نظريات الفداء الحديثة وإيمان كنيستنا في الخلاص والفداء – الأستاذ عصام نسيم

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ عصام نسيم
التصنيفات التجسد والفداء, الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي, اللاهوت العقيدي, اللاهوت المقارن, عقيدة
الطبعة الأولى
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 4.999 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
2MB

 

عقيدة الفداء هي عقيدة أساسية في إيماننا المسيحي وهي غاية التجسد الإلهي وهي السبيل لخلاص الإنسان بعد سقوطه وهي عقيدة تقوم على الكتاب المقدس وتعاليم الآباء وقد عاشت بها كنيستنا منذ تأسيسها على يد القديس مارمرقس الرسول وهي صلب كل صلواتنا الليتورجيا  وإسرار الكنيسة بل وحيتنا المسيحية كلها .

وقد تعرضت كنيستنا في السنوات الأخيرة لكثير من الأفكار الغير سليمة بخصوص عقيدة الفداء وراح البعض يروج أفكارا غريبة عن إيمان كنيستنا القبطية الأرثوذكسية ويدعي أنها تعاليم أبائية بل ويتهم الكنيسة وتعاليمها بأنه تعليم غربي وان إيماننا في الفداء هو تعليم أنسلم الراهب الكاثوليكي الذي ظهر في القرن الثاني عشر في أوربا وراح البعض الآخر يضرب فكرة الفداء والكفارة ويختزل الفداء على انه حب فقط وان الصليب حب ولم يكن هناك جوانب أخرى للفداء وللصليب كرفع العقوبة عن الإنسان او موت المسيح ألبدلي عن موت الإنسان الذي استحقه بعد سقوطه وكان رفع حكم الموت هو غاية التجسد الإلهي والهدف الأول لموت المسيح ألخلاصي .

وسنتناول بنعمة المسيح في هذا البحث البسيط فكرة مبسطة عن نظريات الفداء الغربية ثم نشرح عقيدة كنيستنا في الفداء والكفارة من خلال الكتاب المقدس وتعاليم الآباء لنكشف كيف أن هذه الأفكار التي يروجها البعض مؤخرا ما هي ألا أفكار غربية غريبة عن تعاليم وإيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذي عاشت به وعلمت به على مدار حوالي 2000 عام .

هل تعليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو تعليم أنسلم؟

من هو أنسلم وما هي نظريته في الفداء؟

ما هي نظريات الفداء المختلفة والتي ظهرت على مدار التاريخ واين ظهرت؟

هل ابتعدت الكنيسة اليوم  عن تعليم الآباء في عقيدة الفداء والكفارة ؟

هل الفداء هو حب فقط ولا توجد عقوبة او موت نيابي او بدلي عن المسيح؟

هل كنا في المسيح وقت الصلب وصلبنا معه وقمنا معه ونجلس اليوم في السموات معه؟

ما هو مصدر التعاليم التي يروجها البعض اليوم على أنها تعاليم اباء وهي لا علاقة له بتعليم الآباء او تعاليم الكتاب؟

هذه الأسئلة التي سنجيب عليها بنعمة المسيح في السطور القآدمة.

أولا- هل تعليم الكنيسة القبطية هو تعليم أنسلم؟

في الحقيقة لكي نجيب على هذا التساؤل او الادعاء الذي يروجه البعض اليوم يجب علينا أولا أن نعرف من هو أنسلم وما هو تعليمه ثم نقارن بين تعليمه وبين إيمان كنيستنا ونكتشف هل هذا التعليم يشبه إيمان كنيستنا ام كل هذه مجرد ادعاءات يروجها البعض !

ثانيا نظريات الفداء المختلفة

ظهرت عدة نظريات مختلفة حول فداء السيد المسيح وخلاصة ورغم أن الكتاب المقدس بعهديه شرح الفداء والتجسد الإلهي اسبابه ونتائجه ورغم ذلك ظهرت على مدار التاريخ عدة نظريات مختلفة حول الفداء بعض هذه النظريات نظر إلي جانب واحد من الفداء وتجاهل الجوانب الأخرى وبعضها كان ينظر إلي الفداء نظرة غير سليمة بالمرة ونلاحظ أن اختلاف النظريات كان باختلاف الفترات الزمنية والبيئة التي ظهرت فيها …الخ

وسوف نستعرض بعض هذه النظريات وليس جميعها فقط للكشف على أهمها ومعرفة فكرها نحو الفداء.

وقد ظهرت عدة نظريات خاصة بالفداء على مدار التاريخ ولكننا سنركز على أهم هذه النظريات سريعا واهم ما يميزها.

أولا:  نظرية الفدية  (النظرية الكلاسيكية للفداء)

انتشرت هذه النظرية في القرون الأولى للكنيسة وتقول بان كفارة المسيح هي انتصار على قوة الشر وانتصار على الشيطان وأيضا ان السيد المسيح قد مات ليدفع فدية للشيطان ليخلص البشر ويكون الصليب هو ثمن دفع للشيطان مقابل خلاص البشر التي كانت تحت سلطان ابليس .

وتقول أيضا ان الشيطان كان يعتقد يظن انه يستطيع ان يمسك المسيح بعد  موته كالاخرين ولكن بقيامة المسيح اثبت انه ليس مثل الآخرين وانتصر المسيح بقيامته على قوة الشر وخلص البشر من قبضة ابليس .

انتشرت هذه النظرية كما ذكرنا في القرون الأولى وكان أهم من روج لها هو العلامة اوريجانوس وغريغوريس النيصي  وقد عارضها بعض الآباء كالقديس أثناسيوس والقديس اغريغوريس النيزانزي والحقيقة ان التعليم بان السيد المسيح قدم حياته على الصليب فديه عن البشر استمر عند كثير من الآباء مثل القديس أثناسيوس نفسه ولكن الرفض كان على ان السيد المسيح قدم نفسه فدية للشيطان فكيف يسلم السيد المسيح نفسه للشيطان؟! وهذا ما رفضته الكنيسة .

ثانيا: نظرية الترضية (الأسقف أنسلم)

ظهرت هذه النظرية في القرن الحادي عشر على يد أنسلم رئيس أساقفة كانتربري.

