زخـرفـة مـا يٌسمَى بـ الطبق النجمى – أصولها ومدلولها – الدكتور بولا ساويرس

كارت التعريف بالمقال

تحميل المقال

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل المقال
1MB

زخـرفـة مـا يٌسمَى بـ "الطبق النجمى".

أصــولــها ومدلـولها.

إعداد د / بــولا سـاويرس.

منذ حوالى النصف الثانى للعصر المماليكى لمصر فى أواخر القرن الرابع عشر الميلادى، شاع نوعٌ من الزخارف الهندسية وخاصة على أحجبة الهياكل للكنائس القبطية عُرِف اصطلاحا باسم "الطبق النجمى". وهو عبارة عن شكل هندسى مُعيَّن على شكل دائرة كبيرة تحتوى على عدد من القطع المتناثرة حول قرص يشبه الشمس المشعة أو الترس. ونظرا لأن هذا الشكل الهندسى يُشبه فى عيون العامة الطبق المستدير، ويبدو الترس كأنه نجمة، لذلك أطلق الحِرفيون فى صناعة النجارة هذا الإسم على هذه الزخرفة. وواضح أنه إسم حِرفى شعبى لا علاقة له بأصل أو تاريخ هذه الزخرفة.

وقد ظن البعض أن هذا الشكل الزخرفى قد ابتدعه العرب نظرا لشيوعه فى العصر المماليكى. فما هو الأصل التاريخى لهذا الشكل الزخرفى؟، وما سبب شيوعه فى ذلك العصر؟، وما مدلولات هذا الشكل؟.

من المعروف أن المصريين منذ عصر ما قبل التاريخ المكتوب قد عشقوا الفن بألوانه المختلفة، فكان المصرى البدائى يزخرف جدران كهفه برسوم يستمد موضوعاتها من البيئة بما فيها وما عليها من كائنات حية ونباتات.

فـلما ارتقى هذا المصرى القديم مدارج الحضارة فى العصور الفرعونية المختلفة ارتقت معه هذه الفنون، وتطورت ووصلت إلى غاية الإبداع كما يشهد بذلك ما وصلنا من آثار عبر سائر العصور فى العمارة والنحت والرسم والأعمال الدقيقة وغير ذلك. والتى شملت معظم إن لم يكن كل مناحى الحياة الدينية والدنيوية تقريبا. حتى أنك لا تجد أداة من أدوات الحياة اليومية إلا وقد زخرفت بإحدى الزخارف تقريبا.

وبدون منازع تركت مصر الفرعونية بصماتها الحضارية على سائر الشعوب حتى تلك التى احتلت مصر وحكمتها سياسيا وعسكريا لعدة قرون ([1])، فكان الفنان المصرى منفتحا على الحضارات الأخرى بصدر متسع وعقل واع، يأخذ منها ما يتفق مع عقائده الدينية وقِيمه الإجتماعية، وقواعده الفنية.

ولذلك وجدنا بعض العناصر الفارسية (الساسانية) واليونانية والرومانية تدخل الفن المصرى القديم. ولكن هذه العناصر سرعان ما تم تحويرها بما يتفق مع الذوق المصرى الفنى، فكان أن بقيت هذه العناصر كمجرد زخرفة فحسب داخل الطراز الفنى المصرى الصميم الذى ظل محتفظا بروحه وجوهره حتى عندما حاربته السلطة الزمنية الحاكمة وأهملته. إذ تبناه آنذاك الشعب المصرى كله. ومن ثم بدأ يظهر ما عُـرِف بعد ذلك إصطلاحا "بالفن القبطى" أى الفن المصرى، فى فترة ما قبل القرن الأول الميلادى. وذلك فى مواجهة فـن السلطات الحاكمة اليونانية أى فى مواجهة "الفن الهللينى".

ولذلك لم يكن غريبا إذن أن يرث الفنان المصرى فى العصر المسيحى عن أسلافه فى العصور القديمة ما وصلوا إليه من مهارة وإتقان فى مجال الفن، وخاصة ما لا يتعارض مع جوهر تعاليم المسيحية.

ومن بين شتى المجالات العديدة التى ورثها، تأتى المشغولات الخشبية وزخرفتها على سبيل المثال، وهى موضوع حديثنا هنا.

