ثقافـة الحذاء (الجزمة)عــبر العـصور- الدكتور ماجد عزت إسرائيل

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور ماجد عزت إسرائيل
التصنيفات دراسات مجمعة في التاريخ, غير مصنف, قسم التاريخ, موضوعات تاريخية
الأماكن الأراضى المقدسة
آخر تحديث 10 فبراير 2024
تقييم الكتاب 4.998 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
3MB

ثقافـة أي مجتمع هي محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، وتظهر هذه الثقافة في السلوك الجمعي للمجتمع والمظاهر الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى درجة التعليم في هذا المجتمع ومحصلته، ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها.

ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تؤثر فيها عوامل عديدة، وإن لكل ثقافـة جذوراً ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحداث التاريخية التي يمر بها كل مجتمع، وهـذه الظروف تشكل العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع.

أطلق على الجزمة عدت مصطلحات منها الحذاء بالفصحى،ويعنى النعل أو الخفاف أو السوقاء أو الموق، والمركوب والُبْلغة، وبالإنجليزية شـوز(shoes)، وبالعامية البيئية أطلق عليها صَرْمة قديمة، وبالرغم من تعددت اللهجات والمصطلحات والبيئات، ولكن ظل المعنى واحداً عبر العصور. وقد مرت ثقافة صناعة الجزم عبر التاريخ بمراحل لصنعها، تبدأت منذ الحصول على جلود الماعز والأغنام و تحضيرها أو تجهيزها لدبغها وصبغها بالعديد من الألـوان، ومن مصنوعاتها الحذاء ذو اللون الأحمر واللونين الأصفر والأسود، وبعد ذلك تتعرض للشمس لفترة طويلة لتثبيت الألوان وتجفـيفها.

ويقوم بصناعة الجزم عبر العصور صناع متخصصون، فهناك طائفة السّرمْاطية وهم الذين عرفتهم بعض الوثائق بأنهم صناع أخفاف النساء، وبأنهم السرماجية، وعمومًا فهم صناع بعض النعال الخفـيفة، ومنها البلغة والمركوب والخُفْ.

وهناك طائفة مكملة لطائفة السرماطية وهم القباقيبية صناع ألوان من الأحذية الخشبية التي يعلوها جزء جلدي ويستخدم في الحمامات العامة ولبسطاء الناس، كما وجدت طائفة أخرى عرفت بالأخفافية البلدي وهم صناع ألوان من النعال الخفيفة للرجال والنساء من الطبقة الدنيا. وهناك طائفة الإسكافية وهم القائمون على إصلاح الأحذية والمصنوعات الجلدية وغيرها.

ومارس العمل بصناعة الأحذية ( الجزم )عبر العصور أجناس مختلفة اشتهر من بينهم المصريون و السودانيون والشوام والأرمن الذين اختصوا بصناعة الجزم الطوخى.

وتخصصت أسواق في مصر في تسويق الجزم عبر العصور، فاشتهر من بينها سوق الجزم السندية، وهى السوق التي تقع بالقرب من مسجد الزنج، وسوق الفسطاط (مصر القديمة) والتي تقـع بالقرب من دار السلسلة أو دار السهجى؛ والتي اشتهرت بتسويـق جميع أنـوع الجزم بمختلف أنواعها، وسوق اللجميين، التي اعتمدت شهرتها على تسويق الجزم ذات الجلود المحلية والمستوردة من الخارج، وأما سوق الأخفافيـين التي تقع بالقرب من حارة البنادقة فاشتهرت ببيع الجزم الحريمى ذات الألوان المتعددة.

 

 

واختلفت أسعار الجزم عبر العصور، حسب الظروف الاقتصادية لكل فتـرة، ففي العصور الوسطي بلغت قيمة النعل الواحدة درهـما واحداً، أما الخفاف فبلغت قيمتها دينارين ونصفاً، وتراوح في بداية القرن التاسع عشر سعر زوج الجزمة ما بين خمسة قروش وخمسة وعشرين قرشاً، أما في الوقـت الحالي فتراوح سعر زوج الجزمة مابين خمسة وعشرين جنيها وثلاثمائة جنيه أو أكثر؛ ويزداد الطلب على تسويق الجزم في فـترة المواسم والأعياد، ويكثر ذلك في الموالد التي يحتفي بها القرويون في أنحاء الريف المصري.

