تفسير سفر راعوث – الأرشيذياكون نجيب جرجس

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأرشيذياكون نجيب جرجس
التصنيفات الكتاب المقدس, دراسات في العهد القديم, غير مصنف
الأسفار الأسفار التاريخية, العهد القديم, سفر راعوث
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 4.994 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
7MB

فصول تمهيدية

الفصل الأول

تسمية السفر

دُعى هذا السفر باسم (راعوث) الموآبية التى تعتبر بطلة للقصة الجميلة التى وردت فى السفر، تقديرا لتلك الشخصية الممتازة لما تحلت به من الصفات الطيبة والأعمال الحسنة رغم أنها كانت أممية غريبة عن شعب اسرائيل.

الفصل الثانى

زمن أحداث القصة

يفتتح السفر بقول الوحى: (حدث فى أيام القضاة أنه صار جوع فى الأرض…)، ويواصل سرد حوادث القصة بعد ذلك، وهذا يدل على أن القصة وقعت فى عهد القضاة، والبعض يرون أن هذا الجوع هو الذى حدث بسبب نهب المديانيين للإسرائيليين حتى أقام الرب لهم جدعون ليخلصهم (قض6 – 8)، ولكن معظم العلماء ومن بينهم يوسيفوس المؤرخ يرون أن هذه القصة وقعت أحداثها فى أيام عالى الكاهن.

الفصل الثالث

كاتب السفر

يرى البعض أن كاتبه هو حزقيا ملك يهوذا، وآخرون أنه عزرا على أن الأرجح أن صموئيل النبى هو الذى كتبه.

الفصل الرابع

زمن كتابة السفر

يختتم السفر بذكر لمحة عن مواليد فارص الذى من نسلة بوعز زوج راعوث، إلى أن يصل إلى ذكر (داود) الذى تناسل من هذه العشيرة (ص4: 18-22)، ولذلك يرى معظم المفسرين أن هذا السفر قد كتب فى مُلك داود أو بعده بقليل، ولأنه من المرجح أن صموئيل النبى هو الكاتب للسفر، فمن المرجح أيضاً أن يكون قد كتبه بعد مسح داود ملكا فى حياة شاول الملك، وبعد ظهوره كبطل عظيم ولمعان نجمه (1صم 16).

الفصل الخامس

لغة السفر

كتب باللغة العبرية.

الفصل السادس

منزلة السفر عن اليهود

جعله اليهود بين المكتوبات، واعتبره بعضهم جزءا من سفر القضاة، وقدروا المبادئ السامية المعزية التى جاءت به، وكانوا يقرأونه كثيرا وخصوصا فى عيد الخمسين.

الفصل السابع

مشتملات السفر

( 1 ) تغرب اليمالك وأسرته فى مؤاب بسبب الجوع ووفاته هناك (ص1: 1-3).

( 2 ) زواج ابنيه فى موآب ثم موتهما (ع4، 5)

( 3 ) عودة زوجته نعمى إلى موطنها بيت لحم ومعها راعوث الموآبية (ع6 – 22).

( 4 ) راعوث تلتقط السنابل لتعاون حماتها فى حقل بوعز، وعطف بوعز عليها (ص2)

( 5 ) نعمى تحث راعوث على الاستفادة بحق الولاية لكى يتزوجها بوعز (ص 3).

( 6 ) زواج بوعز براعوث بعد أن رفض الولى الأقرب أن يتزوجها (ص4: 1-17).

( 7 ) سلسلة نسب داود بن يسى من بوعز وفارص (ع18 – 22)

وهذا السفر عبارة عن أربعة أصحاحات فقط

الفصل الثامن

شواهد من السفر فى أسفار العهد القديم

( 1 ) اشارة إلى عهد القضاة (ص 1: 1)

( 2 ) بيت لحم يهوذا (ص1: 1) مع (تك35: 19، قض17: 7).

( 3 ) موآب (ص1: 22) مع (تك19: 37).

( 4 ) التقاط الفقراء للسنابل (ص2: 2) مع (لا19: 9، 10)

( 5 ) شريعة الولى والزواج من امرأة المتوفى (ص 3) (تك 38: 8)، (تث25: 5، 6).

( 6 ) شريعة الولى الذى يرفض الزواج بأرملة أخية أو قريبه (ص4: 7) مع (تث25: 8-10)

( 7 ) فارص (ص4: 18) مع (تك38: 29)

( 8 ) يسى و داود (ص4: 22) مع (1صم 16).

الفصل التاسع

شواهد من السفر فى العهد الجديد

( 1 ) بيت لحم أرض يهوذا (ص1: 1) مع (مت2: 1)

( 2 ) أن الرب قد افتقد شعبه (ص1: 6) مع (لو1: 18)

( 3 ) شريعة الولى وزواجه بأرملة أخية أو قريبه (ص 3) مع (مت22: 24)

( 4 ) زواج بوعز براعوث الموآبية (ص4: 13) مع (مت1: 5)

( 5 ) مواليد فارص حتى داود (ص4: 18-22) مع (مت1: 3-6)

الفصل العاشر

أهداف السفر

( أولا ) للسفر أهداف تاريخية واجتماعية، لأنه يصور الحياة اليومية للشعب فى عهد القضاة، وتصرفهم فى أوقات المجاعات، وهجرتهم أحياناً إلى بعض البلاد المجاورة طلباً للرزق، ومصاهرتهم للشعوب المجاورة فى بعض الظروف.

( ثانيا ) كما أن له أهدافا روحية جليلة رأينا أن ندرجها فى آخر الكتاب لتكون تطبيقاً على حوادثه ودراسته.

الأصحاح الأول

في هذا الأصحاح

(1) تغرب اليمالك وأسرته فى موآب ثم موته (ع1-3)

(2) زواج ابنيه ثم موتهما (ع4: 5)

(3) نعمى تعزم على العودة إلى أرضها (ع6، 7)

(4) نعمى تطلب إلى كنتيها أن ترجعا إلى بيتهما (ع8-13)

(5) رجوع عرفة وتمسك راعوث بحماتها (ع14 – 18)

(6) نعمى وراعوث فى بيت لحم (ع19-22)

تغرب اليمالك فى موآب ثم موته ( ع1-3 )

1 – حدث فى أيام حكم القضاة أنه صار جوع فى الأرض. فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب فى بلاد موآب هو وامرأته وابناه

( 1 ) يذكر الوحى هنا أن أحداث هذه القصة وقعت فى أيام (حكم القضاة) ويرجح أن يكون هذا فى أوائل حكم القضاة وقريباً من عهد يشوع لأن سلمون أبا بوعز كان زوجاً لراحاب التى من أريحا (ع20، مت1: 5)، ولذلك يرى بعض المفسرين أن القصة ربما حدثت فى حكم أهود، وبعضهم أنها حدثت فى حكم جدعون، ويرى يوسيفوس وبعض المفسرين أنها وقعت فى أيام عالى الكاهن.

( 2 )  أنه صار جوع فى الأرض: قد يكون لبعض العوامل الطبيعية مثل قلة المطر والجفاف الذى ينشأ عن ذلك، أو قد يكون بسبب تعرض الأرض لغزو الغزاة والناهبين ويرى البعض أن هذا ربما كان بسبب المديانيين الذين كانوا ينهبون خيرات ومحاصيل بنى اسرائيل حتى خلصهم الرب على يد جدعون (قض6-8).

ويرجح جدا أن هذا الجوع كان عقاباً عاقب به الرب شعبه بسبب بعدهم عنه وقد سبق وانذرهم مراراً على لسان عبده موسى كما فى (لا26: 18-29).

(3) اضطر رجل من بيت يهوذا أن يأخذ أسرته الصغيرة المكونة من امراته وابنيه ويهاجر إلى أرض موآب هرباً من الجوع.

و (بيت لحم يهوذا) دعيت هكذا لأنها كانت من نصيب سبط يهوذا (قض17: 7)، وهى تقع جنوبى أورشليم بنحو تسعة كيلومترات ونصف، وهى مسقط رأس داود النبى، كما عرفها الرب يسوع بولادته بالجسد فيها، وهى غير بيت لحم التى فى نصيب زبولون (يش19: 15) أما أرض (موآب) فكانت شرقى الأردن وشرقى البحر الميت والجزء الذى يجاور الأردن مقابل أريحا كان يسمى عربات (سهول) موآب (عد22: 1)، وكان على هذا الرجل وأسرته أن يعبرا الأردن لكى يصلا إلى أرض موآب.

2 – واسم الرجل اليمالك واسم المرأة نعمى واسما ابنيه محلون وكليون. افراتيون من بيت لحم يهوذا. فأتوا إلى بلاد موآب وكانوا هناك.

(1) اسم الرجل (اليمالك) الذى يعنى (الله ملك)، واسم زوجته (نعمى) (بكسر الميم) وهى تعنى (نعمتى أو سعادتى) كما تعنى الراحة والحلاوة. أما ابناه فكان أحدهما يدعى (محلون) ومعناه (مريض) ويرجح أنه الأكبر، والثانى يدعى (كليون) الذى معناه (هزيل مريض) أيضاً ولعلهما كانا هزيلين ومريضين فعلا بالنسبة لولاتهما أو نشأتهما فى زمن الجوع والفقر.

(2) قيل أنهم (افراتيون من بيت لحم يهوذا) و (افراتيون) أى من (افراته) وهو الاسم القديم لبيت لحم (تك35: 19).

(3) رحلت هذه الأسرة من بيت لحم موطنها فى غربى الأردن إلى أرض موآب شرقى الأردن، (وكانوا هناك) أى أقاموا هناك ويرجح أنه كان صلح بين الموآبين واسرائيل فى تلك الفترة من الزمن حتى لجأ أليمالك إلى أرضهم.

( 4 ) لعله قبل رحيله كان قد رهن أرضه وحمل معه ثمنهما أو ربما أنفقه أو أنفق معظمه وهو فى بيت لحم واضطر إلى الرحيل لعوزه، ونرى تفصيل ذلك فى شرح (الأصحاح الرابع)

3 – ومات اليمالك رجل نعمى وبقيت هى وابناها

مات الرجل وترك امرأته أرملة وعاشت مع ابنيها فى أرض الغربة.

زواج ابنهما ثم موتهما (ع4، 5)

4 – فأخذ لهما امرأتين موآبيتين اسم احداهما عرفة واسم الأخرى راعوث وأقاما هناك نحو عشر سنين.

( 1) تزوج الابنان امرأتين من بنات موآب، وكانت امرأة كليون اسمها عرفة ومعناه رقبة أو عرف وأمرأة محلون (راعوث) (ص4: 10)، ومعنى (راعوث) جميلة، والاسمان موأبيان.

( 2 ) اقامت الأسرة فى موآب (عشر سنين ) يرجح أنها كل المدة التى عاشتها الأسرة منذ خروجها من بيت لحم إلى موت الابنين.

( 3 ) يلوم البعض هذين الابنين لاتخاذهما زوجتين موآبيتين مع أن الرب قد نهى كثيرا عن مصاهرة الوثنيين، وقد قال: “لا يدخل عمونى ولا موآبى فى جماعة الرب حتى الجيل العاشر …” (تث 23: 3)، وقد كان الموآبين يعبدون بعل فغور وكانوا سبباً فى أسقاط بنى اسرائيل فى الخطية (عد 25)

على أنه يجب أن نذكر أن ابنى ابيمالك وشعب اسرائيل بوجه عام كانوا فى تأخر روحى فى عهد القضاة ونسى معظمهم شريعة الرب، فضلا على أن هذه الأسرة كانت متغربة بعيدة عن أرض اسرائيل وزاد بعدها جهلاً وتأخراً روحيين، وربما قبلت الزوجتان أن تؤمنا بالله وتسلكا حسب شريعته خصوصاً ونحن نراهما على أخلاق طيبة مما يدل على أنهما تأثرتا بالصفات والأخلاق التى لنعمى وابنيها. وتقد كان رجال الله يتزوجين أحياناً من نساء أجنبيات عن اسرائيل إذا تهودن، مثلما تزوج سلمون براحاب الكنعانية (مت1: 5)، وكما تزوج بوعز فيما بعد براعوث نفسها (ص4). وعلى أى حال فالكتاب المقدس يروى الحوادث كما وقعت حتى أن تخللها بعض أخطاء لأشخاص صالحين.