وفى هذا الصدد تكشف لنا القطع الأثرية التى وصلتنا عبر العصور عن مدى ما وصل إليه الفنان المصرى من دقة فى الصُنع وجمال وإبداع فى الفن، سواء فى العصور الفرعونية أو القبطية. بل ظلت المشغولات الخشبية وزخرفتها شبه قاصرة، كما يقول الدكتور محمد زكى حسن، على الأقباط (أى المصريين المسيحيين) حتى تاريخ كتابته لمقاله ([2]). ذلك أن العرب، كما يقول، كانوا قد تركوا الصناعات والمهن الحرة عند فتحهم لمصر فى يد أهالى البلاد.

فإذا ما درسنا هذه القطع الخشبيىة الأثرية التى وصلتنا سواء من العصور الفرعونية القديمة أو من العصر القبطى، نجد أن الصانع المصرى قد عَرف منذ زمن سحيق طرق التجميع والتعشيق والخرط فى مجال صناعة الأخشاب. والنقش الغائر والبارز، والتفريغ والتطعيم والتلوين فى مجال زخرفتها. ويكفى للاستدلال على ذلك أن نشير إلى القطع الخشبية التى وصلتنا من مقبرة الأمير حسى رع وهى من عصر الدولة القديمة (الأسرة الثالثة)، والأثاث الذى وصلنا من مقبرة توت عنخ آمون وهى من عصر الدولة الحديثة (الأسرة الـ 18). ناهيك عن القطع العديدة التى ترجع إلى العصر القبطى والمحفوظة بالمتحف القبطى بالقاهرة.

وقد انتقل هذا الفن بدوره عن طريق الأقباط، سواء الذين بقيوا على مسيحيتهم أو اعتنقوا الإسلام، عبر الفتوحات العربية إلى "الأندلس" ومنها إلى العالم الخارجى. وهناك فى "الأندلس" عُرِف بإسم "أرابيسك" نسبة إلى العرب الذين حملوه إليها. بينما هو فى حقيقة الأمر، كما تقول د. نعمات أحمد، فن.

مصرى قديم محفوظ منذ العصور الفرعونية والقبطية كما نرى ([3]). حيث عَرف النجار المصرى القديم هذه الطرق منذ العصر الفرعونى.

وكان الفنان المصرى منذ العصور الفرعونية يُـزخـرف مشغولاته بالعديد من الزخارف، سواء على المصنوعات الخشبية ذاتها، أو عن طريق إستخدام ما يُعرَف بـ "الحشوات". والمقصود بالحشوة قطعة من الخشب منقوشٌ عليها موضوع معين داخل برواز محدد بأضلاع مغلقة. وهى قد تكون من الخشب أو المعدن أو الحجر أو الجص.

ومن الثالبت تاريخيا أن فن الحشوات قد برز فى مصر منذ الدولة القديمة تقريبا. كما يظهر ذلك من باب خشبى وصلنا من مقبرة الأمير حسى رع، من الأسرة الثالثة، حيث توجد به حشوات خشبية منقوش عليها مناظر تمثل هذا الأمير وهو يُقدِّم القرابين للآلهة.

وقد لوحظ أيضا أن المصرى القديم قد استخدم الزجاج والقيشانى والأبنوس والعاج والأحجار الكريمة فى زخرفة بعض الحشوات الخشبية. كما عَرف المصرى القديم زخرفة التفريغ فى الدولة الحديثة. ويَظهر ذلك فى أثاث مقبرة توت عنخ آمون، كما تظهر به الزخارف الكتابية.

وهكذا كان التراث المصرى الزخرفى فى العصر القبطى الذى يمتد ـ حسب رأى دى بورجيه _ إلى القرن الثامن الميلادى عندما توطد الحكم الإسلامى العربى فى مصر، يتمَثل فى الزخارف الآدمية والحيوانية والنباتية، والكِتابية والهندسية. وشملت الزخارف الهندسية الخطوط المستقيمة والمتكسرة على شكل الموج، والدوائر المتداخلة والمتاقطعة والمُتامسة، والمثلثات والخُماسيات والسُداسيات، والمُعيَّنات والمُربعات، والعصائب والجدائل والأشكال الحلزونية. أما الزخارف الكتابية، فإلى جانب التراث الفرعونى القديم برزت فى العصر القبطى فكرة زخرفة الحروف الهجائية على شكل كائنات حية. ويقول د. حسن الباشا أن هذه الطريقة الشائعة فى المخطوطات القبطية القديمة قد انتقلت إلى الفن الإسلامى المصرى على يد الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام.

