مقدمة عن الثيؤطوكيات القبطية – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال


مقدمة عن الثيؤطوكيات القبطية.

إعداد الإكليريكي / بيشوي فخري.

كلمة "ثيؤطوكية"، من كلمة "ثيؤطوكوس" أى والدة الإله، وذلك لأن مضمون الثيؤطوكيات يتعلق بوالدة الإله... وعددها سبعة.

وهو لقب ظهر بقوة منذ مجمع أفسس 431م، في مواجهة نسطور فقد ورد في وثائق مجمع أفسس حوالي 177 مرة سواء صراحة أو ضمنيًا، رغم أنه سابق لهذا التاريخ جدًا، وأقدم مخطوطة وصلت لنا تضم لقب ثيؤطوكوس هى مخطوطة مصرية قديمة تعود الى القرن الثالث (250م). في صلاة كلماتها:

"فى ظل رحمتك ناخذ ملجأ، والدة الإله، لا تتجاهلى صلواتنا في وسط المحنة، لكن نجنا من الخطر يا ايتها النقية فقط، المباركه واحدك فقط".

ووجد هذا اللقب فى كثير من الليتورجيات القديمة التى كانت تستخدم فى الكنيسة السريانية القديمة تعود بعضها الى القرن الأول مثل قداس القديس يعقوب الرسول أخوا الرب سنة 70م.

وقد ورد هذا اللقب عند كثير من آباء الكنيسة قبل مجمع أفسس، ممّا يبرهن عن شيوعه في الكنيسة الجامعة منذ القرون الأولى. أبرزهم العلامة أورجينوس (210 – 254م): ذكر لنا المؤرخ سقرط (379 - 439م)، أن أوريجانوس في المجلد الأول من تعليقاته على رسالة بولس الرسول الرسول الى اهل رومية، يعطي شرحاً وافراً فى شرح المصطلح ثيؤطوكوس. (سقراط 7: 32)، واستخدمه في مجادلاته ضد الدوسيتية والغنوصية. وما لا يقل عن أربع مرات في تعليقاته على سفر المزامير، أنجيل لوقا، سفر التثنية. بل ويظن أن لقب "والدة الإله" نشأ في الإسكندرية في العشر سنوات الأخيرة من القرن الأول الميلادي!

وبالطبع نذكر في هذا السياق قول أليصابات عن مريم في الزيارة الشهيرة أنها: "أُمُّ رَبِّي" (لو 1: 43) وشواهد أنجيلية ذات المعنى (لو 1: 28 - 35؛ إش 7: 7 - 14؛ إش 9: 6).

أما عدم وجود اللفظ عينه في الكتاب المقدس فهو لم يمثل أزمه، أنما يلزم أن نعرف أن الكتاب المقدس ليس معجم للمصطلحات العقيدية أنما هو القانون والمعيار الذي يضبط أى من المصطلحات التي تشرح خطة خلاصنا التي يحتويها، وهو التربة التي تضم جذور الإيمان الذي يُعبّر عنه بمفردات تحاول أن تقترب من الحقيقة، في سياق روحي سليم. لذلك المصطلح هو تعبير عن حقيقة موجودة في الكتاب لئلا يكون إيماننا يتعلق بحروف وكلمات وليس الحق الذي هو ربنا يسوع نفسه...

الشكل:

الثيؤطوكية هى قطع قبطية موزونة بدون قافية، في تمجيد والدة الإله القديسة مريم. وهى تشرح سر التجسد الإلهي الذي صار بواسطتها، في عبارات لاهوتية بسيطة عميقة. حتى لقد جمعت هذه الثيؤطوكيات كل عقيدة الكنيسة الجامعة في سر التجسد الإلهي وفي أمومة العذراء القديسة.

ولكل يوم من أيام الأسبوع ثيؤطوكية خاصة به.

والثيؤطوكيات على نوعين: الواطس، والآدام.

الواطس: هي نغمة أطول من النغمة الآدام ويُقال بهذه النغمة أيام (الأربعاء - الخميس - الجمعة - السبت) وهي من كلمة "فاطوس"، "فاطس"، "باطوس"، ومعناها "العُلّيقة"، وسُمِيَت كذلك لأنها وقعت على تذاكية الخميس والتي مطلعها (العليقة التي رآها موسي النبي في البرية.....).

