ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور عصام شهدي طوني
الشخصيات الأنبا ساويرس إبن المقفع أسقف الاشمونين
التصنيفات السير الذاتية, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 8 أغسطس 2021

تحميل المقال

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل المقال
1MB

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 1

صورة أبا ساويرس أسقف الأشمونين من مخطوط غير مؤرخ بدير الأنبا أنطونوس برقم "طقس ١٠٤"، ورقة ٢ظ. (مصدر الصورة: الباحث شريف رمزي).

ساويرس بن المقفع.

ساويرس بن المقفع - "أبى البشر بن المقفع الكاتب" أسقف الأشمونين (هرموبوليس) الشهير شمال غرب ملوي في صعيد مصر.

ولد ساويرس بن المقفع نحو ٩١٥م وتوفي بعد ٩٨٧م، إذ أنه شارك في كتابة رسالة السنوديقا (الرسالة المجمعية التي تشرح الإيمان المشترك) التي أرسلها البابا فيلوثاوس بطريرك الإسكندرية رقم ٦٣ في العدد (أقام بطريركاً ٩٧٨ - ١٠٠٣م) في سنة ٩٨٧م لبطريرك أنطاكية أثناسيوس الرابع (أقام بطريركاً ٩٨٦ - ١٠٠٢م)، بمناسبة إعتلاء الأخير كرسي بطريركية السريان. وكانت عادة الكنيستين الشقيقتين، المصرية والسريانية، تبادل مثل تلك الرسائل التي تُفَصِّل الإجابة على بعض المسائل اللاهوتية كلما تغير الجالس على كرسي البطريركية في إحدى الكنيستين. وكان ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين من أبرز الموقعين على الرسالة المجمعية في سنة ٩٨٧م (وكان في سن نحو الثمانين).

وتاريخ وفاة ساويرس بن المقفع تحديدًا غير معلوم على وجه الدقة. أغلب الدراسات تضع ميلاد ساويرس بن المقفع بين ٩١٠ - ٩١٥م (وطبقاً للعالم الجليل الراهب سمير خليل اليسوعي [١٩٣٨م - ] فإن ساويرس بن المقفع ولد حوالي عام ٩١٥م)، وتوفي بين ٩٨٧ - ١٠٠٠م.

وأغلب ما نعرفه عن ساويرس بن المقفع عرفناه مما كتبه عنه نساخ كتبه في مخطوطاتهم، ومن أمثلة ذلك ما أورده ناسخ مخطوطة باريس العربية المحفوظة في المكتبة القومية القومية الفرنسية (MS Paris BNF Ar. 49) وذلك في ورقة رقم ٢٠٤ عندما أورد "موعظة الكهنة التي تقرى في الرابع والعشرين من هتور لأبونا القديس الأنبا سويرس أسقف الأشمونين المعروف قبل رهبانيته بأبو البشر ابن المقفع الكاتب المصري"، وهي عظة لساويرس بن المقفع عن الأربعة والعشرين شيخاً القائمين أمام عرش الله يسبحونه الى أبد الأبد كما ورد في رؤيا يوحنا، وكانت تقرأ في الرابع والعشرين من شهر هاتور وهو تذكار الأربعة والعشرين شيخاً. ومن هنا نعلم إسم ساويرس قبل رهبانيته وكذلك مهنته ككاتب وأنه "مصري" أي نشأ في مصر التي هي الفسطاط (بابيليون).

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 2

مخطوطة باريس العربية - المكتبة القومية القومية الفرنسية (MS Paris BNF Ar. 49) - ورقة رقم ٢٠٤ - "موعظة الكهنة التي تقرى في الرابع والعشرين من هتور لأبونا القديس الأنبا سويرس أسقف الأشمونين المعروف قبل رهبانيته بأبو البشر ابن المقفع الكاتب المصري".

وساويرس بن المقفع هو أشهر وأهم شخصية قبطية وأعظم عالِم دين ولاهوتي قبطي في القرن العاشر الميلادي. وهو من أوائل من كتبوا بالعربية من الأقباط، ولم يسبقه في ذلك بناء على ما وصلنا (حسبما يذكر الدكتور يوحنا نسيم) سوى القبطي أبو إسحاق بن فضل الله الذي ترك لنا عملين يعودان لعام ٩٢٤ - ٩٢٥م كانا موجودين في مخطوطة في مجموعة خاصة، وهذان العملان أحدهما عن تفسير قول المسيح في الإنجيل أن السماء والأرض تزولان ولكن كلامه لايزول (مرقس ١٣: ٣١) والأخر عن آخر الأيام (الإسخاطولوجي). وكان الملكانيون في مصر قد سبقوا الأقباط في الكتابة بالعربية. ويعتقد أن البطريرك الملكاني سعيد بن البطريق (الذي كان بطريرك الملكانيين في مصر ما بين الأعوام ٩٣٣ - ٩٤٠م) كان أول من كتب باللغة العربية من مسيحيي مصر. ولكن سوريا المسيحية ككل سبقت مصر في مجال التراث العربي المسيحي بنحو قرنين (حيث وصلنا كتابات مسيحية باللغة العربية من سوريا تعود الى القرن الثامن الميلادي). ولهذا فإن ساويرس بن المقفع يطلق عليه أبو اللاهوتيين الأقباط الذين كتبوا بالعربية.

