الحُرِّيَّةُ الاَكَادِيمِيَّة فِي الدِّرَاسَاتِ اللاَهُوتِيَّةِ – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
التصنيفات دراسات عقيدية مجمعة, عقيدة
آخر تحديث 12 مايو 2020

الحُرِّيَّةُ الاَكَادِيمِيَّة فِي الدِّرَاسَاتِ اللاَهُوتِيَّةِ

اللاهوت حاضر في كل شيء وفي كل أركان المعرفة؛ لأن العلم العالي هو الذي يدرس الفكر المتكامل عن إعلان الله؛ وعن الحديث في معرفة الله والنطق بالإلهيات... اللاهوت يبحث عن سر الله الذي أُعلن في الثالوث القدوس بمحبة الله الاب ونعمة الابن الوحيد وشركة وموهبة الروح القدس.. فاللاهوت الحقيقي هو البحث عن الله وعن كل ما يخص الثالوث القدوس. واللاهوت هو الايمان على قاعدة المعرفة.

لذلك الحرية الأكاديمية ليست حرية بلا حدود؛ لكنها انفتاح على الطريق لبلوغ الحق والنور؛ بالبدء من الحقائق الإلهية المعلنة؛ وليس لتلك الحرية أن تتناقض مع الإيمان السليم. لذا يجب التعامل مع الكتاب المقدس ككلمة الله الموحَى بها؛ لا كنتاج أدبي أو ككلمة الناس عن الله؛ لأنه يُفحَص فقط بالروح القدس؛ حتى نقبله خلال المنطق والفكر والقناعات.. فأمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله... وليس ما للبشر في الشأن الالهي دون ما لله.

إنجيلنا لم يصِر بالكلمة بل بالقوة وبالروح القدس وملء البركة؛ لأن يسوع المسيح ونداء كلمته الصادقة هي مستحقة كل قبول؛ ولا يمكن فهمها كأيقونة الله ورسالته إلى خليقته؛ إلا بروحه لأنها كلمة الله الحية التي هي أمضى من كل سيف ذي حدين، وهي ليست غيبًا ولاحبرًا ولا ورقًا ولا علمًا؛ لكنها كلمة حياة وشركة قداسة ومحبة حية. قد تعرِف الكتاب المقدس دون أن تعرف علم اللاهوت؛ لكنك لن تعرف علم اللاهوت بدون عيش الكتاب ودراسة تاريخ الكنيسة الذي هو (مختبر اللاهوت).

كل مسيحي مدعو ليكون لاهوتيًا؛ وضعف الفكر اللاهوتي سبب أساسي لسطحيتنا؛ وهو ما يجعل الكثيرين عاجزين عن الإفصاح بما يؤمنون به؛ وأيضًا عن إثباته.. لذلك الإيمان الناضج هو الذي يتحول إلى تذوق واختبار؛ وهو نمو دائم نشترك فيه في حياة المسيح وبالمسيح؛ وهذا هو الطريق الرسولي الأصيل الذي نسلكه بالقبول والتسليم في رحلتنا نحو الملكوت، نَمُرّ من اختبار إلى اختبار، ومن قوة إلى قوة، لأن اللاهوت منهج حياة.

كم من المعلمين كانوا كواكب في الكنيسة؛ ولهم علم جزيل؛ لكنهم غرقوا عندما سلموا قيادتهم لعقولهم، قبل أن يقتنوا نعمة الفهم.. فمخطئٌ كل من يظن أن علم العلماء كافيًا لفهم الكتاب المقدس من دون نعمة الاستنارة.. وكثيرون تاهوا وقطعتهم المجامع بعدما تعاظموا وسقطوا، كما غيّر الشيطان نفسه إلى شبه ملاك نور (٢ كو ١١: ١٤). أما الحرية الأكاديمية توجِب على الباحث أن يطلب نعمة (التمييز) أي تمييز الأرواح حتى لا تخدعه الشياطين. وتمييز الأرواح هي عطية من عطايا الروح القدس، لأن المعرفة اللاهوتية ليست مجرد جمع أكبر قدر من المعلومات، لكنها اقتناء التمييز الذي بدونه يمكن أن تضل النفس وتفقد معرفتها بالحق.

بدون التمييز لا رجاء في معرفة روحية سليمة، فكل دراسة أكاديمية ننمو بها لكي يرى الدارس وجه الله المشرق، ويولد فيه الرجاء نحو اكتشاف الأسرار الإلهية واستقرار حياة الكمال وملكية الله على كل التدابير، دون فصل المعرفة عن الحياة، لأن المعرفة اللاهوتية صافية سامية وسماوية، وهي ليست افتراضات وتخمينات؛ لكنها حقيقية؛ ما هو كائن في النفس الانسانية (معرفة الإنسان بالله)، فإذا ما عرفنا خالقنا نعيش الحياة الحقيقية المباركة.

لا عجب إذا كان بعض الأكاديميين ومن يحذُو حذوهم يريدون أن يُخضعوا ما لله للعقل والاستدلال من دون إيمان وخضوع لروح الله الذي يجعل ما للعقل مفيدًا وذا قيمة، ولا عجب أن يعتبروا أنفسهم غير معنييّن بدور الروح القدس في قراءة الكتاب المقدس وتفسيره.. يضعون الروح القدس جانبًا لأنهم لا يمكنهم أن يقبضوا عليه بعقولهم المحدودة، وهو لهم كأنه حرف ميت. ومن هنا يمكننا أن نُبدي وبيقين أن هؤلاء يتناولون الكتاب لا باعتباره كلمة الله الحية بل باعتباره كلمة الناس الميتة عن الله.. فالكلام من دون روح الله ميتٌ.

كل دراسة أكاديمية في اللاهوت لا بُد أن تلازمها حياة روحية صحيحة، لتكون أساس المعرفة اللاهوتية، ودراسة الكتب ومعرفتها المعرفة الحقيقية يتطلبان حياة فاضلة ونفسًا طاهرة بالفضيلة التي للمسيح؛ حتى إذا استرشد بها العقل أنار بها الطريق؛ بغسل النفس وتنظيفها لتغيير مجرى الحياة؛ والاقتداء بأعمال وفكر وسيرة القديسين؛ ندرك مانسعى نحوه.