معيار الصح والخطأ – المهندس مكرم زكي شنوده

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب المهندس مكرم زكي شنوده
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

أولاً : المعيار لتحديد الصواب من الخطأ فى صحة العقيدة ( وليس مجرد الإعتقاد !!! ) هو عدم التعارض مع أىٍ من آيات الكتاب المقدس كله بلا إستثناء واحد .

وذلك يقتضى دراسة أمينة شاملة متكاملة لكل الآيات ، بدون التغافل عن واحدة منها .

وكل من إختبر هذا الإسلوب بأمانة ، للبحث فى صحة إحدى العقائد المسيحية ، أو إحدى الإعتقادات أو الظنون ، سيدرك مدى صحة عقيدنا ، كيقين كامل وليس كمجرد إحتمال .

ثانياً : الحق المطلق ، ظهر لنا فى المسيح  ، الذى قال: [أنا هو الطريق والحق والحياة] يو14: 6 ، إذ أثبت صدق كلامه بعظيم معجزاته .

فإن الذى يقيم الميت بعدما أنتن ، هو الحق وهو الصادق فى كلامه ، لذلك قال : [ صَدِّقُوا قَوْلِي … وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي بِسَبَبِ تِلْكَ الأَعْمَالِ]يو 14 : 11  ، فإن برهان الأعمال المعجزية التى لا يقدر عليها إلاَّ الله وحده ، هو البرهان اليقينى على صدقه وعلى صحة كلامه.

المسيح هو الحق المطلق ، وليس مجرد إحتمال .

وعمل المسيح المعجزى لم ينتهى بنهاية فترة وجوده على الأرض ، بل إستمر فى تلاميذه ، وفى المؤمنين فى كل الأجيال ، بحسب وعده الصادق الأكيد : [ هذه الآيات تتبع المؤمنين ] مر16: 17 .

فمعجزات المسيح مستمرة حتى الآن بواسطة قديسيه ، نراها ونحياها ، وهى البرهان اليقينى فى كل زمان ، بأكثر من كل البراهين البشرية القاصرة .

ثالثاً : الذكاء العقلى وحده لا يكفى للوصول للفهم السليم ، بل إن العقل السليم يحتاج أيضاً للنفسية السليمة وللغرض المستقيم ، لكى يصل الإنسان إلى الحق .

فأصحاب النفسية المنحرفة أو الأغراض المنحرفة ، يستحيل عليهم أن يفهموا الحق ، مثلما هو مكوب : [ الأشرار لا يفهمون الحق ] أم28: 5 ، ولذلك قال الرب للأشرار : [ لماذا لا تفهمون كلامى .. لأنكم من أب هو إبليس ] يو8: 43 .

فمشكلة الذين ينحرفون عن الحق ، ليست عدم الذكاء ، بل ضمائرهم التى تسمح لهم بالتطاول على الله :- [ أهان الشريرُ الله ] مز10: 13 .

رابعاً :  العلماء الحقيقيون فى مفهوم المسيحية ، ليسوا هم فلاسفة الوثنية ، الذين يصفهم الإنجيل بالجهلاء : [ حكمة هذا العالم هى جهالة عند الله ] 1كو3: 19 ،لأن العلم الحقيقى بالله لا يمكن الحصول عليه بغير الإعلان الإلهى عن ذاته ، لأن معرفة الله تفوق حدود العقل البشرى الذى مداخله تنحصر فى الحواس الخمس ، بينما الله فوق المحسوس بوجه مطلق .

المعرفة الحقيقية بالله كانت من خلال إعلان الله عن ذاته بواسطة أنبياء العهد القديم ، ثم أعلن الله عن نفسه بطريقة فائقة من خلال سر التجسد الإلهى ، بأن صار الكلمة جسداً ، فرأيناه وعرفناه وسمعنا كلامه وفهمناه من خلال هذا الناسوت الذى إتخذه.

فالعلماء الحقيقيون بالله ،هم الذين يتعلمون من الله وليس من أهل العالم أياً كانوا ،يتعلمون من كلمته المقدسة ومن روحه القدوس العامل فيهم :- [ فَتَحَ أَذْهَانَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ ] لو24: 45 . فالمعرفة الحقيقة بالإله الحقيقى لا يمكن الوصول إليها إلاَّ بإعلان الله عن ذاته فى شخص ربنا يسوع المسيح.

صحيح أن العقل السليم المنزه عن فساد النفس والغرض يستطيع الوصول لحقيقة وجود خالق واحد لكل الكون ، من خلال التأمل فى وحدانية النظام الكونى كله ، فالذرة تتكون من جسم مركزى تدور حوله إلكترونات ، كما أن القمر يدور حوله القمر ، كما أن الأرض تدور حول الشمس ، كما أن الشمس تدور حول مركز المجرة ( وأعتق أن إتجاه الدوران واحد للجميع ) إلخ ، فمن وحدة النظام الكونى يمكن إستنتاج وحدانية خالقهم .

