تشبيه مشاعر الله نحو شعبه ، بمشاعر العريس نحو العروس – المهندس مكرم زكي شنوده

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب المهندس مكرم زكي شنوده
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

الله روح خالص ليس له مثيل ولا شبيه ، لذلك لا يمكن للعقل البشرى أن يتصوره ، هو خارج نطاق العقل البشرى ، وما يكون خارجاً عن نطاق العقل يستحيل التعامل معه .

ولكن الله يعرف أننا نحتاج للتعامل معه ، نحتاج لأن نعرفه ونشعر به ، نحتاج للشعور بوجوده ، ونحتاج للشعور بمشاعره نحونا .

ومن أجل ذلك الغرض ، فإن الله يشبِّه لنا الأمور الخاصة به ، بتشبيهات بشرية مادية ، فيقول أن عيناه تلاحظان طريق الإنسان ، وأن أذناه تنصتان لطلبة الأبرار ، وأن يده تسندهم وتعضدهم :-

مز34 : 15عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ، وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ

1بط 3 : 12لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ عَلَى الأَبْرَارِ وَأُذْنَيْهِ إِلَى طَلِبَتِهِمْ، وَلَكِنَّ وَجْهَ الرَّبِّ ضِدُّ فَاعِلِي الشَّرِّ.

عب 4 : 13 وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذَلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا.

أع 11 : 21. وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ.

فإن الله هنا يشبِّه نفسه بإنسان مادى له عين وأذن ويد ، مع أنه فى الواقع روح خالص يسمو فوق الماديات بكل صورها وأشكالها ، ولكنه يقدم لنا هذه التشبيهات من أجل تقريب المعنى إلى عقل الإنسان . لأنه يعرف أن الإنسان لايقدر أن يتخيل وجود النظر بدون وجود العين ، ولا وجود السمع بدون الأُذن. لذلك يقدم الله هذه التشبيهات بهدف إعطاء الإنسان إحساساً ملموساً بوجود الله ليقربه منه ، وبالتالى يمكن للإنسان أن يتعامل معه ، فيعرف وصاياه ويتبعها ، فتسير حياة الإنسان وفقاً لإرادة الله الصالحة.

كما يشبه الله مشاعره نحو البشر ، بتشبيهات بشرية أيضاً ، فيشبه علاقته بالإنسان بعلاقة الأب الحنون نحو إبنه ، إذ يحمله على منكبيه ليحميه وليوفر عنه عناء المسير:

خر4 : 22 هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: اسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ.

تث 1 :31 وَفِي البَرِّيَّةِ حَيْثُ رَأَيْتَ كَيْفَ حَمَلكَ الرَّبُّ إِلهُكَ كَمَا يَحْمِلُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ التِي سَلكْتُمُوهَا حَتَّى جِئْتُمْ إِلى هَذَا المَكَانِ.

أو يشبه مشاعره للإنسان بمشاعر الأم الحنون نحو طفلها الرضيع ، إذ تهتم به إهتماماً ليس له مثيل فى حياة البشر كلها ، ولا تغفل عن رعايته لحظة :

أش29 : 15هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هَؤُلاَءِ يَنْسِينَ وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ.

وبالطبع فإن الله يستخدم هذه التشبيهات لتقريب الفكرة فقط ، فلا هو أبٌ بالمعنى المادى ولا هو أمٌ بالمعنى المادى ، بل هو روح لامادية على وجه الإطلاق. ولكنه يريدنا أن نشعر بعنايته بنا ، فيشبهها لنا بتلك الأمور التى نعرفها ونحياها ونشعر بها ، فأعظم مثال نعرفه عن الرعاية ، هو رعاية الأب ورعاية الأم لأطفالهم . بل إن الله يقول بأن عنايته بنا أكثر من ذلك ، إذ قد تنشغل الأمُ عن رضيعها لبضع لحظات ، وأما هو فلا يغفل عنا ولا للحظة واحدة.

كما يشبه الله مشاعر محبته لشعبه الذى يحفظ عهده ووصاياه ، وللإنسان الذى يحفظ عهده ووصاياه ، بأقوى مشاعر الحب التى يعرفها البشر على وجه الإطلاق ، وهى مشاعر حب العريس لعروسه المخلصة لعهده معها ، إذ يكون حبه لها قوياً جداً حتى أنه يراها كلها جميلة وليس فيها عيب إطلاقاً .