وتقول نظريته أن كفارة المسيح قدمت للآب كتعويض وترضية له عن خطية الإنسان وأن موت المسيح قد أرضى كرامة الآب الجريحة وبما أن الخطية كانت موجهة ضد الله فقط كان ينبغي أن تقدم ترضية كافية عن خطية الإنسان وبالتالي تسجد الله.

وكان تركيز أنسلم في نظريته أن كفارة المسيح هي ترضية للآب عن كرامته الجريحة نتيجة خطية الإنسان وأن موت المسيح عن البشر كان لهذا الهدف.

وقد كتب هذه النظرية في كتابه (لماذا تجسد الله) وقد تأثر أنسلم في هذه النظرية بالنظرة الإقطاعية التي كانت موجودة في عصره كما ركز في كل نظريته على الجانب القضائي للفداء وأهمل باقي جوانب الفداء الأخرى الي جانب ان نظريته اختصرت كفارة المسيح على انها ترضية للآب وكرامته الجريحة.

وفي الحقيقة هذه النظرة هي نظرة مشوهه لفداء السيد المسيح فالفداء والكفارة لم تكن لإرضاء كرامة الله الجريحة او ترضية له عن خطية الإنسان نحوه ولكنها كانت إستيفاء للعدل الإلهي ورفع حكم الموت كما سنشرح فيما بعد بنعمة المسيح .

ثالثا: نظرية التأثير الأخلاقي :

ظهرت هذه النظرية كرد فعل على نظرية أنسلم التي انتشرت في الكنيسة الكاثوليكية بشدة وتم الترويج لها من قبل بيتر ابيلارد وهو فيلسوف لاهوتي (القرن) وعلم بنظريته والتي كانت ضد نظرية أنسلم من ان موت المسيح لم يكن تسديد لدين او ترضية للآب كما قال وعلم أنسلم ولم تكن لإرضاء كرامة الله الجريحة وإنما استعراض لمحبة الله وبالتالي يجب على الإنسان ان يبادل الله بنفس هذه الحب .

كما تقول هذه النظرية ان الخطية كانت خاصة بالانسان وهي مشكلة الإنسان وليست مشكلة الله وان الله محبة والصليب كان محبة والفداء استعراض محبة ولا وجود لمفاهيم العدل الإلهي او الموت النيابي عن البشر او العقوبة في هذه النظرية فقط محبة الله هي كل شئ !

وتأثر بها البعض وراح يعلم بان الفداء هو حب فقط ولم يكن موت المسيح نيابة عن جميع البشر مخالفين بذلك تعليم الكتاب المقدس وتعاليم الآباء !

رابعا: نظرية البدلية العقابية

تقول هذه النظرية ان السيد المسيح بموته تحمل العقوبة العادلة عن خطايا البشر وصار كنائب للإنسان وان الخطية هي تعدي على شريعة الله بشكل رئيسي وقد دفع السيد المسيح بموته ثمن عقوبة البشر التي يتطلبها العدل الإلهي  وان الخطية هي تعدي نحو الله وكسر لشريعة الله .

ونظرية ألبدليه هي جانب رئيسي من جوانب الفداء موجود في تعليم الكنيسة منذ القرون الاولى كما سنشرح فيما بعد .

ثانيا- هل إيمان كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في الفداء هو إيمان نظرية أنسلم؟

بعد أن استعرضنا سريعا أهم نظريات الفداء سنناقش أولا هل إيمان كنيستنا هو نفس إيمان نظرية أنسلم كما يدعي البعض وايضا هل الفداء حسب الفكر الكتابي والابائي هو نفس فكر نظرية التأثير الأخلاقي كما يدعي البعض أيضا؟!

كما سبق وشرحنا ان هذه النظرية روج لها الأسقف أنسلم الكاثوليكي في القرن الحادي عشر وسأستعين هنا بما جاء في كتاب سر الفداء للأسقف باسيلوس[1]

يقول الأسقف باسيلوس[2]  عن نظرية أنسلم الاتي :

هذه النظرية مبنية على فهم ناموسي لفكرة الارضاء او الاشباع  او  الايفاء وبمقتضى   هذه النظرية فان كل مخالفة للشريعة لا يمكن ان يكفر عنها   الا بعقاب مناسب لخطية الخاطئ يتناسب مع مقام المعتدي عليه وبحسب هذه النظرية فان آدم في عصيانه اهان عظمة وجلال الله واذ كان كانسان غير قادر على إرضاءه  معادلا لمقدار جريمته فلم يكن أمامه  الا ان يموت موتا أبديا هذا ما تقضيه عدالة الله الذي اذ تطلب ذبيحة مساوية لعظمة وكرامة اللاهوت والانسان كمخلوق لا يستطع ان يقدم مثل هذه الذبيحة وان ابن الله فقط المساوي للآب والمعادل له في الكرامة هو الذي يستطيع بواسطة موته على الصليب ان يقدم لله ذبيحة لائقة بعظمته وجلاله ولاجل هذه الغاية صار ابن الله أنسانا اذ اتخذ الطبيعة البشرية ومات على الصليب بإنسانيته وبواسطة موته اوفى مطالب العدل الالهي وبدمه محا الاهانة التي ارتكبها آدم ضد عظمة الله .

وهكذا حسبت استحقاقات ابن الله على الصليب للبشر وتصالح الله مع الانسان والعالم وانطفأت نيران الغضب الالهي .

ثم يوضح الأسقف باسيلوس  تقيمه للنظرية فيقول ان هذه النظرية لا يمكن ان تكون مقبولة في الكنيسة الارثوذكسية لان:

هي نظرية تنظر للخلاص من جانب واحد فقط وهو الجانب القضائي او القانوني

ان هذه النظرية متلونة بالافكار الاقطاعية التي كانت تتميز بها بلدان غرب اوربا في العصور الوسطى

مفهوم  الاهانة ضد عظمة الله وضرورة تقديم إيفاء عنها غريب عن الكتاب المقدس وعلى الفهم الابائي للفداء

ما تقبله الكنيسة الارثوذكسية فهو فكرة ايفاء عدل الله ولكن لا نستطيع ان نوافق على التعارض بين عدل الله ومحبته كقوتين متضادتين تتصارع احداهما مع الأخرى كما في نظرية أنسلم

الصليب ليس مجرد اداة للعقاب والتعذيب فقط . وليس مظهرا لغضب الله على الخطية فقط بل هو ايضا هو ايضا اظهار لمحبته الفائقة وعلامة النصرة والخلاص وهذا ما لا نجد له اي ذكر في نظرية الفداء القضائية التي ليس فيها مكان تقريبا للقيامة .

