8- ما هو دور الذين يتمتَّعون بحياة الملء فى تعاملهم مع الضعفاء؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الفضائل الروحية, فضائل روحية مجمعة
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

8 - ما هو دور الذين يتمتَّعون بحياة الملء فى تعاملهم مع الضعفاء؟

يقول الرسول: "وأنا نفسى أيضاً متيقن من جهتكم يا إخوتى أنكم أنتم مشحونون صلاحاً ومملوؤون كل علمٍ، قادرون أن ينذر بعضكم بعضاً" (رو15: 14). إذ تحدَّث عن التزامهم كأقوياء أن يحتملوا ضعفات الضعفاء، وكيهود متنصّرين أن يقبلوا الأمم فى الإيمان بفرحٍ وسرورٍ، أراد أن يُلَطِّف الحديث معهم، فلا يجعل من وصيته أمراً ثقيلاً على نفوسهم، لهذا بادر يمدحهم مُظهِراً أن ما يطلبه منهم ليس بالكثير بالنسبة لقامتهم الروحيّة وإدراكهم. ويلاحظ هنا رقته فى الحديث من جهة الآتى:

أولاً: لم يقل إنه سمع عن صلاحهم، وإنما هو بنفسه مُتيقِّن من صلاحهم. ليس محتاجاً إلى آخرين يشهدون لهم أمامه. وكأنه يقول إن كنت أوصيكم أو أقسوا عليكم بالانتهار، لكننى مُتيقِّن من جهتكم إنكم مشحونون صلاحاً!

ثانياً: يُعلِّق القدّيس يوحنا الذهبى الفم على تعبيره: "أنكم أنتم مشحونون صلاحاً"، بالقول: [كأنه يقول: ليس لأنكم قساة أو مبغِضون لإخوتكم لذلك أنصحكم أن تقبلوا عمل الله فلا تهملوا أو تُحَطِّموه، فإنى أعرف أنكم مشحونون صلاحاً، وإنما يبدو لى هنا أن أدعوكم لكمال فضيلتكم[238].].

ثالثاً: فى رقّة يحثّهم كما فى اتساع القلب أكثر فأكثر بحُبّ الآخرين حيث لا ينقصهم ملء الصلاح والمعرفة والقدرة. من جهة القلب هم صالحون لطفاء مُحِبُّون؛ من جهة الفكر لهم ملء العلم والمعرفة، ومن جهة الإمكانية قادرون. هذا كله أعطاه الجسارة ليطالبهم أكثر فأكثر! يتحدث معهم غاية فى الحكمة والتشجيع!

رابعاً: كتب القدّيس بولس إليهم بروح الأخوة المتواضعة، الأخوة التى أعطته دالة ليتجاسر فيكتب إليهم لا كمن يوصيهم بأمرٍ غريبٍ عن حياتهم، وإنما يُذَكِّرهم لينموا بالأكثر فيما يمارسونه فعلاً، إذ يقول: "ولكن بأكثر جسارة كتبت إليكم جزئياً ايها الإخوة، كمُذَّكِّرٍ لكم بسبب النعمة التى وُهِبَت لى" (رو15: 14). يقول القدّيس يوحنا الذهبى الفم: [لاحظوا تواضع فكر بولس، لاحظوا حكمته... إنه ينزل من كرسي السيادة هنا وهناك ليتحدَّث إليهم كإخوة وأصدقاء فى نفس الدرجة[239].].

خامساً: يُعلِن الرسول أنه مُلتزِم بالكتابة لهم، لأنه يمارس خدمته الرسولية التى أُفرِز لها كرسول للأمم، فإن كانت روما عاصمة العالم الأممي فى ذلك الحين فهو يشعر أنها يجب أن تكون مركز عمله. هذه هى النعمة التى وُهِبَت له من الله، خدمة الأمم، التى لا يتوقَّف عن التمتُع بها قط.

