القمص ميخائيل سعد من رواد مدارس أحد الأسكندرية – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
الشخصيات القمص ميخائيل سعد
التصنيفات أدب مسيحي, سير قديسين وشخصيات
الأماكن كنائس الإسكندرية
الزمن القرن العشرين الميلادي
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

القمص ميخائيل سعد

(رواد مدارس احد الاسكندرية)

القمص اثناسيوس فهمي جورج

وُلد بمدينة الإسكندرية ظهر يوم الجمعة ١٩ فبراير ١٩٠٩ بإسم صُبحي سعد ؛ و في عام ١٩١٤ عندما قامت الحرب العالمية الأولى و تعرضت المدن للأخطار ؛ ذهبت أسرته إلى مدينة دمنهور وعاشت بها حتى انتهت الحرب عام ١٩١٩ … ثم عادت الأسرة إلى الإسكندرية وعاشت في حي راغب باشا حيث وَجَدَ والده سعد ابراهيم الأعسر ( ١٨١٦– ١٩٤٠ ) عملاً حسابياً بإحدى الدوائر الأجنبية. و عندما وقعت الحرب العالمية الأولى ؛ تعطلت الدراسة بالمدارس المصرية بسبب المظاهرات ، إلتحق صبحي سعد بمدارس الفرير ( بمنطقة أبي الدرداء ) ثم القلب المقدس ثم سانت كاترين ( بالمنشية ) ؛ و انتهت دراسته بها عند شهادة الـ Bachot ثم انخرط في دراسة المحاسبة التي نظمتها الدولة ؛ إذ أن الجامعة لم تكن قد أُنشأت بعد….

بدأ الخادم صبحي سعد عمله كموظف بمجلس مدينة دمنهور في الأعمال الحسابية و استمر فيها قرابة عشرين عاماً. كانت بدايات خدمة الخادم صبحي سعد نحو عام ١٩٢٠ ؛ عندما قدم آنذاك إلى الإسكندرية الواعظ يوسف أفندي مجلي الذي عينه الأنبا يؤانس وكيل عام الكرازة المرقسية واعظاً للكنيسة المرقسية السكندرية ؛ بجانب خدمة الوعظ بجمعية الثبات بحي راغب باشا ؛ والذي فيما بعد (سيم كاهناً للكنيسة المرقسية عام ١٩٢٤ بأسم القس يوسف مجلي و تنيح عام ١٩٨٤ ) .؛ تلمذ فيها وخدم جيله بأمانة وبر .

كان منزل سعد إبراهيم والده قريباً من جمعية الثبات ؛ لذلك كان صبحي سعد يتردد على اجتماعات هذه الجمعية مساء الثلاثاء لدراسة الكتاب المقدس ، و عصر الأحد لسماع العظة الأسبوعية وكان من بين الحاضرين لهذه الاجتماعات الروحية الشاب عازر يوسف عطا (البابا كيرلس السادس فيما بعد). حيث كان الواعظ يوسف أفندي مجلي يقوم بتدريب الشباب على الخدمة، كي يقوموا بإعداد موضوعات ؛ كل حسب اختياره للتحدث فيها. فكان الموضوع الأول الذي قام صبحي بإعداده عن “الغيرة المقدسة” و بعدأان انتهى من التحدث في الموضوع ؛ عَقّب يوسف أفندي مجلي بقوله : (هذا الطالب تكلم في موضوع هام ؛ أيّده بإثنى عشر آية، و عمره 12 سنة، و هو السن الذي ظهر فيه السيد المسيح له المجد في الهيكل بين المعلمين).

و منذ تلك السن المبكرة ابتدأ الشاب الصغير صبحي سعد يعظ في الجمعيات القبطية في أحياء الإسكندرية. كان قد تدرب على يد الواعظ العظيم الأرشيذياكون اسكندر حنا أشهر وأقدم وعاظ هذا الجيل ؛ و أخذ يستمع إلى عظاته اليومية في منزل إحدى العائلات بمنطقة عمود السواري وخدم معه في مناطق – ( كرموز + كوم الدكة + كوم الشقافة ) – ثم انتقل الاجتماع إلى الكنيسة المرقسية.؛ حيث لم توجد كنيسة في الثغر السكندري ( راكوتي ) ؛ حينئذ غيرها .

