ظاهرة الانتحار و”نحن” – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
التصنيفات الخدمة الكنسية - اللاهوت الرعوي, علم النفس المسيحي
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

أوردت وسائل الاعلام اخبار متكررة عن حالات انتحار Suicide دامية ومحزنة ، وهي مدخلي في البحث حول النهاية التي انتهت اليها هذه النفوس ، حيث ان مجد الله في خليقته ولذته في بني آدم ، وحيث ان حياة الانسان هي لرؤية الله ونوال هباته المجانية الممنوحة من عند اله الرحمة والرافة محب البشر الصالح والذي لاتفرغ رافاته بل هي جديدة في كل صباح ،وهو الذي أوصي كل حي ، كي يختار الحياة ليحيا بالروح والحق متجليآ بالجمال الإلهي.. لكن الخطية هي التي تغرس الوهم فيمن تسود عليهم وتجعل وجودهم عبثيا وعدميا وزائف في ( سجن الأنا) يطلبون مالانفسهم ،بينما لن نكون مسيحيين بالكلام بل بالشركة والعمل في حياة المسيح وفرح الثالوث القدوس بحيث لا نتوقف عند الثرثرة والأدانة بل ننتقل الي متطلبات الضرورة الموضوعة علي كل واحد منا ، كحجارة حية في بناء واحد وأعضاء لجسد واحد .لانتزعزع ولانرتاع فيه ( بالخلاص المشترك ) بل نكون مالكين لارواحنا ،لان ضابط نفسه خير من حاكم مدينة ،شاخصين لرجاء دعوتنا والي الداخل الذي يتجدد يوما فيوما و غني مجد ميراث القديسين الذي نأتي اليه وعنده نصنع منزلا .

اما الانتحار فهو قتل الانسان لنفسه عمدآ وذاتيآ لينهي حياته بأختياره ، من حيث يدري أو لا يدري . وهي عملية تدمير متعمد للحياة التي هي هبة من الله وآتيه من عنده ، والتي تقع في فلك ومدار قدرته ، كونها عطيته ، وقد صار الانسان وكيلآ لها ، يتحمل مسئولية الحفاظ عليها ، لانها ليست ملكًا له بل لله الخالق الذي أعطاه إياها ، منذ ان جبله علي غير فساد ، حسب صورته ومثاله الالهي الاقدس .

مسيحنا هو سيد الحياة والموت ، ومعه وحده مفاتيح الدهور والهاوية والأزمنة ، و هي له وحده وليس لملكه انقضاء ، لذلك إهلاك الكيان المخلوق بواسطة الانتحار ، هو تمرد في وجه الله الخالق المخلص ، وهو ينم عن انعدام الايمان بالعناية الربانية ، لهذا يعد الانتحار تعبيرآ صارخآ عن التجديف وجحد الايمان ومرارة اليأس المشابهة لموت يهوذا . ويقول احد اللاهوتيين عن المنتحر بأنه “يهوذا الخائن الذي رفض الله والله رفضه” ، لكنني في هذا الخصوص لا اقصد أبدآ ان استدعي مرارة الحدث وجسامه الفعل وبشاعته ، بقدر ما اتجه نحو التوعية اللاهوتية الواجبة ، والتي مفادها ان الله يرفض كل من يقضي علي حياته بنفسه ، لان “من خطئ الي نفسه فمن يزكية” ، وكل “من أساء الي نفسه فإلي من يحسن” (بن سيراخ ٣٢:١٠ – ٥:١٤) .

ووسط هذه الأجواء المشحونة عاطفيآ بالمشاهد الصعبة التي تكررت وتداولها الاعلام . اقول أين نحن من هؤلاء ؟!! هل سيصبح الانتحار ظاهرة عندنا ؟!! وكيف لم نصل الي هؤلاء ؟!! انها ليست مسؤولية جهه بعينها ولا اشخاص محددين ،ودعونا لنعمل ونخدم جميعا لان خدمة النفس البشرية تحتاج الي الكثيرين لا الي المتفرجين والمكتفين بالوصاية والانتقاد الهدام ، فهؤلاء انتحروا كونهم أحسوا بانهم مرفوضين ومحتقرين مهملين ومتروكين ومكروبين ، انهم انتحروا لأننا لم نخبرهم بمعني بشارة الحياة الأبدية ، وبمسيح الخلاص والرجاء والشبع والسرور . انتحروا لأنهم لم يتعرفوا عمليآ علي مريح التعابي الذي يعطينا النجاح وينزع الغم من قلبنا والشر عن لحمنا (جا١٠:١١) ويخلص الي التمام … ما الذي أوصل هؤلاء الي خيار الموت والي عدوي وباء الانتحار الذي يستحوذ علي الأدمغة ؟!! ليتنا لا نكتفي بالتحسرات والتمنيات بينما يبقي الظل معتم يخيم بعيدآ عن المعالجة الروحية والاجتماعية والنفسية والمادية . ليتنا ندين انفسنا أولًا لان التشخيص هو طريقنا الي العلاج الحق ، فلا نقف في خانة القائل “أحارس أنا لأخي” !! … ومهما تعددت أسباب الانتحار التي يسمونها علميآ الآن ب “الانتحار الواعي” سواء كانت انانيات أو تشويش واكتئاب او اعتلال النوافل العصبية أو الاحباطات والصدمات والعوارض ، إلا انه لابد ان يكون لدينا رعاية رحيمة وتعليم لاهوتي مشبع ووقائي ، حتي لا يكون دور السامري الصالح غائبآ عن الحدث .

شاهد الموضوع الأصلي من الأقباط متحدون في الرابط التالي http://www.copts-united.com/Article.php?I=3469&A=398145