ما معنى الساعات التى يذكرها الإنجيل لتحديد توقيت الأحداث ، كالصلب والقيامة وحلول الروح القدس على التلاميذ – المهندس مكرم زكي شنوده

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب المهندس مكرم زكي شنوده
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

1- أولاً:- كيف كان الناس يحسبون الساعات فى تلك الايام؟

– إننا الآن بكل بساطة ننظر فى الساعة التى فى يدنا ونقول: الساعة كذا وكذا دقيقة.

ولكن فى تلك السنين لم يكن الامر كذلك ، فلم تكن للناس وسيلة لتحديد التوقيت ، إلاَّ بملاحظة مركز الشمس فى الأفق ، فكانت النتيجة دائماً تقريبية وتختلف من شخص لآخر.

2 –  ثانياً:- هل يتطابق معنى كلمة: “الساعة” ، عند الناس فى عصر المسيح مع الموجود عندنا الآن ؟

– لا ، فكلمة “الساعة” طوال عصور التاريخ كانت ترتبط بشروق الشمس ، فالساعة الأولى هى ساعة شروق الشمس. وهو ما نلاحظه فى صلوات الأجبية فى كنيستنا حتى الآن ، لأن الكنيسة متمسكة بتسليم الرسل القديسين ، مع المرونة فقط فيما لا يؤثر على إرتباطها بالإنجيل والرسل القديسين ، حفاظاً على تبعيتها -المتواصلة مع الزمان- لربنا يسوع المسيح.

وهذا النظام كان سائداً منذ وجود الإنسان على الأرض ، إذ لم تكن توجد وسيلة يمكن معها تحديد التوقيت اليومى سوى حركة الشمس ، ولم يتغير ذلك الأمر إلاَّ فى العصور الحديثة ومع الإختراعات الحديثة ، فالآن أصبحت الساعة الأولى تعنى منتصف الليل وليس شروق الشمس ، بفارق حوالى ستة ساعات.

+ ويوجد فارق مهم آخر ، وهو أن اليوم كان يبدأ من حلول الظلام وينتهى ببدء حلول ظلام اليوم التالى ، وذلك لأنه فى بدء الخليقة لم يكن نور بل ظلام ، ثم خلق الله النور ، لذلك أصبح الظلام سابق على النور ، وأصبح ليل اليوم سابق على نهار اليوم ، فيوم الجمعة مثلاً يبدأ مع حلول الظلام يوم الخميس وينتهى مع حلول الظلام يوم الجمعة.

+ وكانت ساعات النهار تُحسب منفصلة عن ساعات الليل ، فشروق الشمس كان يُعتبر هو الساعة الأولى ، برغم سبق الليل على النهار ، لأن الليل له تقسيمة خاصة به ولا تنضم له ساعات النهار.

3 – ثالثاً:- وماذا تعنى “الساعة الثالثة” أو “السادسة” أو “التاسعة” الموجودة فى الإنجيل أو فى الأجبية؟

– التوقيت القديم مثلما ذكرنا يحسب ساعات النهار من شروق الشمس ، بينما التوقيت الحديث يبدأ من نصف الليل ، لذلك فمعنى هذه الساعات المذكورة فى الإنجيل أصبح يختلف عن التوقيت الحديث بستة ساعات ، فنضيف لكلٍ منها عدد 6 ، فالثالثة قديماً تصبح: 3+6= الساعة9 صباحاً بالنظام الحديث ، والساعة السادسة قديماً تصبح: 6+6= 12 ظهراً بالنظام الحديث ، والساعة التاسعة بالنظام القديم تصبح 9+6= 15 ، أى الثالثة بعد الظهر حديثاً.

4 – رابعاً:- ولماذا نلاحظ أن التوقيت القديم يقول فقط: “الثالثة” ثم “السادسة” ثم “التاسعة” ، بدون أن يذكر الساعات الثانية والرابعة والخامسة والسابعة والثامنة؟

– لأنهم – فى الأزمنة القديمة – لم يكن ممكناً لهم تحديد التوقيت بهذه الدقة مثلما الآن: بالساعة والدقيقة ، لأن ذلك يحتاج لأجهزة للقياس وليس لمجرد النظر للشمس بالعين المجردة . صحيح أنه كانت توجد “المزولة” ، ولكنها كانت غالية ونادرة ولا توجد إلاَّ فى القصور ، كما كانت غير صالحة للإستخدام فى الحياة العملية اليومية للناس ، لأنها تحتاج للثبات الدائم فى مكانها لأنها تعتمد على نزول الرمل فيها بمعدل ثابت ، لئلا تتأثر سرعة نزول الرمل من الإهتزازات الناتجة عن الحركة ، لذلك لم يكن ممكناً حملها فى الطريق ولا حتى فى العربات ، لأن إهتزازاتها ستجعلها تتفرغ فى لحظات قليلة وليس فى يوم كامل.