5 – ثم ماتا كلاهما محلون وكليون فتركت المرأة من ابنيها ومن رجلها.

لم تكد دموعها تجف بعد موت زوجها حتى فجعت أيضاً فى وليدها، (فتركت من ابنيها ومن رجلها) لأنهم فارقوها وتركوها أرملة ثكلى. ولكن هل يتركها الرب؟ حاشا، فالانسان إن تركه أهله وذووه وأحباؤه لا يتركه الرب بل يبقى بجانبه يؤازره ويسنده ويدبره (إن أبى وأمى قد تركانى والرب يضمنى مز27: 10).

نعمى تعزم على العودة إلى أرضها (ع6، 7)

6 – فقامت هى وكنتاها ورجعت من بلاد موآب لأنها سمعت فى بلاد موآب أن الرب قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزاً.

سمعت نعمى (أن الرب قد افتقد شعبه) أى عاد ونظر إليهم بعين رأفته (ليعطيهم خبزاً) والمقصود به الطعام من المحاصيل الزراعية وأثمار الأشجار وغيرها، فعزمت على ترك موآب لتعود إلى أرضها وقامت معها كنتاها راغبتين فى مصاحبتها إلى أرضها.

7 – وخرجت من المكان الذى كانت فيه وكنتاها معها وسرن فى الطريق للرجوع إلى أرض يهوذا.

خرجن من الموضع الذى كن يعشن فيه فى أرض موآب لكى يعبرن نهر الأردن ويذهبن إلى بيت لحم التى فى أرض يهوذا.

نعمى تطلب من كنتيها أن ترجعا إلى بيتيهما (ع8-13)

8 – فقالت نعمى لكنتيها اذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أمها وليصنع الرب معكما إحساناً كما صنعتما بالموتى وبى

( 1 ) يرجح أن الكنتين سارتا معها جزءاً من الطريق، ولكنها طلبت منهما أن تبقيا فى موطنهما موآب وتعود كل واحدة منهما (إلى  بيت أمها) وتقصد من ذلك بيت أبويها، وخصت ذكر أميهما، لأن راعوث ونعمى كانتا متعلقتين بنعمى وهى سيدة، ومن الأولى أن تعود كل منهما لتلتصق بأمها، فقد تجد معها ما يعزيها أكثر مما تجد مع نعمى المسكينة، وقد تتزوج كل منهما شاباً من الموآبيين بدل ذهابهما إلى أرض غريبة هى أرض يهوذا.

( 2 ) صلت لأجلهما قائلة: ( وليصنع الرب معكما إحساناً كما صنعتما مع الموتى وبى ):

طلبت فى صلاتها أن يكافئهما الرب ويحسن إليهما كما صنعت الاحسان ( مع الموتى)، أى مع ابنيها حيث خدمتاهما بأمانة واخلاص، ومعها هى أيضاً لأنهما عاشتا معها فى محبة ووفاق ولا تزلان مخلصتين ومحبتين لها.

9 – وليعطكما الرب أن تجدا راحة كل واحدة فى بيت رجلها فقبلتهما ورفعن أصواتهن وبكين.

( 1 ) أضافت إلى دعواتها الصالحة أيضاً أن يرزقهما الله بزوجين صالحين حتى تجد كل واحدة منهما (راحة فى بيت رجلها)، فتتعزيا بعد حزنهما العميق على فقد زوجيهما اللذين ماتا.

(قبلتهما) لكى تودعهما، ورفع الجميع أصواتهن وبكين، مما يدل على عمق المحبة فى قلوبهن.

10 – فقالتا لها أننا نرجع معك إلى شعبك

( 1 ) رغبت السيدتان الشابتان مصاحبتها إلى أرضها وإلى شعبها لتعيشا معها ولم تشاءا مفارقتها.

( 2 ) ما أحلى هذه العلاقة الجميلة بين كنتين من شعب غريب وبين حماتهما السيدة العجوز الحزينة، لقد أظهرت كل من هؤلاء النساء الثلاث كل محبة وولاء واخلاص، فى حياة الرجال كن يعشن فى وفاق، ولم تفكر واحدة من الكنتين أن تفصل زوجها عن أهله ولم تكدر أحداهن صفو الأخرى ولا صفو البيت، بأى نوع من أنواع التكدير، وحتى بعد أن ترملن لم تذبل محبتهن أو تنقص بل بالعكس ازدادت اشتعالا وقوة.

( 3 ) ما أعظم الفرق بين راعوث وعرفة فى أخلاقهما الطيبة ووداعتهما، وبين زوجتى عيسو الحثيتين اللتين كانتا (مرارة نفس لاسحق ورفقة) (تك26: 35).

( 4 ) ياليت البيوت تبنى على المحبة والوفاء والسلام وانكار الذات، عندئذ تمتلئ بالبركة والسعادة والاستقرار.

11 – فقالت نعمى. أرجعا يا بنتى. لماذا تذهبان معى. هل فى أحشائى بنون بعد حتى يكونوا لكما رجالا.

انساقت راعوث وعرفه وراء محبتهما وعواطفهما وتسمكتا بحماتهما راغبتين من كل قلبيهما أن تصباها ولا تفارقاها، ولكن نعمى السيدة المحبة التى لم تطلب ما لنفسها بل ما هو لخير كنتيها، طلبت إليهما أن تتركاها وتذهب كل منهما إلى بيت أبيها وأمها، وأن تستخدم كل منهما عقلها لتعمل ما فيه خيرها وبناء مستقبلها. وقد كلمتهما فى هذا العدد والعددين التاليين بعبارات كلها رقة وحنان كما سنرى:

( أ ) (أرجعا يا بنتى): خاطبتهما كابنتين لها لما تحمل لهما من المحبة والعطف.

(ب) ( لماذا تذهبان معى؟): لا خير لكما من الذهاب معى ومن الأصوب أن تعودا إلى أهلكما.

(ج) (هل فى أحشائى بنون بعد حتى يكونوا لكما رجالا؟): الاستفهام هنا يعتبر للنفى، وكأنها تقول لهما: كنت أتمنى أن يكون لى بنون آخرون ليتزوجوا بكما، ولكن يا للأسف ليس لى بنون، ولا فى أحشائى بنون ليتزوجوا بكما أيضاً.

ولعل نعمى تشير بهذا إلى العادة القديمة حيث كان الأخ يتزوج بامرأة أخيه الذى يموت دون ان ينجب نسلا ويكون الابن البكر لأخيه المتوفى حتى لا ينقرض اسمه، كما رأينا ذلك فى خبر عير بن يهوذا الذى تزوج ثامار ومات ولم يكن له أولاد (تك 38)، وكانت الشعوب تحفظ هذا بالتقليد، حتى أمرت به الشريعة المقدسة على يد موسى النبى (تث25: 5، 6).

12 – أرجعا يا بنتى واذهبا لأنى قد شخت عن أكون لرجل. وإن قلت لى رجاء أيضاً بأنى أصير هذه الليلة لرجل والد بنين أيضاً.

13- هل تصبران لهم حتى يكبروا. هل تنحجزان من أجلهم عن أن تكونا لرجل. لا يابنتى فإنى مغمومة جداً من أجلكما لأن يد الرب قد خرجت على.

( د ) (ارجعا يا بنتى) واذهبا لأنى شخت عن أن أكون لرجل): ارجعا إلى أهلكما وإلى أرضكما لأننى حتى لو فكرت فى المستحيل وقلت أنى أتزوج من جديد، فإن هذا يتعذر على لأننى أصبحت سيدة متقدمة فى الأيام لا يناسبها الزواج.

(هـ) وحتى لو قلت ما هو أكثر استحالة بأنى أتزوج هذه الليلة (وألد بنين أيضاً )، فهل تنتظران ممتنعتين عن الزواج حتى يكبر بنى؟

(تنحجزان): بمعنى تنحبسان وتمتنعان عن الزواج

( و ) ( لا يا بنتى ) لا تفكرا فى الذهاب معى

( ز ) (فانى مغمومة جدا من أجلكما ): انى حزينة لظرفكما القاسى وتجربتكما الشديدة

( ح ) (لأن يد الرب قد خرجت علىَّ ): (يد الرب) أى قوته ومشيئته وتقصد بالعبارة:

(أولا) إن الرب قد سمح فصوب هذه التجربة المرة، من الغربة إلى فقد زوجى ثم ابنى، إلى رؤيتكما أمامى أرملتين.

(ثانيا) والعبارة مرتبطة بقولها لهما (فانى مغمومة جدا من أجلكما) والمعنى انكما يا بنتى بريئتان لم تعملا ذنبا تستحقان عليه التجربة التى أصابتكما، ولكن إن كان هناك ذنب فأنا المذنبة ويد الرب ( قد خرجت على ) أنا شخصيا لتأديبى ومعاقبتى، وما أصابكما أصابكما بسببى أنا…

ما أجمل هذا الشعور وهذا الانكار للذات وهذه المحبة! إنها تستذنب نفسها لتبرر كنتيها، تستر عيوبهما وتنسب كل العيب إلى نفسها.

ألم يعمل الله معنا كل هذا وأعظم من هذا حينما جعل آثامنا وديوننا كلها على عاتق ابنه الحبيب البار لكى يبررنا؟ بلى، لأننا كلنا كغنمم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا (أش53: 6) و (لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه 2كو5: 21).

رجوع عرفة وتمسك راعوث بحماتها (ع14-18)

14 – ثم رفعن أصواتهن وبكين أيضاً. فَقَبَّلَتْ عرفة حماتها وأما راعوث فلصقت بها.

( 1 ) رفعن أصواتهن بالبكاء مرة ثانية كما فعلن ذلك عند حديثهما الأول لهما (ع9)

وقد أجهشن بالبكاء بالنسبة للظرف القاسى الذى واجهن جميعاً، وبالنسبة للعبارات الرقيقة المؤثرة التى نطقت بها نعمى، وبالنسبة لأن الأيام ستفرقهن بعد عِشرة هادئة سعيدة وحياة جميلة عشنها معاً فى بيت واحد.

( 2 ) استسلمت عرفة وعزمت على العودة إلى بيت أبيها (فَقَبَّلَتْ حماتها) قبلة الوداع وتركتها.

( 3 ) أما راعوث (فلصقت بحماتها ): تشبثت بها ولم تشأ أن تفارقها.

15 – فقالت هوذا قد رجعت سلفتك إلى شعبها وآلهتها. إرجعى أنت وراء سلفتك.

حاولت نعمى أن تقنع راعوث بأن ترجع إلى بيت أبيها، فأغرتها بأن سلفتها عرفة قد رجعت إلى شعبها وآلهتها، ومن المناسب لها أن تقتدى بها وترجع إلى شعبها لأن ذلك أنسب لها.

و (السِلفة) هى زوجة شقيق الزوج

16- فقالت راعوث لا تلحى علىَّ أن أتركك وأرجع عنك. لأنه حيثما ذهبتِ أذهب وحيثما بتِ أبيت. شعبك شعبى وإلهك إلهى.

17- حيثما متِ أموت وهناك أندفن. هكذا يفعل الرب بى وهكذا يزيد. إنما الموت يفصل بينى وبينك.

