رؤية تاريخية للأديرة المندثرة بمحافظة البحيرة – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
التصنيفات تاريخ مصر والكنيسة القبطية, دراسات مجمعة في التاريخ, قسم التاريخ
الأماكن مطرانية البحيرة والخمس المدن الغربية
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 5 من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
2MB

رؤية تاريخية للأديرة المندثرة بمحافظة البحيرة.

Table of Contents

أن الرهبنة القبطية بحق، هى هدية مصر للعالم. ولآن المصري بطبعه يميل الى التدين، وتصفو صفوة المتدينين منهم إلى حياة روحية أعمق، فإنه يسعى إلى التخلص من المشاغل العالمية والأهتمامات المادية ليتفرغ للخلوة والتأمل. وفي مصر وفي محافظة البحيرة تحديدًا وفي وادي النطرون بأكثر تحديد بدأت الحياة النسكية المصرية بصورة غير منظمة متمثلة في حركات فردية لحياة الخلوة على أطراف المدن في عهد الأمبراطور أنطونيوس بيوس (138 – 161م). بقيادة شخص اسمه "فرونونيوس، الذي قرر هجر العالم هو وسبعون من رفاقه الى وادى النطرون. ولكن أثبتت لهم الخبرة أن الأنطلاق المطلق هو فوق طاقة الأنسان، فقالوا لمريديهم وعلّموا زائريهم أن الحياة الجماعية أضمن لطريق النسك وكمال العبادة وخصوصًا لذوي الأمزجة والطباع البسيطة، ومن هنا ظهرت فكرة بناء الأديرة التى تجمع مجموعة من النساك حول أب مختبر للحياة الروحية ومحنكًا في دروب الحياة وسط الجبال ليرشدهم في حياة سوية في الأنطلاق لله.

أولا: مـصادر تأريـخ الرهبنة والأديرة القبطية

ونود في مستهل حديثنا عن الأديرة المندثرة في محافظة البحيرة وخاصة في وادي النطرون الإشارة لأهم الكتابات التي تؤرخ للرهبنة القبطية وحياتها وعمارتها وزخائرهاوأصولها وبعض أشارات عن الأديرة المندثرة:

أ: مؤرخون قدامى:

بالليديوس:

وهو صاحب "التاريخ اللوزياكي"، أعتنق أخاه وأخته الحياة الرهبانية ثم أنضم هو أيضا لهذا السلك الروحاني، مضي إلى مصر عام388م ليتعرف على حياة نساكها، وذهب إلى نتريا والقلالي حيث ظل فيها تسع سنوات، وعاد للأسكندرية للعلاج ثم عاد لفلسطين ثم جاء منفيًا إلى سيناء وبقى بعدها فترة فى الصعيد، ولم يصلنا أى خبر عن وفاته ولكننا نستشف تاريخ وفاته في حوالي431م ويعد كتابه أهم الكتب الرهبانية لشاهد عيان عاصر أزهى عصور الرهبنة.

يوحنا كاسيان:

أنضم في شبابه المبكر إلى دير في بيت لحم، ثم جاء إلى مصر ليتتلمذ على نساكها العظام، وقد وضع كتابان فيهما خلاصة خبرة ما أستلمه من نساك مصر أولهما كتاب: "المؤسسات Institutes" وثانيهما كتاب: "المحادثات أو المناظرات Conferences". ففي الكتاب الأول أشار إلى القوانين الرهبانية وناقش وسائل التغلب على ثمانية معوقات تواجه الراهب في حياته. ويُعتبر أساس اكثير من قوانين رهبنة الغرب. وفي الثاني يسرد آحاديثه مع كبار آباء الرهبنة، وجعله القديس بندكت فيما بعد كتاب القراءة اليومية لكافة الرهبان الخاضعين له.

روفينوس:

تكمن أهميتة في أنه ترجم كتاب "تاريخ الكنيسة" ليوسابيوس القيصري مع أضافة بعض التعليقات له. بالأضافة لترجمة كتب اللاهوت إلى اللاتينية ومنها كتب أوريجانوس.

جيروم:

هو باحث واسع المعروفة بجانب كونه ناسكًا وزاهدًا ومفسرًا للأنجيل، فاقت شهرته كمؤرخ كنسي وأعماله التى تنم على أتساع معرفته، فقدم للعالم ترجمة لاتينية لكتاب يوسابيوس، كما كتب سيرة الأنبا بولا أول السواح، أما الكتاب الثمين الذي يخّصه هو "مشاهير الرجال" وهو تاريخ حياة الكتّاب الكنسيين. كما ترجم كتابات أوريجانوس وديديموس، وله خطابات لها أهمية عقائدية بالغة.

سوزمين:

مؤرخ عظيم ساورته فكرة أستكمال كتاب يوسابيوس القيصرى حتى الزمن الذي عاش فيه، وأتم عمله هذا في تسعة مجلدات غطت تاريخ الحقبة من 323م إلى سنة425م، وآرخ للرهبنة وأنتشار المسيحية، والاحداث السياسيه السائدة بأسلوب شيق وكتب عن المجادلات اللاهوتية المعاصرة له لكن قدرته كانت محدوده في إستيعاب تلك المباحثات. ويتشابه مع كتابه تأريخ سقراط (380 - 450م)، إلا أن سقراط أظهر نبوغًا ودقة أكثر من سوزمين. وتُرجما عملاهما مؤخرًا إلى العربية.

ب: مؤرخون في العصور الوسطى:

ابن دقماق (توفي سنة1406م)

هو مصري واسع الأضطلاع والعلم، له كتاب "وصف بلاد مصر" وكثير من الحقائق التي حفظها ابن دقماق في كتابه، لم يسبقه إلى ذكرها أحد، وهى من أروع ما كُتب، ولاسيما ما كان منها في وصف آثار الفسطاط والأسكندرية. وله أيضًا "الأنتصار بواسطة عقد الأمصار" وطُبع في بولاق سنة 1893م.

القلقشندي (توفى سنة 1418م)

هو شهاب أحمد بن على، وله كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، فيه روايات عن أخبار الرهبنة والأديرة.

المقريزى (1365 - 1441م)

هو تقي الدين أحمد بن على. وكان عظيم الخُلُق، يناصر الحق ولا يهادن فيه. كّرس حياته في التأليف، وكتابه "المواعظ والأعتبار بذكر الخطط والآثار" في جزأين، هو آثر نفيس يحوي الكثير من الروائع التاريخية والأثرية في مصروما حل بالأقباط منذ دخول العرب وحتى القرن الخامس عشر، وهو من أعظم المراجع لكننا لا نستطيع أن نصفه بالدقة رغم كثرة أخباره.

