ضد كهنوت المرأة – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
التصنيفات البدع والهرطقات, اللاهوت المقارن, بدع حديثة, عقيدة, كهنوت المرأة
آخر تحديث 12 مايو 2020

ضِدَّ كَهَنُوتِ المَرْأَة

مجدُ الأرثوذكسية وبهاؤها في تقليدها الحي وأصالتها المستمَدة من الكتاب المقدس بنصه الصريح والواضح؛ مشروحًا بالآباء ومُعاشًا في القديسين. وكل ما لم نستلمه بحسب الوديعة الصالحة هو إبتداع؛ لأن قطعية الثبوت بالدلائل لا تقبل التأويل ولا تنقل التخم القديم والترتيب الذﻱ وضعه وعاشه الأولون... فكنيستنا كتابية سرائرية آبائية ليتورچية نُسكية... وهي لم تبدأ بنا، وهي ليست حديثة العهد؛ لكنها شجرة رسولية متجذرة في تقليد عريق وممتدّ لكنيسة الروح القدس الحق؛ لا إلى كنيسة النفسانيين.

وكنيستنا تُظهر وحدة فكر كنيسة الله وكمالها في الواقع المُعاش كحقيقة؛ لا مجرد إعلان عقيدﻱ خالٍ من التعبير الحي. فثمّة خط عام لتاريخ البِنية الكنسية؛ ينطلق من جامعية الجوهر والمظهر؛ لأن الروح القدس في الكنيسة هو للتنظيم وللبنيان والهيرارخية. كذلك الإرادة الإلهية هي التي تقودها وتدبرها؛ لأنها ليست منظمة بشرية تخضع للاستحداثات؛ بل مَقامًا إلهيًا وملء النعمة الذﻱ أعطاه الله وكرز به الرسل وحفظه الآباء. وبناءً على ذلك يَظهر الرأي الكنسي المستقيم بواسطة العمل المستقيم؛ كتعبير عن الإيمان السليم الذﻱ عُهد بكنزه إلى الكنيسة؛ لأن التقليد ليس تعليمًا ظهر في لحظة محددة من الوجود التاريخي للكنيسة؛ بل هو عُصارة خبرة حياتها.

والكنيسة المقدسة حريصة على روحية تطبيق الكتاب المقدس وعيشه؛ وهي ملتزمة بخطها الرسولي... فلا يمكن بعد أن رفضت كهنوت المرأة عبر ألفي عام؛ تخرج الآن عن ما تسلمته؛ لأن إنجيل الرب لا يمكن أن يُكتب من جديد أو يتغير أو يتبدل. فلم تكُن مريم العذراء كلية الطهر كاهنة!! ولم تكن مريم المجدلية أو إحدى حاملات الطيب كاهنات!! وهذا ليس معناه دونيتهم بإزاء الرجال... كذلك أم أثناسيوس الرسولي أو غريغوريوس النيصي والنزينزﻱ وذهبي الفم وأغسطينوس وأﻱ من الآباء العظام لم يكُنّ كاهنات!! عظيمات كثيرات في تاريخنا نلنا كرامات؛ لكنهنّ لم يكُنّ كاهنات!! إذن هذا الأمر ليس إعتباطيًا أو مجرد فرضية عابرة تنتظر المراجعة والمناظرة والمزيد من البحث. فالمرأة لم تخدم الله يومًا في هيئة كاهن.

المرأة من حيث القيمة لها ما للرجل؛ لأنه في المسيح ليس ذكر وأنثىَ؛ لكن لم يذكر التاريخ الكنسي ولا الكتاب المقدس أنْ قامت المرأة بدور مُطلق في التعليم الجماعي؛ لأن التعليم وظيفة لها سلطان حسب الترتيب الإلهي. يمكن المرأة أن تعمل بشكل خاص كإشبينة في مدارس الأحد وفي تعليم النساء والموعوظات؛ إذ لها نفس المواهب الروحية. لكن لا يوجد في العهد الجديد نَص يشير إلى وجود نساء معلمات في الكنيسة. ربما نجد نبيَّات أو خادمات أو معاونات؛ لكن لا نجد امرأة في مكانة المعلم الرئيسي للكنيسة؛ وحتى الكهنوت ليس عمل كل رجل لكنه للمدعو من الله كما هارون أيضًا. فطالما لا يأخذ أحد هذه الرتبة من نفسه؛ إذن ليُفسح جنس الإناث هذا الطريق لجسامة هذه المسئولية؛ بل ومعظم الرجال إلا مَن دعاه الله.

