2- لماذا اهتم الآباء بالحديث عن التسبيح؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الوسائط الروحية, حياة التسبيح
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

2 - لماذا اهتم الآباء بالحديث عن التسبيح؟

احتل التسبيح مركزاً خاصاً فى عظات وكتابات الكثير من الآباء، سواء الرعاة منهم أو قادة للرهبان بل وحتى المتوحدين، إذ يشتهون أن تصير كل البشرية خورُس لمؤمنين يتدرَّبون على الحياة السماوية. ولعل من أهم العوامل التى دفعتهم للحديث عنه الآتى:

أ. كان الآباء يشعرون أن رسالتهم الأولى هى الكرازة بالحياة السماوية، متطلعين إلى عمل السيد المسيح الأول أن يُقِيم من الأرض سماءً، ومن البشر ملائكة، فالتسبيح الداخلى هو العمل الأول والرئيسى سواء فى حياة الكنيسة كجماعة أو حياة المؤمن كعضوٍ فيها.

ب. كانت المسارح فى كثير من الدول تمارس أغانٍ بذيئة وتصرفات غير لائقة. وللأسف كان بعض المسيحيين يتركون الاجتماعات الكنسيّة ويذهبون إلى هذه المسارح التى تكتظ بالوثنيين والمسيحيين، خاصة الأغنياء منهم وأصحاب المراكز الكبيرة. لم يكن ممكناً للقادة الكنسيين أن يصمتوا أمام هذا الموقف. فكانوا يقارنون بين الأغانى المقدمة للفساد والتسابيح المقدمة للتمتع ببرّ المسيح، مؤكدين أنه ليست شركة بين هذه وتلك. كمثال فى وصف القديس يوحنا الذهبى الفم لحياة الرهبان قال: [يقومون قبل شروق الشمس، ويبدأون النهار بالترنم – تسبحةٍ أو حمدٍ – وصلاة خاصة تحت قيادة أب الدير... يقضون أربع ساعات فى النهار مركسة للصلاة والتسبيح.].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [هل أنت عامل حِرَفي؟ إذ تجلس فى عملك رنّم بالمزامير. ألا تريد أن تسبح بفمك؟ افعل هذا فى قلبك. المزمور رفيق عظيم. إنك لا تقوم بعملٍ شاق. إنك تجلس فى عملك كما فى ديرٍ.].

[كانت قدماه فى المقطرة، ويداه فى القيود، والسجن مُغلَق فى منتصف الليل، بينما كانا (بولس وسيلا) يرنمان بالتسبيج (أع 16: 25). ألا ترون كيف تكمل قوته فى الضعف؟ لو أن بولس كان فى وَسَعٍ، وقد اهتز هذا المبنى لما كان هذا الأمر مدهشاً هكذا. إنه يقول: "بقيَ مقيداً، والأسوار تهتز من كل جانب، والمسجونون منحلون من القيود حتى تظهر قوته بالأكثر.].

ج. يظن الكثيرون أن السعادة تكمن فى ممارسة اللهو أو التمتُع برؤيته، والاندماج فى الأفراح العالمية، والإنصات إلى الأغانى المثيرة للعواطف والرقص بلا ضوابط. إنهم يحسبون فى هذا متعة الحياة وهروب من التجارب المتلاحقة والآلام الحالة بهم. ويرى القديس يوحنا الذهبى الفم مع كثير من آباء الكنيسة مثل القديس مار يعقوب السروجى أن الإنسان كائن موسيقار، وأن الموسيقى لها دورها الحيّ فى حياة الإنسان منذ طفولته إلى آخر نسمة من نسمات حياته، مهما بلغ عمره أو مركزه أو ثقافته. هنا يعلن القديس يوحنا الذهبى الفم ما لروح التمييز من دورٍ فى حياة المؤمن الحقيقى، فيميز داخلياً ما لروح الله مما ما هو لإبليس. فانجذاب النفس لنوع الموسيقى يميزها "بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس" (1يو 3: 10). يقول القديس يوحنا الذهبى الفم [التسبيح فى ذاته صالح، والمزمور يقدم خيرات كثيرة: إنه يعزل العقل عن الأرض، ويعطى النفس أجنحة، ويجعل (الأجنحة) خفيفة قادرة على الطيران فى الجو. لهذا يقول بولس: "مترنمين ومرتلين فى قلوبكم للرب" (أف 5: 19)... توجد حاجة للتسيح من أجل حياة المرتل وصلاته والتوفيق[425].].

د. يرى القديس يوحنا الذهبى الفم فى التسبيح أعظم سلاح يستخدمه المؤمن فى حربه ضد عدو الخير إبليس. فالمرتل الحقيقى تحت كل الظروف يتسلح بالتسبيح فينعم بنصرات لا تنقطع. التسبيح بروح الفرح السماوى مع تقديم الشكر لله يسندان المؤمن ببرّ المسيح وقداسته وفدائه.

ﮪ. ينصح الذهبى الفم الوالدين قائلاً: [عَلِّم (ابنك) أن يرنم هذه المزامير المملوءة بحب الحكمة. إذ تخص العفة. بالحري لا تجعله يصاحب الأشرار... وحينما سيعرف الترانيم أيضاً كشيءٍ مقدَّسٍ. لأن القوات العلوية تنشد الترانيم[426].].

و. يعتبر الآباء حياة الشكر فى الإنسان الداخلى تسبحة مقبولة لدى الرب، ويرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن الفقير الذى يشكر الله لأنه يعطى البعض عطايا كى يعطوا منها الفقراء مثلاً رائعاً للتسبيح، إذ يقول: [يمدح الرسول (الفقراء القديسين) لأنهم يشكرون من أجل ما قُدِّم للآخرين من عطايا بالرغم من فقرهم. ليس أحد حاسد مثل الفقير، ومع هذا فإن هؤلاء الناس متحررون من هذا الهوى حتى أنهم يفرحون من أجل البركات المقدمة للآخرين[427].].

كما يقول: [ليتنا لا نقدّم التشكُّرات من أجل البركات التى تحل بنا فقط، بل ومن أجل البركات التى تحل بالآخرين... هذا هو الأمر الذى يُحَرِّر الإنسان من الأرض، ويرفعنا إلى السماء، ويجعلنا ملائكة بدلاً من أن نكون بشراً. فإن الملائكة يُشَكِّلون طغمة تُقَدِّم التشكّرات لله من أجل الصالحات الموهوبة لنا، قائلين: "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو 2: 14) [428].].

ز. الاقتداء بالتلاميذ: يقول القديس كيرلس الكبير: [سبَّح التلاميذ مُخَلِّص الكل ودعوه الملك والرب وسلام السماء والأرض. ليتنا نحن أيضاً نسبحه كما بقيثارة المرتل، قائلين: ما أعظم أعمالك يا رب! بحكمة صُنعت! (مز 104: 24) [429].].


[425] On Ps. 147.

[426] Homilies on Col. , Hom. 9.

[427] In 2 Cor. Hom 2: 20.

[428] In Matt. Hom 3: 25.

[429] Hom 130.

3- كيف نُقَدِّم تسبحة شكر ونحن فى ظروف قاسية؟

1- ما هى بركات التسبيح لله؟