حفلات التكريم الكنسية – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

حَفَلاَتُ التَّكْرِيمِ الكَنَسِيَّةُ

جيد أن يكرَم الخادم في حياته، فيرى محبة الله له من خلال محبيه الذين يحتفظون له بالفضل والوفاء. فالزهرة التي تقدم للإنسان في حياته خير من أكاليل الزهور التي تُرسم على طريقه بعد مماته، كذلك التكريم في الحياة هو درس في المحبة والوفاء والأمانة المكملة حتى الموت. لكن التكريم لا يُفرض ولا يتحدد ولا يخرج عن سياقه، وهو كذلك لا يطلب ولا يستجدﻱ حتى لا يستوفي الخادم أجره، وفي كل الأحوال لا بُد أن يُقترن بالإفراز والحكمة، لأنه عمومًا لن يفي الانسان حقه، لو صدقت دعوته ورسالته وسيرته.

إن المفتخر فخرُه بالرب، فلا يكون افتخاره زهوًا ترابيًا؛ وكأنه لم يأخذ شيئًا، وأن ما يقدمه قد صار له بمجهوده، وفضل القوة أصبح منه لا من الله، ومِنْ ثَمَّ يفتخر باطلاً على الآخرين ويستجدﻱ مديحًا، حتى ولو من على جناح الهيكل، بينما قوتنا وعوننا هي بالله مخلصنا الذﻱ من عنده كل عطية صالحة وتامة... وهو وحده الذﻱ يكلل مختارية ويكرمهم حسب وعده الإلهي (أُكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون).

جميلة هي حفلات التكريم التي تصير فرصة لنخبر فيها بأعمال الله وعظائم إحساناته، وكريمة هي وليمة الصلاة والتمجيد لشكر صانع الخيرات الذﻱ يفعل كل شيء في كل أحد، والذﻱ لا يتخلى عن عمله، لكنه يحييه في وسط السنين ويسهر على كلمته ليجريها... يرفع البائس بعنايته ويستخدمنا بالقليل والكثير، وهو الذﻱ قبلنا جميعًا وشرفنا بخدمة مجده على غير استحقاق، وهو لازال وسيبقىَ يحملنا ويحمل معنا أتعابنا، لأن منه وبه وله كل الأشياء قد خُلقت وهو الذﻱ اقتنى كنيسته بالدم الكريم الذﻱ لمسيحه.

في أحيان كثيرة تتسبب هذة الحفلات في الاسترخاء الروحي بإتجاه التنويم؛ والبعد عن التقييم السليم والمعقولية، بل وتنحرف إلى (سرقة مجد الله) حيث يتم الإغراق في المديح والنفاق الكاذب، بينما عمل الخدمة في كل درجاته يبدأ وينتهي عند فعل المحبة وغسل الأرجل، لا عن اضطرار بل بإختيار، ولا بخدمة العين كمن يُرضي الناس؛ بل بمخافة ووعي لا يُغلب، حتى تمتلئ بساتين الكنيسة جُدُدًا وعتقاء، وينضم إلى سفر الحياة الأبدية الألوف والربوات.

ومن الظواهر السلبية التي أسفرت عنها مثل هذة الحفلات تشكيل بيئة خصبة للنفاق والهرج والوصولية والإنجرار إلى إهانة السابقين وتقزيم دورهم وعمل مقارنات سطحية تتسبب في الإلهاء والعثرة والسطحية؛ فيما يتبخر كلام المدّاحين ويذهب إلى الغبار حيث يستحق..

فإذا كان للمُحتفين أن يحتفوا؛ فهل يكون احتفاؤهم إهانة المقادس؟! عندما يُدخلون الألعاب النارية والأوناش حتى المنابر؛ ويضعون بلالين الصبية على أبواب الهياكل وصحن الكنيسة؟! ناسين أن الكنيسة أجمل من الشمس والقمر، وأنها مساكن العلي وزينة العالم كله، وقد وُجدت لتُكَنْسِن العالم لا ليُعَلْمِن العالم الكنيسة.

قصدﻱ هو دعوة لضبط المعايير والأداء، لأن في أشياء كثيرة نعثر جميعنا، فالثعالب الصغيرة المفسدة والعثرات تعبث في التفاصيل، وفي التصرفات الأريحية التي يأتيها البعض ولا تجد من يمنعها بحزم، فتصبح قاعدة بالتقادم والتواتر...

آباؤنا الأولون لم ينسوا حفظ السكينه وروح الكنيسة النسكية؛ فسلموا ذواتهم للمحقرة؛ وعاشوا طقس التائبين؛ محولين كل عمل لمجد اسمه؛ فتبعوه من المذود حتى مغارة القبر، ملفوفين بخرق الأقمطة والأكفان؛ لذلك لم يكن العالم مستحقًا لهم.

13 نوفمبر 2013.