فيعلن الله لنا أن مشاعره نحو شعبه والنفس البشرية الأمينة له المخلصة لعهده معها ، تكون على نفس هذا المستوى القوى الذى نعرفه ونلمسه ، فيقول : [كلكِ جميل يا حبيبتى ، ليس فيك عيبة] نش4: 7 .

وفى المقابل المضاد ، يعلن الله عن مشاعر غضبه الشديد نحو الشعب والنفس الذين يخونون العهد معه ، بتشبيهها بأشد مشاعر الغضب التى يعرفها البشر على وجه الإطلاق ، وهى غضب العريس على عروسه التى خانته ، فلا غضب يعرفه البشر أشد من ذلك الغضب.

فيعلن الله لنا أن مشاعره نحو شعبه والنفس البشرية التى خانت العهد معه ، تكون بنفس شدة غضب العريس نحو عروسه الخائنة ، إذ يراها كلها نجسة وقبيحة وكريهة ، مثلما يخاطب الله أورشليم ، فبدلاً من قوله سابقاً لها : “كلك جميلة ياحبيبتى” عندما كانت مخلصة له ، فإنه هنا يقول لها -بعدما فسدت بالنجاسات- بغضب رهيب: [أيتها الزوجة الفاسقة … أحكم عليكِ أحكام الفاسقات السافكات الدم] حز16: 32 – 38

ونلاحظ أن هذه التهديدات الشديدة لشعب الله ووصفهم بالزوجة الفاسقة ، كانت قبل سبى بابل الرهيب مباشرة

ولكن بالرغم من أن الله  شبَّه لهم حالتهم فى نظره بهذه الأوصاف التى يفهمون جيداً مدى فظاعتها ، وبالتالى يفهمون جيداً مدى الغضب الإلهى الذى وصل إلى حالة الصرخة المدوية الغاضبة التى تسبق الإنتقام الرهيب ، إلاَّ إنهم لم يتوبوا ، وبالتالى حق عليهم العقاب الرهيب الذى سبق الله وهددهم به.

(وإننى إعتقد أن هذه الأوصاف الصعبة التى سبقت عقوبة سبى بابل ، فى سفر حزقيال النبى وغيره ، تتكرر الآن وتنطبق على العالم كله ، فما يحدث الآن فى العالم لا يقل أبداً عن أوصاف الزوجة الخائنة الفاسقة وكل أفعالها الشنيعة ، بل إننا رأينا فى أوربا هذه الأوصاف الشنيعة للفجور الجنسى تحدث فعلياً وشبه علنياً ، وليس مجرد مجازياً ، كما أنها موجودة عندنا بنسبة كبيرة ولكن فى الخفاء ، ولذلك فهذه التهديدات الشديدة تنطبق على أهل زماننا أيضاً ، فالغضب الإلهى قادم إن لم نتوب ، لذلك لا يجب أن نتجاهل هذه التوصيفات الصعبة ، بل نعتبرها تخصنا وتخص جيلنا نحن بالذات ، فقد وصلنا إلى نفس هذه الحالة الشنيعة ، والأمر لا يقتصر على خطية الزنى بالجسد وحدها ، بل كل خطية هى زنى عن الله: قض2: 17 ، فكل من يسرق أو يعمل لحساب أعداء الكنيسة أو يهدم العقيدة الصحيحة .. إلخ، هو نفسٌ زانية ، هو الزوجة الفاسقة ذات الأوصاف الشنيعة )

ولكننا نكرر القول بإن كل هذه التشبيهات هى مجرد تشبيهات تقريبية فقط ، إذ فعلياً لا يوجد أبٌ مادى ولا أمٌ مادية ولا رضيعٌ مادى ، وكذلك لايوجد عريس مادى ولا توجد عروس مادية ، بل إن الكلام كله يدور عن الله -الروح الغير مادى – وعن الشعب والنفس البشرية .

فالهدف هو إعطاء مثال واضح محسوس وملموس ، مأخوذاً من أشد وأقوى المشاعر التى يعرفها البشر على وجه الإطلاق ، إن كان من الأب لطفله ، أو الأم لرضيعها ، أو العريس لعروسه المخلصة له ، أو العريس لعروسه الخائنة له.

فالهدف دائماً هو أن تترسخ عند الإنسان فكرة واضحة جداً عن مشاعر الله نحونا – بالرغم من أنه روح غير منظور – مما يدفع الإنسان للتصرف الصحيح الذى يجعل علاقته بالله : علاقة حب فى أجمل صورها ، ويتجنب التصرف الخاطئ الذى يسيئ لعلاقته مع الله .