أبى المكارم:

هو أبي المكارم سعدالله جرجس مسعود، صاحب مؤلف "كنائس وديارات مصر" ويمدنا بأوفى معلومات عن الأديرة في القرن الثاني عشر في إنحاء مصر. ومع أنه مصدر تاريخي موثوق به إلا أن كتابات أبي المكارم يعتريها بعض الضعف وتكرار الأسماء وأختلاط الأماكن وعدم التنسيق، لكن المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر بذل جهدًا مضنيًا في إعادة تنسيق وتجميع كتب أبي المكارم وطبعاتها طبعة جيدة.

ساويرس بن المقفع:

من أقوى الشخصيات التى لمعت فى تاريخ الكنيسة، ,ابرز الكُتّاب المسيحيين وأولهم الذين كتبوا باللغة العربية. وتاريخ البطاركة لأبن المقفع لم يكن تاريخًا كنسيًا فقط بل هو تاريخ لمصر والحضارة والعقيدة، وإتقافه للغة اليونانية جعله يتبحر في مصادر قديمة لأستكمال تاريخه، وصداقته مع الشيخ المسلم - الذي تنصر - الواضح بن الرجا جعله يتقن اللغة العربية. وبعد وفاة ساويرس، أكمل مؤرخين آخرين كتابه سير البطاركة منهم: الشيخ موهوب بن منصور الأسكندراني، إبن القلزمي الكاتب، أنبا يوساب أسقف فوه.

ويلي كل هؤلاء من حيث الأهمية التاريخية والأثرية للأديرة "كتاب الديارات" لأبي حسن على بن حسن بن محمد الشابشتى وذكر تسعة أديرة فقط في مصر. وكتاب "معجم البلدان" للمؤرخ ياقوت، و "آثار البلدان" للقزوينى "، وكتاب" مسالك الأمصار "لأبن فض الله العمري. الذين أرخوا لأديرة القرنين الثالث والرابع عشر. وكتاب" نظم الجوهر "لسعيد بن بطريق ويؤرخ لتاريخ المسيحية في مصر منذ أول ظهورها حتى القرن العاشر.

ج: مؤرخون محدثون:

أميلينو:

أن أميلينو يعتبر أهم العلماء الذين قدموا للعالم أكبر كمية من الوثائق القبطية المفحوصة والمحققة والمترجمة فيما يختص بالحياة الرهبانية الأولى. فقد كتب أميلينو عن أباء الرهبنة الكبار وسجّل أقوالهم بدقة، وقّدم أبحاثه عن التاريخ اللوزياكى والتاريخ الرهباني لروفينوس مع مقدمات وتعليقات هامة، ويُعتبر كتابه "جغرافية مصر في العصر القبطي" أهم المراجع التاريخية لجغرافية مصر في العصر المسيحي. وأسهماته في مجال الرهبنة والحياة الديرية كنز ثمين لكل باحث في التراث الرهباني تاريخًا وأثرًا.

بـتـلـر (1858 - 1934)

يعتبر بتلر علامة كاثوليكي من طغمة البندكت. تشبع بروح رهبنة كاسيان، وعشق أفكار اوغسطينوس، كان محبًا للبحوث الرهبانية، دخل جامعة أكسفورد سنة 1896 - 1904 نال بعدها إجازتها، وفي ثقافته المدرسية تأثر بأفكار البرون فون هيجل. كان حاد الذكاء، ضحوكًا، تعين رئيسا لجماعة البندكت في انجلترا ونال الدكتوراة الفخرية. أبحاثه ثمينه في كل المجالات التي كتب فيها.

إيفلين هوايت:

أبحاث إيفلين هوايت فى دراسة الرهبنة القبطية في وادي النطرون تعد نقلة هامة في مجال البحث القبطي، فقد أظهر نبوغًا فائقًا في دراسة الحياة الرهبانية تاريخيًا وأثريًا، وأنهمك في الدراسة والبحث والزيارات الميدانية والحياة وسط الرهبان ليقدم عملاً جليلا قارب على الكمال، وأتم هوايت عمله عن تاريخ ومعمار هذه الأديرة قرب وقت موته حتى أن كتابه الذي نُشر في ثلاث مجلدات ضخمة يُعتبر أعظم وأشمل مرجع تاريخي معماري عن أديرة وادى النطرون قاطبة:

المجلد الأول: يشمل الوثائق التى عثر عليها في مكتبة دير أنبا مقار.

المجلد الثاني: يشمل بحث تاريخي لرهبنة نتريا والقلالي وشيهيت.

المجلد الثالث: ويشمل المعمار الخاص بأديرة وادى النطرون. 3.

القمص عبد المسيح صليب المسعودى البرموسي:

له كتاب رهبانى خالص بعنوان "تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين" عام 1924م، وهو كتاب وافي عن الأديرة القبطية، أستقى معلوماته من مصادر عدة، متسلسل بحسب مواقع الأديرة في مصر.

الأمير عمر طوسون:

وكتابه "وادى النطرون ورهبانه وأديرته" يعد وثيقة معاصره عن أديرة محافظة البحيرة، وملخص ما قام به الأمير عمر جاء فى تقرير سموه ضمن المذكرة التى رفعها في 27سبتمبر سنة1931م لمرقص سميكه باشا: "الأديرة المتهدمة التى أستكشفناها إلى الآن هى سبعة وعشرون ديرًا يضاف إليها أربع أديرة خرابات لا نظن أن لها أثار أديرة قديمة. فتكون واحدا وثلاثون ديرًا يضم إليها الأربعة أديرة العامرة الآن فتكون جملتها خمسا وثلاثين ديرًا. وهذا العدد يقرب من العدد الذي ذكره الأب شينو في كتابه الفرنسي (قديسو مصر ج2 ص215) حيث يقول أن عدد الأديرة بوادي النطرون في وسط القرن العاشر الميلادي سبعة وثلاثين ديرًا". ولم تكن جهود الأمير عمر طوسون مقتصرة على تسجيل الأديرة فى كتابه، بل أهتم بالتنقيب وحفر الآبار ووضع اللوحات البرنزية في مكان أكتشاف الأديرة الخربة.