لذلك كان الناس بوجه مطلق يعتمدون على تقدير مركز الشمس فى الأفق ، ويقسمون اليوم لأربعة فترات نهارية ، تسبقها أربعة فترات ليلية تعتمد على حركة القمر والنجوم فى الأفق :-

+ فأقسام النهار الأربعة هى ، من الشروق ( =6 صباحاً بالتوقيت الحالى) إلى الغروب

( =6 عصراً بالتوقيت الحالى ) .

– و كانوا يقسمونها للفترات الأربعة التالية:-

الفترة الأولى للساعات الثلاثة الأولى من النهار  (من 6 حتى 9 صباحاً بالتوقيت الحالى) وتتسمى بالساعة الثالثة

ثم الفترة الثانية للساعات الثلاثة التالية ( للساعات من 9 صباحاً حتى 12 ظهراً بالتوقيت الحالى)وتتسمى بالساعة السادسة

ثم الفترة الثالثة للثلاثة ساعات التالية ( من 12 ظهراً حتى 3 بعد الظهر بالتوقيت الحالى) وتتسمى بالساعة التاسعة

ثم الفترة الرابعة والأخيرة من التاسعة حتى غروب الشمس وتتسمى بالغروب .

+ أما أقسام الليل الأربعة ، فتتسمى بالهزيع ( أو المحرس ، ربما لأنها كانت مستخدمة بالأكثر عند جنود الحراسة الليلية ) وتتسمى بالهزيع الأول والثانى والثالث والرابع . والهزيع الرابع هو الذى ينتهى بشروق الشمس أى الساعة الأولى أو باكر النهار.

– أما تعريف كلمة “الساعة” بأنها ستين دقيقة ، فلم يكن الأمر قديماً كذلك ، بل كانت تعنى ثلث ربع النهار بطريقة تقريبية ، وحتى كلمة “دقيقة” التى تعنى 60 ثانية وكذلك كلمة “ثانية” ، فلم تكن موجودة . وكان التعبير عن الفترة القصيرة من الزمن يتم بكلمات أخرى تقريبية مثل “لمحة من الزمن” أو “طرفة عين” وغيرها.

5 – خامساً :- وكيف كانوا يحددون التوقيتات التى تقع ما بين هذه الساعات؟ ، ما بين الثالثة والسادسة مثلاً؟

– كانوا يأخذونها تقريبياً ، فإن كانت الشمس أقل إشراقاً ، كان الناظر لها يعتبرها تتبع الثالثة ، وإن كانت أكثر إشراقاً كان يعتبرها تتبع السادسة ، أو أن يقول : حوالى الساعة الثالثة ، أو حوالى الساعة السادسة.

– ونفس الأمر ما بين السادسة والتاسعة ، فإن كانت الشمس فى وضع أقل من الوضع العمودى كانوا يعتبرونها تتبع الفترة الثانية المسماة بالسادسة ، وإن كانت الشمس فى وضع يتخطى الوضع العمودى ، كانوا يعتبرونها تتبع الفترة الثالثة المسماة بالساعة التاسعة.

– والإختلاف فى التقدير من شخص لآخر شيئ طبيعى ووارد ، وهو ما كان يمكن أن نلاحظه منذ عدة عقود من الزمان ، فى الذين كانوا لا يعرفون الأجهزة الحديثة لتحديد الوقت ، عند محاولتهم تحديد أوقات الظهر والعصر الخاصة بهم ، فى القرى النائية أو أهل الصحراء (قبل عصر الذهب الأسود) ، فقد كان الأمر يعتمد على النظر المجرد لموضع الشمس فى الأفق.

– فكلمات : “الساعة الثالثة أو السادسة أو التاسعة” -فى الزمن القديم- كانت تعنى مسافة زمنية طويلة ، هى ربع النهار كله ، وكانت المناطق الزمنية الفاصلة بين الثالثة والسادسة والتاسعة ، مناطق مرنة ، تحتمل الإنتساب لما قبلها أو لما بعدها بحسب تقدير الإنسان .

وكمثال على ذلك : فإن الساعة الثانية بعد الظهر بالتوقيت الحديث ، كانت فى النظام القديم تقع فى المنطقة الفاصلة بين نهاية السادسة وبين بداية التاسعة ، وبالتالى  كانت تحتمل أن تتسمى بالسادسة أو تتسمى بالتاسعة ، بحسب تقدير الإنسان لموضع الشمس فى الأفق ، خصوصاً إن كانت الشمس غير ظاهرة بدرجة كافية ، مثلما فى الأيام التى تكثر فيها الغيوم والسحب.

6 – سادساً:- وهذا الإختلاف فى التقدير الشخصى ، هل يشكك فى شهادة الشهود حول توقيت حدوث واقعة ما؟

– إذا كان الإختلاف فى الحدود الطبيعية ، فأنه لا يشكك فى مصداقية الشهود ، بل بالعكس يعزز مصداقيتهم.

