البابا ديونيسيوس الكبير – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات الأستاذ يسى عبد المسيح حنا
التصنيفات أدب مسيحي, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 19 يونيو 2021


البابا ديونيسيوس الكبير (190 - 265)

هو أحد أعظم شخصيات التاريخ الكنسي الهامة والجميلة، وواحد من الآباء الذين ساهموا بآراء قاطعة في قضايا لاهوتية شائكة في بداية الكنيسة قبل أنعقاء مجامع مسكونية.

كان قلبه متسع للكل، ولم يوجد في كتاباته ما يُسئ لمن يختلف معه... الشذرات التي وصلتنا من كتاباته كافية للحكم بأنه أعظم مُعلمي الكنيسة على مر عصورها، والكتابات االمفقودة تمثل أحد الخسائر الفادحة للأدب المسيحي!

هو أول أسقف للأسكندرية وصلتنا رسائله الفصحية التي صارت عادة سنوية من بعده لأساقفة الأسكندرية أن يرسلوا إلى كنائس مصر عن تاريخ البصخة وبداية الصوم السابق لها.

لقبه القديس أثناسيوس "معلم الكنيسة الجامعة" كما دُعي "ديونيسيوس الكبير " بسبب ما عاناه من ضيقات محتملاً ذلك في شجاعة وثبات، ولغيرته على الكنيسة، لا على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى الإبيارشيات الأخرى. وتوضح رسائله أنه كان له دور نشيط في كل الصراعات العقائدية في عصره. فلم يك هناك أكثر تبجيلاً منه على كرسي مارمرقس في الثلاث قرون الاولى!

ويعد أبرز تلاميذ أوريجينوس الذين تأثروا بمنهجه الرمزي في التفسير ونسكياته العميقة، وكتب رسالة إلى ثيوتكنس يمتدح فيها فضائل أوريجانوس، لكنه لم يستدعيه من قيصرية بعد نياحة البابا ديمتريوس الذي حرمه، مُفضلاً السلام وأحترام آراء سابقيه رغم محبته له!

كان والداه وثنيان ومن الأغنياء في الأسكندرية. ويبدو أنه اهتدى إلى الإيمان بالمسيح عن طريق قراءته الكثيرة وبحثه عن الحق، كما يتضح من إحدى رسائله أنه كان يقرأ كثيرًا في المؤلفات الوثنية وكتابات الهراطقة وأنه كان يكتشف الأخطاء التي فيها بمعونة من الله إذ يقول إنه ظهرت له رؤيا من الله ساعدته، يقول له فيها بوضوح "اقرأ كل ما يقع في يدك من كتب، فأنت قادر أن تفحص كل شئ لتكتشف الحق، وهذا هو سبب إيمانك في البداية" (تاريخ الكنيسة لأوسابيوس 7: 1ـ3). وقيل أن أرملة عجوز مرّت به معها بعض كتابات الرسول بولس تريد بيعها. فاشتراها منها وأخذ يدرسها ويفحصها. فأُعجب بها جدًا وحسبها أفضل ما قرأه من كتب الفلاسفة. وإذ طلب من السيدة أن تأتيه ببقية الأوراق ويدفع لها ما تريد أحضرت له ثلاث رسائل أخرى. وإذ شعرت الأرملة أن نعمة الله قد عملت في قلبه قالت له: "إن شئت أيها الفيلسوف أن تطّلع على كثير من مثل هذه الأقوال عليك بالذهاب إلى الكنيسة لتجد من يعطيها لك مجانًا. فمضى إلى الكنيسة حيث التقى بشماس يدعى أوغسطين الذي دفع له رسائل معلمنا بولس الرسول كاملة، فقرأها وقبل الإيمان المسيحي.

مضى ديونيسيوس إلى البابا ديمتريوس ونال منه سرّ العماد، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية، ثم تولى إدارة المدرسة اللاهوتية بالأسكندرية وفي نفس الوقت كان أسقفًا للأسكندرية بعد هيراكلاس الذي خلف ديمتريوس؛ وكان ذلك سنة 248م. استمر أسقفًا ومديرًا للمدرسة حتى نياحته سنة 265م.

في عام 250م بدأ اضطهاد ديسيوس Decius للكنيسة فاضطر إلى الهروب. فعرّض نفسه مثل القديس كبريانوس للاتهام بالجبن. وقد اقتطف المؤرخ يوسابيوس رسالة القديس ديونيسيوس إلى أحد أساقفة الأقاليم يدعى جرمانيوس يدافع فيها عن نفسه: قائلاً:

"أتحدث كمن هو في حضرة الله، إنه يعلم أني لا أكذب.

