5- ماذا قيل عن السيرافيم؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, اللاهوت الأخروي - الإسخاطولوجي, الملائكة, عقيدة
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

5 - ماذا قيل عن السيرافيم[39]؟

كلمة سيرافيم هي صيغة الجمع لكلمة "سروف"، ومعناها الناريون الملتهبون، وهم يسطعون بالنور الإلهي المُشرِق عليهم. إن كانت طغمة السيرافيم تُعتبر أعلى طغمة بين كل السمائيين، فهي دائمة التسبيح، تمجده، لأنه القدوس الكلي القداسة والكمال والرحمة والعدل والجمال والحكمة. كأن هذه الطغمة تدعو كل الخليقة أن تقترب إلى القدوس على الدوام خلال حياة القداسة والتسبيح بفرحٍ (إش 6: 3).

هنا ندرك دور الألحان في الكنيسة ليس التنافس على حفظ الألحان، بل الاقتداء بالسيرافيم والجهاد على الالتصاق بالقدوس والشركة معه، لنحمل برّ المسيح فينا مع الشكر والفرح، بعمل الله فينا وفى كل الخليقة.

إن كان أحد السيرافيم أخذ من على المذبح السماوي جمرة بملقطٍ (إش 6: 6)، ومسَّ بها شفتي إشعياء، فتطهر النبي وتأهَّل للشهادة للربّ، فإن هذه القطعة من الجمر الناري، تشير إلى جسد الربّ الذي نتناوله، فيلتهب إنساننا الداخلي بنار الحب الإلهي. نصير على مثال الملائكة، خدام الله الناريين، الملتهبين بالحب لله ولخلاص البشرية. هؤلاء الناريون بالحب المقدس يشتاقون أن نستنير بالقدوس، فيلتهب قلبنا بالنار المقدسة التي تُحَطِّم كل ظلال الظلمة التي فينا، وتهبنا استنارة ومعرفة الأسرار الإلهية والحكمة التي من فوق، والثبات الدائم، بل والنمو المستمر في تشبُّهنا بالله[40].

تمتع إشعياء النبي برؤيا السيرافيم (إش 6: 1) في سنة وفاة عزيا الملك الذي ملك على يهوذا وهو ابن 16 سنة لمدة 52 عاماً وعمل المستقيم في عيني الرب، وقد نجح في كل أعماله. لكن إذ ارتفع اسمه جداً سقط في الكبرياء، وأراد أن يوقد للرب على مذبح البخور، فضُرِب بالبرص وهو في الهيكل، وطرده الكهنة، وأصيب بالبرص إلى يوم وفاته، معزولاً في بيتٍ بعيدٍ عن القصر (2 أي 26: 16).

اغتم إشعياء جداً لسقوط عزيا الملك في أيامه الأخيرة. تطلع النبي إلى الشعب ليراه مُنطرِحاً كغنمٍ بلا راعٍ، إذ صار نجساً لا يمارس عمله الملكي (2 أي 26: 18 - 22). أدرك إشعياء أن الشعب في حاجة إلى رعاية سماوية، لأن ذراع البشر يعجز عن إشباع احتياجات الشعب، وكما يقول المرتل: "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بنى البشر الذين ليس عندهم خلاص، تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم" (مز 146: 3 - 4). وسط هذه المرارة أعلن الرب هذه الرؤيا لإشعياء من أجل تعزيته. تحقَّقت الرؤيا في الهيكل غالباً في وقت انفرد فيه النبي للعبادة الخاصة، إذ كان يصرخ إلى الله ليستلم رعاية شعبه. ظهر له السيد جالساً على كرسي عالٍ ومرتفعٍ ليؤكد له أنه هو الراعي السماوي، أفكاره تعلو عن أفكار البشر، وطرقه عن طرقهم. يجلس في الأعالي لكي يحمل كنيسته معه تشاركه أمجاده العلوية. رأى أذياله تملأ الهيكل (إش 6: 1)، إذ هو حال في كنيسته ينتظر كل نفسٍ تُقبل إليه لتتمتع بالاتحاد معه. لقد رأى السيد المسيح في مجده (يو 12: 41) يملأ السماء والأرض بلاهوته ورعايته. كما رأى السيرافيم يسبحونه.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يصيح السيرافيم قائلين: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت... إن القوات العلوية يأخذ منها الرعب كل مأخذٍ بغير انقطاعٍ، فهي تدير وجهها وتبسط أجنحتها كحائطٍ، يحميها من الإشعاع غير المحتمل الصادر من قبل الله، ومع ذلك فما تراه إنما هو صورة مصغرة للحقيقة... بينما لا يقوى السيرافيم حتى على مشاهدة الله الذي لا يتجلَّى لهم إلاَّ كتنازلٍ منه حسب ضعفهم، نرى أناساً تجاسروا متصورين في عقلهم إدراك طبيعة الله عينها التي يعجز السيرافيم عن إدراكها. إنهم يزعمون أنهم قادرون على التطلُّع إليها بوضوح وبغير حدود! ارتعدي أيتها السماوات واندهشي أيتها الأرض[41].] ويقول: [حقاً إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مُدرَك، ولا يُمكن الدنو منه. لهذا فهو يتنازل ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. الله الذي لا يحده مكان ولا يجلس على عرش... من قبيل محبته لنا يظهر جالساً على عرش وتحيط به القوات السمائية[42].] وأيضاً: [(رؤى الأنبياء) إعلانات، كلها أمثلة عن تنازله، وليست رؤى لجوهره بالكشف عنه. لأنهم لو نظروا جوهره ذاته لما رأوه تحت أشكال مختلفة، إذ هو بسيط، بغير شكل ولا أعضاء ولا أساليب مُحَدَّدة، طبيعته لا تجلس ولا تقف ولا تمشي[43].].

