3- ما هى فاعلية مخافة الرب فى حياتنا؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الخوف والقلق, معوقات الحياة الروحية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

3 - ما هى فاعلية مخافة الرب فى حياتنا؟

يُقَدِّم لنا آباء الكنيسة خبراتهم فى فاعلية مخافة الرب فى حياتهم:

أولاً: مخافة الرب تدفعنا للعمل الروحى بجدية. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كان مثل هذا الخوف لدى بولس، إذ يقول: أخاف "حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً" (1كو9: 27). فإن كان بدون معونة الخوف لنا لن تتحقَّق الأمور الزمنية، كم بالأكثر الأمور الروحية. فإنى أود ان أعرف من تعَلَّم الحروف (التى ينطق بها) بدون خوف؟ من صار بارعاً فى أى فن بدون خوف؟... من أين ينتج الخوف؟ إن كنا نحسب الله حاضراً فى كل مكان، يسمع كل الأشياء، ويرى كل شيء، ليس فقط ما يُمارس بالعمل وما يُقَال، بل أيضاً وما فى القلب وفى أعماق النفس، إذ هو يُمَيِّز أفكار القلب ونياته (عب4: 12). فإن كنا ندرك ذلك، لن نفعل شيئاً أو ننطق به أو نتخيله إن كان شريراً. أخبرنى، إن كان يلزمك أن تقف دوماً بجوار شخص الحاكم أما تقف بخشية؟ فكيف تقف فى حضرة الله وأنت تضحك أو تلقي بظهرك إلى خلف ولا تخف وترتعد؟ لا تستهن بطول أناته، فإنها لكى تجلبك للتوبة، إذ هو طويل الأناة[259].].

ثانياً: مخافة الرب تُقَدِّم لنا مصادر الفرح والسعادة الدائمة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [مخافة الرب تحوي كل تلك المتطلبات (للفرح المستمر). لأن الإنسان الذى يخاف الرب كما يليق، ويثق فيه، يجمع كل مصادر السعادة، ويقتني الينبوع الكامل للبهجة. كما أن نقطة ماء تسقط فى محيط متسع سرعان ما تختفى، هكذا مهما حلّ بمن يخاف الرب يتبدد ويزول فى محيط الفرح الهائل. حقاً إنه لأمر عجيب للغاية، فإنه مع وجود ما يُسَبِّب الحزن تجد الإنسان متهللاً. فإنه إذ لا يوجد شيء ما يجلب حزناً، فإن هذا الأمر يكون بلا قيمة عنده مقابل تمتعه بالفرح الدائم[260].].

ثالثاً: خلال مخافة الرب ندرك أن الله هو العامل فينا. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لا تخافوا حين أقول: "بخوفٍ ورعدةٍ" (فى2: 12). فإننى لست أقول بهذا المعنى أن تتوقفوا عن العمل فى يأس، وأن تظنوا أن الفضيلة أمر يصعب بلوغه، وإنما أن تقتفوا أثرها، ولا تضيعوا أوقاتكم فى مساعٍ باطلةٍ. فإن كان حالكم هكذا، فإن الله يعمل كل شيء. ألا ترون: "الله هو العامل فيكم" (فى2: 13). فإن كان هو العامل، فمن جانبنا ليكن لنا فكر حازم متمسك غير متهاون[261].].

رابعاً: مخافة الرب تسندنا فى التمتع بصلاح الله وحنوه علينا. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كثيراً ما أُحَدِّثكم عن صلاح الله، لا لتستهينوا به وتفعلون ما هو على هواكم، وإلا صار صلاحه هذا مؤذٍ لخلاصنا، وإنما لكى لا نيأس من خطايانا بل نتوب. صلاح الله يقودك للتوبة لا لصنع شر أعظم، فإن فسدت بسبب صلاحه تهين الله امام الناس.].

