والدة الإله القديسة العذراء مريم – الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري

كارت التعريف بالكتاب

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
1MB

مقدمة

يهاجم البعض مثل النساطرة وأحد الشمامسة الذى انشق على كنيستنا فى السنوات الأخيرة استخدام لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء مدّعين أن الذى بدأ باستخدامه هو البابا كيرلس الكبير عمود الدين البابا الرابع والعشرون فى عداد باباوات الكرازة المرقسية (412-444م) فى القرن الخامس. وأن هذا اللقب يحمل فى طياته – حسب قولهم- التأليه للعذراء ويوحى بأنها مصدر للاهوت المسيح وليس لناسوته فقط الذى جعله واحداً مع لاهوته عندما تجسّد منها..

وسوف نفنّد كل هذه الادعاءات ونرد عليها بأدلة وبراهين كتابية وتاريخية لا تحتمل التأويل، وهو ما سوف نركز عليه فى هذا الكُتيّب. لأنه إذا كان المسيح إلهاً، وإذا كان وقد وُلِدَ من العذراء فلابد أن تكون هى “والدة الإله”. وسوف نقدّم أقوال لآباء قديسين سابقين للقديس كيرلس الكبير استخدموا لقب “والدة الإله” عن العذراء مريم عديد من المرات مثل القديس أثناسيوس الرسولى (انظر صفحات 64-67) والقديس باسيليوس الكبير (انظر صفحة 67-68) والقديس غريغوريوس النازينزى (انظر صفحة 68).

كما أن هناك ادعاءات أننا نغالى فى تكريم السيدة العذراء ونقدّم لها الصلوات ونطلق عليها الألقاب والرموز الخاصة بالمسيح الإله. هنا ونريد أن نقول أن السيدة العذراء تستحق كل الألقاب التى تطلقها الكنيسة بفطنة عليها، كما تنطبق عليها كل الرموز التى تطبقها عليها الكنيسة المقدسة، ومن يرفض ذلك فإنه فى الحقيقة لا يستطيع أن يدرك أعماق هذه الأمور ولا مدلولاتها ولا معانيها. إن موضوع الألقاب والرموز يحتاج مبحث آخر ليس مجاله كله هذا الكتيب المخصص للرد على من يهاجمون لقب “والدة الإله” بالنسبة للسيدة العذراء، كما أننا أضفنا الرد على جزء من الهجوم على بعض فقرات فى الصلوات الكنسية التى تذكر فيها السيدة العذراء مريم.

ويقول المهاجمون المنشقون إن الكنيسة الأرثوذكسية خاصة القبطية “تعامل العذراء القديسة مريم نفس معاملة الإله” وهذا غير حقيقى ومرفوض تماماً فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية والكنائس المشتركة معها فى الإيمان.

إننا نرفض فكرة تأليه الإنسان حتى بالنسبة للسيدة العذراء، ولا نقبل بأى حال من الأحوال أن نعاملها معاملة الإله، ولا نقدّم لها العبادة أبداً. إنما نكرمها ونقدّم لها التماجيد البعيدة عن التمجيد الإلهى، والطلبات الخاصة بالشفاعة التوسلية وليس الكفارية، ونحتفل بأعيادها، فما الخطأ فى ذلك؟!

إننا ندرك أنه نظراً لطاعة السيدة العذراء واتضاعها وامتلائها بالنعمة تجسد منها الله الكلمة. لذلك نقول فى تسبحة نصف الليل “الآب اطلع من السماء فلم يجد من يشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منك” (ثيئوطوكية يوم الأربعاء). ولذلك نطقت هى بالروح القدس وقالت “هُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي. لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ” (لو 1: 48، 49)، وهذا لم يكن افتخاراً من جانبها لكن الروح القدس هو الذى تكلم من خلالها بما يتفق مع مشاعرها. وكأن لسان حالها يقول أن الأجيال سوف تنبهر بما عمله القدير من عظائم فىّ.. أى تجسده منها. هذا هو الذى جعلنا نعطيها ألقاباً جعلت البعض يظن بطريق الخطأ أننا نعطيها ألقاباً خاصة بالسيد المسيح.

لقد قصد السيد المسيح أن يصنع أول معجزة له، وهى تحويل الماء إلى خمر فى عرس قانا الجليل، بتوسط أمه القديسة مريم العذراء ليبين لنا مكانة طلبتها لديه (انظر يو 2).

كما أن السيد المسيح على الصليب قال ليوحنا الحبيب مشيراً إلى أمه العذراء “هوذا أمك” (يو19: 27). ففى شخص يوحنا، أمر السيد المسيح بفمه الطاهر أن تكون السيدة العذراء أماً للرسل. وبهذا تصير السيدة العذراء أماً روحية للكنيسة كلها، ليس فقط من أجل النبوات التى قيلت عنها مثل “قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب” (مز45: 9)، أو من أجل سيرتها الطاهرة العطرة، ولكن بأمر إلهى صريح.

ما من قبطى أرثوذكسى حقيقى لم يختبر شفاعة وأمومة السيدة العذراء.. ما من طفل أو شيخ، رجل أو امرأة، فقير أو غنى إلا وتلامس معها روحياً وشعر بحنانها وأحبها. وتجد ذلك يظهر تلقائياً فى صرخات على الألسنة فى وقت الاحتياج أو الضيق أو الألم أو الخوف أو القلق أو الموت: “يا أم النور”، “يا عذراء يا أمى”، “يا ست يا عذراء” إلخ.

إن الذين يهاجمون التشفع بالسيدة العذراء هم فى الحقيقة لم يختبروا قوة شفاعتها وأمومتها لأنهم لو اختبروها لما احتاجوا من يقنعهم بها. وفى الحقيقة إن من لا يتخذ السيدة العذراء أماً فهو يخسر كثيراً.

إن كنيستنا تحب السيدة العذراء وتكرمها وتجعل مرتبتها أعلى من الشاروبيم والسيرافيم..

والسيدة العذراء أيضاً تحب كنيستنا فقد زارت بلادنا مصر مع خطيبها القديس يوسف هاربة بطفلها من وجه هيرودس الذى كان يريد قتله، وظلت بها عدة سنوات، وتنقلت بين ربوعها حتى وصلت إلى جبل قسقام فى الصعيد الأوسط، فتباركت أرض مصر شمالاً وجنوباً وتحطّمت أوثانها، فانطبق عليها قول إشعياء النبى: “هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا” (اش 19: 1).

والسيدة العذراء تظهر على قباب كنائسنا وداخلها مباركة شعبنا الذى تحبه. وكثير من الذين عاينوا هذه الظهورات الواضحة فى الزيتون 1968م، وفى بابا دبلو 1986م، وفى الوراق 2009م وغيرها، لا زالوا على قيد الحياة.

والعجيب أن من يهاجمون العذراء يشككون حتى فى ظهورها الواضح للجميع بصورة تدعو إلى الشفقة على حالهم.

إننا نفخر أن تكون العذراء هى أمنا، ولا يسعنا إلا أن نردد ما علمتنا إياه كنيستنا فى مقدمة قانون الإيمان:

“نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا”.

فلينج الله أبناء الكنيسة من هذه البدع المتجددة ولينقذ شعبه من تأثيرها ببركة السيدة العذراء والدة الإله وصلوات صاحب القداسة والغبطة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث أطال الله حياته ومتعه بموفور الصحة والعافية.

22 أغسطس2010م

21 مسرى 1726ش  مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى تذكار والدة الإله ورئيس دير القديسة دميانة للراهبات

إثبات أن السيدة العذراء هى “والدة الإله”

إننا لا نعارض هجوم البعض على لقب “والدة الإله” بالنسبة للسيدة العذراء من أجل الدفاع عنها -وإن كانت تستحق أن ندافع عن كرامتها- لكن من أجل الدفاع عن ألوهية السيد المسيح. فنحن لا نتنازل عن لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء دفاعاً عن ألوهية السيد المسيح..

لذلك نوجه السؤال التالى لمن يهاجمون لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء ويقولون أنهم مسيحيون:

هل من ولدته العذراء هو إله؟

هل من ولدته العذراء مريم – يسوع المسيح- هو إله أم ليس إلهاً؟

غالباً ستكون الإجابة: أنه إله..

إذن، إن كان المولود منها هو إله فكيف يقولون أنها ليست والدة الإله؟!

هكذا تحسم القضية باختصار دون الدخول فى تفاصيل.

أما إن أنكروا إلوهية السيد المسيح فهذا طبعاً سوف يثبت أنهم ينكرون الإيمان المسيحى السليم.

ولقد كان هذا هو أول ما كتبه القديس كيرلس الكبير عندما علم بأن هناك من يرفض لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء حيث كتب إلى رهبان مصر يقول:

“ولذلك فإنى دُهشت من أن البعض يتساءلون فيما إذا كان ينبغى أن تُدعى العذراء القديسة “والدة الإله” أم لا. لأنه إن كان ربنا يسوع المسيح هو الله، فكيف لا تكون العذراء القديسة التى ولدته هى “والدة الإله”.

وفى نفس هذه الرسالة فى الفقرتين 7 و 8 أورد إقتباسين من أقوال القديس أثناسيوس بابا الإسكندرية العشرون ضد الأريوسيين الرسالة الثالثة PG 26, 385A, 393A ينص فيها القديس أثناسيوس على أن السيدة العذراء هى والدة الإله وهذه الاقتباسات أوردناها فى صفحات (64-67).

الدفاع عن لقب “والدة الإله” ليس غرضه هو تكريم العذراء:

إننا لا نقصد تكريم العذراء بتلقيبها “والدة الإله”. كما لم يقصد مجمع أفسس 431م بالدفاع عن هذا اللقب تكريم السيدة العذراء.

إننا نكرّم السيدة العذراء بأنها هى الشفيعة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح، وأنها تجلس عن يمين المسيح فى ملكوته، إلخ… فهى لا تحتاج التكريم فى تلقيبها بلقب “والدة الإله”. على الرغم من أننا لا ننكر أن أعظم شرف نالته السيدة العذراء مريم هو أنها والدة الإله، ولذلك قالت لها أليصابات “مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ” (لو1 :43).

نحن لا نطلق على العذراء لقب “والدة الإله” بهدف تكريمها، مع أن هذه الحقيقة -أنها والدة الإله- جعلتها نالت التكريم لأنها أصبحت السماء الثانية.

ولم يكن الصراع فى مجمع أفسس 431م مع النساطرة هو بسبب أنهم يقللون من شأن العذراء مريم، لكن الصراع كان بسبب أنهم ينكرون ألوهية السيد المسيح ويعتبرونه إنساناً عادياً سكن فيه الله الكلمة مثلما يسكن الروح القدس فى القديسين.

أما عن كرامة العذراء فهى بلا شك لأنها حملت الإله الكلمة المتجسد فى بطنها.. وصارت سماءً ثانية.. وصارت عرشاً.. وصارت أعلى من الشاروبيم والسيرافيم.. وأعلى من جميع السمائيين أى أعلى من المخلوقات العاقلة سواء الملائكة أو البشر، بلا منازع..

وقد قالت بنفسها “هُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي” (لو1 :48)، وهذا قالته بالروح القدس وسُجّل فى الإنجيل. أى أنها لم تقل هذا تفخيماً فى نفسها بل هذه هى تسبحتها التى نطق بها الروح القدس على لسانها وسجَّلها الإنجيل.