سادساً: يقول: "(تكونوا) مملوئين من ثمر البرّ الذى بيسوع المسيح لمجد الله وحمده" (فى1: 11). البرّ هو السيد المسيح. فالإنسان المسيحى لابد أن يثمر، ويُثمِر فى هدوء وسلام، أما ثمر البرّ فهو الأعمال الصالحة. إذ نُغرَس فى المسيح يسوع، ونُطعم فيه، لا نعود نكون بعد أغصان برية، بل أغصان الكرمة الإلهية الحاملة ثمر الروح. هذه الثمار الفائقة والمُشبعة موضع اعتزازنا، لكن ليست علة كبرياء وتشامخ، إذ هى هبة إلهية لمجد الله والتسبيح له. كما يُقصَد بكلمة "البرّ" هنا كل أعمال الروح القدس الذى يهبنا برّ المسيح، والشركة فى الطبيعة الإلهية. يقول "ثمرة البرّ" وليس "ثمار البر". جاءت الكلمة اليونانية فى المخطوطات القديمة بصيغة الفرد لا الجمع. وجاءت نفس الكلمة فى المفرد فى) غل5: 22؛ أف5: 9؛ يع3: 18؛ عب12: 11؛ رو6: 22)، لأن ثمر الروح مع تنوعه من حب وفرح وسلام وصلاح الخ. فى تناغم معاً، كأنه ثمرة واحدة.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: "(تكونوا) مملوئين من ثمر البرّ"، إذ بالحق يوجد برّ ليس حسب المسيح، على مستوى الحياة الأخلاقية. "الذى بيسوع المسيح لمجد الله وحمده". انظروا فإننى لست أتكلم عن مجدى، بل عن برّ الله... يقول: "لا تجعلوا محبتكم تضركم بطريقة غير مباشرة، بأن تعوقكم عن إدراك الأمور النافعة. احذروا لئلا تسقطوا خلال محبتكم لأى أحد. فبالحق أود أن تزداد محبتكم لكن دون أن يصيبكم ضرر منها[240].].

يقول الرسول: "وأنتم مملوؤون فيه الذى هو رأس كل رياسة وسلطان" (كو2: 10). إذ تحقق التجسد باتحاد اللاهوت مع الناسوت صار لنا حق التمتُع بغِنَى المسيح خلال اتحادنا معه، إذ نصير مملوئين فيه. خلال هذا الملء صار لنا إمكانية القيامة معه، والجلوس معه فى السماويات (أف2: 6)، وأن نملك أيضاً معه (2تى2: 12)، لا يعوزنا شيء (رو8: 32)، إذ يصير كل شيء هو لنا (1كو3: 21).

يُعَلِّق القديس أغسطينوس على العبارة: "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة" (يو1: 16) قائلاً بأن الرب وهبنا نعمة مجانية مقابل استحقاقنا للعقوبة. بهذه النعمة وهبنا الإيمان الذى به ننال مجازاة عظيمة. يقودنا هذا الإيمان إلى معرفة الحق. بالإيمان يهبنا التبرير من خطايانا ويُقَدِّم لنا نعمة الخلود. هذا كله بشرط الاحتفاظ بهذه النعم. يقول القديس هيلارى أسقف بواتييه: [بعد إعلانه أنه فى المسيح يحلّ كلُ ملء اللاهوت جسدياً، يكشف فوراً عن سرّ صعودنا فى الكلمات "أنتم مملوؤون فيه" (كو2: 10)... قد صرنا مملوئين فيه (نلنا من ملئه)... لأن كل من هم الآن أو من سيكونون فيما بعد، المخلوقين من جديد برجاء الإيمان بالحياة الأبدية، يمكثون حتى الآن فى جسد المسيح... فى الزمان الذى يقول عنه الرسول: "الذى سيُغَيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (فى 3: 21). لهذا فقد صرنا مملوئين فيه، أى بصعود جسده، لأن فيه يحل ملء اللاهوت جسدياً فهل رجاؤنا أعلى من السلطان الذى فيه؟ [241]].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كلمة "ملء" تعني "الكل المتكامل The Whole... فهو" الرأس "وأنتم مملوؤون فيه معناها أن مالكم هو منه وليس بأقل مما له[242].].