خامساً: خلال مخافة الرب نلجأ إليه كصخرة ثابتة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ليتنا نتمثَّل بهم يا أحبائى، لنكن شجعان فى كل مخاطرنا. لا يوجد ما يرهب ذاك الذى يخاف الله، وإنما تحل كل المخاوف على الآخرين. فعندما يتخلص إنسان من أهوائه، ويحسب كل الأمور الحاضرة كظلٍ، أى شيء يكون مخيفاً بالنسبة له؟ ممن يخاف؟ إلى من يحتاج أن يتوسل؟ لنهرب إلى هذه الصخرة (المسيح) التى لا يمكن أن تهتز... والأمر الأكثر عجباً أن الأمور التى يُظن أنها تسبب قلقاً تصير مصدر كل فرحٍ وبهجةٍ... فإنه مستحيل، يستحيل على الكلمات أن تعبر عن أية مسرة عظيمة تصير نصيب من يتألمون لأجل المسيح. فإنهم يفرحون فى آلامهم أكثر من فرحهم فى خيراتهم[262].].

سادساً: خلال مخافة الرب نستنير بالله ونتعلَّم منه الفضائل. يقول أحد آباء البرية: [كما أن مصباحاً يضيء حجرة مظلمة هكذا مخافة الرب إذ تخترق قلب إنسان تنيره، مُعلِّمه إياه كل الفضائل ووصايا الله.] يقول القديس مار أوغريس: [خوف الرب هو الحارس لممارسة الوصايا، وهو ثمرة الإيمان السليم. الاعتقاد (الإيمان النظرى العقلى البحت) هو صلاح النفس الداخلى، وهو غالباً ما يوجد حتى عند الذين لا يؤمنون بالله (إيماناً عملياً[263].].

سابعاً: مخافة الرب هى عجلة القيادة للنفس، يهبها روح الله القدوس لنا، القادر وحده أن يدخل بنا من مجدٍ إلى مجدٍ، ويهبنا نعمة فوق نعمة، خلال شركتنا مع رب المجد يسوع القدوس. تدخل بنا مخافة الرب إلى الطريق الملوكى، فلا ننحرف نحو الخطية، ولا إلى البرّ الذاتى. تحفظنا من الضربات الشمالية واليمينية، حتى ندخل إلى حضن الآب السماوى القدوس.

ثامناً: مخافة الرب تقود النفس إلى مسكنٍ آمنٍ. يقول الأب دوروثيؤس: [خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس.] كما يقول: [ليتنا نخاف الرب ونُشَيّد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى فى الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعانى من مخاطر عظيمة فى وقت الشتاء.].

تاسعاً: بمخافة الرب نقتنى حب الله. يقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير: [إن أراد أحد أن ينال حب الله، فليكن فيه مخافة الرب، لأن الخوف يُوَلِّد بكاء، والبكاء يُوَلِّد قوة. وإذا ما كملت هذه كلها فى النفس، تبدأ النفس تثمر فى كل شيء. وإذ يرى الله فى النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمها رائحة بخور طيبة، ويفرح بها هو وملائكته، ويشبعها بالفرح، ويحفظها فى كل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دون أن يصيبها ضرر. إذ يرى الشيطان الحارس العلوى العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة. إذاً، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهى، لأن حلاوة حب الله أشهى من العسل. حقاً أن كثيرين من الرهبان والعذارى فى المجامع، لم يتذوقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتماً خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يحابى الوجوه. فمن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، وينقى قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويقدم لله اصواماً ودموعاً ليلاً ونهاراً بلا توقُفٍ كصلوات نقية، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة. اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة ويُسر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، يهبكم كل ما تطلبونه[264].].

عاشراً: مخافة الرب تصعد بنا إلى طريق الكمال. هذا هو سلم الكمال: مخافة الرب وتقواه تهبنا الثقة فيه، وهذه تهبنا قوة وسط المحن، هذه القوة تقدم لنا صبراً فى احتمال الغير بضعفاتهم، وبهذا الصبر نبلغ طرق الكمال.


[259] Homilies on Philippians, homily 8.

[260] Concerning the Statues, homily 18.

[261] Homilies on Philippians, homily 8.

[262] Homilies on Acts, hom. 13.

[263] - الفيلوكاليا، 1993، ص142.

[264] Epistle 6.

4- هل مخافة الرب تتجاهل حنوه؟

2- هل مخافة الرب تُحَطِّمّ الشعور بالثقة فى النفس؟