ثم يذكر الأسقف باسيلوس نقطة هامة جدا حيث يقول:

من الخطأ ان نعتبر المفهوم القضائي للفداء مفهوم خاطئ كلية أنه مفهوم ذو جانب واحد فقط وهو مفهوم ناقص ويتضمن عناصر غريبة عن الكتاب المقدس والتسليم الالهي مثل  الاهانة الموجهة ضد عظمة الله – والتعويض للكرامة الإلهية – وتسكين الغضب الالهي بذبيحة .

ومع ذلك فهي تعبر اساسا عن تعليم موجود في الوحي ولكنها تعبر عنه بطريقة مشوهه فابن الله مات حقا بارداته على الصليب من اجل خطايانا وافتدانا بدمه .

انتهى الاقتباس بتصرف من الكتاب

ولنا بعض الملاحظات الاتية :

أولا  – ان  النظرية القضائية لأنسلم تحمل بالفعل جوانب كتابية ولكنها تعبر عنها بطريقة مشوهه مثل  الاهانة  لعظمة الله او إرضاء الله وهو ما لا يوجد في عقيدتنا كنيستنا

ثانيا – النظرية القضائية وجود مفهوم عدل الله ولكن مشكلة النظرية انها كانت تقول ان هناك صراع بين العدل والرحمة في الله وهو ما لا يوجد في اي تعليم في كنيستنا ايضا بل يتجلى تعليمها في أية المزمور التي تقول الحق والرحمة تلاقيا  مز84.

ثالثا – النظرية تنظر الي عمل الفداء من مفهوم قضائي بحت وهو لا يوجد ابدا في تعليم كنيستنا كتابيا وابائيا فالمحبة هي التي جعلت الله يخلق الانسان ويعتني به ويتجسد من اجله ويخلصه ويفديه ….الخ

رابعا – يوضح الأسقف ان الصليب لم يكن اداة تعذيب  (عقوبة) فقط اي انه كان اداة للتعذيب (العقوبة) ولم يكن وليس مظهرا لغضب الله على الخطية فقط بل اظهار لمحبة الله وعلامة النصرة اي ان الصليب كان إعلان أيضا لغضب الله على الخطية ورفضه له ومشكلة النظرية انها نظرت إليه فقط من هذه الجوانب دون الجوانب الاخرى مثل انه اعلان لمحبة الله لانسان وعلامة النصرة التي تمت بالقيامة المجيدة وبالطبع هذا التعليم لا يوجد إطلاقاُ في كنيستنا القبطية والذي يتجلى في صلواتها وتعليمها ان الصليب محبة وإعلان للنصرة التي تمت بالقيامة المجيدة ….الخ

إذن نظرية أنسلم كما أوضحنا كانت مشكلتها أنها تنظر الي الفداء من جانب واحد وبنظرة مشوهه أيضا وهذا ما لا يوجد إطلاقا في كنيستنا القبطية وتعليمها الذي ينظر وهو الثابت كما ذكرنا في تعليمها وليتورجيتها.

ثالثا- لماذا نرفض نظرية التأثير الأخلاقي او أن الفداء هو حب فقط

ظهرت هذه النظرية كرد فعل على نظرية أنسلم التي انتشرت في الكنيسة الكاثوليكية بشدة وتم الترويج لها من قبل بيتر ابيلارد وهو فيلسوف لاهوتي (القرن الثاني عشر) وعلم بنظريته والتي كانت ضد نظرية أنسلم من ان موت المسيح لم يكن تسديد لدين أو ترضية للآب كما قال وعلم أنسلم  ولم تكن لإرضاء كرامة الله الجريحة وإنما استعراض لمحبة الله وبالتالي يجب على الإنسان ان يبادل الله بنفس هذه الحب.

كما تقول هذه النظرية أن الخطية كانت خاصة بالإنسان وهي مشكلة الإنسان وليست مشكلة الله وان الله محبة والصليب كان محبة والفداء إستعراض محبة ولا وجود لمفاهيم العدل الإلهي أو الموت النيابي عن البشر او العقوبة في هذه النظرية فقط محبة الله هي كل شئ !

وانتشرت هذه النظرية وظهرت في أمريكا في القرن التاسع عشر ويعلم بها اليوم كثير من الروس المحدثين ونجد أن كثير ممن ذهب ليدرس في الخارج علم اللاهوت يتأثر بهذا الفكر جدا ويعتقنه ويعلم به

ومشكلة هذه النظرية أنها نظرت إلي الفداء من جانب واحد فقط دون باقي الجوانب الأخرى وهو جانب حب الله للإنسان وتجاهلت باقي جوانب الفداء وهي استيفاء عدل الله – موت المسيح نيابة عن البشر – أجرة  الخطية الموت وبالتالي كان موت المسيح ثمنا لخطايانا – موت المسيح كان فداء عن موت البشر – رفع حكم الموت عن الإنسان الذي استحق الموت بالخطية .

وقد انتشرت كثيرا هذه النظرية في كتابات الغرب خصوصا في القرون الأخرى وتأثر بها لاهوتيين كثيرين في أوربا وأمريكا حتى في الكنائس التقليدية حتى وصلت لبعض اللاهوتيين الأقباط في السنوات الأخيرة.

وتأثر بها البعض وراح يعلم بان الفداء هو حب فقط ولم يكن موت المسيح نيابة عن جميع البشر مخالفين بذلك تعليم الكتاب المقدس وتعاليم الآباء !

فهل يمكن قبول هذه النظرية في الإيمان بفداء  السيد المسيح؟

هل ممكن أن يكون فداء المسيح وموته على الصليب هو بسبب الحب فقط؟!

اين الفداء وأين العدل الإلهي وأين حكم الموت من هذه النظرية وهذا التعليم؟!

اننا نجد من يعلم بنظرية الحب يتجاهل كل هذه الجوانب الأساسية في فداء السيد المسيح ويتكلمون عن الحب فقط وهم بذلك يشوهون فداء السيد المسيح وعمله ألخلاصي بشكل لا يقل عن التشويه الذي كان في نظرية أنسلم التي يرفضونها !

