أ. د- عزيـز سـوريـال عـطيـة – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات عزيـز سـوريـال عـطيـة
التصنيفات أدب مسيحي, سلاسل سير القديسين, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 25 أغسطس 2021


أ. د / عزيـز سـوريـال عـطيـة

بيشوى فخري.

وُلد عزيز في قرية العايشة بمركز زفتى محافظة الغربية في 4يوليو1898م، وتعلم في كُتّاب القرية، وكانت ظروف عمل والده تقتضي التنقل بين البلدان، فأرتحل مع أسرته إلى الزقازيق، ثم أنتقل إلى القاهرة.

ألتحق بكلية الطب، ولكنّ حماسته الشديدة دفعته ليشترك في أحداث ثورة 1919م، فتم إعتقاله مرتين، ثم أصدرت سلطات الإحتلال البريطاني قرار بفصله من كلية الطب.

فألتحق بعمل في وزارة الزراعة ودرس أثنائها في مدرسة الحقوق الفرنسية، ووقتها أعلن عن دراسات مسائية للمعلمين العليا، فتقدم إليها ولنبوغة أحتل المركز الأول على القطر المصري كله!

وبسبب تفوقه رشحته الوزارة لبعثة إلى ليفربول وأراد التخصص في التاريخ الحديث والمعاصر لكنه بعد أول محاضرة في التاريخ الوسيط إكتشف ميوله في البحث حول الحملات الصليبية وأثمرت دراسته فيها برسالة الدكتوراة.

وفي سنة 1933م حصل إيضًا على درجة الدكتوراة في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة لندن، ودَعتُه جامعات كثيرة للتدريس فيها، ثم حصل على دكتوراه في الآداب Dr. Litt من جامعة ليفربول سنة 1938م، وعاد الدكتور عزيز إلى مصر بعد الحرب العالمية الثانية فعمل مفتشًا أول للتاريخ بوزارة المعارف ثم شارك التدريس في جامعة فؤاد الأول، والتأسيس في جامعة فاروق الأول) الإسكندرية (، وكان قد شارك الدكتور طه حسين في مشروع تأسيس كلية الآداب وشغل منصب وكيل كلية الآداب بالإسكندرية) 1949 - 1950) ثم رئيسا لقسم التاريخ بها (1952 - 1954) ,أثناء ذلك أختارته جامعة الأسكندرية لتوثيق وفهرسة مخطوطات مكتبة دير سانت كاترين مع رفيق عمره العلامة يسي عبد المسيح، وقد نُشرت الدراسة التى قام بها في كتاب "المخطوطات العربية في دير سانت كاترين" عام 1955م. بعد ما قام بتصوير 2 مليون صفحة من 12 لغة أهمها اللغة اليونانية والعربية.

عٌين أستاذ زائر بجامعات عدة في أوروبا وأمريكا وسويسرا وكولومبيا وشيكاغو وأندياتا سياتل وميتشجان ونال الدكتوراة الفخرية من جامعة "ولسن" تقديرًا لخدماته العلمية في أمريكا.

أسس معهد الدراسات القبطية مع مجموعة من العلماء أشهرهم سامي جبره، ومراد كامل، وعُيّن أول عميد له في 1954م. بعد تقديم د. عزيز إلى الأستاذ كامل يوسف يوسف صالح وكيل المجلس الملي العام في أكتوبر 1953م بمذكرة تطرح فكرة إنشاء المعهد وأهدافه في تسعة محاور هى:

- العناية بنشر التراث الفكري المصري في العصر المسيحي.

- تنسيق الجهود بين المؤلفين والباحثين المهتمين بشئون الاقباط.

- تشجيع الرهبان وتدريبهم على البحث العلمي بإعتبارهم فئة اختيار القيادات الكنسية.

- أن يصبح المعهد مركزًا استقبال علماء الغرب للتعاون والتوجيه.

- تنظيم الرحلات العلمية للأديرة والمناطق الأثرية في مصر وأثيوبيا والإراضي المقدسة.

- أن يكون المعهد بمثابة مركز دولي للتنسيق مع البعثات الموفدة من الهيئات العالمية والدولية.

- دراسة الآثار القبطية، الثابتة والمنقولة، للكشف عن خصائصها الفنية والحضارية.

- الاضطلاع بأعمال الحفر والتنقيب الأثري، في مناطق الآثار القبطية بالتعاون مع الهيئات المتخصصة.

- أن يكون المعهد مركزًا تعليميًا للدراسات العليا وللمعهد أن يمنح الدرجات العلمية كالدكتوراه والماجستير في تخصصات الدراسات القبطية.

وفي 21 يناير 1954م قرر المجلس الملي العام الموافقة على إنشاء المعهد.

وفي عام 1957م أُخُتير أستاذًا للتاريخ العربي والإسلامي بجامعة "برنستون" خلفًا للأستاذ الكبير "فيليب حتي"، وكان مكتبه في مقابل المكتب الذي كان يشغله عالم الطبيعة "أينشتين"..

وكم عُرض عليه علماء ورجال طائفة المورومون أن ينضم لطائفتهم المنحولة مقابل مركز ديني وعلمي مرموق بها، إلا أن شهامة الرجل وتدينه العميق ووطنيته الصادقة أبت التفريط في أرثوذكسيته ومصريته.

كما عمل على نشر اللغة العربية في الخارج وأصدر أكبر مجموعة كتب باللغة العربية الحديثة بأمريكا وعندما أرادوا تكريم هذا الرجل المتضع بأن وضعوا صورته في مدخل الجامعة، رفض هذا التكريم وقال:

"إنـنـي رجل عبـد عنـدكم أشتـغـل".