كيف يولد الله من إمرأة؟

النساطرة ومرددو تعاليمهم يهاجموننا بقولهم أنه بما أن الإنسان يلد إنسان، والغزال يلد غزال، والقرد يلد قرد، فكيف تلد امرأة الله، أو كيف يولد الإله من امرأة؟

يقول النساطرة“ “مريم كانت إنسانة والله لا يمكن أن يولد من إنسان”  ويقول نسطور نفسه “كيف تكون هى أم ذاك الذى له طبيعة مختلفة عنها؟”

قبل أن نرد على هذه النقطة يجب أن نؤكد أننا فى مواجهة الهراطقة لابد أن نفحمهم برد منطقى، أى رد يستند على المنطق السليم إلى جوار استخدام آيات الكتاب المقدس الذى لا يقدر أحد أن يجادل فيه.

الخداع المنطقى فى هذا الهجوم على عقيدتنا هو أنهم يتكلمون عن الدلالات الطبيعية التى لم يحدث فيها تجسد واتحاد طبيعتين من جنسين مختلفين. فلا يوجد إنسان تجسد فى صورة غزال وولد من غزالة، ولا يوجد ملاك روحانى تجسد فى صورة إنسان وولد من إنسانة، لأن التدبير الإلهى لم يقصد ذلك. ولكن يوجد إله تجسد فى صورة إنسان وولد من امرأة وهذا حدث فريد فائق للطبيعة أى للطبائع العادية لأن تجسد الله الكلمة هو الذى قال عنه معلمنا بولس الرسول “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى” (1تى 3: 16). وبذلك تكون الدعوى الفلسفية التى يقيمها النساطرة قد سقطت لأنها فى مساحة لا تخص القضية المنطقية التى نحن بصددها.

أما الرد العقائدى على إدعاءهم هذا فهو أن العذراء ولدت المسيح بحسب إنسانيته ولم تلده بحسب لاهوته… هى ولدته كإنسان.. ولم يكن لها دخل فى اتحاد الطبيعة البشرية الخاصة بالسيد المسيح -التى تكونت فيها بعمل الروح القدس- بالطبيعة الإلهية، ولكن الروح القدس طهرها وقدسها وملأها نعمة. أى أن الروح القدس قام بتدشين رحمها كما نقوم نحن بتدشين الأوانى التى نضع فيها جسد الرب ودمه فى الكنيسة. هكذا قام الروح القدس بتدشين رحمها وجعله يليق بحلول المسيح الملك فيه. وقام الروح القدس أيضاً بعمل آخر وهو أنه منع الخطية الأصلية أن تنتقل فى الخلية التى أخذها من العذراء إلى المولود منها، المسيح الإله المتجسد، خاصة أن من وُلد منها “لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ” (يو1 :13). وحيث أن مشيئة الله نفسها هى التى كونت هذا الجنين، فلا يعقل أنه يرث الميل إلى الخطية. كما أن الروح القدس مارس بقدرته الإلهية الفائقة للطبيعة أشياء خارقة للطبيعة: مثل تكوين الناسوت بدون زرع رجل، وأيضاً عدم وراثته للخطية الأصلية.

ونحن لا ننكر أن الذى يأتى بإرادة إنسان غير الذى يأتى بإرادة الله، وهذا ما ذُكر فى الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا عن الولادة الجديدة للمؤمنين بالمسيح: “الَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ”. إن ما يحدث لنا فى المعمودية والميلاد الفوقانى كان يعمل فى تكوين الناسوت الخاص بالسيد المسيح أى فى الميلاد الخاص بتجسد الكلمة. نحن نأخذ فى المعمودية الطبيعة الجديدة، ونؤهَّل لأن نأخذ جسد القيامة المُمجد -لأن المعمودية هى ولادة بإرادة الله- وننال البنوة بالنعمة.. لكن لأن المسيح هو نفسه ابن الله بالطبيعة -من حيث لاهوته- فعندما اتخذ ناسوتاً تكوّن هذا الناسوت بإرادة إلهية وليس بإرادة إنسانية، لذلك ينطبق عليه ما قيل عن الميلاد الثانى بالنسبة لنا نحن: “الَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ” (انظر يو1 :13). فإن كنا نحن نغتسل من الخطية الأصلية فى المعمودية، ونتحرر منها، فبالأولى الذى تكوّن أصلاً ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل..

ملخص:

1) هل الذى وُلد من العذراء إله أم ليس إلهاً؟

إذا كان إلهاً تكون العذراء هى والدة الإله.

2) من يقولون أن الله لا يولد من امرأة وأن الإنسان يلد إنساناً نرد عليهم بقولنا:

أن العذراء لم تلد المسيح بحسب لاهوته ولكنها ولدته بحسب إنسانيته.

لماذا لا نقول عن العذراء أنها والدة الإنسان يسوع؟

إنها بالفعل والدة الإنسان يسوع ولكن لأن يسوع هو هو نفسه الله الكلمة المتجسد وليس آخر، ونحن لا نفصل الله الكلمة عن الإنسان يسوع وكأنه فى المسيح شخصين أو ابنين هما ابن الله وابن الإنسان بل ابن واحد وشخص واحد هو هو نفسه ابن الله وابن الإنسان، لذلك نؤكد أن العذراء مريم هى “والدة الإله” (ثيئوطوكوس) لئلا يظن أحد أنها ولدت إنساناً وابناً ليس هو ابن الله. بل إن الملاك جبرائيل قال لها “فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو 1: 35). هى لم تلد لاهوته، ولكنها ولدته بحسب ناسوته وهو الإله.

إذا قلنا “وُلد جسد الله الكلمة من العذراء مريم” وسألنا من الذى وُلد منها؟ فالإجابة تلقائيًا هى: “الله الكلمة”.

إن قلنا أن العذراء ولدت إنساناً فهذا سوف يعطى فرصة للبعض أن يقولوا أنه نبى أو أنه ليس إلهاً. إلا أن هذا لا يمنع أننا نعترف أنها ولدت إنساناً، ولكن هذا الإنسان هو إله متجسد وهو هو نفسه إله وإنسان فى آنٍ واحد.

ولكن من ناحية أخرى، إن إدّعى أحد، مثل أوطاخى مثلاً، أن المسيح هو إله فقط وليس إنسانًا، إذ أن فى نظره الناسوت ذاب فى اللاهوت، أو مثل الدوسيتيين الذين ادّعوا أن المسيح اتخذ جسداً خيالياً، فينكرون ناسوت المسيح: على أمثال هؤلاء نرد بقولنا أن المسيح هو إنسان كامل، ونؤكِّد أن العذراء ولدت المسيح كإنسان. أما المشكلة التى نحن بصددها فهى إنكار إلوهية المسيح لذلك لابد أن يكون تركيزنا فى الشرح على أن العذراء هى “والدة الإله”.

وقال القديس كيرلس السكندرى أن الله الكلمة ينسب إلى شخصه كل ما يخص جسده الخاص، فآلام جسده هى آلام الله الكلمة. وموت جسده هو موت الله الكلمة وليس موت لاهوته.

نحن كمسيحيين نؤمن أن السيد المسيح ليس هو إنسان متألّه أو إنسان سكن فيه الله الكلمة، كما قال نسطور بطريرك القسطنطينية الذى حرمته الكنيسة فى مجمع أفسس المسكونى عام 431م، بل نؤمن أن المسيح رب المجد هو إله متجسد، مثلما قال إنجيل القديس يوحنا “كَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ… وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا” (يو1:1، 14). ويقول القديس بولس الرسول فى رسالته إلى تلميذه تيموثاوس “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُو سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ” (1تي3 :16) وأنه فيه “يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً” (كو2: 9).

خطورة التعليم بأن المسيح هو إنسان تأله هو أن ذلك يجعل المسيحية فى موقف الشرك فى العبادة، لأنه إذا تألّه أحد البشر فهذا معناه تأليه الإنسان، مثلما ألّه أباطرة الرومان أنفسهم. وهو نوع من تعدد الآلهة.

الإله يمكنه أن يتجسد، لأن الله قادر على الظهور، وقادر على التجسد لأنه قادر على كل شئ. لكن الإنسان لا يمكنه أن يتأله على الإطلاق. ونحن سنظل متمسكين بلقب العذراء مريم أنها “والدة الإله” حسبما قرر المجمع المسكونى الثالث فى أفسس.

وقد سقط نسطور فى الشرك بالله حينما قال:  “نوقِّر ونكرم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة”،  وقال أيضاً: “أن الله الكلمة إذ هو يعرف مسبقاً إن المولود من العذراء القديسة سيكون قدوساً وعظيماً، لأجل هذا اختاره، ورتب أن يولد من العذراء بدون رجل، كما أنعم عليه أن يسمى بأسمائه، حتى أنه يدعى ابن ورب ومسيح وأعده أن يموت لأجلنا وأقامه من الأموات. لذلك فحتى إن قيل أن كلمة الله تأنس، بسبب أن الله كان دائماً معه، كما مع إنسان قديس مولود من العذراء، ولهذا السبب يقال أن الكلمة تأنس. وكما كان الله مع الأنبياء، هكذا يقول أن الله كان معه فى إتصال وثيق”.

“لم يولد الله الكلمة من مريم لكنه سكن فى ذاك الذى ولد من مريم”.

بهذا يعتقد نسطور بشخصين فى المسيح: شخص الإله الكلمة، أحد الأقانيم الثلاثة، وشخص الإنسان يسوع. وقال: “سوف نفّرق الطبائع ونوحّد الكرامة، سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد.”

كان نسطور يحارب الهرطقة الأريوسية، ويدافع عن عقيدة الثالوث، ويستخدم العنف مع الأريوسيين لدرجة أنه أجبرهم على حرق كنيستهم الصغيرة فى القسطنطينية بعد أسبوع واحد من اعتلائه كرسى البطريركية عام 428م . وفى خطبة العرش فى يوم تتويجه قال للإمبراطور ثيؤدوسيوس الثانى: “أعطنى أيها الإمبراطور الأرض نقية من الهراطقة وأنا سوف أعطيك السماء، ساعدنى لأشن حرباً ضد الهراطقة وأنا سوف أساعدك فى حربك ضد الفرس.”

فى كبريائه وغطرسته استخدم العنف، فحينما أنكر أن العذراء هى والدة الإله، وتصدى له بعض من الإكليروس والرهبان والأراخنة العلمانيين فى القسطنطينية، أمر بجلدهم، ومن ضمنهم يوسابيوس الذى يُقال أنه صار فيما بعد أسقف دوروليم.

كان نسطور واعظاً مشهوراً فى أنطاكيا، ونظراً لشهرته فى محاربة الأريوسيين اختير بطريركاً للقسطنطينية، ولكن لشدة حماسه فى دحض الأريوسية واثبات إلوهية ابن الله الوحيد الجنس الكلمة الأزلى الواحد من الثالوث القدوس، حاصره الأريوسيين وقالوا له: إذا كان المسيح هو الله الكلمة فكيف يموت الله على الصليب؟ وكيف يولد الله من امرأة؟

لحماقته اندفع نسطور فى الرد على الأريوسيين بهرطقة أخرى، فقال “لم يمت واهب الحياة لأنه من الذى سوف يقيمه إذاً إذا مات… ذاك الذى تشكل فى رحم مريم ليس الله نفسه.. لكن لأن الله سكن فى ذاك الذى اتَخَذَه إذاً فإن الذى اتُخِذَ أيضاً يُدعى الله بسبب ذاك الذى اتخذه”.

اعتبر نسطور أن الله منزّه عن التجسد، ففصل الطبيعيتين فى المسيح واعتقد بهذا أنه انتصر على الأريوسيين إذ دافع عن لاهوت الكلمة، أى الابن الوحيد الجنس، ولكنه لم يدافع عن إلوهية المسيح يسوع الفادى الوحيد مخلص العالم بل أنكرها ونفاها وحاربها، وبهذا دمّر كل قضية الفداء.