كانت مدارس الأحد بالإسكندرية قد تأسست عام ١٩٢١ فاهتم صبحي سعد بحضور اجتماع ترتيب الخدمة الأسبوعية، منذ نبتتها الصغيرة على يد الأرخن جبران نعمة الله ناظر مدارس الأقباط ؛ بل وعمل أولاً كمراسل بين مدارس الأحد و كهنة الكنيسة المرقسية و المطبعة ومستوردي الصور الملونة، ثم ذهب لخدمة مدارس الأحد في الجمعيات وبالتحديد في منطقة غربال ؛ وتنقلت خدمته في مدن البحيرة مع استلامه لعمله الوظيفي الحكومي ؛ حيث أسس اجتماعًا للوعظ و آخر لمدارس الأحد ؛ في فترة الأربعينات بكفر الدوار كان أحد تلاميذ فصله فيها؛ الصبي سامي كامل (القمص بيشوي كامل فيما بعد). اشتهر القمص ميخائيل سعد بشغفه الشديد والمتقن لخدمة الوعظ والتعليم الكنسي ؛ تلك التي بدأها منذ البواكير وقبل رسامته كاهنا ؛ مأاثرا بجيل الأرشيدياكون حبيب جرجس والأرشيدياكون اسكندر حنا واسكندر ابراهيم والقمص إبراهيم عطية والقمص لوقا ابراهيم والأرشيدياكون عياد عياد والقمص بولس باسيلي أستاذ الوعظ بالاكليريكية ؛ وغيرهم من خدام الكلمة والوعظ المشاهير آنذاك …

هذا وقد كانت بدايات خدمته متزامنه مع نشأة مدارس الأحد ؛ في جمعيات الإسكندرية القبطية (التوفيق + الثبات + الإخلاص + أصدقاء الكتاب المقدس + اليقظة والنهضة + الرابطة المرقسية + الإصلاح القبطي ..) ..وقد بدأ خدمة مدارس الأحد في جمعية ثمرة السلام لأولاد الكنيسة في أحياء العطارين والمنشية والجمرك ؛ ثم أنشأ فصول مدارس الأحد في منطقة ( راغب باشا + إيزيس + الباب الجديد + اللبان ) .. عبر الجمعيات والرابطة المرقسية ؛ التي اهتمت بتعليم ما اصطُلح على تسميته ( خلاصة الأصول الإيمانية في معتقدات الكنيسة القبطية ) ؛ إذ أن ” اضطرام القلب ” و” الغيرة الروحية ” لا يمكن أن تتم مصادفة ؛ بل يجب أن تكون مؤسسة على العقيدة الأرثوذكسية القويمة ؛ وعلى الجدية الروحية في التربية والتعليم ؛ حسبما بدا التعليم التكويني للنشئ في جامعة المحبة وجامعة الإيمان ؛ مع مطلع القرن العشرين .

ويعتبر أبونا ميخائيل من أول رُواد مدارس الأحد في الإسكندرية ؛ حاملاً لشعلتها منذ شرارتها الأولى ؛ فمن المعروف أنها شقت طريقها وسط صعوبات وإقناعات واحتياجات ؛ وهو كان من بين الذين حافظوا على تأسسيها في خِضَم أجواء صعبة ؛ تستلزم حتمية التنوير كي تتحقق أهداف مدارس الأحد في إعلاء شأن التربية الروحية والتعليم الأخلاقي المسيحي – وعمل الإشبين الأمين مع الجيل الناشئ – بغرس وتعميق الارتباط بالكنيسة الأم . تلك المبادئ التي جعلتها حية في أبناء الأقباط ؛ وحفظت شبابها من الطوائف ؛ وكونت جيلاً من محبي التكريس الذين أحنوا رؤوسهم على أعتاب خدمة الهياكل ؛ ساعين لبلوغ الهدف وواضعين البرامج التعليمية حسب ما يناسب الأعمار السنية ؛ إلى جانب المذكرات التي ترشد الخدام ليستزيدوا في المعرفة الصحيحة . ولغيرة أولئك الرواد الذين بادروا بالبدايات أسسوا خدمة لمدارس الأحد واجتماعات الوعظ في منزل استأجره الأرشدياكون اسكندر حنا الواعظ في حي مُحرَّم بك ( أصبح فيما بعد مقر المدرسة المرقسية الإعدادية ) ؛ لتكبر النباتات والغروس بتعب كثيرين كان من أبرزهم جبران نعمة الله وتادرس ميخائيل الرشيدي .

