أخطاء العام الماضى هى دروس للعام الجديد – اخطاء العام الماضى – الانبا يؤانس الغربية

لمسة وفاء للسراج المنير والبستان المثمر

نيافة الأنبا يوأنس

فى يوم الأربعاء 4 نوفمبر 1987 ودعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى المجد حبراً من أبرز أحبار الكنيسة الأجلاء أبينا الطوباوى الحبيب نيافة الأنبا يوأنس بعد حوالى ستة عشر عاماً قضاها فى خدمة الأسقفية بجهد كبير فى التعليم الكنسى، وبعد أن أثرى مكتبة الكنيسة بعدد وافر من المؤلفات القيمة فى الروحيات والعقيدة والتاريخ والطقس.

وفى هذا العام نحتفل بمرور عشرة أعوام على إنتقاله إلى مجمع القديسين ولهذا فقد حرصنا على أن ننشر سلسلة من الكتيبات الصغيرة فى مناسبات مختلفة كلمسة وفاء لذلك السراج المنير والبستان المثمر نيافة الأنبا يوأنس الذى وإن مات يتكلم بعد.

وفى هذه المرة ننشر محاضرة له بعنون "أخطاء العام الماضى هى دروس للعام الجديد".. ألقاها نيافته يوم الجمعة 26 / 12 / 1986 فى بداية العام الذى إنتقل فيه نيافته للمجد.

نحن نطلب لأبينا الحبيب نياحاً فى أحضان القديسين الذين كتب سيرهم والشهداء الذين أكرم أجسادهم ورفاتهم وأن يذكرنا دائماً نحن أبناؤه وأحباؤه أمام عرش النعمة. بصلوات أبينا الحبيب صاحب القداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث أطال الله حياته.

وإلى اللقاء فى الكتيب القادم عن "تأملات فى عيد الميلاد المجيد".

ولإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى أبد الآبدين أمين.

4 نوفمبر 1997م إيبذياكون جرجس إبراهيم صالح.

25 بابه 1714ش خادم وتلميذ مثلث الرحمات الأنبا يوأنس.

تذكار إنتقال نيافته للمجد.

باسم الآب والأبن والروح القدس اله واحد آمين.

أيها الإخوة الأحباء... والعام الميلادى قاب قوسين أو أدنى من الإنتهاء، ونحن نبدأ عاماً جديداً – نسأل الله أن يجعله عاماً مباركاً علينا جميعاً – وجدت أن أكلمكم فى هذا المساء عن بعض الامور التى أرجو ان تكون نافعة لجميعنا، ونحن نودع هذا العام لكى ما نستقبل عاماً جديداً.

وأنا أود أن يكون حديثى اليكم حديثاً من القلب الى القلب، لا أكلمكم من مكان عال، فإننى انسان مثلكم وكلنا كبشر هدفنا أن نتكاتف ونحاول أن نتعاون لكيما نقضى أيام غربتنا التى لا نعرف كم من الزمان تمتد، ولا نعرف حتى هل سنلتقى فى مثل هذا اليوم من العام القادم أم أين سنكون؟!

وهذا الكلام يخص أى إنسان، صغيراً كان أم كبيراً فى السن، مثقفاً – بحسب مفهوم العالم – أم غير مثقف رجلاً كان أم انثى، فهذا الكلام لنا جميعاً، والموضوع الذى أريد أن أتكلم فيه اليوم أضع له عنواناً هو:

أخطاء العام الماضى هى دروس للعام الجديد

فمن جهة أننا نخطئ فجميعنا نقع فى الخطية، وإذا كان شخص كبولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" فماذا نقول نحن؟!... وحسناً قال الآباء القديسون فى صلاة الغروب (إذا كان الصديق بالجهد يخلص فأين أظهر أنا الخاطئ) وهذا نفس الكلام الذى قاله الرسول "وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران" (1بط 4: 18).

فلا نريد مكابرة لاننا اناس ضعفاء والذى يعترف بخطئه يقبله الله، أما الذى لا يعترف بخطئه يرفضه الله "إن أعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم" (1يو 1: 9).