معلمنا بولس الرسول فى رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس يقول: “إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا” (2كو14:5). وأيضاً فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يقول: “لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ” (1كو15: 22).

ويقول القديس كيرلس عمود الدين فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية الفقرة 12:

“لذا نقول بصواب تام أن موته هو وحده، بحسب الجسد، يعد مساوياً لحياة الجميع، فهو ليس موت إنسان مثلنا حتى بالرغم من أنه صار مثلنا، بل نقول إنه -لكونه إله بالطبيعة– تجسد وتأنس بحسب اعتراف الآباء”.

وقد استند القديس كيرلس فى ذلك إلى كلام معلمنا بولس الرسول: “إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا” (2كو5: 14).

والمقصود بقول القديس كيرلس “أن موته هو وحده يعد مساوياً لحياة الجميع” أنه حينما اتحد اللاهوت بالناسوت فى تجسد الكلمة، لم يتحول الناسوت إلى لاهوت ولا اللاهوت إلى ناسوت، ولكن صار لذبيحة جسد المسيح، قيمة غير محدودة نظراً لاتحاد جسده الخالى من الخطية باللاهوت اتحاداً طبيعياً وأقنومياً. ونظراً لأنه جسد الله الكلمة، وليس جسد آخر، وهو ما نعبّر عنه بالجسد الإلهى، لذلك فذبيحته غير محدودة فى قيمتها فى إيفاء العدل الإلهى عن البشرية.

فلو لم يكن الجسد هو جسد الله الكلمة ولو لم يكن متحداً اتحاداً طبيعياً باللاهوت فلا يمكن أن توفى ذبيحته دين الخطية لجميع البشر فى جميع العصور لجميع الخطايا لكل من يؤمن وينال الأسرار الإلهية.

وللأسف فإن بعض الخلقيدونيين –وليس كلهم- يرفضون الاتحاد الطبيعى ويتكلّمون فقط عن الاتحاد الأقنومى ويعطلون القبول الرسمى النهائى لكنائسهم للإتفاق اللاهوتى الدولى الرسمى بين العائلتين الأرثوذكسيتين الذى تم توقيعه فى شامبيزى بسويسرا فى 28 سبتمبر سنة 1990م. وهو الأمر الذى لا يمكن بأى حال أن نتنازل عنه لئلا تضيع قضية الفداء.

الصراع بين القديس كيرلس بابا الإسكندرية ونسطور بطريرك القسطنطينية:

لم يكن الصراع بين القديس كيرلس بابا الإسكندرية ونسطور بطريرك القسطنطينية صراعاً فلسفياً بل كان صراعاً سوتيرلوجياً  لكن هذا لا يمنع أنه دافع دفاعاً ثيؤلوجياً  عن الحقائق الإلهية أيضاً، لأن هذا هو الإيمان السليم.

معنى هذا أن القديس كيرلس الكبير لم يقصد أن يستعرض قدراته فى فهم اللاهوت، فى أنه يؤمن بتجسد الكلمة، وأن الله الكلمة هو الذى تجسد، وأن اللاهوت اتحد بالناسوت إتحاداً طبيعياً  (إينوسيس كاتا فيزين) وأقنومياً (كاث إيبوستاسين) وكل تعليمه الذى دافع به عن العقيدة.

إن نقطة الخطر هى ضرب عقيدة الفداء، فإذا لم يكن الله هو الذى خلّصنا على الصليب كيف يتم الفداء؟ من يستطيع أن يوفى خطايا العالم كله؟ من يقدر أن يدّمر الجحيم؟ من يقدر أن يسحق الموت؟ من يقدر أن يهزم إبليس وكل مملكته؟

لقد قدّم السيد المسيح هذا المفهوم بطريقة بسيطة حينما قال “كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ إِنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلاً وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ” (مت12: 29). والمقصود بكلمة “القوى” هو ما نقوله فى الثلاث تقديسات “قدوس الله قدوس القوى قدوس الحى الذى لا يموت الذى صلب عنا ارحمنا”. هو “لا يموت” بحسب لاهوته، وقد صلب ومات وقام بحسب إنسانيته. لذلك قيل “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ” (اش9: 6).

لماذا سمى “عجيباً”؟

سمى “عجيباً” لأنه كان ميتاً بحسب الجسد وحياً بحسب لاهوته وبحسب روحه الإنسانى. وقد قال السيد المسيح: “أَنَا إِلَهُ إِبْراهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ اللَّهُ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ” (مت22: 32). فأكّد أن الروح الإنسانى لا يموت.. هذا طبعاً يختلف عن الموت الروحى الخاص بالخطاة.

هو فى نفس الوقت مولود من امرأة وليس مولوداً من امرأة.. هو ينعس وينام فى السفينة وفى نفس الوقت “لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ” (مز121: 4).. متألِّم وغير متألِّم فى نفس الوقت..

قال القديس كيرلس الكبير فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية: “إن كلمة الله كما قلت هو غير متألم فى طبيعته الخاصة لكنه تألم فى جسده الخاص به.” وقال القديس أثناسيوس فى رسالته إلى إبيكتيتوس الفقرة 6: “يا للعجب فإن الله الكلمة المتجسد هو متألم وغير متألم بنفس الوقت” .. لماذا؟

لأنه هو متألم بحسب الجسد أو بحسب ناسوته، وهو نفسه غير متألم بحسب لاهوته فى نفس الوقت.. وهو نفسه مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته، ومولود من امرأة فى ملء الزمان بحسب ناسوته.. فلماذا يرفضون فقط ولادته من العذراء!؟

إننا نوجّه لمن يرفضون لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء السؤال التالى:

كيف يكون ميتاً وحياً فى آنٍ واحد؟

نحن نقول “قدوس الله قدوس القوى قدوس الحى الذى لا يموت الذى صلب عنا”، “الذى لا يموت” وقد “صلب عنا” ومات. ثم نقول “قدوس الله قدوس القوى قدوس الحى الذى لا يموت الذى قام من الأموات ارحمنا” هو “لا يموت” و”قام من الأموات” أى مات ولم يمت، وتألم ولم يتألم، ولد من امرأة ولم يولد من امرأة.. أى ولد من امرأة بحسب ناسوته، ولم يولد منها بحسب لاهوته، لأن الابن الوحيد الجنس مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته.

الرد الذى كان يجب على نسطور أن يقوله للأريوسيين هو: أن الله الكلمة لم يمت على الصليب بحسب لاهوته ولكنه مات بحسب الجسد.. مثلما نقول فى صلاة الساعة التاسعة: “يا من ذاق الموت بالجسد… من أجلنا نحن الخطاة”. ولكنه لكبريائه –أى نسطور- لم ينصت إلى صوت الحقيقة الذى أنذره به القديس كيرلس عمود الدين ولا إلى مجمع أفسس المسكونى 431م، ومؤيداً (المجمع) من البابا كيلستين، بابا روما فى ذلك الزمان، الذى ساند القديس كيرلس بكل إمكانياته، وعقد مجمع فى رومية 430م لحرم تعليم نسطور، مثلما عقد البابا كيرلس عمود الدين مجمعاً فى الإسكندرية 430م أصدر فيه الحروم الإثنى عشر ضد التعاليم النسطورية وأرسلها إلى نسطور فى الرسالة الثالثة منه إليه (من البابا كيرلس إلى نسطور)، وهى التى اعتمدها المجمع المسكونى فى أفسس، حينما قرئت فى المجمع.

وقد رفض نسطور أن يحضر إلى المجمع مع أنه جاء إلى أفسس. وقال للأساقفة الذين ذهبوا لمقابلته قبل انعقاد المجمع:

“لن أدعو أبداً طفلاً عمره شهرين أو ثلاثة الله”.

وأكّد ذلك قبل هذا الوقت فى رسالته إلى بروكلس الأسقف، بكلمات كثيرة وشروحات مطولة.

هنا وننتقل إلى قضيةٍ كبرى:

كيف نقول أن الله مات على الصليب؟

إنها عبارة تبدو مستفزة للبعض ولكنها تحتاج إلى شرح.. إن اللاهوت لم يمت على الصليب، واللاهوت لم يولد من العذراء، واللاهوت لم يتألم، ولم يقم من بين الأموات، ولم يصعد إلى السماء لأنه مالئ الوجود كله وكائن فى كل مكان، ولذلك نقول فى القداس الغريغورى للسيد المسيح: “وعند صعودك إلى السماوات جسدياً وأنت مالئ الكل بلاهوتك”.. أى أن صعود السيد المسيح كان بحسب الجسد وليس بحسب لاهوته، كما أن آلامه كانت بحسب الجسد وليس بحسب لاهوته، وموته كان بحسب الجسد وليس بحسب لاهوته، وميلاده من العذراء مريم كان بحسب إنسانيته وليس بحسب لاهوته.

قال القديس كيرلس الكبير إن الله الكلمة له ميلادان:

الميلاد الأول: من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته..

الميلاد الثانى: فى ملئ الزمان من العذراء مريم بحسب إنسانيته بلا خطية “الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو1: 35).

وفى الرسالة رقم 40 فى عداد الرسائل من القديس كيرلس الكبير وإليه كتب القديس عن الكلمة المتجسد ربنا يسوع المسيح ما يلى:

“إنه كامل كإله وكامل كإنسان، وقد ولد قبل الدهور من الآب حسب لاهوته، وفى الأيام الأخيرة، لأجلنا ولأجل خلاصنا ولد من مريم العذراء القديسة حسب ناسوته، وأنه مساوى للآب فى الجوهر بحسب لاهوته ومساوى لنا فى الجوهر بحسب ناسوته.”

o[ti te,leioj( w`j Qeoj( te,leioj de. kai. w`j a;nqrwpoj) to.n pro. aivw,nwn me.n evk tou/ patroj. gennhqe,nta( kata. th.n qeo,thta( evpV evscatwn de, tw/n h`merw/n diV h`ma/j( kai. dia. th.n h`mete,ran swthri,an( evk Maria,j th/j a`gi,aj parqe,no.u( kata. thn avnqrwpo,thta) o`moou,sion tw/| patri. to.n auvto.n kata. th.n qeo,thta( kai. o`moou,sion hvmi/n kata. th.n avnqrwpo,that)

وكتب القديس ساويرس الأنطاكى:

“حيث أن المسيح الواحد هو طبيعة واحدة وأقنوم واحد لله الكلمة المتجسد من لاهوت وناسوت، يتبع ذلك أنه هو نفسه فى نفس الوقت يُعرَف بأنه مساوى للآب فى الجوهر من حيث اللاهوت ومساوى لنا فى الجوهر من حيث الناسوت. هو نفسه ابن الله وابن الإنسان. لذلك هو ليس ابنين لكنه واحد ونفس الابن”.

“Since the one Christ is one nature and hypostasis of God the Word incarnate from Godhead and manhood, it necessarily follows that the same is known at once as coessential with the Father as to Godhead and coessential with us as to manhood. The same is the Son of God and the Son of man. He is not, therefore, two sons, but he is one and the same son.”

وكتب أيضاً:

“الله الكلمة هو أقنوم واحد. وقد وحّد لنفسه أقنومياً جسداً واحداً خاصاً له نفحة نفس عاقلة ومدركة اتخذها من مريم والدة الإله”.

“God the word is one Hypostasis. He united to himself hypostatically one particular flesh, which was endowed with a rational and intelligent soul, and which was assumed from Mary Theotokos.”

