تاريخنا المُفتَرى عليه – الأستاذ شريف رمزي

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ شريف رمزي
الشخصيات البابا كيرلس الرابع - بابا الأسكندرية رقم 110
التصنيفات تاريخ مصر والكنيسة القبطية, قسم التاريخ
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 5 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
3MB

التاريخ الذى درسناه في مناهجنا الدراسية بالمدارس والجامعات اعتَبر أن “قاسم أمين” هو أول “مصرى” نادى بحقوق المرأة وبفكرة المساواة بينها وبين الرجل، ولاسيما فى “التعليم”، حتى أنه لُقب بــ “مُحرر المرأة”!

ومع كل التقدير والاحترام والعِرفان بالجَميل الذى يُكِنَه المرء لشخص “قاسم أمين”، وفِكره الذى استقاه من “الغرب”، حيث تلقى تعليمه العالي فى “فرنسا”، لكنني آكاد اُجزم أن التاريخ لم يِكُن مُنصِفًا تماماً، أو أننا لم نقرأ التاريخ كما يجب أن نقرأه، وذلك لعدة أسباب..

أولاً، لم يَكُن “قاسم أمين” بحقٍ هو أول من نادى بحقوق المرأة ، فقد سبقه إلى ذلك بسنواتٍ طويلة البابا القبطى “كيرلس الرابع” البطريرك 110 في سلسلة بابوات الكنيسة المصرية (1854 – 1861)، والذي لم تَنحَصِر جهوده في مُجرَد الدعوة إلى تعليم المرأة، بل إنه اتخذ خطوات عملية سجلها له التاريخ فلُقب بــ “أبو الإصلاح”.

فالبابا كيرلس الرابع هو أول من سَنَّ قانونًا يُحدِد سِن زواج البنت، فمنع تزويجها أقل من 14 سنة، (فى ذلك العصر كانوا يُزوجون الفتاه فى الحادية عشر من عمرها)، وبهذا سبق البابا كيرلس عصره، وسبق أيضاً القوانين والتشريعات المدنية بنحو مائة عام.

وأنشأ البابا كيرلس مجلسًا لحلِ المُشكلات الأُسرية والذى يُعد نواة للمجلس الإكليريكي الحالي، واشترط اعتراف العروسان اعترافًا صريحًا وشخصياً أمام الكاهن بالرضا والموافقة على الزواج قبل إتمامه، كما أنه اشترط أن تمر فترة قبل الزواج كفرصة يَدرُس فيها الطرفان بعضهما البعض، فإن إتفقا يُعقد الزواج.

والبابا كيرلس الرابع هو أول من فكر فى تعليم البنات.

كانت رؤية البطريرك القبطي تَرتَكز على النهوض بالمرأة وتثقيفها وتعليمها والاهتمام بها، لتكون النواة للنهوض بالمجتمع ككل.

وأنشأ البابا كيرلس مدرسة لتعليم الفتيات تُعد الأولى من نوعها في العصر الحديث، تهتم بتدريس اللغات الأجنبية إلى جانب العلوم والآداب والفنون، فضلاً عن الشئون المنزلية وأعمال الطبخ والحياكة والتطريز وغيرها, واجتهد فى تدبير كل ما تحتاج إليه من معداتٍ وأدوات.

وفيما لاقت فكرته لتعليم الفتيات قبولاً من بعض الأهالي، إلا أن الفكرة اصطدمت برفض الكثيرين أيضاً، حتى أن بعضهم لجأ إلى الوالي محمد سعيد باشا، واشتكوا له من تصرف البابا، لكن الوالي وقف إلى صف البابا وشجعه.

ورغم قِصر مدة جلوسه على الكرسي البطريركي (6 سنوات و7 أشهر و13 يوماً)، لكن البابا كيرلس استطاع أن يُحقق نهضة حقيقية فى وقتٍ كان الجهل متفشيًا وعقول الناس مشغولة بالخزعبلات والخرافات، ومنابر التعليم قاصرة على “الكتاتيب” التي يُديرها “العُرفاء”، وتجلَت تلك النهضة فى إنشاء البابا للعديد من المدارس التي فتحت أبوابها بالمجان أمام البسطاء من أبناء الأقباط والمسلمين واليهود على حدٍ سواء، بينما كان الانخراط فى مدارس الدولة التي أنشأها محمد على باشا قاصراً على أبناء الأعيان والوجهاء.

