اقتِصَادِيَّاتُ الكَنِيسَةِ وخِدْمَةُ الشُّهَدَاءِ – القمص أثناسيوس فهمي جورج

كارت التعريف بالمقال

اقتِصَادِيَّاتُ الكَنِيسَةِ وخِدْمَةُ الشُّهَدَاءِ

خدمة شهداء الكنيسة، خدمة أصيلة وقديمة منذ القرون الأولى، فلم تكن الكنيسة تقف متفرجة أو مجرد متابعة لأعمال الاستشهاد. لذلك هذه الخدمة حتمية ومُلحّة في زمن الاستشهاد المعاصر... كنيسة الشهداء الذين تعرَّى المسيح وافتقر وصُلب لأجلهم، وأوصى كنيسته بأن لا تصرف العريان والمعتاز لقُوت يومه فارغًا... ولا تدَع الأرامل والأيتام والمطحونين ليمضوا ويستدفئوا ويشبعوا، بينما هي لم تعطهم حاجاتهم ولم تفرِّج عن كُربة المكروبين وتسندهم.

الأولوية في الكنيسة هي للمحسوبين خارج السياجات والبؤساء والمفترَى عليهم والذين لَفَظَهم عالم اليوم إلى حد مقاطعتهم اقتصاديًا لتجويعهم... وإلى حد قتلهم وحرقهم وسلب ممتلكاتهم، بلوغًا إلى الدهس والسحل... فاستقبلهم المسيح الشاهد الصادق الأمين عنده، وأعد لهم مدينة وزينة، لأنهم رعية مع القديسين وأهل بيت الله... الجوعان والعطشان والمتغرب والعريان والمريض والمجروح والمحبوس والمعترف والشهيد، جميعم يمثلون شخص المسيح بانطباق (فَبِي فعلتم) هُم هُم المسيح نفسه وبذاته... وكل من يعطي أولوية لخدمتهم خاصة في هذا الزمن الصعب سيرث المُلك المعد منذ تأسيس العالم في حفل التكريم الختامي عند الدينونة.

إن أموال الكنيسة (خاصة بالله)، أموالًا وقفية موقوفة على كنيسة المسيح أي (جسده وأعضائه) لذلك يلزم توظيفها أفضل الاستخدامات والأولويات بدراسة جدوى وإفراز، وتحريكها تحريكًا مدروسًا وتقنيًا، وفقًا لأچندة الأولويات الإلهية المقدسة، من غير تفريط أو تبديد أو عشوائية... لا سيما إنها عطايا من المؤمنين لله، من يده وله... من يده وأعطيناه.

إدارة مال الكنيسة (التي هي تبرعات أعواز المؤمنين) يستلزم كل نزاهة وأمانة وتدقيق في وجه أي تبديد أو تبذير أو بهرجة وتوزيع غير مدروس، كوكلاء أمناء في توزيع ما يخرج من يد المعطي إلى يد الله العاطي... من يد الله إلى يد كل من كان في شدة. فكل عطاء وتوزيع دون عطاء النفس فلا قيمة له، لأنه إن كنا نعطي كل شيء، ونعطي الحياة كلها، أفلا نعطي الأشياء الزائلة؟!

لقد كانت الأموال في الكنيسة الأولى عند أقدام الرسل، إنها ليست فوق الرؤوس... حتى لا يكون أحد محتاجًا. والآن ونحن نعيش حالة تضييق وفقر، وانهيار اقتصادي ومقاطعة وتهميش ومظالم عديدة. لذلك على المسئولين عن التدبيرالمالي لاقتصاديات الكنيسة، أن يهتموا بالأحرى بحفظ النفوس لكنزها السماوي الحقيقي. ألسنا بحاجة إلى فقراء يُغنون كثيرين؟! وإلى مؤمنين لا يملكون شيئًا ويعيشون وكأنهم يملكون كل شيء؟!

والسؤال هو: كيف تُعلِّم الكنيسة الناس بأن كنزهم سمائي حيث لا يفسده السوس ولا ينقبه السارق، بينما بعد بناء الجدران والزينات والرخام، نعود ونخزن أموالًا من أجل الغد؟! ينبغي أن نسلك بتدقيق كوكلاء على الأموال لا كمالكين لها!!! كيف نكسي الجدران والحوائط بينما جسد المسيح الحقيقي عريان؟! وكيف يكنز (البعض وليس الكل) الأموال بينما هناك أعضاء في جسد المسيح جائعة هائمة مشتَّتة بلا مأوَى، منهوبة ومسلوبة وغارقة في الديون ومستهدَفة من أجل إيمانها؟!

الكنيسة لا تؤجل الإحسان ولا تقُل "عُد غدًا وأعطيك" (أم ٢٨: ٢) لكنها تعطي بسخاء "فرَّق أعطى المساكين، بِرُّه يدوم إلى الأبد" (مز ٩: ١١١). الكنيسة تدرس وتُفاضِل، لأن هناك مشروعات لها أولوية، وأخرى غير مُجدية، أو قليلة النفع، أو زائدة أو أقل ضرورة... يلزمنا التمييز ودراسة جدوى لكل عمل كنسي، إذ الويل للذين يَصِلُون بيتًا ببيت، ويُقرنون حقلاً بحقل (إش ٨: ٥). وهناك غِنىً يُدخر لشقاء مالكه، وهذا شر مؤلم (جا ١٣: ٥).

ليس عندنا قاعدة إلا قاعدة الإنجيل، وكما يتبع الظل الجسد، كذلك تلاحقنا أعمالنا وتشهد علينا حين يظهر غضب الله من علو السماء (رو ١٨: ١)، عندما يقف هناك اليتامَى والأرامل والمشرَّدون والجائعون والمطرودون والمسلوبون والمتروكون، يحتجّون علينا. فليتبصَّر كل أحد، وليدقق المؤتمنون فيما يصنعونه، كي يحفظوا أنفسهم من الدينونة، كوكلاء أمناء على ما لله.

ولنسمع نداء القديس غريغوريوس اللاهوتي (يا خدام المسيح وشركاءه في الميراث: أعينوا المسيح... أغيثوا المسيح... أطعموا المسيح... اسقوا المسيح... استقبِلوا المسيح... زُوروا المسيح... كرِّموا المسيح... طالما الفرصة سانحة لكم).