6- كيف يتمتع المؤمن بالملء أو الكمال؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الفضائل الروحية, فضائل روحية مجمعة
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

6 - كيف يتمتع المؤمن بالملء أو الكمال؟

لا يمكن فصل العضو عن الجماعة، ولا الجماعة عن العضو، كل نموٍ فى حياة الجماعة هو لبنيان الأعضاء، وكل نموٍ حقيقىٍ فى حياة الأعضاء هو لبنيان الجماعة. لذلك إذ نسمع تعبير "قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ" لا نحسبه خاص بالكنيسة كجماعة فحسب، ولا كأعضاء منعزلين، إنما هو حث للجماعة ككل ولكل عضو لعله يبلغ هذا المرتفع الشاهق.

هنا المرتفع شاهق جداً، لأن الرسول يريدنا بإرادتنا الحرة أن نجاهد بقوة النعمة بلا انقطاع سالكين فى هذا الطريق بلا توقُفٍ. ليتنا إذ نسمع هذا لا نيأس، مُتذكِّرين كلمات الأب سيرينيوس: [يليق بنا ألاَّ ننسحب من جهادنا فى السهر بسبب اليأس الخطير، لأن "ملكوت السماوات يُغصَب والغاصبون يختطفونه" (مت11: 12). فلا يمكن نوال فضيلة بدون جهاد[233].] ويحدثنا الأب ثيوناس[234] عن الجهاد مُعلِناً أن الله لا يُلزِمنا على صعود مرتفعات الصلاح العالية والسامية لكنه يحثّنا بنصائحه وشوقنا لبلوغ الكمال بإرادتنا الحرة.

الآن بعد أن شوَّقنا الرسول للارتفاع على الجبال السماوية الشاهقة لنبلغ "قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ"، حذَّرنا من المعوقات، مُطالِباً إيانا بالجهاد بلا انقطاع، كأطفالٍ صغارٍ يحتاجون إلى النمو بغير توقفٍ بالرغم من الصعاب التى تواجهنا، إذ يقول: "كَيْ لاَ نَكُونَ فِى مَا بَعْدُ أطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولين بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ. بِمَكْرٍ إلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. بلْ صَادِقِينَ فِى الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِى كُلِّ شَيْءٍ إلَى ذَاكَ الَّذِى هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ" (أف4: 14 - 15).

كأن السيد المسيح يعمل فى أناس هم أطفال غير ناضجين، يسندهم ويُنَمِّيهم ليُقِيمَهم رجالاً ناضجين روحياً، وعوض الضعف يهبهم قوة. بمعنى آخر، يعيش كل عضو داخل الكنيسة فى حركة مستمرة بلا انقطاع نحو الملء والكمال، نامياً فى المحبة، أى فى المسيح الذى لم يُرضِ نفسه (رو15: 3)، بل أحبّ الكل، باذلاً حياته ليقيم الكنيسة.

يقارن الرسول بولس الكنيسة بالسفينة وسط مياه هذا العالم، فإن لم يعمل كل البحارة معاً بروح واحد يصيرون كأطفال يتعرَّضون لمتاعبٍ كثيرةٍ، ولا يقدرون على مقاومة الرياح والأمواج فيهلكون.

يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن الرسول هنا يتحدث عن الكنيسة كبناءٍ واحدٍ إن لم يعمل الكل معاً فيه يتعرَّض للهدم ويفقد الكل حياته، إذ يعلق على هذا النص، قائلاً:

[بقوله: "لاَ نَكُونَ فِى مَا بَعْدُ" يظهر أنهم كانوا هكذا فى القديم، حاسباً نفسه أيضاً موضوع تصحيح معهم. يود أن يقول بأنه يوجد عاملون كثيرون كى لا يهتز البناء، فتكون الحجارة مثبتة لا محمولة (إلى هنا وهناك). هذه هى سمة الأطفال أن يُحمَلوا إلى هنا وهناك فيضطربون ويهتزون... لقد قَدَّم هذا التشبيه ليشير إلى الخطر العظيم الذى تتعرَّضَ له النفوس[235].].

إذ كشف الرسول عن خطورة الحياة بغير وحدانية الإيمان والهدف، مشبهاً العاملين كأطفال يلهون، كل فى واديه، يُحمَلون بريح التعاليم الباطلة، ويسقطون تحت خداع الناس، وينحرفون إلى الضلال، أوضح الالتزام بالسلوك فى طريق "الوحدانية" بارتباط الكل بالحب معاً تحت قيادة "الرأس المسيح" الواحد، مُشَبِّهاً الكنيسة بالجسد فتنمو الأعضاء معاً خلال اتحادها فيه، وتنال بنيانها خلال عمله فيها (كو1: 18).

الجسد كله ينمو معاً، دون أن يفقد العضو كيانه بل يتمتَّع قدر قياسه، قدر ما يتَّسع ينال من الرأس نموه. وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [تعتمد نفوس البشر عليه كأعضاء، فينعم كل عضو منفرد بعنايته الإلهية وعطية المواهب الروحية قدر ما يناسب قياسه، هذا يؤدى إلى نموهم... يليق بكل عضو ليس فقط أن يكون متحداً بالجسد، وإنما يكون أيضاً فى مكانه اللائق به، وإلاَّ فقد اتحاده بالجسد وحُرِم من تقبُّل الروح[236].].

خلال وحدانية الهدف ننعم بالمحبة التى تربطنا معاً بالرأس، فيعمل هو فينا، كلّ فى موقعه بما يناسبه لبنيان الجسد كله، فلا نكون مجرد جماعة عاملة معاً، وإنما أعضاء لبعضنا البعض، يعمل الرأس فينا بالحب، كل حسب موهبته التى يهبها إياه بروحه القدوس.


[233] Cassian: Conf. 6: 7.

[234] Ibid. 5: 21.

[235] In Eph. hom 11.

[236] In Eph. hom 11.

7- ما الذى يحرم الشخص من حياة الملء؟

5- كيف نتمتع ككنيسة بالملء أو الكمال؟