ثانيًا: الرهبنة القبطية في محافظة البحيرة

وفي محافظة البحيرة ظهرت ثلاث مناطق رئيسية في تاريخ الرهبنة القبطية:

منطقة نتريا كأول شرارة أشعلت النسك فى البرية الغربية كلها فهى أم منطقة القلالي وبرية شيهيت بدون نزاع.... وتبعد حوالي14كم في الاتجاه الجنوبي الغربي لمدينة دمنهور، أسس الرهبنة فيها القديس آمون الذي أخذ لقب "مُدبر العيشة التوحدية" عام 325م، ولم يلبث ان ذاع صيته فيها فتجمع حوله كثيرون من المعجبين بنسكه ووحدته. وهكذا وجد نفسه مضطرا الى تنظيم الحياة الرهبانية وكان ذلك في فجر القرن الرابع الميلادي. وكان آمون قد عاش معتزلا لمدة قاربت اثنين وعشرين عاما.

وأصبح رأس أول جماعة ديرية في برية نتريا، وكانت تصلح أولًا للرهبنة بسبب قربها من الريف، وتوفر الكتان الذي كانوا ينسجوه كعمل يدوي بدل الخوص. زارها الانبا انطونيوس مؤسس الرهبنة.. وبدء فيها انبا مقار اب رهبنة وادي النطرون طريقه النسكي... وتميزت في القرن الخامس بوجود علماء ولاهوتيين بارعين... وتعلم فيها البابا كيرلس عمود الدين (444م) أصول النسك.... وفي تعداد رهبانها أيام روفينوس 374م وصل إلى 3000 راهب ووصل إلى 5000 راهب عام 390م. وكانت الحياة الديرية في منطقة نتريا وسطًا بين حياة الوحده وحياة الشركة، فالراهب يعيش بمفردة لكنه يلتزم بقوانين الجماعة في الصلاة وعمل اليدين وبناء القلالي والكنائس.

وروى لنا التاريخ عن وجود أطباء في نتريا يحييون وسط الرهبان لمعالجتهم، لآن نتريا بها خمسة ألاف راهب تحتاج للأفتقاد والمتابعة الصحية.

وكان في نتريا كنيسة عظيمة، على حد رواية بالليديوس كشاهد عيان، ولكنها لم تكن تستخدم قط إلا في ومي السبت والأحد فقط من كل أسبوع.

وكانت نتريا بمثابة المدرسة الأعدادية للقلالي، فيقضى الراهب فترة روحية للتدرب على حياة النسك فيها ثم ينتقل للتوحد في برية القلالي.

وظلت عامرة بالرهبان حتى القرن السادس.

المنطقة الثانية هى منطقة كيليا التى تقع على مساحة 20 كم طولاً و5كم عرضًا وتحتوى على 1500 مبني رهباني على ثلاثة أحجام:

ا. صغيرة تسع راهب واحد.

ب. متوسطة تسع حتى خمسة رهبان.

ج. ضخم تسع أب شيخ وحوله تلاميذه.

بدأت منطقة القلالي كملحق خاص أو أمتداد روحي وسكني لمنطقة نتريا، ولكن سرعان ما أستحوزت القلالي على شهرة نتريا بسبب ألتزام لسكان فيها بالوحدة المطلقة. وما أن قارب القرن الرابع على الأنتهاء، حتى صارت نتريا مكان إعداد وتلمذة للسكن في القلالي كطقس حياة أعلى.

وقصة تأسيس منطقة القلالي جاءت علي يد القديسين الأنبا انطونيوس والانبا أمون، ولقد ورد ذكرها في كتاب يعرف باسم آباء الصحراء، ونصها مترجم كالتالي "في أحد الأيام جاء القديس الأنبا أنطونيوس ليزور الأنبا آمون في جبل نتيريا وبعد أن تقابلا، قال الأنبا آمون للأنبا أنطونيوس: ببركة صلواتكم قد تزايد عدد الأخوة الرهبان لدرجة أن بعضا منهم يريد أن يبني لنفسه مسكنا في مكان أبعد لينعم بالمزيد من الهدوء. فما المسافة التي تأمرون بها بين القلالي المستقلبية والموجودة حاليا؟ فأجاب أنطونيوس قائلا: لنأكل الساعة التاسعة (ما يقابل الثالثة ظهرا حاليا) وبعدها نخرج لنقطع الصحراء معاينين مكانًا صالحًا. وعنئذ مشيا في الصحراء حتي غروب الشمس. فقال الأنبا أنطونيوس للأنبا آمون: فلنصل وننصب صليبا في هذا المكان للذين يرغبون تأسيس قلاليهم الجديدة، هكذا فان رهبان نيتريا عندما يأتون لزيارة إخوانهم في كليا يكون قد أكلوا طعامهم في الساعة التاسعة وبالمثل للذين في هذا المكان الجديد يحيث يستطيعوا أن يتزاوروا بكل سلام". كما قال عنها سوزومين "وفي داخل الصحراء توجد منطقة تسمي القلالي لا يستطيع أن يري أحدهما الآخر حيث أن كل واحد يسكن بعيدا عن الآخر ويلتقون معا في بداية ونهاية كل أسبوع" ولقد قدر المؤرخون تاريخ بداية الرهبنة في منطقة القلالي عام 338 م تقريبا. وكانت تعتمد القلالي أعتمادًا كليًا على نتريا في معيشتها من حيث غذاء المتوحدين الذين بلغ عددهم في نهاية القرن الرابع ما يقرب من ستمائة متوحد، وكان المتوحدين لا يعرفون أخبار بعض إلا يومي السبت والأحد، فالمريض أو حتى الذي يموت لم تعرف أخباره إلا بسبب غيانه عن حضور الكنيسة يومي السبت والأحد والبعض عُرف بموتهم في اليوم الرابع لما تغيب عن حضور الكنيسة، لذا كان الحضور للكنيسة فى أول الأسبوع أمر هام لا يعطله إلا المرض أو الموت.