( 1 ) هذه المرأة الموآبية العجيبة كم أظهرت من الشعور النادر والمحبة القوية التى أصبحت مضرب الأمثال فى جميع الأجيال، ورغم الحاحات نعمى عليها لكى تعود إلى أرضها، ورغم أن والديها كانا لا يزالان على قيد الحياة (ص2: 11)، ورغم أن حماتها لم تعد إلا أرملة وحيدة فقيرة، فإنهما مع ذلك لصقت بها وأجابتها بكل عزم وتصميم بأنها لن تتركها بأى حال من الأحوال.

( أ ) رجاء حار: (لا تُلِّحِى عَلَىَّ أن أتركك وأرجع عنك):كأنها تقول لها أن الحاحك لن يثنينى عن عزمى فأرجوك أن تكفى عنه لأنى قد عقدت العزم على ألا أفارقك طول حياتى.

(ب) عزم على أن تتبعها حيثما ذهبت: (لأنه حيثما ذَهَبْتِ أذهب وحيثما بتِ أبيت): سأترك وطنى وديارى وأذهب معك حيثما تذهبين، وأتبعك فى الطريق الذى تسيرين فيه، وحيثما يطيب لك العيش والإقامة يطيب عيشى وإقامتى.

(ج) تضحية بشعبها وآلهتها: (شعبك شعبى وإلهك إلهى): أننى راضية لا أن أضحى بموآب وطنى فقط، بل فى سبيل محبتى لك ولإلهك، أترك أيضاً شعبى والهى، ومستعدة أن أعتبر شعبك شعبى فأصير إسرائيلية، بل لقد تركت آلهة موآب الباطلة، ولصقت بيهوه إلهكم.

ما أعظم تأثير المؤمنين الأتقياء، أن تقوى نعمى وولديها جذبت قلب هذه المرأة الموآبية إلى حب الله الإله الحقيقى، ونحن إذا أردنا جذب الخطاة وتقريبهم إلى الله، علينا أن نسير سيرة حسنة ونكون قدوة طيبة، فتنجح خدمتنا.

( د ) عزم على أن تتبعها حتى الموت: (حيثما مُتِ أموت وهناك أندفن): اننى سأترك وطنى وشعبى وإلهى لا مدة حياتك معى فقط، ولكن إلى الموت، أموت فى البلد الذى تموتين فيه وأندفن حيثما تدفنين.

(هـ) قسم وتأييد لعزمها: (هكذا يفعل بى الرب وهكذا يزيد): هذه صيغة قسم ودعاء على نفسها معروفة منذ القدم أيدت به قولها وعزمها. والمعنى أن الرب شاهد على قولى، ويفعل بى ما يشاء وينزل بى ما أستحق من عقاب وأكثر مما أستحق إذا حنثت فى كلامى لقد قالت لنعمى (وإلهك إلهى )، وأيدت إيمانها القوى بالرب فأقسمت به وحده ولم تقسم ببعل فغور أو غيره من آلهة شعبها.

( و ) الأمر الذى لا حيلة معه: (انما الموت يفصل بينى وبينك): ما دمنا أحياء لابد أن أكون معك، ولكن أن ماتت إحدانا فلا حيلة لى فى ذلك، فهو وحده الذى يفرق جسدينا.

(2) إن راعوث الموآبية:

( أ ) ترسم صورة حقيقية للمحبة العاملة الثابتة المضحية ولأن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر إحتقاراً (نش8: 6، 7).

(ب) وترسم لنا صورة للنفس النقية المستعدة لأن تتبع فاديها الحبيب وعريسها السماوى فى كل طريق، وفى كل ظرف، فى الحياة وحتى إلى الممات، ولسان حالها يقول “من سيفصنا عن محبة المسيح؟” (رو8: 35)، وفى ترنيمتها تنشد بعزم وحب وتصميم:

حيث قادنى أسير        حيـث قادنـى أسيــر

حيث قادنى أسير        أمشى معه دوماً كل حين

18 – فلما رأت أنها مشددة على الذهاب معها كفت عن الكلام إليها.

رأت نعمى عزمها على التوجه معها ووجدت أن الكلام معها لن يثنيها عن عزمها فلم تكلمها بعد فى هذا الأمر، وقبلت أن ترافقها راعوث الموآبية إلى أرض يهوذا.

نعمى وراعوث فى بيت لحم (ع19-22)

19 – فذهبتا كلتاهما حتى دخلتا بيت لحم. وكان عند دخولهما بيت لحم أن المدينة كلها تحركت بسببها وقالوا أهذه نعمى.

( 1 ) سارتا فى طريقهما ربما على حمارين حتى وصلتا بيت لحم

( 2 ) وبمجرد دخولهما المدينة ( تحركت المدينة بسببهما ) أى تأثرت واهتزت وكان لمجيئها وقع كبير على كل المدينة، وتحرك المدينة يدل على:

( أ ) أن نعمى وزوجها كان لهما مركز ممتاز بين جميع الناس

(ب) أن غياب نعمى الطويل نحو عشر سنوات وحضورها المفاجئ أثار أهتمام الناس ومشاعرهم

(ج) وتحرك أهل المدينة أيضاً إذ سمعوا بالتجارب المرة التى وقعت لنعمى

( د ) ولعل مجئ راعوث الغريبة الجنس فى صحبة حماتها الأرملة حرك أيضاً مشاعرهم وتعجبهم.

( 3 ) (وقالوا أهذه نعمى؟ ): الضمير وهو (واو الجماعة فى (قالوا) فى العبرية يشير إلى جمع الاناث مما يدل على أن النساء قد حضرن لرؤيتها.

( 4 ) (أهذه نعمى؟): الاستفهام هنا للتعجب، وقد دفعهم للتعجب:

( أ ) طول مدة غيابها ومجيئها فجأة، وكأنهم يقولون: وأخيرا جاءت نعمى بعد هذا الغياب الطويل؟!.

(ب) التغير الشديد الذى طرأ عليها، حيث بدت عليها علامات الشيخوخة المبكرة، وفقدت حيويتها ومرحها وسرورها، وكأنهم يقولون: أهذه نعمى الشابة النضرة القوية؟ أهذه صاحبة الابتسامة الدائمة والطلعة المشرقة الحية؟ لم تغيرت هذا التغير الأليم؟

يرى البعض أن بعض النسوة سألن هذا السؤال بشئ من الشماته وتنكرن مثل أصدقاء أيوب أن تجربتها بسبب تركها بلادها أو بسبب خطايا أخرى، والأرجح أن النساء سألن سؤالهن بلغة الرثاء والعطف وبروح الشفقة.

20 – فقالت لهم لا تدعونى نعمى بل ادعونى مُرَّةَ لأن القدير قد أَمَرَّنىِ جداً فى حديثها تضاد مؤلم بين (نعمى ومرة)، وقد طلبت إلى أهل بلدها ألا يدعوها (نعمى) التى تعنى (سعيدة وحلوة) بل يدعوها (مرة) لأن هذا ما يناسب حياتها والحال الذى صارت إليه.( لأن القدير قد أمرنى جدا ): أى أن الرب وهو وحده صاحب القدرة والسلطان هو الذى سمح فأذاقنى المرار.

لم يكن هذا تجديفاً أو اعتراضاً من نعمى بل إعترافاً بسلطان الله وقدرته وتسليماً وخضوعاً لمشيئته.

( 2 ) كانت توجه كلامها إلى النساء اللاتى جئن لاستقبالها وإلى كل من جاء أيضاً من رجال المدينة.

21 – أنى ذهبت ممتلئة وأَرْجَعَنِى الرب فارغة. لماذا تدعوننى نعمى والرب قد أذلنى والقدير قد كسرنى.

(1) ( انى ذهبت ممتلئة وأرجعنى الرب فارغة): خرجت من هنا وأنا (ممتلئة) لأن معى زوجى العزيز وابنى العزيزين، ولكن الرب سمح أن أعود فارغة.

(2) (لماذا تدعوننى نعمى؟): لماذا تدعوننى بهذا الاسم الذى يعبر عن السعادة والمرح (الرب قد أذلنى والقدير قد كسرنى) أى فى حين أن الرب قد سمح بأن أقاسى الذل وأن ينكسر قلبى وجناحاى بعد فقد زوجى وولدى؟

(3) عادت نعمى أيضاً فأعلنت أن الرب هو صاحب السلطان على عباده، وفى إعلانها إعلان لإيمانها وتسليمها لحكمه تعالى.

(4) ولا يجب أن نعترض على عبارات الألم التى نطقت بها لأنها بشرية ضعيفة تعبر عن حالها ولكنها فى كل شئ كانت مثل أيوب الذى (لم يخطئ إلى الله ولم ينسب إلى الله جهالة أى1: 22) فلم تعترض أو تقاوم مشيئته.

22 – فرجعت نعمى وراعوث الموآبية كنتها معها التى رجعت من بلاد موآب ودخلتا بيت لحم فى ابتداء حصاد الشعير.

(1) هذا تلخيص لما ذكر يوضح ثانية أنها فى عودتها من موآب إلى بلدها لم تآت وحدها:

( أ ) بل جاءت مع كنتها راعوث الموآبية.

(ب) كما يوضح موعد مجيئها بقوله (فى ابتداء حصاد الشعير)، والشعير عادة يحصد فى أواخر مارس وابتداء ابريل، وكان يليه بعد قليل حصاد الحنطة.

(2) ومن هنا نرى تدبير الله العظيم لهاتين الأرملتين اللتين لم يتركهما أو يتخل عنهما بل أرشدهما إلى العودة إلى بيت لحم فى موسم الحصاد، حيث السعة والشبع للأغنياء أصحاب الحقول، وللفقراء أيضاً بما يلتقطونة من السنابل فى الحقل وبما يجود به الأغنياء عليهم.

وقد خدم الحصاد نعمى وراعوث ليس بمدهما ببعض السنابل فقط، بل دبر الله أن يؤثر على حياة هذه الأسرة المنكوبة ويغيرها بعطف بوعز عليها ثم بزواجه براعوث كما نراه واضحاً فى الأصحاحات القادمة. والله دائما يعتنى بأولاده ويفتقدهم فى ضيقتهم (لأن الله أمين الذى لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ 1كو 10: 13).

الأصحاح الثانى

فى هذا الأصحاح

(1) راعوث تلتقط السنابل فى حقل بوعز (ع1-3)

(2) معاملة بوعز الحسنة لراعوث (ع4 – 16)

(3) الحديث بين نعمى وراعوث (ع17-23)

راعوث تلتقط السنابل فى حقل بوعز (ع1-3)

1 – وكان لنعمى ذو قرابة لرجلها جبار بأس من عشيرة أليمالك اسمه بوعز

يتكلم الوحى هنا عن قريب لنعمى من عشيرة زوجها أليمالك اسمه (بوعز) الذى يعنى ذا المعزة، ويصفه الوحى بأنه (جبار بأس)، وهذا يعنى هنا أنه كان رجلا من الوجهاء له مواهب ممتازة وكرامة ومركز روحى ومادى واجتماعى ممتاز.

2 – فقالت راعوث الموآبية لنعمى دعينى اذهب الى الحقل وألتقط سنابل وراء من أجد نعمة فى عينيه. فقالت لها اذهبى يا بنتى.

كان مجىء نعمى وراعوث إلى بيت لحم فى حصاد الشعير (ص1: 32)، ولم تشأ راعوث أن تعيش عالة على حماتها بل أرادت أن تتعاون فى الحصول على احتياجات الحياة، ولم تشأ أيضاً أن تعمل شيئا من نفسها، فطلبت من حماتها أن تأذن لها بالذهاب إلى الحقول لتلتقط السنابل وراء الحصادين الذين تجد نعمة فى أعينهم، فأذنت لها حماتها بالذهاب.

