هل المسيح مات لمجرد المجاملات – المهندس مكرم زكي شنوده

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب المهندس مكرم زكي شنوده
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

قرأت  — فى كتيب منتشر بالسوق – أن المسيح مات لمجرد إظهار محبته للبشر ، وليس لينوب عنهم فى حمل خطاياهم ، وبالتالى ليس ليكفر عنهم  عن خطاياهم ، ممَّا يهدم  — بالنسبة لمن يعتقد بذلك — عمل المسيح الفدائى الكفَّارى ، فيحرمون أنفسهم من الفداء والخلاص .

ومع أن الخطأ فى التفكير واضح ، ولكن من الأفضل أن نفحصه على ضوء الإنجيل ، لأن الوقاية خير من العلاج .

ومن أفضل الطرق للحسم بين الفكر الصحيح والخاطئ ، فى تفسير بعض الآيات ، أن نراجعها على اللغة اليونانية القديمة –  التى كــُتب بها الإنجيل أصلاً – مع مراجعتها على الترجمة القبطية ، التى قام بها علماء قديسون ، بمدرسة الأسكندرية ، فى القرون الأولى ، حين كانت اللغتين حيتين ، وكانوا يتقنونهما بنسبة 100% . ++ فبمقارنة الكلمة الواحدة ، فى اللغتين القبطية واليونانية ، نحصل على المعنى الأصلى الصحيح ، بدقة تامة ، كما لو كنا نحصل على نقطة واحدة من تقاطع خطين مستقيمين .

( أولاً ) الكلمة اليونانية : ” uper  ” ، فى حالة المضاف إليه ، ويقابلها الكلمة القبطية : ” إإهرى إيجين ” ، تعنى أساساً :- ” عن ” ، مثلما يكون فى حالة شخص يقوم بعمل شيئاً بالنيابة عن شخص آخر ، كأن يحامى عنه ، أو يفتديه من الموت أو العقاب ، أو كأن يصلى عن شخص عاجز … إلخ . ++ وذلك مثلما فى الآيات :-

(  1  ) [ قال له بطرس .. إنى أضع نفسى عنك ، أجابه يسوع : أتضع نفسك عنى ، الحق أقول لك ، لا يصيح الديك ، حتى تنكرنى ثلاث مرات ] لو 10: 11 , أى أن بطرس يقول أنه سيموت بدلاً عن المسيح ، لينقذه من الموت ويموت بدلاً عنه ، وهو مالم يحدث ، كما قال الرب

وبقارنة كلمة ” عن = uper ” ، المستخدمة هنا ، بكلمة ” من أجل = eneka ” المستخدمة فى الآية : ( مت 16: 5) ، سيظهر الفارق العظيم بينهما ، وهو ما سنشرحه فى فقرة لاحقة .

(  2  ) [ أنا هو الراعى الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ] يو10: 11 ، أى أنه يفتديهم من الموت ، فيموت بدلاً عنهم .

(  3  ) [ تنبأ بأن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة ، وليس عن الأمة فقط ، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد ] يو11: 51 . أى أنه سيفتدى الختان والأمم ، فيموت عن البشرية كلها ، ويجعلهم شعباً مقدساً مفدياً واحداً  .

(  4  ) [ هذا هو دمى الذى يــُبذل عنكم … هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى الذى يــُسفك عنكم ] لو22: 19 و20.أى أنه يفتدينا ، بذبيحته عنا ، على الصليب ، أى أنه يموت عنا ، أى بدلاً منا

(  5  ) [ نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة … قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة ] عب10: 11، أى أن ذبيحته الواحدة على الصليب هى عن خطايانا ، أى أنها كفــَّارة لخطايانا :- [ وهو كفــَّارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضاً ] 1يو2: 2

فإنه لم يمت قصاصاً عن خطاياه ، بل عن خطايانا نحن ، لأنه هو القدوس الذى بلا خطية  [ إن ذاك أُظهر ، لكى يرفع خطايانا ، وليس فيه خطية ] 1يو3: 5 ،   [ البار من أجل (عن uper) الأثمة ] 1بط3: 18 .