وقد نشأ ساويرس (ساورى) في وقت تعلم فيه الأقباط بجدية اللغة العربية لغة حكامهم وبدأوا باستخدامها بالتوازي مع اللغة القبطية، من أجل الاحتفاظ بمناصبهم الحكومية في الإدارة العربية للبلاد. وقد اشتكى ساويرس من أن طبقة المثقفين والأثرياء الأقباط لم يعودوا يهتمون بدراسة قراءة اللغة القبطية، وتدافعوا لتعلم العربية لأجل الفوز بمناصب في الدواوين الحكومية (مثلما عمل هو ككاتب في ديوان الإخشيديين). ولذا فكتاباته بالعربية تستهدف هذه الفئة وهي الفئة الوحيدة التي كانت تستطيع أن تقرأ بأي حال أي لغة. وبسبب تأثير مؤلفاته، سيطر ساويرس على العقل القبطي لقرون حتى أن كتباَ وضعت بعد وفاته بزمان كانت تنسب له. وتقول المؤرخة إيريس حبيب المصري (١٩١٠ - ١٩٩٤م) كاتبة "قصة الكنيسة القبطية": "الظاهرة الغريبة أن الأسقف الأشمونى عاش في القرن العاشر ولكنه سيطر على الفكر القبطى.... إلى حد أن تاريخ الباباوات الذين عاشوا بعده بقرون يرجعونه إليه".

ولد ساويرس حوالي عام ٩١٥م من والد لقب بالمقفع. وتسمية "المقفع" ربما إشارة إلى الضعف الجسدي لأبيه، إذ درج البعض على استعارة معنى "المقفع" الذي عرف به عبد الله بن المقفع الكاتب الشهير الذي عاش في القرن الثامن الميلادي (مترجم "كليلة ودمنة" من "البهلوية" إلى "العربية"). وكان عبد الله بن المقفع قد اتهم باختلاس مال الخراج، فعوقب بالضرب على يديه حتى "تفقعت" أى تشنجت. كما ذكر البعض في تفسير "المقفع" إنها تعنى "منكس الرأس أبدا". وربما "المقفع" ترجع إلى الكلمة المصرية "قفة" التي حرفت إلى "قفعة". ولكنها ما زالت تنطق حتى اليوم في لفظها الأول "قفة" وهى تطلق على وعاء من الخوص أو حبال ليف النخيل، يصنعه عادة الفلاحون في الريف المصري، وكذلك الرهبان والمتصوفة. ولعل والد ساويرس كان يمتهن هذه المهنة فاشتهر بالمقفع، أى صانع "القفع".

وقد نشأ ساويرس (ساورى) في بابليون (منطقة حصن بابليون) وعاصر تأسيس القاهرة على يد الفاطميين في ٦ يوليو ٩٦٩م، وتربى تربية علمية تليق بمثقفي ذلك الوقت (القرن العاشر الميلادى) فجمع بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، فعرف الفلسفة التي كانت مزدهرة في الإسكندرية، وعلوم الكلام التي قرأها في مصادرها، وأتقن اللسان العربي الوافد، وبهذا بدأ حياته المهنية كاتبًا في الإدارة والدواوين، ومكث فيها بضع سنوات في أوائل أيام حكم الدولة الإخشيدية [1] (٩٤٠م - ٩٦٨م)، وكان يُشتَرَط في كاتب الدواوين إلمامه باللغة العربية، فكان ساويرس ملمًا بالعربية إلى جانب القبطية واليونانية. وكانت رتبة الكاتب آنذاك رتبة مهمة في الجهاز الإدارى للحكام الوافدين. وقد عرف في هذا الوقت بكنيته "أبى البشر ساورى ابن المقفع".

وبعد أن ترقى أبو البشر ابن المقفع في المناصب الرسمية بالدولة الإخشيدية، تخلى عن وظيفته ليترهبن في أحد الأديرة، ولا ندرى أين ترهب، ولا متى، كما أننا نجهل السبب الذي جعله يترك العالم إلى حياة الرهبنة. وفى ظل رهبنته أتقن ساويرس علوم الكنيسة. ويكتب المؤرخ الجليل الدكتور عزيز سوريال عطية (١٨٩٨ - ١٩٨٨م)، في مقالته عن "ساويرس بن المقفع" في الموسوعة القبطية، أنه من المحتمل أن ساويرس قد ترهب بدير السيدة العذراء بنهيا (شمال كرداسة وشرق أبو رواش) حيث أن الدير كان يقع بالقرب من القاهرة، حيث ولد وعاش أبو البشر ساورى ابن المقفع. (ودير نهيا خرب بعد القرن الثاني عشر وغير معروف موقعه الآن على وجه الدقة). ولكن عزيز سوريال عطية يضع الإحتمال الأقوى أن ساويرس ترهب بديرأبو مقار بالإسقيط. ويبدو أن هذا الترجيح من قبل عزيز سوريال عطية مبني على ترشيحه لدير كانت به مكتبة ضخمة تعلم فيها ساويرس علوم الكنيسة. وربما فإن عزيز سوريال عطية متأثر بالإعتقاد القديم الخاطئ أن ساويرس بن المقفع هو واضع كتاب "تاريخ البطاركة"، وهذان الديران (دير السيدة العذراء بنهيا وديرأبو مقار بالإسقيط) يظهران في مقدمة كتاب "تاريخ البطاركة" أنهما الأماكن التي قال المؤلف الحقيقي لكتاب "تاريخ البطاركة" الشماس السكندري موهوب ابن منصور ابن مفرج أنه جمع منها أغلب مصادره القبطية التي من ثم قام بترجمتها الى العربية بين عامي ١٠٨٨م و١٠٩٤م، أي أن كتاب "تاريخ البطاركة" وُضِعَ بعد نحو ٩٠ عاماً أو يزيد من رحيل ساويرس بن المقفع عن هذا العالم. [ "تاريخ بطاركة الإسكندرية" هو العنوان الذي يشيع استخدامه للنص الرئيسي للتأريخ القبطي، والذي يحمل فعلياً عنوان "سير البيعة المقدسة".].