الآدام: هي طريقة خاصة أو نغمة صغيرة وقصيرة، ويقال بهذه النغمة أيام (الأحد – الاثنين – الثلاثاء)، وتشير إلى آدم. وَسُمِّيَت كذلك لأنها وقعت على أول تذاكية يوم الاثنين والتي مطلعها (آدم فيما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته).

والشكل العام للثيؤطوكية هى شكل الشعر القبطي الذي يُلحّن لذلك أختلاف عدد الكلمات والمقاطع تُضبط باللحن.

والشعر القبطي ليس له بحر وإنما له إيقاع ثابت.

وشكل الثيؤطوكية ليست هجائية مثل الأبصاليات، أى أنها غير مرتبة حسب حروف الهجاء.

والثيؤطوكية مقسمة إلى قطع، والقطع إلى أرباع، وكل ربع استيخونات، أى شطرات، ونادرًا ما تكون خمسة شطرات.

ولأن ليس للشعر القبطي وزن أو قافية ثابتة، لذلك ليس للثيؤطوكيات وزن أو قافية بمفهوم الشعر العربي، بإستثناء الأرباع من 2 إلى 10 في القطعة الثامنة من ثيؤطوكية الأحد فإن لهم وزن وقافية، فينتهي الاستيخون الأول والثاني نهية واحدة والاستيخون الثالث والرابع نهاية واحدة، مع وجود مرد ثابت في بداية الربع "شيري ني ماريا..".

ثيؤطوكية الإثنين: تنقسم إلى عشرة أقسام، بمجموع 50 مقطعًا شعريًا، بما فيهم القرار واللبش.

ثيؤطوكية الثلاثاء: تتكون من ثمانية أقسام بمجموع 49 مقطعًا، بما فيهم اللبش والقرار.

ثيؤطوكية الأربعاء: تتكون من ثمانية أقسام بمجموع 45 مقطعًا، بما فيهم اللبش والقرار.

ثيؤطوكية الخميس: تتكون من عشرة أقسام بمجموع 67 مقطعًا، بما فيهم اللبش والقرار.

ثيؤطوكية الجمعة: أصغر الثيؤطوكيات وتتكون من ثمانية أقسام بمجموع 33 مقطعًا، بما فيهم اللبش والقرار.

ثيؤطوكية السبت: تتكون من إحدى عشر قسمًا بمجموع 45 مقطعًا، بما فيهم اللبش والقرار.

ثيؤطوكية الأحد: هى الأطول تتكون من خمسة عشر قسمًا بمجموع 148 مقطعًا، الأقسام الستة الأولى هى الأقدم وكل قسم يتكون من جزئين، الجزء الأول يسرد الرمز والجزء الثاني يشرحه.

المؤلف وزمن التأليف:

إذا عُرف مؤلف الثيؤطوكيات عرفنا زمن تأليفها، لكن دراسات كثيرة لم تؤكد على مؤلف الثيؤطوكيات، رغم تشابه كثير من مقاطع لها مع عظات لأباء بارزين خاصة البابا كيرلس الكبير والبطريرك القديس ساويرس، والقديس بروكلوس بطريرك القسطنطينية (438 - 446م). فهم الآباء الذين دافعوا عن طبيعة السيد المسيح والواحدة وطبقوا الرموز على السيدة العذراء، فوجود تعبيرات وتشبيهات بألفاظها من عظات هؤلاء في الثيؤطوكيات يوضح أن أحدهم قد وضع أجزاء منها، أو أن المؤلف درس عظات القديسين وتابع دفاعاتهم ضد الهراطقة لتثبيت الإيمان، فصاغ العقيدة في نصوص منغمة.

أما البابا أثناسيوس فيذكر العلامة "أبو البركات بن كير" ( + 1324م) في كتابه "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة"، أن نسبة الثيؤطوكيات للبابا أثناسيوس نسبة غير مُسندة. إذ أن سر التجسد الذي تُركز عليه الثيؤطوكيات لم يكن مثار في عصرالبابا أثناسيوس مثل عقيدة لاهوت السيد المسيح. رغم وجود تشابه بين تعاليم البابا أثناسيوس مع الأجزاء الأخيرة من ثيؤطوكية الأحد، وأختلاف أسلوب ثيؤطوكية الأحد يجعل من الصعب نسبتها لمؤلف واحد، ويمكن أعتبار البابا أثناسيوس هو نواة هذه الثيؤطوكية أو أن واضعها متشبع بتعاليم هذا البطريرك الرسولي.

