الاعتداءات على الكنائس في مصر سنة ۲٠۱۱ – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب القمص أثناسيوس فهمي جورج
التصنيفات الخدمة الكنسية - اللاهوت الرعوي, تعليقات على الأحداث, قضايا مسيحية عامة
آخر تحديث 12 مايو 2020

الاعْتِدَاءَاتُ عَلىَ الكَنَائِسِ في مِصْرَ سنة ۲٠۱۱

يجري قطار العنف تجاهنا كأقباط بسرعة كبيرة٬ خاصة بعد الثورة٬ نتيجة لاستمرار الأساليب البائدة في مواجهته٬ والتي افتعلها وكرَّسها النظام المخلوع٬ وهي تتجه بنا إلى حرب أهلية طاحنة (لا قدر الله)... وسط معالجات فاقدة الصلاحية٬ حيال إهدار الدماء المصرية للأقباط٬ وأمام هدم وحرق وتفجير الكنائس بلا رادع٬ واستنفاذ الوعود المؤجَّلة والحلول المتلكئة لأزمة كهذه بحجم الطوفان.

فما يحدث ليس فتنة كما يسمونها٬ لكنه اضطهاد وقهر وعدوان وقيود٬ إنه ليس احتقانًا لكنه سرطان ينخر... إنه ليس اشتباكات لكنه اعتداءات أحادية على الشريك الآخر في الوطن... إنها ليست حوادث فردية لكنها متواصلة وممنهَجة ومتقاربة... إنها ليست بين طرفين لكنه يوجد في حقيقة الأمر طرف يستقوي على الآخر ويعتدي عليه في عقر داره (كنيسته). هناك طرف يحرم الآخر ويمنعه من حرية عقيدته ويصادر عليه حقه في العبادة. هناك طرف لم يسلَم لا من لسان ولا من يد ولا من عنف وافتراءات الطرف الآخر٬ بينما الطرفان مواطنان في نفس البلد.

لقد توالت الهجمة على الكنائس المصرية٬ بشكل لم تراه أي بلد في العالم٬ ولم تشهده مصر بهذه الكثرة من قبل٬ فمنذ تفجير كنيسة القديسين بالقنابل في "الأسكندرية" ٬ وتفجير كنيسة "رفح" بالعريش٬ ثم هدم وحرق كنيسة "أطفيح" وصولاً إلى حرائق كنائس "إمبابة" ٬ مرورًا بمحاصرة الكاتدرائية بفجور٬ وسد منافذها إلى محاصرة كنيسة العذراء "عين شمس" والتهجم عليها في حرب شوارع لمنع إعادة فتحها٬ مع انتهاك حرمتها معنويًا وماديًا ورمزيًا٬ وسط الهتافات العنصرية والتجبُّر وكل صور الاستقواء.

هذه الأحداث المتبربرة يقوم بها تلفيون وبلاطجة يسيئون إلى صورة دينهم وإلى سمعة بلادنا وإلى الأغلبية المسلمة من الشرفاء قبل أن يسيئوا إلينا كأقباط... ولا يمكننا أن نسمي ما يحدث إلا بأنه إتلاف للشعورالمصري العام٬ والتعدي على القانون والمواطنة٬ وإهدار لمشاعر ملايين المواطنين الأقباط٬ كما أنه إساءة إلى المسيحية ليس في مصر فقط بل وفي العالم أجمع. فقد رأى العالم كله هذه الهجمات العدائية عبر الفضائيات و "اليوتيوب" و "الفيس بوك" ٬ لقد رأوا حرق المسيحيين أحياء كحنطة وكخبز ينضج٬ وكحملان تُشوَى بلا رحمة في مشاهد تهز الضمير لأجساد متفحمة وأعضاء متناثرة لشهدائنا في "الأسكندرية" و "أطفيح" و "العمرانية" و "المقطم" و "إمبابة" ٬ أولئك الشهداء الأماجد قد انضموا إلى سحابة الشهداء الأولين من أمثال القديس "بوليكاربوس" و "سيدهم بيشاي".

فلماذا كل هذه العداوة والكُره المادي والمعنوي؟؟! قنابل ورصاص وسيوف ومولوتوف وأسلحة بيضاء وحجارة تُلقى على الكنائس!!! الكتب المقدسة تُحرق والمقدسات تُداس وسط التكبير المصوَّر والمسجَّل الذي لأولئك الرجعيين التلفيين الذين يتمولون بأموال البترودولار من اجل تخريب البلاد والعبادة... غيَّبوا أخلاق وقانون الثورة الذي توسمنا أن يكون منصفًا ثوريًا واستثنائيًا ليتناسب مع مصر الديموقراطية الجديدة التي هي فوق الجميع.

توالت علينا الاعتداءات وتكررت وتطابقت بوتيرة كبيرة٬ أُريقت الدماء واستشهد العشرات منا خلال هذا العام٬ وشُيِّعت الجنازات الجماعية ولم نجد حتى الآن أي أصداء لعدالة عاجلة ناجزة... إلى الآن القتلة مجهولون٬ لكن الآمال والثقة مازالت معقودة على المجلس العسكري الذي نحترمه وهو الحامي المتجرد لكل المصريين.

إن النسيج الوطني لبلادنا قد أصابه الترهل ولم يعد قويًا٬ لأنه لوكان متينًا ما استطاع الجهال والرجعيون أن يشدوا المجتمع إلى الخلف٬ ويرتدوا به إلى خارج الزمن وينالوا من رصيد أزمنة التعايش٬ فيحرقوا بغيِّهم وأكاذيبهم مُقدَّرات بشرية ومادية هي بالأصل مصرية٬ وما يحدث منهم ضد كنائسنا هو تعدٍّ على كيان الدولة وعلى وجودنا ومواطنتنا وعلى حرية ممارسة العقيدة٬ وهو لا يماثله ولا يضاهيه إجحاف في تجمهر الناس لإيذاء ومنع أو الحجر على مواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية التي كفلها لهم الدستور والقانون بعيدًا عن التعصب الذميم.

كثير من أولادنا الصغار يسألوننا لماذا يحدث كل هذا؟؟! لماذ تُغلق أو تتفجر او تُحرق الكنائس؟؟! وقد أصاب الكثير من الصغار الذعر والهلع عند معايشتهم ومشاهدتهم لهذه المذابح... روَّعهم ما رأوه٬ لأنه مرصود على كل حال٬ ولا يمكن تصديقه من هوله٬ ولا يمكن تكذيبه لأنه واقع يحدث.

لقد جاء في بستان الرهبان (المريض الذي يعترف بمرضه علاجه هيِّن بعكس الذي ينكر حالته) ومن له أذنان للسمع فليسمع.