وبعد مدة من رهبنته، اختير أبى البشر بن المقفع أسقفًا على الأشمونين بإسم ساويرس. ولا يُعرَف مَن مِن البطاركة رسمه أسقفًا، فربما رُسِم بيد مقار الأول (أقام بطريركاً ٩٣٢ - ٩٥٢م)، أو بيد ثاؤفانيوس الأول (أقام بطريركاً ٩٥٢ - ٩٥٦)، أو مينا الثاني (أقام بطريركاً ٩٥٦ - ٩٧٤م)، وهم البطاركة ٥٩، ٦٠، و٦١ في العدد. وهذه ترجيحات مستنتجة من مقاربة التواريخ، وسمير خليل اليسوعي يرجح البطريركان الأخيران. وأما ترجيح أسقفيته مبكراً في أيام مقار الأول فيتبناها عزيز سوريال عطية استناداً على أن ساويرس أصدر في أيام البطريرك مقار الأول (أقام بطريركاً ٩٣٢ - ٩٥٢م) كتابه "المجامع" (وكان الإنتهاء من كتابته في هاتور سنة ٦٦٦ قبطية / نوفمبر ٩٥٠م) ثم "تفسير الأمانة" (وكان ساويرس قد كتب نسخة أولية من هذا العمل في ٩٥٠م وفقدت، فأعاد الكتابة وكان الإنتهاء من كتابته في ٩٥٥م)، حيث دافع فيهما عن الكنيسة القبطية رداً على كتاب "التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق" الذي كتبه في ٩٣٠م البطريرك الملكاني سعيد بن البطريق (المدعوم من قبل الولاة العباسيين). ولكننا نعلم يقيناً من رسالة ساويرس الى الوزير القبطى أبى اليمن قزمان بن مينا أن ساويرس كان أسقفاً على الأشمونين في سنة ٩٦٧م خلال بابوية مينا الثاني (أقام بطريركاً ٩٥٦ - ٩٧٤م) في أيام الدولة الإخشيدية، حيث أن رسالة ساويرس الي أبى اليمن قزمان تحمل صفته كآسقف على الأشمونين. وقد إمتدت فترة أسقفية ساويرس على الأشمونين خلال بابوية إبرام الأول المعروف بـابن زرعة السرياني بابا الإسكندرية رقم ٦٢ في العدد (أقام بطريركاً يناير ٩٧٥م - ديسمبر ٩٧٨م) وأيضا خلال بابوية فيلوثاؤس الأول رقم ٦٣ في العدد (أقام بطريركاً من مارس ٩٧٨حتى نوفمبر ١٠٠٣م)، حيث شارك في كتابة رسالة السنوديقا التي أرسلها فيلوثاوس لبطريرك أنطاكية في سنة ٩٨٧م.

والشاهد على كنية ساويرس ( "أبى البشر ساورى ابن المقفع") هو عنوان رسالته (في حوالي ٩٦٧م) إلى الوزير أبى اليمن قزمان بن مينا، الذي كان يتولى الوزارة في ايام أبى المسك كافور الإخشيدى (٩٦٦ - ٩٦٨م)، وكان أبى اليمن قزمان بن مينا ناظراً لكافور الأخشيدى فى كورة مصر (عامل مصر)، ولما تملّك الخليفة المعز لدين الله الفاطمي عين أبى اليمن قزمان بن مينا ناظراً على فلسطين فى القدس. ويقول المؤرخ القبطى الشيخ الرئيس (أي القمص) أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود (١١١٧ - ١٢٠٤م) أن ناظر فلسطين أبا اليمن قزمان بن مينا "كان يُقيم فى دير السلطان". وجاء في عنوان رسالة ساويرس: "نبتدى بعون الله وتأييده نكتب رسالة أنبا ساويرى أسقف الأشمونيين المعروف قبل رهبنته بأبى البشر ابن المقفع الكاتب، إلى أبى اليمن قزمان بن مينا، عامل مصر (أيده الله) فيما سأله من الكتابة إليه بمذاهب النصارى، على طريق الاختصار والإيجاز". ومن هنا نعلم أن ساويرس كان بالفعل أسقفاً على الأشمونيين في عام ٩٦٧م، في أيام الدولة الإخشيدية، قبل عشرون عاماُ من رسالة السينوديقا التي شارك في كتابتها في ٩٨٧م. وربما كان ساويرس أسقفاً على الأشمونيين قبل ٩٦٧م بسنوات عديدة إذا ما حللنا الدافع من وراء كتاباته المبكرة ككتابه "المجامع" (٩٥٠م) و "تفسير الأمانة" (٩٥٥م).

