديره المبتعد عن القدس ١٥ ميلًا، فلعظم فضله اختطفه المسيحيون مرغومًا ليقيموه عليهم بطريركًا].

ويُعلِّق الأبّ لويس شيخو اليسوعيّ على هذه الرُّواية للسَّائح الفرنسيّ بقوله: [هذه الرُّواية لمؤرِّخ فاضل معروف بتقواه، تُبيِّن أنَّه لم يرد أن يخدع مواطنيه وأنَّه يعتبر ظهور النُّور يوم سبت النُّور في كنيسة القبر كمعجزة إلهيَّة]. (راجع: مجلة المشرق، العدد ٣، مارس ١٩١٣).

وغيرها من الشَّهادات التَّاريخية المرتبطة بمؤرِّخين قدامى في أزمنةٍ مختلفة، (يمكن الاطلاع على بعضها هنا: http: / / www. holyfire. org / eng / history. htm)، لكن الطَّاعن يتفادى - عمدًا - الإشارة لأيّ منها ولو من باب النَّقدِ والتَّفنيد!

ثالثًا: #علميًّا:

اعترف بأنَّني لست مؤهَلًا للخوضِ في كيفيَّة تفسير المُعجزة عِلميًا بُغية إثباتها أو إنكارها، لكن لَفَت نظري اهتمام بعض الباحثين الرُّوس بهذا الشَّأن، فأضع بين يدي القارئ، مضمون ما توصَّلوا إليه مُدَوَنًا باللُّغة الرُّوسية مع ترجمةٍ بالإنجليزيَّة: (http: / / www. skarlakidis. gr / … / the… / 17 - 2012 - 09 - 08 - 10 - 35 - 17. html)، وخلاصة ما وصلوا إليه بعد بحثٍ علميّ وتجارب معمليَّة، عبَّروا عنه بتلك الكلمات: [للمرة الأولى في التَّاريخ، تم تسجيل نبضة راديويَّة قويَّة في لحظة نزول النَّار المقدَّسة، المنبثقة من القبر.. لقد اقتربنا من وصف هذا الحدث، وهو شيء مهيب لجميع المسيحيِّين، فقد تجمَّعَت لدينا أدلَّة أخرى على أنَّ مُعجزة النَّار المقدَّسة هي حدث حقيقيّ وليس خدعة أو غش، كما يحلو للبعض أن يُصدِّق].

رابعًا: #تحدى_الـ٣_ثوانِ:

في حماسةٍ زائدة، تحدَّى الطَّاعن بأن يَثبُت بدليل ماديّ أنَّه بإمكان أيّ شخص احتمال تعرض جسده للهب المنبثق من القبر المقدَّس لمدَّة ٣ ثوانِ فقط، مؤكدًا أن كل الصور التي يظهر فيها اللَّهب بالقرب من وجوه الزوار في كنيسة القيامة ما هى إلّا لقطاتٍ مقتطعة من فيديوهات، وجازمًا بأن ٣ ثوانِ فقط تكفي لتُظهِر فعالية ذلك اللَّهب كنارٍ حارقة فورًا. والواقع أن موقع يوتيوب يحتفظ بمقاطع عديدة ربما تُهديء من حماسة صاحبنا الطَّاعن، وهذا المقطع واحدًا منها: https: / / youtu. be / fHJaQackpgY.

وخِتامًا:

لصاحبنا الطَّاعن أقول: للبحث قواعد وأصول، لا علاقة لها بما قدَّمته في عرضك، ولو فعلت لكنت أوَّل من يُصفِّق لك.. فما أحوجنا - نحن المؤمنين - إلى أن نتحرَّر في علاقتنا بالله - تبارك اسمه - من صيحة تُدوى بداخل كلّ واحدٍ مِنّا: «إِنْ لَمْ أُبْصِر.. لاَ أُومِنْ» (يو ٢٠: ٢٥).

ترفَّق بنفسك أيها الأخ، وحاول أن تستثمر طاقتك وبراعتك في البحثِ بُغية البناء لا الهَدم، فحتَّى نجاحك في هَدم مُعجزة مهما يكن شأنها عند المسيحيِّين - إن حدث - فلن يهدم عقيدة تقوم على الإيمان، والإيمان وحده..

"وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ". (٢ كو ٤: ٨).

Sherif Ramzy.