سمات الخادم عقيدياً – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
التصنيفات الخادم الأرثوذكسي, الخدمة الكنسية - اللاهوت الرعوي, مبادئ الخدمة الروحية
الأماكن كنائس الإسكندرية
آخر تحديث 5 يناير 2020

تحميل المقال

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل المقال
1MB

سمات الخادم عقيديًا

سمات خادم العقيــدة - الأستاذ بيشوي فخري 1

إعـداد:

الإكليريكي: بيشوي فخري.

سمات خادم العقيــدة

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحتاج خادم تظهر في حياته وتعليمه إستقامه السلوك والعقيدة. وأن يُراجع الخادم نفسه باستمرار ويحسب حساب النفقة من جهة كل ما يعرفه ويُسلّمه، فهو ليس ناقل معلومات، بل هو نور يعكس بهاء الله، وحياته تُزكّي أقواله. فإن آبائنا القديسون كانت حياتهم عقيدة لم يترددوا في بذلها من أجل أن تصل إلينا في نقاء، وعقيدتهم حياة ظهرت في نقاوة قلوبهم تلك الآنية التي حملت الله داخلها!، ومجّدوا الله بحياتهم، فأحب الناس المسيح الذي فيهم، وقبلوا الإيمان الذي يحيوه!

من هنا وجب أن نُشير لبعض سمات خادم العقيدة الأرثوذكسية:

1 - يحيا ما يؤمن به:

أن العقيدة بدون سلوك تبقى مجرد نظريات ومعلومات يمتلئ بها العقل، أما المسيحية فهي حياة تملئ الكيان كله وروح تدفعه ليحيا بهذا الإيمان (غل11: 3).

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "إن حفظنا الإيمان المستقيم وفي نفس الوقت ليست هناك فضيلة في أعمالنا، فبلا شك ستُحرم من الحياة الأبدية، فإنه يقول:" لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ "(مت21: 7).

فالمسيحية ليست ديانة قائمة على نصوص جافة بل على خبرة الحياة مع الله، وآبائنا اللاهوتيين ليسوا فلاسفة لهم نشاط أكاديمي في دراسة وتفسير الكتاب المقدس، أو لاهوتيين أنفصلوا عن حياة الكنيسة أو البناء الروحي الشخصي، بل بالحري هم آباء آمنوا بأن الدراسة اللاهوتية مسموح بها فقط لأولئك الذين تطهروا قبلاً نفسًا وجسدًا، أو على أقل تقدير في طريقهم للتطهير ذلك لأننا لم نستطع أن نرى الجمال الألهي بعينين ممتلئة من شرور العالم، ونصفه بذهن مشغول بهموم الدنيا، ونتحدث عنه بقلب خالي من المحبة.

وفرق بين الإكاديمية التي تتعامل مع: "نصوص" و "موضوعات" و "قضايا"، وبين الكنيسة التي تصنع القديسين، وترتل عقائدها وتحياها.. هكذا الفرق بين الدارس للاهوت، وبين خادم العقيدة التي يختبر الله ويحيا في شركة معه!

يشدد القديس أثناسيوس أن من يتكلم في العقيدة لابد أن يتشّبه بحياة القديسين وليس أقوالهم فقط: "من يدرك فكر الناطقين بالإلهيات يجب عليه أولاً أن يغسل نفسه ويقدم حياته ويقترب إلى القديسين بالتشبه بأعمالهم حتى إذا ما أشترك في سيرتهم أستطاع أيضًا أن يفهم ما أعلنه الله لهم" (تجسد الكلمة: 57).

ويقول أيضًا: "إن العقيدة والتقوى مرتبطين كمثل شقيقان فالذي يؤمن بالله يصير نقيًا وكذلك الأنسان النقي يكون له إيمان قوي. لذلك فالذي يصنع الأثم يضل أيضًا بلا شك من جهة الإيمان والذي يترك التقوى يفقد أيضًا الإيمان القويم" (الرسالة الفصحية9: 11).

والبابا كيرلس الكبير ما جعله يتعمق في اللاهوت هو حياته المقدسة في البرية لمدة خمس سنوات تحت إرشاد القديس سيرابيون، وكان له من الحياة الروحية ما جعله يفسر أنجيل لوقا بطريقة روحية عملية. ونال من الألقاب الروحية مثلما نال من الألقاب اللاهوتية مثل: "الصورة الحية للفضائل المسيحي"، "مُعّلم الحياة الروحية". وفي مقدمة شرحه لقانون الأيمان يقول: ”فليقترن الإيمان الذي بلا عيب ويشرق مع أمجاد الحياة المستقيمة. بذلك نصير كاملين بحسب ناموس موسى الحكيم جدا الذي يقول "وتكون كاملاً أمام الرب" (تث13: 18) “ (الرسالة55).