إنني لم أهرب بدافع من نفسي، أو بدون إرشاد إلهي.

وحتى قبل هذا وفى نفس الساعة التي بدأ فيها اضطهاد ديسيوس، أرسل سابينوس جنديًا يبحث عني. وكنت في الدار أربعة أيام أنتظر قدومه، لكنه تجوّل يبحث في كل موضع، في الطرق والأنهار والحقول، إذ ظن أني مختبئ فيها أو أتي في الطريق إليها.

فقد انطمست بصيرته ولم يجد البيت، ولا تصور أني أبقى في البيت في الوقت الذي فيه يجري البحث عني.

فقط بعد أربعة أيام أمرني الله أن أغادر الدار مع كثير من الاخوة.

أما كون هذا قد تم بعناية إلهية فواضح مما حدث بعد ذلك إذ ربما كنت نافعًا لبعض الأشخاص ".

في عام 257م حدث أيضًا اضطهاد أثاره الإمبراطور فاليريان فنفى إلى قرية صحراوية تسمى خفرو Cephrs، هناك استطاع أن يبشر بين الوثنيين فنفي إلى ليبيا ومنها إلى مريوط في Collutho. ولما عاد إلى الأسكندرية واجهته مشاكل جديدة إذ حدثت حرب أهلية، وتفشى هناك وباء وصف خلاله سلوك المسيحيين مقارنة بالوثنيين تجاه المرضى قائلاً:.

"كان أكثر الأخوة أسخياء جدًا في محبتهم الزائدة وعطفهم، فازدادت رابطتهم مع بعضهم البعض، فكانوا يفتقدون المرضى بغير تخوّف، ويخدمونهم بصفة مستمرة. يخدمونهم في المسيح.

أما الوثنيون فكانوا ينفرون من المرضى ويطرحونهم في الشوارع بين أموات وأحياء! ".

في نهاية كل اضطهاد كان البابا ديونيسيوس يواجه مشكلة المرتدّين ومسألة قبولهم، واستطاع بحكمته أن يحسم الموقف لا بتزمت قاسي ولا بتسيب مُخل!

فقد أتفق مع كبريانوس بوجوب معمودية الذين تعمدوا على يد الهراطقة لأنها معمودية باطلة خارج الحق الكنسي.. وقام اسطفانوس أسقف روما بحملة ضد كبريانوس وهدده بالقطع إذ كان في رأيه متزمت ويجب قبول أى معمودية مادامت باسم الثالوث حتى ولو كانت على يد هراطقة! هنا تدخل البابا ديونيسيوس لمنع الشقاق وأقنع أسقف روما بأن الإجماع الكنسي مستريح لرأى كبريانوس بأن معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة.

ظهر فكر آخر في عصره من "نيبوس" أسقف الفيوم، مصر نادى بأن المواعيد التي أعطيت للأتقياء في الأسفار الإلهية يجب أن تفهم بروح يهودية، وأنه سوف يكون هناك ألف سنة تقضى في تمتع جسدى على هذه الأرض، وإذ توهم نيبوس بأنه يستطيع أن يدعم رأيه الشخصى من سفر الرؤيا، كتب كتابًا عن هذا الموضوع عنوانه "تفنيد الرأى القائل بتفسير الكتاب مجازيًا" A Refutation of the Allegorists ". فدعا البابا مجمعًا محليًا في أرسينو وأوضح للأسقف وأتباعه كيف أن ملكوت الله روحي، وأن المؤمنين لا يترجون أي ملكوت زمني أو ملذات أرضية، وكان يتحدث معهم بروح الحب في وداعة فاقتنعوا بكلماته. كما رد على هذا الفكر في كتابيه عن" المواعيد ". ففي الأول يبين رأيه عن العقيدة، وفي الثانى يتحدث عن رؤيا يوحنا فظهر ببراعة اللاهوتي يدحض المفهوم الخاطئ للملك الألفي Chiliasm. وفي تعليقه على سفر الرؤيا يظهر تقديره للتفسير الرمزي لمعلمه أوريجانوس، كما تظهر أبوته في محبته للأسقف مخالف الرأى ومحاولة كسبه بالمحبة. كما يظهر أيضًا شهادته بقانونية سفر الرؤيا وأنه موحى به حتى ولم يكن متأكدًا من أن كاتبه هو يوحنا الرسول بناء على أدلة نقدية - في رأيه - جعلت الكل يُقدِّر هذا الرجل ويحترمه في هذا الزمن المبكر قبل أن تستقر الكنيسة على قانونية السفر ويوحنا كاتبه.