وبنفس هذه الكلمة (uper) مكتوب أن الرب قال : [ لأجلهم (عنهم uper) أقدس أن ذاتى ، ليكونوا هم أيضاً مقدسين فى الحق ] يو17: 19 . + فكلمة : ” uper عنهم ”  ، هنا ، لا تعنى : ” علشان خاطرهم ” ، وكأنه كان مهملاً لتقديس ذاته ، ثم إهتم بأن يقدس ذاته مجاملة لنا أو مراعاة لخاطرنا ( مثلما يذاكر الطفل دروسه لكى لا يزعل والداه) ، بالطبع لا ، لأنه أصلاً لا يحتاج للتقديس ، لأنه بالفعل قدوس بلا خطية (عب4: 15، 7: 26 ، 1بط3: 18 ، 1يو3: 5) فإنه لا يفعل ذلك عن إحتياج شخصى ، بل إن هذه الآية تعنى أنه يقوم عنا ، بالنيابة عنا ، بكل أعمال التقديس ، بالرغم من عدم حاجته لها ، لكى يمنح البشرية – من خلال ناسوته الخاص – القداسة والبر . ولهذا السبب ، قـــَبــِل المعمودية بالرغم من عدم حاجته لها ، لكى يمنح البشرية من خلال ناسوته البشرى التقديس والقابلية لنوال وسكنى الروح القدس ، وهكذا أيضاً صام عنا وصلى عنا ، ليس لحاجته الخاصة ، بل ليقدس صومنا وصلاتنا . وأخيراً ، بذل جسده ودمه عنا ، ليمنحنا التبرير بجسده ودمه المبذول عنا ( لو22: 19و20، يو6: 51، عب10: 12)

( ثانياً ) وفى المقابل ، توجد كلمات يونانية وقبطية ، تعنى بالتحديد :- ” من أجل ” ، مثل الكلمات اليونانية : eneka و xarin  ، ويقابلهما الكلمة القبطية : ” إثفىَ ” ، مثلما فى الآيات :-

(  1  ) [ طوبى للمطرودين من أجل البر ] مت5: 11 .

(  2  ) [ إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، من يهلك نفسه من أجلى يجدها ، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ، أو ماذا يعطى الإنسان فداءً عن نفسه ] مت16: 25 ، فليس المعنى هنا هو أن هذا الإنسان يفتدى حياة المسيح ، كأن يموت بدلاً عنه ، بل يعنى أن هذا الإنسان يضحى بشهوات جسده ، بل وبجسده كله ، متمسكاً بمحبة المسيح وحده ، لينقذ نفسه هو ، لكيلا يخسر نفسه هو .

ونلاحظ أنه – فى هذه الآية – يقول : ” من أجلى eneka ” ، وليس من أجل uper إسمى ، مثلما فى آية أخرى ، لأن الأولى تعنى التمسك بمحبة المسيح أكثر من محبة الشهوات ، للنجاة من خسارة أنفسنا ، بينما الثانية : يضحى فيها الإنسان بحياته من أجل مجد إسم المسيح ، فيبذل حياته دفاعاً عن الإسم المبارك ، مثلما فى الآيات :- [ بذلا أنفسهما لأجلuper إسم المسيح ] أع15: 26 ، و [ أموت لأجل uper إسم ربنا ] أع 21: 13 ، فهنا يظهر معنى بذل الإنسان لنفسه ، ليس لنجاته الشخصية ، بل تضحية بالذات من أجل تمجيد إسم المسيح القدوس .

فإن كلمة : uper ” ” ، تعنى غالباً علاقة البذل من أجل الآخر ، بينما : ” eneka ” و “xarin ” ، فتعنيا مجرد العلاقة الترابطية كالمحبة أو السببية

(  3  ) –  [ لا تنقض ، لأجل الطعام ، عمل الله ] رو14: 20 .

(  4  ) – [ يقلبون بيوتاً بجملتها ، معلــِّمين مالا يجب ، من أجل الربح القبيح ] تى1: 11 .

(  5  ) – [ يحابون بالوجوه ، من أجل المنفعة ] يه16 .

النتيجة النهائية :-

الكلمات اليونانية ، وكذلك القبطية ، المستخدمة للتعبير عن موت المسيح ، تعبر كلها عن موته عنا نحن ، وأنه بذل ذاته لينوب عنا نحن ، كضرورة قصوى لخلاصنا الأبدى ، وليس بمعنى المجاملة التى يمكن الإستغناء عنها ، وهو ما تلخصه الآية ، أنه : [ كفــَّارة لخطايانا ] 1يو2: 2 و 4: 10 .

ولولا هذا الفداء الإلهى العظيم لنا ، يستحيل الغفران والخلاص والحياة الأبدية فى ملكوت السموات ، بل يصبح مصيرنا الأبدى هو الجحيم وجهنم ، إلى الأبد ، مما يوضح مدى خطورة هذه الفكرة الخاطئة .