الكَنِيسَةُ وال Facebook – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

الكَنِيسَةُ وال Facebook

تزايدت المجموعات المشاركة على موقع ال Facebook وبلغت مئات الملايين. لذا الكنيسة تنصح أبناءها بترشيد الإستخدام من حيث الكم والكيف، وأن تكون مشاركتهم للاستفادة ولخيرهم ولبنيانهم الروحي والفكرﻱ والعلمي. فليس كل ما يُنشر يؤخذ كما هو بل بفحص واختيار!! خاصة ما يختص بالأمور العقيدية واللاهوتية والأخلاقية بل والخبرية أيضًا.

إن كل قراءة علمانية للكنيسة هي قراءة خاطئة تُظهر الكنيسة وكأنها مجرد مؤسسة بشرية، ما يجعل القراءة بعيدة عن الحقيقة والواقع ولا تَمُتّ إليهما بصِلة، فالكنيسة كتابية سرائرية آبائية نسكية متغربة على الأرض ووطنها الحقيقي في السماء، مبنية على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه هو حَجَر الزاوية فيها، وهي بهية حسنة مُرهبة كجيش بألوية، ولأن ذلك كذلك فالكنيسة أم الأولاد الفرحة التي تجمع أولادها وتسلمهم صراحة الإيمان وتحذرهم من الذئاب الخاطفة ومن الأخوة الكذبة. لنحترس إذن لأنفسنا مميزين وفاحصين كل شيء، ليس في هذا العالم فقط ولكن أيضًا في العالم الإفتراضي الذﻱ ندخله عبر الإنترنت الFacebook.

توصي الكنيسة أبناءها بالابتعاد عن الانسياق والانزلاق لكل لغة لا توافق سياقنا الفكرﻱ والعقيدﻱ. كذلك تحذر أبناءها من الإنحدار الأخلاقي وأساليب التشكيك والتجريح والتجنّي والإشاعات، لأننا جميعًا في (دائرة حُكم الله) كخليقة جديدة؛ حائزين على حرية أبناء الله. فضميرنا الطاهر يراقب أخلاقنا وسلوكنا؛ ويُحسن الحُكم والتصرف، وشهادة ضميرنا هي مرآة مسيحيتنا، وهي تعبير عن واقع حرية الفكر والبحث المبدع للولوج إلى قبس حقيقة الأسرار الإلهية، وفَهْم أفضل للتعايش والتواصل المفيد في سَبْر أغوار المعارف الإنسانية التي تعدّنا لدرجات التوصل إلى الحق المسيحي.

ومن هنا ينبغي أن نُغلِّب الحقيقة الموضوعية على كل ما دونها، لأن لغة المحبة والرحمة والأدب المسيحي لا تتمشى مع التهجم والإساءة والقُبح وفيض الخَلَاعة. فالذين وُلدوا من المعمودية لهم ترتيبهم وبيئتهم ونموهم لأنهم زرع لا يفنى. وأيضًا الذين يقتفون آثار الشهداء والقديسين ولُبّاس الصليب لهم طريقتهم وسلوكهم وتدبيرهم.. كذلك نحن أيضًا ندبر سيرتنا حسبما يرضي الله في كل شيء. مدركين المتناقضات والشجار الفكرﻱ والمجاذبات المحيطة بنا، لأن عظمة الإنسان لا تلغي ضعفه وقصوره كائنًا من كان.. عندئذ ننظر إلى رقة وعذوبة وقوة وسلطان مسيحنا المقترنة بالرقة والحزم، بلا تفريط أو إفراط. عالمين أن خلاصنا هو معيار وبُوصلة كل أفعالنا وأقوالنا، وكم دفع أجدادنا وإخوتنا أفدح الأثمان في سبيل الاحتفاظ بالإيمان في استمرار صفائه وثباته، حتى صارت كنيستنا على مدى الأجيال، تمثل في عراقتها الجذع الإلهي المتأصل للشجرة الالهية. وهي الآن تشجع أولادها على توظيف الآليات الإعلامية الجديدة؛ لما فيه خيرهم وصلاحهم، وتُحثهم على وجوب الإستعمال الصحيح من دون مضيعة للوقت أو الهدف الذﻱ من أجله نعيش، كي تُستخدم هذه الآليات استخدامًا إيجابيًا في تفعيل العلاقات الاجتماعية السليمة، وفي نمو المعرفة والثقافة، مع الإحتراص والتمييز فيما ينشرونه، وأن لا يرتكبوا حماقات ترتد عليهم فيما بعد.

لقد انتهى زمن الخصوصية بحسب مقولة (مارك) مؤسس الفيسبوك.... فقد أصبح هذا البرنامج جواز سفر مفتوح للتسلل إلى السِيَر الذاتية والمعلومات والصور والأفكار والانطباعات!! فلنحذَرْ إذن ولنسلك بتدقيق كحكماء لا كجهلاء، منقادين بروح الله في كل ما هو حق وجليل وعادل وطاهر ومُسِرّ وصيته حسن، حسب صورة وطابع التعليم الذﻱ تسلمناه.

والكنيسة تقود أبناءها في طريق البنيان وتشجعهم على الحوار وإحترام العقول وتنمية الوعي والمدارك وتوظيف الحداثة بالتمييز فيما يُنشر وإنتقاء واختيار ما يناسب ويليق. كذلك تحذر الكنيسة أبناءها من نشر الخصوصيات التي يستغلها الأردياء وضعاف النفوس، إذ لا يوجد ما يمكن الإحتفاظ بسرّيته، ولا توجد ضوابط للحماية أو للخصوصية. فالكثير من الذين يدخلون هذه المواقع يهوون ما يُسمى (الجهاد الإلكتروني)، لنُعرض عنهم وعن كل المتصيدين والمتربصين والمحتالين الذين يبتغون الفخاخ الإجتماعية والاقتناص والأسلمة.

إن الضرورة موضوعة علينا كي نقدم قوة لاهوت الكلمة التي تُنير الأذهان وتعلن السر الإلهي وبنور الكلمة نطرد ظلمة الجهالة والشر ونختار النور والمعرفة وحلاوة الإستقامة، مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذﻱ فينا - (لمجاوبة لا لمحاربة) - فهل ما نضعه على صفحات الفيسبوك يعكس ذلك؟! وهل ما نخزنه من صور وتعليقات ومراسلات يشهد للنعمة التي نحن فيها مقيمين. هل يُعبّر عن نذرنا ودعوتنا ورسالتنا كنور وكملح وكسفراء؟!.

فلنمتحن كل شيء ولنتمسك بالحسن (۱تس ٥: ٢١)، مُعلنين الحق بتمامه، إذ لدينا قوة النعمة التي تعين ضعفنا وتكملنا، والحق الساكن فينا لا يخضع للتغيير ولا للشيخوخة، لذلك وجودنا على صفحات الفيسبوك ينبغي أيضًا أن يفيض بما نلناه مجاناً من عطايا ونعم وبركات حتى نأتي بثمر، كلٌّ على قدر طاقته، وما ننشره من تعليم يصبّ في إصلاح النفس والسلوك والحياة والثمر وربح الكثيرين. لنجعل من الفيسبوك كنيسة كونية ومنارة جامعة وسفارة مسكونية ممجدين الله كل حين.