ما هى حدود التأديب فى العهد الجديد؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الكتاب المقدس, دراسات في العهد الجديد
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هى حدود التأديب فى العهد الجديد؟

يلتزم الحكام بتأديب الأشرار والمجرمين، وكما يقول الرسول بولس: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. فإن الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد أن لا تخاف السلطان؟! أفعل الصلاح فيكون لك مدح منه. لأنه خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخف. لأنه لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذى يفعل الشر. لذلك يلزم أن يُخضع له، ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضاً بسبب الضمير" (رو13: 1 - 5).

واضح أن العهد الجديد أعطى للمسئولين حق تأديب الأشرار حتى إلى استخدام السيف. وقد ترك للمشرعين أن يضعوا حدود العقوبة أو التأديب حسب ظروف العصر أو مرتكب الشر أو ملابسات القضية. أما من جانب الساقط تحت العقوبة أو التأديب فإنه إذ يخضع للحكم العادل يلزمه ألا يخاف من غضب الناس بل من ضميره، فيكون التأديب لمراجعته لنفسه وبنيانه فى كل جوانب حياته.

أما بالنسبة لتأديب الأبناء فيقول الرسول بولس: "أى ابن لا يؤدبه أبوه؟! (عب12: 7). حدود هذا التأديب فهو تقديم صورة حب الله الحانى لأولاده:" لأن الذى يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله "(عب12: 6). يقدم لنا العهد الجديد مبدا أساسياً، وهو التعامل مع الأبناء كظل لتعامل الله معنا، مثل إعلان الحب الفائق مع الحزم لبنياننا، وتقديم الحرية الإنسانية، وتقدير شخصية الإنسان مهما صغر سنه ولو كان رضيعاً الخ. يقول القديس أغسطينوس: [لا يعنى ما سبق ذكره أننا نتنحى عن توقيع التأديب، كوسيلة للتهذيب، وذلك كما تمليه المحبة نفسها، على أن توقيع التأديب لا يمنع من كون الإنسان مستعداً لاحتمال أضرار أكثر ممن يؤدبه. ولكن لا يستطيع الإنسان ذلك ما لم يكن قد تغلب على الكراهية التى تدفع إلى الانتقام، وذلك بالمحبة الشديدة. كمال المحبة يظهر لنا فى الله الآب نفسه الذى نقتدى به.

استخدم بعض الآباء القديسين أحياناً عقوبة الموت فى الحكم على البشر، ومع ذلك فهم يعرفون جيداً أن الموت (الذى يفصل الروح عن الجسد) ليس بعقاب، ولكن لأن كثيرين يشعرون بخوف من الموت، لذلك أستخدمت عقوبة الموت لتخويف الخطاة. فحكم إيليا النبى بالموت على كثيرين من الخطاة سواء بالقتل أو بطلبه ناراً من السماء لإبادتهم (انظر 1مل18: 40، 2مل1: 10)، حدث بروح المحبة لخير البشرية ونفع المؤمنين. لذلك عندما طلب التلاميذ من السيد المسيح نفس الطلب، أن تنزل نار من السماء على أهل السامرة الذين لم يقبلوا السيد المسيح متمثلين بإيليا النبى، لم ينتقد الرب ما صنعه النبى، بل انتهر جهل التلاميذ، موبخاً معرفتهم البدائية برسالة المسيح الخلاصية، موضحاً لهم أنهم بذلك لا يرغبون فى التهذيب بمحبة، بل يرغبون فى الانتقام (لو9: 52 - 56). وبعد ما علمهم الرب عن محبة القريب كالنفس، وبعد ما حل الروح القدس عليهم فى يوم الخمسين، لم يعودوا بعد يطلبون مثل هذه الأمور الانتقامية، بل أصبحت هذه الطلبات نادرة جداً فى العهد الجديد (حنانيا وسفيرة) إذا ما قورنت بالعهد القديم. إن العلاقة بين الله والإنسان فى العهد القديم، كالعلاقة بين السيد والعبد، تقوم على الخوف. أما فى العهد الجديد، فلم نصبح بعد عبيداً بل أبناء (غل1: 4 - 7)، إذا تحررت نفوسنا من عبودية الخوف بالمحبة الإلهية ([246])].

يلزم أن يكون التأديب أكثر صرامة وحزماً طبقاً لمسئولية المؤمن فى الكنيسة ودوره دون استثناء. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [كل الخطاة فى الكنيسة... مستحقون للعقاب. لكن عقابهم يختلف تبعاً. للمرتبة التى يشغلونها... يستأهل الموعوظ رحمة أكثر من المؤمن. وللشماس الحق فى العفو أكثر مما للكاهن. أما ما يتبع ذلك، فلستم فى حاجة لأخبركم عنه... إنى أخاف دينونة الله. وأضع أمام مخيلتى صورة لما سيحدث فيها... أضع فى اعتبارى القول: إن كان الحمل أثقل مما يمكنك تحمله فلا ترفعه. فماذا أنتفع إن كنت أتوج عند منبر المعلم فى مكان الشرف... إذا كنت عاجزاً عن إنجاز العمل الذى يستلزمه وضعى (كمعلم)؟ سيكون عقابى، حينئذ أكثر ألماً، فى وقت يعاملنى فيه كل الناس باحترام، على أساس إنى صالح، فى حين أكون أنا خاطئاً ([247])].

يقول العلامة اوريجينوس إنه يلزمنا ألا نتسرع بالتأديب العلنى. [(الله) لا يُريدك، إذا ما رأيت خطيئة أخيك أن تندفع مُسرعاً إلى مكان عام، وأن تصيح بغير تمييز، مفشياً سره. فإن مثل هذا التصرف لا وحدكما "(مت18: 15). فعندما يرى من أخطأ أن سره قد حفظ، يكون فى وسعه أيضاً إصلاح موقفه فى خجل ([248])]. ويقول القديس باسيليوس الكبير: [لا يليق بالأطباء أن يسخطوا على المرضى، بل يلزمهم أن يضادوا الأمراض ليشفوا المرضى]. ويميز القديس أمبروسيوس بين كراهية الشر وكراهية الأشرار: [يلزم تفسير كلمات (مز119: 113) لتعنى أنه كان يكره الشر ذاته، لا فاعلى الشر الذين بالرغم من أفعالهم يمكن أن يتغيروا بالكرازة بالإنجيل ([249])].


[246] [] راجع الموعظة على الجبل للقديس أغسطينوس، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطى، ك، فى 63.

[247] [] In Ezech. Hom. 4: 5.

[248] [] In Lev. Hom 1: 2.

[249] [] On Ps. 22: 15.

ما هو دور المراة كقائدة فى المجتمع والكنيسة الأولى؟

كيف أعدت الشريعة الموسوية البشرية للعبور إلى الكمال بالمسيح يسوع؟