ومنذ تولى “محمد على باشا”(1805-1848م) حكم مصر، وقيامه ببناء الدولة الحديثة، لم يكن الفلاح المصري الذي يشكل الغالبية العظمى من السكان، ينتعل شيئا في قدميه، إلا إذا تم تجنيده ــ من العروف أن المصريين التحقوا بالجيش في سنة 1820 م بعد فشل السودانيين ــ وارتدى الفلاحون الزى العسكري، لأنه لم يكن معقولا أن يخوضوا الحروب وهم حفاه، ولكن من الطريف أن هـؤلاء الجنود كانوا عند نهاية خدمتهم العسكرية ملتزمين بإرجاع مهماتهم العسكرية، التي حصلوا عليها عند تجنـيدهم بما فيها الجزمة، فكانوا يعودون إلى قريتهم حفاة مثلما خرجوا منها.

وبعد أن تأثرت مصر بالأزمة الاقتصادية العالمية في بداية ثلاثينيات القرن العشرين، ظهر أحمد حسين زعيم مصر الفتاة (الحزب الاشتراكي) مقدماً مشروع (القرش) سنة 1931م، ومفاده أن يتبرع كل مـواطن بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصري من التدهـور؛ إثر انخفاض أسعار القطن في الأسواق، ومساندة الفقراء في تخطى الأزمة، وتزامن مع ذلك مناداة أحمد حسين بمشروع (الحفاء) بيد أنه لم يقدر لهذا المشروع أن ينجح.

وفى أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) تبـنت الحكومة مشروع الحفاء، وخاصة بعـد ما أصدرت (مصلحة الوقاية المدنية) في تقريرها المنشور بجريدة الأهرام في 19 يونيو 1940م، توصيـات بشأن طبقات العمال والـفقراء الذين يسيرون حفاة الأرجل، ولما كانت حالة هـؤلاء تعرضهم لخطر الغازات السامة، على إثر إلقـاء طائرات المحور لها، فقد اهتمت المصلحة بهذا الموضوع وهي تبحث بالاشتراك مع وزاره الشئٍون الاجتماعية مشروعاً يرمي إلي توزيع نعال من المطاط على المحتاجين، وقايةً  لهم من خطر الغازات.

وقد اكتشف المصريون فجأة مًا يسببه الحفاء من كوارث، يأتي علي رأسها بعض الأمراض؛ التي يسبها اختراق الديدان لأقدام الحفاة خاصة (الإنكلستوما) والتي أصبحت من الأمراض المتوطنة في الفترة نفسها.

على أية حال، لم يِري هذا المشروع النور، إلا في احدي زيارات الملك” فاروق الأول” (1936-1952م) وبصحبته رئيس وزرائه ( حسين سري باشا) فأبدي الملك رغبته في ألا يمضي وقت طويل، إلا ويري جميع رعاياه يرتدون النعال في أقدامهم شأنهم شأن الشعوب المتقدمة، ولتنفيذه قدم هبه ماليه سخيه، مع فتح باب التبرعات أمام الأغنياء لتحقيق هذا المشروع, ومن أجل ذلك سارت حملة كبيرة لمقاومه الحفاء؛ ولكنها لم تقض عليه قضاءً تاماً؛ كما تصور البعض، فقد كانت القضية في حاجه إلي مزيد من الوقت والجهود لتغطيه كل أقدام الحفاة المصريين.

جدير بالذكر أن الزعيم الهندي”غاندي” أعطى مثلاً عن ثقافة الحذاء تجاه الفقراء، فقد روي أنه ذات يـوم كان يجرى بسرعة للحاق بقطار، وبدأ القطار بالسير، وعند صعوده القطار سقطت من قدمه إحدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا أن خلع الفردة الثانية، وبسرعة رماها بجوار الفردة ألأولى على سكة القطار، فتعجب أصدقاؤه!! وسألوه،ماحملك على ما فعلت؟ لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ فقال غاندي الحكيم:

أحببُت للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده، ولن أستفيد أنا منها أيضًا، فأراد غاندي أن يعطى درساً للعطاء للفقراء، وانه إذا فاتنا شيء فربما أصابه غيرنا فجلب له السعادة، فيكون الأمر مدعاه لأن نفرح لفرحه، ولا نحزن على ما فاتنا.