ولقد ظلت هذه المنطقة طي النسيان حتي جاءت زيارة "ايفلين هوايت" للمنطقة نحو عام 1930 فبدأ إلقاء الضوء قليلا علي هذه المنطقة. ثم جاءت أبحاث العالم "دي كوسون" الذي عاين المنطقة عام 1936 ثم قام بعمل حفائر فيها ونشر نتيجة أبحاثه عن هذه المنطقة في كتاب بعنوان "The Desert City of EL - Muna" ومعناها "مدينة الصحراء في المني" ثم جاءت حفائر عالم القبطيات الفرنسي "انطوان جيوموه" عام 1964 الذي وجه نداء عالميا لجميع المتخصصين مظهرا قلقه من الخطر الذي يهدد المنطقة من جراء استصلاح الأراضي بغرب النوبارية. وفي العام التالي مباشرة (أي عام 1965) بدأ فريقان من الآثريين العمل في هذه المنطقة، الفريق الأول هو المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، أما الفريق الثاني فهو البعثة الآثرية التابعة لجامعة جنيف بسويسرا.

وقد أوضحت البعثات أن كنائس وقلالي كيليا بٌنيت بطريقة تقليدية بإستخدام الطوب الرملي المصنوع من الرمال المجاورة والذي يعتمد تماسكه على درجة تركي الأملاح فيه. وتعود فيها أقدم المباني إلى القرنين الرابع والخامس بووجود قلالي محيطة بالكنيسة، ولم يتبق من الكنائس إلا النذر اليسير، فمن بين 1500 مبني في كيليا لم تتمكن البعثات إلا من أكتشاف عشرة منها. وأنتهت الحياة الرهبانية في كيليا تدريجيًا بحلول القرن الثامن، إلا أنها تركت تراث فني ومعماري يليق الألتفات إليه للعودة إلى أعمق تجمع رهباني أفرز للعالم كنوز فنية وزخرفية ومعمارية رائعة.

وآخر التسجيلات الزمنية التي عُثر عليها تفيد وجود أخر نبضات حياة رهبانية قائمة في ذلك الزمان، فهو تاريخ نياحة أحد الرهبان وُجد محفورًا في إحدى الطاقات التى كان يٌسجل عليها التذكارات وهو سنة 729م. وبتقارير البعثات في هذه المنطقة يتضح أنها شهدت تجمعات رهبانية لم تشهدها أى من بقاع مصر.

  • منطقة وادي النطرون الممتدة رهبانيا منذ عصر القديس انبا مقار إلى الآن رغم وجود عوامل شديدة لإندثار غالبية الأديرة التى كانت عامره فيها. وعرف أيضًا بمنطقة "الأسقيط" و "برية شيهيت". وكانت شيهيت هى منطقة دير البرموس فقط ببئرها وكنيستها وصخرتها وبحيرة النطرون أو بركة النطرون المتاخمة للدير والمعروفة تاريخيًا باسم "أنابوللوس". وبإمتداد التعمير والسكنى للتجمعات الرهبانية امتدت شيهيت تبعا لذلك فشملت منطقة يوحنا القصير وبيشوى. ولما نزح القديس مقاريوس إلى الجنوب الشرقي حتى منطقة البحيرات وتجاوزها بستة كيلو مترات، امتدت شيهيت أيضًا لتشمل كل المنطقة، وبقدر ما كانت شمس أمجاد نتريا تميل إلى الغروب، بقدر ما كانت تشرق شمس الأسقيط روحيًا وعمرانيًا، وفي برية شيهيت أحتفظت لنا الرهبنة الآبائية بأربعة أديرة عامرة تشهد بجهاد الرهبان الذين جعلوا من الصحراء فردوس يحج إليه كل من يشتاق لرؤية أمجاد المصريين النساك. ومما سبق يتضح أن أول جماعة رهبانية تكونت حول القديس مكاريوس الكبير بشمال شيهيت، ثم الجماعة الرهبانية حول قلاية القديسين مكسيموس ودوماديوس حوالى عام 384م، وفى الفترة ما بين 375 – 385 تكونت جماعة رهبانية أخرى حول القديس يوحنا القصير والأنبا بيشوى فى وسط شيهيت، ومما يؤيد هذه التواريخ بالإضافة إلى ما ورد فى سير هؤلاء الرهبان، أن يوحنا كاسيان الذى زار شيهيت حوالى عام 385م رأى بها أربعة كنائس. وتعرضت أديرة وادى النطرون إلى النهب والتدمير حوالى سبع مرات تحطمت أثناء تلك الفترات المبانى ونهبت الكنائس وذبح بعض الرهبان والبعض الآخر أخذ كأسير، ونتيجة لتلك الغارات المتتالية من قبل البدو والبربر قرر البابا شنودة الأول بناء سور لحماية الدير. وفى 1088م عاش حوالى 700 راهب يذكرهم إيفيلين هوايت على النحو التالى: دير القديس أبو مقار حوالى 400 راهب، دير القديس يوحنا القصير 165 راهب، دير السريان 40 راهب، ودير القديس يحنس كاما 25 راهباً، حوالى 20 راهب فى دير البراموس وقد رأى "إيفلين هوايت" أن آثار هذه المنشوبيات الرهبانية حول الأديرة الأربعة بوادى النطرون أجزاء كثيرة منها توجد حول دير أبو مقار ولكنها أختفت حاليًا كليةً بعد التوسع الزراعى هناك وقد سجل جزء كبير منها أثناء مشروع المسح الآثرى لأديرة وادى النطرون الذى قامت به جامعة ميتشجان لترميم إحدى هذه المنشوبيات والإحتفاظ بشكلها الأصلى والتى تقع أمام ديرالعذراء السريان للحفاظ على نموذج من مبانى رهبنة القرون الأولى.

ثالثًا: رؤية تاريخية عن عدد الأديرة في محافظة البحيرة.

يجدر بنا ملاحظة أن الأديرة في العهد السابق لم تكن بالشكل الذي نراه اليوم، وإنما كانت عبارة عن قلالي متفرقة مبعثرة في الصحراء تلتف حول الكنيسة التي كانت تعتبر المركز الرئيسي الذي كانوا يجتمعون للصلاة فيه. فكانوا يطلقون على مجموع القلالي وتلك الكنيسة أسم دير. وأستمر الحال على ذلك إلى أن أصبح الرهبان في خطر من اللصوص وقُطّاع الطرق وهجمات البربر. فأضطر الرهبان لبناء أسوار حولهم لحمايتهم من هجمات الشر، فظهرت الأديرة لآول مرة كما نراها اليوم. وقد ساهم بعض الملوك والأباطرة وبعض البطاركة في بناء الأسوار للأديرة.