إن أهم ما ركّز عليه القديس كيرلس والقديس ساويرس الانطاكى هو أن السيد المسيح لم يتخذ شخصاً من البشر بل اتخذ طبيعة بشرية كاملة، روحاً وجسداً، بلا خطية. لأن شخص الله الكلمة هو هو نفسه شخص يسوع المسيح.

قال القديس كيرلس فى الرسالة العقائدية (رقم 4) الفقرة 7 ما يلى: “لأن الكتاب لم يقل أن الكلمة قد وحّد شخصاً من البشر بنفسه، بل أنه صار جسداً والكلمة إذ قد صار جسداً لا يكون آخر. إنه اتخذ دماً ولحماً مثلنا. إنه جعل جسدنا خاصاً به، وولد من إمرأة بدون أن يفقد لاهوته ولا كونه مولوداً من الله الآب”.

وكتب أيضاً فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية الفقرة 3: “إننا نقول أن كلمة الله الوحيد الجنس، إذ هو روح كإله، بحسب الأسفار المقدسة تجسد وتأنس من أجل خلاص البشر،… بأن أخذ جسداً طاهراً من العذراء القديسة، جسداً محيياً بنفس عاقلة، وهكذا أعلن أن الجسد هو جسده من اتحاد لا يدرك وبلا اختلاط ولا يوصف على الإطلاق، ليس كجسد شخص آخر بل جسده هو الخاص جداً به His very own.

كما قال القديس أثناسيوس فى كتاب “تجسد الكلمة” الفصل 13 الفقرة 7: “لقد جاء كلمة الله فى شخصه الخاص”   The Word of God came in his own person

لذلك نقول أن الله الكلمة لم يتخذ شخصاً من البشر حينما تجسد.. أى أن الله الكلمة قد شخصن الطبيعة البشرية التى اتخذها بلا خطية من العذراء مريم، بفعل الروح القدس، شخصنها فى شخصه هو نفسه أى أعطاها شخصه الخاص (أى شخص الله الكلمة). والمقصود بالطبيعة البشرية أى طبيعته الخاصة به هو وحده، وليس الجنس البشرى كله. لذلك فالسيد المسيح هُوَ هُوَ نفسه الله الكلمة، وهُوَ هُوَ نفسه الإنسان يسوع، كما قال القديس بولس الرسول: “يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ” (عب8:13).

وقد جمع معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين فى عبارة واحدة أن السيد المسيح هو الله وهو العبد الممسوح من الله. فيا للعجب!!

كتب: “وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ. وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ” (عب7:1-9).

هو هنا يقارن بين الملائكة والسيد المسيح، فيقول عن الملائكة “الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ” أى أن الله يصنع الملائكة أى يخلقهم، وهم أرواح وخدّام لهيب نار… “وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ” وهذه العبارة تؤكد أنه يختلف عن الملائكة، فيقول “كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ”، بمعنى أن الابن هو الله.. وبعد ذلك يقول للسيد المسيح “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ”. فى البداية يقول له “يَا اللهُ” ثم يقول “مَسَحَكَ اللهُ”. “الله” فى العبارة الأولى هى عن الابن و”الله” فى العبارة التالية واللاحقة لها عن الآب. لكن كيف يكون الآب إلهه؟ هذا لأنه أخذ شكل العبد حينما تجسد وصار هو نفسه إنساناً حقيقياً.

هذه العبارة ذُكر فيها عن الابن أنه هو الله، وذكر فيها عن الآب أنه هو الله الذى مسح الابن المتجسد بالروح القدس فى يوم عماده فى نهر الأردن. لأن الابن المتجسد أخذ شكل العبد و “وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ” (فى 2: 8)، فمسح الآب الابن من جهة ناسوته. لذلك حينما فتح السفر من إشعياء فى المجمع فى كفر ناحوم وقرأ فيه بنفسه قال عن نفسه: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي” (لو 4: 18). ثم قال “إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ” (لو 4: 21) إلا أن اليهود الحضور فى المجمع لم يعجبهم هذا الكلام.

مسحه الآب بالروح القدس ملكاً وكاهناً ونبياً… وهو أيضاً “رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ” (رؤ17: 14)، وهو رئيس الكهنة الأعظم (انظر عب 4: 14) ومنشئ الكهنوت ومؤسسه، وهو مرسل الأنبياء (انظر خر 3: 2 و10 و12 و13 و14 و15). ولكنه فى تواضعه قَبِلَ المسحة، ولكنها كانت مسحة ليس مثلها مسحة أى لا تساويها مسحة. لذلك قال له “أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ”.

هناك رئاسة كهنوت للأب الأسقف ورئاسة الكهنوت العليا للأب البطريرك ولكن السيد المسيح وحده هو “رئيس الكهنة الأعظم”.

أهم ما أثبته القديس كيرلس فى صراعه ضد النسطورية هو أن الله الكلمة لم يتخذ شخصاً من البشر، ولكنه هو بنفسه تجسد من أجل خلاصنا. وهذا مطابق لما ورد فى قانون الإيمان الذى ردده نسطور ولم يعمل به: “نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور.”

كيف ولد يسوع المسيح من الآب قبل كل الدهور؟

إن يسوع قد ولد من العذراء مريم، ولكن لأن الذى ولد من الآب هو نفسه الذى ولد من العذراء نقول أن يسوع ولد من الآب قبل كل الدهور، لأنه هو نفسه وليس آخر.

“نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق (أى من حيث لاهوته ومن حيث شخصه)، له نفس الجوهر مع الآب (أى واحد ومساوى للآب فى الجوهر)” هذا كله عن الله الكلمة طبعاً فكيف قيل عن يسوع إلا لأن يسوع هو الله الكلمة؟

واستطرد قانون الإيمان “هذا الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس”.. وعبارة “هذا الذى” هى مفتاح القضية، لأن المولود من الآب قبل كل الدهور هو هو نفسه الذى من أجلنا تجسد وولد من العذراء. لهذا دعيت العذراء “والدة الإله” (ثيئوتوكوس)، لأن الذى ولد منها يسوع المسيح هو نفسه ابن الله الوحيد، هو نفسه المولود من الآب قبل كل الدهور، هو نفسه إله حق من إله حق، إلخ.

والعجيب أن نسطور كان يردد قانون الإيمان النيقاوى-القسطنطينى ولم يرفض مجمع نيقية المسكونى الأول 325م ولا مجمع القسطنطينية 381م.

مثال لغوى :

إذا قام الأستاذ فى حصة اللغة وقال ما يلى:

ضُرب جسد جرجس..

ثم سأل السؤال التالى:

س1: ما الذى ضُرب؟

تكون الإجابة:

ج: جسد جرجس.

ثم سأل سؤالاً ثانياً:

س2: من الذى ضُرب؟

فتكون الإجابة:

ج: جرجس.

الآن سوف ننتقل من المثال اللغوى إلى اللاهوت العقائدى، ونتكلم عن ميلاد الكلمة المتجسد فنقول النص التالى:

ولد جسد الله الكلمة من العذراء مريم..

ثم نسأل:

س1: ما الذى ولد من العذراء مريم؟

فتكون الإجابة:

ج: جسد الله الكلمة.

والسؤال الثانى:

س2: من الذى ولد من العذراء مريم؟

إجابته:

ج: الله الكلمة.

لذلك نقول أن الذى ولد من العذراء مريم هو الله الكلمة أى ابن الله الوحيد.

وبناءاً على ذلك، نصلى فى القداس الإلهى ونقول: “وبالأكثر القديسة الممتلئة مجداً العذراء كل حين والدة الإله (ثيئوتوكوس) القديسة الطاهرة مريم التى ولدت الله الكلمة فى الحقيقة”.

لذلك نحن بملء الفم ندعو العذراء “والدة الإله”.

شرح من خلال تعليم القديس كيرلس :

قال القديس كيرلس فى رسالته إلى فالريان أسقف إيقونية الفقرة 3 أن الله الكلمة قد اتخذ طبيعته البشرية من العذراء القديسة مريم وجعلها “خاصةً به جداً” His very own (هذه العبارة فيها توكيد شديد لكى يفهم القارئ أو السامع أن هذا هو جسد المسيح الخاص جداً، وليس الجسد بمعنى الكنيسة التى هى عامة المؤمنين، لكن الجسد الإلهى الخاص به وحده).

وكل ما ينسب إلى جسده الخاص ينسب إليه. فمع أنه غير متألم بحسب طبيعته الإلهية إلا أنه ينسب إلى نفسه آلام جسده، لأنه جسده الخاص. وينسب إلى نفسه موت هذا الجسد. “هكذا تألم كلمة الله فى الحقيقة بالجسد”، هكذا نقول فى القسمة فى القداس الإلهى. فكلمة الله أو الله الكلمة مات بحسب الجسد وتألم بحسب الجسد أو بحسب ناسوته،  وولد من العذراء بحسب إنسانيته، أى ولد منها جسدياً، فنقول فى التسبحة “أشرق جسدياً من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا” (ثيئوطوكية يوم الإثنين). وحينما تجسد الله الكلمة لم يتغير فى طبيعته الإلهية، فنقول أيضاً فى التسبحة “لم يزل إلهاً أتى وصار ابن بشر لكنه هو الإله الحقيقى أتى وخلصنا” (ثيئوطوكية يوم الخميس).

هكذا نقول فى التسبحة، لأن الكنيسة وضعت العقيدة الأرثوذكسية فى تسابيحها وقداساتها. فمن أنكر العقيدة السليمة هو بلا عذر خاصة إذا كان قد رضع لبن الإيمان منذ طفولته. واحسرتاه!!

وأخيراً نقول أن هناك من يتلاعبون بالألفاظ اليونانية لتشويه العقيدة، ولكن ينبغى أن تُفحص هذه الأمور بواسطة متخصصين ذوى عقيدة سليمة.. فمثلاً كلمة  (ثيئوس) اليونانية تعنى “الله” وكلمة (ثيئوتيس) تعنى “اللاهوت”، وكذلك كلمة (ثيئوتيتوس)، لأن اللغة اليونانية لها تصريفات كثيرة للكلمة.

نحن نقول أن العذراء والدة الإله (ثيئوتوكوس)، وكلمة ثيئوتوكوس مكونة من (ثيئوس) أى “الله” والفعل (تيكتو) اليونانى بمعنى “يلد”، ومع التصريفات تعنى “والدة الإله”، وممكن أن تستخدم لغوياً بمعنى “والد الإله” أى أنها يمكن أن تستخدم للمذكر والمؤنث.

ولكننا لا نقول أن العذراء هى والدة اللاهوت لأن هذا يعتبر تجديف على الله. لدرجة أن القديس كيرلس الكبير قال فى الرسالة الأولى إلى نسطور المسماه الرسالة العقائدية: “لأنه يكون من الجنون أن يقول أحد أو يفكر هكذا”  أى من يدّعى أن اللاهوت قد أخذ بدءًا له من العذراء مريم أو أنها قد صارت مصدراً للألوهية، فقال “وهكذا سوف نجد أن الآباء القديسين قد فكروا بهذه الطريقة. ولهذا لم يترددوا فى تسمية العذراء القديسة بوالدة الإله. وهم لم يقولوا إن طبيعة الكلمة أى لاهوته أخذ بداية وجوده من العذراء القديسة، بل أن جسده المقدس، المُحيىّ بنفس عاقلة، قد ولد منها، الذى به إذ اتحد الكلمة أقنومياً، يقال عن الكلمة إنه ولد حسب الجسد.” وبالطبع هذا الجسد له بداية وهى نفسها لها بداية، أما اللاهوت فليس له بداية.