تغلغلت ثقافة الجزم عبر التاريخ، لتعبر عن سمات بعض أفراد المجتمع لدرجة أنها أصبحت من طباعهم، وأصبحت من المسلمات لديهم، بل إن بعض الشعوب أفرط فجعل يوم الجزمة عيداً وطنياً له.

ويذكر التاريخ أنه خلال القرن التاسع عـشر وبالتحديد في أكتوبر سنة 1882م، تعرض الزعيم الثائر “أحمد عرابي” وهـو ناظرالحربية في ذلك الوقت، و أحد رموز الثورة العرابية (1881-1882م)؛ عقب إلقاء القبض عليه بتهمة العصيان، لتفتيش ذاتي لدرجة جعلت مـن أحد خصومه يخلعه جزمته، كتعبير عن اعتراضه على عصيانه للسلطان العثماني والخديوي “توفيق( 1879-1892م).

ودخلت ثقافة الجزم عالم السياسة من أوسع أبوابها، وإذا أردنا إرجاع الفضل لصاحبه، فإن رئيس الوزراء السوفيتي الأسبق” نيكيتا خروتشوف” (1953-1964م)، هـو رائد استخدام الجزمة في الحوار السياسي؛ حيث خلعها مـن قدمه وضرب بها على منصة الأمم المتحدة سنة 1961م، في حضور ملوك دول العالم ورؤسائها لتعزيز ما جاء في خطابه أمام المنظمة الدولية عندما كانت الحرب الباردة على أشدها في مطلع الستينيات من القرن العشرين.

ثم اختفت ثقافـة الجزم تقريبًا من فوق المسرح السياسي خلال السبعينيات والثمانينيات إلى أن ظهرت على استحياء خلال التسعينيات في بعض البرلمانات كبديل للألسنه.

ولأن الجزمة أطول وأقول وأشد لمعاناً من الألسنة فقد حققت نجاحاً ملحوًظا شجَّع على التوسع في استخدامها كلغٍة للحوار، إلا أنها وصلت إلى قمة النجومية عندما استخدامها الصحفي العراقى”منتـظر الزيدى”في نهاية عام 2008م، كأداة للاعتراض على سياسة الرئيس الأمريكي” جورج بوش الإبن” أثناء زيارته لبغداد، وأصبحت بين عشية وضحاها منذ ذلك اليوم المشهود (أم الثقافات)؛ وعيداً وطنياًّ للجزمة في العالم العربي، وثقافة سريعة الانتقـال في الحوار السياسي.

كما طالعتنا بعض الصحف في أوائل عام2010م، بأن الرئيس السوداني الحالي اعتُدي عليه من أحد رجاله بقذفه بالجزمة،في حين نفت بعض الأخبارهذه الأحداث؛ التي نتمنى أن تختفي من ثقافتنا العربية في مواجهة ثقافات العالم.

وعادت الجزمة إلى الأضواء وتصدرت الصحف ونشرات الأخبار في فبراير 2010م، فقد سًّدد أحد أكراد تركيا المقيم بمدينة (إشبيلية Sevilla ) الإسبانية جزمته نحو رئيس الوزراء التركي”رجب طيب أردوغان” أثناء وجوده في المدينة، احتجاجاً على السياسة التركية تجاه الأكراد، وبذلك تؤكد الجزمة أنها أصبحت ثقافة ولغة مهمة في لغة السياسة.

ولأن مصر ليست بمعزل عن العالم، فقد اتجه البرلمان في بلادنـا نحو خوض التجربة أسوةًًًًً ببعض برلمانات شرق آسيا، وطارت الأحذية تحت القبة عدة مرات خلال السنوات الأخيرة في محاولة لاستخدامها في الحوار الصريح الهادىء بين النواب بدلاً من الـحوار بالألسنة، إلا أن رئيسه الدكتور “فتحي سرور”رفع عصاه في وجه نواب الجزمة وأمرهم بالعـودة إلى استخدام اللسان وحده رغم عدم فصاحته وفقر بلاغته مقـارنة بالجزمة!