ومن خلال سير البطاركة، والكتب الطقسية مثل كتب صناعة الميرون يمكن تتبع عدد الأديرة القديمة، بالأضافة لملاحظات المؤرخين والرحالة، وأستكشاف بواقي الأديرة المندثرة، ومن خلال ما كتبه أولئك نلاحظ أن ما أختفي بسبب عوامل مختلفة أكثر جدا من الذي بقى للآن. ويتضح للقارئ الفطن أن معظم الأديرة كانت عامرة حتى القرن الرابع عشر ثم تدهورت حالاتها وأخيرًا أندثرت. والمعروف أن هذا القرن من الزمان أنه حمل في ثناياه أشد وأفظع أضطهاد وقع على المسيحية في مصر وأن الرهبنة القبطية أعتراها ضعف شديد لم تستطع معه أن تقوم إلا بعد قرون.

- تنيـح أنبا مقار عام 390م بعد أن رآى وادي النطرون كأبراج الحمام، ممتلئة رهبان، في أربعة تجمعات رئيسية كبيرة كالأتى حسب ترتيب ظهورها (دير البرموس، دير أنبا مقار، دير يحنس القصير، دير الانبا بيشوى). ويحقق إفلين وايت أن الأربعة أديرة كانت قد تكاملت بالفعل فى زمن أنبا مقار (300 - 390)، ولكن ليس على شكل أديرة بأسوار كوضعها الحالي، وإنما على هيئة أربعة تجمعات ضخمة متميزة، كل مجموعة في موضعها ولها الأب رئيسها الذي يدبرها. والمعروف أن أسماء هذه الأديرة أخذت أعتبارها منذ البدء تقريبًا، لأن هذه الأسماء تشير إما إلى مؤسسها أو قديسيها المعتبرين بركة الموضع.

وكانت هذه التجمعات تنقسم إلى قسمين واضحين:

أ. التجمع الأساسي الذي أسسه أنبا مقار بنفسه، ويشمل دير البرموسي ودير أنبا مقار: الأول في طرف شيهيت من جهة الشمال الغربي، والثاني في الطرف الجنوب الشرقي لبرية شيهيت.

ب. التجمع الثاني الذي أسسه تلاميذ أنبا مقار: يؤنس القصير وبيشوي. الأول في منتصف الاسقيط من الجهة الشمالية الشرقية، والثاني في منتصف شيهيت من الجهة الغربية.

(علمًا بأن دير السريان الحالي لم يظهر في الوجود قبل القرن السابع).

- في زيارة روفينوس لبرية شيهيت عام 372م وجد 50 ديرًا عدا المنشوبيات. وقد قام روفينوس برحلته مع سبعة رهبان من فلسطين لزيارة برارى مصر، وهناك تقابلوا مع آباء الرهبنة ووضعوا كتابًا يصف التاريخ الرهباني لمصر "هستوريا موناخورم".

- ويروى سوزومين المؤرخ الشهير في القرن الخامس (323 - 425م): "في نتريا يعيش عدد عظيم من الاشخاص الذين وهبوا حياتهم لله... وهى تحتوى على خمسين ديرًا بنيت بجوار بعضها وسكن في بعضها جماعة من الرهبان في عيشة مشتركة والبعض الآخر فرادى. وفي داخل الصحراء منطقة تسمي القلالى لا يستطيع أحدهم أن يرى الآخر حيث ان كل واحد يسكن بعيدًا عن الآخر ويلتقون معًا في بداية ونهاية كل أسبوع".

- في عصر البابا بطرس الـ34 (567 - 569م) كان حصر الأديرة 600 دير. فقد ورد في سيرته: "فكان الشعب المصري والأثيوبي ومن النوبة يقدمون إلى الأديرة ليلتقوا بباباهم الساهر على رعايتهم".

- روى المقريزى أنه كان يوجد قبيل الفتح العربي (641م) 100 دير للنصارى، ولكن في عصره قال بوجود 7 أديرة، وأورد انه خرج من برية شيهيت 70 ألف راهب لأستقبال عمرو بن العاص "يُعتقد بأن هذا العدد من الرهبان مبُالغ فيه".

- في القرن العاشر ذكر شينو في كتابه "قديسو مصر" أن أديرة وادي النطرون 37 ديرًا.

- في كتاب عمل الميرون أيام البابا بنيامين الثاني الـ82 (1327 - 1339م) عام 1330مذكر 8 أديرة (ابو مقار - يوحنا القصير - انبا بيشوى - البرموس - سيدة البرموس - السريان - يحنس كاما - دير الاحباش).

- وفي خبر عمل الميرون ايام البابا غبريال الـ 86 (1370 - 1378م) عام 1384م ذكر نفس الأديرة بالاضافة الى ديري (الارمن – دير ابانوب).

- وفي زيارة فانسليب للأسقيط عام 1672م رأى 300 منشوبية أو دير صغير.

- في زيارو الامير عمر طوسون 1930م تعّرف على أطلال 31 ديرًا عدا الاديرة الأربعة الموجودة، منها 10 أديرة في منطقة دير انبا مقار منها دير القديس زكريا الذي تربي في البرية منذ ان كان طفل، و14 دير في منطقة يحنس القصير والباقي اديرة متفرقة.

رابعًا: أسباب إندثار الكثير من الاديرة:

غارات الموت الأسود (الطاعون) الذي كان يُهلك الآلآف يوميًا ولم يفلت الرهبان من هذا الوباء الذي قضي على عدد كبير من الرهبان الذين تركوا الأديرة. شهد عنه المقريزى أنه كان يموت على أرض مصر ما بين عشرة ألاف وعشرين ألف شخصًا يوميًا بالقاهرة وضواحيها، ومن المعروف أن هذا الوباء ينتشر بسرعة بين الناس بل والحيوانات أيضًا والأمثلة كثيرة يحكيها التاريخ عن خطورة هذا الوباء خاصة عندما ينتشر بين الجنود أثناء الحرب. ومن المؤكد أن هذا الوباء لحق برهبان برية شيهيت، وراح ضحيته عشرات الرهبان، يشهد بذلك المدفن الشرقي الخاص بالرهبان شرق دير يحنس القصير.

المجاعة التى أجتاحت مصر عام 1373م بسبب عدم فيضان مياه النيل ـ ثم انتشار وباء الطاعون مرة أخرى. وأصبح الرهبان في حالة يرثى لها في حالة فقر شديد، حتى أن المقريزى عبر عن هذه البلايا والمصائب التي شهدها بقوله: "أن البلاد كانت تسير يسيرًا نحو الخراب حتى عام 1388م.".