إننا يا أحبائى لا نعرف كم تمتد بنا الأيام، والله – بحكمته – سمح أن يكون هذا الأمر مخفياً علينا ومجهولاً لدينا لكى يظل الانسان على أهبة الإستعداد دائماً، ويكون مستعداً حينما يقول له الله إعط حساب وكالتك، فالله قد أوكلنا ولا نعرف متى يأتى كما أوضح السيد المسيح فى أحد أمثاله عن السيد الذى سافر بعد أن أعطى عبيده الوزنات وأمر كل واحد منهم أن يسهر.

فالموت سيأتى لا محالة، وأنا لست متشائماً لكى أقول هذا الكلام، ولكننى واقعى لانه لا يوجد كلام أكثر واقعية من موضوع الموت، فكثير من الأمور فى حياتنا تخضع لإختلاف الإجتماعات، أما بالنسبة للموت فلا توجد أمور محتمله، ولكن متى يكون؟!.. هذا هو ما لا نعرفه، والله لحكمته العالية السامية سمح وأخفى عن الإنسان هذه الساعة لكى يظل مستعداً دائماً، حيث انه لا يستطيع أن يؤخر هذه الساعة ولو لمجرد لحظة حتى يتوب فيها.

والفرق بيننا وبين القديسين أنهم كانوا مستعدين دائماً للقاء الله، ومن أكثر الأمور التى أتذكرها عن القديس أنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك أن تلميذه حينما كتب سيرته قال (عندما تنيح كانت هناك إبتسامه على شفتيه كمن هو ذاهب للقاء حبيبه) فبينما تكون ساعة الموت صعبة وهى ساعة خروج الروح من الجسد (بالنسبة للشخص العادى) فهى لا تكون صعبة بالنسبة للإنسان المستعد لهذه الساعة. لكن كيف نجعل أخطاء العام الذى قارب على الإنتهاء دروساً للعام الجديد؟!..

1 - محاسبة النفس

يحثنا الله على ذلك فى سفر الرؤيا وهو يقول لملاك إحدى الكنائس "إذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 5) فكما أنه لا يوجد تاجر لا يقوم بعمل حساباته لكى يعرف مكسبه أو خسارته كذلك الإنسان يجب أن يحاسب نفسه على أخطائه، ولكن متى يحاسب الإنسان نفسه؟!

يحاسب الإنسان نفسه بعد الخطأ مباشرة إذا أحس به فالإنسان أحياناً أثناء انفعاله يخطئ بى حاسه من الحواس ولكن بمجرد أن يحس أنه أخطأ – أينما كان – يجب أن يرفع قلبه إلى الله ويقول له "سامحنى أنا أخطأت" هذا هو أول شئ.

والإنسان أيضاً يحاسب نفسه فى نهاية كل يوم.. لأنه فى نهاية اليوم أنا لا أعرف إذا كان سيأتى علىَّ يوم آخر أم لا، وكان هذا تدريباً هاماً بالنسبة للآباء القديسين كما نقرأ عنهم. عندما كان أحدهم يأوى الى فراشه ليلاً يضع فى قلبه أنه من الممكن ألا يرى الصباح، وعندما يستيقظ صباحاً يضع فى قلبه أنه من الممكن ألا يعيش الى الليل.

فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه فى نهاية كل يوم وعندما أقول هذا فإنى أخاطب الناس الذين يريدون أن يسيروا فى الطريق السليم: ونحن جميعاً من المفروض أن نفعل ذلك لأن الإنسان لو مكث مدة طويلة بدون محاسبة سينسى ولا يتذكر حتى أخطاء الأمس. كذلك بعد جلسة المحاسبة بقف لكى يعترف أمام الله ويقول له "يا رب سامحنى أنا أخطأت فى كذا وكذا..." ويتوسل الى الله ويتذلل أمامه لكى ينال الصفح منه، وبقدر ما يتذلل الانسان أمام الله وبقدر ما يمتلئ قلبه بمشاعر التوبة بقدر ما يصفح الله عنه ويحس فى داخل قلبه أن الله قد صفح عنه.

فلا ينبغى أن نبسط الأمور ونسهلها أكثر من اللازم صحيح أن الله محب وحنون ورحوم، لكن لا ينبغى أن نطمع فى مراحم الله ومحبته أكثر من اللازم ففى نهاية كل يوم يجب أن نحاسب أنفسنا ونعترف أمام الله.