وكان الرب قد أوصى بنى إسرائيل كثيرا إذا هم حصدوا محاصيلهم أو جمعوا ثمارهم ألا يكملوا حصد زوايا الحقل ولا يلتقطوا السنابل التى تقع من الحصادين على الأرض ولا يأخذوا الحنطة التى ينسونها فى الحقل ولا يعللوا الكرمة أو أشجار الزيتون وغيرها بمعنى أنهم لا يرجعون على الأغصان لكى يجمعوا الثمار والعناقيد التى تركوها عند جمعها أول مرة،  بل يتركون كل هذا لليتيم والمسكين والأرملة والغريب لكى يلتقطوها لأنفسهم، (لا19: 9، 10، 23: 22، تث 24: 19-22). ولا بد أن راعوث قد عرفت هذا من حماتها وزوجها.

3 – فذهبت وجاءت والتقطت فى الحقل وراء الحصادين فإتفق نصيبها فى قطعة حقل لبوعز الذى من عشيرة أليمالك.

جاءت راعوث لتلتقط السنابل وراء الحصادين، والرب الذى يسدد خطى عبيده ويرشدهم ويدبر أمورهم دبر أن يكون مجيئها إلى حقل قريبهم بوعز، ولم يكن هذا وليد الصدفة بل كان بإرشاد الله وتدبيره.

معاملة بوعز الحسنة لراعوث (ع4-16)

4 – وإذا ببوعز قد جاء من بيت لحم وقال للحصادين الرب معكم. فقالوا له يباركك الرب.

(1) جاء بوعز من بيته فى بيت لحم إلى الحقل لكى يفتقد الحصادين ويطمئن على سير العمل، ومن الواجب على الإنسان أن يلاحظ أعماله والعاملين فيها.

(2) حيا حصاديه بعبارة تقليديه بقوله: (الرب معكم)، وهى دعاء معناه (ليكن الرب معكم)، يرجو لهم فيه أن يصحبهم الرب فى حياتهم وعملهم.

يردوا عليه بعبارة مباركة أيضاً بقولهم: (يباركك الرب)، والعبارة دعاء أيضاً يطلبون فيه أن يبارك الرب حياته وماله وأعماله ومباشراته ومحاصيله ورزقه وكل شئ.

(3) ما أجمل أن تكون العلاقة حسنة بين أصحاب الأعمال والعاملين، وبين الرؤساء والمرؤوسين، العلاقة المبنية على الثقة والاحترام والتمنيات الطيبة المتبادلة.

5 – فقال بوعز لغلامه الموكل على الحصادين لمن هذه الفتاة.

لفتت راعوث نظر بوعز ربما لأنه لم يرها فى حقله من قبل، أو ربما لجمالها، أو لحياتها، أو لثيابها المختلفة عن ثياب الإسرائيليات فسأل وكيله الخاص المنوط به أمر الحصادين وقال له: (لمن هذه الفتاة)، أى بنت من، والى أية بيت أو عشيرة تنتمى؟، ومعنى (الغلام) هنا الشاب أو الرجل الخادم الموكل عن سيده.

6 – فأجاب الغلام الموكل على الحصادين وقال هى فتاة موآبية قد رجعت مع نعمى من بلاد موآب.

رد الوكيل على بوعز بما جاء فى هذا العدد وفى العدد التالى، وقد عرفه هذا العدد عن شخصية الفتاة وجنسها، بأنها الفتاة الموآبية التى جاءت من أرضها مع نعمى، ولا شك فى أن أمر هذه السيدة الغريبة كان قد عرف فى أنحاء بيت لحم، وأعجب الناس بها وبإخلاصها لحماتها، وقد دعاها (فتاة) لصغر سنها.

7 – وقالت دعونى ألتقط وأجمع بين الحزم وراء الحصادين فجاءت ومكثت من الصباح إلى الآن. قليلا ما لبثت فى البيت وواصل الوكيل حديثه عن راعوث فقال

( أ ) وقالت دعونى ألتقط وأجمع بين الحزم وراء الحصادين: كان الالتقاط عادة وراء الحصادين فى أنحاء الحقل حيث يتبعهم الفقراء من مكان إلى مكان ليلتقطوا السنابل التى تسقط منهم والتى ينسونها، ولكن الالتقاط (بين الحزم) كان يعنى التقاط السنابل الساقطة بين الحزم التى يحزمونها ويضعونها أكواماً فى أماكن خاصة من الحقل، ولم يكن مسموحاً بالالتقاط بين الحزم إلا للفقراء الأمناء الموثوق فيهم لئلا يسرقوا سنابل من الحزم. وقد استأذنت راعوث من الوكيل ومن الحصادين أن يدعوها تلتقط وراء الحصادين فى أنحاء الحقل وكذلك بين الحزم، ويظهر أنهم أذنوا لها بذلك لما سمعوه عن أخلاقها الطيبة وما ظهر عليها من مظاهر الأمانة.

(ب) (فجاءت ومكثت من الصباح إلى الآن): جاءت لتلتقط من الصباح حتى مجىء بوعز إلى الحقل، وربما كان مجيئه فى منتصف النهار.

(ج) (قليلا ما لبثت فى البيت): يرى بعض المفسرين أن المقصود (بالبيت) هنا بيت نعمى وراعوث أى أن راعوث كانت تذهب إلى بيتها لحظات قليلة فى أثناء العمل، والأرجح أن (البيت) المذكور هو خيمة أو بناء صغير فى الحقل كان معدا ليستريح فيه العمال بين الحين والحين لاسيما من حرارة الشمس المحرقة، والوكيل يقول إن راعوث كانت دائبة على التقاط السنابل طول الوقت ولم تسترح إلا قليلاً جداً، رغبة فى جمع أكبر قدر ممكن من السنابل مما يدل على نشاطها وإجتهادها ورغبتها الكاملة فى معاونة حماتها وتخفيف عبء الحياة عنها.

8 – فقال بوعز لراعوث ألا تسمعين يا بنتى. لا تذهبى لتلتقطى فى حقل آخر. وأيضاً لا تبرحى من ههنا. بل هنا لازمى فتياتى.

9 – عيناك على الحقل الذى يحصدون واذهبى وراءهم. ألم أُوصِ الغلمان ألا يمسوك. وإذا عطشت فاذهبى إلى الآنية واشربى مما استقاه الغلمان.

وجدت راعوث نعمة فى عينى بوعز وكلمها كلاماً رقيقاً فى هذين العددين والأعداد التالية:

( أ ) (ألا تسمعين يا ابنتى؟) والاستفهام هنا بمعنى الأمر ومعناه: (اسمعى يا ابنتى)، وقد بدأ سؤاله بقوله (ألا؟) ليلفت نظرها ويؤكد قوله لها ودعاها ابنته ليبرهن لها على عطفه وشفقته عليها وعلى حماتها.

(ب) ألا تذهبى لتلتقطى فى حقل آخر وأيضاً لا تبرحى من ههنا: لا تلتقطى فى حقل آخر غير حقولى، ولا تبرحى (تتركى) حقلى لتذهبى لحقل إنسان غيرى.

(ج) (بل هنا لازمى فتياتى): كونى ملازمة للفتيات اللاتى يعملن هنا فى حقلى واصحبيهن أينما يعملن.

(د) (عيناك على الحقل الذى يحصدون واذهبى وراءهم): لاحظى دائما حقولى التى يحصدون فيها واتبعى الحصادين أينما يتوجهون.

إن هذا يدل على أن بوعز كان يملك حقولا واسعه وكانوا يتنقلون من حقل إلى حقل ليحصدوا المحاصيل.

(هـ) (ألم أُوصِ الغلمان ألا يمسوك): لازمى حقولى لأنى قد أوصيت جميع الفعلة والحصادين فى حقولى ألا يمسوك بسوء أو يمنعوك عن التقاط السنابل.

(و) (وإذا عطشت فاذهبى إلى الآنية واشربى مما استقاه الغلمان): أمرها أيضاً إذا هى عطشت أن تذهب إلى آنية الماء التى ربما كانت قرباً من الجلد وفى الغالب أوانٍ من الفخار لتشرب مع الغلمان.

10- فسقطت على وجهها وسجدت إلى الأرض وقالت له كيف وجدت نعمة فى عينيك حتى تنظر إلىَّ وأنا غريبة.

(1) ذهلت راعوث إذ سمعت هذا الكلام الرقيق مع أنها امرأة غريبة الجنس ولا شك فى أنها لم ترى بين الموآبيين الذين يعبدون بعل فغور أشخاصا يعاملون الغرباء بمثل هذه المعاملة الطيبة، فلم يسعها إلا أن تسقط أمامه ساجدة سجود الاحترام والاكرام.

(2) وقد دفع بوعز إلى حسن معاملتها:

( أ ) ماسمعه عن أخلاقها الطيبة ومعاملتها الحسنة لحماتها كما سنرى.

(ب) وربما تذكر أنها تمت لعشيرته بصلة نسب.

(ج) والعامل الأهم الذى دفعه إلى ذلك أن شريعة يهوه رب الجنود تأمر بالرفق بالغريب والإحسان إليه وقد كان الرب دائما يذكرهم بغربتهم فى مصر وبالمذلة التى قاسوها فى غربتهم، ومما قاله لهم: “ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب، لأنكم كنتم غرباء فى أرض مصر” (خر23: 9) “وإذا نزل عندك غريب فى أرضكم فلا تظلموه، كالوطنى منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء فى أرض مصر” (لا19: 23،24) … إلى غير ذلك من الأقوال الإلهية.

11 – فأجاب بوعز وقال لها إننى قد أُخبرت بكل ما فعلتِ بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت أباك وأمك وأرض مولدك وسرت إلى شعب لم تعرفيه من قبل.

أجابها عن سؤالها الذى يدل على التعجب والذهول بأنه سمع من أهل بيت لحم عن محبتها العظيمة لحماتها حتى أنها تركت والديها اللذين لا يزالان على قيد الحياة وموطنها الذى ولدت فيه وجاءت لتعيش معها بين شعب غير شعبها وفى أرض غير أرضها، وفى حديثه فى العدد التالى يثنى عليها أيضاً  بأنها تركت آلهة موآب وأحبت الرب الإله إله إسرائيل.

12 – ليكافئ الرب عملك وليكن أجرك كاملا من عند الرب إله إسرائيل الذى جئت لكى تحتمى تحت جناحيه.

وهنا يدعو لها بأن يكافئها الرب عن عملها، وأن يكون أجرها عظيما من الرب (يهوه) الذى آمنت به، وجاءت لكى تحتمى (تحت جناحيه) أى فى ظله وتحت رعايته.

13 – فقالت ليتنى أجد نعمة فى عينيك يا سيدى لأنك قد عزيتنى وطيبت قلب جاريتك وأنا لست كواحدة من جواريك.

تمنت لو أنها تجد (نعمة) فى عينيه أى ينظر إليها بعين الشفقة والرأفة، وأقرت بأن كلامه العذب ومعاملته الحسنة قد عزياها فى محنتها الشديدة وظرفها القاسى، ولشدة تواضعها أعلنت أنه فعل معها هذا اللطف مع أنها لا تستحق أن تكون جارية من جواريه.

14- فقال لها بوعز عند وقت الأكل تقدمى إلى ههنا وكلى من الخبز واغمسى لقمتك فى الخل. فجلست بجانب الحصادين. فناولها فريكا فأكلت وشبعت وفضل عنها.

(1) زاد ذلك الرجل العظيم من إكرامها فعندما جاء وقت الطعام أمرها أن تأتى لتأكل مع الحصادين من خبزهم وتغمس الخبز فى (الخل) معهم، والمقصود بالخل الممزوج بزيت الزيتون وكان هذا مثل أنواع الكوافح (السلاطات) فى أيامنا،

(2) تشجعت راعوث وجلست مع الحصادين فأعطاها بوعز من (الفريك) الذى يأكلونه فأكلت وشبعت وفضل منها فحملت الباقى إلى نعمى (ع18) و (الفريك) هو حبوب القمح الطرية تفرك من السنابل وتشوى ويكون طعمها لذيذا، وأحيانا يؤكل الفريك نيئا وأحيانا يطبخ.