وفي العصر الفاطمي، نال ساويرس ثقة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (حكم ٩٥٢ - ٩٧٥م، وحكم من مصر بداية من ٩٦٩م). وقد تميز حكم الفاطميين عموماً بالسماحة وعدم التعصب باستثناء جزء من فترة حكم الحاكم بأمر الله (٩٩٦ - ١٠٢١م) والعاضد لدين الله (١١٦٠ - ١١٧١م) آخر الخلفاء الفاطميين. ولذك فقد احتل الأقباط مناصب الهامة في أيام الفاطميين خاصًة في مجال الإدارة المالية.

وكان ساويرس بن المقفع صديقاً للبطريرك أبرام بن زرعة السرياني بابا الإسكندرية رقم ٦٢ في العدد (أقام بطريركاً يناير ٩٧٥م - ديسمبر ٩٧٨م) ويده اليمنى ورفيقه الى مجالس الخليفة الفاطمي المعز لدين الله. وكانت لساويرس مناظرات مع اليهود في مجلس الخليفة، منها مناظرته الشهيرة مع اليهودى موسى بن العازار، طبيب الخليفة المعز لدين الله الفاطمي وصديق الوزير يعقوب بن كلِّس (كان بن كلِّس يهوديًا واعتنق الإسلام)، والتي تمت في حضرة المعز لدين الله سنة ٩٧٥م، وقد جاءت في كتاب "تاريخ البطاركة".

وكان ساويرس يتمتع بروح فكاهة عالية وحدة ذهن وحضور بديهة ويتضح ذلك من قصة ذكرها مؤلف كتاب "تاريخ البطاركة" (تاريخ البطاركة، جزء٢، ص ٩٣٣، طبعة جمعية الدراسات القبطية) وهى: "أتفق أنه [أى ساويرس] كان جالس عند قاضى القضاة إذ عبر عليهم كلب، وكان يوم الجمعة، وكان هناك جماعه من الشهود، فقال له قاضى القضاة: ماذا تقول يا ساويرس في هذا الكلب، أهو نصرانى أو مسلم؟ فقال له [ساويرس]: إسأله فهو يجيبك عن نفسه. فقال له القاضى: هل الكلب يتكلم؟ إنما نريدك أنت تقول لنا. قال: نعم يجب أن نجرب [نختبر] هذا الكلب، وذلك أن اليوم يوم جمعه والنصارى يصومونه ولا يأكلون فيه لحم، فإذا فطروا عشيه يشربون النبيذ واما المسلمين فلا يصومونه ولا يشربون فيه النبيذ ويأكلون فيه اللحم، فحطوا قدامه لحم ونبيذ فإن أكل اللحم فهو مسلم، وإن لم يأكله وشرب النبيذ فهو نصرانى.".

وقد ألف ساويرس بن المقفع باللغة العربية العديد من الكتب، وحسبما يذكر المؤرخ القبطى الشيخ المؤتمن شمس الرئاسة ابن الشيخ الأسعد أبو البركات المعروف بابن كبر كاهن الكنيسة المعلقة (توفي ١٣٢٤م) فإن مؤلفات ساويرس بلغت ستة وعشرين كتابًا في اللاهوت والعقيدة والتاريخ (فقد معظمها ولم ينشر أغلب باقيها). كما قام كامل صالح نخله بتجميع قائمة تضم ثمانية وثلاثين عملاً لساويرس، كان مفترض ضياع بعضها حتى تم العثور عليها لاحقاً في مخطوطات.

وكما يذكر الأستاذ الدكتور مارك سوانسون (Mark Swanson) المتخصص في التراث العربي المسيحي، فإن ساويرس إبن المقفع كرائد الإدب القبطي المكتوب بالعربية قد بين لنا دوافعه للكتابة بالعربية وهدفه من ذلك في مقدمات كتبه المبكرة، أما مقدمات كتبه المتأخرة فتفصح لنا عن تقييم ساويرس لمدى نجاحه في تحقيق هذه الأهداف. ففي كتبه المبكرة يشتكي ساويرس من عدم توافر كتب بالعربية تشرح الإيمان المسيحي وتجيب عن المسائل اللاهوتية المتعلقة، وأما ما توفر منها هو إما مطول جداً أو معقد. أما في كتبه التي أنجزها في أواخر أيامه فإن أبا ساويرس يحيل القارئ الى كتبه السابقة للإجابة عن مسائل متعلقة بذات الموضوع، مما يكشف لنا أن أبا ساويرس أسقف الأشمونين العظيم قد بات مرتاحاَ في أيامه الأخيرة أنه أثرى المكتبة القبطية بما كان ينقصها من الكتب الموضوعة بالعربية، وأنه أتم المهمة التي إستشعر أهميتها في بداية حياته قبل أن يفض خيمته ويغادر هذا العالم. فمثلاً في باكورة كتبه يتحدث ساويرس عن "أخينا الراهب يوسطاس" وهو من الرهبان السريان الذين عاشوا في القرن التاسع الميلادي وكتب بالعربية وكانت كتاباته معروفة للأقباط. وكتب ساويرس أنه إستفاد وإقتبس من كتابات يوسطاسيوس. فيقول ساويرس في إحدى كتبه المبكرة وهو كتاب "البيان المختصر في الإيمان" أنه إقتبس من كتاب "أخينا الراهب يوسطاسيوس" وهو كتاب يظهر في المخطوطات بإسم "كتاب يوسطاس الراهب"، ولكن الشيخ المؤتمن شمس الرئاسة ابن الشيخ الأسعد أبو البركات ابن كبر ذكر أن عنوان كتاب يوسطاس الراهب هو "كتاب البيان" فيما كتب ساويرس كتاب "البيان المختصر في الإيمان". وهنا نجد أن أبا ساويرس في بداية حياته عكف على تقديم كتب مختصرة ومبسطة لعموم القراء بالعربية مقتبساً ممن سبقوه، ثم يستتبع ذلك طيلة بالكثير من الكتب من أعماله التي سيطرت على العقل القبطي لقرون خلت بعد رحيله.