وهذا موضوع غير موضوع الإعتراف على الأب الكاهن لأننا لا نعترف إلا على فترات متباعدة، ولكن عندما نجلس مع أنفسنا فى جلسة محاسبة ونراجع أخطائنا يومياً فإننا نجهز أنفسنا لكى نذهب ونعترف.

وهناك مناسبات أخرى يحلو فيها محاسبة النفس مثل عيد ميلاد الإنسان الجسدى... فالله هو الذى أعطانى الحياة وأعطانى الصحة والقوة، وكما نقول (أتى بنا الى هذه الساعة)، وكل هذ يقتضى منا أن نشكره، ولكى نشكره ينبغى أن نصطلح معه اولاً، ويكون ذلك بأن نعترف بأخطائنا، لأن كل خطية هى موهة الى الله أصلاً، أى أننى إذا سرقت أى إنسان او تسببت فى ضرر لأى إنسان فإننى أسيئ الى الله نفسه، لأن الله هو الذى أعطانى وصية أن أحب الناس ولا أعتدى عليهم ولا أشتهى ما لقريبى، فلذلك كل خطية نعملها ضد أى إنسان تكون موجهة ضد الله نفسه.. لأنه هو الذى أعطانى وصية ألا أفعل هذه الخطية، ولذلك نجد داود بعد أن وقع فى خطية الزنا يقول "لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت" (مز 51: 4). ونحن عندما نصلى القداس الإلهى قبل أن نصلى صلوات التقديس على الخبز والخمر نصلى ما يعرف بصلاة الصلح، لأنه لابد أن أصطلح مع الله أولاً وإلا فكيف أصلى؟!.. والسيد المسيح يقول "فإن قدمت قربانك قدام المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فأترك هناك قربانك قدام المذبح وأذهب أولاً إصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت 5: 23، 24) فإذا كان الله يطالبنا أن نصطلح مع اخوتنا فكم وكم ينبغى أن نفعل معه هو قبل أن نقدم الذبيحة؟!.. هذه الذبيحة التى تعطينا نعمة الإتحاد به لكى نكون واحداً معه كما نصلى ونقول (إجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا واجسادنا وأرواحنا لكى نكون جسداً واحداً وروحاً واحداً ونجد نصيباً وميراثاً مع جميع قديسيك الذين أرضوك منذ البدء).

كانوا أيضاً فى أجيال المسيحية الأولى يحاسبون أنفسهم فى الأعياد والمناسبات الكبيرة... فمثلاً نحن مقبلون على عيد الميلاد الذى أتى فيه السيد المسيح له المجد من أجلنا لكى يخلصنا، هذه مناسبة مفرحة يجب أن نفرح فيها ونفرحَّ فيها قلب الله ايضاً، ولكن كيف أفرح وخطيتى فى رقبتى؟!.. وكيف أفرّح قلب الله إلا بتوبتى؟!... فلا يوجد شئ يفرح قلب الله إلا توبة الإنسان ورجوعه إليه، لأن التوبة هى رجوع الى الله.

أنظروا إلى المثل والتصوير القوى الذى صوره السيد المسيح فى مثل الإبن الضال يصور الأب وهو ينتظر عودة إبنه "وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنه (إبنه) وقبّله" (لو 15: 20)، كان الأب فى حالة إنتظار لعودة إبنه ورغم أنه كان بعيداً من حيث المكان وكذلك من ناحية نوعية التوبة حيث أن توبته لم تكن كاملة، وكما قلت أكثر من مرة أن الفاء فى كلمة (فتحنن) هى فاء عطف بمعنى الترتيب فالتعقيب، أى بمجرد أن رأى الأب ابنه غمر الحنان قلبه وركض ووقع على عنقه وقبله، حتى قبل أن يقول الإبن كلمة إعتذار واحدة.

إذاً أول شئ ينبغى أن نفعله يا أحبائى هو أن نحاسب أنفسنا أولاً بأول، فإنه لا يوجد إنسان خال من الخطية أبداً كما نقول فى مدائح كيهك (الخطية هى طبعى وأنت طبعك الإحسان، ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران)، فنحن كلنا خطاه، والمسيح أتى إلينا جميعاً كخطاة، أتى كطبيب ونحن المرضى، ليعالجنا من أمراض نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا.