15 – ثم قامت لتلتقط فأمر بوعز غلمانه قائلا دعوها تلتقط بين الخدم أيضاً ولا تؤذوها

16 – وانسلوا أيضاً لها من الشمائل ودعوها تلتقط ولا تنتهروها.

(1) بعد أن أكلت قامت أيضاً لتلتقط باجتهاد ونشاط

(2) أوصى بوعز غلمانه أن يتركوها لتلتقط ليس وراءهم فقط بل وأيضاً (بين الخدم) دليلا على ثقته فى أمانتها (شرح ع 7)، دون أن يؤذيها أحد أو يمسها بسوء.

(3) وأعطى أمرا آخر لغلامه سراً حتى لا يحرجها، أن (ينسلوا) بعض السنابل من الشمائل، ويعطوها لها أو يتظاهروا بأنها ساقطة أو متروكة على الأرض لكى تلتقطها، وأوصاهم ألا (ينتهروها) أى لا يكلمها أحد بكلام جارح.

و (الشمائل) هى الحزم، والمقصود بقوله (انسلوا أيضاً لها من الشمائل) أن يخرجوا بعض السنابل من الحزم ويعطوها لها أو يدعوها تسقط على الأرض لتلتقطها.

الحديث بين نعمى وراعوث (ع17-23)

17 – فالتقطت فى الحقل إلى المساء وخبطت ما التقطته فكان نحو إيفة شعير.

استمرت دائبة على التقاط السنابل حتى المساء، ثم خبطت المقدار الذى التقطته لتفصل حبوب الشعير عن القش (التبن)، وكالت الحبوب فكانت نحو (إيفة) وهى مكيال يسع نحو سبعة عشر كيلوجرام ونصف من الحنطة تقريباً وكانت المقادير الصغيرة من السنابل تخبط بعصا، أما المقادير الكبيرة فكانت تدرس بالنوارج ثم تذرى بالمذراة.

18- فحملته ودخلت المدينة فرأت حماتها ما التقطته. وأخرجت وأعطتها مافضل عنها بعد شبعها.

(1) عادت إلى المدينة وأعطت حماتها الشعير الذى حصلت عليه ولا شك فى أن نعمى رأت أنه قدر كبير بالنسبة لما يلتقطه الناس عادة.

(2) وأخرجت أيضاً راعوث من جيبها ما فضل عنها من الفريك ومن الخبز اللذين فضل عنها بعد أن أكلت وأعطته لنعمى لأنها لم تشأ أن تأكل وحدها مما يدل على محبتها الكاملة.

19 – فقالت لها حماتها أين التقطت اليوم وأين اشتغلت. ليكن الناظر اليك مباركا فأخبرت حماتها بالذى التقطت منه وقالت اسم الرجل الذى اشتغلت معه اليوم بوعز.

(1) سألتها حماتها أين التقطت فى ذلك اليوم، ثم دعت بالبركة للشخص الذى نظر اليها بعين العطف وأحسن اليها حتى التقطت هذا المقدار الوفير وأعطاها أيضاً طعامها.

(2) فأجابتها راعوث بأنها التقطت فى حقل رجل اسمه (بوعز)، ولعلها أثنت عليه وقصت على نعمى حديثه الرقيق إليها ومعاملته الحسنة لها.

20 – فقالت نعمى لكنتها مبارك هو من الرب. لأنه لم يترك المعروف مع الأحياء والموتى. ثم قالت لها نعمى. الرجل ذو قرابة لنا. هو ثانى ولينا.

(1) دعت له نعمى بالبركة قائله (مبارك هو من الرب) أى (ليكن مباركاً) أو (ليباركه الرب).

(2) وأقرت بجميله (معروفه) على الأحياء والموتى بقولها (لأنه لم يترك المعروف مع الأحياء والموتى). أى لم يقصر فى عمل الجميل معهم. و(الأحياء) هم نعمى وراعوث، و(الموتى) هم أليمالك وابناه. وقد صنع بوعز المعروف معه لأنه أكرم الأرملتين اللتين تركوهن والمؤمنون يكرمون (الأحياء) من ذويهم وأقاربهم وغيرهم كما يكرمون (الموتى) بتخليد ذكراهم وإكرام ذويهم وذكرهم فى صلواتهم، وقد يقدمون الصدقات للفقراء ويقدمون القرابين لله بأسماء الراقدين وبأسماء القديسين الذين فى الكنيسة المنتصرة كعلامة لمحبتهم وتذكاراً لهم، ولكى يعطى الرب لأرواحهم نياحا وراحة.

(3) ثم عرفت راعوث أيضاً أن بوعز قريب لهم، بل زادت على ذلك قولها إنه (ثانى ولينا)، و(الولى) هو أقرب قريب للشخص الحى أو الميت، وهو الذى يتزوج امرأة القريب المتوفى لينجب نسلا إذا كان قد مات بدون نسل، وهو الذى يفك (يفدى) المُلك المباع أو المرهون لقريبه ويتولى أمره. (ثانى ولينا) يعنى الولى الثانى، الذى يلى الولى الأول فى القرابة وبدرجة أقل من قرابة الولى الأول. وبهذا كان لنعمى وراعوث ولى أقرب، ويليه فى درجة الولاية بوعز.

21- فقالت راعوث الموآبية إنه قال لى أيضاً لازمى فتياتى حتى يكملوا حصادى.

عرفتها راعوث بمعروفة العظيم إذ نصحها أن تلازم الفتيات اللاتى يعملن فى الحصاد طول مدة الحصاد، سواء حصاد الشعير أو حصاد القمح الذى كان يتبع حصاد الشعير.

22 – فقالت نعمى لراعوث كنتها إنه حسن يا بنتى أن تخرجى مع فتياته حتى لا يقعوا بك فى حقل آخر حينئذ استصوبت نعمة رأى بوعز وقالت لراعوث إنه من الحكمة جداً أن تلازم فتياته طول موسم الحصاد بدل أن تحصد فى حقل رجل غريب ومع حصادين لايعرفونها قد (يقعون) بها، أى يسيئون إليها.

23 – فلازمت فتيات بوعز فى الالتقاط حتى انتهى حصاد الشعير وحصاد الحنطة. وسكنت مع حماتها.

(1) كانت راعوث على جانب من الحشمة والطاعة والاتزان فعملت بنصيحة بوعز ونعمى ولازمت فتياته فى التقاط سنابل الشعير ثم سنابل القمح.

(2) (وسكنت مع حماتها): أقامت مع السيدة التى أحبتها بكل قلبها، وتركت آلهتها ووطنها وأبويها وأهلها لأجلها.

(3) ما أعظم تدبير الله الذى يرشد أصحاب النفوس المتواضعة المطيعة إلى ما فيه الخير، ويسدد خطاهم، ويريهم الطريق الذى يسلكونه. هكذا كان الله مع راعوث الموآبية، وأرشدها للحقل الذى تلتقط فيه، وللشخص الذى يعطف عليها، وللحصادين والفتيات الذين يقدرون ظرفها ويحسنون معاملتها.

الأصحاح الثالث

(1) نصيحة نعمى لراعوث مما يتعلق بحق الولاية (ع1-5)

(2) التماس راعوث من بوعز بما يتعلق بالولاية (ع6-9)

(3) حديث بوعز إلى راعوث ووعده لها وإكرامها (ع10-15)

(4) مجىء راعوث إلى البيت وحديثها مع حماتها (ع16-18)

نصيحة نعمى لراعوث مما يتعلق بحق الولاية (ع1-5)

1- وقالت لها نعمى حماتها يا بنتى ألا ألتمس لك راحة ليكون لكِ خير

كانت نعمى مخلصة لكنتها فقالت لها: (يا ابنتى ألا ألتمس لك راحة ليكون لكِ خير؟) والاستفهام هنا يفيد الإثبات، والمعنى (أنى ألتمس لكِ راحة …) والراحة والخير هنا يقصد بهما حياة استقرار وسعة بدل حياة الفقر والمعاناة والتعب المفرط التى كانت تحياها.

2 – فالآن أليس بوعز ذا قرابة لنا الذى كنت مع فتياته.هاهو يذرى بيدر الشعير الليلة.

(1) رسمت نعمى خطة لراعوث تستفيد بها من حق الولاية الشرعية عن طريق بوعز الولى الثانى لهم أو بما يشير هو به باعتباره رجلاً محسناً تقياً يقدر ظروفهما. هذا الحق هو ما أمر به الرب بشأن الشخص الذى يتوفى دون أن ينجب نسلا حيث يتزوج أخوه بامرأته ويكون الابن البكر باسم المتوفى، وإن لم يكن له أخ يتزوج امرأته أقرب قريب له (تث25: 5-10)، كما كان على الولى أيضاً أن يفك (يفدى) المُلك الذى كان الشخص المتوفى قد باعه أو رهنه لفقره.

(2) وقد اختارت نعمى تلك الليلة التى كان بوعز يذرى فيها الشعير حيث المزارعون فى ابتهاج وفرح فى مثل هذه المناسبة، اختارت تلك الليلة لراعوث لتفاتحه فى موضوعها. وكان الشعير يذرى بالمذراة والغربال لفصل الحبوب عن التبن

3 – فاغتسلى وتدهنى والبسى ثيابك وانزلى إلى البيدر ولكن لا تعرفى عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب.أشارت إليها بأن تغتسل وتدهن بالأطياب وتخلع عنها ثياب ترملها وثياب العمل وتلبس ثياب جميلة وتتأهب لعرض قضيتها على بوعز، وقولها (ولكن لا تعرفى عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب) أى لا تظهر أمامه لعرض قضيتها إلا بعد أن ينتهى من أكله وشربه بعد عناء عمله اليومى.

4 – ومتى اضطجع فاعلمى المكان الذى يضطجع فيه وادخلى واكشفى ناحية رجليه واضطجعى وهو يخبرك بما تعملين.

(1) بعد أن يأكل ويذهب لينام فى الجرن: عليها أن تراقب المكان الذى ينام فيه وتعرفه حتى إذا ما نعس تذهب بهدوء وتنام تحت رجليه كما ينام العبيد والإماء أحيانا تحت أرجل سادتهم ليتغطوا بجزء من غطائهم وليكونوا فى خدمة سادتهم إن احتاجوا خدمة فى أثناء الليل وكعلامة على طاعتهم والحياة تحت ظلهم ورعايتهم، وكان العبيد ينامون فى الغالب فى وضع متقاطع تحت أقدام سادتهم، كانت فكرة نعمى أن ينتبه بوعز من نومه فتعرض عليه راعوث قضيتها وتطلب إليه أن يقوم لها بما يجب على الولى أو يرشدها بما يراه مناسباً.

(2) لم يكن العمل الذى عملته راعوث مستهجناً فى ذلك الزمان، بل كان أمراً تقليدياً مألوفاً بين العبيد والسادة، ولم يكن طلبهاً طلبا شاذاً بل كان أمراً شرعياً أمر به الرب شعبه. ولقد كانت نعمى امرأة حكيمة، وراعوث سيدة تقية محتشمة فاضلة، وبوعز رجلاً يعرف شريعة الرب وكلمته.

5 – فقالت لها كل ما قُلْتِ أصنع.

(1) أطاعت راعوث حماتها وأبدت استعدادها لتنفيذ كل ما أوصتها به

(2) كان فى إمكان نعمى أن تطلب هذا الحق لها وربما كانت فى سن مناسب للزواج، ولكنها آثرت كنتها على نفسها والتمست لها الراحة وهى بذلك تمثل المحبة الحقيقية التى (لا تطلب ما لنفسها 1كو13: 5)، بل ما هو لغيرها.

