الروح القدس عند العلامة أوريجانوس – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات العلامة أوريجانوس
التصنيفات اللاهوت العقيدي, عقيدة, لاهوت الروح القدس
آخر تحديث 19 يونيو 2021


الروح القدس في تعاليم العلاّمة أوريجانوس

تحدث أوريجانوس في الجزء الأول من كتاب "المبادئ"، عن أهمية الروح القدس في خلاصنا. فهو أول من قام بدراسة موضوع الروح القدس بدارسة علمية بعد ترتليان.

وعلّم بأنه يستحيل التمتع بالشركة مع الآب والابن بدون الروح القدس ولهذا يليق بنا في حديثنا أن نتحدث عن عمل الروح القدس كما نتحدث عن عمل الآب والابن. فإن الروح القدس مساوٍ في الكرامة والمجد للآب والابن. وهو أزلي مثل الآب والأبن. ويشعر بصعوبة في إيجاد تفسير لطريقه وجوده!

والروح القدس كأقنوم إلهي هو الذي عمل في الأنبياء كإعداد مسبق لشعب الله، وهو الذي قًبله الرسل وكرزوا بواسطته في كل العالم. لذا التعليم بالروح القدس وعن الروح القدس هوتعليم يميز المسيحية ذاتها ولا نجد تعليمًا مشابهًا بهذا في الديانات الأخرى.

والروح القدس عند أوريجانوس مهم لكل مؤمن، كأهمية الماء للنبات لكى يحييه، فالروح القدس يحي النفوس وينعشها ويجددها.

ويشدد أوريجانوس أن الروح القدس رغم عطاياه المتنوعة إلا أنه جوهر واحد غير منقسم.

ويؤكد على التمايز الأقنومي للروح القدس، وأن الروح القدس هو هو في العهدين القديم والجديد، غير أن بعد الصعود صارت إرساليته ممتدة وشاملة ومتسعة.

وأوريجانوس يقول بإن الروح القدس هو واهب الشركة مع الله، يعمل داخلنا عقليًا ويفتح أذهاننا ويعلن لنا الأسرار الإلهية ويهبنا الحكمة ويمنحنا سلوك أولاد الله.

يذكرنا أوريجانوس بضرورة الجهاد بعد نوال الروح القدس في المعمودية لئلا نفقد عمله فيناو ننمو في الروح.

ويؤكد أوريجانوس على أن الروح القدس أقنوم كائن، وليس مجرد قوة أو طاقة من الله. وبذلك يؤكد على ألوهية الروح القدس الكائن على الدوام وسيكون.

وبالروح القدس نصير شركاء مع الآب والأبن وبدون الروح القدس لا يمكن ان نتمتع بهذه الشركة. أن نتمتع بالشركة في الروح القدس هو بعينه التمتع بالشركة في الآب وفي الأبن، حيث أن طبيعة الثالوث واحدة غير مادية. وخلال هذه الشركة نتمتع بالفرح والعزاء وكل ثمار الروح.

والروح القدس عند أوريجانوس هو الذي يقود صلواتنا، ويعلمنا كيف تكون. فلا يستطيع أحد أن يقيم صلاة ما لم يلقى الآب نورًا ويعلمها الابن، ويعمل الروح القدس في داخلنا حتى تصير لنا القدرة على الفهم وكيفية مخاطبة الله وماذا نطلب منه، ويشفع الروح القدس عنا ويعطينا الصلاة بالذهن فننطق بالصواب. فالصلاة في فكر اوريجانوس هى عمل الثالوث في حياتنا.

ولأن الروح هو المؤلف الحقيقي للكتاب المقدس، فإن الروح القدس الذي داخلنا هو الذي به نفحص كلماته ويعلنها لنا.

ويشرح أوريجانوس عمل الروح القدس في المعمودية: الذي يقدسنا ويجدد طبيعتنا ويغسلنا ويلدنا أبناء لله، لذلك كل إنسان محتاج للمعمودية حتى الأطفال حسب التقليد الذي تسلمناه من الرسل لكى ما نولد من فوق طاهرين.

ويسمى أوريجانوس الروح القدس "روح القداسة" إذ يهب القداسة للجميع، وأنه في قداسته يفوق "التقديس"، لأن قداسته غير نابعة عن مصدر خارجي أنه هو على الدوام قدوس.

والروح القدس يعمل داخلنا بدفعنا للندم عن الخطية والإعتراف بها ليس أمام الله فقط بل أمام الكاهن أيضًا الذي يمكنه أن يداوي جراحنا، حتى أنه من أجل الخجل تكتمل توبتنا وتنكشف حيل الشيطان. فالإعلان عن الخطية لله أمام الكاهن يؤدي إلى تدميرها بواسطة من مات لأجلنا.