فالقديس كيرلس عمود الدين فى الوقت الذى كان يحارب فيه جداً لتأكيد لقب الثيؤطوكوس أى “والدة الإله” قال يكون مجنون من يقول أنها والدة اللاهوت. مما يدل على وعيه اللاهوتى.

لكن نسطور فى جهالته قال عن القديس كيرلس ومن يعتقد بعقيدته أنهم يؤلمون اللاهوت وينسبون إليه أنه ملفوف بالخرق البالية.  (يقصد عندما قال الكتاب “تجدون طفلاً مقمطاً” (انظر لو 2: 12)، لكنه حتى لم يتحدث بطريقة متأدبة لائقة. ثم من قال أن الأقمطة كانت بالية؟! قد تكون السيدة العذراء قد قمطته بأحسن رداء تملكه. لكن نسطور يريد أن يسخر).

نحن لا نؤلِّم اللاهوت لأن هذه بدعة رفضتها الكنيسة وهى بدعة Theopaschite )الثيئوباسخيت( أى بدعة “مؤلمى اللاهوت”.

إن القديس كيرلس قد دافع عن إلوهية السيد المسيح مثلما فعل القديس أثناسيوس الرسولى، ولذلك دعى القديس كيرلس عن حق أنه عمود الدين، واعترف العالم المسيحى كله بقداسته وصحة تعليمه، بركة صلواته فلتكن معنا أمين.

هل السيدة العذراء هى مصدر اللاهوت؟

طبعاً السيدة العذراء ليست مصدر اللاهوت وهى لم تلد اللاهوت، كما يدّعون، لأن اللاهوت لا يولد ولا يتألم ولا يُصلب.

إن هناك فرق بين تعبير الله God  (ثيئوس) وبين تعبير لاهوت Divinity  (ثيئوتيس) ولكى نوضّح ذلك فنحن يمكننا أن نقول إن الله (الابن) God the Son قد مات على الصليب (بحسب جسده الخاص) ولكن لا يمكننا أن نقول إن لاهوت الابن His Divinity قد مات على الصليب.

ويشرح القديس كيرلس الكبير فى مسألة ولادة جسد السيد المسيح كيف أننا لا ندّعى أن اللاهوت قد أخذ بدءًا من العذراء مريم ولكن نقول إن الله الكلمة قد أخذ منها ناسوتاً كاملاً وجعله واحداً مع لاهوته وولد منها بحسب الجسد. فما ينسب إلى جسده ينسب إلى شخصه لذلك نقول إنها والدة الإله.

ففى رسالة القديس كيرلس الثانية إلى نسطور وهى الرابعة فى عداد الرسائل من القديس وإليه وهى المسماه بالرسالة العقائدية كتب القديس كيرلس فى الفقرة 7 والفقرة 4 ما يلى:

“لكن فى اتخاذه جسداً ظل كما هو. إن تعليم الإيمان الصحيح يحتفظ بهذا فى كل مكان. وهكذا سوف نجد أن الآباء القديسين قد فكروا بهذه الطريقة. ولهذا لم يترددوا فى تسمية العذراء القديسة بوالدة الإله (qeoto,kon). وهم لم يقولوا إن طبيعة الكلمة أى لاهوته أخذ بداية وجوده من العذراء القديسة، بل أن جسده المقدس، المُحيىّ بنفس عاقلة، قد ولد منها، الذى به إذ اتحد الكلمة أقنومياً، يقال عن الكلمة إنه ولد حسب الجسد.”.. “فيقال إن الكلمة قد قبل الولادة الجسدية، لكى ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.”

“… but in the assumption of flesh, he remained what he was. The doctrine of the precise faith everywhere maintains this. We shall find that the holy fathers have thought in this way. In this way, they have not hesitated to call the Holy Virgin the Mother of God (qeoto,kon%. They do not say that the nature of the Word or his divinity took the beginning of being from the Holy Virgin, but that his holy body, animated by a rational soul, was born of her, united to which [soul and body] in actual fact the Word is said to have been begotten according to the flesh.” “…so as to claim as his own the birth of his own flesh.”

إن ما يخص الجسد ننسبه إلى كلمة الله مثل الميلاد والآلام. إننا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب، لأن الاستحقاقات الأدبية للكلمة تخص هذه الذبيحة. إن الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة تجمع خصائص الطبيعتين بغير امتزاج. ولم تنهدم خصائص الطبيعتين بسبب الاتحاد ولكن كل هذه الخصائص تنسب إلى كلمة الله المتجسد الواحد لسبب اتحاد الطبيعتين.

إنه اتحاد يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقى لا يمكن أن ينفصل. والسيدة العذراء هى معمل الاتحاد كما يسميها الآباء لأنه بداخلها تم هذا الاتحاد الفائق للوصف بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية. فنقول فى ثيئوطوكية يوم الأربعاء من تسبحة نصف الليل “السلام لمعمل الاتحاد غير المفترق الذى للطبائع التى أتت معاً إلى موضع واحد بغير اختلاط.”

ويذكر فى القسمة السريانية أن: لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده ولا عن نفسه هكذا نؤمن وهكذا نعترف وهكذا نصدق .. واحد هو عمانوئيل إلهنا وغير منقسم من بعد الاتحاد، وغير منفصل إلى طبيعتين.

ولذلك انبرى القديس كيرلس الكبير مدافعاً عن لقب “والدة الإله” ومفنداً آراء المقاومين له من النساطرة ليس من أجل السيدة العذراء فحسب إنما من أجل مفهوم سر التجسد الإلهى، وقد أيدته فى ذلك الكنيسة الجامعة أى أغلب أساقفة وشعوب الشرق والغرب فى زمانه.

هل لقب “والدة الإله” هو لقب مستحدث؟

هؤلاء المدّعون يقولون إن لقب “والدة الإله” هو لقب مستحدث وأن الذى بدأ باستخدامه هو البابا كيرلس الكبير عمود الدين البابا الرابع والعشرون فى عداد باباوات الكنيسة المرقسية!! وأن عبارة القديسة أليصابات أم يوحنا المعمدان للسيدة العذراء “فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟” (لو 1: 43) مقصود بها “أم سيدى” وليس “أم إلهى”. وسوف نرى أن هذا الكلام ليس له أى أساس من الصحة.

ونشرح ذلك بتوضيح أن لفظة “ربى” فى قول القديسة أليصابات هى فى الأصل اليونانى (كيريوس) وهى نفس اللفظة التى استعملت فى العبارة الواردة فى إنجيلى مرقس ولوقا الذين تم كتابتهما باللغة اليونانية وفى إنجيل متى الذى وصل إلينا عبر الأجيال باللغة اليونانية، والتى اقتبسها السيد المسيح  من المزمور عندما كان يناقش اليهود مريداً أن يثبت لهم أن المسيح هو الله، حيث قال: “كَيْف يَقُولُ الْكَتَبَةُ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟ لأَن دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِى” (انظر مر 12: 35 و 36، لو 20: 42، مت 22: 43 و44، عن مزمور 110: 1)، وقد شهد أن داود قال هذا بالروح القدس.

وعلى الرغم من أن كلمة “الرب” فى هذه العبارة تشير إلى الله الآب إلا أنها تثبت أن (كيريوس) اليونانية فى أغلب الأحيان كانت هى الترجمة اليونانية لإسم الله الخصوصى hwhy (يهوه) الذى ليس له مرادف فى اللغة اليونانية وذلك فى كل من الترجمة السبعينية وفى إقتباسات العهد الجديد..

فى (أع7 :49) يقول “السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟” وهى نبوة عن التجسد وردت فى سفر إشعياء (إش 66: 1 ،2). هنا ذكر لفظ “الرب” عن الابن، وقد وردت فى اليونانية للعهد الجديد وفى الترجمة السبعينية للعهد القديم (كيريوس) وفى الأصل العبرى للعهد القديم وردت hwhy (يهوه).

 

وفى (أع 15 :17) يقول “لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هذَا كُلَّهُ” هذه أيضاً نبوة من سفر عاموس (عا 9: 11: 12) عن انضمام جميع الأمم لرعوية الرب فى العهد الجديد وقد وردت “الرب” فى اليونانية (كيريوس) وفى العبرية hwhy (يهوه).

وفى اقتباس رسالة العبرانيين من سفر إرميا يقول “هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً” (عب 8: 8، انظر أر 31: 31) وردت كلمة “الرب” (كيريوس) هنا فى العبرية hwhy (يهوه) وفى الترجمة السبعينية (كيريوس).

وفى عظة معلمنا بطرس يقتبس من سفر يوئيل ما يلى:

“تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ” (اع 2: 21-22).

ويقتبس من سفر المزامير ما يلى:

“كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ” (اع 2: 25).

كلمة “الرب” فى الآيتين هى (كيريوس) فى الترجمة السبعينية وهى فى العبرية hwhy (يهوه).

وفى سفر إشعياء النبى ورد: “أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَنَا اللَّهُ” (إش 43: 11-12).

وكلمة “الرَّبُّ” فى الأصل العبرى لهذه الآية هى hwhy (يهوه) أيضاً. وهى تشير إلى الابن المخلص الذى هو الرب وهو الله، والذى له شهود، لأن الشهادة مرتبطة بتجسد الابن وصلبه وقيامته الذى قال لتلاميذه “وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً”  (أع 1: 8؛ انظر أيضاً أع 2: 32 ، أع 3: 15) وكثيراً ما ذكر فى الأناجيل خاصة إنجيل القديس يوحنا عن الشهادة للإبن من الآب ومن يوحنا المعمدان ومن أعماله إلخ.

وقد وردت عبارة “يَقُولُ الرَّبُّ” (اش 43: 12) فى الترجمة السبعينية λέγει κύριος (ليجى كيريوس). وهكذا فإن كلمة (كيريوس) فى هذا النص قد وردت بمعنى الإله الحقيقى وليس بمعنى السيد.

 

انظر أيضاً الشواهد التالية على سبيل المثال لاقتباسات العهد الجديد من العهد القديم حيث وردت كلمة “الرب” فى اليونانية للعهد الجديد وفى الترجمة السبعينية (كيريوس)، وفى العبرية للعهد القديم hwhy (يهوه):

مت 3: 3 (إش 40: 3)، مت 4: 7 (تث 6: 16)، مت 4: 10 (تث 6: 13)، مت 21: 9 (مز 118: 26) مت 21: 42 (مز 118: 22، 23)، مت 22: 37 (تث 6: 5)، مت 23: 39 (مز 118: 26)، أع 2: 20 (يؤ 2: 32)، اع 4: 26 (مز 2: 1و 2)، رو 4: 8 (مز 32: 2)، رو 9: 29 (إش 1: 9)، رو 10: 16 (إش 53: 1)، رو 15: 11 (مز 117: 1)، 1كو 10: 26 (مز 24: 1)، عب 13: 6 (مز 118: 6) 1بط 3: 12 (مز 34: 12-16).

كل هذا يدلنا على أن (كيريوس) فى جميع الأمثلة من العهدين لا تعنى “سيد” إنما “الرب” أى يهوه الله نفسه.

وقد سبق الملاك المبشر غبريال فى بشارته للسيدة العذراء أن قال لها: “الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو1: 35). فإذا كان المولود منها هو ابن الله فإن هذا يعنى أنها لا يمكن أن تدعى “والدة السيد” بل “والدة الإله”. لأنه ليس فقط ابن الله بل “الابن الوحيد الجنس بالولادة”μονογενὴς υἱός (مونوجينيس إيوس) (انظر يو 3: 16).