والحقيقة أن تعليم الكنيسة من خلال الكتاب المقدس والاباء  واضح كل الوضوح بنظرتها الشاملة للفداء وهو بعيد كل البعد عن مثل هذه النظريات الناقصة !

رابعا : تعليم كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في الفداء

أما عن تعليم الكنيسة في الفداء فهو واضح كما ذكرنا كل الوضوح من خلال الكتاب المقدس وتعاليم الآباء والصلوات الليتورجيا وبنظرة فاحصة لهذه التعاليم نكتشف سريعا ما هي هي العقيدة السليمة للكنيسة في الفداء والكفارة بعيدا عن اي تعاليم جديدة غير سليمة وبعيده عن روح الكتاب ومفاهيم إيمان الكنيسة .

أن عقيدة الفداء والكفارة تقوم على أمرين أساسيين وهما:

اعلان محبة الله

عدل الله على الصليب

ولا يمكن أن ننظر إلي الصليب على انه محبة فقط او عدل فقط ولكن الاثنان معا وهذا هو تعليم الكنيسة  وكما قال السيد المسيح نفسه.

لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية (يو 3-16).

والمشكلة التي وقعت فيها نظريات الفداء هي أنها نظرة إلي جانب واحد فقط من جوانب الفداء على الصليب وربما نظرت نظرة بها تطرف سواء نظرية الأسقف أنسلم والذي ركز كل فكره في الترضية والعقوبة او نظرية التأثير الأخلاقي التي نظرت إلي الصليب على انه حب فقط وكلتا النظريتان قد شوهة المعنى الحقيقي للفداء وانحرفوا عن تعليم الكتاب المقدس وتعليم الكنيسة واباء الكنيسة.

اما عن تعليم كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في الفداء فسوف نلخصه في النقاط الآتية بشيء من الشرح حتى نبين ونوضح إيماننا القبطي الأرثوذكسي وان ما يدعيه البعض بان هذا التعليم قد تأثر بالتعليم الغربي هو محض افتراء .

مفهوم الفداء

لكي نفهم الفداء وعمله يجب ان نعرف أولا لماذا تجسد الله فالتجسد كان لصنع الفداء والفداء كان هدفه الاول هو خلاص الانسان بعد ان سقط في الخطية ونال عقوبة خطاياه واستحق الموت فكان التجسد الالهي والفداء لخلاص الانسان . والفداء هو أن تموت نفسا عوضا عن نفس ونجد هذا المفهوم في الكتاب المقدس كله منذ بداية الخليقة مرروا بتقدمة الذبائح عند الآباء البطاركة الاولين ثم خيمة الاجتماع ثم المذبح مفهوم سفك الدماء وهو أن نفس بريئة تموت من اجل نفس مذنبة وهو ما كان يحدث في الذبيحة والتي تقدم لتموت عوضا عن الإنسان الخاطيء .

وجميع هذا الذبائح والتقدمات كانت عبارة عن رموز لتوصيل المعنى الحقيقي للفداء الذي سيصنعه الابن المتجسد وكانت كتمهيد للبشرية لقبول فكرة أن الله يموت عن البشر وجاء العهد القديم مليء بالايات والنبؤات والرموز في هذا المعنى .

تجسد الله

لماذا تجسد الله؟

عندما نفهم لماذا تجسد الله من خلال الكتاب المقدس وتعاليم الاباء ندرك وقتها المفهوم الحقيقي للفداء الذي صنعه الرب وندرك جميع جوانبه وليس جانب واحد فقط .

فبعد سقوط آدم في الخطية استحق حكم الموت ونال نتيجة أكله من الشجرة العقوبة وهي الموت بانواعه الموت الروحي وهو الإنفصال عن الله والموت الجسدي وهو أنه تراب وإلى التراب يعود والموت الابدي وهو الهلاك في بحيرة النار والكبريت.

وهكذا بخطية آدم دخل الموت إلي العالم وكما يقول بولس الرسول

من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع رو 12:5

ومن خلال تعاليم البابا أثناسيوس نستطيع أن نلخص السقوط ونتائجه في النقاط الاتية:

معضلة السقوط

وهكذا نجد ان الله خلق الانسان على صورته فخالف الوصية فساد عليه الموت سيادة شرعية وفسدت طبيعته وصار سلطان الفساد على كل الجنس البشري

لم يكن ممكنا ان يترك الله الصالح المحب في صلاحه وحبه الانسان المخلوقت على صورته ليهلك وييصير تحت سلطان الفساد والموت ويرجع الي عدم الوجود

اهمال الله لا يتفق مع صلاحه ولا مع قدرت بل يعلن ضعفه

ولكن في نفس الوقت لابد ان يتم حكم الموت على الانسان فهو عقوبة الخطية العادلة . فالانسان ورط نفسه بالتعدي فوقع عدلا تحت حكم الموت لذلك يلزم ان يتم الموت ايفاء لمطلب الله العادل.

خطية آدم

كانت  نتيجة خطية آدم هي ان طبيعة الانسان تلوثت  بالخطية واصبحت طبيعة خاطئة فاسدة وايضا نال آدم حكم الموت واصبح مستحق لهذا الحكم الالهي.

فقد ورثنا خطيئة آدم عندما اخطأ لاننا كنا فيه وقت سقوطه وبالتالي سقطتنا معه ومتنا معه واخطئنا معه لذلك استحققنا العقوبة وحكم علينا بالموت ونلنا فساد الطبيعة التي لحق بطبيعة آدم بعد السقوط وذلك لاننا كنا فيه.

وفي ذلك يقول القديس أثناسيوس الرسولي : “لاجل هذا إذن ساد الموت أكثر وعم الفساد على البشر وبالتالي الجنس البشري (حيث في آدم كل ذرية الجنس البشري) سائرا نحو الهلاك”[4].

أيضا يقول البابا أثناسيوس عن كوننا كنا في آدم:#_ftn4″لأنه وإن كان آدم وحده قد خًلق من التراب , الا انه توجد فيه كل ذرية الجنس البشري”[5].

ويكرر نفس المفهوم قائلا :

“لأنه مثلما سقط آدم في العصيان فان الخطية قد اجتازت إلى جميع  الناس” (رو 12:5).