فمن المعروف أن التطابق التام بين أقوال الشهود يلقى بالشكوك فى وجود تواطؤ فيما بينهم على ما قالوه ، أما الإختلافات التى تدخل فى باب إختلاف التقديرات الطبيعية ، فإنه يقوى ويعزز مصداقية شهادة الشهود المختلفين وينفى عنهم شبهة التواطؤ.

– فالشاهد يشهد بحسب زاوية رؤيته للأحداث وبحسب تقديراته الشخصية . ولأن الرؤية تختلف من مكان لمكان ومن شخص لشخص ، فكذلك ينبغى للشهادات الصادقة أن تعبر عن إختلاف الأشخاص وإختلاف زاوية رؤيتهم للأحداث. ولأن التقديرات الشخصية حتماً تختلف من شخص لشخص ، لذلك ينبغى أن يظهر هذا الإختلاف فى شهاداتهم إن كانت صادقة.

– وبمقارنة الشهادات من الأطراف كلها ، يتم تكوين صورة شاملة متكاملة لكيفية وقوع الأحداث.

6 – وهل هذا الأمر ينطبق على الإنجيل؟

– نعم ، فربنا قال لرسله القديسين -للإثنا عشر وللسبعين معاً- قبيل صعوده ، أنه جعلهم شهوداً له ، وذلك يعنى أنهم سيشهدون بما عايشوه ، مثلما فى كل حالات شهادات الشهود المختلفة ، وبالتالى ينطبق على شهاداتهم مبدأ ضرورة إختلاف الرؤية بحسب الشخصيات وبحسب موقعها من الأحداث ، وكذلك إختلاف التقدير الشخصى لكل التفاصيل ، وإلاَّ أصبحت شهاداتهم مشكوك فيها بوجود تواطؤ فيما بينهم على ما قالوه.

– ولكن هذا الإختلاف ينبغى أن ينحصر فى حدود الإختلافات الطبيعية ولا يمتد إلى التناقضات الصارخة. كأن يقول الواحد أنه صُلب ويقول الآخر أنه لم يُصلب ، أو أن يقول الواحد أنه قام من الأموات ويقول الآخر أنه لم يقم . فهذه التناقضات تعنى أن أحدهما كاذب.

– وفوق ذلك ، تتميز شهادة الرسل القديسين بأن الله عززهم بالروح القدس الذى يذَّكرهم بكل ما عايشوه ويرشدهم لما يقولوه ، فالروح القدس ينشِّط ذاكرتهم ولكنه لا يلغيها ، ولا يستبدلها بذاكرة أخرى تحتوى على أشياء لم يعيشوها فعلاً ، روح الله القدوس عمل فيهم بالإرشاد وتقوية الوعى والفهم وليس بمحو ذاكرتهم أوتغييرها ، ولذلك فإنهم صادقون فيما يشهدون به لأنه صادر منهم حقاً.

7 – وكيف إختلفت رؤيتهم فى توقيت الصلب ؟ وهل كانت فى حدود الإختلاف الطبيعى الذى يعزز مصداقيتهم؟

– لقد شهدوا بنفس الشهادة ، بكل تفاصيلها الكثيرة ، ما بين خيانة يهوذا وقبض اليهود على ربنا يسوع وتسليمه لبيلاطس وإرغامه على الحكم بالموت على ربنا يسوع ، وكذلك تعذيبه وصلبه وقبره وقيامته ، أى كل الأحداث الجوهرية. ولكن شهادتهم لم تكن نسخة طبق الأصل من بعضهم بعضاً ، بما يشكك فى التواطؤ ، بل إختلفت فى التركيز على حدث أكثر من غيره ، وفى تفاصيل وصفه ، وفى تحديد توقيت الصلب ما بين الثالثة والسادسة ، وهو كما ذكرنا أنه إختلاف عادى لأن الناس لم يكونوا يحملون ساعات كمثلنا الآن ، ولأن مفهوم الساعة آنذاك كان يتسع لربع النهار ، بل يحددون الوقت تقريبياً ، فالقول الثالثة أوالسادسة متقارب جداً ، فإن كان الواحد يعتبر الصلب إبتدأ من تسليمه للصلب (بحكم بيلاطس عليه ، فمنذ هذه اللحظة أصبح فى حكم المصلوبين فيتم تعذيبه بالطريقة التى تنطبق على المصلوبين ويتم تحميله للصليب ليصعد به إلى موضع الصلب ، فكل هذه الفترة تدخل فى باب الصلب) ، بينما الآخر يعتبر الصلب بالتنفيذ الفعلى ، فهذا إختلاف فى وجهات النظر وفى تقدير الأمور ، وليس إختلاف فى جوهر الأمر ، وبالتالى فإنه يعزز مصداقيتهم وينفى عنهم تهمة التواطؤ كما سبق القول.