أقوال لآباء الكنيسة فى القرون الأولى:

ورد فى كتاب “دائرة المعارف لعلم اللاهوت المسيحى لواضعه “جين إيفس لاكوستيه” والناشر “روتليدج” صفحة 1005 عن مريم العذراء ما يلى:

The Word theotokos was found on a papyrus (third century?: John Rylands Library, 470)

واستمر يقول:

The term is also found in Athanasius (PG 26, 349C, 385A, 393 A and B.

الترجمة :

“تم العثور على كلمة theotokos ثيئوتوكوس أى “والدة الإله” فى بردية يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادى وهى موجودة الآن فى مكتبة جون ريلاندز John Rylands”.

واستمر يقول:

“والمصطلح موجود عند أثناسيوس كما ورد فى أقواله فى “باترولوجيا جريكا” مجلد رقم 26 صفحات 349أ، 385أ، 393 أ و ب).”

ومن المعروف أن مكتبة “جون ريلاندز” تقع فى مانشستر بالمملكة المتحدة.

وقد استخدم الآباء منذ العصور الأولى عبارات عن تجسد الكلمة تؤدى إلى استخدام لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء فمثلاً قال القديس البابا بطرس خاتم الشهداء (300-311م):

“God the Logos was made flesh, and born of the Virgin’s womb.”

“إن الله الكلمة (اللوغوس) صار جسداً، وولد من رحم العذراء”.

أما القديس البابا ألكسندروس التاسع عشر من باباوات الكرازة المرقسية (313-328م) فقد استخدم لقب “والدة الإله” للعذراء مريم مثل قوله:

“ربنا يسوع المسيح فى العمل نفسه (وليس فقط فى الظاهر) حمل جسداً كان من مريم والدة الإله.”

“Our Lord Jesus Christ in very deed (and not merely in appearance) carried a body, which was of Mary, mother of God.”

وكتب القديس أثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون فى عداد باباوات الكرازة المرقسية (328-373م) فى المقال الثالث ضد الأريوسية الفقرة 14:

“والملاك عند ظهوره اعترف بنفسه أنه مرسل من الله، كما اعترف غبريال فى حالة زكريا وأيضاً فى حالة مريم والدة الإله qeotokou.”

Kai. a`uto.j de. o` a”]ggeloj o`rw,menoj( o`mologei< apesta,lqai para. tou/ Despo,tou( w`j evpi, Zacari,ou o` Gabrih.l( kai. e”vpi. th/j qeoto,kou Mari,aj

 

“And the Angel on his appearance, himself confesses that he has been sent by his Lord; as Gabriel confessed in the case of Zacharias, and also in the case of Mary, bearer of God.”

ويقول أيضاً فى المقال الثالث ضد الأريوسية الفقرة 29:

“والآن منظور وأسلوب الأسفار المقدسة -كما قلنا كثيراً- هو ما يلى، أنها تحوى وصفاً مزدوجاً عن المخلص؛ أنه دائماً الله والابن لكونه كلمة الآب وشعاعه وحكمته؛ وأنه بعد ذلك لأجلنا أخذ جسداً من عذراء هى مريم والدة الإله qeotokou وصار إنساناً.”

Skopo.j toi,nun ou-toj kai. carakth.r th/j a`gi,aj Grafh/j( w`j polla,kij ei;pomen( diplh/n ei=nai th.n peri. tou/ Swth|/roj e.paggeli,an evn auvth/|) o[ti te aei. Qeo.j h=n kai. Ui`o,j evstin( Lo,goj w[n kai. avpau,gasma kai, sofi,a tou/ Patro,j) kai. o[ti u[steron( diV h`ma/j( sa,rka labw.n evk Parqe,nou th/j qeoto,kou Mari,aj

“Now the scope and character of Holy Scripture, as we have often said, is this, -it contains a double account of the Saviour; that He was ever God, and is the Son, being the Father’s Word and Radiance and Wisdom; and that afterwards for us He took flesh of a Virgin, Mary bearer of God.”

وفى المقال الثالث ضد الأريوسية الفقرة 33:

“أرميا تقدس منذ أن كان فى الرحم، ويوحنا بينما هو فى الرحم ارتكض بابتهاج عند سماع صوت مريم والدة الإله                                                                                     qeotokou.”

~Ieremia,j de. kai. evk koili,aj h`gia,sqh) kai. VIwa,nnhj e;ti kuoforou.menoj evski,rthsen evn avgallia,sei evpi. th/| fwnh/| th/j qeoto,kou Mariaj

 

“Jermiah was hallowed even from the womb, and John, while yet in the womb, leapt for joy at the voice of Mary Bearer of God.”

وفى نفس المقال ونفس الفقرة يقول:

“فبينما ولد الجسد من مريم والدة الإله، فإن الكلمة نفسه يقال أنه ولد.”

{Oqen kai, gennwme,nhj th/j sarko.j evk th/j Qeoto,kou Mari,aj( au`toj. le,getai gegennh/sqai

“whereas the flesh is born of Mary Bearer of God, He Himself is said to have been born”

وفى المقال الرابع ضد الأريوسية الفقرة 32:

“عندما يُسمع أن “الكلمة” اتحد بالجسد، فليُفهم أن سر التجسد الإلهى واحد وبسيط. والأكثر وضوحاً، والذى لا يقبل الجدل من أى عاقل هو ما قاله رئيس الملائكة فى بشارته لوالدة الإله qeotokon نفسها.”

Ou;tw kai. Lo,gon( avkou,wn to.n sunafqe,nta th/| sarki.( to. Qei?on e’]n kai. a`plou/n noei,tw musth,rion) Safe,steron de. kai. avnamfisbh,gton panto.j logismou/ to. pro.j auvth.n th.n qeoto,kon pro,j tou/ avrcagge,lou r`hqe.n th,n evno,thta

“…hearing of the Word which has been united to the flesh, let him understand the divine mystery one and simple. More clearly however and indisputably than all reasoning does what was said by the Archangel to the Bearer of God herself.”

ويقول القديس باسيليوس الكبير (329-379م)

“أعترف بتدبير الابن فى الجسد وأن القديسة مريم التى ولدته بحسب الجسد هى والدة الإله qeotokou”.

`Omologw/ de, kai. th/n tou? Ui`ou? e;nsarkon oe`konomi,an( kai. Qeoto,kon th/n kata. sa,rka tekou?san auvto.n avgi,an Mari,an)

“I confess to the oeconomy of the Son in the flesh, and that the holy Mary, who gave birth to Him according to the flesh, was Mother of God.”

ويقول القديس غريغوريوس النزينزى (330-389م) فى مقاله لكليدونيوس الكاهن ضد أبوليناريوس ما يلى:

“من لا يؤمن أن القديسة مريم هى والدة الإله qeotoko يُستبعد عن الألوهه”.

“If anyone does not believe that Holy Mary is the Mother of God, he is severed from the Godhead.”

Ei; tij ou. qeoto,kon th.n a`gi,an Mari,an u`polamba,nei( cwri.j evsti. th/|j qeo,thtoj

ويؤكد الأب الدكتور جورج دراجاس “أن القديس كيرلس الكبير لم يكن أول من استخدم اللقب العقائدى ثيئوطوكوس أى “والدة الإله” بمفهوم عقائدى كريستولوجى. فقد استخدم فى كتابات العديد من اللاهوتيين السابقين له بما فى ذلك القديس أثناسيوس والآباء الكابادوك،  وكذلك الوثائق الكنسية المجمعية. لكن القديس كيرلس دافع عن ملاءمته وشرح مدلوله العقائدى لعقيدة الكنيسة فى المسيح، لأن نسطور بطريرك القسطنطينية كان قد شجب قبوله”.

وجدير بالذكر أنه فى مجمع أفسس المسكونى الثالث 431م يقول المؤرخ هيفيلى: “تم قراءة عدد من كتابات آباء الكنيسة، التى تم التعبير فيها عن الإيمان القديم بخصوص اتحاد اللاهوت والناسوت فى المسيح. كانت تلك بيانات لآراء بطرس أسقف الأسكندرية وأثناسيوس والبابا يوليوس الأول والبابا فيلكس الأول وثيئوفيلس رئيس أساقفة الإسكندرية وكبريان وأمبروسيوس وغريغوريوس النازيانزى وباسيليوس الكبير واغريغوريوس النيصى وأتيكوس أسقف القسطنطينية وأمفيلوكيوس أسقف إيقونية. كل أولئك الرؤساء الأوائل لم يعلموا أى شئ عن فصل اللاهوت عن الناسوت الذى علّم به يسطور، ولكن على العكس من ذلك علموا بالتجسد الحقيقى للوغوس. فقد قال الشهيد المبجل بطرس أسقف الإسكندرية: “إن الله الكلمة (اللوغوس) صار جسداً، وولد من رحم العذراء”؛ أما أثناسيوس فقد كان يستخدم تكراراً وبدون تردد تعبير والدة الإله المرفوض من نسطور.

إن من لا يعترف أن العذراء هى والدة الإله هو فى حقيقته لا يعترف أن المسيح هو إله حقيقى. وهذا ما جعل القديس كيرلس الكبير يناضل من أجل لقب “والدة الإله”. فمن يؤمن بالاتحاد الطبيعى والأقنومى فى شخص الله الكلمة يؤمن أن العذراء هى والدة الإله. لذلك دافع القديس كيرلس كثيراً عن هذا اللقب مؤكّداً أن هذا ما استلمه من الآباء القديسين كما سبق أن ذكرنا فى قوله فى الرسالة الرابعة (وهى الرسالة الثانية إلى نسطور).

وأخيراً حسم القديس كيرلس الكبير الأمر فى الحرم الأول من حروماته ضد نسطور كما ورد فى رسالته الثالثة إليه وهى الرسالة 17 فى عداد الرسائل من وإلى القديس كيرلس كما يلى:

“من لا يعترف أن عمانوئيل هو إله فى الحقيقة، وبالتالى لا يعترف أن العذراء القديسة هى والدة الإله (لأنها ولدت جسدياً كلمة الله المتجسد)، فليكن محروماً”.

Ei; tij ouvc o`mologei/ qeo.n ei’=nai kata. avlh,qeian to.n VEmmanouh.l kai. dia. tou/to qeoto,kon th.n a`gi,an parqe,non $gege,nnhke ga.r sarkikw/j sa,rka gegono,ta to.n evk qeou/ lo,gon% avna,qema e;stin

“If anyone does not confess that the Emmanuel is God in truth, and because of this does not confess that the Holy Virgin is the Mother of God, (for she bore according to the flesh the Word of God made flesh), let him be anathema.”

إجماع مسكونى على لقب “والدة الإله”

بداية الأزمة على لقب “والدة الإله” كانت كما يقص المؤرخ سقراط هى أن “الكاهن أنسطاسيوس صديق نسطور، الذى أحضره معه إلى القسطنطينية قد حذَّر سامعيه يوماً ما، فى عظة أنه لا يجب أن يطلق أحد على مريم لقب والدة الإله (ثيئوتوكوس) لأن مريم كانت إنسانة والله لا يمكن أن يولد من إنسان”.

ويعلق المؤرخ هيفيلى بأن “هذا الهجوم على المعتقد القديم والمصطلح الكنسى المقبول حتى ذلك الوقت، قد سبب هياجاً عظيماً واضطراباً وسط الإكليروس والعلمانيين. وتقدّم نسطور نفسه ودافع عن خطاب صديقه فى عدة عظات”.

وكما رأينا من أقوال الآباء السابق ذكرها أن هذا اللقب كان مصطلحاً كنسياً مستخدماً فى الكنيسة الجامعة شرقاً وغرباً ولم يكن القديس كيرلس هو الذى بدأ باستخدامه. ولذلك أدرك شعب القسطنطينية الخطأ فى تعليم بطريركهم وصديقه، فأنذره كثير من كهنته بالانسحاب من شركته ووعظوا ضده. وصرخ الشعب “لدينا إمبراطوراً، لكن ليس لدينا أسقفاً”. والبعض ومنهم علمانيون تكلّموا ضده علناً حينما كان يعظ.

