تاريخ ادخال الماستير لادوات المذبح في الكنائس – القمص يوسف تادرس الحومي

كارت التعريف بالمقال

تاريخ إدخال الماستير لأدوات المذبح في الكنائس

بعيدا عن الجدل الدائر الآن حول التناول بالماستير. من عدمه والمهاترات التي وصل لها البعض فإني - وبناء على طلب أحد الاباء الرهبان الأحباء لقلبي - معرفة تاريخ إدخال الماستير للكنيسة؛ فساحاول أن اجتهد وانظر في كتب تاريخ الطقوس وتطورها وتاريخ الكنيسة العام وأن اجاوب على قدر طاقتي ٠.

الماستير هو الملعقة التي يتم التناول بها قطرات الدم المقدس من الكأس التي يتم تقديسها مع الجسد المحي وقت القداس الإلهي وعندما أسس الرب يسوع سر الافخارستيا يوم خميس العهد (خميس الاسرار) لم يستعملها لأنه أعطى الرسل الاثني عشر أن يشربوا من الكأس مباشرة؛ فالرسل هم روساء كهنة العهد الجديد ووكلاء سرائر الله (١كو ٤: ١) وهم الذين اعطاهم الرب السلطان لاقامة الأساقفة خلفاء لهم وسلموهم كل ماتسلموه هم من السيد المسيح ٠ أقول هذا لأن الكهنة والاساقفة إلى اليوم يتناولون الدم من الكأس مباشرة مثل الآباء الرسل وكان المؤمنين الأوائل يتناولون الأسرار المقدسة في أيديهم فيذكر القديس كيرلس الاورشليمي (٣١٤ - ٣٨٧م) في العظة رقم ٢٣ وصايا للمتناول فيقول اجعل من يدك اليسرى عرشا ليدك اليمني وفي راحة يدك تقبل جسد المسيح ٠٠٠ واقترب لكأس دمه والقديس مار افرام السرياني في (اناشيد الميلاد) يشير لنفس طريقة التناول ولرشم الجسد بالدم كما أن القديس يعقوب السروجي يقارن بين الملائكة الذين لايستطيعون النظر إليه (أي المسيح) وبين البشر الذين يحملونه بأيديهم (ميمر ٤٢) ونفس الأمر عند القديس فيلوكسينوس المنبجي وقبل هؤلاء الآباء نرى في القرن الثالث في قوانين "هيبوليتس" مايشير إلى أن الدم يعطي من الكأس - ولم يقول يشرب بالكأس مباشرة وأيضا لم يذكر الماستير صراحة فيقول: "٠٠ يدفع لهم الأسقف من جسد المسيح ويقول: هذا هو جسد المسيح فيقولون هم آمين؛ والذي يدفع لهم من الكأس يقول هذا هو دم المسيح فيقولون آمين" (قانون ٢٥: ١٩). ونلاحظ هنا أنه لم يقول يعطيهم الكاس ليشربوا منه بل قال (من الكأس) مما يحتمل الإشارة للملعقة (الماستير) ومن هنا ربما كان الشرق أسبق في هذا عن الغرب ٠.

وأول دليل واضح على استخدام الماستير كان في كنيسة القسطنطينية (استنبول الآن) وقت بطركها القديس يوحنا ذهبي الفم في القرن الخامس؛ وكانت الحاجة إليه لتناول الجسد ٠ فقد أشار الأب Nikolai Gogol نيقولاي جوجول في: On the Divine Liturgy يقول: ٠٠ لما بدأ بعض المسيحين الذين قبلوا المسيحية حديثا بطريقة اسمية فقط؛ يحملون معهم القدسات إلى بيوتهم ويستخدمونها في (غير أغراضها) ٠٠ لذا أمر القديس يوحنا ذهبي الفم الا يتناول الشعب العنصرين منفصلين بل يخلطا معا ولا يعطيا للشعب في اياديهم بل بملعقة مقدسة (ماستير) تقوم مقام الملقط الذي لمس به السيرافيم فم اشعياء النبي (اش ٦: ٧) وسفر اشعياء يقول: "فطار إلى واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح ومس بها فمي وقال إن هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك" (اش ٦: ٦ و٧) وهذا وضع هذا حدا لكثير من التهاون وقت التناول الذي يؤدي إلى الانسكاب؛ أو وقوع بعض الجواهر على الأرض ٠ فبعض الناس كانوا يهملون ويسقطون جزئيات الجواهر وياخذونها لأغراض خبيثة ٠ ومن هنا نفهم أن الأصل في الماستير هو تناول القربان المقدس ممزوجا بالدم بعد أن صار ممنوع تناوله باليد ٠ ولاتزال الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية (عائلة الروم الأرثوذكس) تناول الشعب الجسد والدم معا بالماستير ذلك بأن يقسم الجسد إلى أجزاء صغيرة جدا بالحربة؛ ثم توضع هذه الأجزاء في الكأس وبه الدم ويتم التناول بالماستير تحت الشكلين معا ولاتزال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية محافظة على طقس تناول القربان المقدس (الجسد) بالماستير للان انما حصرته في رجال الاكليروس فقط كهنة واساقفة شركاء الكاهن الخديم؛ فلايزال الطقس القديم متبعا حيث يضع الأسقف (أو الكاهن) الخديم الذي قام بتقديس الأسرار أجزاء القربان المقدس في الماستير للاسقف (أو الكاهن) الشريك فيتناولها بالماستير؛ ونفس الأمر بالنسبه للكأس فيتناول منه أيضا بالماستير أو بالطريقة القديمة جدا كالرسل من الكأس مباشرة ٠ ولكن بالنسبة للشعب فطريقة التناول معهم تختلف (راجع خولاجي القمص عبدالمسيح صليب - المسعودي) وبالرغم من أن هذه الطريقة بدأها ذهبي الفم في أوائل القرن الخامس إلا أنها لم تعمم في كل كنائس بطريركية القسطنطينية وباقي البطريركيات إلا نحو القرن التاسع حسب تواريخهم ففي القرن السادس ومابعده كانت الطريقتان متبعتان للتناول باليد والتناول بالفم لأن القديس يعقوب الرهاوي اعترض على تناول الأسرار بالفم وكان يفضل الطريقة القديمة وهي التناول باليد وهناك إشارة قوية في تاريخ البطاركة أن طريقة تناول الجسد والدم معا في الكأس كانت موجودة في كنيسة الإسكندرية ربما تأثرا بالروم فقد ورد في آخر سيرة البابا مرقس الثاني البطريرك ٤٩ أنه وقت موته يوم ٢٩ أبريل سنة ٨١٩ م قال للأساقفة الموجودين عنده أسرعوا وقدسوا: "فلما فرغ القداس جاءوا إليه بالكأس فتناول جسد ودم المسيح الهنا ثم قال أنا اودعكم ٠٠" ٠ ونرى من شهادة تاريخ البطاركة أن طريقة تناول الجسد والدم معا من الكأس بالماستير كانت موجودة في كنيسة الاسكندرية فى القرن التاسع ٠.