ولما توطد الحكم الإسلامى فى مصر توسع الأقباط فى الأنواع الزخرفية التى تتفق مع المفاهيم والقيم الجديدة للسُلطة القائمة، والتى تباينت بدورها من دولة إلى أخرى خلال العصر الإسلامى لمصر، ولا سيما فى مجال التصوير والرسم. ومن هنا كان التوسع فى الزخارف الهندسية والنباتية المُحوَّرة التى وصلت إلى درجة كبيرة من التجريد والتحوير فى العصور الإسلامية هذه. فـلقد استساغ المصرى المُسلِم هذا النوع من الزخارف فنقله وتوسع فيه. وفى ذلك يقول الدكتور زكى محمد حسن أن العرب قد نقلو عن القبط الزخارف الهندسية.

ولأن القبط، أى المصريين المسيحيين، جزء من المجتمع المصرى ككل، فقد تأثروا بالطبع حتى داخل كنائسهم بالنظرة العامة التى كانت سائدة إزاء التصوير فى هذا الزمن أو ذاك. ومن ثم كان عليهم أن يوائِموا بين النظرة الإجتماعية العامة ورغبات السلطة الزمنية الحاكمة للبلاد وبين مفاهيمهم وقيمهم الخاصة ونظرتهم للأمور. ومن هنا جاء التوسع فى الزخارف المُحوَّرة والتجريدية، النباتية والهندسية، فى بعض الفترات مثل العصر المماليكى والعصر العثمانى حيث كانت الزخارف الآدمية والحيوانية غير مقبولة فيهما. وهذا ما يُفسر لنا سبب شيوع زخرفة ما يُسمَّى بـ "الطبق النجمى" على أحجبة الهياكل بالكنائس القبطية منذ النصف الثانى للعصر المماليكى.

فهذه الزخرفة من الناحية الشكلية العامة عبارة عن عدد من القطع الصغيرة المُجمَعَة داخل أضلاع من الخشب الرفيع التى تحيط بها. ومن مجموع هذه الحشوات يتكون شكل هندسى متعدد الأضلاع فى الداخل. وهذه القطع قد يكون عددها ستة أو ثمانية أو 12 أو 16 أو 18 أو 20 أو 24. فيُسَمى طبق سداسى أو ثمانى وهكذا. وهذه القطع الصغيرة قد تكون بدورها خالية من أى نوع من التطعيم، وقد تكون مُطعمَّة بالسن أو الصدف. وهذا التطعيم قد يكون خاليا من أى نقش أو منقوشٌ عليه زخارف شتى. فقطع حشو الطبق الموجود على باب الهيكل الرئيسى لكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة ([4]) على سبيل المثال، وهو يرجع إلى أوائل العصر الفاطمى، مزخرفة بأشكال شتى.

وقد شاع هذا النمط الزخرفى، القبطى فى الأساس، فى زخرفة مشغولات إسلامية منها على سبيل المِثال لا الحصر منبر خشبى وصلنا من الجامع الأقصى ويرجع إلى 514 هــ / 1168م. وتابوت الإمام الشافعى المؤرخ 574هـ / 1178م وهو بالمتحف الإسلامى بالقاهرة.

وقد ذكرنا عاليه أن تسمية هذا الشكل الزخرفى بإسم "طبق نجمى" هى فى الواقع تسمية حِرفية شعبية شاعت فى التداول وانتقلت إلى الكُليات الخاصة بالفنون. ولكنها فى الحقيقة لا تعكس، فى نظرى، المدلول الفلسفى الفنى لهذا الشكل كما لا تُعبِّر بدقة عن هذا الشكل الزخرفى، ولا توضح أصله التاريخى.

