ما هو مدى العناية الإلهية للكون؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, علاقة الإنسان بالله, مفاهيم في الحياة الروحية
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هو مدى العناية الإلهية للكون؟

يؤكد القديس إكليمنضس السكندرى أكثر من مرة تنزيه الله وسموه عن الكون، ربما ليوضح الهوة القائمة بين جوهر الله وطبيعته وجوهر الكون وطبيعته، إذ يقول: [حديث الإنسان بالطبيعة قاصر وعاجز عن أن يعلن عن الله... لا أعنى جوهره لأن هذا مستحيل، وإنما أقصد قوة الله وعلمه[229].].

إذ يشرح القديس إكليمنضس تلك الهوة بين الله والخليقة، يعلن فى نفس الوقت أن الله ليس بعيداً عن العالم، خاصة عن أرقى خليقته، أعنى الإنسان. فقد خلق الله الكون من أجل حبه للإنسان كنعمةٍ من عنده؛ وبذات الدافع لا يزال يعتنى بكل شئون الكون؛ فهو يتدخل فى عالمنا من أجل حبه اللانهائى وأبوته السماوية لنا.

يعتقد القديس إكليمنضس أن الكون برهان ساطع على عناية الله. يقول W. E. G. Floyd: [إن دليل إكليمنضس على وجود العناية الإلهية، إذا ما كانت هناك حاجة إلى دليل. هو استخدام حوار لاهوتى يقوم على نظام الكون وتنسيقه. فهو يحاجج بأنه حتى فى النظرة السطحية جداً للعالم يوجد ما يضاد مهاجمى التعليم الصحيح[230].].

ويعبر القديس إكليمنضس عن العلاقة الوطيدة بين الله والكون، قائلاً: [البعيد للغاية قد صار قريباً جداً. يا له من أمر عجيب لا يدرك، "العليً إله من قريب، يقول الرب" (إر23: 23)... هو قريب جداً بفضل قوته (عناية) التى تهيمن على كل ما هو تحت سلطانه[231].].

يتحدث القديس أثناسيوس عن تنزيه الله فيؤكد أيضاً حضوره، قائلاً: [الله فى الكل وفى كل جزءٍ... هو يحوى كل شيءٍ ومع الكل[232].] يعلن القديس أن الله بصلاحه ونعمته ليس ببعيدٍ عن أى أحد منا، لأننا فيه نحيا ونتحرك ونوجد (أع17: 28). كما يقول: [اللوغوس فى الآب إذ ولده، أما المخلوقات فلأنها خارجة عنه تتصل به، لكنها غريبة عنه، تتصل بحرية اختيارها. الابن هو بالطبيعة واحد مع الذى ولده؛ أما من هو خارج عنه وقد صار ابناً فإنه ينتسب إلى الأسرة. من ثم يضيف موسى على الفور: "لأنه أى شعب هو عظيم له إله قريب منه كالرب إلهنا؟" (تث4: 7 الترجمة السبعينية)؛ وفى موضع آخر قيل: "أنا إله قريب" (إر23: 23 الترجمة السبعينية) [233]، فبالنسبة للمخلوقات يقترب منها مع كونها غريبة عنه، أما بالنسبة للابن، بكونه ابنه الخاص به، فهو لا يقترب منه، بل هو فيه[234].].

يا لمحبة الله العجيبة! نحن الذين كنا غرباء، صرنا ملتصقين بالله المنزه بفضل صلاحه ونعمته!

أوضح القديس إكليمنضس السكندرى أن الله الصالح لن يكف عن صنع الصلاح، وإلا توقف عن كونه إلهاً صانع خيرات[235]. يقول بأن الكون يشبه فأساً لا قوة لها فى حد ذاتها، لكنها تحتاج إلى يد الله ليستخدمها فى العمل اللائق لتحقيق غاية وجوده. [كما أن الفأس لا تقطع ما لم يستخدمها أحد، كذلك المنشار بدون إنسان لا ينشر؛ لأنهما آلتان لا تعملان من تلقاء ذاتيتهما، لكن لهما خواص مادية تحقق عملهما بمساعدة الحطاب الذى يستخدمهما، هذا أيضاً ما يُقصد بالعناية الإلهية[236].].

لنستعير كلمات القديس مقاريوس الكبير، الذى عبَّر عن حلول الله فى حياتنا الروحية، قائلاً: [إن كنت تبحث عن الرب فى العمق، هناك تجده. إن كنت تفتش عنه فى المياه، هناك تجده "صانعاً عجائب" (خر15: 11). إن كنت تطلبه فى الجب، فهناك تجده بين أسدين يحرسان دانيال البار. إن طَلَبْتَه فى النار، تجده هناك ينقذ عبيده. إن بحثت عنه أعلى الجبل، تراه مع موسى وإيليا. إنه فى كل مكان؛ تحت الأرض وفوق السماوات وفى داخلنا أيضاً[237].].


[229] Stromata 18: 6: 166.

[230] W. E. G. Floyd: Clement of Alexanria’s Treatment of the Problem of Evil, Oxford University Press, 1971, p. 36.

[231] Stromata 2: 2.

[232] De Incarnatione, 42.

[233] Contra Arians, 5: 4.

[234] St. Clement: Protroptecius 63: 4.

[235] Stomata 14: 5: 141, 12: 6, 16: 6.

[236] Stomata 16: 6.

[237] See Prof. I. M. Kontzevich: Fifty Spiritual Homilies, St. Makarius the Great, 1974, Homily 12: 12 - 13.

ماذا يعنى أن الله يدبر أمور العالم؟

ما هى العناية الإلهية فى الفكر الكنسي السكندري؟