ولأن مارإفرآم السرياني، شاعر عميق، ومفسر جيد لرموز العهد القديم، كما أن هناك تشابه بين عظاته وأشعاره مع الثيؤطوكيات، إلا أن وجود تشابه بين كلمات الثيؤطوكية وتعاليم أى من الآباء لا يعني أن هذا الأب هو مؤلفها، لأن كلمات الثيؤطوكيات تتشابه مع تعاليم أبائية كثيرة.

كا توجد تشابه بين ألقاب السيدة العذراء في الثيؤطوكيات وبين ميامر الأنبا بولس البوشي أسقف مصر من القرن الثالث عشر.

كما نجد في الابصلمودية في بعض طباعتها اسم "الفاخوري" في أربعة مواضع:

– في المديح العربي الواطس علي ثيؤطوكية السبت.

– ضمن عنوان ” مديح للفاخوري وهو المديح العربي الثاني والذي ورد في أبصلمودية القمص عطا الله المحرقي وهو مديح علي القطعة العاشرة من ثيؤطوكية الأحد وبدايته ” أبدي باسم الله القدوس “.

– في أبصالية آدام قبطي علي القطعة السابعة من ثيؤطوكية الأحد وبدايتها ” يا الله الحقيقي ” فيذكر ” قال الفاخوري وتكلم عن الملكة “.

– في طرح واطس علي ثيؤطوكية يوم الجمعة فيذكر عنه ” لأنك أنت هي الصنارة العقلية التي تصيد المسيحين وتصعدهم للسموات كما قال الفاخوري “.

وقد أشار إليه ” ابن كبر ” فيقول: رجل فخاري ترهب في برية شيهيت ربما يكون هو الذي رتب الألحان، وقيل إيضاً أن شخص قرموصياً وترهب ببرية شيهات، ورتب ألحانها في القرن الخامس الميلادي” (أى يعمل في الأواني الفخارية).

وقيل أنه كان يحفظ أقوال الآباء عن ظهر قلب، فرتب مدائح منسوجة من تعاليم ومصطلحات الآباء.

وهناك رواية بأن سمعان الفاخوري الجشري نظم الثيؤطوكيات خلال أسبوع واحد، إثر ظهور السيدة العذراء له في رؤيا، فهو رأي مستبعد لاسيما وأن تركيبها وأوزانها تنفق مع اللغة القبطية، مما يؤكد أنها من إنتاج قبطي لا سرياني.

كما تنسب أجزاء من ثيؤطوكية الخميس إلى القديس ثيؤدوسيوس أسقف أنقره 234م.

وجزء من ثيؤطوكية الجمعة له نص مشابه على قطع من الجدار الحائطي لدير إرميا بسقارة.

هكذا، يصعب أن يكون مؤلف الثيؤطوكيات شخص واحد، وعلى أبعد تقدير ترجع يتراوح زمن تأليفها من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الثاني عشر.

اسماء كثيرة رُشحت لتكون مؤلف الثيؤطوكية، لكن أدلتها ضعيفة.

الثيؤطوكوية بدء الصلاة بها في الأديرة، ثم أنتقلت لكنائس وجه بحري، وتأخر ظهورها في الصعيد.

أقدم مخطوط وصل إلينا يحتوي على مقتطفات من الثيؤطوكيات هو مخطوط الدفنار المكتشف في دير الملاك ميخائيل بالحامولي 892 / 893م. وموجود حاليًا بمكتبة بيربونت مورجان بنيويورك.

وأقدم مخطوط يحتوي السبع ثيؤطوكيات في شكلها النهائي، يرجع للقرن الرابع عشر، وموجود حاليًا في مكتبة المخطوطات الفاتيكان.

كما توجد شذرات مكتشفة في دير أبو مقار ترجع للقرن الــ 12 وموجودين حاليًا في مكتبة هامبورج بألمانيا.

وأول أشارة وصلتنا عن زمن تأليف الأبصلمودية كعمل مستقل يستخدم في الكنيسة، كان ما ذكره البابا ديونيسيوس البطريرك الرابع عشر (248 - 265م) حين ذكر نيبوس أسقف أرسينوي (الفيوم) قائلا:

"أرحّب بأعماله وأحبه، بسبب أمانته وجهاده ودراسته العميقة والدؤوبة للأسفار المقدسة، وجهاده الكبير في عمل الأبصلمودية التي أصبح الكثيرون يستخدمونها بفرح".