وعند القديس غريغوريوس النزينزي، اللاهوتي هو من يُبرهن على صدق كلامه بواسطة حياته، وبنقاوته ونموه الدائم في حياة القداسة يعرف الله بصورة أكثر كمالاً، فالطاهر هو من يمكنه الأقتراب من الله بالطريقة التي يحياها، وحفظ الوصايا والحياة المستقيمة هى التي تؤهل للتأمل في الإلهيات. فمقياس المعرفة ليست الحصيلة الذهنية ولكن مدى النقاوة ومن ثمّ الاستنارة.

ويحذّر غريغوريوس بأنه ليس من حق كل من هبّ ودَبَّ أن يُعمِل معوله في الاسرار الألهية. ويتساءل اللاهوتي: كيف لعين غير طاهرة أن تدرس ما هو طاهر؟!، أو كيف للعيون الكليلة أن تحدق بأمان في الشمس؟!.

وفي تعلّيق النزينزي عن التطوبيات يقول: "ليست الطوبى في المعرفة عن الله، بل الطوبى الحقيقية في أن يكون الله داخل النفس".

فلم يكن عند القديسين ” الأنفصام بين الفكر والسلوك، بل كان لعقيدتهم تأثير في حياتهم، وكان لهم من التقوى والأستنارة ما يجعلهم يسيرون تحت مظلة الحق بكل إتضاع، بعكس الهراطقة الذين بكبرياء يرفضون تعليم الحق، ويسلكون حسب هواهم، وعدم عشرتهم مع الله يجعلهم يتكلمون عن إله لم يختبروه.. هكذا يلزم خادم العقيدة، أن يجاهد ليحيا ما يعتقده، حتى لا يصبح كلامه عديم الفائدة إذ كان لا يُملح بعمل الروح القدس داخله!

يقول القديس إيسيذوروس الفرمي: "إن كنا نغلب الهراطقة والوثنيين واليهود بتعليمنا الصحيح، فنحن ملتزمون أيضًا بأن نغلبهم بسلوكنا، لئلا إذا غلبناهم في المعركة الأولى فسيغلبوننا في المعركة الثانية، ثم إذ يرفضون ديننا بدينونتنا في سلوك حياتنا".

2 - أمين فيما تسّلمه:

” وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا“ (2تى 2: 2).

يقول القديس أثناسيوس الرسولى فى دفاعه عن قانون إيمان نيقية: ” قد اظهرنا أن فكرنا قد سُلم من أب إلى أب، أما أنتم أيها اليهود الجدد وتلاميذ قيافا فإلى أى أب من الآباء تستطيعون أن تنسبوا أقوالكم”.

خادم العقيدة، هو أنسان أمين، ينقل ما تعلمه بدقة، يُترجم أقوال الآباء بضمير صالح، ولا يقتطع من أقوالهم بما يُناسب أفكاره، هو صادق فيما يقول ولا يتلون حسب الظروف.. أمانته هى بوصلة أفكاره وقراءاته ووعظه وكتاباته.

الأمانة هى الضمان لوصول العقيدة نقية بلا زيادة أو نقص، لم نطبع أفكارنا الشخصية عليها، ولم نحذف منها ما لم نستوعبه أو نستحسنه، أنها "أمانة".

وثمة علاقة بين ”الإيمان“ faith و”الأمانة“ faithfulness، فهما من أصل لُغوي واحد، فالمؤمن هو ذاك الملتزم "الأمين" بمَن وبما نؤمن به والثبات على ما تعلَّمناه (2تي 3: 14). فالمؤمن الحقيقي يظل أميناً لمخلِّصه ووصاياه، «كُنْ أميناً إلى الموت، فسأُعطيك إكليل الحياة» (رؤ 2: 10).

وإذا سألت ماذا تحتاج الكنيسة منـا.. فأنها تحتاج الأمــانة فقط!

أمانه فيما نحياه وما استلمناه...

3 - يحترم من يختلف معه:

“تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِیحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِیمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِیحِ یَسُوعَ“ (٢تي ١: ١٣).

يعتقد البعض خطأ بأن التمسك بالعقيدة ضد محبة الآخر وقبوله... بينما المحبة الحقيقة هى التي تقود للحق... ولا تُجاري الخطأ، والأنسان المتمسك بالعقيدة السليمة لابد أن يكون متمسكًا بالمحبة والطهارة والحياة الروحية المقدسة. ويحيا بأخلاقيات الأختلاف، وآداب الحوار، لا يُجرح الآخر مهما بدا خاطئًا، ولا يبني أفكاره على أنقاض السخرية من المختلف معه، يتمسك بعقيدته إلى حد الإستشهاد ويحب الآخر إلى حد محبة الأعداء!

وعند القديس يوحنا ذهبي الفم يتحقق الإيمان فقط في المحبة، وبدون المحبة لا يمكن بلوغ الإيمان، ولا معرفة الأسرار، بدون محبة، الكلام اللاهوتي لا يعدو أن يكون قبرًا لا قرار له!.

