لماذا لم يبطل الرب موت الجسد عن مؤمنيه فى هذا العالم؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, اللاهوت الأخروي - الإسخاطولوجي, عقيدة, قيامة الأموات
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ7 – الأخرويات والحياة بعد الموت – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

لماذا لم يبطل الرب موت الجسد عن مؤمنيه فى هذا العالم؟

قد يسأل أحدهم: لماذا لم يبطل الرب عن مؤمنيه موت الجسد هنا، فلا يعمل الموت فيهم بعدما قاموا من الموت بموت الرب وقيامته، فيعيشون إلى الأبد دون أن تنفصل نفوسهم عن أجسادهم؟

أولاً: لكيلا يرتبط قلبنا الأرض. لم يسمح الله لنا أن نبقى هنا فى الجسد إلى الأبد، لئلا تتركز أنظارنا فى الأرضيات، ولا يرتفع رجاؤنا إلى الأبديات، فإنه "إن كان لنا فى هذه الحياة فقط رجاء فى المسيح، فإننا أشقى جميع الناس" (1 كو 15: 19). فالرب ارتفع إلى السماء حتى تشخص أنظارنا إلى فوق، وتنتظر اللقاء مع الله شخصياً من أجل الله ذاته وبه وفيه، ويكون هو الكل فى الكل.

ثانياً: لكى تظهر الحرية فى اختيارنا للإيمان. يقول القديس مقاريوس الكبير: [لو كان جسد الإنسان غير قابل للموت وغير مائل للفساد، لكان أهل العالم كله عندما يرون هذا الأمر الفائق الظن، أى أن أجساد المسيحيين لا تفسد، عندئذ ينجذبون إلى فعل ما هو خير بالضرورة لا باختيار منهم، ولكن المُراد أن تظهر الحرية التى منحها الله للإنسان منذ البدء... وتظل ثابتة. لهذا نظمت الأمور بتدبير مخصوص وتقرر انحلال الجسد، لكى يميل الإنسان إلى الخير أو الشر بإرادة منه].

ثالثاً: لكيلا نهتم بموت الجسد بل بموت الروح. يقول القديس أمبروسيوس [قال الرب عن يوحنا البشير: "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ" (يو 21: 22). نحن لا نعتقد أن المقصود هنا يوحنا وحده، بل هى دعوة موجهة عامة لكثيرين. فالرب لم يستبعد موت الجسد بل موت الروح. لأنه يوجد أموات يعيشون، ويوجد أحياء قد ماتوا! مثال ذلك تلك المرأة المتنعمة التى قد ماتت وهى حية (1 تى 5: 6). وكما هو مكتوب: "ليبغتهم الموت لينحدروا إلى الهاوية أحياء" (مز 55: 15). فإنه يوجد من ينزلوا الهاوية أحياء، إذ بالخطية ينزلون إلى الهاوية ويقيمون فى مكان الموت. بالأحرى أحياء هم أولئك الذين لم تنته حياتهم عند موت الجسد، مثل إبراهيم واسحق ويعقوب، الذين نعرف أنهم أحياء بحسب سلطان الكلمة الإلهية، إذ أن الله: "إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، ليس إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 32)].

رابعاً: ربنا يسوع لم يغشنا. يقول الشهيد كبريانوس: [من يحارب (روحياً) من أجل الله، يلزمه أن يعرف أنه قد وُضع فى معسكر قاسٍ، على رجاء نوال جزاء سماوى، فلا يرتعب من عواصف العالم وأعاصيره، ولا يهتز منها، لأن الرب سبق أن أنبأنا عن كل ما سيحدث لنا. لقد سبق فأخبرنا عن حدوث حروب ومجاعات وزلازل وأوبئة فى كل مكان. وبحديثه هذا أوصى كنيسته وعلمها وهيأها وشددها لتحتمل كل ما سيأتى. لقد سبق فأنذرنا بأن الكارثة تتزايد شيئاً فشيئاً فى أواخر الزمان، وذلك لكيلا نهتز من مخاطر مميتة غير متوقعة. انظروا، فإن ما أنبأنا عنه يحدث. وإذ يحدث إنما يتبعه أيضاً ما قد وعدنا به قائلاً: "هكذا أنتم أيضاً متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب" (لو 21: 31). هوذا ملكوت الله أيها الإخوة الأعزاء يقترب! [15]].

خامساً: لإعادة تشكيله من جديد بلا خطية. للقديس غريغوريوس أسقف نيصص رأى خاص بأن الموت ضرورى لكى يقود الجسد فيتشكل من جديد كأصله القديم دون أن يمتزج بالخطية التى ارتبطت به أثناء حياتنا على الأرض. يشبه جسد الإنسان بإناء خزفى تسلل السم فى مادته لذا يحتاج إلى إعادة عجنه ونزع كل أثر للسم منه، وترجع ذات المادة من جديد للتشكل بدون السم الذى تسلل إليها. هذا كله من قبيل محبة الله للإنسان هنا فى العالم بدم السيد المسيح، يتقدس بكامله، لكن يبقى صراع الجسد مع الخطية قائماً، لذا فنحن فى حاجة إلى إعاده تشكيله تماماً لتحمله من جديد فى استحقاقات الدم الثمين.

سادساً: غير الرب مفهوم الموت. إذ قبل مسيحنا الموت بإرادته لأجل خلاص العالم، غير مفهوم الموت، فلم يعد عقوبة يرتعب أمامها المؤمن، وإنما صار علامة حب يشتهيها المؤمن. يقبل الموت من أجل الله ومن أجل خلاص إخوته وبنيان نفسه، فيمارسه كل يوم كشركة مع المسيح المصلوب، وعربون حىّ للأبدية. يقول القديس يوحنا كاسيان، ليس فى خوف ورعب بل بروح الرجاء وترقب للأبدية، يتطلع المؤمن فى الممارسة اليومية للموت إلى حياته لا بنظرة سوداوية، بل بعينى الروح، فيرى مع كل نسمة يتمتع بالتجديد الروحى المستمر، حتى يبدو كأن جسده ينتقل من الجسد إلى الروح تدريجياً، مشتاقاً أن يرى اليوم الأخير، حيث يحمل عوض الجسد الترابى جسداً روحانياً (1 كو 15: 44). ينعم مع كل ممارسة للإماتة اليومية ليس فى بلادة وجمود بل بمعرفة روحية نامية، حتى ينتقل إلى كمال المعرفة حين يرى الله وجهاً لوجه[16]].


[15] Treatise 7 On the Mortality, 2.

[16] St. Cassian: Institutions, 41: 5.

هل من مجال للتوبة بعد الموت؟

كيف لا نخاف الموت؟!