أما المرة الأولى التي طبُع فيها كتاب الأبصلمودية فكان بواسطة "روفائيل الطوخي" في روما سنة 1744م تحت اسم "كتاب الأبصاليات والهوسات" وهو الكتاب الذي طبعه "أقلاديوس لبيب" في مصر للمرة الأولى 1897م تحت الاسم نفسه.

وتم طبع الشكل الأول لكتاب الأبصلمودية الكيهكية في روما لأول مرة سنة 1764م تحت اسم "الثيؤطوكيات كترتيب شهر كيهك" باللغتين القبطية والعربية. بواسطة روفائيل الطوخي وكان باحثًا قبطيًا ثم اعتنق الكاثوليكية ورسم اسقفًا في روما باسم أثناسيوس، وعدّل في طبعته لكتاب الإبصلمودية بعض العبارات لتناسب عقيدته الجديدة، مثل: "واحد من اثنين لاهوت قدوس... وناسوت طاهر" بدلها بكلمات "واحد حقًا يسوع ربنا من طبيعتين وفي طبيعتين".

وفي عام 1908م طبع القمص مينا البرموسي الأبصلمودية في الإسكندرية والتي أعاد دير البرموس نشرها في 2007م.

وطبعة أقلاديوس لبيب في 1918م لأبصلمودية، وهى الطبعة الأشهر والتي تُرجمت للغات عديدة.

المضمون:

الثيؤطوكيات تسابيح عميقة بمثابة وعاء لشرح عقيدة التجسد الإلهي، وتبرز الرموز الكتابية لتوضيح الميلاد البتولي، أيضًا الثيؤطوكية عرض لاهوتي بسيط لأعمال القديسة مريم وصفاتها وعلاقتها بالثالوث والسمائيين والمؤمنين وكل الجنس البشري.

وكل ثيؤطوكية من أيام الأسبوع تتضمن جانب معين من تدبير الفداء العظيم وتتميم كافة النبوات، فمثلاً:

ثيؤطوكية الأحد: والتي تعد أطول الثيؤطوكيات، وفيها يستخدم المؤلف اسماء أبرار العهد القديم مع صفات تبدو عفوية لكنها ذات واقع حماسي وروحي عجيب مع المسبحين بها، وفيها يربط المؤلف ببراعة بين كلمة الله المكتوبة في لوحي العهد القديم والسيد المسيح الذي هو الكلمة الحقيقية الذي تجسد من العذراء.

ورقم عشرة يقابله حرف يوطة وهو أول حرف من اسم السيد المسيح؛ لذلك قيل في الثيؤطوكية عن الوصايا العشر: "سَبَقَت أن دلتنا على (اليوطة) اسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح". "هذا الذي تجسد منكِ بغير تغيير، وصار وسيطًا لعهد جديد"، وهو رمز عميق يظهر في كتابات العلامة أوريجانوس.

والقطعة الثانية تفسر تشبيه العذراء بالتابوت، هذا التابوت كان مصنوعًا من خشب لا يسوس، ومصفح بالذهب من كل ناحية.. فهذا الخشب الذي لا يسوس يرمز لطهارة السيدة العذراء، والذهب هو رمز لللاهوت.. وهذا يرمز إلى أن كل العطايا السماوية هي ليست من طبعنا الخشبي (الذي يمكن أن يسوس ويفسد)، ولكنها هي هبة سماوية من الذهب الذي يغطي طبيعتنا الفاسدة، وهذا ما قيل في بشارة الملاك: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَلّلُكِ" (لو1: 35).

القطعة الثالثة: تقدم تشبيهين للسيدة العذراء (غطاء التابوت، الكاروبيمان)، لقد كان التفسير الأبائي للتابوت تفسيرًا مسيانيًا، يرمز فيه الخشب الذي لا يسوس إلى الناسوت الذي بلا خطية والذهب للألوهية، كما يفسر القديس كيرلس الغطاء (cover) على أنه يمثل السيد المسيح الذي صار فداء من أجل خلاصنا وأن الكاروبيم هم الملائكة التي تخدمه. وأتبع مؤلف ثيؤطوكية الأحد نفس الشرح، إلا أنه عاد وأدخل السيدة العذراء في القصيدة، وصور الملائكة يسجدون للمولود الالهي داخل بطن العذراء حسب قول الملاك "قوة العلي تظللك"، مثلما كان الكروبان في العهد القديم يظللان على الغطاء وبداخله التابوت.

