وداعا مار إغناطيوس زكا عيواص الأول – القمص أثناسيوس فهمي جورج

وَدَاعًا مَار إِغْنَاطْيوُس زَكَّا عِيواصَ الأَوَّل

وداعًا مار إغناطيوس زكا عيواص الأول الموصلي بطريرك السريان في العالم، والصديق الحبيب جدًا لكنيستنا القبطية، اتحد معنا في وحدانية ومحبة إنجيلية إيمانية؛ وكان أبًا ومعلمًا للوحدة والانجماع الكلي، وأعطى المثل الرسولي للكرازة بالشرق بل وبالعالم كله.. وامتد عمله عبر الزمان والمكان، في منجزاته وسيرته وكتاباته وأقواله، التي هي فخر للأرُثوذكسية المعاصرة... جعل من كلية مارإفرام الللاهوتية بمعرة صدنايا، صرحًا للبحث والإنتاج اللاهوتي في العالم. وبادر متقدمًا بإرسال رهبان السريان للدراسات العليا بمعاهد اللاهوت لتطوير أعمال التعليم والرعاية في كنيسته العريقة.

وقد لمست شغفه بالمعرفة وتفتيش الكتب، عندما غمرني بحبه وتشجيعه، وتابع بإتضاع خدمتي في مجال نشر الدراسات الآبائية وشاركني وجدانيًا، واصفًا اجتهادﻱ بأكثر مما يستحق، لأنه عاش على مثال سيده وسيدنا وسيد كل أحد، الذﻱ لم يطفئ فتائل مدخنات ولم يقصف قصبات مرضوضات، فرأى عملي ووصفه بالنفائس وبالإضافات الكبيرة للمكتبة المعاصرة.

واليوم عند سماعي خبر انتقاله إلى الراحة الأبدية، وقفت لأستجمع هداياه وكنوز كتبه التي أهداني إياها، ممهورة بتوقيع يد محبته الرسولية، وهي قد صارت الآن رائحة عطر وناردين فوّاح من عمل يديه الطاهرة الكريمة. بل وهي أيضًا صوته المبوِّق ببوق السماء في عالم اليوم، فهو وإن مات إلا أنه يتكلم بعد؛ عبر كتاباته في حصاد المواعظ، وكتابه صفحات مشرقة من تاريخ الكنيسة، وعبر كتابه من بيدر المواعظ، وعبر المناشير البطريركية، وكتابه مصابيح على الطريق، وعبر مجلداته التي سماها بالبحوث في أجزائها التاريخية والأدبية واللاهوتية والعقيدية والروحية المتضمنة خُلاصات الفكر الأرثوذكسي. كذلك عبر دورية المجلة البطريركية التي تفضل مشكورًا بإرسالها لضعفي على مر السنين هدية دورية من محبته الأبوية.

إن كنيستك العظيمة لمنارة في المسكونة تنقل للكون سيرة وأعمال وبشارة بطرس وبولس الرسلين، وفكر وحياة إغناطيوس النوراني الإنطاكي ومار إفرام السرياني ومار فلكسينوس المنبجي ومار يعقوب السروجي، ومار ساويروس ومار يعقوب البردعي وكل الآباء ملافنة السريان.

لقد جعلت من عصرك عصرًا ذهبيًا للسريان، عندما اهتممت اهتمامًا حثيثًا بتراث الأدب السرياني، المكتوب منه والمخطوط؛ فكنت حريصًا على إغناء المكتبة السريانية بتواصلك وتقديرك لكبار الباحثين والمستشرقين من أمثال البروفيسور سبستيان بروك وبريدﻱ وفيبه ولافنان... لذلك مددت الجسور وقويت الصلات بالمراكز العلمية في الكسليك والرها وروما ولوفان ببلجيكا وكل مراكز التراث العالمية، من أجل الإسهام الفعال لتوثيق وتدقيق ونشر تراثكم السرياني بمختلف اللغات الحية، كي تعيد أمجاد الآباء الميامن في مدارس الرها ونصيبين وقنشرين وقرتمين.

إنك خليفة لبطرس الرسول كنت صيادًا ماهرًا للناس، حاملاً لصليب مسيحك القدوس، وقد تبعته وثبتّ معه في تجاربه؛ حاملاً هم وطنك وشعب كنيستك، مؤسسًا للمؤسسات والصروح البطريركية والخيرية والديرية والتعليمية والمسكونية... ذلك الأمر كله لم يكن غريبًا عن شخصك الراهب العابد والدارس والباحث والدكتور والعالم... الذﻱ نودعه اليوم كتاج للسريان وكنّارة صنجية للروح القدس، لتسبح تسبحة الغلبة والخلاص، حيث مجد إلهنا وحيث لا تقف أمامه خليقة صامتة.

221 مارس 2014.