ولكن العقل البشرى لا يمكن أن يخطو الخطوة التالية ، ليحدد من هو هذا الخالق الواحد ، إذ يستحيل عليه فحص الذات الإلهية ليحدد الخالق الحقيقى من الكاذبين الذين يدعون أنهم هم الخالقون لهذا الكون .

ولذلك فإن الإنسان يحتاج للإعلان الإلهى عن ذاته ، بكيفية يثبت بها صدق إعلانه ، وذلك بأن يقوم بأعمال لا يقدر عليها إلاَّ الخالق وحده ، فيثبت شخصيه بذلك .

وذلك بالضبط هو ما رأيناه فى ربنا يسوع المسيح ، الذى يتحكم فى الكون بكلمة آمرة ، فيقول للبحر العاصف  : إسكت ، إخرس ، فيطيعه فى الحال . ويقول للميت المتعفن : هلمَّ خارجاً ، فيتبدد الموت والدود والعفونة ، ويقوم الميت فوراً ، وتختفى روائح العفونة وكأنه ألغى الزمان وأبدله بآخر .

هذه هى المعرفة اليقينية بالإله الحق اليقين .

وهى المعرفة اليقينية التى بشَّر بها الرسل ، وبرهنوها بالمعجزة أيضاً ، وليس بالكلام المنمق الذى يسلب العقول . فبإسم المسيح أقاموا الموتى وشفوا الأمراض التى يستحيل شفائها ، وعن هذا الإسلوب الكرازى المتميز عن إسلوب فلاسفة الوثنيين ، قال بولس الرسول : [ وكلامى وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع ، بل ببرهان الروح والقوة ، لكى لا يكون إيمانكم بحكمة الناس ، بل بقوة الله ] 1كو2: 4و 5 .

هذا هو الإسلوب الكرازى الرسولى الذى أراده الله لنفسه ، وأما الذين عجزوا عن إثبات كلامهم ببرهان الروح والقوة ، أى المعجزة ، فلجأوا لإستخدام الفلسفة الوثنية للكرازة ، فقد تسببوا فى فتح الباب للهرطقات الناشئة من الفكر الفلسفى الوثنى الذى أدخلوه ، فإنطبق عليهم قول الرب للكتبة والفريسيين :- [ تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلاً واحداً ، ومتى حصل ، تصيرونه إبناً لجهنم أكثر منكم مضافعاً ] مت23: 15 .

فأساس المسيحية الوحيد هو عمل المسيح المعجزى وليس الفلسفة الوثنية ، وحتى إذا إتخذه البعض كمجرد فاتحة كلام مع الوثنيين ، فيجب أن يقتصر دورها على هذه المرحلة ولا يتخطاها .

خامساً : الكتاب المقدس مضمون بضمان أمانة الكنيسة وإخلاصها لمسيحها ، فالكتاب المقدس هو كتاب الكنيسة المقدس وليس مجرد كتاب عادى ، إنه كتابها ودستورها ، وهى الحريصة عليه من أجل خيرها الأبدى ، من أجل ضمان حياتها الأبدية بعيداً عن عبث العابثين . وهى أثبتت أمانتها للمسيح ، وبالتالى لإنجيله ، إذ كانت دائماً تفضل الإستشهاد على التفريط فى مسيحها ، وهو الإستشهاد المسيحى المتميز عن سواه ، إذ لم يكن فى خضم حماسة الإقتتال التى تلغى العقول ، بل كان يتم فى وداعة الحملان ، وبإحتمال أبشع العذابات ، مما يقتضى ثباتاً وإيماناً صادقاً يفوق الوصف .

والإكتشافات الأثرية تؤكد أن الكتاب المقدس الذى فى كنيستنا الآن ، هو نفس ما كان فى العهد القديم قبل مجئ السيد المسيح ( مثل مخطوطات قمران ) ، وأن العهد الجديد الذى فى كنيستنا الآن ، هو نفس الذى كان موجوداً فى القرون الأولى .

فلا مجال للتشكيك ، إلاَّ لأتباع المذهب التشكيكى أو السوفسطائى الوثنى ، وكل الذين كانوا يرفضون مبدأ وجود حقيقة مطلقة فى الكون كله . وقد يكون لأولئك الوثنيين القدماء ، بعض العذر فى شكوكهم المنهجية هذه ، لأنهم كانوا وثنيين محرومين من معرفة المسيح النور الحقيقى والحق المطلق ، وأما نحن الذين أنار المسيح عقولنا بروحه القدوس ، نحن الذين رأينا معجزاته ، نحن الذين نستنير بكلمته الصادقة المثبتة بأعماله المعجزية ، فليس لنا أى عذر إن نحن إرتددنا وسلكنا مذهب السوفسطائيين الوثنيين الشكَّاكين ، وإلاَّ إنطبق علينا المثل : ( 2بط2: 22 ) .

إلهنا الحبيب ينقذنا من هذا السقوط الخطير .