إن رفض نسطور وأتباعه للقب “والدة الإله” هو الذى أكّد أنهم لا يؤمنون باتحاد الطبائع فى الكلمة المتجسد ثم أعلنها نسطور فى خطبته الأولى بالقسطنطينية بقوله:

“أنا أفرِّق الطبائع وأوحِّد التوقير. تبصَّر فى معنى هذا الكلام. فإن ذاك الذى تشكّل فى رحم مريم لم يكن الله نفسه لكن الله اتخذه.. وبسبب ذاك الذى اتَّخَذَ فإن المُتَّخَذْ أيضاً يدعى الله.”

وفى خطاب نسطور الثانى قال:

“حينما تتكلم الأسفار المقدسة عن ميلاد المسيح أو موته فهى لا تدعوه الله أبداً بل المسيح أو يسوع أو الرب… مريم إذاً يمكن أن تدعى خريستوتوكوس (والدة المسيح)… وبنفس الطريقة يمكن أن يقال أن ابن الله مات وليس أن الله مات.. إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين الغير مختلط ولنعترف بالله فى الإنسان وبسبب هذا الاتصال الإلهى نوقر ونكرّم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة.”

وفى خطابه الثالث يقول:

“لم يولد الله الكلمة إذاً من مريم، لكنه سكن فى ذاك الذى ولد من مريم.”

ثم جاء بروكلوس أسقف سيزيكوس الذى كان فيما سبق كاهناً على القسطنطينية، وبدعوة من نسطور للوعظ فى إحدى أعياد العذراء عام 429 فاستغل الفرصة ليصف، فى حضور نسطور، الكرامة والوقار الذى لمريم كوالدة الإله فى كثير من العبارات البليغة والمأخوذة من الكتاب المقدس، وليدافع عن العبارة الموضوعة للمساءلة فى أسلوب ماهر … وجد نسطور أنه من اللازم إلقاء عظة ثانية للتو حتى يحذّر، كما قال، من كانوا حاضرين ضد تقديم الإكرام الزائد لمريم، وضد الرأى الذى يقول أن كلمة الله (اللوغوس) يمكن أن يولد مرتين (مرة أزلياً من الآب والمرة الثانية من مريم). فقال (نسطور) إن ذاك الذى يقول ببساطة أن الله مولود من مريم يجعل من العقيدة المسيحية سخرة للوثنيين، لأن الوثنيون سوف يجاوبون  “لا أستطيع أن أعبد إلهاً يولد ويموت ويدفن”… هل أقيم الكلمة من الأموات؟ وإذا كان معطى الحياة (اللوغوس) قد مات، من يمكنه أن يعطى الحياة إذاً؟ إن سر الألوهة يجب أن يعبّر عنه بالأسلوب التالى: “أن الكلمة الذى سكن فى هيكل شكَّله (كوَّنه) الروح القدس هو شئ والهيكل نفسه المختلف عن الله الساكن فيه هو آخر”.

فى خطاب آخر ألقى بعد ذلك ضد بروكلوس نسب نسطور لأولئك الذين يستخدمون لقب ثيؤتوكوس الرأى بأن اللاهوت، من وجهة نظرهم، بدأ أولاً خلال مريم، وهذا بالطبع لم يؤكده أحد، وأنه تجنباً لهذا الرأى يقترح بدلاً من عبارة “الله ولد من مريم” أن يسمح بعبارة “الله مر من خلال مريم”.

ويبقى خطاب نسطور الرابع ضد بروكلوس هو الأكثر أهمية إذ يحوى الكلمات التالية: “إنهم يدعون اللاهوت معطى الحياة قابلاً للموت، ويتجاسرون على إنزال اللوغوس إلى مستوى خرافات المسرح، كما لو كان (كطفل) ملفوفاً بخرق ثم بعد ذلك يموت.. لم يقتل بيلاطس اللاهوت – إنما حُلة اللاهوت. ولم يكن اللوغوس هو الذى لف بثوب كتّانى بواسطة يوسف الرامى… لم يمت واهب الحياة لأنه من الذى سوف يقيمه إذاً إذا مات.. ولكى يصنع مرضاة البشر اتخذ المسيح شخص الطبيعة الخاطئة (البشرية) .. أنا أعبد هذا الإنسان (الرجل) مع اللاهوت ومثل آلات صلاح الرب.. والثوب الأرجوانى الحى الذى للملك…  ذاك الذى تشكَّل فى رحم مريم ليس الله نفسه.. لكن لأن الله سكن فى ذاك الذى اتخذه، إذاً فإن هذا الذى اتُّخِذَ أيضاً يدعى الله بسبب ذاك الذى إتخذه. ليس الله هو الذى تألم لكن الله اتصل بالجسد المصلوب… لذلك سوف ندعو العذراء القديسة ثيئوذوخوس (وعاء الله) وليس ثيئوتوكوس (والدة الإله)، لأن الله الآب وحده هو الثيئوتوكوس، ولكننا سوف نوقّر هذه الطبيعة التى هى حُلة الله مع ذاك الذى إستخدم هذه الحُلة، سوف نفّرق الطبائع ونوحّد الكرامة، سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد.”

ونلاحظ أن أقوال نسطور هذه تبين أن ما يقال فى أيامنا هذه ليس بجديد بل هو مجرد ترديد لما تردد منذ قرون طويلة. وقد أوردناها ليقارنها القارئ الفطن مع ما يتردد فى هذه الأيام.

استكمالاً لسرد الأحداث التاريخية نقول أنه لما وصلت أقوال نسطور السابق ذكرها إلى القديس كيرلس بطريرك الأسكندرية وجد أنه من الضرورى أن يقدم شرحاً واضحاً وبسيطاً للعقيدة الأرثوذكسية. ثم بدأ فى إرسال رسائل إلى نسطور فى محاولة ليثنيه عما هو فيه، فأرسل له ثلاث رسائل عقائدية شرح له فيها عقيدة سر التجسد الإلهى، لكن دون جدوى.

وعقد البابا كيرلس مجمعاً فى الإسكندرية عام 430م، اعتُمد فيه نص رسالته الثالثة إلى نسطور وهى التى تتضمن الحروم الاثنى عشر، وأول حرم كما ذكرنا هو ضد من لا يعترف أن عمانوئيل هو إله فى الحقيقة وبالتالى أن القديسة العذراء هى والدة الإله.

كما عقد البابا كليستين بابا روما فى ذلك الزمان مجمعاً فى روما 430م تقرر فيه تأكيد لقب العذراء “والدة الإله” وأعلن فيه أن نسطور هو هرطوقى.

وأرسل البابا كليستين إلى البابا كيرلس السكندرى تفويضاً فى إصدار حكم علنى ضد نسطور إذا استمر على ما هو عليه. وقال له فى بداية هذا الخطاب: “كانت الوثائق التى أرسلتها قداستكم بواسطة إبننا بوسيدونيوس الشماس، هى سبب فرح لنا فى حزننا، فتبدل حزننا إلى سرور. فبينما نحن ننظر ونفكر فى ما قاله ذاك الذى يحاول أن يزعج الكنيسة فى القسطنطينية بعظاته المنحرفة، فقد غمر نفسنا ألم ليس بقليل. لقد تأذينا من أشواك أفكار مختلفة، وكنا نفكر ملياً فى طريقة نساعد بها فى المحافظة على الإيمان. ولكن حينما حوّلنا انتباهنا إلى كتابات إخوّتكم، ظهر لنا فى الحال علاج مُعَد تماماً بواسطته يمكن أن يطرد المرض المهلك تماماً بعلاج صحى. أنا أعنى فيض الينبوع النقى الذى يفيض من رسالة محبتكم التى بها تتنقى كل قذارة الينبوع الجارى الردئ، فينفتح للكل طريق للفهم الصحيح لإيماننا.

ولذلك فكما أننا نختمه بسِمَة ونلومه، هكذا أيضاً فى محبة الرب نعانق قداستكم كما لو كنت حاضراً فى كتابتك، إذ نرى أن لنا نفس الفكر الواحد عن الرب. وليس عجيباً أن أسقف الرب الحكيم جداً يحارب من أجل محبة الإيمان بمثل هذه الشجاعة”.

يتضح من كلمات البابا كليستين أنه وجد فى شرح القديس كيرلس نفس الفكر الواحد الذى له فى الرب.

وبسبب رفض نسطور لهذا الفكر تم عقد مجمع أفسس المسكونى الثالث 431م. الذى فى جلسته الأولى تم التوقيع على الحكم ضد نسطور بواسطة الـ198 أسقفاً الحاضرون، ثم بعد ذلك اتخّذ آخرون هذا الجانب حتى بلغ عدد الذين وقعوا مائتى أسقف.

أى أن حكم المجمع كان بإجماع جميع الأساقفة الحاضرين. فقد كان كل أساقفة الشرق والغرب يساندون القديس كيرلس وتعليمه ولم يخالف سوى يوحنا الأنطاكى وأساقفته (فى البداية) لأنه كان صديقاً لنسطور.

والذى يثير العجب هو موقف الشعب الذى كان يفهم الإيمان فهماً سليماً وكان متمسكاً به، فقيل أن جلسة المجمع الأولى استمرت من الصباح الباكر حتى الليل، وانتظر شعب أفسس اليوم كله ليسمع القرار.  وعندما عُرف سبّب هذا فرحاً عظيماً؛ امتدحوا المجمع ورافقوا الأعضاء، وبصفة خاصة كيرلس، بالمشاعل حتى منازلهم. وكانت المدينة أيضاً مضيئة فى أماكن كثيرة. وكتب كيرلس ذلك بفرح فى أحد خطاباته الثلاثة التى أرسلها فى ذلك الوقت إلى أعضاء كنيسته فى الإسكندرية وإلى رهبان مصر.

مما سبق يتضح أن شعب أفسس كان يساند ويشجّع مجمع أفسس وعلى رأسه البابا كيرلس الكبير. كما أن كهنة وشعب القسطنطينية رفضوا تعليم نسطور وليس الأسافقة فقط.

وبعد قرار المجمع المسكونى وقبول الكنيسة الجامعة لتعليم القديس كيرلس وتأكيده على لقب “والدة الإله” الذى تسلمه من أسلافه من الآباء، شاع استخدام لقب “والدة الإله” فى شرح سر التجسد.

وقد شاع هذا اللقب بالأكثر فى الصلوات الطقسية فى كل الكنائس الرسولية التقليدية بدون استثناء.. فتجده كثيراً فى الصلوات الليتورجية وفى الألحان والتسابيح الخاصة بالكنائس الشقيقة مثل السريانية والأرمينية وأيضاً الكنائس البيزنطية واليونانية والروسية وكذلك الكنيسة الكاثوليكية.

لقب “والدة الإله”

فى الصلوات الطقسية بكنيستنا

إن لقب “والدة الإله” يتردد كثيراً فى صلوات الكنيسة الجامعة الطقسية كمصطلح مقبول كنسياً تم قبوله على مستوى الكنيسة الجامعة فى مجمع مسكونى وهو المجمع المسكونى الثالث فى أفسس 431م.

وهذا اللقب هو لقب محبب إلى قلوب أبناء الكنيسة المخلصين المحبين للقديسة العذراء مريم والدة الإله ويحلو لهم ترديده.

فى القداس الإلهى

يرتل كل الشعب لحن: “بشفاعة والدة الإله القديسة مريم يارب أنعم لنا بمغفرة خطايانا”.