يقول الرسول: "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآه نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2كو3: 18). إذ ننعم بالنور الإلهى والحرية الحقيقية تتجدد طبيعتنا وتنمو كل يومٍ لكى نتشكَّل ونصير أيقونة المسيح خالقنا. نرتفع كما من مجدٍ إلى مجدٍ. هكذا يتذوَّق المؤمن خبرة يومية ومعرفة عملية خلال قوة الكلمة المجددة على الدوام.

كان اليهود عاجزين عن التطلُّع إلى وجه موسى وسيط العهد القديم، فكان لزاماً أن يضع على وجهه برقعاً. أما نحن فصار لنا الوجه المكشوف لنرى كما فى مرآة كيف تتشكَّل طبيعتنا كل يوم حسب الوعود المجيدة التى لإنجيل المسيح وذلك بفعل الروح القدس "الرب الروح".

يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [يظهر أنه ليس ممكناً للنفس أن تتَّحد بالله غير الفاسد بأية وسيلة ما لم تصرْ تقريباً طاهرة خلال عدم الفساد، حتى تنعم الشبه بالشبه، وتقيم نفسها كمرآة تتطلع نحو نقاوة الله، فيتشكَّل جمال النفس بالشركة فى الجمال الأصلى والتمتُّع بانعكاسه عليها[243].].

كما يقول: [ما دمنا قابلين للتغيير، فالأفضل أن نتغيَّر إلى ما هو أفضل: "من مجدٍ إلى مجدٍ". وهذا يجعلنا نتقدَّم دائماً نحو الكمال بالنمو اليومى، مع عدم الاكتفاء بحدودٍ مُعيَّنة نحو الكمال. يعنى عدم التوقُّف نحو ما هو أفضل، وعدم وضع أيّة حدود نقف عندها فى نمونا[244].].

ويقول: [نحن نرى الآن العروس يقودها الكلمة إلى أعلى درجات الفضيلة، إلى علو الكمال. فى البداية، يرسل لها الكلمة شعاعاً من نورٍ من خلال شبابيك الأنبياء وكوى الوصايا. ثم يُشَجِّعها على أن تقترب من النور، وتصير جميلة بواسطة تحوّلها إلى صورة الحمامة فى النور. وفى هذه المرحلة تأخذ العروس من الخير قدر ما تستطيع. ثم يرفعها الكلمة لكى تشارك فى جمال أعلى لم تتذوقه من قبل. وبينما هى تتقدم تنمو رغبتها فى كل خطوة، لأن الخير غير محدود أمامها. وتشعر باستمرار مع حلول العريس معها أنها قد ابتدأت صعودها للتوّ فقط. لذلك يقول الكلمة للعروس التى أقامها من النوم: "انهضي". وإذ جاءت إليه يقول لها: "تعالي" (نش2: 10)، لأن الشخص الذى دعاها للنهوض بهذه الطريقة فى استطاعته ان يقودها إلى الارتفاع والنهوض بها إلى مستوى أعلى. الشخص الذى يجري نحو الله ستكون أمامه مسافات طويلة. لذلك يجب علينا أن نستمر فى النهوض، ولا نتوقَّف ابداً عن التقرُّب من الله. لأنه كلما قال العريس: "انهضي" و "تعالي" فإنه يعطى القوة للارتفاع لما هو أفضل. لذلك لابد أن تفهم ما يأتى بعد فى النص. عندما يحفز العريس العروس الجميلة لكى تكون جميلة فهو يُذَكِّرنا حقاً بكلمات الرسول الذى يطلب منا أن نسلك سلوكاً فاضلاً لكى نتغيَّر من مجدٍ إلى مجدٍ (2كو3: 18). وهو يعنى بكلمة "مجد" ما فهمناه وحصلنا عليه من بركة فى وقت من الأوقات، ولا يهم مقدار ما حصلنا عليه من مجدٍ وبركةٍ وارتفاعٍ، لأنه يُعتقَد أننا حصلنا على أقل مما نأمل فى الحصول إليه. ولو أنها وصلت إلى جمال الحمامة بما قد حققه إلا أن العريس يأمرها بأن تكون حمامة مرة أخرى بواسطة تحوّلها إلى شيءٍ أفضل. فإذا حدث ذلك فإن النص سوف يُظهر لنا شيئاً أفضل. فإذا حدث ذلك فإن النص سوف يُظهر لنا شيئاً أفضل من هذا الاسم "حمامة" [245].].

