تطهير الهيكل – القمص أثناسيوس فهمي جورج

تَطْهِيرُ الهَيْكَلِ

دخل السيد الرب إلى هيكله ليفتقده وليعاين أمجاده؛ فيصِلُ لحظات البدء الأولى بآخر لحظات خدمته... دخل وهو رب الهيكل - (الألفا والأوميجا) - إلى بيت أبيه، عندئذٍ وجد الزينات والشكليات والتجارة والاستهانة بالهيكل والساكن فيه؛ حيث ضاعت هيبة البيت وصاحبه... لذا أخذته الغيرة؛ فصنع سوطًا من حبال (يو ٢: ١٥) وأمسك به كرمز للسلطان والغيرة لا للعنف، وطرد الباعة والصيارفة وقلب الموائد؛ كي يطهر هيكله... وعلى الرغم من طيبته وهدوئه؛ إلا أنه حازم حاسم مع مفسدﻱ الهيكل... طردهم وأخرجهم خارجًا ولم يدَعْ لهم متاعًا.

إنه يريد أن يقيم كل شيء جديدًا، يقيم هيكله الجديد وكهنوتًا هارونيًا مقدسًا، يرفض عبادة الشكل والغش وتجارة الربح القبيح؛ لذا كَبَّ دراهم الصيارفة بعد أن صَكَّ عُملته بروحه القدوس... طرد الغنم والذبائح والمكاسب؛ لأنه هو الذبيحة الوحيدة الحقيقية المعدة التي تُبطل عهد الذبائح القديمة، مخرجًا الذين يبيعون ويشترون؛ إذ لا مكان فيه للنقود والمكاسب وسرقة الأمجاد... وهو إلى الآن يرفض المتظاهرين الكذبة الذين يدنسون بيت إلههم بالظلم والخبث... أيضًا لا يبالي بالأعداد المتجمهرة عند الأبواب الخارجية؛ ما دامت تقدماتها شكلية ومغشوشة وبلا روح.

وفي درس تطهير الهيكل؛ أراد الرب أن يعلن رفضه الحاسم لعبادة الحرف والفريسية والاستغلال، يرفض الصراخ والصخب والبيع والمتاجرة والتسلط على الأنصبة واقتناص النفوس.. بنار غيرته أراد أن يطهر ويقدس بثمار تليق بمقدسه وخلاصه. فحضرته إنما هي للتقديس والبركة، ومحضر بيته إنما هو للخلاص والمخافة، لا مكان فيه للهرج والمرج والانتفاع الزمني أو المعنوﻱ؛ لذلك يعلن أنه ليس لهؤلاء مكان في هيكل قدسه.

إن بيته بيت صلاة بيت طهارة؛ بيت بركة "لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة" (يو ٢: ١٦)، مواهبه مجانية وعطاياه بلا ندامة... لا تُشترَى ولا تُباع بفضة أو بمحاباة الوجوة؛ لكنها تُقتنَى بالإيمان والأعمال، تقتنَى بالنعمة والتجاوب والقبول السينرچي... أما من يفسد هيكله يفسده هو، وتكون فضته للهلاك.

لقد رفع سوط سلطانه فأرعب المتاجرين بالمقدسات؛ والذين حوّلوا مسكنه إلى بيت خاص لهم؛ يتربحون منه مالاً أو مكانةً أو منفعةً؛ لأن أبواب هيكله لؤلؤية وأساساته كريمة، وهو نفسه حجر زاويته الكريم وأصل ورأس بنيانه، وهو لا يعطي أبدًا مجده لآخر.

سَوْطه هو روحه القدوس الذﻱ يقود الكنيسة ويدبرها بروح نارﻱ يبكّت ويدين كل عمل لا يرضيه... رافضًا حسابات الصيارفة والباعة الذين حولوا هيكله عن غايته الذبائحية الإلهية، فلا بيع للمواهب "الحمام" ولا مكان لكراسي التجار؛ لذا قلب كل موائدهم التي صيرت بيت الله بيوتًا لهم؛ منتفعين منها؛ لأنه هو كنز الهيكل وربه المعبود والمسجود له وحده، وهو وحده الذﻱ يليق به المجد والإكرام والسجود.

لا هتاف ولا صياح، ولا روائح كريهة ولا وجود لدنس الحيوانات ورائحتها ببيت أبيه، فقد عطرها المسيح بحضوره، وحوّل الصياح إلي عبادة الروح والذهن، وصار هو غنَى الحضرة... "ارفعوا هذه من ههنا" (يو ٢: ١٦)، لا مكان للأمتعة والأقنعة الزمنية؛ لأنه هو الحالُّ في هيكله وهو وحده فصحنا ومركز عبادتنا، ولا يقبل أﻱ تحويل لأعمال مجده عن مقاصدها؛ مبكتآ الجميع لتنتهي مظاهر الزيف والتستر الكاذبة، وهو يُخرج كل الذين جعلوا كرمته للفساد وتينته للانحطاط.. لا مكان فيها للذين أتلفوا القطاف وذبلت شجرتهم؛ مبطلين الذبيحة والسكيب.

طردهم لأنهم عملوا الشرور وتشامخوا بأعناقهم واقتسموا بِقَاعَهُ.. أخرجهم من نعيم بيته، وصب على وجوههم الخزﻱ؛ لأنهم سرقوا مجده لأنفسهم وجازوه عن الإحسان بالإساءة... قلعوا السياج وهدموا الجدران فصارت منهوبةً مدوسةً، وَصَلوا بيتًا ببيتٍ وحقلاً بحقل؛ سالبين حقوقه... فيا له من نداء "بيتي بيتَ صلاة" لا تصيِّروه مسكنًا للصوص؛ ولا تجعلوا موضع الغفران والخلاص بيت تجارة.

ونحن نسأله أن يفتح أمامنا باب الكنيسة المؤسسة بالياقوت والمبنية بالحجارة الكريمة وبالأبواب البهرمانية؛ ويقبلنا برحمته في مجد هيكله الأكمل.

14 أبريل 2014.