القطعة الرابعة: تذكر أن العذراء هى قسط الذهب النقي والمن مخفي في وسطه الذي هو خبز الحياة الحقيقي، إذا كان القسط الذهبي الذي كان رمزًا للسيدة العذراء نال كرامة هذه مقدارها في العهد القديم بوضع المن فيه.. فكم بالعذراء بإعطائها جسدًا للمسيح.. قد نالت كرامة لا توصف فهي التي حملت المن الحقيقي الذي "إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 51).

القطعة الخامسة: تقدم لنا العذراء المنارة الذهب التي حملت لنا نور العالم، والمنارة من الذهب الخالص لأنها بقيت عذراء حتى بعد ولادتها شمس البر، والمنارة ليست مصدر الضوء بل هى حاملة الضوء، فالسيد المسيح هو النور الحقيقي.

القطعة السادسة: تقدم لنا العذراء المجمرة الذهب النقي الحاملة جمر النار، فالذهب يرمز لطهارتها، والمجمرة نفسها حاملة جمر اللاهوت. هذه المجمرة لم تحترق بوضع الجمر المحمى بالنار داخلها – مثال: لأن بطن السيدة العذراء لم تحترق عندما حل اللاهوت داخل بطنها وقدسها، وأخذ الإله منها جسدًا.

بقية الثيؤطوكية وعددها 12 قطعة لا يجمع بينها منهج الرمز ثم التفسير، إنما تكرار الرمز وعدم التقيد بتفسيره. وتتغير النغمة بلحن عميق من القطعة السابعة "شيري ني ماريا...." (السلام لك يا مريم الحمامة الحسنة...) التي حملت لنا بشرى الخلاص بعد طوفان حكم الموت، وهى تحية موجودة عن آباء الكنيسة الأوائل منذ القرن الثاني عند القديس إيرينيؤس.

وفي مخطوطة من سيناء ترجع للقرن الـ 13 لا تحوي القطع ٨ - ١٦ لثيوطوكية الأحد، وتحتوي علي جزء واحد فقط من جزءي القطع ١ - ٧.

ويبدو ان القطع ٨ - ١٦ هي فعلاً اضافة متاخرة ان يفصل الجزء السابع عن السادس قراءة من إنجيل لوقا "الان يا سيدي تطلق عبدك بسلام.." وتوحي القراءة باختتام التسبحة.

كذلك يختلف النسق بداً من القطعة الثامنة فيختفي القرار وتختلف النغمة وتظهر الألحان الطويلة ` كذلك فإن الطقس القبطي يذكر أن ثيوطوكية الأحد لا تقال كاملة ويكتفي بالقطع ١ - ٧ في بعض الأحيان، كمثال تسبحة العشية لمساء الاثنين ومناسبات آخر.

وقد أشار أيضاً الأب متى المسكين في كتاباته إلى إعتقاده أن النصف الثاني من ثيوطوكية الأحد هو إضافة متأخرة.

ومن الممكن أن يكون قد انفصل طقسين منذ القرن العاشر الميلادي تقريباً، واحد وجيز جري استخدامه في الكنيسة الملكانية (وهو منشأ هذه المخطوطة)، واخر تمت له إضافات في كنيستنا القبطية، منها النصف الثاني من ثيوطوكية الأحد المختلف في نسقه عن النصف الاول، وبالتالي هو مضاف في عصر تالي لزمن تأليف النصف الاول، وغالباً فإن هذه الإضافات اللاحقة تمت قبل القرن الرابع عشر الميلادي، إذ توجد ترجمة إثيوبية للقطعة العاشرة من ثيؤطوكية الأحد تمت في غضون القرن الرابع عشر الميلادي.

وفي القطعة الثامنة: نطلب منها أن تشفع فينا بما لها من دالة عند ابنها، كى يجعل أبواب الكنيسة مفتوحة ويقبلنا إليه، وهو قول منسوب للقديس كيرلس الكبير. بعد أن نقدم لها تحيات مع رجال العهد القديم.