وهكذا حينما صار الرب انسانا وحطم الحية فان قوته العظيمة قد انتقلت الي جميع الناس[6].

بل والاكثر من ذلك نجد القديس أثناسيوس الرسول يضع التحرير من خطيئة آدم الأولى او الأصلية احدى شروط تجسد المسيح وتقديمه ذبيحة من اجل خلاص البشر فيقول:

وبعدما قدم براهينا كثيرة على الوهيته بواسطة اعماله في الجسد فانه قدم ذبيحته عن الجميع فاسلم هيكله للموت عوضا عن الجميع

أولا : لكي يبررهم ويحررهم من المعصية (الخطية) الأولى

ثانيا لكي يثبت انه اقوى من الموت مظهرا جسده الخاص انه عديم الفساد وانه باكورة لقيامة الجميع

ونال كل ابناء آدم هذه العقوبة وهذا الحكم ايضا لاننا جميعا كنا في صلب آدم ومن آدم خرجنا فورثنا خطية آدم وطبيعة آدم الخاطئة الفاسدة وورثنا ايضا حكم الموت ودخل الشر الي العالم واصبحت شرور الانسان لا تنتهي ويلخص البابا أثناسيوس الرسولي في سقوط الانسان واستحقاقه للموت قائلا :

واعطاهم وصية حتى اذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا الم ولا هم بالإضافة الي الوعد بالخلود في السماء اما اذا تعدوا الوصية وارتدوا عن الخير وصاروا اشرار فليعلموا انهم سيجلبون الموت على انفسهم حب طبيعتهم ولن يحيوا بعد في الفردوس بل يموتون خارجا عنه ويبقون الي الابد في الفساد والموت وهذا ما سبق ان حذرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلا : من جميع شجر الجنة تأكل اكلا واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لانك يوم تأكل منها موتا تموت ” وموتا تموت لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط بل البقاء في فساد الموت الي الابد[7] .

 

ولكن الله بمحبته لم يدع الانسان يهلك فليس هذا الهدف الذي من اجله خلق الله الانسان فكانت خطة الخلاص وقد مهد الله في العهد القديم لهذا التجسد الالهي واعطى شعب بني اسرائيل النبؤات والرموز الكثيرة جدا عن هذا التجسد حتى جاء ملء أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ غل 4:4

اذن لقد تجسد الله لكي يخلص الانسان من خطاياه وكما قال الملاك الملاك ليوسف الصديق عندما ظهر له قائلا :  لا تخف ان تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم». مت 22:1

هذا المخلص الذي تنبأ عنه الكتاب المقدس كثيرا وانتظره شعب بني إسرائيل وتهلل وفرح بميلاده الكثيرين من المنتظرين خلاص الرب وكما بشر الملاك الرعاة بميلاد السيد المسيح قائلا لهم :

فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: 11 انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. لو 10:2

بل وفي قانون الإيمان المسيحي ا نصلي فيه ونعترف بايماننا قائلين :

هذا الذي من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القد ومن مريم العذراء

كذلك نصلي في القداء الالهي قائلين:

“هذا الذي اسلم ذاته فداء عنا إلى الموت” الذى تملك علينا.

وهكذا كان الهدف والغاية الاولى والاهم من تجسد الله هو خلاص الانسان وفداءه بالموت عنه على خشبة الصليب

والخلاص هنا من امران وهما:

خلاصه من الموت وحكم الموت الذي استحقه

خلاصه من الطبيعة الفاسدة التي لوثت بالخطية بعد السقوط

وهذا هو مفهوم الخلاص الذي شرحه البابا أثناسيوس الرسول وكان واضح جدا في تعاليمه

فالخلاص كان لسببين هامين وهما:

إيفاء الدين المستحق على الجميع وهو حكم الموت الذي اصدره الله واستحقه الانسان بعد سقوطه ومخالفته وصية الله.

تجديد طبيعة الانسان التي فسدت واعادتها الي الصورة الالهية الي حالتها الاولى.

إذن موت المسيح على الصليب كان نيابة عن البشر جميعا لإيفاء الدين المستحق عليهم واستيفاء العدل الالهي ورفع حكم الموت وأيضا لتجديد الطبيعة البشرية التي فسدت بالخطية وبعد السقوط.

اما عن حكم الموت الذي استحقه الانسان بالسقوط وكان يجب ان يتحقق في الانسان فكان التجسد الالهي والصلب والقيامة ليموت الكلمة المتجسد نيابة عن البشر وعوضا عن الجميع يقول البابا أثناسيوس الرسولي الأتي :

واذ رأى (الله) الجنس البشري العاقل يهلك وان الموت يملك عليهم بالفناء وإذ رأى أيضا أن عقوبة التعدي (الموت) قد خلدت الفناء فينا وأنه من غير اللائق أن يبطل الناموس قبل أن ينفذ وإذ رأى ايضا عدم اللياقة فما هو حادث بالفعل وهو ان الخليقة التي خلقها هو بنفسه قد صارت إلى الفناء … وإذ رأى أن كل البشر تحت سلطان الموت فإنه رحم جنسا وأشفق على ضعفنا وتراءف على فسادنا وإذ لم يحتمل أن يرى الموت وقد صارت له السيادة علينا لئلا تفنى الخليقة ويتلاشى عمل الله فقد اخذ لنفسه جسدا لا يختلف عن جسدنا[8].

أما عن موت المسيح عوضا عن الجميع او عن  الجميع فيقول القديس أثناسيوس ايضا:

وهكذا إذ إتخذ جسدا مماثلا لطبيعة أجسادنا واذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد فقد بذل جسده للموت عوضا عن الجميع وقدمه للآب. كل هذا فعله من اجل محبته للبشر .

أولا: لكي اذ كان الجميع قد ماتوا فيه[9]  فانه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء وذلك لان سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب فلا يعود للموت سلطان على اجساد البشر (المماثلة لجسد الرب)

ثانيا: وايضا لان البشر الذي رجعوا الي الفساد بالمعصية يعيدهم الي عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد الذي جعله جسده الخاص وبنعمة القيامة يبيد الوت منهم كما تبيد النار القش[10].

ايضا يوضح القديس أثناسيوس الرسول انه لم يكن من الممكن ان يتم القضاء على فساد البشرية سوى بموت السيد المسيح نيابة عن الجميع.