ومن أعمال ساويرس كتاب "الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين" (وهو يختلف عن كتاب آخر له عنوانه "الدر الثمين في إيضاح الدين"). وينقسم "الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين" إلى 15 بابا، يذكر فيه ساويرس 1161 (ألف ومائة وواحد وستون) نصا من الكتاب المقدس (بالإضافة إلى تلميحات إلى نصوص أخرى من الكتاب المقدس)، منها 307 مرجع في العهد القديم، و854 في العهد الجديد، وترجمها جميعها بجهده الذاتى من اللغة القبطية إلى العربية، دون أن يسبقه إلى ذلك أحد، حتى ذُكر "أنه لم يوجد في عصره من يضاهيه في معرفة الكتاب المقدس". كذلك كانت معرفته بكتابات آباء الكنيسة تفوق مستوى معاصريه، ففى كتاب "الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين"، أحصى الناشر الألمانى 191 مرجعا لآباء الكنيسة، سوى نصوص أخرى لم يعتبرها من التراث الآبائى.

ومن أعمال ساويرس بن المقفع كتاب ”مصباح الفكر“ (The Lamp of Intellect)، وكتاب "التوحيد"، وكتاب "الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود". كما ساهم فى تحرير الرسالة المجمعية إلى بطرك السريان (”السينوديقا“ - Synodal letter)، وهي الرسالة الإيمانية التي كان البابا الإسكندري يبعث بها إلى البطريرك الأنطاكي عقب جلوسه على كرسي البطريركية، والتي أرسلها في سنة ٩٨٧م البابا فيلوثاوس البطريرك رقم ٦٣ في العدد لبطريرك أنطاكية أثناسيوس الرابع (أقام بطريركاً ٩٨٦ - ١٠٠٢)، بمناسبة إعتلاء الأخير كرسي بطريركية السريان.

وله أيضاً كتاب "طبّ الغمّ وشفاء الحزن" (وهو مستوحى من دراسة لأبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، ٨٠٥ - ٨٧٩م). وهو يتكون من أربعة فصول:

  • الأول المكرس للمعرفة عن طريق الحواس،.
  • والثاني في مذاهب الفلاسفة،.
  • الثالث من التأمل في الآخرة،.
  • الرابع لشخصيات من العهدين القديم والجديد.

وله أيضاً كتاب "أجوبة مسائل لأبو البشر جارود الكاتب" - الاجوبة لساويرس ردًا على مسائل طرحها عليه أحد الكتّاب المعروفين وهو ابو البشر جارد. وأبو البشر جارود مذكور عند المؤتمن بن العسال.

كذلك وضع ساويرس بن المقفع كتابا يعرف باسم "كتاب السير" (مفقود حاليا).

ومن أهم أعمال ساويرس بن المقفع أيضا كتاب "المجامع"، وقد كتبه ساويرس قبل عام ٩٥٠م دفاعًا عن الكنيسة القبطية ضد كتاب "نظم الجوهر" ( "Row of Jewels") (ويعرف "نظم الجوهر" باسم "التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق" ويعرف أيضا ”بتاريخ ابن البطريق“ ويعرف بالاسم اللاتيني Eutychii Annales الذي أخذ عنه ابن خلدون)، وهو كتاب كتبه البطريرك الملكانى سعيد بن بطريق، المعروف باسم أوتيخا (Eutyches)، الذي ولد في الفسطاط في ٨٧٧م وتوفي في ٩٤٠م بالإسكندرية. و "نظم الجوهر" عبارة عن ثلاثة مقالات هي: ”المتطبب في معرفة صوم النصارى وفطرهم وتواريخهم وأعيادهم“، و”تواريخ الخلفاء والملوك المتقدمين“، و "ذكر البطاركة وأحوالهم ومدة حياتهم ومواضعهم، وما جرى لهم في ولايتهم“، وكتبها في ٩٣٠م، ووجهها إلى أخيه" عيسى "لمعرفة التواريخ الكلية من آدم إلى سنة الهجرة الإسلامية. (راجع" التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق – البطريرك افتيشيوس المكنى بسعيد ابن بطريق "– الأب لويس شيخو اليسوعي).