كما انتشرت ثقافة الحذاء أيضاء بين أساتذة الجامعات، فعندما أنشئت كلية الإعلام بجامعة القاهرة في عام 1973م، عين الدكتور “إبراهيم إمام” عميدًا لها؛ وفى أحد الأيام في العام التالي دخل عليه مكتبه الدكتور “مختار التهامي” الأستاذ بالكلية، لمناقشته في بعض الأمور الخاصة بمناهج الدراسة بالكلية، فحدث خلاف بينهما و فوجيء بسيادة العميد يطرده، وعندما امتنع عن ذلك؛ رماه بالحذاء، فعبر خلال الشباك إلى الحديقة التي خلف مكتب العميد، فأسرع أستاذ الصحافة، والتقطه، وذهب به مسرعاً وقدمه لرئيس الجامعة، لاتخاذ اللازم، فتشكل على إثر ذلك مجلس تأديب؛ وكان من قراراته فصل العميد و تعيين الدكتور” حسن محمود ” وكيل كلية الآداب مشرفاً على الكلية بدلاً من الدكتور إبراهيم إمام؛ بسبب تبنيه ثقافة الجزمة.

ولم تقتصر ثقافة الجزم على السياسة وحدها، بل إنها انتقلت إلى ممارسي الرياضة فنذكر على سبيل المثال أنه في إحدى مباريات نادى الزمالك الرياضي مع النادي الأهلي بالدوري المصري عبَّر الرئيس الأسبق لنادى الزمالك المستشار “مرتضى منصور” برفع الجزمة عن اعتراضه على هتافات الفريق المنافس، بينما قامت قلة من جماهير نادى المحلة بإلقاء الجزم على أرضية ملعبها تعبيراً على غضبها تجاه فريقها، وبعدما انتهت مباراة مصر والجزائر بالسودان في نوفمبر 2009م؛ ووقعت الأحداث المؤسفة من جانب جماهير الجزائر باعتدائها على جماهير مصر، عبر أحد الكتاب في بعض الجرائد بقوله:” إن الكرة تلعب بالجزمة وتنتقل بين أقـدام اللاعبين ويتصارعون عليها بالجزمة”.

ومما يذكر للمفكر الأديب”توفيق الحكيم” أنه عبر عن استنكافه لغلبة اهتمم المصريين بالرياضة، وخاصة كرة القدم بأننا قد انتقلنا من عصر العقول إلى عصر الأقدام، وكأنما يلمح إلى ذلك النصيب الأوفر من عدد الصفحات التي تخصصها الجرائد لكرة القدم والقائمين عليها على حساب الفكر والأدب.

كان للأدب نصيب في استغلال الجزمة، فلم ينسَ الأدب ثقافة المرأة تجاه الجزم، فنرى في قصة “سندريـلا” أنها نسيت جزمتها لدى قصـر الأمير، فأرسل أحد خدمه باحذاء بحثاً عن صاحبته عن طريق قياس الجزمة على أقـدام صبايا المدينـة حتى عرف بأن صاحبتها هي” سندريلا” وسرعان ما تزوجها.

وعندما  تزوج لاعب الكرة المتقاعد “حمادة إمام” بالمعيدة – العميدة فيما بعد – الحسناء “ماجي الحلواني” عبر بعض زملائها من الكلية عن( حقدهم)عليه بأن قالوا إنها تزوجت شاباً عقله في (رجله).

كما أن بعض الحكام أصدروا أوامرهم؛ بمنع صناعة الجزم الحريمي حفاظاً على عدم خروجهن من منازلهم، ومنهم الخليفة الفاطمي “الحاكم بأمر الله”وكان غريب الأطوار يصدر مراسيم ثم سرعان ما يبطلها، ويصدر غيرها مما يناقضها، وقد اشتهر بأنه أمر ذات يوم بمنع المصريين من أكل الملوخية لأنها كانت محببةً عند”معاوية بن أبى سفيان” لكنه اشتهر أكثر بأن منع الجزمجية من صنع جزم الستات حتى يقـرن في بيوتهن ولا يخرجن في فساد.