ما يُعَزّي الخادم هو أن يرى الخدمة الملائكية، فيتحقَّق أن متاعب الكنيسة وضعفاتها تنتهي يوماً ما لتشترك مع السمائيين في التسبيح أبدياً. الكنيسة هنا كأيقونة السماء، تتمتَّع بعربون الخدمة السمائية. ففي احدى العظات القبطية تُعَرَّف الكنيسة أنها: [موضع تعزية، هي اجتماع الملائكة وموضع الشاروبيم والسيرافيم[44].] قيل إن القديس باخوميوس كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة.

السيرافيم هم خدام العرش الإلهي، يحملون الرب بفرحٍ وتهليلٍ، يسبحونه بلا انقطاعٍ. وكأن عمل كل خادمٍ أو نبيٍ فى الكنيسة هو جذب كل نفسٍ إلى الرب كعرشٍ له يسكنه، ويقيم ملكوته داخله، فيصير أشبه بالسروف النارى السماوى. لكل سروف ستة أجنحة، باثنين يُغَطِّى وجهه علامة اتسامه بالمخافة الإلهية، لا يقدر أن يدرك كل البهاء الإلهي. وباثنين يُغَطِّى رجليه علامة الحياء، إن صح هذا التعبير. وباثنين يطير مُحَلِّقاً فى السماويات. هكذا يليق بنا أن نتشبَّه بالسروف، ننعم بالمخافة الإلهية فى احتشامٍ مع نموٍ دائمٍ وارتفاعٍ مستمرٍ نحو السماويات.

بينما يحمل الكروبيم العرش الإلهى، إذ بالسيرافيم يرفرفون حول العرش، يصرخون واحد قبالة الآخر يعلنون أن الله قدوس قدوس قدوس وأن مجده ملء كل الأرض (إش 6: 3).

يرى البعض أن السيرافيم يقومون بعمل كهنوتى ليتورجى، حيث لا ينقطعون عن تقديم التسبيح بالثلاثة تقديسات. يعلنون قداسة الله لكي يفكر الإنسان فى جديةٍ نحو تقديسه حتى يقدر أن يقترب من القدوس. يلزم المؤمن أن يقتدى بإشعياء النبى، فيتقبل جمرة النار التى يقدمها السروف بملقطٍ من على مذبح الرب ويلمس بها شفتيه ليطهره من خطاياه (إش 6: 6، 7).


[40] cf. The Celestial Hierarchy, Ch 8.

[41] In Isai. Hom. 2: 2.

[42] - راجع للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1988، ص 299.

[43] - المرجع السابق، ص 32.

[44] The author: Church, House of God, 1982, p. 333.

6- ماذا قيل عن الكروبيم؟

4- ماذا قيل عن الرتبة الأولى التي تضم السيرافيم والكروبيم والكراسي؟