آدم قد جُبل أولاً ثم حواء؛ فرأس كل رجل هو المسيح؛ أما رأس المرأة فهو الرجل. لهذا لا تجوز رسامة المرأة في رُتب الكهنوت. إذ ليس معنى مساواة المراة للرجل في المسيح أن لا يكون لكلٍّ دوره في العبادة حسب قصد الله المبارك منذ بداءة الخليقة؛ فليس الجميع رسلاً؛ وليس الجميع أنبياء وليس الجميع كهنة... المساواة تتمشى مع التمايز ولا تلغيه بحيث يُتاح للرجل وللمرأة أن يحقق الاثنان إنسانية كاملة غير منقوصة وفق نمطه المميز في الخلقة من دون إهدار لطاقة المرأة البشرية؛ ومن دون هَيمنة ذكورية... مع الحِرص على عدم نزوع أو تهافت تقليد المراة للرجال في كل شيء؛ طمعًا بمشاركتهم؛ مما ينقلب على المرأة ويجعل منها مجرد رجل ممسوخ؛ ويُبقيها كائنًا مستلب الإنسانية.

المساواة المسيحية هي مساواة في الكرامة الإنسانية؛ لكنها ليست مساواة في الأدوار والوظائف!! فلا يمكن أن يقوم الرجل بالإنجاب والحمل أو أن تقوم المرأة بوظيفة الرجل. لذلك تأتي مسألة كهنوت المرأة ضمن حلقة من حلقات التدهور الأخلاقي المتسارع؛ بإتجاه فكرة التحلل وحركات التحرر الأنثوي والتحييد الجنسي والجنس الواحد "Unisex" بينما رفض الكنيسة لكهنوت المرأة لا يقوم على أسباب تاريخية أو اجتماعية أو فسيولوچية (بيولوچية) فقط؛ لكنه يستند إلى الأساس الكتابي واللاهوتي؛ لأن الكهنوت ليس كرامة؛ لكنه وظيفة.

ولم يذكر الكتاب المقدس أن أسباط هارون أو رؤساء الآباء أو التلاميذ الإثني عشر كان بينهم امرأة؛ على اعتبار ان الكهنوت هو امتداد لشخص المسيح الكاهن الأوحد في التاريخ. كذلك الكهنوت بحسب طبيعته التأسيسية هو تطبيق لخدمة المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة. هذا ما تسلمناه بالحُجّة الآبائية وإتفاق إجماع الآباء؛ لأن إيماننا لا يتكون من مجموعة قناعات أيدولوچية لا تخلو من الشطحات والاستفزاز؛ ولا هو مجرد كود ظرفي ذات طابع نفعي إنما هو عطية عمل الروح القدس لإنارة التاريخ.

وليس معنى صمت النساء في الكنيسة وعدم قيامهن بالأعمال الكهنوتية أنهن أقل أو تقليلاً لدورهنّ؛ لكن القصد في أن تعملن في ما يناسب طبيعتهن. فليس للرأس أفضلية عن بقية الجسد؛ إذ لا كيان للرأس منفصلاً عن الجسد... لكن لكل عضو دورُهُ وأداؤه؛ بل وتوجد نساء كثيرات فُقن أعظم الرجال في النبوة والكرازة والشهادة والخدمة.

يمكن للمرأة أن تُعلِّم وأن تكون إشبينة وشماسة وأن تقود أعمالاً وخدمات كثيرة؛ وهذا كله ثابت على مستوى التنظير والتطبيق من أيام زمن الكنيسة الأولى؛ لكن لم يأتِ في السياق الكتابي العام ولا في تاريخ وأقوال الآباء الأولين أن للمرأة دورًا في خدمة الكهنوت السرائرﻱ؛ إذ الكاهن لا بُد ان يكون ذَكَرًا ويتقدم الجسد ويستمد كهنوته من المسيح؛ على اعتبار أن لكل عضو دوره الوظيفي والحركي في الجسد؛ خاصة أن الكهنوت في كنيستنا عمل سرائرﻱ ذبائحي؛ وليس فقط مجرد خدمة رعوية وتعليمية.

هناك مَنْ ينطلق من رؤية تمرُّدية في إطار صراع مساواة الأدوار والهيمنة الذكورية؛ وكأن المساواة تتحقق عندما تقوم المرأة بكل ما يقوم به الرجل؛ وهي رؤية تجرِّد المرأة من أنوثتها وفرادتها؛ لأن المساواة لا تعني التطابق الذﻱ انحدر إلى تحولات تطابقية تجعل المرأة ترتدﻱ وتتقمص وتتحرك كرجل والعكس... وقد وصل الانحراف التطابقي إلى عمليات تغيير الجنس والزواج الشاذ المِثلي.

في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قوم عن الإيمان تابعين أرواحًا مُضِلّة وتعاليم شياطين؛ في رياء أقوال كاذبة (١تيم ٤: ٢)؛ لكننا نحيا إنجيلنا وأسرار كنيستنا العظمى التي هي الأقدم والأسمىَ وهي كنوز الروح. لا نحياها بالظن ولا بالرأﻱ بل بخبرة القديسين؛ كما في البداية هكذا إلى دهر الدهور... فليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا؛ لأنه هو رأسنا وقوتنا ومنقذ حياتنا؛ الذﻱ تكللت رأسه بالأشواك لأجلنا؛ وكل مَن يحتفظ به رأسُه يُثبته وينقيه؛ وكل مَن يبتعد عنه يصير بلا رأس.