سوء الحالة الاقتصادي وانقطاع الهبات والعطايا للأديرة مما تسبب في الفقر الشديد وخراب الكثير من الاديرة.

غارات النمل الأبيض الذي قضى على دير يحنس القصير ودير يحنس كاما وقضي على عدد من المبانى البسيطة. فالنمل الأبيض إذا حل مكان قضى على أى أبنيه خشبيه وهذا ما حدث في أسقف وأرضية الأديرة الآتيه الذي ذكرها مالقريزى: "خرب دير أبو كاما ودير إلياس (الحبش) أكلت الأرضة أخشابهما".

الزحف العمرانى وانتشار الاراضي الزراعية والمشروعات السكنية مثل ترعة النوبارية وخط سكة حديد ايتاى البارود الخطاطبة الذي غطّى منطقة نتريا.

موجات الأضطهاد العنيفة التى هددت سلام الرهبنة خاصة غارات البربر:

الغارة الأولى407م:

هدمت هذه الغارة الشرسة كنائس الاربعة تجمعات الرئيسية الاولى وأستشهد فيها الانبا موسي الاسود ومعه 7 رهبان.

وهدمت فيها اديرة ونهبت كنائسها... وتشتت بسببها بعض رهبان منهم:

الانبا بيشوى: حيث ذهب إلى أنصنا، وتقابل هناك مع صديقة القديس بولا الطموهي، وظل هناك حتى وفاته في 15 / 7 / 417م.

ويوحنا القصير: وذهب إلى أقليم "كليزما" (السويس)، وعاش هناك في الجبال المتاخمة للبحر الأحمر إلى أن تنيح في 17 / 10 / 409م.

وثيؤدور: وقد ذهب إلى البرما (منف).

وسلوانس: وقد ذهب إلى سيناء وعّمر هناك ديرًا، وعاد مرة أخرى إلى برية شيهيت.

الغارة الثانية 434م:

  • حدث تخريب للاديرة مثل الذي حدث في الغارة الاولى وترك بسببها بعض الرهبان البرية وكونوا جماعات رهبانية مثل التى كونها انبا ارسانيوس في جبل طره.
  • وقبل الغارة الثالثة كان قد بدأ عصر الحصون، وصار مناسبًا لإيواء الرهبان.
  • الغارة الثالثة 444م

    • كانت نتيجة الغارتين الاولين انه ظهرت فكرة الحصون... وتم بناء اول حصن في دير انبا مقار في تزامن رهبنة ايلارية وفيها استشهد 49 شهيد شيوخ شيهيت، والذي فيه أختبأ بعض الرهبان.
    • في هذه الغارة تم نهب الأديرة وتهدم الكثير من المباني الديرية وأنتشار الفزع في برية وادي النطرون.
    • بدأت منذ ذلك الوقت عصر المنشوبيات.
    • الغارة الرابعة 570: 620م

      • وظل فيها البربر خمسين سنه محيطين بالأديرة يمنعون عنهم العطايا ويهددوا سلامها بالنهب والسلب.
      • هدموا فيها كنيسة دير انبا مقار.
      • شملت هذه الغارة برارى اخرى لم تصل اليها الغارات السابقة مثل برية القلمون بالفيوم حيث أُسر القديس صموئيل المعترف وتقابل في الاسر مع القديس يوحنا قمص شيهيت.
      • الغارة الخامسة في خلافة المأمون 817م

        • هجمت قبائل العرب على الوادى المقدس ونهبوا الاديرة وأحرقوا كنائسها ومنشوبياتها بالنار. وفتكوا برهبانها وطردوهم من البرية فلم يبق منهم إلا القليل... وكان ذلك في عصر البابا مرقس الثالث (799 - 819) الذي حزن على هذا الخراب حزنًا بليغًا حتى مات!
        • وكانت مصر في يد والى يدعى "عبدالله بن طاهر" هذا اباح لجنوده نهب الاديرة وإحراق الكنائس والتمثيل بالرهبان.
        • وتعد هذه أول غارة للعرب على الاديرة بعد فتح الاسكندرية وهدم خمسمائة كنيسة والف دير.

        الغارة السادسة للنوماتيين 866م

        • كانت في عصر البابا شنودة الاول الـ55 الذي خرج لهم وحده بعد تجرأهم على الاديرة وفتح الله عيونهم فرأوا جيش من الملائكة يحميه الملائكة فى هيئة رهبان فخافوا وارتدوا. فكانت غارة البربر في أول يوم من برمودة سنة 582ش، 866م ولم يحتشموا من وجود البطريرك بل أغاروا على البرية ونهبوا أمتعتها وأثاثها ومخازنها.
        • الغارة السابعة للواتيين 1069م

          • ظهر في هذا الوقت ضيق شديد حتى انه شوهد خروج نبع دم من أيقونة مارمينا في الخورس الاول من كنيسة انبا مقار.. ونزول ماء كدموع من آحد الاعمدة.
          • وأ ُجبر البابا لدفع ضرائب باهظة ولم يتركه اللواتيين حتى أوفي 3000 دينار ولما وصل اللواتيين وادى النطرون نهبوا الاديرة وقتلوا رهبانها وهرب من بقي منهم وبعدها جاءت مجاعة شديدة وبدر الدين الجمالى الذى اخضع اللواتيين واسترد الاسكندرية.