ثم أن محاسبة النفس لابد أن تنتهى بجلسة إعتراف والإعتراف ينبغى أن يكون بقلب متوجع ونادم على الخطأ فى حق الله، فعندما أخطئ فى حق أى إنسان ثم أتذكر محبته وسماحته أحاول أن أعتذر له كلما رأيته، فكم وكم حينما نتذكر محبة الله لنا وإستعداده ن يقبلنا دائماً "من يقبل الى لا أخرجه خارجاً" (يو 6: 37)، وكذلك إستعداده أن يغفر لنا كل خطايانا "جميع الخطايا تغفر لبنى البشر" (مر 3: 28) وأكبر مشكلة فى الإعتراف هى الخجل، ولكن لو لم نعترف هنا وخجلنا من الأب الكاهن سوف نفتضح أمام العالم كله يوم يدين الله العالم، "فى اليوم الذى يدين الله فيه سرائر الناس بحسب إنجيلى بيسوع المسيح" (و2: 16) فطالما أن الإنسان يفعل الخطية فلابد له أن يعترف، وهذا الخجل نافع ومفيد لأنه يقوم بعمل توازن مع اللذة التى إستمتع بها الإنسان حينما كان يمارس شهوة أو خطيئة معينة.

2 - معالجة نقاط الضعف

كل إنسان له نقط ضعف، والشيطان يعرف نقط ضعفى جيداً ويحاربنى بها، وهذه الأمور ربما لا تندرج تحت اسم الخطية ولكنها تحرم الإنسان من بركات كثيرة، فمثلاً أعرف اشخاصاً كانوا مستعبدين لشرب الشاى، وكانوا يستيقظون مبكراً فيسرعون لعمل الشاى وتناوله، ويحرمون أنفسهم من بركات الصوم الإنقطاعى بسبب هذا الكيف هؤلاء الأشخاص الذين يستعبدون لأى نوع من المكيفات سواء كان هذا الكيف طعام أو شاى أو سيجارة أو كأس يقول لهم الرسول بولس "كل الأشياء تحل لى لكن ليس كل الأشياء توافق كل الأشياء تحل لى لكن لا يتسلط على شئ" (1كو 6: 12)، لأن الله قد خلق الإنسان حراً وليس مستعبداً لشئ، وعندما تكلم السيد المسيح له المجد مع اليهود عن الحرية قالوا له "إننا ذرية ابراهيم ولم نُستعبد لأحد قط" فأجابهم "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 33، 34). ولكن "إن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 8: 36). وهذه هى الحرية "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى 4: 13). فلست أنا الذى استطيع كل شئ ولكن الله هو الذى يقوينى.

وهكذا يا أحبائى يجب على كل إنسان أن يعرف نقط ضعفه ويعالجها ولا تظنوا أن الإنسان يمكنه أن يتخلص من امر معين بمجرد أن يعترف به مرة واحدة ثم ينتهى الأمر وإلا لأصبحنا كلنا قديسين فى لمح البصر، ولكننا نقرأ عن بعض الآباء كانوا يجاهدون ضد شهوة أو خطيئة معينة مدة عشر سنوات أو خمسة عشر سنة حتى ينتصروا عليها.

كذلك يجب على الانسان أن يعرف نقط ضعفه ويحترس منها، وما أعجب العبارة التى قالها أحد الآباء النساك فى بستان الرهبان إذ قال (لا أذكر أن الشيطان أوقعنى فى شئ واحد مرتين) تأملوا فى شدة الحرص!! لابد ان نعرف أن لنا أعداء كثيرون فطالما نحن نسير فى الطريق الروحى فلابد أن يكون لنا أعداء ولو لم يكن لنا أعداء لفعلنا كل ما نريد ولكن نحن لنا أعداء كثيرون ويجب أن نحترس منهم بشدة، لأجل هذا لا يوجد أعظم ولا أبلغ من المثل العامى المعروف لنا جميعاً والذى يقول (الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح) والإنسان الذى يريد ان يعيش مع الله لابد أن يتبع هذا الكلام، يرى نقط ضعفه ويحاول أن يقوى نفسه من جهتها ويحترس منها جيداً.