وربما لجأت الكنيسة إلى الماستير لمناولة الدم بعد ازدياد الإعداد كثيرا ولم يكن مناسب أن يتناول كل واحد من الكأس مباشرة وفي القرن الحادي عشر كانت كل الكنائس في الشرق والغرب قد ساد فيها استعمال الماستير في التناول والدليل القوى على ذلك أن العالم القانوني الشهير ثيودور بلسامون ( + ١١٩٥م) في تعليقه علي القانون ١٠١ للمجمع الخامس عند الروم يقول ان الطريقة التقليدية لتوزيع الشركة (التناول) قد تم التخلي عنها في بعض المناطق بعد قرون هذا معناه أن استخدام الماستير لم يأتي بقرار مجمع مسكوني أو محلي وإنما جاء تدريجيا حسب الاحتياج ٠ وحسب القرار المحلي لكل كنيسة من الكنائس ٠ وقد واجه بعض المقاومة في البداية مثل كل تغير يحدث ٠ثم تأثرت الكنائس من بعضها البعض تباعا وتم قبول الماستير كجزء أساسي من أواني المذبح في التناول من الأسرار المقدسة وصار له صلاة تكريز خاصة به ٠ ففي الكتاب الشهير وهو "الترتيب الطقسي للبابا غبريال الخامس" وهو بابا الإسكندرية ال ٨٨ في القرن الخامس عشر يذكر صلاة لأجل الملعقة في الباب الخاص بتكريز أواني المذبح - دليل استقرارها في الكنيسة القبطية ٠ كما يذكر في الباب الخاص بترتيب القداس أن الشعب يتناول بالملعقة؛ وينبه الشماس (الدياكون) أن يحترس وهو ممسكا الملعقة في الكأس وقت التناول ٠.

كما يذكر البابا غبريال تعليلا لعدم استخدام طريقة اليد في استلام وتناول السرائر المقدسة فيقول: وكون أن الكاهن لايعطي الجسد للشعب في أيديهم مثل بعض الطوائف فهو لأجل قوله لمريم لاتلمسيني لأني لم أصعد ٠٠٠ إلخ ٠ وفي القرن الرابع عشر أي قبل ترتيب البابا غبريال بقرن من الزمان يذكر ابن كبر كاهن الكنيسة المعلقة في القرن ١٤. في الموسوعة الطقسية المسماة "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة" أن الماستير يستخد م في مناولة الدم من الكأس ٠ وفي الكتب الطقسية المتأخرة (الحديثة) يوجد ذكر للماستير دليل استقراره في الكنيسة القبطية مثل كتاب اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة للقمص يوحنا سلامة الذي صدر في حبرية البابا كيرلس الخامس. أواخر القرن ١٩ وأوائل العشرين.

ومن الناحية الإيمانية فالماستير أصبح مقدس بتكريزه بالميرون وبلمسه لدم المسيح؛ ورد في انجيل متى إصحاح ١٤ والعدد ٣٦: "وطلبوا إليه ان يلمسوا هدب ثوبه فقط؛ فجميع الذين لمسوه نالوا الشفاء" فإذا كان الذين لمسوا طرف الثوب فقط شفوا ٠ فكم وكم الماستير الذي يغمس في دمه ويتطهر منه هل يأتي بالمرض؟ واذا كنا نختلف وندين بعضنا ونتطاول على كل المقدسات والثوابت التي هي انعكاس وتطبيق للإيمان والعقيدة المستقيمة فكيف نتقدم للتناول في توبة وخشوع وقلب ملئ بمحبة الآخرين؟ وهل نعين أنفسنا قضاة وحكام على الكنيسة وقادتها أفلا نفقد روح الاتضاع؟.

فكيف بعد هذا نتجرا على التناول؟

المشكلة ليست في الماستير إنما في عدم الإيمان نصيحة اخيرة لكل أحبائي واخوتي اتركوا الأمر في الأيدي الامينة على الكنيسة ممثلة في آباء المجمع المقدس برئاسة قداسة البابا وصلوا لأجل أن يرشدهم الله لما يريده هو - ونحن نطيعهم في النهاية - القمص يوسف تادرس الحوم.