وقد استكمل ساويرس بن المقفع رده علي سعيد بن بطريق (الذي بدأه في كتاب "المجامع") فى كتاب "تفسير الأمانة" (وكان الإنتهاء من كتابته في هاتور سنة ٦٦٦ قبطية / نوفمبر ٩٥٠م). ثم أعاد تفسير هذا الكتاب في كتاب آخر (كان الإنتهاء من كتابته في توت ٦٧١ قبطية / سبتمبر ٩٥٥م).

وكتاب "نظم الجوهر" ( "التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق") لسعيد بن بطريق البطريرك الملكانى بمصر من بين المصادر التي يعتمد عليها الباحثون في تاريخ مصر تحت الحكم الإسلامي في العصور الوسطى، وهي ضمن مجموعة كتب أرخها كتاب مسيحيون من مصر وغيرها من البلدان، مثل سعيد أبن بطريق، ويحيى أبن سعيد الأنطاكى (توفى سنة 1066م) صاحب كتاب "التاريخ" أو "صلة كتاب سعيد أبن بطريق"، وأبن مماتى (توفى سنة 1209م) صاحب كتاب "قوانين الدواوين" وأبن العبرى "أبو الفرج أبن هارون الملطى (توفى سنة 1286م) صاحب كتاب" تاريخ مختصر الدول "وأبن العميد المعروف بالمكين (توفى سنة 1292م) صاحب كتاب" تاريخ المسلمين ".

وكتب ساويرس بن المقفع تدل على معرفته للفلسفة اليونانية والإسلامية، فلا يوجد مصنَّف من مصنفاته إلا وفيه رد فلسفي دقيق، كما كانت له دراية بالطب والفلك.

وكان من أقباط عصرساويرس (حسبما يذكر الدكتور يوحنا نسيم) الطبيب منصور بن سهلان بن مقششر الذي خدم في أيام العزيز (٩٧٥ - ٩٩٦م)، والحاكم بأمر الله (٩٩٦ - ١٠٢١م). وقد تب له الخليفة العزيز رسالة في ٩٩٥م حسبما ذكر يحيى بن سعيد الإنطاكي في تكملة تاريخ سعيد بن بطريق. وقد سجنه الحاكم بأمر الله ثم أخرجه من السجن. وقد مات نحو ١٠٠٣ - ١٠٠٧م.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 3

الحاكم بأمر الله المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله الخليفة الفاطمي السادس، والإمام الإسماعيلي السادس عشر، حكم من 996 إلى 1021. الحاكم بأمرالله، شخصية مهمة في عدد من الديانات الشيعية الإسماعيلية، مثل النزاريين، والدروز الذين أعلن مؤسسهم المعروف محمد بن إسماعيل الدرزي أن الحاكم بأمر الله تجسيد لله عام 1018.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 4

الحاكم بأمر الله المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله الخليفة الفاطمي السادس، والإمام الإسماعيلي السادس عشر، حكم من 996 إلى 1021. الحاكم بأمرالله، شخصية مهمة في عدد من الديانات الشيعية الإسماعيلية، مثل النزاريين، والدروز الذين أعلن مؤسسهم المعروف محمد بن إسماعيل الدرزي أن الحاكم بأمر الله تجسيد لله عام 1018.

"تاريخ البطاركة":

وتقليديا، ينسب إلى ساويرس بن المقفع كتاب "تاريخ البطاركة"، ولكن من الثابت الآن أن ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين الشهير ليس له علاقة بكتاب "تاريخ البطاركة"، وأن من قام بجمع السير القبطية ليترجمها إلى العربية وأخرج "تاريخ البطاركة" في برمهات سنة ٨٠٤ش (مارس ١٠٨٨م) هو الشماس موهوب بن منصور بن مُفَرِّج الإسكندرى بالتعاون مع شماس آخر إلتقاه في دير أبا مقار اسمه أبو حبيب ميخائيل ابن بدير الدمنهوري، بعد نحو قرن من وفاة ساويرس. وسبب نسبة الكتاب الى ساويرس أن ساويرس هوأشهر وأهم شخصية قبطية وأعظم عالِم دين ولاهوتي قبطي في القرن العاشر الميلادي. وهو من أوائل من كتبوا بالعربية من الأقباط. كذلك فإنه من المعروف أن ساويرس بن المقفع كتب كتابا يعرف باسم "كتاب السير" (مفقود حاليا) ووربما المؤرخون في عصور لاحقة فسروا العنوان انه كتاب "سيرالبيعة المقدسة".

ويقول موهوب بن منصور بن مفرِّج في مقدمة كتابه "تاريخ البطاركة":

”اشتهيتُ أنا الخاطئ البائس أن أجمع سِيَرهم وأكتبها ليكون ذلك ربحاً لي ولمَن يقرأها بعدي. فاستعنتُ بالله - تعالى ذِكره - وتوجَّهتُ إلى دير القديس أنبا مقار بوادي هبيب المقدس، فوجدتُ هناك الشماس أبو حبيب ميخائيل ابن بدير الدمنهوري“.