ولا نسَى ما ورد بالأدب العربي من أرجوزات ومقامات في الحذاء على ألسنة العامة، ومنها ما جرى على ألسنة المعاصرين من الزجالين ومنها قول أبو زيد بيومي:

و دية جزمة تمشي ف خير
و وشها دا مداس للغـير
لكنها ف آخر المشاوير
بتشوت صاحبها ع الأموات
للجزم في الناس مقامـات

 

للجزم في الناس مقامــــات
ساعات بتعلى وتوطى سـاعات
وكل جزمة وليها حــــالات
وكل واحد له مقاســـــات
للجزم في الناس مقامــــات

فـيـه جزمة ليها مليون وش
وكــل وش لـــزوم الغش
مكان بتنفخ فيه و تـفــش
ومكان توزع ابتســـامات
للجزم في الناس مقامــات

ودي جزمة مخصوص للتنطيط
لو تبقى مـرّة ف رجل عبيط
بتخلي عـقـــله بحر محيط
و الكل يديله احــــترامات
للجزم في الناس مقامـــات

وجزمة لما تشوت في الجـون
تاخد ف باطها كام ملـيون
وتحول العاقل مجـــــنون
وتشعلل الدنيا هتافــــات
للجزم في الناس مقامـــات

وفيه جـــزم بتـلف تدور
ورنيشها كله كـدب و زور
بتوعدك بالخير والــــنور
متبانش غير في الانتخابات
للجزم في الناس مقامات

وأما دي جزمـة باشـا
مدهونة سكر وبغاشـة
ونعلها زي فراشـة
تفوت بخفة في الأزمـات
للجزم في الناس مقامات

والجزمة دي يلبسها فقير
ونعلها مليان مسامير
يلبسها عقله منه يطير
وكل خطوة دموع وآهـات
للجزم في الناس مقامـات

وأما دي جزمة ناقـد
يلحسها متشاعـر حـاقد
بشوتة واحدة كتاب واحـد
بيبقى فارس للنـدوات
للجزم في الناس مقامـات

ومن آخر طرائف الأحذية في الزجل قول إسلام خليل مؤلف معظم أغاني المطرب الشعبي “شعـبان عبد الرحيـم” في حادثة ضـرب “بوش الابن”بالحذاء.

خلاص مالكش لزمة

يابوش يا بن اللذينه

تستاهل ألف جزمة

علي اللي أنتا عملته فينا

في ناس كثير بسببك في الدنيا مبهدلة

بتقول ياريتها كانت صاروخ أو قنبلة

 

ربك كبير وقادر يهد المتفرعنين

ضيعت شعوب كثيرة من هنا ومن هنا

بصراحة مش خسارة فيك جزمة معفنة

 

وقـد جاء في أغنيـة طريفة لهــذا المـغنى الشعبي:

 

يابوش يا بن اللذينه                            تستاهل ألف جزمــة

على اللى انت عملته                           خلاص مالكش لزمه

ياريتها جت فى وشك                           وخـزأت عينـيك

 

كما نجد في الفصيح ما يتناول(الجزمة) منذ القديم كدلالة على الامتهان ومنه ما جاء في قصيدة “نزار قباني” حوار مع ملك المغول.
يا ملك المغول ..
يا وارث الجزمة والكرباج عن جدّك أرطغرولْ

يا من ترانا كلنّا خيولْ.. تريد أن تصادر العصفورْ..

يا ملك المغولْ..

وقد تفاعل العديد من الفنانين ومن زجالي الأغنية المعروفين مع حادثة إلقـاء منتظر الزيدى فـردتى حذائه على الرئيس الأمريكي “بـوش الابن “بالعراق ومن صدى ذلك قول الكويتى “عوض نفاع “:

هذى لهدم بيوت الناس….هذى لأطور وللدره……هذى لعزتنا….هذى لأم أطفال البصرةالمنتشرة…..منتظر الزيدى طالع له….. وشال الجزمة وله وداها…المهزوزة..هذى لحرمتنا يحمكيكم …وعن نفسى الله بيرعاها…يدري ما راح يهدونه… وبيديهم قال:انتظروا من يعنى بالعربي وبالساهل..تتعدى…تبتلقى مثله…ومنتظر الزيدى…والله يودونه.يخلد اسمه…يستاهل بوش اللي جاله..بالجزمة جاته بالجزمة هاللحظة.

كما حدث تاريخيًّا في إثناء دولة المماليك البحرية التي ظلت تحكم مـصر ما بين (648-782هـ/1250/1382م)، وهى ملكة مصر “شجر الدر” والمعروفة في التاريخ بـلقب (أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الصالح) والتي حكمت مصر ثمانين يومًا بمفردها؛ بعد موت زوجها السلطان الأيوبي الملك”الصالح نجم الدين”وابنه”توران شاه”؛ ثم اضطرت لان تتزوج زعيم المماليك “عز الدين ايبك” الذي أصبح بدوره سلطاناً، وتحولت هي إلى زوجة السلطان، ولم يعد لها شيء من النفوذ فتآمرت على زوجها وقتلته، وانتهت حياتها بضربها بالقباقيب إلى أن ماتت؛ على أيدي جواري   ضرتها الست “أم على” وألقى بجثتهـا على باب القلعة من ناحية القرافة(المدافن) في مشهد مأساوي سنة (655هـ/1257م)، وكان هذا المشهد الواقعي مادة درامية في السينما المصرية.

