16- لماذا وضعت الكنيسة أغلب أصوامها تنتهى بالاحتفال بعيد ما؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الصوم روحيا وعقيديا, الوسائط الروحية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

16 - لماذا وضعت الكنيسة أغلب أصوامها تنتهى بالاحتفال بعيد ما؟

غاية الصوم هو التأهُّل للتمتَّع بالعيد السماوى، أو نوال خبرة الفرح السماوى. فحين نُمارِس الصوم لفترات طويلة وينتهى بعيد الميلاد المجيد أو عيد الفصح المسيحى. فإن ما يشغل ذهن المؤمن فى صومه ليس الامتناع عن الطعام فى فترة الانقطاع أو عن أطعمة معينة فى بقية اليوم. إنما يشغلنا أن تتهلل نفوسنا برب المجد يسوع الذى وُلِد لكى يُقَدِّم لنا حياته خبزاً سماوياً يُشبع نفوسنا. كما ننشغل بعمله الخلاصي حيث وهبنا قيامة نفوسنا التى حلّ بها الموت، وقد فسدت تماماً بالخطية المُدَمِّرة.

كثيراً ما يرتبط الصوم بالأعياد فى العهد القديم، إذ هو طريق التقاء الإنسان مع الله بكونه عيده الدائم ومصدر فرحه الداخلى. فالمؤمن الحقيقى فى صومه لا يعرف العبوسة بل البشاشة كانعكاس لفرحه الداخلى. وكثيراً ما ركَّز أباء الكنيسة الأولى على الجانب الإيجابى للصوم، ألا هو فتح الطريق للنفس البشرية لتنطلق بعمل النعمة الإلهية نحو السماء، ترى بالإيمان ربنا وتتهلل به. هكذا حياة الصوم هى حياة عودة متهللة نحو مصدر فرحها، لتشهد له وسط وادى الدموع.

ولعل ما شدّ انتباه الآباء دعوة السيد المسيح للصائم أن يدهن رأسه ويغسل وجهه (مت 6: 17 - 18). يبدو الأمران غريبان، فدهن الرأس، خاصة فى القرن الأول الميلادى لم يكن بالأمر الذى يُمارِسه الرجال والشباب والأطفال، فما هو ضرورته بالنسبة للصائمين منهم؟ وغسل الوجه أمر لازم سواء كان الإنسان صائماً أو غير صائمٍ، فلماذا الوصية به بالنسبة للصائم؟ واضح إنها دعوة رمزية للحياة المتهللة، فدهن الرأس يشير إلى التمتُّع بالطيب النازل من على الرأس، طيب الروح القدس النازل من السيد المسيح رأسنا. فيتنسم العالم فينا رائحة المسيح، ويتلمسون ثمر الروح من حبٍ وفرحٍ! وغسل الوجه يشير إلى إزالة التراب عنه لنبصر الرب دون عائق، ونشهد له ببشاشة الوجه الداخلى.

يقول القدّيس ساويرس الأنطاكى: [كان إشعياء النبى وهو يُقِيمهم من هذه الهُوّة (التعلُق بالجسديّات) يرفعهم ويجذب عقولهم إلى فوق بإعلان عظمة الصوم، فيدفعهم إلى التهليل الروحانى، ويطرد من أرواحهم الحزن والكآبة، وهو يصيح فيهم قائلاً: "أَمِثْل هذا يكون صوم أختاره؟ يوماً يذلل الإنسان فيه نفسه، يحنى كالأسلة (كالقصبة) رأسه، ويفرش تحته مسحاً ورماداً..." (إش 58: 5). لذلك بينما كان ربّنا يُعلِن بهاء الصوم وسروره، كان يأمر أيضاً بصوت واضح قائلاً: "وأمّا أنت فمتى صمت، فادهن رأسك واغسل وجهك" (مت 6: 17). فكان يشير إلى بريق الروح وطهارتها عن طريق الأعضاء الرئيسيّة فى الجسم... يأمرنا ربّنا نفسه أن نغتسل ونتطهّر بامتناعنا عن الشرّ، ومن جهة أخرى أن نتزيَّن ونضيء بممارستنا الخيرالذى تنيره النعمة الروحيّة! [313]].

ويقول القديس أغسطينوس: [لنفهم الوصيّة على أنها غسل لوجهنا ودهن لرأسنا الخاص بالإنسان الداخلى... فدهن الرأس يشير إلى الفرح، وغسل الوجه يشير إلى النقاوة. فعلى الإنسان أن يبتهج داخلياً فى عقله بدهن رأسه الفائقة السموّ فى الروح، والتى تحكم وتُدَبِّر كل أجزاء الجسم، وهذا يتحقَّق للإنسان الذى لا يطلب فرحاً خارجياً نابعاً عن مديح الناس[314].].


[313] - الشماس يوسف حبيب: الصوم، ص16 - 17.

[314] Sermon on Mount 42: 2.

17- كيف يتجلَّى مسيحنا فى الأصوام الكنسية؟

15- ما هو غاية الصوم؟