واتفق الشماسان موهوب بن منصور وأبو حبيب ميخائيل الدمنهوري على جمع سيرالبطاركة فتنقَّلا في مختلف الأديرة، فوجدا سِيَر ٤٢ بطريركاً ابتداءً من مار مرقس الإنجيلي كاروز الديار المصرية إلى سيمون البطريرك ال٤٢ (اقام بطريركاً ٦٩٢ - †٧٠٠م)، وذلك على مجموعتين في دير السيدة العذراء بنهيا (شمال كرداسة وشرق أبو رواش - ودير نهيا خرب بعد القرن الثاني عشر وغير معروف موقعه الآن على وجه الدقة). ثم وجدوا المجموعة الثالثة وهي سير الأربعة بطاركة التاليين للبطريرك سيمون (اي ارقام ٤٣ـ٤٦) في دير الشهيد تادرس بأبلاج. أما المجموعة الرابعة وهي تشمل سير تسعة بطاركة جاءوا بعد ذلك (من ٤٧ إلى ٥٥)، فقد وجدوها في دير السيدة العذراء بنهيا أيضاً. وأخيراً، أخذ موهوب بن منصور ومعاونه في هذا الجهد أبو حبيب ميخائيل ابن بدير الدمنهوري المجموعة الخامسة وتشمل سِيَر البطاركة العشرة (من خائيل الأول البطريرك ال٥٦ إلى شنودة الثانى البطريرك ال٦٥) من دير الأنبا مقار الكبير (أو دير الأنبا يؤانس كاما) وهي السير العشرة التي كان قد كتبها بالقبطيّة عام ١٠٥١م مجموعة من الأراخنة والرهبان من بينهم ”بقيرة الرشيدي“ والراهب بيسوس والراهب ميخائيل الدّمراويّ الذي صار ميخائيل أسقف تنيس. ويجب التَّفريق بين ميخائيل أسقف تنيس (الدّمراويّ، تنيح نحو١٠٦٠م)، الذي دوَّن بالقبطيّة مع آخرين سير عشرة بطاركة، والشماس ميخائيل بن بدير (الدمنهوري)، الّذي عاون موهوب في ترجمة السِّير. كذلك يجب التَّفريق بين تنِّيس (Tinnis)، وهي مدينة مندثرة مكانها جزيرة في بحيرة المنزلة، وتانيس التي هي صا الحجر، وتانيس أكثر شهرة. (وطبقاً للباحث شريف رمزي فإن الشماس أبو حبيب ميخائيل الدمنهوري تصادف وجوده في دير أبي مقار أثناء زيارة البطريرك كيرلس الثاني البطريرك رقم ٦٧ في العدد، وعدد من الأساقفة، للدير، وهناك إلتقاه الشماس موهوب بن منصور بن مُفَرِّج الإسكندرى الذي كان يزور الدير أيضاً في ركاب البطريرك، وهناك إتفقا على التعاون على جمع سير البطاركة، وقام الشماس أبو حبيب ميخائيل الدمنهوري بقسط وافر من ترجمة السير من القبطية إلى العربية نظراً لإجادته للقبطية.).

References:

C. Detlef G. Müller: Severos ibn al - Muqaffa. In: Biographisch - Bibliographisches Kirchenlexikon (BBKL). Band 9, Bautz, Herzberg 1995, ISBN 3 - 88309 - 058 - 1, Sp. 1515–1523.

ملحوظات:

[1] الإخشيد هو لقب لملوك فرغانة، وانتقل إلى مصر حين كان أبو بكر محمد بن طغج واليًا للعباسيين عليها (حكم ٩٣٥ - ٩٤٦م)، فتسمى بالإخشيد وأسس الدولة الإخشيدية في عام ٩٤٠م. وقد اشتملت رقعة هذه الدولة على بلاد مصر والشام والحجاز، قبل أن تسقط بدخول جوهر الصقلي إلى مصر في عام ٩٦٨م، وقيام الدولة الفاطمية في مصر.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 5

الأشمونين:

مدينة الأشمونين كانت في غابر الأزمان مدينة عظيمة مزدهرة، وهي تشمل قرية الروضة الحالية (نحو ٥ أميال / ٨كم شمال ملّوي) ومدينة الأشمونين الأثرية الحالية، وكلاهما تابعتين لمركز ملّوي بمحافظة المنيا، وتقع المنطقة غرب النيل قبالة الشيخ عبادة ودير أبو حنس في شرق النيل (٥٠ كم جنوب مدينة المنيا بصعيد مصر، ونحو ٣٠٠ كم جنوب القاهرة). وتقع تل العمارنة التي كانت العاصمة الجديدة التي بناها إخناتون وتسمى أخيتاتون غرب الأشمونين.