القطعة التاسعة: ندعو العذراء مريم الزهرة المقدسة التي قدمت لنا يسوع البخور الذي اشتم الآب ذبيحته المقبولة عنا. وفي نفس القطعة أشارة لعصا هارون التي أختارها الله لتنبت بغير غرس ولا سقى كأشارة للميلاد البتولي بدون زرع بشر، وهو تفسير شرحه أباء مجمع أفسس والقديس ساويرس الأنطاكي من بعدهم.

القطع من العاشرة إلى الخامسة عشر مقارنة بين العذراء والرتب السمائية والأنبياء وتفوقها على الجميع؛ القطعة العاشرة هى تبدأ بلحن (تى أوي إن هي كانوس...)، ومنه الطويل والمتوسط والقصير، وفيه نكرم العذراء أكثر من الآباء والانبياء فهي فخر جنسنا فهي الممتلئة نعمة التي نطلب شفاعتها لنفوز برحمة.

القطع من السادسة عشر إلى الثامنة عشر: تختص بالقيامة وتقال في الخمسين المقدسة.

ثيؤطوكية الأثنين: وبها مقارنة لطيفة بين آدم الساقط وحواء التي أخوتها الحية، وبين المسيح آدم الثاني والعذراء حواء الجديدة، وكان القديس بولس الرسول هو أول من جذب الأنتباه لهذه المقارنة (1كو 15: 21 و22)؛ ويظهر فيها الدافع القوي للتجسد ألا وهو أن الله "غٌلب من تحننه" (5: 2)، فلم يوجد قوة خرج الله أجبرته على خلاصنا سوى محبته للبشر. والثيؤطوكية عبارة عن قطعة لاهوتية عميقة ودقيقة تشرح بدقة طبيعة السيد المسيح، وناسوته الكامل، ونوره الحقيقي الذي أشرق لنا والذي لا نعاينه أو نفهمه أو ننال بركته إلا بالنور الذي هو الروح القدس؛ فقد ذكر المرتل في المزمور الذي يستعين به كاتب الثيؤطوكية "بنورك يارب نعاين النور" (مز 36: 9)، ويشرح القديس باسيليوس أننا بأستنارة الروح القدس (بنورك) ننظر جمال صورة الله غير المنظور (الابن النور الحقيقي)، ومن الصورة نبلغ إلى الجمال الفائق الذي هو الآب.

وينسب البعض هذه الثيؤطوكية للبابا كيرلس الكبير، لتقارب شرحها مع كتابه "الإيمان الصحيح للإمبراطور" عن الأتحاد الأقنومي.

ثيؤطوكية الثلاثاء: تتحدث عن كرامة العذراء كأكليل فخرنا وثبات ورمز الطهارة والعفة، وفيها تشبيه "جبل دانيال" فقطع هذا الحجر من الجبل بدون يد إنسان كان رمزًا للسيدة العذراء التي أخذ منها السيد المسيح جسدًا بدون زرع بشر ولا معرفة رجل.. فكما لم يلمس الجبل يد إنسان هكذا لم يقترب أي رجل من السيدة العذراء..

و "سلم يعقوب" والسلم رمزًا للسيدة العذراء الذي استخدمه الله لينزل من السماء من طبيعته اللاهوتية، ثم بعد ذك أصعد طبيعتنا البشرية الساقطة إلى السماء عندما فتح لنا باب الفردوس. والسلم عند أباء كثيرين مثل ق. غريغوريوس النيسي، ويوحنا ذهبي الفم، ويوحنا الدرجي، هو سلم الفضائل الذي نصعد إليه بجهادنا بمؤازرة النعمة لنصل إلى الله، لكن بعد مجمع أفسس ربط بعض الآباء – خاصة بركلوس بطريرك القسطنطينية، ويوحنا الدمشقي - بين العذراء وسلم يعقوب.