وانه قد قدم جسده ذبيحة لأجل الجميع فيقول:

لهذا اتخذ لنفسه (الكلمة) جسدا قابلا للموت حتى انه عندما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع يصبح جديرا ليس فقط ان يموت عن الجميع بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به ومن ذلك الحين فصاعدا يمنع الفساد من ان يسرى في جميع البشر بنعمة القيامة من الاموات.

لذلك قدم للموت ذلك الجسد الذي اتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عي وببذله الجسد كتقدمة مناسبة فانه رفع الموت فورا عن جميع نظرائه البشر.[11]

ايضا يوضح أن موت المسيح كان فدية وإيفاء لدين الجميع قائلا :

ولأن كلمة الله هو فوق الجميع فقد كان لائقا أن يقدم هيكله الخاص وإداته البشرية فدية عن حياة الجميع موفيا دين الجميع بموته وهكذا باتخاذه جسدا مماثلا لجسد البشر وبإتحاده بهم فإن إبن الله عديم الفساد ألبس الجميع عدم الفساد بوعد القيامة من الأموات[12].

أيضا يؤكد القديس أثناسيوس ان موت السيد المسيح كان ليوفي الدين بدلا منا فيقول:

لاجل ذلك فان كلمة الله الكامل قد لبس الجسد الناقص … لكي بعد ان يوفي الدين بدلا منا يكمل بنفسه ما هو ناقص عند الانسان فالانسان ينقصه الخلود والطريق الي الفردوس[13].

وفي عبارة رائعة حاسمة يوضح ايضا القديس أثناسيوس الرسولي هدف الخلاص قائلا:

“ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع اذ كما بينا سابقا كان الجميع مستحقين الموت فلاجل هذا الغرض جاء المسيح بيينا وبعدما قدم براهينا كثيرة على الوهيته بواسطة اعماله في الجسد فانه قدم ذبيحته عن الجميع فاسلم هيكله للموت عوضا عن الجميع.

أولا : لكي يبررهم ويحررهم من المعصية الاولى.

ثانيا: لكي يثبت انه اقوى من الموت مظهرا جسده الخاص انه عديم الفساد وأنه باكورة لقيامة الجميع[14].

كذلك يقول ايضا :

والآن اذ قد مات مخلص الجميع نيابة عنا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت (بحكم) الموت  الذي كان سابقا حسب وعد الناموسى لأن هذا الحكم قد أبطل وبما ان الفساد قد بطل وأبيد بنعمة القيامة فإننا من ذلك الوقت وبحسب طبيعة أجسادنا المائتة ننحل وفي الوقت الذي حدده الله لكل واحد حتى يمكن ان ننال قيامة أفضل[15].

وهكذا من خلال تعاليم القديس أثناسيوس الرسولي نستطيع أن نستخلص الحقائق الإيمانية في الخلاص والفداء في الآتي :

أولا: الانسان سقط بكامل ارادته وبعد السقوط وكانت نتيجة سقوط الإنسان هي فساد الطبيعة البشرية وتشويه الصورة الإلهية التي خلق بها الإنسان وايضا نال العقوبة وهي حكم الموت وهو دين مستحق على الجميع كان يجب أن يستوفى

ثانيا: لم يترك الله الانسان للهلاك ولكنه وضع له خطة الخلاص بالتجسد الالهي من اجله

ثالثا: لم تكن التوبة كافيه لخلاص الانسان فالتوبة غير كافية عن إيفاء الدين الذي على الإنسان وهو حكم الموت وأيضا لا تستطيع أن تجدد الطبيعة البشرية التي سقطت.

رابعا: كان لحل هذه المشكلات هو تجسد الكلمة في جسد بشري مماثل لاجسادنا في كل شيء ما عدا الخطية لكي يموت عن البشر نيابة عنهم لايفاء الدين الذي عليهم ولتجديد الطبيعة البشرية التي فسدت وأيضا لتحريرهم من المعصية الاولى وهي خطية آدم التي ورثها كل ابناء آدم بالطبيعة لانهم كانوا في آدم وقت سقوطه .

خامسا: كان موت السيد المسيح الخلاصي على خشبة الصليب هو موت نيابة عن الجميع – عوضا عن الجميع – بدلا عن الجميع.

وهكذا من خلال تعاليم الكتاب المقدس وابينا البابا أثناسيوس الرسول وكما اوضحنا وجدنا أن موت السيد المسيح كان عوضا عن جميع البشر ونيابة عن الكل وذلك لايفاء العدل الالهي ورفع حكم الموت المستحق على آدم وجميع بنيه لتجديد الطبيعة البشرية بموت المسيح وبقيامته التي فسدت بالخطية او المعصية الاولى .

هذا هو تعليم كنيستنا وإيمانها في التجسد والخلاص والفداء  تعليم شامل وواضح يقوم على الكتاب المقدس وتعاليم الآباء.

تعليم يقول بموت السيد المسيح الكفاري فداء عن البشر وعوضا عن البشر ونيابة عن البشر .

تعليم يقول بان هناك عقوبة نالها الانسان بعد السقوط وان هناك حكم موت وهناك عدل إلهي كان يجب ان يتم استيفاءه فكان موت المسيح النيابي عنا.

تعليم يقول ان ان موت السيد المسيح كان لتبررينا ولتحررينا من المعصية الأولى أو الخطية الأولى.

تعليم لا يقول أبدا أن الفداء أو موت المسيح هو حب فقط أو كان لإرضاء كرامة الله الجريحة فهذه تعاليم مشوهه عن الفداء وهي تعاليم حديثة ولا علاقة لتعليم كنيستنا القبطية الأرثوذكسية فتعليم كنيستنا مبني على تعاليم الكتاب المقدس وتعاليم الآباء.

هل كنا في المسيح وقت الصلب  ووقت الصعود؟

هل مات السيد المسيح وحده وفدانا ام متنا معه وصلبنا معه ودفنا  معه وصعدنا معه إلي السماء  كما يعلم البعض اليوم؟

يستند البعض على بعض الآيات  او  اقوال القديس أثناسيوس  وبعض اقوال الاباء الاخرى والتي تقول اننا كنا فيه (المسيح) وقت موته ويعتمدوا على ذلك ويقولوا اننا صلبنا معه وقمنا معه واجلسنا معه في السماويات ويفسروها بتفسير حرفي اننا كنا بالفعل فيه !