التماس راعوث من بوعز بما يتعلق بالولاية (ع6-9)

6 – فنزلت إلى البيدر وعملت حسب كل ما أمرتها به حماتها.

جاءت إلى البيدر (الجرن) دون أن يراها بوعز ونفذت الخطة التى رسمتها لها نعمى.

7 – فأكل بوعز وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع فى طرف العرمة. فدخلت سرا وكشفت ناحية رجليه واضطجعت.

(1) أكل وشرب (وطاب قلبه) أى ارتاح ضميره وسر، ببركة الله ونعمته التى ظهرت فى وفرة المحصول، وكان المزارعون يشكرون الله ويقدمون له التسبيح على عطاياه وإحساناته.

(2) بعد أن استغرق فى النوم دخلت راعوث البيدر (سراً) أى بدون أن يحس بها إنسان، واضطجعت تحت رجليه حسب وصية حماتها لها.

8 – وكان عند انتصاف الليل أن الرجل اضطرب والتفت وإذا بامرأة مضطجعة عند رجليه

انتبه من نومه فى منتصف الليل، وأحس بشخص تحت رجليه (فاضطرب) أى انزعج، ولما التفت ليرى وجد امرأة نائمة تحت رجليه.

9 – فقال من أنت فقالت أنا راعوث أمتك. فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولى.

سألها مندهشا: (من أنت؟) فأجابته بتواضع أنها راعوث أمته، وبدون توقف حتى تزيل دهشته أعلنت له الغرض الذى جاءت لأجله فطلبت إليه قائلة: (فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولى).

(ذيل) الثوب طرفه، والمعنى المقصود أن يجعلها تحت رعايته وحمايته كما تجعل الدجاجة فراخها تحت جناحها، ويكون هذا بأن يتزوجها ليحيى اسم الموتى ويحفظ حقهم وينجب لهم نسلا بما أنه (ولى)، وبذلك يحفظ أسرة اليمالك وابنته محلون وكليون من الضياع والاضمحلال.

حديث بوعز إلى راعوث ووعده لها وأكرامها (ع10-15)

10- فقال إنك مباركة من الرب يا بنتى لأنك قد أحسنت معروفك فى الأخير أكثر من الأول إذ لم تسعى وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء

امتدحها بوعز وأعلن أنها (مباركة من الرب)، وامتدح صنيعها الحسن (فى الأخير أكثر من الأول)، وكان قد مدحها عن معروفها الأول إذ تركت أبويها وشعبها ولصقت بحماتها، واليوم يمدح معروفها الأخير إذ لجأت إليه وطلبت إليه حق الولاية وطلبت أن يكون زوجاً لها رغم تقدمه فى السن وربما كان كهلاً، ورغم حداثة سنها لم تطلب زوجاً من الشبان الأغنياء أو الفقراء.

11- والآن يا بنتى لا تخافى. كل ما تقولين أفعل لك. لأن جميع أبواب شعبى تعلم أنك امرأة فاضلة.

طمأنها بأنه لابد أن يعمل كل ما فيه راحتها واستقرارها وسعادتها، ويجعلها تتمتع بالحقوق الشرعية التى تأمر بها الشريعة، ثم امتدحها بقوله: (الآن جميع أبواب شعبى تعلم أنك امرأة فاضلة). و(أبواب الشعب) تعبير مجازى يقصد به جميع الشعب الذين

( أ ) يحلون فى أبواب المدينة والبيوت للتسلية والتشاور فى الأمور الهامة

(ب) ويدخلون تلك الأبواب.

رغم أنها امرأة فقيرة وغريبة، ولكنها فى نظر جميع الناس كانت (فاضلة)، و”امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ” (أم31: 10).

12 – والآن صحيح أنى ولى ولكن يوجد ولى أقرب منى

(1) عرفها بوعز أنه (ولى)، ولكن يوجد شخص آخر أكثر قرابة منه لأسرة أليمالك يعتبر ولياً أول لهم، وهذا موافق لما قالته نعمى لراعوث حينما قالت عن بوعز: (إنه ثانى ولينا ص2: 20).

(2) كان بوعز رجلاً عادلاً ورغم أنه كان معجباً جداً براعوث ولكنه أراد أن يسلك الطريق القانونى فيعرض الأمر أولا على الولى الأقرب حتى لا يفتئت على حقه.

13 – بيتى الليلة ويكون فى الصباح أنه إن قضى لك حق الولى فحسناً ليقضى. وإن لم يشأ أن يقضى لك حق الولى فأنا أقضى لك. حى هو الرب. اضطجعى إلى الصباح.

(1) أمرها أن تبيت الليلة فى مكانها حتى الصباح، لأنها لا تستطيع أن تذهب، ووعدها بأن يعرض الأمر على الولى الأقرب ليقضى لها كل ما يجب أن يقضيه الولى، ولكى يطمئن قلبها أكثر أقسم لها بقوله (حى هو الرب)، وهى صيغة قسم معروفة تعنى (شاهد هو الله الحى على كلامى).

وقد أمرها أن تبيت فى الحقل لأنها لا تستطيع أن تذهب إلى بيتها فى ذلك الوقت المتأخر من الليل.

14 – فاضطجعت عند رجليه إلى الصباح ثم قامت قبل أن يقدر الواحد على معرفة صاحبه. وقال لا يعلم أن المرأة جاءت إلى البيدر.

اضطجعت كما كانت عند قدميه، وفى الصباح الباكر جدا قبل أن يتمكن المرء من تمييز المرئيات جيدا أرادت أن تعود إلى منزلها.

ورغم أنها امرأة فاضلة ورغم أن بوعز رجل تقى فقد حرصت هى ألا يلاحظها أحد وحرص هو أيضاً ألا يعلم أحد بمجيئها إلى البيدر حتى لا يتطرق أى فكر ردىء ضدهما من شخص ما محب كان أو عدواً ولا يكونا موضع شبهة من أحد. والمؤمن يجب أن يحيا بحكمة وبحذر محافظاً على سمعته وصيته حتى لا يكون عثرة لأحد، وربما أيضاً لكى يحافظ بوعز على عزة نفسها وكرامتها فلا يظن أحد أنها طلبت منه أن يكون ولياً وزوجاً من تلقاء نفسها، مع أن هذا كان من حقها.

15 – ثم قال هاتى الرداء الذى عليك وامسكيه. فأمسكته فاكتال ستة من الشعير ووضعها عليها ثم دخل المدينة.

(1) أمرها أن تمسك بالرداء الذى عليها، والمقصود به ثوب خارجى شبه معطف أو عباءة، أو ملاءة كانت تلفها حول نفسها، ولما أمسكت الرداء كال لها ستة أكيال من الشعير، يرى البعض أنها ستة أعمار، والعمر عشر الإيفة ويسع نحو 1.75 من الكيلو جرامات من الحنطة ويرى آخرون أنه ثلث الإيفة والإيفة تسع نحو 17.5 كيلو جراما – فيكون ما أعطاه إياها نحو 10.5 أو 35 كيلو جراما، ولأن هذه الكمية ثقيلة عليها فقد (وضعها عليها) أى رفعها بيديه ليساعدها على حملها، وهكذا سارت فى طريقها إلى حماتها ومعها هذه العطية السخية.

(ثم دخل المدينة): يرى البعض أن المقصود بهذا راعوث، وأنها دخلت المدينة، ولكن الأرجح أن العبارة يقصد بها أن بوعز نفسه قد دخل المدينة أيضاً، ربما بعد أن بارحت راعوث الحقل بفترة، وكان دخوله لينجز لراعوث وعده ويتحدث مع الولى الأقرب بشأنها، يرجح هذا ما نقرأه فى الأصحاح الرابع (ع14).

مجىء راعوث إلى البيت وحديثها مع حماتها (ع16-18)

16 – فجاءت إلى حماتها فقالت من أنت يا بنتى. فأخبرتها بكل ما فعل الرجل.

(ما وراءك وما هى أخبارك؟)، حينئذ قصت عليها راعوث كل الحديث الذى جرى بينها وبين بوعز.

17 – وقالت هذه الستة من الشعير أعطانى لأنه قال لا تجيئى فارغة إلى حماتك.

وأضافت راعوث أنه أعطاها الستة الأكيال من الشعير لتحملها إلى حماتها حتى لا ترجع إليها فارغة.

18 – فقالت اجلسى يا بنتى حتى تعلمى كيف يقع الأمر. لأن الرجل لا يهدأ حتى يتمم الأمر اليوم.

(1) طلبت نعمى إلى راعوث أن تجلس معها وتنتظر ماذا يحدث، ولأنها تثق فى صدق بوعز وتقواه عرَّفتها أنه لن يهدأ باله أو يستريح خاطره إلا إذا تمم لها فى نفس اليوم كل ما وعد، بشأن قضاء حق الولى لها سواء من الولى الأول إذا قبل، أو منه شخصيا، ولقد كانت نعمى صادقة فى ظنها لأن أليمالك أنجز الأمر كله فى (نفس اليوم)، كما هو واضح فى الأصحاح التالى.

(2) (اجلسى): عليك أن تطمئنى ولا تقلقى لأن الرجل سيقوم بالأمر لما فيه راحتك. ما أشبه هذا القول بقول الرب لشعبه قديماً: “الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون” (خر14: 14) يجب عليه دائما أن يسلم للرب طريقه ويتكل عليه مطمئنا لأن الرب يدبر جميع أموره.

الأصحاح الرابع

فى هذا الأصحاح

(1)     بوعز يعرض الأمر على الولى ورفض الولى الأمر (1-8)

(2)     بوعز يعلن أمام الشيوخ استعداده ليقوم بواجب الولى (ع9-10)

(3)     الشيوخ يباركون زواج بوعز وراعوث (ع11، 12)

(4)     زواج بوعز براعوث وولادة عوبيد (ع13)

(5)     النساء يهنئن نعمى، ونعمى تربى الولد (ع14- 17)

(6)     قائمة بمواليد فارص (ع18-22).

بوعز يعرض الأمر على الولى ورفض الولى الأمر (1-8)

1 – فصعد بوعز إلى الباب وجلس هناك وإذا بالولى الذى تكلم عنه بوعز عابر. فقال له مل واجلس هنا أنت يا فلان الفلانى. فمال وجلس.

(1) صعد بوعز إلى بوابة مدينة بيت لحم، حيث كان الناس يعبرون وهم ذاهبون إلى حقولهم وأعمالهم، وحيث كان رؤساء المدينة وقضاتها يجلسون للتشاور فى الأمور الهامة والقضاء والتسلية أحياناً. ولأن سور المدينة كان سميكاً والبوابة واسعة، فقد كان المكان الذى يجلسون فيه فى فتحة البوابة واسعاً فى شبه رواق له سقف يظلله.

(2) مر الولى الأول، فدعاه بوعز ليميل ويجلس معه، وعرف الولى أنه يريد منه أمراً هاما فأطاع وجلس، ومن البديهى أن بوعز دعاه باسمه، ولكن الوحى أغفل ذكر اسمه وقال بدله: ( يافلان الفلانى) وهذا تعبير عن أى اسم لأى إنسان ويقال للمؤنثة (فلانة) والوحى لم يذكر اسم الرجل:

( أ ) لعدم أهمية اسمه.

(ب) وربما لعدم استحقاقه ليذكر اسمه فى الكتاب المقدس ويخلد ذكره بما أنه رفض أن يقضى لنعمى وراعوث حق الولى ليحفظ أسماء أليمالك وابنيه.

2 – ثم أخذ عشرة رجال من شيوخ المدينة وقال لهم اجلسوا هنا. فجلسوا.

أراد بوعز أن يجرى عمله بغاية الدقة والقانونية فدعا عشرة من الشيوخ الحكماء الظاهرين فى المدينة ليحضروا هذا الاجتماع وليكونوا شهوداً لكل الوقائع، فلبوا طلبه أيضاً وجلسوا معه ومع الولى.