كان التقليد المتبع بالإسكندرية في ذلك الوقت أن المجلس الملي والجمعيات الممثلة لمدينة الإسكندرية يقوموا بترشيح وتزكية الشخص المدعو للكهنوت لدى الآب البطريرك. ففي ٢١ ابريل ١٩٤٧ تقدَّم الشعب و الجمعيات والمجلس بتزكية الشماس صبحي أفندي سعد لرسامته كاهناً لكنيسة الملاك ميخائيل بحي غربال بالإسكندرية… وقد خدم فيها مع آباء من الرواد : القمص باسيليوس اسحق والقمص بطرس رياض .

و في ٨ مايو ١٩٤٨ قام قداسة البابا يوساب الثاني ومعه الأنبا توماس مطران الغربية والانبا ديمتريوس مطران المنوفية بسيامة الشماس صبحي سعد كاهناً بإسم القس ميخائيل سعد. ؛ وتعززت صورة تعليمه وإرشاده ؛ وتشبعت عظاته بطلب النعمة الإلهية والخلاص الثمين ؛ والتي لم تخلو له عظة من ذكرها ؛ واختار اسمها ليكون عنوان صَرْحه الروحي ( بيت النعمة بسموحة ) .

ظل يخدم بكنيسة الملاك ميخائيل حتى عام ١٩٥٦ ، وفي تلك الأثناء اهتم بمشروع بناء كنيسة السيدة العذراء و القديس يوسف بسموحة. ففي يوليو ١٩٥٠ اشترى قطعة أرض بمنطقة سموحة الحالية و مساحتها ٢٣٠٠ ذراع ، و تمكّن من إقامة الطابق الأرضي وبدأت الصلاة والخدمة بعد التدشين مساء السبت ٣١ مارس ١٩٥٦ برئاسة المتنيح أنبا ميخائيل مطران أسيوط وصلى نيافته القداس الإلهي صباح الأحد أول أبريل ١٩٥٦ و منح القمصية للأب ميخائيل سعد . ثم قام بشراء مساحة جديدة لتوسيع الكنيسة مساحتها ٦٣٠٠ ذراع و ذلك في عام ١٩٦٨ . و في عام ١٩٧٠ تم بناء الطابق العلوي وتم الافتتاح والتدشين ؛ في أول يناير ١٩٧٨.

خدم أيضًا بكنيسة السيدة العذراء بمحرم بك ؛ مع القمص مرقس باسيليوس ؛ كما خدم فترة بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية مع المتنيح القمص يوسف مجلي و المتنيح القمص فيلبس بطرس (١٩٦٢ – ١٩٦٨ ). و في عام ١٩٧٤ ؛ بدأ بالتفكير في مشروع بيت النعمة و لكنه تعطل لظروف معاكسة كثيرة ؛ حتى بدأ العمل في نهاية عام ١٩٨٨ ؛ وبمعونة القدير تم الانتهاء من بناء المبنى الضخم ؛ والمكون من ستة أدوار على مساحة ١٢٠٠ متر مربع في عام. ١٩٩٢ ؛ والذي شمل أغراضًا كثيرة ومتعددة ؛ والتي ضمت مستشفى بيت النعمة ؛ و دار للطالبات المغتربات ؛ ودار المسنين و دار الحضانة و قاعة للمناسبات ؛ ولخدمة المكفوفين والأنشطة التعليمية . فلم يكن أبونا ميخائيل فقط صاحب الزمام والمبادرة ؛ لكنه أيضًا كان الرأس المحرك التي تتخذ التدابير ؛ وتتجاوب مع النداءات السخية والكافية لاحتياحات الرعاية ؛ متجاوزًا حدود رعيته جغرافياً ؛ متجهاً نحو التعمير في آفاق أوسع وأرحب ..فسبق وأدرك بعين الإيمان الثاقبة ؛ ما ستكون عليه البيعة التي حَلُم بها حتى أكمل بناءها ؛ بالدم والعرق المخلوط بالحجارة ؛ متمماً واجباته ؛ حتى النفس الأخير .