فهل حقا نحن كبشر منذ آدم والي المجيء الثاني كنا في جسد المسيح بشكل مادي وحرفي؟

وان كان الأمر هكذا كما يقول البعض فيجب ان نستوضح الاتي :

هل كل البشر قبل مجيء المسيح وبعده كانوا في المسيح؟

كيف يكون في المسيح اشخاص ماتوا واشخاص لم يولدوا بعد؟

كيف يكون في المسيح وقت الصلب اشخاص انكروا ايمانهم به واشخاص هاجموه واشخاص كانوا سبب في صلبه؟

كيف يكون في المسيح اشخاص يهلكون فيما بعد لان كما يقول هؤلاء كان كل البشر فيه وبالطبع ليس الجميع سيخلص وليس الكل سيكون له نصيب في الابدية بل سيكون هناك الكثير في جهنم يهلكون فكيف يكون شخص كان في المسيح مات وقام معه ويكون نصيبه الهلاك؟!

أيضا اليس هذا الفكر هو ضد تعاليم الكتاب المقدس وتعاليم الاباء التي تقتصر الخلاص فقط على كل من يؤمن به فكيف يكون الجميع قد مات في المسيح؟

كذلك ان كنا متنا مع المسيح وقت الصليب وقمنا معه فلماذا المعمودية اذن؟ ولماذا الجهاد اذن؟ ولماذا حياة التوبة اذن؟ ان كنا اشتركنا معه في الصلب والقيامة وجلسنا معه في السماويات؟!!

بالطبع هذه الاسئلة توضح لنا عدم منطقية هذا الفكر وستحالة قبوله كتابيا وايمانيا .

اذن ماذا تعني عبارة كنا فيه او اجلسنا معه في السماويات إلي اخره من هذه العبارات التي يسيء البعض استخدامها ويفسرها تفسير منحرف عن معاني وقصد كاتبها.

الحقيقة مفتاح هذه العبارة هو ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه تجسد الكلمة عندما قال:

“والآن إذ قد مات مخلص الجميع نيابة عنا فإننا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت بحكم الموت الذي كان سابقا حسب وعد الناموس لأن هذا الحكم قد أبطل.[16]

اذن كما يوضح القديس أثناسيوس ان المسيح مات نيابة عنا جميعا ونحن الذين نؤمن به لن نموت لان الحكم قد ابطل.

إذن الشرط هنا لكي لا نموت هو إيماننا بالسيد المسيح وبدون هذا الإيمان يستمر على الإنسان الغير مؤمن حكم الموت سائر ولا يستفيد بالخلاص الذي صنعه الرب.

نعم لقد مات المسيح من أجل الجميع مات نيابة عن كل البشر ولكن من الذي سيخلص فقط كل من يؤمن به وكما قال رب المجد نفسه في انجيل يوحنا.

لانه هكذا احب الله العالم لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية (يو 16:3)

كذلك قال أيضا الذي يؤمن بالابن له حياة ابدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله (يو 18:3)

ومن كلمات السيد المسيح نكتشف ان الايمان هو شرط الخلاص وبالتالي بدون ايمان لا ينال الانسان أي من مفاعيل هذا الخلاص الذي صنعه السيد المسيح

لن ينال العفو من حكم الموت المستحق على جميع البشر

لن ينال الطبيعة الجديدة التي جددها السيد المسيح واعادها إلي حالتها الاولى بموته على الصليب

ويبقى الانسان غير المؤمن على صورته التي تشوهت بالخطية ويظل عليه حكم الموت ويمكث عليه غضب الله !

فكيف يقول البعض ان الكل مات في المسيح وكان في المسيح؟! انه كلام ضد الكتاب وضد الايمان بل انه ضد العقل والمنطق

اننا بالايمان ننال كل استحققات الخلاص وكما قال القديس أثناسيوس لن نموت بحكم الموت لان هذا الحكم قد ابطل بموت المسيح عنا فقط عندما نؤمن .

فبالايمان ننال الخلاص من حكم الموت

ولكن كيف نموت في المسيح

كيف نفهم هذه العبارة اننا متنا فيه

الحقيقة ان هذا العبارة تعني

ان السيد المسيح عندما اخذ جسدا مماثلا لاجسادنا البشرية بكل ما فيها واتحد هذا الجسد بالكلمة اصبح هذا الجسد ممثل عن جميع البشر وعندما مات اصبح موته فداءا وخلاصا لكل البشر مات عن الجميع ونيابة عن الجميع ولكن ليس الجميع سينال الخلاص لكن فقط المؤمنين باسمه

فالمسيح بتجسده صار نائبا عن البشرية كلها وصار ممثلا للبشرية كلها وصار موته نيابة عن البشرية كلها ومن هنا نفهم عبارة كنا فيه كنا فيه كالبشرية كلها التي تجسد من اجلها السيد المسيح وخلصها على خشبة الصليب كنا فيه بمعنى ان السيد المسيح اخذ طبيعتنا البشرية الضعيفة ومات بها وقام من بين الاموات واعطانا السلطان والقوة ان ننال هذا الخلاص بالايمان به والمعمودية على اسمه

فقبل تجسد الله وموته الخلاصي لم يكن ممكنا ان ننال كل هذه العطايا التي نالها المؤمنين باسمه .

وهكذا نفهم الاية التي قالها بولس الرسول

“آية (أف 2: 6): وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، ”

انه ككمثل للبشرية وكباكورة الراقدين قام من الاموات وصعد إلي السموات ونحن مثله في يوم القيامة سنقوم أيضا من الاموات ونجلس في السموات ويشرح القديس كيرلس الكبير هذا المعنى عندما يقول :

” هو نفه قد سبق بالجسد البشري لكي يظهر في السماء بطريقة غريبة ولا تخطر على بال وهذا قد فعله لحسابنا ومن اجلنا ”

أيضا يقول : ” وهكذا ينقل مجد البنوة إلي كل جنس البشر من خلال نفسه فبظهوره في هيئة انسانية فان هذا يعني انه لا يزال واحد منا نحن البشر في جلوسه عن يمين الله الاب رغم انه اعلا بما لا يقاس فوق كل الخليقة … لذلك فهو قد قدم نفسه كانسان للآب نيابة عنا . وذلك لكي يعيدنا نحن الذين طرحنان عبيد عن الاب بسبب التعدي القديم[17].