وقد وردت الأشمونين في المصرية القديمة بإسم "خمنو" أو "خمون" بمعنى الثمانية (أي مدينة الثمانية). ووردت في اللغة القبطية بإسم "شمنو" و "شمون" ϣⲙⲟⲩⲛ. وقد لعبت الأشمونين ومدينة أخرى قريبة منها تسمى (ونو) دورهما الديني والسياسي منذ ما قبل بداية العصورالتاريخية، وخرج أهل الفكر فيهما بمذهب الثامون في تفسير نشأة الوجود المتمثل في تزاوج ثمانية عناصر يتشابه كل اثنان منها. ومن هنا كان اسمها "خمون" بمعنى ثمانية. و "ثمانية" هي ϣⲙⲟⲩⲛ بالقبطية الصعيدية وهي ϣⲙⲏⲛ بالقبطية البحيرية. وكانت مدرسة الأشمونين هي المدرسة الثانية لتفسير نشأة الوجود وخلق العالم (المدرسة الأولى صاحبة المذهب الأول كانت عين شمس / المطرية، والثانية هي الأشمونين، والثالثة هي منف). وكان اسم "شمون" الديني "بر جحوتي" بمعنى (بيت جحوتي) أو مقر المعبود جحوتي "رب أشمون" وهو معبودها الرئيسي وهو رب الحساب والحكمة ورب القمر. وقد أسماها الإغريق "هرموبوليس ماجنا" أي (مدينة هرمس الكبرى) (Ἑρμοῦ πόλις μεγάλη)، تمييزا لها عن "هرموبوليس بارفا" أي (مدينة هرمس الصغرى) وهي دمنهور عاصمة البحيرة، وذلك لأن الإغريق ماثلوا بين "جحوتي" إله الحكمة والكتابة والعلم عند المصريين وبين معبودهم "هرمس" رسول الآلهة. وكانت الأشمونين عاصمة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا منذ عصر الدولة القديمة، والذي كان اسمه "ونو"، "ونوت"، "ونة" وكلها بمعنى (الأرنب) أي (إقليم الأرنب) وذلك لأنه عبدت فيه إلهة أخرى اسمها "ونت"، وكانت معبودة رمزوا لها بشكل ثعبان، ولكن أكبر معبودات الأشمونين هو "تحوتى"، ولا زالت بقايا معابد تحوتي قائمة فيها حتى الآن. وقد اشتق "شمون" ϣⲙⲟⲩⲛ اسم الأشمونين العربي بعد إضافة أداة التعريف العربية وتحويلها من المفرد للمثنى للدلالة على جانبيها حول النيل فصارت الأشمونين.

ويظهر الإله جحوتي برأس أبو منجل، مع الرموز المرافقة له، مثل أبو منجل وقرد البابون، ضمن المنحوتات الأكثر بروزًا في الرواق الكبير لمعبد الأشمونين وهو الجزء الوحيد المتبقي إلى الآن من المعبد. ويظهر اسمه في النقوش "رب أشمون". هذا الرواق من العصر الفرعوني، لكن تشييد البطالمة في هرموبوليس كان على نطاق واسع وروعة، وعلى الرغم من قيام الملوك اليونانيين بالبناء هناك أيضاً، إلا أنها مصرية في الأساس في تصورها وتنفيذها. ويتكون الرواق من صف مزدوج من الأعمدة، بستة أعمدة في كل صف. وتتكون العتبات من خمسة أحجار كل منها يمر من مركز عمود إلى آخر، وفقًا للاستخدام المعروف لدى البنائين المصريين. وأعمدة المنتصف أوسع من الأعمدة الأخرى. وقد تم طلاء هذه الأعمدة باللون الأصفر والأحمر والأزرق في أشرطة بديلة. وتمثل قواعد هذه الأعمدة الأوراق السفلية لنبات اللوتس؛ يليها عدد من الحلقات متحدة المركز، مثل حلقات برميل؛ وتظهر هذه الأعمدة مثل حزم القصب التي تربطها شرائط أفقية. ويبلغ ارتفاع كل عمود حوالي 40 قدمًا شاملة تاج العمود؛ ويتزايد قطر الأعمدة الأربعة الكبرى تدريجياً مع إرتفاع العمود حتى يبلغ تسعة أقدام، على ارتفاع حوالي خمسة أقدام من الأرض، حيث يتضاءل سمكها باتجاه القاعدة ونحو تاج العمود. والمسافة بين الأعمدة الضخمة في المنتصف هو 17 قدمًا؛ والمسافة بين الأعمدة الأخرى 13 قدما.

وخارج مجمع معبد جحوتي توجد بقايا بازيليكا كنيسة مسيحية شُيدت في القرن الخامس فوق مباني سابقة، يبلغ طولها 55 مترًا، وتتميز ببهو أعمدة ينتهي بإكسيدرا ذو حنية وصالات جانبية. ويبلغ عرض صحن الكنيسة 14. 7 مترًا، ويبلغ عرض الممرات 5. 6 مترًا. وقد اكتشف محرم كمال الكنيسة في عام 1942، وتمت تهيئة الموقع لاحقًا بواسطة بعثة من جامعة الإسكندرية، وفي الأعوام 1987 - 1990 تم توثيق الموقع من قبل بعثة بولندية مصرية من المركز البولندي لآثار البحر الأبيض المتوسط بجامعة وارسو، ووزارة الآثار المصرية.

وقد أشارالمؤرخ الشهيروعالم الآثار على باشا مبارك (١٨٢٣ - ١٨٩٢م) إلي الأشمونين في كتابه (الخطط). وفي العصر المسيحي كانت الأشمونين أسقفية عظيمة مزدهرة بالكنائس والأديرة منذ بداية القرن الثالث الميلادي.

ويوجد حاليًا في الأشمونين متحف صغير فيه تمثالان ضخمان لتحوت كقرد بابون يعبد الشمس، وعدد قليل من كتل البناء المنحوتة.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 6

بقايا بازيليكا كنيسة مسيحية شُيدت في القرن الخامس فوق مباني سابقة خارج مجمع معبد جحوتي.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 7

متحف الأشمونين.

ساويرس بن المقفع – الدكتور عصام شهدي طوني 8

متحف الأشمونين.