وإن كانت شهادة اثنين أو ثلاثة كافية لإثبات أى أمر، ولكن اليهود اعتادوا أن يدعوا أكبر عدد من الشهود ولاسيما الشيوخ فى الأمور الأكثر أهمية، كما طلبت ايزابل امرأة آخاب دعوة شيوخ المدينة وشرفائها ليحضروا قضية نابوت اليزرعيلى ولكن شتان ما بين موقفها الدنئ وموقف بوعز المشرف وغرضه البرئ النبيل – (1مل21: 8-11).

3 – ثم قال للولى إن نعمى التى رجعت من بلاد موآب تبيع قطعة الحقل التى لأخينا أليمالك.

(1) كان على بوعز أن يعرض على الولى أمرين: أولهما شراء الحقل الذى كان لأليمالك وآل بعد موته وموت ابنيه إلى نعمى وراعوث، والثانى الزواج من راعوث الموآبية لينجب نسلا يحفظ اسم أليمالك وابنيه.

وهنا يعرض عليه أولا الموضوع الأول ويعرفه أن نعمى بعد عودتها من موآب تعرض قطعة الحقل للبيع. وقال فى حديثه عن الأرض (التى لأخينا أليمالك) أى قريبنا الذى يجب علينا أن نهتم بأمر أسرته حتى إن كان قد مات.

(2) الكلمة المترجمة إلى (تبيع) يمكن أيضاً أن تترجم إلى صيغة الماضى، ويكون المعنى أن نعمى كانت قد باعت حصة أليمالك إلى شخص ما وتريد أن يفكها (يشتريها ويفتديها) الولى من يد المشترى لتكون باسم أليمالك وابنيه. وإن كان المقصود من الفعل معنى المضارع فيكون المقصود أن الأرض فى حيازتها ولم تكن قد باعتها غير أنها تريد الآن بيعها.

وتنص الشريعة على أن أليمالك إذا مات يرثه أبناؤه وإن لم يكن له أبناء ترثه بناته كما هو الحال مع بنات صلفحاد، وإن لم يكن  له أبناء أو بنات يرثه إخوته فأبناء عمه فنسيبه الأقرب. (عد27: 8-11). وكان على الوارث أن يتزوج امرأة المتوفى ليقيم له نسلا (عدد27: 8-11، تث25: 5، 6).

ويظهر أن اليهود ولا سيما فى عهد القضاة كانوا لا ينفذون الشريعة بكل دقة لعدم رعايتهم روحياً وجهلهم وبسبب اضطهاد الشعوب الوثنية لهم وتدخلهم فى أمورهم، وعلى أية حال فلما مات أليمالك ثم مات ابناه آلت الأرض إلى نعمى وراعوث، ولم يكن لعرفة نصيب لأنها بقيت فى أرض موآب وربما تزوجت بشخص من شعبها.

(3) وفى زمن المجاعة التى حدثت فى بيت لحم (ص1:1) وفى مدة العشرة السنوات التى تغربت فيها أسرة أليمالك فى موآب وكذلك عند عودة نعمى وراعوث ربما كانت الأرض:

( أ ) محفوظة فى عهدة أحد الأشخاص الموثوق فيهم وسلمها لنعمى بعد عودتها.

(ب) أو ربما كانت مرهونة أو مباعة وعادت إليها فى اليوبيل حسب الشريعة (لا25، 27، 36).

(ج) أو ربما كانت مرهونة أو مباعة ولم يأت عليها اليوبيل بعد وفى أى حال من الأحوال الثلاثة كانت نعمى تريد بيعها للولى ليتزوج براعوث أيضاً ويحفظ اسم الموتى.

4 – فقلت انى أخبرك قائلا اشتر قدام الجالسين وقدام شيوخ شعبى. فإن كنت تفك ففك. وإن كنت لا تفك فأخبرنى لأعلم لأنه ليس غيرك يفك وأنا بعدك. فقال إنى أفك.

(1) رأيت أن أعرض عليك الأمر لتشترى الحقل أمام الشيوخ وغيرهم من الجالسين معنا ليكونوا شهودا على كل شئ، فإن كان لك رغبة فى فك الأرض (أى فدائها بالشراء)، ففك، لأنك أنت الولى الأول، وإذا لم تكن لك رغبة فإن لى الحق بعدك فى شرائها.

(2) أجاب الولى بأنه مستعد أن يشترى الأرض، وكان قصده من ذلك أن يوسع بها ملكه، ولم يتطرق إلى ذهنه امر الزواج براعوث.

5 – فقال بوعز يوم تشترى الحقل من يد نعمى تشترى أيضاً من يد راعوث الموآبية امرأة الميت لتقيم اسم الميت على ميراثه.

من ثم قدم بوعز إلى الولى الأمر الثانى الذى كان يعتبر شرطا لشراء الحقل، وهو أن الحقل لا تبيعه نعمى وحدها بل راعوث أيضاً أرملة محلون ابن أليمالك الذى لها فيه نصيب زوجها، وأن عليه أن يتزوجها لينجب نسلا ويكون البكر الذى يولد منتسبا للزوج المتوفى ويحفظ له الميراث فلا ينقرض اسم أليمالك وابنيه من إسرائيل.

6 – فقال الولى لا أقدر أن أفك لنفسى لئلا أفسد ميراثى. ففك أنت لنفسك فكاكى لأنى لا أقدر أن أفك.

وأجاب الولى أنه لا يقدر أن يشترى الحقل إذا كان مشروطا بالزواج من راعوث وصرح لبوعز أن يقيم هو حق الولى فيشترى الحقل ويتزوجها، وقد علل عدم استطاعته القيام بهذا بقوله: (لئلا أفسد ميراثى) والمقصود بميراثه هنا:

( أ ) قطعة الأرض التى يشتريها على أمل أن يضمها لميراثه الأصلى ويوسعه بها، ولكنه بزواجه من راعوث سيكون جزءا كبير منها من نصيب البكر الذى سينسب إلى محلون لا إليه فضلا على أن قطعة الأرض نفسها ستكون باسم أليمالك ومحلون وليست باسمه مع أنه دفع فيها ماله.

(ب) والمال الذى يدفعه من جيبه الخاص ثمنا لقطعة الأرض ويعتبر حقا لأولاده الأصليين ليتمتعوا به فى حياته ويرثوه بعد مماته سيؤول إلى غيرهم من أبناء راعوث مع أن أبناءه الأصليين أحق به.

(ج) فضلا على أن حصة الحقل التى يشتريها ستختلط بميراثه الأصلى ويكون منه هذا جزء لأبنائه الأصليين وجزء لراعوث وابنها البكر وجزء للأبناء الآخرين الذين يولدون من راعوث وبهذا يحصل ارتباك فى ميراثه.

(د ) ولعله استنكف أن يكون لابن امرأة موآبية غريبة الجنس، ولابن ينتسب لمحلون المتوفى نصيب فى ماله الذى تعب فى تحصيله سنوات كثيرة وظن أن كل هذا عامل على إفساد ميراثه وعدم حفظه لأبنائه الأصليين.

7 – وهذه هى العادة سابقاً فى إسرائيل فى أمر الفكاك والمبادلة لأجل كل أمر. يخلع الرجل نعله ويعطيه لصاحبه. فهذه هى العادة فى إسرائيل.

يشير الوحى بذلك إلى الشريعة التى سنها الرب لبنى إسرائيل عن الرجل الذى كان يرفض أن يتزوج بامرأة أخيه أو قريبه المتوفى ليحيى له نسلا ويحفظ ميراثه باسمه، فكان عليه أن يخلع نعله ويعطيه للولى الذى يليه الذى يقيم حق الولاية، وبذلك كان بيته يدعى (بيت مخلوع النعل) (تث25: 7-10).

8 – فقال الولى لبوعز اشتر لنفسك. وخلع نعله.

(1) رفض الولى الأول أن يقيم حق الولاية وطلب إلى بوعز أن يحل محله فى ذلك.

(2) وعلامة على رفضه (خلع نعله)، وخلع النعل كناية عن رفع يده من التدخل فى الأمر ومن تملك أرض الزوج الميت ومن كل الحقوق والواجبات المترتبة على ذلك، وتسلم الولى الجديد نعل الأول كناية على أنه أصبح له الحق فى تملك الحقل ودخوله. وفى الغالب كان الولى الأول يتسلم نعله ثانية.

وما زلنا لليوم نعبر بمثل هذه التعبيرات فنقول إن فلانا وضع يده على الأرض أو على العقار بمعنى أنه ملكها، ورفع يده من الأمر بمعنى تخلى عنه وعن التدخل فيه، وليس له يد أو رجل فى الأمر أى ليس له دخل فيه ولم يكن متسببا فيه.. هكذا…

بوعز يعلن أمام الشيوخ استعداده ليقوم بواجب الولى (ع9 ،10)

9 – فقال بوعز للشيوخ ولجميع الشعب أنتم شهود اليوم أنى قد اشتريت لكليون ومحلون من يد نعمى.

أشهد الشيوخ العشرة (ع3)، وكذلك بقية الأشخاص الذين دعاهم ليجتمعوا معهم على أنه اشترى الميراث الذى تركه أليمالك وابناه لنعمى.

10 – وكذا راعوث الموآبية امرأة محلون قد اشتريتها لى امرأة لأقيم اسم الميت على ميراثه ولا ينقرض اسم الميت من بين إخوته ومن باب مكانه. أنتم شهود اليوم.

وأشهدهم أيضاً على أنه قد اتخذ راعوث أرملة محلون زوجة له ليقيم منها نسلاً يكون باسم أبيه حتى لا ينقرض اسم أليمالك وابنيه من إخوتهم بنى إسرائيل ومن مدينتهم بيت لحم.

(اشتريتها امرأة): تعبير مجازى يعنى أنه اتخذها زوجة بما أنه اقتناها لنفسه وافتداها من ترملها وفقرها. إن الرب يسوع اشترانا لنفسه لنكون له عروساً مباركة وكنيسة مقدسة.

(ومن باب مكانه) أى من باب مدينته حيث يخرج الناس ويدخلون ويجلسون ويتسامرون، فيبقى اسم أليمالك على ألسنتهم بما أن لهم نسلا وابنا يحمل أسماءهم، ويظل الناس يقولون: (فلان بن محلون بن أليمالك الذى عمه كليون) وهكذا.

الشيوخ يباركون زواج بوعز وراعوث (12،11)

11 – فقال جميع الشعب الذين فى الباب والشيوخ نحن شهود. فليجعل الرب المرأة الداخلة إلى بيتك كراحيل وكليئة اللتين بنتا بيت إسرائيل. فاصنع ببأس فى افراته وكن ذا اسم فى بيت لحم.

(1) أعلن جميع الحاضرين أنهم شهود على كل شئ

(2) ثم باركوا هذا الزواج الجليل بصلوات وطلبات جميلة، ويرى بعض المفسرين أنه ربما كان أكبر الشيوخ ينطلق بالدعوات واحدة فواحدة فيرددها الباقون أو يقولون (آمين) والزواج المقدس يقوم دائماً بتقديم صلوات لله وبقراءة كلمة الله، لأنه سر إلهى مبارك. وقد قال المجتمعون فى صلواتهم فى هذا العدد والذى يليه:

( أ ) (فليجعل الرب المرأة الداخلة إلى بيتك كراحيل وليئة اللتين بنتا بيت إسرائيل): وراحيل وليئة هما زوجتا يعقوب، وقد (بنتا بيت إسرائيل) أى من نسلهما ومن نسل جاريتيهما بلهة وزلفة خرجت الأسباط الاثناعشر التى تألف منها شعب إسرائيل. والكنيسة المقدسة فى صلاة الإكليل المبارك تدعو أيضاً للعروسين بقولها: (باركهما يا الله كما باركت إبراهيم وسارة، واسحق مع رفقة، ويعقوب على ليئة وراحيل، هؤلاء الذين بنوا بيت إسرائيل).

(ب) (فاصنع ببأس فى أفراته وكن ذا اسم فى بيت لحم) (أفراته) هى نفس (بيت لحم)، ويصنع (ببأس) أى بقوة روحية واجتماعية ومادية، و(كن ذا اسم) أى صاحب مركز وشهرة وصيت والأمر فى العبارتين يفيد الدعاء، فهم يطلبون له العزة والكرامة والمركز السامى.

12- وليكن بيتك كبيت فارص الذى ولدته ثامار ليهوذا من النسل الذى يعطيك الرب من هذه الفتاة.

(ج) طلبوا له أيضاً نسلا صالحا ومباركا من راعوث حتى يقيم له منها بيتا قوياً كبيراً مثل بيت (فارص) الذى كان بوعز من أحفاده.

و(فارص) بمعنى اقتحام أو ثغرة وهو وزارح أخوه الابنان اللذان ولدتهما ثامار ليهوذا بن يعقوب (تك38) ويطلب الشعب أن يكون بيت بوعز قويا ووافر العدد وغنيا مثل بيت فارص، ونقرأ أن فارص خرجت منه عشيرة الفارصيين التى حملت اسمه بالإضافة إلى عشيرتين تحملان اسمى ابنيه حصرون وحامول (ع26: 20، 21، 2أى2: 4، 5).

وقد حقق الرب هذه الدعوات والتمنيات المباركة فبارك بيت بوعز، ومن نسله من راعوث خرج داود النبى وخلفاؤه من ملوك يهوذا والأعظم من هذا أن الرب يسوع وُلِدَ بالجسد من نسله.

زواج بوعز براعوث وولادة عوبيد (13)

13 – فأخذ بوعز راعوث امرأة ودخل عليها فأعطاه الرب حبلا فولدت ابناً

تزوج براعوث فولدت له ابنا هو (عوبيد) (ع17)، ولأنه البكر الذى وُلِدَ لراعوث فإنه نسب إلى أبيه محلون وجده أليمالك.

النساء يهنئن نعمى ونعمى تربى الولد (14-17)

14 – فقالت النساء لنعمى مبارك الرب الذى لم يعدمك ولياً اليوم لكى يدعى اسمه فى إسرائيل.

فرحت نعمى لولادة الولد، وفرحت معها نساء بيت لحم وهنأتها مباركات وممجدات للرب الإله الذى لم يحرمها من (ولى) ويقصدان به حفيدها الذى ولدته راعوث ودعى (ولياً) لأنه يكون سنداً لنعمى وعامل تعزيه لها، ولأنه يحمل اسم جده وأبيه ويكون بمثابة الولى حيث يحيى اسم أسرته من جديد، وحيثما ذكر اسمه بين أبناء شعب الله يذكر أيضاً اسم أليمالك وابنيه وجدته نعمى.

15 – ويكون لك لإرجاع نفس وإعالة شيبتك لأن كنتك التى أحبتك قد ولدته وهى خير لك من سبعة بنين.

(1) إن هذا الولد لا يكون لحفظ اسم الأسرة فقط، بل يكون أيضاً لها:

( أ ) (لإرجاع نفس) أى لإحياء نفسيتها وتعزيتها ورفع معنوياتها وإزالة اليأس عنها، وقد قيل عن يعقوب لما سمع أن يوسف ابنه حى وتأكد من صحة الخبر: “فعاشت روح يعقوب أبيهم”(تك45: 27)

(ب) (وإعالة شيبتك) لأنه يعولك ويخدمك فى شيخوختك.

(2) ولقد هنأنها أيضاً بأن هذا الطفل المولود من كنتها المحبوبة (راعوث)، وامتدحن هذه الفتاة النادرة المثال بقولهن إنها خير لنعمى (من سبعة بنين)، فمحبتها النادرة، وتضحيتها، وطاعتها، وفضيلتها… كل هذه تنسى نعمى فقدانها لابنيها، وتملأ حياتها تعزية وغبطة، وكأنها إذ فقدت ابنين كسبت براعوث سبعة بنين.

16 – فأخذت نعمى الولد ووضعته فى حضنها وصارت له مربية.

أخذته بين أحضانها لتربية وتعتنى به

17 – وسمته الجارات إسماً قائلات قد وُلِدَ ابن لنعمى ودعون اسمه عوبيد. هو أبو يسى أبى داود.

(1) لفرط فرح الجارات تولين أمر تسمية هذا الحفيد الذى ولد واعتبر ابنا لها، وقد دعون اسمه (عوبيد) بمعنى عبد، عبد الله  الحى، وعبد مطيع لجدته نعمى العزيزة عليهن، ثم لوالديه بوعز وراعوث

(2) ويحرص كاتب السفر على أن يذكر أن هذا الطفل هو أبو يسى أبى داود النبى والملك. والروح القدس هو الذى حركه ليكتب هذا لنعرف الأجيال الخارجة منه ونعرف أيضاً أن من نسله وُلِدَ المسيح المبارك بالجسد.

قائمة بمواليد فارص (18-23)

18- وهذه مواليد فارص. فارص ولد حصرون.

19- وحصرون ولد رام. و رام ولد عميناداب.

20 – وعميناداب ولد نحشون ونحشون ولد سلمون.

21 – وسلمون ولد بوعز وبوعز ولد عوبيد.

22 – وعوبيد ولد يسى. ويسى ولد داود.

(1) ذكرت هذه السلسلة فى ضمن سلسلة نسب السيد المسيح فى الأصحاح الأول من إنجيل القديس متى (ع3-6)  ويمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص هم جميع الأشخاص الذين وُلِدوَا بالفعل، أو أن يكون الوحى قد اكتفى بذكرهم وحذف بعض الأشخاص القليلى الأهمية. ومن المعروف أن الأحفاد سواء أكانوا قريبين أو بعيدين يمكن أن يدعوا أبناء.

(2) و(فارص) هو ابن يهوذا من ثامار كما ذكر ذلك فى شرح (ع12). و(حصرون) خرجت منه عشيرة كبيرة باسمه (تك 46: 12، عد26: 12). و(رام)، وقد دعى أيضاً (أرام) فى (مت1: 3). (وعميناداب) (بتشديد الميم) بمعنى (عمى كريم) وهو أبو اليشابع زوجة هرون رئيس الكهنة (خر6: 23) و (نحشون) هو أخو اليشابع، وقد كان رئيسا لسبط يهوذا ولمحلة يهوذا فى أيام موسى النبى (عد2: 3، 10: 14) و(سلمون): وهو من عظماء يهوذا أيضاً فى أيام يشوع بن نون، وقد تزوج براحاب التى أضافت الجاسوسين فى أريحا بعد أن دخلت فى رعوية شعب الله وآمنت بالرب الإله (متى1: 4، 5) و(بوعز): هو ثانى ولى نعمى، وقد تزوج براعوث الموآبية، وكان هذا الزواج بركة لبيته ولشعبه وللجنس البشرى جميعه و(عوبيد) ومر الحديث عنه فى (ع17) و(يسى) هو يسى البيتلحمى الذى تبارك بيته بدخول صموئيل النبى فيه ومسح ابنه داود ملكاً على إسرائيل فى حياة الملك شاول بأمر الرب (1صم16) و(داود) ملك إسرائيل العظيم، ومرنم إسرائيل الحلو، وجد المسيح المبارك بالجسد.

(3) من تدبير إلهنا العجيب أنه ذكر فى سلسلة أنساب المسيح له المجد أربع نساء واحدة منهن إسرائيلية وهى بثشبع التى تزوجها داود الملك (2صم11، مت1: 6)، وثلاث من الأمم وهن ثامار الكنعانية التى ولدت ليهوذا فارص وزارح (تك38، مت1: 3) وراحاب التى تزوجها سلمون (يش2، مت1: 4، 5)، ثم راعوث الموآبية التى تزوجها بوعز كما نرى فى هذا الأصحاح. وكأن نعمة الرب قد دبرت هذا لكى نتذكر:

(أولا) أن كلا من الرجل والمرأة له مكانته فى نظر الله فكما ذكر الوحى عدداً من الرجال فى سلسلة نسبه تبارك اسمه ذكر أيضاً عددا من النساء.

(ثانيا) وإن كانت حياة بعض هؤلاء النساء قد شابها بعض النقص والخطايا فإن الرب لم يستنكف أن يكن بين جداته بالجسد، فبثشبع هى امرأة أوريا الحثى التى أخطأ داود معها قبل أن يتزوج بها، وثامار ولدت فارص وزارح من يهوذا بطريقة يراها البعض مستهجنة وإن كان ذلك تم بحسن نيتها وراحاب قيل إنها كانت زانية قبل أن تؤمن بالله، وراعوث كانت فى بداية حياتها وثنية، وتدبير المسيح أن تكون هؤلاء فى سلسلة نسبه يرينا الغاية المجيدة من مجيئه إذ أراد أن يخلص الخطاة ويطلب ويخلص ما قد هلك (لو19: 10).

(ثالثا) وكانت كل من ثامار وراحاب كنعانية وراعوث موآبية وهذا يذكرنا أيضاً أن المسيح قد جاء ليجمع اليهود والأمم فى شخصه لأنه يخلص الجميع وملك الجميع والذى يريد أن جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون (1تى2: 4).

خاتمة السفر

بعض الأهداف والتعاليم

(أولا) أن الرب برحمته “يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان”(أى5: 18)، وقد يسمح بدخول أولاده التجربة، ولكنه يعود ويرحمهم فقد سمح بتجربة بيت أليمالك ولاسيما نعمى ولكنه عاد فحول مرارة حياة الأسرة إلى حلاوة.

(ثانيا) والرب لا يتخلى عن الأرملة واليتيم والمسكين ولكن يشفق عليهم ويدبر أمورهم.

(ثالثا) ولئن ترك الإنسان وحيدا فى محنة، ولئن تركه أصدقاؤه أو فارقه أقاربه، فالرب يبقى بجانبه عضدا وسنداً، هو أبو اليتامى وقاضى الأرامل (مز68: 5) وكما تقول الكنيسة المقدسة فى صلواتها (رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين، عزاء صغيرى القلوب، ميناء الذين فى العاصف).

(رابعا) أن المحبة العظيمة بين نعمى وكنتيها ولاسيما راعوث الموآبية، ترسم أمامنا صورة مجيدة لما يجب أن تكون عليه المحبة بين الأصدقاء، والأقارب وأفراد الأسرة.

(خامسا) بوعز الولى الحنون يمثل الرب يسوع ولى نفوسنا الذى ظللنا بجناحيه وجعلنا تحت حمايته ورعايته واقتنانا لنفسه عروسا مجيدة وكنيسة مقدسة.

(سادسا) وراعوث الموآبية فى طلبها ولاية بوعز ترسم صورة للنفس المطيعة لعريسها التى تنضوى تحت لوائه وتتبعه وتعيش فى حماه ورعايته.

(سابعا) آمنت راعوث بالله، وتركت أهلها ووطنها لتلتصق بحماتها، والنفس المؤمنة تترك كل شئ فى سبيل خالقها، وتضحى بكل العلاقات والمسرات والشهوات التى قد تحول بينها وبين فاديها الحبيب.

(ثامنا) كانت مكافأة المحبة عظيمة، فقد أراح الرب قلب نعمى، وتزوجت راعوث ببوعز الرجل العظيم، وأعطاها الرب منها نسلاً صالحاً، ومن نسلها وُلِدَ داود النبى والملك، وأبناؤه وأحفاده من الملوك، وأعظم وأروع من كل هذا وُلِدَ المسيح بالجسد، الملك على كرسى داود حيث يملك إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (لو1: 33)

والمجد لله دائما أبديا أمين