ويقول: [لست أظن أن هذا أمر مخيف (أقصد بذلك أن طبيعتنا متغيرة). ليكن التغيُّر إلى الأفضل، فيكون لنا نوع من الجناح لنطير إلى الأمور الأعظم. لهذا ليته لا يحزن أحد إن رأى فى طبيعته ميلاً للتغيُّر. لتتغيَّر فى كل شيء إلى ما هو أفضل. ليتغيَّر الشخص من مجدٍ إلى مجدٍ، فيصير أعظم خلال النمو اليومى، والكمال المستمر دون بلوغ حد الكمال بسرعة هكذا. فإن هذا هو الكمال الحقيقى، ألاّ تقف فى النمو نحو ما هو أفضل وألا تضع حداً للكمال[246].].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لا يشير هذا إلى الأمور الباقية... الروح هو الله، ونحن نرتفع إلى مستوى الرسل، لأننا جميعاً سنراه معاً بوجوه مكشوفة. إذ نعتمد تتلألأ النفس أكثر بهاءً "من الشمس إذ تتطهّر بالروح، ليس فقط نعاين مجد الله، بل ونقبل منه نوعاً من الإشراق[247].].

يقول القديس غريغوريوس النزينزى: [أظن أنه هكذا جاء الروح تدريجياً ليسكن فى تلاميذه، ويملأهم حسب إمكانية قبولهم له: فى بدء الإنجيل، وبعد الآلام، وبعد الصعود، وعندئذ جعل قوتهم كاملة، إذ حلّ عليهم وظهر فى ألسنة نارية. حقاً قد أعلن يسوع عنه قليلاً كما ستتعلَّمون بأنفسكم متى قرأتم بأكثر انتباه[248].].

يقول القديس أمبروسيوس: [لم يدعُ الروح الرب فحسب، وإنما أضاف: "حيث روح الرب هناك حرية" (2كو3: 17). هكذا نحن جميعاً بوجه مكشوف، بانعكاس مجد الرب نتشكَّل من جديد إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح، بمعنى نحن الذين قد رجعنا إلى الرب، كما بفهم روحيٍ لكى نرى مجد الرب، كما فى مرآة الكتب المقدسة، الآن نتغيَّر من ذاك المجد الذى يردنا إلى الرب، إلى المجد السماوى[249].].

يقول القديس أغسطينوس: تعبير الرسول "وجهاً لوجه" (1كو13: 12) لا يلزمنا أن نعتقد أننا سنرى الله بوجه جسدى فيه عينا الجسد، إذ سنراه بدون توقُّفٍ فى الروح. لو لم يشر الرسول إلى الوجه فى الإنسان الداخل ما كان يقول: "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوفٍ كما فى مرآةٍ، نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما فى الرب". فإنه بالإيمان نقترب إلى الله، والإيمان هو عمل الروح لا الجسد[250].


[238] In Rom. hom 29.

[239] In Rom. hom 29.

[240] Homilies on Philippians, homily2.

[241] On the Trinity, 8: 9.

[242] Homilies on Colossians, homily 6.

[243] Concerning Virginity 11, PG 368: 46 BC.

[244] - من مجدٍ إلى مجدٍ، تعريب القمص إشعياء ميخائيل، 1984، فصل 1: 2.

[245] Commentary on Song of Songs, Homily 5.

[246] On Perfection.

[247] In 2 Cor. Hom. 5: 7.

[248] The Theological Orations. 26: 4.

[249] Of the Holy Spirit.

[250] The City of God, 30: 22.

9- ما هى عظمة خدمة العهد الجديد ومجدها التى يتمتع بها المؤمنون؟

7- ما الذى يحرم الشخص من حياة الملء؟