ومن بين المدارس التي أنشأها البابا كيرلس مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية سنة 1854، والتي تخرج منها عدداً من المشاهير من بينهم أربعة من رؤساء الوزراء، هم عبد الخالق ثروت باشا، وبطرس غالي باشا، وحسين رشدي باشا، ويوسف وهبة باشا، وتقلد عدد كبير من خريجيها مناصب رفيعة فى الدولة، فأصبح منهم وكلاء لوزارات المالية والداخلية والمعارف، وأيضاً مُستشارين ومحامين ومؤرخين، والعديد من رجال الفكر والصحافة، فضلاً عن العديد من الكوادر ممن تولوا زمام الإدارة فى مصلحة السكك الحديدية وفى البنوك والمتاجر الكبرى بسبب إتقانهم للغات الأجنبية.

وهنا تَجدُر الإشارة إلى ما دَوَنه مؤرخ لبناني مُسلِم يدعي “إبراهيم أفندي الطبيب” فى كتابه “مصباح الساري ونزهة القاري”،

كما وجه البابا كيرلس اهتمامه نحو إنشاء مكتبة تَضُم عددًا كبيرًا من المؤلفات الدينية والتاريخية النفيسة والنادرة التي كادت أن تُطمَس بفعل الإهمال، ولما وجد أن المدارس التى أنشأها تعتمد على الكتب المخطوطة التي يضعها النساخ وفى كثير من الأحيان تكون بخطٍ رديء تَصعُب قراءته، كلّف صديقه “عبيد رفلة الرومي” بشراء مطبعة من إيطاليا، تُعتبر هى الثالثة في مصر بعد مطبعة الحملة الفرنسية والمطبعة الخديوية، وقد استقبلها كهنة وشمامسة الكنيسة بألحان الفرح والسرور التي تُنشَد فى الأعياد والمناسبات الكبيرة.

فهل بعد كل ما ذكرناه يصح أن يتجاهل التاريخ، أو بالأحرى دارسيه، الجهود التى بذلها “بابا الأقباط” فى ذلك العصر، والتي فتحت الباب أمام كل من جاء بعده وكانت السراج الذى استنار به قاسم أمين ورفاقه؟!

الأمر الثانى الذى ينبغى آلا يفوتنا، أن “قاسم أمين” لم يكن مصرياً خالصًا، فأبيه “أمين بك” كان تركياً يعمل ضابطاً فى الجيش، ومصريته اكتسبها “قاسم” من أمه لا من أبيه، فلا يُعقَل أن نُبالغ فى التباهى بفضل “قاسم أمين” على الحركة الفكرية فى المجتمع المصرى بوصفه مصرياً، فذلك غير دقيق إلى حدٍ بعيد.

نُضيف إلى ذلك أن الأفكار التى نادى بها قاسم أمين بشأن المرأة وحقوقها لم تَكُن من عِندياته -وذلك ليس تقليلًا من شأنه –  فجهوده كلها كانت ثمرة الانفتاح على الغرب ومُحاولة لمحاكاة الثقافة الفرنسية التى تشبّع بها أثناء دراسته هناك.

وذلك يعود بنا إلى ذات النقطة، هل من العدلِ والإنصاف أن نُبالغ في التباهي والاحتفاء بــ “قاسم أمين” مع خلفيته التركية وتعليمه “الأفرنجي”، ونتجاهل جهود البابا القبطي (المصرى الأصل والمولد)؟ إنه أمر يدعو فعلاً للعجب!

أم أنه التعصب البغيض قد تَغلغَل في بلادنا إلى كل مناحي الحياة، حتى “التاريخ” نقرأه بأعينٍ مَعصوبة؟!

لكن ليعلَم كل صاحب عقل وليعي جيداً، أن الأقباط، وكنائسهم، وعقائدهم، وثقافتهم، وآثارهم، وتراثهم، وتاريخهم، جزء لا يتجزأ من تاريخ هذا البلد، لا يَملُك أحدًا أن يمحوه.

فلنقرأ إذن التاريخ، ولكن كما يجب أن نقرأه.