والروح القدس هو نعمة الله المجانية للمتزوجين لكى يمنحهم رباط قوى مع الله، فيحبوا بعضهم في الرب.

رغم كل هذا من تمجيد الروح القدس وشرح عمله وفاعليته والتأكيد على لاهوته، إلا أن أوريجانوس قد وقع في شطط عن فكر الكنيسة، ويذكر القديس باسيليوس في كتابه عن الروح القدس فصل 29 أن أوريجانوس رغم توقيره للروح القدس وإعترافه بألوهية الروح القدس إلا أن لم يكن على صواب في كل ما قاله عن هذا الأقنوم، وأعتبر شرحه الصحيح هو بدافع تقليد الكنيسة العام وإن كان ليس بحسب أفكاره التي كشفها في تفسير لأنجيل يوحنا.

ومهد أوريجانوس لهرطقات القرن الرابع ضد الروح القدس، لما وضع خلال شرحه لأنجيل يوحنا الروح القدس في درجة أقل من الأبن، لا بالنسبة للكرامة بل بالنسبة للأصل origin، فهو يقرر أن الابن وحده هو من الآب فقط، ولكن الروح القدس هو من الآب بواسطة الابن، وهنا تظهر بداية بدعة الكاثوليك في انبثاق الروح القدس من الآب والابن Filique!

ففى شرحه لعبارة "كل شيء به كان" (يو 1: 2) في بداية إنجيل يوحنا تساءل أوريجانوس قائلًا: "والآن، كما رأينا، فإن كل الأشياء عملت من خلاله (اللوغوس). وهنا يجب أن نتساءل إن كان الروح القدس أيضًا قد عُمل من خلاله. يبدو لي أن هؤلاء الذين يتمسكون بأن الروح القدس مخلوق، والذين يقبلون أن" كل شيء به كان "لابد أنهم يفترضون أن الروح القدس عمل من خلال الكلمة، لكون اللوغوس بالتالي أكبر منه. وهذا الذي يخشى السماح للروح القدس بأن يكون قد عُمل من خلال المسيح، يجب عليه إن كان يقبل الحق الذي ورد في آيات الإنجيل، أن يفترض أن الروح القدس غير مخلوق. هناك مصدر ثالث بالإضافة إلى هذين الاثنين (الذي يفترض أن الروح القدس عُمل من خلال الكلمة، ويعتبره غير مخلوق)، وبالتحديد لتأكيد على أن الروح القدس ليس له جوهر مستقل به فيما وراء الآب والابن...".

وهكذا يعتبر أوريجانوس أن الروح القدس بمفهوم ما، يستمد خلقه أو وجوده Genesis بواسطة الابن، فقط أسقط أريجانوس الروح القدس عن المساواة الكاملة في الثالوث وهو يمعن في هذا الفكر الخاطئ بقوله.

"وحتى وأن كان الروح القدس فوق كل خليقه في الكرامة فهو بحسب الفكر يتحتم أن يُحسب بين الخليقة، لذلك فهو يُعتبر أقل من الابن الذي بواسطته يستمد وجوده!!".

وهكذا سقط العلامة العظيم بسبب اعتماده على المنطق وفلسفته، وتسبب في هرطقات أنطلقت من تعليمه لتصل إلى الإنكار الكامل لأقنومية الروح القدس!.

و وحي فإن أقتناء الروح القدس داخلنا يؤثر في حياتنا وعلاقتنا ببعض، فالروح الواحد الذي يحل فينا، يوحدنا ببعض، فلا نصير غرباء عن بعضنا البعض، بل متحدين في الروح الواحد الغير منقسم، فلا يصير مجال لأنانية أو بغضة أو خصام، لأننا متحدين في الروح الواحد:

"إننا جميعًا قد قبلنا الروح الواحد بعينيه، أقصد الروح القدس الواحد بعينيه، ومن ثم فقد امتزجنا بعضنا ببعض بل ومع الله أيضًا. فإن المسيح يجعل روحه الخاص الذي هو روح الآب أيضًا يسكن في كل واحد منا على انفراد، لأن الـروح واحـد وغـير قـابل للانقسام.

 لذلك فهو يجمع الأرواح المنفصلة بعضها عن بعض بسبب كيانها الذاتي، يجمعها إلى الاتحاد بواسطة نفسه، ويظهرها جميعًا وكأنها قد صارت فيه كيانًا واحدًا ".

أخيرًا... يرى القديس كيرلس أن كمال جميع الخيرات = غاية الحياة الروحية هي إقتناء الروح القدس ".

[إن كمال جميع الخيرات هو أن يسكن الله فينا بواسطة الروح القدس].