والإنسان وحده – وليس أحد غيره – هو الذى يعرف نقط ضعفه ويجب أن يهتم وأن يتكلم عنها مع أب أعترافه لكى يرشده ويعطيه النصائح اللازمة أو يدله على كتاب يقرأه لكى يقوى نقط ضعفه هذه، وقبل كل هذا – طالما نحن نتطلع إلى حياة جديدة مع الله – يجب أن نتذكر قول الرسول "ولكنى أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام" (فى 3: 13) وكذلك "الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو 5: 17).

3 - إدراك أن الخطأ ليس معناه الفشل

فالخطأ شئ والفشل شئ أخر، وحتى إذا أحسست أننى إنسان خاطئ فلا يجب أبداً أن أشعر بالفشل أو اليأس لأن أمضى أسلحة الشيطان هو اليأس، وإذا إستطاع أن يصل بإنسان الى مرحلة اليأس يكون ذلك مكسباً كبيراً له لأنه يكون قد أفقده الرجاء الذى يعتبر أحدى الفضائل المسيحية الثلاثة الكبرى (الإيمان والرجاء والمحبة)، فالرجاء فضيلة فى درجة واحدة مع الايمان والمحبة، وتعتبر فضيله أم تلد فضائل أخرى وينبع عنها فضائل أخرى ولذلك لابد أن نباعد بيننا وبين اليأس ونحن نقول "يا رب لا تدعنى أخزى لأنى دعوتك" (مز 31: 17) لأن الرجاء يخلص الإنسان كما يقول الرسول بولس "لأننا بالرجاء خلصنا" (رو 8: 24) وهكذا لابد أن نتمسك بهذه الفضيلة ويكون لنا رجاء فى الله أنه يخلصنا ويرشدنا ولا يتركنا، ولكن لو تخلى الإنسان عن الرجاء أو أعطى فرصة لعدو الخير أن يفقده هذا الرجاء يقع سريعاً فى اليأس.

اذاً لا يجب أن يوصلنا الخطأ إلى الإحساس بالفشل واليأس، ذات مرة أتى بطرس الى السيد المسيح وقال له "يا رب كم مرة يخطئ إلى أخى وأنا اغفر له. هل الى سبع مرات. قال له يسوع لا أقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 21 - 22) وعندما نقول 7×70 ليس معناها 490 مرة، ولكن عدد سبعة هذا هو عدد الكمال فإن كان الله يطالبنا أن نسامح من يخطئ الينا عدد لانهائى من المرات فى اليوم الواحد، فكم وكم يكون تسامح الله معنا؟!... هذا معنى كلامه "من يقبل الىَّ لا أخرجه خارجاً" (يو 6: 37). عندما كنت أتأمل فى قول بولس الرسول "المحبة لا تسقط ابداً" جلست أخاطب الله قائلاً "اذا كنت تطالبنا أن محبتنا لبعضنا لا تسقط أبداً فهل تسقط محبتك أنت للخطاة أو من هم معتبرون خطاة، وأنت قد أتيت من أجل الخطاة كطبيب" "لا يحتاج الأصحا إلى طبيب بل المرضى" (مت 9: 12) ونحن لم نرى طبيباً ل ينهر المرض ويعنفه بشدة لأنه عرض نفسه للعدوى والمرض ثم بعد ذلك يعالجه، كذلك الطبيب الحقيقى الذى يعالج نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا هو طبيب حنون لا يقسو ولكنه يقول "لا أذكر خطاياهم وتعدياتهم فى مابعد" (عب 8: 12) فنحن نتعامل مع إله عجيب والتأمل فى محبة الله ورحمته هو سر ينبوع دموع القديسين التى كانوا يزرفونها كما قال داود "لا مثل لك بين الآلهة ولا مثل أعمالك" (مز 86: 8) أنظروا إلى المرأة التى أمسكت فى ذات فعل الزنا ماذا فعل لها السيد المسيح؟! أشفق عليها من الناس الذين فضحوها وانحنى على الأرض وأبتدأ يكتب خطايا الكبار أولاً لأنهم كانوا من المفروض أن يكونوا كباراً فى الفضيلة كما هم كبار فى السن، فإبتدأ كل واحد ينظر لخطيته المكتوبة وينسحب حتى انسحبوا جميعاً، فإنتصب السيد المسيح وقال لها "يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد. فقالت لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك إذهبى ولا تخطئى أيضاً" (يو 8: 10 - 11) فعل السيد المسيح هذا رغم أنه هو الديان الذى سيدين العالم أجمع فى اليوم الأخير كما هو مكتوب "لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للأبن" (يو 5: 22).