أيضا يقول القديس كيرلس :

“المسيح يضعنا امام وجه الاب بصعوده إلي السماء كباكورة للبشرية لانه كما انه الذي هو نفسه الحياة بطبيعته يقال عنه انه مات وقام لأجلنا هكذا أيضا رغم انه هو الذي يرى اباه دائما فانه يقال عنه انه يظهر امامه الان كانسان أي حينما اتخذ الطبيعة البشرية فهو يظهر امامه الان كانسان أي حينما تخذ الطبيعة البشرية فهو يظهر امامه ليس لأجل نفسه بل لأجلنا[18].

أيضا يوضح القديس كيرلس ان صعود السيد المسيح كان كباكورة لصعودنا نحن فيقول:

ربما انه كان لا يزال هناك امر واحد لم يتم بعد في تدبيره لأجلنا فان صعودنا إلي السماء قد اعد لأجلنا في المسيح الذي هو الباكورة وأول من صعد إلي السماء من البشر لأنه صعد إلي هناك كسابق لنا.[19]

و وهكذا يوضح لنا القديس كيرلس معنى الاية اننا صعدنا معه في السمويات انه باكورة لنا وانه جلس بنفس طبيعتنا البشرية التي اخذها السيد الرب في تجسده

كذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أيضا:

حقًا إنه إلي الآن لم يقم أحد فعلًا إلاَّ الرأس الذي قام فقمنا نحن معه، وذلك كما سجد يعقوب ليوسف فقيل أن زوجته أيضًا سجدت معه

بنفس الطريقة يُقال: “أجلسنا معه نحن أيضًا”، فإذ يجلس الرأس يجلس الجسد أيضًا معه، لهذا أضيف: “في المسيح يسوع[20]

أيضا يقول القديس امبروسيوس

نحن نجلس فيه بأخذه طبيعتنا الجسدية[21]

اذن من خلال تعاليم اباء الكنيسة نفهم ان  عبارة كنا فيه او اجلسنا معه في السماويات حيث ان  السيد المسيح كممثل لنا نحن البشر ولانه اخذ نفس طبيعتنا الجسدية وكرأس وباكورة للبشر  هذا هو المفهوم الصحيح  وليس بالمعنى الحرفي الذي ينادي به البعض اليوم!

أيضا يناقض هذا الفكر بما تعلم به الكنيسة بخصوص المعمودية وقول بولس الرسول عندما يقول :

مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَات

(كو 2: 12)

بالعمودية هي الوسيلة التي وضعها لنا رب المجد لننال بها مفاعيل الخلاص ننال بها الموت والميلاد الجديد مع المسيح.

ننال بها الخلاص من حكم الموت لاننا في المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه بالطبيعة الجديدة طبيعة تحررت وتبررت من معصية (خطية) آدم الاولى كما يقول البابا أثناسيوس الرسول

ننال سكنى الروح القدس فينا بعد ان تغفر لنا خطايانا

وكما نصلي في قانون الايمان

نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا

مغفرة الخطية الاولى التي ورثناها من ابونا آدم

ومغفرة الخطايا الفعلية التي فعلها الانسان قبل ان يؤمن ويتعمد على اسم المسيح.

فان كنا قد متنا وقمنا مع المسيح حرفيا كما يقول البعض فاذن ما لزوم المعمودية؟

وكيف نموت مرة اخرى في المعمودية؟!

وهكذا يتضح لنا خطأ هذه التعاليم والتي هي ضد تعاليم الكتاب المقدس وتعاليم الاباء وتعاليم الكنيسة .

وفي النهاية يتضح لنا كيف ان تعاليم كنيستنا تكشف لنا المعاني الحقيقية والمفاهيم الصحيحة في التجسد والخلاص وموت المسيح الكفاري بعيد عن نظريات حديثة او تعاليم غريبة .

ولالهنا المجد الدائم إلي الابد امين .

عصام نسيم

المراجع

الكتاب المقدس

كتاب تجسد الكلمة د جوزيف موريس فلتس اصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائية الطبعة الثالثة 2004

ضد الاريوسيين المقالة الاولى للقديس أثناسيوس الرسولي – ا صموئيل كامل و د نصحي عبد الشهيد اصدار مركز دراسات الاباء بيت التكريس 1984

المقالة الثانية ضد الاريوسيين ترجمة ا صموئيل كامل د نصحي عبد الشهيد  ابريل 2004

تفسير انجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير اصدار مؤسسة القديس انطونيوس

تفسير الرسالة إلي افسس القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب الخلاص عن القديس أثناسيوس د جوزيف موريس فلتس

كتاب سر الفداء للمطران باسيلوس رئيس اساقفة بروكسيل ترجمة د نصحي عبد الشهيد

[1] كتاب سر الفداء للاسقف باسيلوس وهو رئيس اساقفة ومطران بروكسل وبلجيكا للروم الارثوذكس ترجمة د جوزيف موريس فلتس الناشر بيت التكريس لخدمة الكرازة 2012.

[2] الغرض من الاستعانة بكاتب من خارج الكنيسة القبطية هو الحياد في المرجع وتوضيح فكر نحو نظرية انسلم وتقيمها من خارج كنيستنا القبطية الارثوذكسية .

[3] كتاب الخلاص عند القديس اثناسيوس د نصحي عبد الشهيد ص 19 ,21,20

[4] تجسد الكلمة  1:6

[5] المقالة الثانية ضد الاريوسيين فقرة 48

[6] المقالة الاولى ضد الاريوسيين فقرة 51

[7] تجسد الكلمة فصل 5:3

[8] تجسد الكلمة 2:8

[9] سنوضح لاحقا معنى عبارة اننا كنا فيه

[10] تجسد الكلمة 4:8

[11] تجسد الكلمة 1:9

[12] تجسد الكلمة 2:9

[13] ضد الأريوسيين 66:2

[14] تجسد الكلمة 2:20

[15] تجسد الكلمة 1:21

[16] تجسد الكلمة فصل 1:21

[17] تفسير انجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير ص 144

[18] تفسير انجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير ص 322

[19] المصدر السابق

[20] تفسير الرسالة إلي افسس الاصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

[21] المصدر السابق