          خامسًا: نماذج للأديرة المندثرة بمحافظة البحيرة

          1 - دير الأرمن:

          يعتبر دير الأرمن من أقدم الأديرة بوادي النطرون وهو يقع في الشمال الغربي لدير القديس أيليا أو الياس "دير الأحباش" ومن الشرق دير القديس أبانوب، ومن الغرب دير يوحنا القصيروتبلغ مساحته نحو ثمانية عشر قيراطًا وأربعة عشر سهم من فدان، تقدر مساحتها بالأمتار المربعة نحو3250م. ويرجع إنشاؤه على أغلب الاحتمال إلى أواخر القرن الحادي عشر الميلادي - وبالتحديد سنة1088م - أيام الدولة الفاطمية حين تولى بعض الأرمن أكبر المناصب حتى وصلوا إلى منصب الوزارة في مصر مثل بدر الدين الجمالي "أمير الجيوش"، ويعود تاريخ بداية الوجود الأرمني في الرهبنة بوادي النطرون إلى الراهب مناكيس الأرثوذوكسي العقيدة، والذي جاء إلى مصر لزيارة رهبانها سنة1087م، ودخل برية أبي مقار وتتلمذ على يد القديس "بيسوس" الراهب بدير أنبا يحنس كاما الذي فرح برؤياه وتباركا من بعضهما. ومن نسكه وزهده كان يلبس على جسمه ثوبًا من الحديد وفوقه مسح شعر. ويعتبر القرن الثاني عشر الميلادي العصر الذهبي لدير الأرمن بوادي النطرون، ويرجع ذلك للدعم السياسي والمادي للدير، حيث صار بدر الدين الجمالي الأرمني، بعد ظهوره في مصر يمتلك كل القوة ويظهر ذلك من خلال هجرة أعداد كبيرة من الأرمن إلى مصر واستقرارهم بها وعندما مات بدر في سنة 1094م وخلفه ابنه الأفضل، الذي كان وزيرًا إلى حين اغتياله في 1121م فأقام الجيش (ولا بد أن نتذكر أنه كان بصفه أساسية أرمنيًا) وجاء ابنه أبو علي كتيفان خلفًا له ولكنه سقط في 1131م وأخذ مكانه يانيس الأرمني، عبد الأفضل وأخيرًا أقام الجيش أرمنيًّا مسيحيًّا اسمه بهرام وزيرًا في 1134م ووصل الأرمني والمسيحيون في عهده إلى أقصى نفوز لهم، ويؤكد على ذلك سيرة "تاريخ البطاركة" وكان للمسيحيين في أيامه تأثير ونفوذ كبير، حتى أصبح في يدهم الوظائف في الديوان الكبير. وكان للأرمن وقتئذ ديران في جنوب مصر من الجهة الشرقية: أحدهما في البساتين والآخر في طرة، وعدة كنائس في الوجه البحري (في الدقهلية: البهو، دمو، طناح، منية النصارى، منية شها) ومنها في الوجه القبلي وكان لهم بطريرك في مصر وأسقف في أطفيح.

          قام الأكراد بتخريبه في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، ولكنه ظل قائمًا في حالة يرثى لها حتى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. يُرجع إلى الأمير عمر طوسون في أوائل القرن العشرين فى كشف وتحديد معالم دير الأرمن الذي لم يبقَ منه إلا جدرانه التي يبلغ ارتفاعها مقدار أربعة أمتار مدفونة بالرمل - وعلى حد علمنا– قام بوضع علامة برتريه باسم هذا الدير وبواسطة مشروع التعاون الهولندي المصري للمحافظة على الفن القبطي (ENccAP) والذى كان بتوجيه قداسة البابا شنودة الثالث (البطريرك 117) وجامعة ليدن الهولندية وبإشراف بنافة الأنبا صموئيل سنة 1991م أمكن تحديد معالم دير الأرمن.

          2 - دير القديس يوحنا القصير:

          يرجع تاريخه لعصر انبا مقار نفسه ما بين 380 - 385م ويقع على بعد 15 كم من دير انبا مقار من جهة الجنوب الغربي. وكان الانبا دميان الخامس والثلاثون (569 - 605م) والبابا خائيل الثالث والخمسون (849 - 851م) من رهبانه. ظل فى تاريخه يحتل صداره المركز الثانى بعد دير انبا مقار فى كثره عدد رهبانه. والمركز الأول من حيث مساحة أديرة وادى النطرون حيث بلغت مساحته – بحسب الأمير عمر طوسون - 16000متر مربع، وفي عصر المقريزى (1364 - 1442م) لم يكن فيه سوى 3 رهبان.

          ونظرًا لقربه من دير أبي مقار كان هذا الدير يزوره الآباء البطاركةوهم في طريقهم إلى دير ابي مقار لتكريس الميرون.

          وفي القرن الرابع عشر الميلادي كان جماعة من رهبان الحبش والأرمن والسريان يسكنون فيه وبجواره. وكان جسد القديس يوحنا القصير بكنيسة هذا الدير كما ذكر في كتاب عمل الميرون سنه 1330م.

          وقد بقي هذا الدير قائما حتى أواخر القرن الخامس عشر ثم خرب.

          3 - دير الياس:

          سكنه الاحباش ولذا سمى أيضًا بدير الحبشة أو دير الحبش. مساحته تغطى 18 قيراط و21سهم أى حوالي 3300متر. ظهر بجوار دير يحنس القصير ودير الأرمن ودير أنبا أبانوب. ويرجح تاريخه للقرن الحادى عشر ولم يستمر طويلا سوى قرنين او ثلاثه ثم انتقل الاحباش الى دير يوحنا القصير بعد خرابه.

          4 - دير سيدة يحنس القصير

          هو نسخه من دير يحنس القصير تأسس فى القرن السادس على بعد مئات من الامتار من جهة الشمال الشرقي لدير يوحنا القصير، وكانت بقايا الركن الغربي للسور بارتفاع 4 امتار حتى وقت قريب.

          5 - دير ابانوب

          ربما كان يخص رهبان النوبة ومجاور لدير انبا مقار.

          ورد خبر عنه فى زيارة البابا غبريال الـ86 (1370 - 1378م) لتكريس الميرون فى القرن الرابع عشر.

          وذكر المقريزى انه كان خراب في ايامه.

          6 - دير انبا زكريا

          دير لزكريا القديس الصغير بجوار دير انبا مقار.

          لم يذكره المقريزى لأنه اندثر قبل ايامه أو ربما لصغر حجمه إذ بلغت مساحته 5000متر مربع فقط فكان يُعتبر منشوبية كبيرة.

          لكنه ورد في سيرة البابا اسحق الـ41 (686 - 689م) ولا بقايا له الآن.

          7 - دير برموس أو أبى موسي الاسود

          اسماء البعض برموس او دير انبا موسي واطلق عليه البعض دير الروم نشبة للقديسان الروميان مكسيموس ودوماديوس.

          وتأرجحت الآراء ما بين انه هو دير البرموس العامر الآن او انه دير اندثر بالقرب منه. وكان يحوى جسد الانبا موسي الاسود ومغارته.