فنحن الآن يا أحبائى فى عصر الرحمة، عصر الحب، عصر الغفران ومازال الفرصة موجودة لكى نصحح أخطاءنا، فإن الهنا إله حنون، ولكن القسوة ستكون فى النهاية لأنه سيكون الحكم بلا رحمة لمن لم يستعمل الرحمة، حينما يطلب كتاب الإنسان وينتهى كل شئ ولا يجد الإنسان لحظة أو طرفة عين لكى ما يقدم فيها توبة، ويسمع صوت الله يؤنبه قائلاً (هل أتيت إلىَّ ولم أقبلك، هل حاولت أن تسير فى الطريق الصحيح فرفضتك) فإنتهزوا الفرصة يا أحبائى لأنها مازالت موجودة.

4 - التحلى بفضيلة الحرص

ينبغى أن يكون الإنسان حريصاً لان الخطايا تأتى فى أحيان كثيرة بسبب التهاون والأستهتار فلابد أن نتعلم من اخطائنا السابقة، توبوا يا احبائى لأن عدم التوبة معناه الهلاك كما قال السيد المسيح عندما جاءوا ليخبروه عن الذين سقط عليهم البرج فى سلوام والذين خلط هيرودس دماءهم بذبائحهم قال لهم "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 5). فالله مازال يعاملنا برفق ويدعونا دعوة مقدسة أن نختبر محبته لأنه هو فى غنى عن جميع أعمالنا ولن يستفيد منا شئ ولا حتى من صلاتنا ولكنه مع ذلك يحبنا وكم يفرح قلبه حينما يقف الانسان ليناديه قائلاً (أبانا الذى فى السموات....) يقول القديس مارأفرام السريانى فى إحدى مناجاته لله (أنك انت تفضل سماع أصواتنا أكثر من ضجة السمائين) تصوروا أنه يعتبر تسابيح الملائكة ضجة الى جانب صوت إنسان خاطئ يقف لكى يصلى أمام الله.

أنا أدعوكم يا أحبائى فى هذا المساء المبارك أن نبدأ بداية حسنة كما نقول فى صلاة باكر كل يوم (احفظنا ولنبدأ بدءاً حسناً) ولنسمع صوت الله فى هذه الساعة وهو يدعونا ونحن فى بيته المقدس أن نبدأ حياة جديدة فى هذا العام الجديد الذى سيعطينا إياه لكى نمجده ونباركه قائلين مع الرسول بولس "مفتدين الوقت لان الأيام شريرة" وأظن أنه لا توجد أيام أشر مما نحن فيها فالعالم سيفنى ذاته بأسلحة الدمار التى يصنعها وبالأمراض الخطيرة التى تنتشر فى قارات العالم أجمع والإنسان سيهلك نفسه بالخطية.

ولذلك نطلب من إلهنا الصالح الذى أحبنا ألا يعاملنا حسب كثرة خطايانا وسوء أفعالنا، وأن يعيننا لكى نفعل ما يرضيه وأن يعطينا توبة قوية، ونشكره أن مازال يطيل ناته علينا ومازال يعطينا الفرصة للآن "الآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة فكل شجرة لا تصنع ثماراً جيداً تقطع وتلقى فى النار" (مت 3: 10) ولكن هناك قديسين كثيرين يتشفعون فينا قائلين (أتركها هذه السنة أيضاً) نشكره لأنه يعطينا عاماً آخر لكى ما نتوب ونقدم أعمالاً وأثماراً تليق بالتوبة.

الرب يبارك حياتكم لمجد اسمه ويعيننا جميعاً نحن الضعفاء المساكين على خلاص أنفسنا وعلى تصحيح أخطائنا. توبوا يا أحبائى اليوم... الآن... توبوا لكى تأتى أوقات الفرج من عند الرب الذى له المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد أمين.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات