تفسير سفر الملوك الأول – الأصحاح الأول – الأرشيذياكون نجيب جرجس

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأرشيذياكون نجيب جرجس
التصنيفات الكتاب المقدس, دراسات في العهد القديم, كتب مقروءة أون لاين
الأسفار الأسفار التاريخية, العهد القديم, سفر الملوك الأول
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 4.995 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
17MB

فى هذا الأصحاح :

(1)  شيخوخة داود وإعطاؤه أبيشج الشونمية (ع1-4).

(2)  أدونيا يبتدئ بالظهور بمظهر الآلهة (ع5، 6).

(3)  مناصرو كل من أدونيا وسليمان (ع 7، 8).

(4)  أدونيا يذبح ذبائح (ع9 ، 10).

(5)  خطة ناثان وبثشبع وحدثيهما مع الملك داود (ع11-31).

(6)  أمر داود بتمليك سليمان (ع34-37).

(7)  مسح سليمان ملكاً (ع 38-40).

(8)  يوناثان يبلغ أدونيا وأتباعه تمليك سليمان (ع41-48).

(9)  خوف أدونيا وتمسكه بالمذبح واستدعاء الملك له والعفو عنه(ع49-55).

1 – شيخوخة داود واعطاؤه أبيشج الشولمية ( 1 : 4 )

1 – وشاخ الملك داود. تقدم فى الأيام. وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ

(1) قاربت حياة داود على الانتهاء، وقد عاش سبعين سنة، لأنه تولى الملك فى الثلاثين من عمره، وعاش بعد توليته أربعين سنة أخرى (2صم 5 : 4، 5). وقد تكلم عن غروب شمس حياة الإنسان فى مثل هذه السن أو بعدها بقليل حيث قال (أيام سنينا).

(2) ورغم أنه تمتع بالملك هذه السنوات الطويلة إلا أنه أصيب فى سن السبعين بالمرض والضعف حتى كانوا يدثرونه (يغطونه ويلفونه) بالثياب ومع ذلك لم يدفأ. والمقصود (بالثياب) هنا ملابسه الثقيلة التى كان يلبسها، والأغطية التى كانوا يغطونه بها، وكانت غالباً من الصوف أو الشعر.

ولعل جسمه وعظامه وعضلاته كانت قد أصيبت بالآلام الروماتيزمية الحادة بسبب ما قساه فى حياته من المتاعب سواء قبل تملكه أو بعده . لأنه عاش سنوات فى رعاية غنم أبيه، وعاش أعواماً طويلة مطارداً من شاول، وخاصة الحروب مراراً وتكراراً، وحتى بعد أن ملك طارده ابنه أبشالوم فترة كانت أمر فترات حياته. وفى كل هذا كان يتعرض للتجول من مكان إلى مكان، وكثيراً ما بات فى العراء, معرضاً للبرد والرياح والأمطار وعوامل الطبيعة الأخرى أو فى الكهوف التى لم تعطه الدفء الكامل.

2- فقال له عبيده ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء. فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنة. ولتضطجع فى حضنك فيدفأ سيدنا الملك.

(عبيد) داود هنا ربما عظماء شعبه، ومشيروه ووزراؤه. وقد أشاروا عليه أن يُصرَّح لهم بالبحث عن فتاة تكون له سرية (زوجة ثانوية) (لتقف أمامه) أى تخدمه، تكون له (حاضنة) أى تنام إلى جانبه ليستطيع أن يشعر بالدفء. وقد كان القدماء ولا سيما فى الشرق يظنون أن زواج الشيخ بفتاة صغيرة قد تبعث فيه الصحة والحيوية وتنقل إليه النشاط.

(3) وقد كان داود وغيره من الرجال الأبرار يخطئون أحياناً بالزواج بأكثر من امرأة واحدة لأن الله ” فى البدء خلقهما ذكراً وأنثى”، والرب كان يتجاوز عن تعديهم بالنسبة لعدم نضج البشرية الروحى نضجاً كاملا، وعـدم استعدادهم التـام لقبول ناموس الله. حتى جاء العهد الجديد، وأمر الرب المؤمنين أن يعودوا إلى الناموس الذى سنه الله منذ القـدم (مت19) ” لكى يكون لكل رجل امرأته ولكل امرأة رجلها

3 – ففتشوا على فتاة جميلة فى جميع تخوم إسرائيل فوجدوا أبيشج الشونمية فجاءوا بها إلى الملك. 4 – وكانت الفتاة جميلة جداً. فكانت حاضنة الملك وكانت تخدم ولكن الملك لم يعرفها.

(1) فتش المسئولون فى أنحاء البلاد فوجدوا (أبيشج الشونمية)، نسبة إلى بلدتها (شونم) فجاءوا بها إلى الملك، وكانت تخدمه وتنام إلى جانبه ولكنه (لم يعرفها) أى لم يضاجعها، بالنسبة لضعفه فى سن الشيخوخة إذ (الشهوة تبطل).

(2) كانت أبيشج (جميلة جداً) وقد أسر جمالها قلب أدونيا بن داود فيما بعد، فسبب له الموت مقتولاً (ص2)، وكثيراً ما يكون الجمال الجسدى عاملاً على الإضرار بالذين يفترون به، بل عاملاً أحياناً على موتهم.

2 – أدونيا يبتدئ بالظهور بمظهر الآلهة (ع5, 6)

5 – ثم إن أدونيا بن حجيث ترفع قائلاً أنا أملك. وعدَّ لنفسه عجلات وفرسانا وخمسين رجلاً يجرون أمامه. 6 – ولم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا. وهو أيضاً  جميل الصورة جداً. وقد ولدته أمه بعد أبشالوم.

(1) كان أدونيا الابن الرابع لداود من إحدى زوجاته التى تدعى (حجيث)، وكان ابنه البكر أمنون الذى قتله أبشالوم (2صم13), وابنه الثانى كيلآب ويظهر أنه مات فى شبابه، وابنه الثالث (أبشالوم) وأمه معكة، وقد قتل فى حركته التى قام بها ضد أبيه (2صم18 ).

(2) انتهز أدونيا فرصة ضعف داود بسبب الشيخوخة وابتدأ (يترفع) أى ابتدأ يتعالى، وفكر أن يعلن نفسه ملكا فى حياة أبيه. فظهر بمظهر العظمة والأبهة إذ اتخذ لنفسه عجلات و (مركبات) وفرساناً يركبون خيولهم وخمسين رجلاً يجرون أمامه) ويدعون السعادة، لكى يعلنوا تملكه أمام الشعب ويعدوا طريقه حيثما سار. وكانت حركته هذه قريبة الشبه من حركة أبشالوم.

(3) ومن العجيب أن أباه تركه يفعل ما يشاء و (لم يغضبه قط) ولا قال له (لماذا فعلت هكذا ؟)، وربما كان هذا بسبب محبته له كابن وخصوصاً لأنه كان جميل الطلعة جداً، وربما كان هذا أيضاً بسبب شيخوخة داود التى جعلته ضعيف الجسد، مسلوب الإرادة، خائر العزيمة، يستسلم لأى حادث ولا يعارض أحداً.

(4) ويصفه الكتاب بأنه كان (جميل الصورة جداً) وكان أبوه أيضاً جميلاً جداً (1صم16: 12), وربما كان جمال الجسد هو ما أغوى هذا الشاب على الترفع والتفكير فى أن يملك على الشعب، وخصوصاً وأنه كان قد أخبر إخوته الذين كانوا وقتئذ على قيد الحياة.

(5) ويذكر عنه الكتاب أيضاً بأن أمه ولدته (بعد أبشالوم) أى بعد أن ولدت معكة ابنها أبشالوم، ويقصد الكتاب من ذلك أنه كان يلى أبشالوم فى السن مباشرة.

3 – مناصرو كل من أدونيا وسليمان (ع7, 8)

7 – وكان كلامه مع يوآب بن صروية ومع أبياثار الكاهن فأعانا أدونيا.

(1) كشف نيته لكل من يوآب القائد وأبياثار رئيس الكهنة وفاوضهما لكى يقفا فى صفه، وربما وعد يوآب بأن يثبته فى رئاسة الجيش ووعد أبياثار فى رئاسة الكهنوت، وقد استجابا له وشجعاه ووعدا بمساعدته .

كان (أبياثار) ابناً لأخيمالك رئيس الكهنة الذى قتله شاول مع بقية الكهنة فى نوب واستطاع أبياثار أن يهرب وينجو من القتل وقتئذ (1صم 22)، وقد كان يخدم وهو من نسل عالى الكاهن الذى من نسل إيثامار بن هرون، وكان يخدم تابوت العهد فى أورشليم وكان داود قد أقام للتابوت خيمة وقتية. أما خيمة الاجتماع فكانت لا تزال فى جبعون، وكان يقوم بخدمتها رئيس كهنة آخر هو صادوق بن أخيطوب الذى من نسل أليعازر بن هرون (1 أى 16).

8 – وأما صادوق الكاهن وبناياهو بن يهوياداع وناثان النبى وشمعى وريعى والجبابرة الذين لداود فلم يكونوا مع أدونيا.

كان أعوان أدونيا قليلين ذكر منهم الوحى فى العدد السابق أبياثار الكاهن ويوآب قائد الجيش، بينما يذكر هنا عدداً كبيراً من الرجال الذين لم يكونوا فى صفه، وهم :

( أ ) (صادوق بن أخيطوب) الكاهن.

(ب) (وبناياهو بن يهوياداع)، وأبوه يهوياداع كان رئيس كهنة (1أى 12 : 27)، وكان بناياهو بطلاً شجاعاً يذكر الوحى أمثلة لبطولته فى (2صم 23 : 20 – 23)، وقد خدم داود، وعينه سليمان رئيساً للجيش بعد قتل يوآب كما سيجئ ذلك فى (ص 2 : 15).

(ج ) (وناثان) النبى وكان محباً لداود ويعتبر أباً روحياً له وهو الذى أبلغه استياء الرب منه بعد خطيته مع بثشبع وقتل زوجها أوريا الحثى (2 صم12).

( د ) (شمعى) من سبط بنيامين، وكان من الأبطال، خدم كلا من داود وسليمان (ص4: 18).

( ها) (ريعى) ويرجح أنه من أبطال داود أيضاً.

( و ) وكذلك لم ينضم لمركز أدونيا (الجبابرة) الذين كانوا فى جيش داود.

وقد كان هؤلاء جميعاً يرغبون فى تمليك سليمان ربما لامتيازه عن أخيه أدونيا فى الحكمة والتعقل وصفات جليلة أخرى، وربما لأنهم كانوا قد سمعوا داود وهو يعد بثشبع أمه بذلك.

4 – أدونيا يذبح ذبائح (ع9, 10)

9 – فذبح أدونيا غنماً وبقراً ومعلوفات عند حجر الزاحفة الذى بجانب عين روجل ودعا جميع إخوته بنى الملك وجميع رجال يهوذا عبيد الملك.

فعل مثلما عمل أبشالوم قديماً، فذبح ذبائح سلامة للشكر والفرح من الغنم والبقر والعجول المعلوفة (المسمنة)، وكانت ذبائح السلامة تذبح فى مثل هذه المناسبات السارة، فيوقد منها نصيب الرب على المذبح، ويأخذ الكهنة نصيبهم وباقى الذبيحة يأكله مقدمو الذبيحة مع أحبائهم وأصدقائهم.

وقد دعا أدونيا إلى هذا الاحتفال العظيم (إخوته بنى الملك) من زوجات داود فيما عدا سليمان وأشقائه، كما دعا محبيه من رجال يهوذا لأن داود من هذا السبط، وكان أدونيا يأمل فى أن يساعدوه. ومعنى (عبيد الملك) أى شعبه ورعاياه، وكان أفراد الشعب قديماً عبيداً للملوك لخضوعهم لهم واستعدادهم لخدمتهم وإطاعة أوامرهم وكان الملك يتصرف مع شعبه كما يشاء.

وقد كان هذا الحفل عند (حجر الزاحفة الذى بجانب عين روجل). و(حجر الزاحفة) كان حجراً مشهوراً قرب (عين روجل) وهى عين (بئر) من الماء جنوب غربى أورشليم، ويظهر أن الحجر أخذ شهرته بالنسبة لقربه من البئر، وربما قدسه الوثنيون منذ القديم لأنهم كانوا يفرحون بعيون الماء. وربما دعى (حجر الزاحفة) لوجود الثعابين بوفرة هناك، وهى من الزواحف. ولعل أدونيا اتخذ الحجر ليكون مذبحاً، وفى الغالب بنى مذبحاً بجانبه و(عين روجل) سبق فقرأنا عنها فى (2صم 17 : 17) وقد لجأ إليها يوناثان وأخميعص معاونا داود فى حركة أبشالوم. ويرى البعض أن عين روجل هى الآن بئر أيوب.

10 – وأما ناثان النبى وبناياهو والجبابرة وسليمان أخوه فلم يدعهم.

دعا أدونيا الرجال الذين يستطيع أن يتملقهم وكان يرى أنهم من السهل أن يقفوا فى صفه، ولم يدع ناثان النبى وبناياهو والجبابرة لأنه يعلم أنهم من منافسيه فى الملك.

5 – خطة ناثان وبثشبع وحديثهما مع الملك داود (ع11-31)

11 – فكلم ناثان بثشبع أم سليمان قائلاً أما سمعت أن أدونيا بن حجيث قد ملك وسيدنا داود لا يعلم.

كان ناثان النبى من أنصار سليمان وأراد أن يستحث أمه (بثشبع) امرأة أوريا الحثى لكى تتحدث إلى داود لكى يبطل مساعى أدونيا ويأمر بتمليك سليمان.

12 – فالآن تعالى أشير عليك مشورة تنجى نفسك ونفس ابنك سليمان.

أراد أن يشير عليها لكى تسعى لتمليك ابنها سليمان لتنجى حياتها وحياة ابنها من القتل لأن الكثيرين من الحكام قديماً كانوا عند تملكهم يقتلون إخوتهم من نساء غير أمهم ويبيدون أقاربهم حتى لا ينافسهم أحد فى المطالبة بالملك. مثلما قتل أبيمالك أخوته السبعين (قض9) ,  ومثلما قتلت (عثليا) جميع النسل الملكى لكى تنفرد بالحكم (2أخ22: 10). وقد كان هذا عيباً من عيوب تعدد الزوجات.

13 – اذهبى وادخلى إلى الملك وقولى له أما حلفت أنت يا سيدى الملك لأمتك قائلاً إن سليمان ابنك يملك بعدى وهو يجلس على كرسى فلماذا ملك أدونيا

عندما فكر داود فى بناء بيت للرب أعلمه الرب أنه لن يبنيه ووعده بولادة ابن يدعى سليمان يملك بعده ويبنى بيت الرب عوضاً عنه. ويظهر من كلام الوحى هنا أن داود بعد أن ولد سليمان وعد زوجته بثشبع بأن ابنها يملك بعده، ويرث كرسيه، وقد وعدها بذلك بناء على وعد الرب له، وقد كان هذا مما عزاها فى موت زوجها أوريا (2صم7 : 12، 13، أى22 : 6-10). ومن الواضح أن داود أكد وعده لبثشبع بالقسم بالرب الإله (ع30)

ويطلب ناثان هنا إلى بثشبع أن تدخل عند الملك وتتحدث إليه مذكرة إياه بوعده وبقسمه، ثم تعرفه بأن أدونيا قد أقام نفسه ملكاً وتسأله متعجبة كيف يقع هذا الأمر الذى لا يتفق مع وعد الملك لها.

14 – وفيما أنت متكلمة هناك مع الملك أدخل أنا وراءك وأكمَّل كلامك.

وشرح لها ناثان بقية خطته أنه عندما تدخل وتتكلم إلى الملك يدخل ناثان بعدها عند الملك ويتكلم أيضاً مع الملك فى هذا الأمر.

15 – فدخلت بثشبع إلى الملك إلى المخدع. وكان الملك قد شاخ جداً. وكانت أبيشج الشونمية تخدم الملك.

كان الملك فى فراشه فى مخدعه، ورغم أنه كان فى السبعين من عمره فقط ولكنه كان (قد شاخ جداً) أى ظهرت عليه علامات الشيخوخة وأمراضها بوضوح من كثرة ما قاسى من المتاعب والأحزان. وكانت أبيشج تقوم بخدمته.

دخلت بثشبع إليه بناء على مشورة ناثان النبى عليها.

16 – فخرت بثشبع وسجدت للملك. فقال الملك مالك.

سجدت قدام الملك إجلالاً واحتراماً، وفى الغالب شعر الملك أن لها حاجة عنده، فسألها: (مالك) أى كيف حالك، وماذا ترغبين؟

17 – فقالت له. أنت يا سيدى حلفت بالرب إلهك لأمتك قائلاً إن سليمان ابنك يملك بعدى وهو يجلس على كرسى.

18 – والآن هوذا أدونيا قد ملك. والآن أنت يا سيدى الملك لا تعلم ذلك. 19 – وقد ذبح ثيراناً ومعلوفات وغنماً بكثرة ودعا جميع بنى الملك وأبياثار الكاهن ويوآب رئيس الجيش ولم يدع سليمان عبدك.

(1) ذكَّرته – كما أوصاها بوعده وقسمه لها بأن سليمان هو الذى يملك بعده.

(2) ثم أعلمته أن أدونيا أعلن نفسه ملكاً بدون علمه، وأنه ذبح ذبائح سلامة، ودعا إلى ذبيحته جميع إخوته كما دعا أبياثار ويوآب، ولم يدع أخاه سليمان.

20 – وأنت يا سيدى الملك. أعين جميع إسرائيل نحوك لكى تخبرهم من يجلس على كرسى سيدى الملك بعده.

قالت للملك إن عيون جميع الشعب متطلعة إليه ولأنهم جميعاً يريدون أن يسمعوا منه كلمة يوصى بها عمن يخلفه فى الملك من أبنائه.

21 – فيكون إذا اضطجع سيدى الملك مع آبائه أنى أنا وابنى سليمان نحسب مذنبين.

وإذا لم تأمر يا سيدى الملك بتولية ابنى سليمان، فإن أدونيا ينجح فى خطته ويثبت له المُلك، وإذا رقدت مع آبائك بسلام يعتبرنا أدونيا مجرمين ويظن أننى وابنى سليمان وأصدقاءنا نحاول اغتصاب الملك منه، وعندئذ يعاملنا كمذنبين وفى الغالب يقتلنا كما يحدث فى مثل هذه الحالة.

22 – وبينما هى متكلّمة مع الملك إذا ناثان النبى داخل. 23 – فأخبروا الملك قائلين هوذا ناثان النبى. فدخل ناثان النبى إلى أمام الملك وسجد للملك على وجهه إلى الأرض.

(1) حسب الخطة الموضوعة دخل ناثان النبى بيت الملك، وأعلن الحجاب قدومه للملك وفى الغالب طلب الملك أن يدخل، ودخل ناثان وسجد على وجهه احتراماً للملك.

(2) خرجت بثشبع خارجاً عندما دخل ناثان من باب اللياقة والتأدب وكأنه لم يكن بينهما خطة مرسومة، وكأنها تترك المجال له ليتحدث إلى الملك ولا تعرف موضوع الحديث الذى يكون بينهما.

24 – وقال ناثان. يا سيدى الملك أأنت قلت إن أدونيا يملك بعدى وهو يجلس على كرسى. 25 – لأنه نزل اليوم وذبح ثيراناً ومعلوفات وغنماً بكثرة ودعا جميع بنى الملك ورؤساء الجيش وأبياثار الكاهن وها هم يأكلون ويشربون أمامه ويقولون ليحيي الملك أدونيا. 26 – وأما أنا عبدك وصادوق الكاهن وبناياهو بن يهوياداع وسليمان عبدك فلم يدعنا.

افتتح ناثان حديثه بسؤال كأنه يستفسر من الملك إن كان هو الذى أمر بتمليك أدونيا، ثم فصّل له الأمر بأن أدونيا نزل مع أصدقائه عند عين روجل وذبح ذبائح سلامة كثيرة جداً، وأنه يأكل ويشرب مع مدعويه، وهم يهتفون له بقولهم :(ليحي الملك أدونيا!)، ومع أنه دعا بنى الملك وأبياثار الكاهن ويوآب وغيره مع جبابرة الجيش، فإنه لم يدعه هو ولا صادوق ولا بناياهو ولا حتى سليمان أخيه.

27 – هل من قبل سيدى الملك كان هذا الأمر ولم تعلم عبدك من يجلس على كرسى سيدى الملك بعده.

كان ناثان وجاد من أعز أصدقاء الملك داود وبينهما وبينه صلة روحية عميقة ودالة قوية. وهنا يتظاهر ناثان بحكمته بأنه لا يعرف ما سر مناداة أدونيا بنفسه شيئاً، ويسأل الملك : هل إعلان أدونيا هذا بأمر الملك، ولم يخبر الملك ناثان بهذا الأمر؟ ولا شك فى أن سؤال ناثان فيه شئ من عتاب المحبة بينه وبين داود لأن داود كان يخبره بكل صغيرة وكبيرة لأنه نبى من قبل الرب.

28 – فأجاب الملك داود وقال. ادع لى بثشبع فدخلت إلى أمام الملك ووقفت بين يدى الملك.

(1) كان حديث ناثان موافقاً مع حديث بثشبع، وكل من الحديثين كان مفاجأة للملك، ولذلك أمر ناثان أن يدعو بثشبع، ودخلت إليه بثشبع للمرة الثانية ومثلت بين يديه.

(2) وقد كانت بثشبع من أجمل زوجات الملك، وفى الغالب كانت السيدة الأولى التى لها النفوذ القوى فى البيت وذلك لأن داود تزوجها بعد غدره بزوجها , ولأنها أم سليمان الذى أحبه الرب (2صم 12 : 24).

29 – فحلف الملك وقال حى هو الرب الذى فدى نفسى من كل ضيقة.

30 – إنه كما حلفت لك بالرب إله إسرائيل قائلاً إن سليمان ابنك يملك بعدى وهو يجلس على كرسى عوضاً عنى كذلك أفعل هذا اليوم.

(1) ذكرته بثشبع بوعده وبقسمه بالرب الإله، فأقسم هنا لها بأنه عند كلمته وأنه يبر بقسمه بالرب ووعده لها، وسيعمل على تمليك سليمان فى نفس اليوم.

(2) وقد ابتدأ قسمه بقوله: “حى هو الرب” وهى صيغة كانت مألوفة فى الأقسام تعنى أن صاحب القسم يقر أن الله هو الإله الحى ويقسم بهذا الإله الحى القادر على كل شئ والغير مائت مثل آلهة الشعوب.

وقولـه: “الذى فدى نفسى من كل ضيقة” إقرار بمراحم الله عليه وتخليصه من كل الظروف القاسية التى واجهته.

31 – فخرت بثشبع على وجهها إلى الأرض وسجدت للملك. وقالت ليحى سيدى الملك داود إلى الأبد.

قدرت بثشبع شعور الملك الطيب ووعده الكريم، فخرت أمامه ساجدة إكراماً واحتراماً. وقد وعدها داود بأنه سينفذ وعده ويعمل على تمليك سليمان فى نفس اليوم، فدعت للملك بطول العمر بقولها : “ليحي الملك داود إلى الأبد ! “، وكأنها بعبارتها العذبة تعلن أنه لا يهمها أن يجلس ابنها سليمان على العرش وإنما يهمها أمر واحد، أن يطول عمر داود ويظل جالساً على عرشه إلى الأبد.

والتعبير “إلى الأبد” يقصد به أحياناً (إلى زمان طويل جداً) من باب المجاز والمبالغة كما هو فى هذه الآية.

6 – أمر داود بتمليك سليمان (ع32 ـ 37)

32 – وقال الملك داود ادع لى صادوق الكاهن وناثان النبى وبناياهو بن يهوياداع فدخلوا إلى أمام الملك.

كان صادوق قد خرج ليترك المجال للملك ليتحدث إلى بثشبع وكان هذا من باب اللياقة والتأدب كما فعلت بثشبع ذلك أيضاً (شرح ع24 ).

أمر الملك بعض رجاله ليستدعوا إليه صادوق الكاهن وناثان وبناياهو وقد كانوا جميعاً من المعتبرين جداً عند الشعب.

وكان حضور صادوق ضرورياً لأن عليه أن يؤدى المراسيم الدينية فيمسح سليمان بالدهن المقدس، كما كان حضور ناثان واجباً لأنه نبى وفى فمه كلام الله. أما بناياهو فكان ابناً لكاهن وفى نفس الوقت بطلاً فى الجيش وكان وجوده لازماً ليقود جيش الملك الجديد ويعمل على حمايته وعلى حفظ الأمن وملاحظة الأمور فى سلام.

(ادع لى) كانت العبارة توجه إلى الشخص المسئول أو الأشخاص المسئولين لدعوة بعض الناس إلى الملك، مثل بعض الجنود أو الحجَّاب القائمين فى حضرة الملك أو خارج باب حجرته يتلقون أوامره.

33 – فقال الملك لهم خذوا معكم عبيد سيدكم وأركبوا سليمان ابنى على البغلة التى لى وانزلوا به إلى جيحون.

34 – وليمسحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبى ملكاً على إسرائيل. واضربوا بالبوق وقولوا ليحى الملك سليمان.

35 – وتصعدون وراءه فيأتى ويجلس على كرسى وهو يملك عوضاً عنى. وإياه قد أوصيت أن يكون رئيساً على إسرائيل ويهوذا.

كان الملك داود رجلاً سياسياً محنكاً، وقد أمر بتجليس ابنه سليمان فى صيغة رسمية وليس بالصيغة اللصوصية التى أراد أدونيا أن يعلن نفسه ملكاً بها.

(1) أمرهم داود بأن يأخذوا سليمان ويركبوه بغلة الملك إعلاء لشأنه وإعلاناً بأنه سيملك على عرش أبيه كما أمرهم أن يأخذوا (عبيد) سيدهم داود أو جنوده ليكون الموكب رسمياً ويعملوا على حفظ الأمن وحماية الملك الجديد.

قد يعترض البعض بأن البغل متناسل من الحمار والفرس أى من جنسين من الحيوان فركوب البغال مخالف لشريعة موسى (لا 19 : 19). والواقع إن الشريعة تنهى عن جعل حيوانين من جنسين متناسلين فى أرض إسرائيل، ولكنها لا تمنع من شراء البغال ونظيرها من الشعوب الأخرى ولم تمنع من ركوبها أو استخدامها فى الأعمال اليومية.

(2) وأمر الملك أن يذهبوا ومعهم سليمان إلى (جيحون) وهو ينبوع من الماء خارج أورشليم وفى الغالب إلى الغرب منها، وكان قصد الملك من ذلك أن يسير الموكب مسافة من جيحون إلى أورشليم ليراه الشعب.

(3) متى وصلوا إلى الينبوع يقوم صادوق رئيس الكهنة وناثان النبى بمسح سليمان ملكاً بالدهن المقدس كما مسح صموئيل النبى شاول ثم داود (1 صم10،16) , وكما مسح الكهنة والشعب داود فيما بعد فى حبرون ثم فى أورشليم (2 صم2, 5).

ومتى مسحوه عليهم أن يضربوا بالبوق إعلاناً عن تمليكه فيسمع صوت البوق فى جميع الجهات، ثم يحيوه هاتفين : ” ليحي الملك سليمان ! “، كما سبق اتباع أدونيا فهتفوا لأدونيا بدون علم الملك وبدون أذنه (ع25).

(4) من ثم يسير الموكب من عند جيحون، فيسير الملك فى المقدمة، ويسير أتباعه خلفه حتى يدخل أورشليم ويدخل بيت الملك ويجلس على كرسى داود أبيه.

(5) وعرفهم داود أنه قد أوصى ابنه ليكون ملكاً على إسرائيل ويهوذا، والمقصود أنه أوصى بهذا رسمياً وعين ابنه سليمان ليكون ملكاً عوضاً عنه.

وسبط يهوذا هو السبط الذى منه داود، ومنه يأتى المسيح، ولذلك كان يتخذه أحياناً مكان الصدارة، والمقصود (بإسرائيل) هنا باقى الأسباط. وبالرغم من أن الأسباط وسبط يهوذا كانت كلها مملكة متحدة ولم تنقسم إلى مملكتين إلا فى عهد رحبعام بن سليمان فإن سبط يهوذا كان يذكر وحده أحياناً لبيان مركزه العظيم وعلو شأنه.

36 – فأجاب بناياهو بن يهوياداع الملك وقال. آمين. هكذا يقول الرب إله سيدى الملك.

أَمَّن يهوياداع على قول الملك بقوله (آمين) وهى تعنى :

( أ ) نعم أو حقاً، أى أننا جميعاً نوافق على هذا ونقبل كل ما أوصى به الملك بشأن سليمان ونرضى سليمان ملكاً علينا.

(ب) كما أنها صيغة دعاء بمعنى (استجب) وهو يدعو الله فيها لكى يستجيب لعبده داود ولجميع شعبه فيثبت سليمان على عرشه.

وقد أوضح دعاءه بقوله: “هكذا يقول الرب إله سيدى الملك”، وتعنى أيضاً :

( أ ) أن إرادة الله أن يكون سليمان ملكاً لأنه سبق فأحبه (2صم12: 24)

(ب) كما تعنى صيغة الدعاء أيضاً، وكأنه يقول : (آمين، ليستجب الرب الإله ويجعل سليمان ملكاً على شعبه).

37 – كما كان الرب مع سيدى الملك كذلك ليكن مع سليمان. ويجعل كرسيه أعظم من كرسى سيدى الملك داود.

ويواصل بناياهو دعاءه :

( أ ) فيطلب أن يكون الرب مع سليمان ويعاونه كما كان مع داود أبيه.

(ب) وأن يجعل كرسيه أعظم من كرسى داود، وملكه أعظم مجداً وازدهاراً.

وهذا تعبير شائع لم يقصد به بناياهو أن يحط من قدر داود أو من ملكه، وإنما عبَّر به لأنه يعلم أن كل أب يفرح بنجاح ابنه وبأن يكون أكثر منه توفيقاً وأعلى مكانة.

7 – مسح سليمان ملكاً (ع38 ـ 40)

38 – فنزل صادوق الكاهن وناثان النبى وبناياهو بن يهوياداع والجلادون والسقاة واركبوا سليمان على بغلة الملك داود وذهبوا به إلى جيحون.

نزلوا من البيت وأركبوا سليمان على بغلة الملك وساروا به إلى جيحون ليمسحوه ملكاً وكان فى صحبتهم رجال الجيش والشرطة ومن بينهم (الجلادون والسعاة).

وكان يقصد (بالجلادين) عند بعض الشعوب رجال الشرطة الذين ينفذون الأحكام فى المذنبين مثل الضرب أو الجلد أو القتل، و (السعاة) الأشخاص الذين يجرون أمام الملوك ليعلنوا قدومهم ويفسحوا لهم الطريق، كما كان منهم من يحمل الرسائل إلى أصحابها.

وقد تعنى كلمة الجلادين (الكريتيين) ويقصد بهم جماعة الكريتيين الذين كانوا يقيمون فى جنوب يهوذا واتخذهم داود من بين رجاله، و (السعاة) تعنى بهم (الفلتيين) وهم من الغرباء الذين انضموا أيضاً إلى رجاله. وقد مر هذا فى شرح (1صم 30 : 14).

39 – فأخذ صادوق الكاهن قرن الدهن من الخيمة ومسح سليمان وضربوا بالبوق وقال جميع الشعب ليحى الملك سليمان.

كان الدهن المقدس يحفظ فى (قرن) حيوان يستخدم كزجاجة، وكان محفوظاً إما فى خيمة الاجتماع فى جبعون أو فى الخيمة المؤقتة التى أقامها داود لتابوت العهد، وهذا هو الأرجح هنا. وقد مسح صادوق الكاهن سليمان بالدهن، وضربوا بالأبواق، وهتفوا جميعاً بحياة الملك سليمان.

40 – وصعد جميع الشعب وراءه وكان الشعب يضربون بالناى ويفرحون فرحاً عظيماً حتى انشقت الأرض من أصواتهم.

تحرك الموكب من جيحون إلى أورشليم بعد مسح الملك الجديد، وتبعه أتباعه المذكورون وخرج وراءهم جماعات وفيرة أيضاً من الشعب واشتركوا فى الهتاف، والفرح، علاوة على الضرب (بالناى) وهو نوع من المزمار أو الصفارة، كان يصنع من الغاب ومن المعدن، ولا يزال الناى من الأدوات الموسيقية إلى الآن.

“حتى انشقت الأرض من أصواتهم” تعبير مجازى يكنى به عن هتافاتهم العظيمة وأصواتهم العالية جداً.

8 – يوناثان يبلغ أدونيا وأتباعه خبر تمليك سليمان (ع41ـ 48)

41 – فسمع أدونيا وجميع المدعوين الذين عنده بعدما انتهوا من الأكل. وسمع يوآب ضرب البوق فقال لماذا صوت القرية مضطرب.

كان الموكب قد وصل إلى أورشليم، وجلس الملك سليمان على كرسى أبيه، وكانت الأبواق والهتافات لا تزال تصل أصواتها إلى عنان السماء، وقد سمعها أدونيا ومن معه، سواء والموكب سائر فى طريقه أو بعد دخوله إلى أورشليم، مما لفت نظرهم جميعاً، وجعل يوآب القائد يسأل : (لماذا صوت القرية مضطرب؟) ويقصد بالقرية هنا مدينة أورشليم وأحياناً يعبر عن المدينة بالقرية من باب التصغير أو التمليح أو الحب كما يقول الأب لابنه بصيغة التصغير (يا بنى) قاصداً إظهار حبه له وعطفه عليه وتمليحه.

42 – وفيما هو يتكلم إذا بيوناثان بن أبياثار الكاهن قد جاء فقال أدونيا تعال لأنك ذو باس وتبشر بالخير.

ما كاد يوآب يتم كلامه حتى أقبل (يوناثان بن أبياثار) الكاهن من أورشليم. وأبياثار سبق فخدم داود لأن داود كلفه هو وأخيمعص بن صادوق لينقلا خطط وتحركات أبشالوم فى فتنته ضد أبيه بحسب ما يرشدهما أبواهما وحوشاى الأركى، وقد نجحا فى عملهما   (2صم 15 : 35 – 37، 17 : 27).

سر أدونيا لما رأى يوناثان وأراد أن يستطلع منه الأخبار وأثنى عليه بقوله: ” لأنك ذو بأس” أى بطل وقوى، و(مبشر بالخير) لأنه سبق فأعلن لداود خطة حوشاى التى اشار بها على أبشالوم لكى يهرب هو ورجاله من البرية التى كان فيها.

43 – فأجاب يوناثان وقال لأدونيا بل سيدنا الملك داود قد ملّك سليمان.

كان يوناثان مثل أبيه أبياثار من أنصار أدونيا ويجب أن يكون هو الملك، فلما توقع أدونيا أن يبشره (بالخير) ، قال له: “بل سيدنا الملك داود قد ملّك سليمان” وتقدير الكلام:  لا، ليس هناك فى الأمر خير لأن سليمان قد ملك عوضاً عنك ثم شرع يوناثان يقص الأمور بالتفصيل على أدونيا.

44 – وأرسل الملك معه صادوق الكاهن وناثان وبناياهو بن يهوياداع والجلادين والسعاة وقد أركبوه على بغلة الملك. 45 – ومسحه صادوق الكاهن وناثان النبى ملكاً فى جيحون. وصعدوا من هناك فرحين حتى اضطربت القرية. هذا هو الصوت الذى سمعتموه.

قص عليه أن الملك أرسل ابنه سليمان إلى جيحون ليُمسح هناك، وأرسل معه صادوق وناثان والجلادين والسعاة، ومسح فى طقس دينى وباحتفال رسمى، وعادوا جميعاً الى أورشليم بفرح عظيم، وهتف معهم جميع شعب أورشليم.

وهذه هى الأصوات والهتافات التى سمعتموها.

46 – وأيضاً قد جلس سليمان على كرسى المملكة. 47 – وأيضاً جاء عبيد الملك ليباركوا سيدنا الملك داود قائلين يجعل إلهك اسم سليمان أحسن من اسمك وكرسيه أعظم من كرسيك. فسجد الملك على سريره. 48 – وأيضاً هكذا قال الملك. مبارك الرب إله إسرائيل الذى أعطانى اليوم من يجلس على كرسى وعيناى تبصران.

وواصل يوناثان حديثه فقال إن سليمان قد جلس بالفعل على كرسى الملك، وإن عظماء الشعب دخلوا إلى الملك وهنأوه ودعوا أن يكون اسم سليمان (شهرته) أعظم من اسم أبيه وأن يكون كرسيه أعظم من كرسيه، وأن الملك سجد على فراشه شكراً للرب وبارك الرب قائلاً “مبارك الرب إله إسرائيل الذى أعطانى اليوم من يجلس على كرسى وعيناى تبصران”، أى وأنا على قيد الحياة وأراه بعينىّ وأفرح.

9 – خوف أدونيا وتمسكه بالمذبح واستدعاء الملك له وعفوه عنه (ع49 ـ 55)

49 – فارتعد وقام جميع مدعوى أدونيا وذهبوا كل واحد فى طريقه.

خاف جميع الرجال الذين دعاهم أدونيا إلى ذبيحته، وهربوا كل واحد إلى بلده وإلى بيته.

50 – وخاف أدونيا من قبل سليمان وقام وانطلق وتمسك بقرون المذبح.

خاف أدونيا من سليمان لئلا يقتله، وذهب إلى أورشليم وتمسك بقرون المذبح الذى كان داود قد أقامه بجانب الخيمة المؤقتة التى وضع فيها تابوت عهد الرب (2 صم 6 : 17). وكان يرى أن احتماءه بالمذبح فيه نجاة له.

51 – فأخبر سليمان وقيل له هوذا أدونيا خائف من الملك سليمان وهوذا قد تمسك بقرون المذبح قائلاً ليحلف لى اليوم الملك سليمان أنه لا يقتل عبده بالسيف.

أخبر رجال البلاط الملك سليمان أن أدونيا خائف منه وقد جاء وتمسك بقرون المذبح، وأنه يلتمس أن يحلف له ألا يقتله، ونلاحظ أن أدونيا قد سلم للواقع واعترف فوراً بتملك سليمان، ودعا نفسه (عبداً) له. وقد خشى أن يقتله سليمان مثلما يفعل الملوك أحياناً عند تملكهم لكى يتخلصوا من منافسيهم.

52 – فقال سليمان إن كان ذا فضيلة لا يسقط من شعره إلى الأرض. ولكن إن وجد به شر فإنه يموت.

كان سليمان معتدلاً وعادلاً، لم يفكر فى قتل أخيه مثلما يفعل بعض الملوك، ومع ذلك فقد قال :

( أ ) ” إن كان ذا فضيلة ” أى أن كانت نواياه الآن حسنة وغير مفكر فى القيام بعمل مضاد، “لا يسقط من شعره على الأرض” وهو تعبير يعنى أنه لن يمسه بسوء.

(ب) “ولكن إن وجد به شر فإنه يموت”، أى إن كان يضمر السوء نحو سليمان ونحو المملكة فإنه يحكم عليه بالموت.

ما أجمل أن يبدأ سليمان حكمه بالنطق بمبادئ العدل والأمانة.

53 – فأرسل الملك سليمان فأنزلوه عن المذبح. فأتى وسجد للملك سليمان. فقال له سليمان اذهب إلى بيتك.أرسل سليمان رجاله ليحضروا إليه أدونيا، فطلبوا إليه أن ينزل عن المذبح لأنه كان مقاماً على مكان مرتفع، فى الغالب على كومة من التراب أو الحجارة، ولما مثل بين يدى أخيه سجد قدامه كعلامة على اعترافه بملكه واحترامه، وكان سليمان كريماً معه، عفا عنه، ولم يفكر فى قتله أو مصادرة أملاكه، بل أمره أن يذهب إلى بيته، ويتمتع بحريته، ويباشر زراعته وأعماله.

ولكن للأسف لم يدم هذا الصفاء بين الأخوين لأن أدونيا تصرف تصرفاً غير حكيم جلب عليه الموت كما هو واضح فى الأصحاح الثانى.