ونفس العبارة تقال فى الهيتنيات قبل قراءة البولس.

هذا إلى جوار مقدمة قانون الإيمان التى تتلى فى رفع بخور العشية وباكر والتى نقول فيها: “نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله”.

وفى مجمع القداس يقول الكاهن: “وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين والدة الإله القديسة مريم”.

فى صلاة الأجبية

فى كل ساعة من سواعى الصلوات السبع نجد القطعة الثالثة والسادسة (إن وُجدت ثلاث قطع أخرى) من قطع الصلوات التى تتلى بعد قراءة الإنجيل كلها مخصصة للسيدة العذراء ويتردد فيها لقب “والدة الإله”.

فى تسبحة نصف الليل

هناك ثيئوطوكية أى “تمجيد لوالدة الإله” لكل يوم من أيام الأسبوع وهى كلها تشرح سر التجسد الإلهى.. علاوة على أن جزءًا من ثيئوطوكية الأحد يرنم كل يوم بعد الهوس الأول، بالإضافة إلى ثيئوطوكية اليوم وكلها يتردد فيها لقب والدة الإله، كما أن هناك الشيرات التى تقال فى تسبحة يوم السبت.

وبعد مجمع التسبحة تقال الذكصولوجيات وهى تماجيد للقديسين وفى مقدمتها ذكصولوجية السيدة العذراء التى يبدأ بها المرتل كل الذكصولوجيات، وأخرى للسيدة العذراء أيضاً تقال فى ختام الذكصولوجيات. وهذه الذكصولوجيات يتردد فيها لقب “والدة الإله”.

وهناك ذكصولوجية باكر التى تقال بعد صلاة باكر كل يوم وبها جزء تمجيد للسيدة العذراء تلقب فيه بلقب “والدة الإله”.

كما أن هناك كثير من ألحان الكنيسة الخاصة بالمناسبات الكنسية يتردد فيها لقب “والدة الإله” مثل اللحن العريق الذى تردده كنيستنا والكنائس اليونانية وهو لحن “أومونوجينيس” الذى يقال فى يوم الجمعة العظيمة وفى سيامة الآباء البطاركة وفى تقديس الميرون ويرد فيه لقب “والدة الإله”.

اتهامنا بالمغالاة فى وصف العذراء

يقول بعض الذين يهاجمون التشفع بالسيدة العذراء إننا نغالى فى مدح العذراء لدرجة قريبة من العبادة، وهم فى ذلك يستشهدون ببعض الكتب لمؤلفين مشهورين من كنيستنا من ذوى التعاليم الغريبة.. ويضيفون أننا ننسب لها ألقاباً وأوصافاً وأفعالاً تخص الله إلى حد تبادل الألقاب والأفعال لدرجة “يشمئز له الذوق اللاهوتى السليم” هذا بحسب تعبير أحد هؤلاء الكتّاب، ويستشهد بها بعض المهاجمين للأرثوذكسية. كمثال لذلك قولنا للعذراء مريم فى قطع صلاة الغروب: “لأبواب الجحيم اغلقى” وفى قطع صلاة الستار: “إذ وضعنا الثقة فيك لا نخزى بل نَخلُص”.

أبواب الجحيم اغلقى

هذه العبارة وردت فى القطعة الثالثة من قطع صلاة الغروب التى تخاطب السيدة العذراء والعبارة من بدايتها تقول:

“عند مفارقة نفسى من جسدى احضرى عندى، ولمؤامرة الأعداء اهزمى، ولأبواب الجحيم اغلقى لئلا يبتلعوا نفسى يا عروس بلا عيب للختن الحقيقى”.

سل الكثير من الأسر التقية المتدينة ستجد أن كثيرين ممن كانوا يصلون صلاة نصف الليل على ضوء الشموع شاهدوا السيدة العذراء مريم فى وقت انتقالهم. ومن أمثلة هؤلاء الشهيد سيدهم بشاى.

فى مخطوطة سيرة الشهيد سيدهم بشاى كتب أنه قال لمن حوله: “هاتوا لها كرسى تقعد عليه، أهى جاية ولابسة أبيض، هاتوا كرسى للست”. وقد كانوا فى ذلك الوقت يصبون الزفت المغلى على رأسه. لقد رأى السيدة العذراء أثناء تعذيبه قبل استشهاده، وكان يقول: “هاتولها كرسى تقعد عليه”.

حضور العذراء عند مفارقة نفس أى إنسان قديس

هى تأتى كأم حنونة لمن يصلى هذه الطلبة يطلب منها أن تأتى ويقول أيضاً: “لمؤامرة الأعداء اهزمى”.

يقول الكتاب عن الملاك ميخائيل “وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجّاً عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ” (يه1: 9). ما الذى أتى بالملاك ميخائيل عند جسد موسى؟ السبب هو وجود خطة شيطانية لإظهار جسد موسى حتى يعبده شعب إسرائيل فى ذلك الوقت.

هكذا الأمر مع المنتقل من هذا العالم فإن الشياطين تأتى لعلها تقبض على روحه فيستنجد بالعذراء لكى تقف بجانبه وكأنه يقول: “إلحقينى يا عذراء.. تعالى أقفى معايا.. الشياطين ترتعب لما تشوفك موجودة جنبى.. لمؤامرة الأعداء إهزمى..” وهكذا بوجودك وطردك للشياطين القادمين لمحاربة نفسى بهذا تكونين قد اغلقتى أبواب الجحيم بالنسبة لروحى.

هل كان خطأ أن يصارع الملاك ميخائيل إبليس من أجل جسد موسى؟! هل كان لابد أن يأتى المسيح شخصياً لهذا الأمر؟! وفى سفر الرؤيا يذكر: “وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِى السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ. وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ… وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا قَائِلاً فِي السَّمَاءِ: الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلَهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ…” (رؤ12: 7 و8 و10).

بالطبع السيد المسيح هو الذى يتمم الخلاص فلماذا قيل عن انتصار ميخائيل وملائكته “الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلَهِنَا” (رؤ 12: 10)؟ قيل ذلك لأن ميخائيل عمل بقوة السيد المسيح فى معركة مرحلية حينما طُرح إبليس إلى الأرض حينما حُلّ من سجنه “عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً” (رؤ12: 12)، فخرج ليضل الأمم. ولكن المعركة الفاصلة قال عنها معلمنا بولس الرسول فى رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكى: “الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ” (2تس2: 8)، أما الحرب المرحلية فهذه يمكن أن يرسل له فيها ميخائيل وجيشه.

هل لابد أن يدخل المسيح فى كل معركة بنفسه؟!!

المعركة الفاصلة الأخيرة مثل معركة الصليب ومعركة مجيئ السيد المسيح الثانى. فقد ورد عن إنسان الخطية ابن الهلاك الوحش أن “مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ” (2تس2: 9-10) “الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ” (2تس2 : 8).

من الذى سيبطل الشيطان نهائياً وإلى الأبد؟ هو السيد المسيح… ولكن هناك معركة مرحلية عندما حُلَ الشيطان من سجنه وحاول أن يخترق السماء.

كان الشيطان قديماً قد وقف أمام الله ليشتكى أيوب كما ورد فى الأصحاح الأول من سفر أيوب “جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضَاً فِى وَسَطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: مِنْ الْجَوَلاَنِ فِى الأَرْضِ وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِى الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِى أَيُّوبُ اللهَ؟” (أى1: 6- 9).

هكذا بعدما حُلَ إبليس من سجنه طلع بجيشه إلى السماء فأمر السيد المسيح الملاك ميخائيل أن يطرده، فحدثت حرب فى السماء. هذا مشهد من ضمن مشاهد عدة فى سفر الرؤيا. وهذه الحرب هى بعدما حُل الشيطان من سجنه، ولذلك فى نهاية هذا الأصحاح من سفر الرؤيا يقول “وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً” (رؤ12: 12).

إذاً هذه الصلاة هى طلبة من أجل طلب مساندة العذراء والقديسين والملائكة للإنسان حتى لحظة موته لكى تبعد عنه ضغوط الشيطان فى هذه اللحظة الحرجة.

ألم يقل السيد المسيح عن لعازر المسكين أنه بعدما مات “حَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ” (لو16: 22)؟ ومع أن هذا مثل وليس قصة حقيقية، لكن هل يقول السيد المسيح إن الملائكة حملت روح لعازر بينما لا يكون للملائكة دور فى ذلك؟! والسيد المسيح وهو يفسّر للتلاميذ مثل القمح والزوان قال: “وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ” (مت13: 39) وأنهم سيجمعون الحصاد من بنى البشر من أقصاء الأرض.. إذن ما الخطأ فى أن أطلب أن يكون الملائكة والقديسون معى فى لحظات انتقالى عند مفارقة نفسى من جسدى؟!

ستأتى العذراء بروحها الطاهرة ومعها الملائكة ليحاربوا من أجل تلك النفس التى تصرخ مستغيثة بهم طالبة مساعدتهم.

ونلاحظ أن كلمة الخلاص قد انتشرت فى العالم كله بواسطة كرازة وخدمة الآباء الرسل وخلفائهم حسب قول السيد المسيح “مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ” (مر 16: 16). مع أن السيد المسيح هو المخلّص ولكن هذا لا يمنع أن يصل الخلاص عن طريق رسله القديسين مثلما قال معلمنا بولس الرسول فى مجمع اليهود فى أنطاكية بيسيدية “أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ والَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ اللهَ إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هَذَا الْخَلاَصِ” (أع 13: 26). فالخلاص الذى صنعه السيد المسيح قد انتشر فى العالم بواسطة خدمة الآباء الرسل.

وفى إيماننا بقوة شفاعة السيدة العذراء (التوسلية وليس الكفارية) نشعر أنها تعيننا بشفاعتها فى حياتنا الروحية فى حروبنا ضد الشياطين، وفى إنتباهنا إلى طريق الخلاص الذى صنعه الرب المخلّص.

ألم يصنع السيد المسيح أولى معجزاته فى قانا الجليل بتوسطها “هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ” (يو 2: 11). لقد آمن التلاميذ بمجد لاهوته بفضل ما طلبته “والدة الإله” القديسة مريم.

أقتبس مثالاً من التكنولوجيا الحديثة: هل من يحاربوننا فى موضوع شفاعة القديسين لا يستخدمون ميكروفون فى الوعظ أو فى الصلاة فى اجتماعاتهم؟ طبعًا يستخدمون.. فلماذا لا يخجلون لكونهم يصلون أحياناً بالميكروفون؟ ألا تضيف شفاعة العذراء مريم والملائكة وصلوات القديسين قوة لصلواتنا؟ لأن الرب يريد أن يكرمهم حسب وعده “إِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي” (1صم 2: 30).

ختام البحث

إننا قد أثبتنا بالمنطق ومن الكتاب المقدس وقدمنا إثباتات لاهوتية. وبعد ذلك أوردنا إثبات منطقى يتفق مع السياق اللغوى السليم. ولم نعتمد على الإثبات المنطقى اللغوى فقط بل شرحنا كل الخلفية العقائدية اللاهوتية والكتابية الخاصة بالموضوع، وأيضاً استندنا إلى قانون الإيمان الأرثوذكسى الذى كان يردده نسطور نفسه فى الكنيسة، وهو لا يعمل به ولا يُعلّم به، أى أنه كان يردده بجهل خطير.

 

 

العلامات التى تسبق المجيء الثانى للرب - الجزء الحادي عشر - تبسيط الإيمان - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري

سلسلة تبسيط الإيمان - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري
سلسلة تبسيط الإيمان - الأنبا بيشوي مطران دمياط و البراري