أنظر ماذا يقول البابا كيرلس عمود الدين عن نسطور: "إني ممتلئ بالمحبة من جهة الأسقف نسطور، ما من أحد يحبه بحرارة قدر ما أحبه أنـا.. فإن كان بحسب وصية المسيح نحن ملزمون بحب خاص مع أولئك الذين هم أحباؤنا وشركاؤنا في الخدمة المقدسة؟ أما إن تعرض الإيمان للهجوم، فلا نتردد حتى في بـذل حياتنا...".

وفي رسائله لنسطور يبدأ دائمًا بعبارات المحبة والتوقير قائلاً: "كيرلس يُهدي تحياته في الرب إلى الموقر جدًا والمحب جدًا لله الشريك في الخدمة نسطوريوس..." (الرسالة 4 و17)...

ونلاحظ في الحرومات - الأثنا عشر - لم يكتب اسم نسطور لأنه لم يشخصن الامور، فهو يقاوم فكر،،.

ووضع البابا شنودة الثالث أساسًا للحوار اللاهوتي فيقول: "البعض يظن أن المناقشة في العقيدة، معناها أن يجرح الطرف الآخر، ويتحول من الموضوعية في الحوار إلى النواحي الشخصية! بينما المفروض في رجال اللاهوت أن يكونوا على مستوى من الحياة الروحية، بحيث لا يخرجهم جدلهم عن حفظ الوصية. ليس المطلوب في الحوار اللاهوتي مجرد الإنتصار في النقاش.. إنما كسب الطرف الآخر بقدر الإمكان.. أو على الأقل لا تخسره كأنسان.. “.

من يتكلم عن العقيدة بدون محبة لم يعرف الله، لأن الله محبة!

4 - يملك روح الإفراز:

خادم العقيدة يحيا تحت مظلة الروح القدس، الذي يهبه الإفراز والحكمة ليختار الإلفاظ والقراءات والتعبيرات التي تُلائم وتنُاسب العقيدة الأرثوذكسية، يقول القديس يوحنا: « وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْء»ٍ (1يو2: 20)، بهذه المعرفة الإلهية نستطيع أن نميز الأرواح، والتعليم، فالروح القدس يملأنا من كل [معرفة، وكل فهم، وكل حكمة روحية، كوعد الله الصادق].

وقد شدد الكتاب المقدس على ضرورة التمييز وفحص الأفكار قبل أن نقبلها: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ" (1يو4: 1).

خادم العقيدة يتتلمذ أيضًا على الآباء ليعرف:

متى يتكلم؟

وكيف يتكلم؟

ماذا يقرأ؟

ولمن يقرأ؟

خادم العقيدة الأرثوذكسية، لا ينبهر بكل فكرة جديدة، ولا يسعِ ليقدم الجديد من عندياته، ولا يتبنَ ما هو غريب عن كنيستنا، ولا يقبل ما يُرضِ الناس ويرفضه الله.

فهوة ساحقة بين السذاجة التي تفغر فاها لتقبل كل شئ، وبين الإيمان الذي يجعل القلب مفتوحًا لقبول كل ما هو من الله ولرفض كل ما هو ليس من الله مهما كان يبدو برّاقًا!

5 - يعيش حياة التلمذة الدائمة:

خادم العقيدة هو تلميذ دائم، لا يكف عن التعلّم، ينهل كل حين من مصادر التعليم الأرثوذكسي، وهو يُحصّن نفسه دائمًا باللجوء إلى الكنيسة في طاعة وإرشاد، فالله لا يعطي كلامًا إلا لمن يحيا في التعّلم باستمرار: "أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ." (إش 50: 4).

وهو يقبل في خضوع كل توجيه، ويستقبل بكل فرح تعاليم الكنيسة النقية التي تهمها خلاصه،.

ولا ينس أبدًا أنه خادم للعقيدة، وليست العقيدة هى الخادمة لأفكاره!

من أجل ذلك يتمسك بالأتضاع حتى يتقبل اللوم إذا كان ملومًا، مثلما قبِل بطرس الرسول لوم بولس الرسول لما وقع فى ریاء أصحاب بدعة التهود على حساب المسیحیین من أصل أممي (غل 2: 11)، ولم نسمع معلمنا بطرس رفض اللوم أو المواجهة أو أصرَّ على موقفه، والأدهش من ذلك أنه في ذات الإصحاح يعرض بولس الرسول إنجيله على المعتبرين أعمدة ومن بينهم بطرس الرسول (غل2: 9)! أنها حياة الكاملين في المحبة والتلمذة والأتضاع.

ولذلك وضعت الكنيسة يدها على أصل مرض الهراطقة، وتطلب من أجله أنه: "حل تعاظم أهل البدع".

فخادم العقيدة، يعرف عند من يتتلمذ: “ وَأَمَّا انْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَیْقَنْتَ، عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ“ (٢تي ٣: ١٤)، وما هى مصادر تعليمه، هو تلميذ دائم للروح القدس في مدرسة الكنيسة، أساتذته هم الآباء مجتمعين، لا يتعصب لشخص، بل له فكر المسيح (1 كو 2: 16).