و "عليقة موسى" والتي كانت رمزًا للسيدة العذراء التي حل عليها الروح القدس، وامتلأت من نار اللاهوت ولم تحترق كمثال العليقة. وأصبحت بطن السيدة العذراء أرض مقدسة (مكانًا مقدسًا)، لأن الإله المالئ الكون كله ساكنًا في أحشائها وأخذ منها جسدًا إنسانيًا. ومثل كثير من التشبيهات والرموز لم تكن العذراء هى المقصودة عند آباء القرون الاولى قبل أفسس، فقد كانت العليقة عند ترتليات وهيبوليتس هى كنيسة الله المحترقة بنار الأستشهاد والأضطهاد، أو النفس في وسط تجارب العالم، أو قيامة المسيح الذي لم يؤثر فيه الموت. أو أن العليقة هى الأمور الالهية التي لم نقدر الأقتراب منها أو فحصها. أو كما شرح أكليمنضس السكندري وغريغوريوس النيصي أن العليقة مثال: بتولية العذراء الذي لم يفسدها الميلاد كما لم تحرق النار الشجرة.

والقطعة الثانية من ثيؤطوكية الثلاثاء نجد تشابهًا لها مع عظة البابا أثناسيوس، والقطعة الرابعة نجد مقابلاً لها مع عظة البابا كيرلس الكبير في مجمع أفسس.

ثيؤطوكية الأربعاء: فيها يظهر كرامة العذراء وهى أعلى من الشاروبيم وارتفعت أيضًا فوق السارافيم لأنها صارت عرشًا لله محمولًا بهؤلاء الطغمات السمائية العالية. والقرار الرائع: "تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منك".

وفيها تعبيرات لاهوتية رائعة وأوصاف رائعة للعذراء: "معمل اتحاد الطبيعتين"، "العليقة النفسانية"، "العبدة والأم"، "مدينة الله"، "أم وعذراء معًا"، "الفردوس الناطق للمسيح"، "السماء الثانية الكائنة على الأرض".

أما اللبش فيشير إلى باب حزقيال وكان بابًا مغلقًا لم يفتحه إنسان، ولم يدخل منه أحد قط. "لأنَّ الرَّبَّ إلهَ إسرائيلَ دَخَلَ مِنهُ فيكونُ مُغلَقًا" (حز44: 2): هذا الباب كان رمزًا لبتولية السيدة العذراء.. فلم يعرفها رجل في حبلها للسيد المسيح، وفي ميلادها المعجزي لم يفتح هذا الباب بل ظلت بتوليتها محفوظة ومصانة، كما نقول في صلاة قسمة صوم الميلاد: "وبتوليتها مختومة". فهي العذراء الدائمة البتولية مثل هذا الباب المغلق الذي لم يقترب إليه أي إنسان. وكان أوريجانوس قد فسّر الباب على أنه نص العهد القديم الذي لم يفتحه إلا السيد المسيح الذي يزيل غموض النبوات ويشرحها كما فعل مع تلميذي عمواس.

والثيؤطوكية تطابق مع أشهر عظة لبروكلوس القسطنطيني وبنفس ترتيب اوصاف العذراء، فالمؤلف كانت ترن في أذنه كلمات البطريرك وهو يسجل هذه الثيؤطوكية.

ثيؤطوكية الخميس: وفيها شرح النبؤات من سفر ميخا وسفر الرؤيا، والقرار لكل ربع يشرح لاهوت السيد المسيح الدائم "لم يزل إلهًا، آتى وصار ابن بشر، ولكنه هو الإله الحقيقي أتى وخلصنا". وهى عبارة تختصر كتاب "المسيح الواحد" للبابا كيرلس الكبير.

والتشبيه الذي جاء القطعة الأخير من سفر الرؤيا: "هي مريم السماء الجديدة التي على الأرض المشرقة لنا منها شمس البر. لأن الشمس المتسربلة بها هي ربنا يسوع المسيح والقمر الذي تحت رجليها هو يوحنا المعمدان والاثنى عشر كوكبًا المكللة رأسها هي الاثني عشر رسولًا يحيطون بها ويكرمونها".

: "وظَهَرَتْ آيَةٌ عظيمَةٌ في السماءِ: امرأةٌ مُتَسَربِلَةٌ بالشَّمسِ، والقَمَرُ تحتَ رِجلَيها، وعلَى رأسِها إكليلٌ مِنِ اثنَيْ عشَرَ كوكَبًا، وهي حُبلَى تصرُخُ مُتَمَخضَةً ومُتَوَجعَةً لتلِدَ" (رؤ12: 1 - 2). هذه التشبيهات كلها تدلنا على أن السيدة العذراء هي المرأة المتسربلة بالشمس والقمر الذي تحت رجليها هو يوحنا المعمدان. والأثنى عشر كوكبًا هم الرسل، والتفسير الأقدم للمرأة المتسربلة بالشمس هى الكنيسة، أما تطبيق هذا التفسير على العذراء فيبدء من القرن السادس وليس قبل.