ظهر في أيامه أيضًا بدعة "مؤلمي الآب"، يعتقد أصحابها بأن الله أقنوم واحد، وهو الذي كفّر عن خطايا البشر، فقاوم البابا هذه البدعة كما حرّم سابيليوس في مجمع عقده عام 261م. وإذ لجأ هؤلاء الهراطقة لبابا روما "ديونيسيوس" يستغيثوا به فعقد مجمعًا حرّم فيه بابا الإسكندرية وأرسل إليه يخبره بالحكم ويسأله إن لديه ما يدافع به عن نفسه. لكن بابا الإسكندرية بحكمته بعث برسالة أوضح فيها ما عسر عن فهم الأسقف الروماني في أربعة أجزاء بعنوان "تفنيد ودفاع" (تاريخ الكنيسة 7: 26، 1)، فاستراح الأخير إليها. وقضت الرسالة على ما يسميه المؤرخين "نزاع الديونيسيين"، وشعر الروماني بتسرعه فاحترم الإسكندري!

كتاباته:

1 ـ عن الطبيعة .

هذا الكتاب عبارة عن رسالة إلى تلميذه تيموثاوس، يدحض فيها تعليم الأبيقوريين عن المادة أنها أزلية ويؤكد فيه التعليم المسيحى عن خلق الكون. ويظهر فيه براعته الفلسفية وأسلوبه الهادئ العميق. لذا يدعوه يوسابيوس من خلال كتابه "الأسقف الذي يمثل الفلسفة المسيحية" إذ يعد أروع الكتب في الأدب الآبائي التي ترد على المعتقدات الفلسفية الخاطئة.

2 ـ على المواعيد:

يرد فيها على تعليم أسقف الفيوم نيبوس،.

3. تفنيد ودفاع:

ولم يبق من هذا الكتاب إلاّ بعض مقاطع وردت عند أوسابيوس وأيضًا في كتاب القديس أثناسيوس عن قانون إيمان نيقية. وفيه شرح رائع للثالوث ورد رادع لبدعة المونارخية.

4 ـ رسائله:

من بين رسائله الكثيرة تبقت لنا رسالتان كاملتان هما:

أ ـ الرسالة إلى نوفاتيان: نوفاتيان كان كاهنًا بكنيسة روما واختلف مع أسقف روما كرنيليوس بخصوص قبول الراجعين بعد الارتداد بسبب اضطهاد داكيوس سنة 251م. كان نوفاتيان متشددًا ولا يقبل تساهل الكنيسة في روما في قبول الراجعين. وحدث انقسام في الكنيسة في روما بسبب هذا الأمر. كان النوفاتيون يعتبرون أنفسهم "الأنقياء الوحيدين" بعكس الكنائس التي تعامل الراجعين بالشفقة وتقبلهم.

ب ـ رسالة إلى باسيليوس أسقف بنتابولس (الخمس مدن الغربية): يجيب فيها على أسئلة باسيليوس بخصوص مدة الصوم والاستعداد للتناول من الافخارستيا. وهى لا تزال محفوظة بنصها ضمن الرسائل القانونية للكنيسة اليونانية التي تشكل أحد مصادر القانون الكنسى (النوموكانون).

ج ـ رسالة إلى فابيوس أسقف أنطاكية عن توبة سرابيون: توضح بمثل واقعى كيفية التعامل مع الراجعين من الارتداد بسبب الاضطهاد (تاريخ أوسابيوس 6: 44).

بالأضافة أنه أول أساقفة الأسكندرية فى إرسال هذه الخطابات العِيدية لأساقفة الكرازة فى الإيبارشيات وذلك حسب شهادة يوسابيوس (7: 20). وبالإضافة إلى موضوع الرسائل الرئيسى عن الصوم وعيد الفصح فقد اهتم ديونيسيوس أيضًا فى خطاباته بالأمور الكنسية الأخرى.

كما وجد له شذرات من رسائل وتفاسير صغيرة ولكنها تمثل الفكر السكندري الناضج.

مراجع:

  • أمجد رفعت، القديس ديونيسيوس السكندريي الكبير، 2016م.
  • القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون.
  • يوسابيوس القيصرى: تاريخ الكنيسة، تعريب القمص مرقس داود، ط3 1998.
  • Quasten: Patrology, vol. 2. 1994.