كان أبونا القمص ميخائيل كاتباً وباحثاً ؛ فأصدر مجموعة من الكتب العديدة : مراحل الصلاة والحياة الروحية ( ١٩٦٢ ) ، الصليب في أسرار الكنيسة (١٩٦٢ )، سيرة الأنبا أبرآم أسقف الفيوم (١٩٦٥ )، إيمان واحد لكنيسة واحدة ( ١٩٦٨ ) ، بالحقيقة نؤمن بإله واحد (١٩٦٨ )، سيرة الأنبا صرابامون (١٩٦٨ ) ، القديس يوسف البار خطيب القديسة مريم العذراء (١٩٧٦). بالإضافة إلى عدد ٢١ رسائل نعمة ومعرفة ولاهوت وعقيدة وتفسير. كان شديد الاهتمام بالحديث عن جوهر إيماننا “الصليب” ، شديد الاهتمام بالخدمات الكنيسة، حريصًا على حضور الخدمة و مراجعة كراسات التحضير . وقد عرفتُهُ منذ نعومة أظافري ؛ كاهناً مقرباً لعائلتي؛ وأذكر ريادته وقامته وشهرته في الخطابة والوعظ ؛ وفي الجهارية الدفاعية ؛ كونه من الفرسان الأحرار المشهود لهم بالتحرر من التباعيات ؛ إذ أنه كان قوي الشكيمة ؛ مُهاب الجانب ؛ جهوريًا جماهيرياً ؛ محبًا للتعمير والتعليم ؛ الأمر الذي جعل من كنيسته خلية نَحْل بالحضور المستمر لأسقف التعليم أنبا شنودة ؛ وقد صارت بدايات اكليريكية الإسكندرية بكنيسته ” عذراء سموحة “؛ وبالفعل وضع لها حجر الأساس بيد المتنيح البابا أنبا شنودة الثالث منذ أن تبوأ الكرسي المرقسي الرسولي .

لقد صارت كنيسة العذراء والقديس يوسف النجار بسموحة ؛ منارة لخدمة التربية الكنسية ومؤتمراتها وأنشطتها ؛ لأن خادمها الأول ومؤسسها ؛ كارزها وواعظها ؛ لم يكرز بيسوع آخر ؛ ولم يأخذ روحًا آخر ولم يفتخر بالوجوه ؛ لكنه خدم إنجيل الله حيثما ذهب ؛ ولم يدخر شيئاً من العوائد إلا وأخبر رعيته بها ؛ طالباً إياهم لا ما هو لهم .. حيث كثرت له التعزيات وسط آلام وضيقات كثيرة ؛ مقدمًا للكنيسة صروحاً شيدتها ؛ معه يد القدير الممسكة بيمينه ؛ لأنه تأسس على إنجيل كلمة الحق . مستمسكا بسلامة الإيمان كأهم هدف لمدارس الأحد ؛ من أجل درء مخاطر تسميم الأفكار الغريبة ؛ لكن ذلك كله لم يمنعه من تكريس طاقته للتعمير ؛ وفتح أبواب جمع التبرعات للبناء والتشييد وحفظ شريعة المحبة والعطاء ونمو الشعب في مناطق ( منشية النرهة – عزبة سعد – الحضرة الجديدة – الجواهر – والمناطق المجاورة ) والتي بدأت بذرة خدمتها في جمعيات؛ وأضحت اليوم كنائس ومدن سماوية .

إنها رحلة خادم مدارس الأحد الواعظ ؛ الذي عملت معه نعمة الله الفائقة ؛ ومكّنته وسط اشتداد عواصف الضيق والمتاعب في الداخل والخارج ؛ حتى رفع بروح الله شعبه فوق كل الأحداث ؛ عبر العمل المستمر حتى لم يعد جسمه قادرًا على تحمل كل هذه الأعباء ؛ فلازم الفراش لمدة أسبوع و في فجر الخميس ٢٥ يناير ١٩٩٦ رقد في الرب بعد أن خدم ٤٥ عاماً في الكهنوت عن عمر ٨٧ عاماً و قد أكمل سعيه بسلام؛ ليعيش الحياة المطوبة في مجد الأبدية .