والكثير من تعبيرات الثيؤطوكية تتشابه مع قصيدة للقديس ساويرس الانطاكي المعروفة تحت رقم 118.

أما ما ورد في القطعة الخامسة والتي تربط بين هدايا المجوس ووظائف المسيح وصفاته فهي تتشابه مع عظة القديس ثيؤدورس أسقف أنقرة.

ومن التعبيرات المميزة لهذه الثيؤطوكية: "... كل عجينة البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب".. هذا تعبير عن أن السيدة العذراء بطاعتها قدمت ذاتها للسيد المسيح ليأخذ منها جسدًا بشريًا، فهي ممثلة للبشرية كلها التي قدمت عجينة جسدها التي خلقها الله قديمًا عند خلقة البشرية الممثلة في آدم وحواء.. فهي قدمت هذه العجينة له ليأخذ منها نفس الجسد البشري، ليتحد ويتأنس (أي يأخذ جسد إنسان) من السيدة العذراء.

ثيؤطوكية الجمعة: وهى أصغر الثيؤطوكيات، وفيها يتكرر لقب "أم الله" بالقبطية، وفيها ببساطة مختصر ما شرحه الآباء عن عقيدة "التأله": "هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له نسبحه ونمجده ونزيده علواً."، فلم نصر بالطبع إلهه، أنما نأخذ من الله الحياة والقداسة ونعمة التبني: "هو أخذ جسدنا وأعطانا روحه القدوس وجعلنا واحداً معه من قبل صلاحه".

وعلى صغر حجم الثيؤطوكية إلا أنها تحمل تعبيرات لاهوتية عميقة، فهي تعلن أزلية الكلمة: "الكائن قبل الدهور أتى وتجسد منكِ. عتيق الأيام خرج من بطنك.".

وأن الفداء قد تم بتدبير الفداء العجيب: "من قبل صليبة وقيامتة المقدسة رد الانسان مرة اخرى الى الفردوس".

ثيؤطوكية السبت: تتحدث عن العذراء القديسة العفيفة في كل شئ، وتؤكد أن العذراء هى الممتلئة نعمة Κεχαριτωμένη وبالقبطية ⲕⲉⲭⲁⲣⲓⲧⲱⲙⲉⲛⲏ وليست منعم عليها فقط، وأنها السماء الثانية الجديدة هي التي تحدث عنها ملاخي النبي قائلًا: "ولكُمْ أيُّها المُتَّقونَ اسمي تُشرِقُ شَمسُ البِر والشفاءُ في أجنِحَتِها، فتخرُجونَ وتنشأونَ كعُجولِ الصيرَةِ" (ملا4: 2). ويتكرر فيها تشبيه السلم، وفيها شرح لنبؤة اشعياء عن الميلاد البتولي، وتأكيد أن المولود منها هو عمانوئيل الملك الحقيقي.

المراجع:

  • الراهب أثناسيوس المقاري، صوم الميلاد وتسابيح آحاد شهر كيهك، 2013م.
  • د. بطرس كرم، العبدة والأم، 2019م.
  • القس باسيليوس صبحي، مذكرة: تاريخ الطقوس الكنسية، 2019م.
  • د. رشدي واصف، الثيؤطوكيات، من موسوعة من تراث القبط، الجزء الأخير، ص 171 - 180.
  • القس غريغوريوس رشيدي، دراسة عن الثيؤطوكيات القبطية السبعة، مجلة مدرسة الأسكندرية 2 (2009)، 131 - 144.
  • القس غريغوريوس رشيدي، دراسة عن مؤلف الثيؤطوكيات القبطية السبعة، مجلة مدرسة الأسكندرية 5 (2010)، 143 - 163.
  • الأب متى المسكين، العذراء مريم والدة الإله، 1993م.
  • الأنبا متاؤس، روحانية التسبحة حسب طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، 2001م.
  • الأنبا مكاريوس، الموسيقي القبطية، 2010م.
  • د. يوحنا نسيم، مقدمة عن الإبصلمودية، 2012م.