هذا الشكل المُسمَّى بالطبق النجمى هو فى حقيقته، على الصعيد المسيحى الفنى، صليب متساوى الأضلاع يَدور حول مركزه عددا معينا من المرات. ثم يتم تفريغ الجزء الأوسط منه من الخطوط المتاقطعة، فيظهر عندئذ وسط هذا الشكل الهندسى قُرص يشبه الشمس المشعة. ومن هنا يُطلق كاتب هذا المقال عـلى هذا الشكل إسم "الصليب الدائر" rotated cross. ويُلاحظ هنا أنه حتى الحِرفيون أنفسهم يُطلقون على الشكل الداخلى فى وسط هذا الرسم الهندسى كلمة "سرة" أو "ترس". وهُم هنا على حق حيث أنها أدق من كلمة نجمة.

وعلى هذا الأساس يَتمثل هذا الشكل الهندسى فى حالة ما إذا كان يتكون من 8 أو 12 أو 16 أو 20 أو 24 قطعة.. فى الصليب الذى دار حول مركزه إما مرتين أو ثلاث أو أربعة أو خمسة أو ست مرات، بالترتيب.

أما فى حالة الشكل المُكوَّن من ست قطع فهو يُمثل فى هذه الحالة تحويرا للمونوجرام المسيحى الذى شاع فى الفن القبطى منذ القرن الخامس الميلادى، والذى يتمثل فى تداخل الحرفين الأولين من إسم السيد المسيح له المجد باللغة اليونانية وهما I وX، وقد استبدل هنا حرف الـ I بشكل الصليب.

أما من الناحية الروحية، فغنىٌ عن الإشارة إلى المدلولات الدينية التى يمثلها الصليب رمز الخلاص والفداء والبذل اللامحدود والقوة فى ذهن المصرى المسيحى. وما يشير إليه قرص الشمس المُشعة التى ترمز إلى السيد المسيح له المجد الذى هو "شمس البر، والشفاء فى أجنحتها" كما سبق فشهد النبى ملاخى (2: 4).

وهكذا كان تفاعل الحضارات على أرض مصر ووحدتها فى القاسم العام المشترك عبر العصور الدينية المختلفة لها.

وانتقل التراث الفنى المصرى الفرعونى القديم عبر الخَلف المصرى المسيحى (الأقباط) إلى الفن الإسلامى المصرى فى كثير من العناصر التى لا تتعارض مع المفاهيم الإسلامية حسبما يشهد بذلك علماء أفاضل كثيرون ([5]).

وعندما ندرس الأحجبة التى استخدمت هذا النوع من الزخرفة، وكلها من النصف الثانى من العصر الممايكى وما بعده، نجد أنها قد جَمعَت أحيانا بين هذا الشكل الزخرفى وبين رسم الصليب الواضح. بينما خلت من الصلبان الواضحة فى البعض الآخر. غير أن هذه الأحجبة قد ضَمت إلى جانب هذا النوع من الزخرفة زخارف أخرى نباتية غاية فى التحوير والتجريد. إلى جانب زخارف كتابية باللغتين القبطية والعربية أو أى منهما. واختفتت تماما فى هذه الفترة الأشكال الآدمية والحيوانية من المشغولات الخشبية، تلك التى سادت فى العصر الفاطمى. وقد اُستُعيض عن ذلك بالأيقونات المحمولة. وكانت الحشوات مُطعمَّة فى أغلبها بالعاج أو بالصدف البسيط الخالى من النقوش. إلى جانب بعض قطع من خشب الأبنوس.


[1] - اُنظر: د / نعمات أحمد فؤاد، شخصية مصر.

[2] - أُنظُر مقاله بمجلة جمعية الآثار القبطية عام 1937م.

[3] - وقد شهد أيضا بذلك السيد الدكتور / أشرف أبو اليزيد مدير عام متحف النسيج المصرى، بالقاهرة الفاطمية فى فيديو منشور له على اليوتيوب بمناسبة مرور عشر على تأسيس المتحف.

[4] - أنظر: بولا ساويرس، "كنائس وأديرة حارة زويلة"، 1993م، ق 3. على موقع الكنوز القبطية.

[5] - مثل الدكاترة: زكى محمد حسن، وحسن الباشا، ونعمات أحمد فؤاد، وعبد العزيز مرزوق، وثروت عكاشة.. وغيرهم.