          8 - دير القديس يحنس كاما

          يبعد الدير حوالي 3 كم متر جنوب شرق ديري الأنبا بيشوى والسريان، وحوالي 15كم من الجهة الغربية لدير أنبا مقار، على ربوة عالية فاصلة بين وادين. ويقع أيضًا جنوب دير الأرمن بمسافة 250م وجنوب غرب إلياس. يرجح تاريخ أنشاء الدير الى عام 840م. يحوى سور يصل إلى 6 متر على غير أستقامه واحده. يتميز الدير يحصن كبير بداخله كنيسة بإسم السيدة العذراء وهو يتكون من ثلاث طوابق متوفر به سبل الحياة والمعيشة تكفى لعدة أيام أثناء أحتماء الرهبان فيه من هجمات العربان والبربر، كما يحوى أيضًا على بئر مياه وطافوس (مدفن) ومخزن للغلال وأماكن حفظ المخطوطات. وكانت مباني القلالي بالدير ملاصقة للسور بعدد كبير تجاوز الثلثمائة في منتصف القرن العاشر (952م). ويذكر أبو المكارم أن بدير أبي كاما عين ماء جارية تنبع مع الزمان كاء عذبة بصورة إعجازية. ويستدل على وجود مبني ضيافة في الدير من رواية المؤرخ منصور بن موهوب بن مفرج الاسكندراني أنه توجه هو وعشرة رجال إلى الدير وباتوا عند القديس بيسوس وأكلوا مما أحضره. أيضًا كان الدير يستقبل أراخنة مصر سنويًا قبل عيد الغطاس وتلك عادة بدأت منذ ولاية الحاكم بأمر الله ليتمكنوا من الغطاس في البرية والتناول من الأسرار المقدسة والإعتراف بالذنوب والخطايا. وفي سنه 1069م خلا الدير فجأة من رهبانه بسبب هجوم اللواتيين على أديرة وادى النطرون كما ذكؤنا أنفًا، ثم رجع إليه بعد الرهبان حتى وصل عددهم سنه 1088م إلى 25راهب حسب إحصائية المؤرخ موهوب بن منصور، وتمر السنون حتى نصل إلى عام1340م فنسمع خبر سيامة18 كاهنا و11شماسًا لدير أنبا يحنس كاما الأمر الذى نستنتج منه على وجود ما لايقل عن 90 راهب بالدير. أما في زمن المقريزى فصرح أنه لم يوجد أى راهب بالدير نظرًا لأنهدام مبانيه وهجر رهبانه. وفي الغالب أنتقلوا رهبانه إلى دير السريان ومعهم جسد القديس يحنس كاما.

          اولا: المراجع العربية

          الانبا أبيفانيوس، بستان الرهبان، مجلة مرقس شبرا، طـ2، 2014.

          إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسه القبطية ج1، كنيسة مارجرجس سبورتنج، طـ8، 2003.

          القمص تادرس يعقوب ملطي، الكنيسة القبطية الارثوذكسيه كنيسة نسك، كنيسة مارجرجس سبورتنج، 1986.

          الراهب تيموثاوس المحرقي، الجماعات النسكيه فى الثلاثة قرون الأولى للميلاد، د. ن، 2008.

          الراهب تيموثاوس المحرقي، الحياة النسكية المسيحية (مشاهير النساك فى القرون الثلاثة الأولى للميلاد)، د. ن، 2008.

          حسين فوزي، سندباد مصري: جولات فى رحاب التاريخ، دار المعارف، 1952.

          حكيم أمين، دراسات فى تاريخ الرهبنه والديريه، د. ن، 1964.

          رأفت عبد الحميد، الفكر المصري فى العصر المسيحي، الهيئة المصرية العامه للكتاب، 2000.

          رؤوف حبيب، تاريخ الرهبنة والديرية فى مصر، مكتبة المحبة، 1978.

          ساويرس بن المقفع، تاريخ مصر: تاريخ البطاركة، مكتبة مدبولى، القاهرة، 2006.

          الانبا صموئيل صموئيل وبديع حبيب، الكنائس والأديرة القديمه بالوجه البحرى والقاهرة وسيناء، معهد الدراسات القبطيه بالقاهره، 1995.

          الانبا صموئيل صموئيل، تاريخ أبو المكارم: عن ما كتبه المؤرخون والاجانب على الكنائس والأديره ج4، معهد الدراسات القبطيه بالقاهره، 2000.

          القمص عبدالمسيح صليب المسعودى، تحفةالسائلين فى ذكر اديرة رهبان المصريين، الطبعةالثانية، ديرالسيدةالعذراءالبراموس، البحيرة، 1999.

          عمرطوسون، وادى النطرون ورهبانه وأديرته ومختصرتاريخ البطاركة، مكتبةمدبولى، القاهرة، 1993م.

          الانبا مارتيروس، الرهبنة القبطية الأم لرهبانيات العالم، مكتبة مارجرجس شيكولاني، طـ1، 2002.

          القمص متى المسكين، الرهبنة القبطية فى عصر أنبا مقار، دير أنبا مقار، طـ4، 2006.

          الراهب مرتيروس السريانى، تاريخ ديرالأنبا يحنس كاما القديس وسيرةالقديس باللغةالقبطية، 1992.

          يعقوب نخلة روفيله، تاريخ الأمة القبطية، مطبعة متروبول، ط2، القاهرة، 2000.

          الانبا يوأنس، مذكرات فى تاريخ الرهبنه المسيحيه، الكلية الاكليريكيه بالقاهره، 1991.

          ثانيًا: المراجع الأجنبية:

          Amelineau, E. Histoire des monasteries de la Basse Egypte. Annales du Musee Guimat, 1894.

          C. C Walters, Monastic Archeology in Egypt , Modern Egyptology series, Aries & Philipps Westminster , England, 1974.

          Jerome, Lives Of Illustrious Men, Trans. With Introd. And Not. by,Ernest cushing Richardson,In (N. P. N. F.) 2nd ser. vol. 3.

          John Cassian, - Institutes, Trans. And Notes by Edgar C. S. Gibson, in: (N. P. N. F.) 2nd, Vol. 11.

          Palladius, The Lausiac History, Trans. And Annoted by Robert T. Meyer ,London, 1965.

          Rufinus of Aquilea, Church History, Trans. By: Philip R. Amldon, (USA, 1997).

          Samuel (Bishop) , Habib Badie. Ancient Coptic churches & Monasteries in Delta, Sinai, and Cairo, Institute of Coptic studies , Amba Reweis Abbasiya ,Cairo, 1996.