وعبرت نـوادر جحا عن ثقافته تجاه الـحذاء، فنذكر على سبيل المثال حواراًًًً دار بينه وبين بائع الأحذية، هذا نصه:

جحا: بكام جوز الجزم عندكم؟
البائع: لما تقعد سيادتك تستريح وتقيس الجوز اللي يعجبك.
جحا: أهو الجوز دا عاجبني… كم ثمنه؟
البائع: هذا ثمنه جنيهان ولكنه ضيق عليك؟
جحا: والجوز الذي يكبره بنمرة ثمنه كام؟
البائع: نفس الثمن.
جحا: ما دام الثمن واحد يبقى أحضر لي أكبر جوز عندك!

     

وكذلك عبر بعض الأدباء والمفكرين عن رأيهم باستخدام الجزمة كأداة ثقافية للاعتراض على بعض الأنظمـة والقرارات عبر التاريخ، فعل سبيل المثال عندما اعترضت دولة الكويت على زيارة الراحل المـفكر المصري ” نصـر حامد أبو زيد” استنكرًا لفكره، لم يجد “أبـو زيـد” إلا الجزمة تعـبيراً عن قرار منعه من دخول الكويت؛ فقال لإحدى وسائل الأعلام:”قرار منعي من دخول الكويت تحت حـذائي، من نجح في منعي من دخول الكويت لن ينجح في وقف عقولنا عن التفكير”.

وقد عبر بعض العامةــ وقد أطلق تعبير العامة على السوقة والأوباش والزعار والشراذم و الحرافيش والعيـاق والشطار والعيارين ــ عن ثقافـة الجزم عبـر العصور، خلال مناوشتهم، فنجد أحد الخصمين عندما تحدث مشادة كلاميـة فيما بينهما يقـول للآخر:”أنا سوف أعطيك بالجزمة القديمة”، بينما يـعبر البعـض الآخر عن غـضبه تـجاه آخرين فيقول:”أنتم تحت جزمتى”، و يكتفي آخرون بالإشـارة إلى الجزمة، ويـعبر آخرون عن غضبهم برفـعها، ولعل مـردَّ ذلك إلى أن الحذاء يقع موضعه من جسد الإنسان أسفله وأنه أقرب مما يكون إلى الـتراب كما يخاض به في الأوحال.

كما عبرت الأمثال الشعبية خـلال العصور التاريـخية، عن ثقافـة الجزم فنذكر على سبيـل المثال؛ قولة المثل الشعبى عند وجـود المنافسات الحادة بـين أهـل المهنة الواحدة في صناعـة الجزم “صراماتى ما بيـحبش صراماتى” أما عند الثناء على جـودة صناعة الـجزم ورواج تجارتهـا فيقول المثل:”كيـب والله المسبب”وعند سرقة الحذاء “النصاب يا خد من الحافي نعله” و عن موضة الأحذية فيقول المثل” الوش مكبب والكعب مدبب”.

وعبر العصور التاريخية دخلت الجزمة إلى عالم الموضة، ونذكر على سبيل المثال جـزمة الملك “لويس الرابع عشر”ملك فرنسا؛ وكان مـن المعروف عن الملك أنه قصير القامة، فلعلاج هذه المشكلة لجأ إلى جمع من القائمين على صناعة الجزم، وأصدر أوامره بصناعة جزمة ذات كعب عـالٍ، ومن يومها انتشرت بالأسواق الجزم ذات الكعوب العالية، كما أن جزمته أصبحت حديث العالم.

على أية حال، أصبحت ثقافة الجزم لدى البعض في الوقت الحالي، تـعبيراً عن رأيهم عن الاعتراض، فهل تستمر هذه الثقافة خلال هذا القرن أم ستتغير ثقافة المجتمع في التعبير عن رأي ذويه بلغة ثقافية أخرى في الحوار؟ ذلك هو ما نتمناه.