هل وهب الله المخلوقات العاقلة السماوية والأرضية حرية الإرادة؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحرية, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, مفاهيم في الحياة الروحية
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ6 – المفاهيم المسيحية والحياة اليومية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

هل وهب الله المخلوقات العاقلة السماوية والأرضية حرية الإرادة؟

وهب الله الطغمات السماوية والإنسان حرية الإرادة كاملة، بهذا كل الخليقة العاقلة مسئولة عن تصرفاتها. لكن الشيطان خُلق بدون جسد كالإنسان، فإذ سقط فى التشامخ حُكم عليه أبدياً. ولو لم يخطئ لبقى كالملائكة الأبرار يحيا إلى الأبد. أما آدم فكان له جسد قابل للموت. وحين أخطأ حُكم عليه بالموت، ولكن ليس إلى الأبد، لأن الإنسان مُعد للحياة والخلود. يوجد فى الإنسان ديناميكية تدفعه إلى صنع الخير، وإلى الخلود، وفيه حنين يجعله يشعر بندم إذا ما أضاع الخير.

إرادة الملاك مُجمدة فى الخير أو فى الشر، فبعد أول عمل حرّ لم يعد الملاك الساقط يريد إلا الشر وغير قادر على غير ذلك، أما إرادة الإنسان فتتيح له أن يفعل هذا أو ذاك. وبأول عمل حرّ اختار آدم الموت، ولكن بسبب الحب الإلهى وإمكانية الخلود الذى فيه، استطاع أن يستعيد الحالة التى ضيعها وذلك من خلال قبوله وتجاوبه مع نعمة الله وخطة الله للخلاص.

يختلف البشر عن الملائكة، فهم مُعدون للخلود. أمامهم يُفتح طريق الخلاص، إن قبلوه بكامل حريتهم صار لهم حق التمتع بالخلود. بهذا لم يترك الله صورته تسير إلى الهلاك، إنما قدّم لها النعمة الإلهية القادرة أن تردها إلى الخلود.

هذا ومن جانب آخر، فإن الشيطان سقط بسبب كبريائه الذى تفاقم حتى بعد سقوطه مع تصميمه على الخطأ ومقاومة الله، أما الإنسان فسقط بغواية إبليس.

صور القديس مار يعقوب السروجى موقف آدم بعد سقوطه، قائلاً:

[حسده الغاش وزرع فيه زرعاً مملوءً موتاً، إذ بدأ يظن أن المجد من عنده. ظن أن مجده من ذاته وليس من آخر.

قال فى نفسه: ثمرة تلك الشجرة هى لى، أنا هو السيد، من يلزمنى بأمره؟

ليس من ملك على الخليقة غيرى.

بغى حتى نسى الله.

هذا هو الثمر الذى يُقدم الموت لآكله.

بالفكرة ألتى سقط بها الشيطان، هدم رئيس جنس (البشر) من البدء،.

زرع الزرع بفكر ممتلئ موتاً، وبه قتل ذلك الجبار المملوء حسناً.

شفق عليه بالمراحم ذاك المتحنن المملوء صلاحاً. وأخذ منه المجد الذى كساه به، وعراه من ثوب ذلك المجد حتى لا يتشامخ ويهلك تماماً مثل الشيطان.

إذ أنزله من مكانته وضع أمامه المسكنة. إنك تراب وطين محتقر، وابن الغبار. لماذا تطلب أن تغتصب درجة ليست هى لك؟ إنك لم تخلق الخليقة جميعها، وهى ليست لك...

أنت تراب، فلا تبغ العظمة!

طين أنت، فلماذا تطأ بقدميك ما هو ليس لك؟...

أنت تراب، ولأنك بغيت فإلى تراب تعود].

ويقول القديس غريغوريوس النيسى: [أعطنى الله الطبيعة العاقلة نعمة حرية الإرادة، وأنعم على الإنسان بالقدرة على تحديد ما يريده حتى يسكن الصلاح فى حياتنا، ليس قسراً ولا لاإرادياً بل نتيجة للاختيار الحُر. إن تمتعنا بحرية الإرادة يؤدى بنا إلى اكتشاف حقائق جلية. فى طبيعة الأمور إذا ما أساء أحد استخدام مثل هذه الإرادة الحرة فإنه بحسب كلمات الرسول يصير مثل هذا الشخص مخترعاً لأعمال شريرة (رو1: 30) [304]].

ولازال يهبنا خالقنا حرية الإرادة فى رجوعنا إليه وتبعيتنا له بعد أن تجسد وحل بيننا، فإنه يُقدس الإرادة الموهوبة لنا. وكما يقول الشهيد كبريانوس: [إنه لم يُوبخ الذين تركوه ولا هدّدهم بطريقة عنيفة بل بالأحرى اتجه نحو تلاميذه قائلاً: "ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟" (يو6: 67)، محترماً بالحق القانون الذى به يمارس الإنسان حريته ويبقى فى حرية إرادته يختار الموت أو الخلاص[305]].

ويؤكد القديس جيروم تقديس حرية الإرادة الممنوحة لنا لنسلك فى المسيح يسوع، قائلاً: [إنه لا يقول: "يجب أن تشربوا، يجب أن تجروا، أردتم أو لم تريدوا"، بل من كان راغباً وقادراً على الجرى والشرب، فسيغلب ويرتوى[306]].


[304] - نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوار، عظة2.

[305] Letter 59 to Cornellius: 7.

[306] Against Jovinianus, 12: 1.

لماذا نسأل الله ولا نسعى نحن للغلبة على التجربة مادام كل شئ فى مقدورنا؟ ولماذا نجاهد لنحيا صالحين ما دامت القدرة على فعل هذا هى فى يد الله؟

ما هى الأسس التى قامت عليها ثورة القديس غريغوريوس النيسى؟