فقالوال له: "نحن نتوج العبيـد متى أستحقوا التتـويــج".

أسس مركزًا لدراسات الشرق الأوسط بجامعة يوتا وأنشأ به مكتبة تضم أكثر من مائة ألف كتاب. مما جعل الجامعة تطلق اسمه على هذه المكتبة.. ومنحته شهادة دكتوراه، كما منحته من سنة 1967م لقب أستاذ مميز (أى يستمر أستاذًا مدى الحياة) وأخذ لقب أستاذ عام 1987م (أى أشهر أساتذة ذلك العام).

أشترك في تحرير العديد من دوائر المعارف الإسلامية والعربية والعثمانية.

حقق ونشر مخطوطة الإلمام بالإعلام للعالم النويري بتكليف من جامعة حيدر آباد بالهند في ستة أجزاء.

وقام بتحقيق كتاب "قوانين الدواوين" للقاضي القبطي الأسعد بن مماتي المعاصر لصلاح الدين الإيوبي، وهو العمل الذي أسندته إليه الجمعية الزراعية الملكية برئاسة الأمير عمر طوسون وقد صدرت طبعته عام1943م.

وحقق كتاب تاريخ البطاركة لأبن المقفع مع الدكتور برمستر.

أصدر حوالي 40 كتابًا وحوالي 70 مقالاً علميًا، لكن للأسف غالبيتها باللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية مما جعلها بعيدة عن الكثير من أبناء مصر.

ويعد العمل الأعظم لهذا المؤرخ النابغة هو أشتياقه لتكوين دائرة المعارف القبطية التي بدأ حلمها معه منذ عام1977م. فقد جمع علماء من العالم كله في إيطاليا للتشاور معهم في هذا المشروع الضخم، وأشترك فيه علماء من المهتمين من المجال القبطي بلغ عددهم 150 عالمًا في القبطيات.

كونوا مادة علمية من) 4000) موضوع صدر أخر أجزائها في عام 1991م. ويقول البعض أنه هو من أدخل مصطلح Coptology في قاموس اللغة الإنجليزية.

ولكن والموسوعة توشك على النهاية توفي د. عزيز سوريال عطية.. ولكن زوجته السيدة لولا عطية قامت بعمل زوجها الراحل وفي المجلد الأول سجلت هذه الزوجة الوفية إفتتاحية الموسوعية القبطية.. وبعد الإفتتاحية نجد المقدمة التي سجلها د عزيز سوريال عطية قبل وفاته.. ثم كلمة شكر وتقدير من لولا عطية لكل من أسهم في إخراج وتحرير هذه الموسوعة القبطية..

وعن هذا الحلم العظيم.. والطريق الذي سار فيه هذا الحلم حتى تحقق.. هذا التحقق التاريخي المجيد.. تحدثنا لولا عطية:

"بدأت الموسوعة القبطية حلمًا.. كان صاحب هذه الرؤية عزيز سوريال عطية المؤرخ للقرون الوسطي وأحد مؤسسي جامعة الإسكندرية.. في عام 1952م استقال عزيز عطية سوريال من الجامعة وعاد إلى القاهرة ليكرس وقته للكتابة، ثم طلب منه أن يكون ضمن أعضاء المجلس الملي. وفي إحدي جلسات المجلس عام 1953م أقترح بإنشاء معهد لدراسة التراث القبطي، ومن هنا قام المعهد العالي للدراسات القبطية، وتدفقت على هذا المعهد المنح من المال والكتب. قام المعهد بجوار معهد الآثار القبطية الذي أنشأه مريت بطرس غالي. وأصبح الحلم ممكنًا بقيام معهد الدرسات القبطية، وجمع عزيز سوريال عطية حوله عددًا من المؤرخين وعلماء الآثار المصرية وعلماء الآثار القبطية ومن بينهم سامي جبرة ولبيب حبشي ومراد كامل.. ولم يتخل عزيز عطية عن حلمه العظيم بإصدار الموسوعة القبطية، وكان لبيب حبشي من أكبر المتحمسين لإصدار الموسوعة، ودعي ليكون أستاذًا زائرًا في الجامعات الأمريكية وذلك عام 1955م، وأنتهي المطاف إلى أن يعمل عزيز سوريال عطية في جامعة يوتا عام 1959م حيث أقام مركزًا للشرق الأوسط.

وإذ شعر أن إقامته بأمريكا سوف تطول فقد ترك إدارة المعهد للمؤرخ الكبير سامي جبره، ولكن حلم الموسوعة لم يزال حيًا باقيًا.. وعندما كان يزور القاهرة كان يتحدث مع الزملاء عن تحقيق هذا الحلم العظيم... وفي عام 1976م بدا أن الحلم يمكن أن يتحقق وذلك عندما انعقد في القاهرة المؤتمر الدولي للدراسات القبطية، عن طريق هيئة الآثار المصرية ومنظمة اليونسكو.

وفي هذا المؤتمر ألتقي العلماء والمؤرخون من 16 قطرًا من أقطار العالم، وفي حديث البابا شنودة الثالث إلى أعضاء المؤتمر أشار إلى الموسوعة القبطية، وفي هذه الجلسة تم إنشاء الجمعية الدولية للدراسات القبطية.

وفي هذا المؤتمر تمكن عزيز عطية من تسجيل أسماء وعناوين المشتغلين بالدراسات القبطية، وسارع بإرسال الخطابات إليهم للتعرف على امكانيات مشاركتهم في الموسوعة، وكانت الردود طيبة وموضحة الموضوعات التي يمكنهم أن يكتبوا عنها، كل في دائرة اختصاصه واهتماماته. وكان في مقدمة من استعد للمساهمة المالية "هيئة المعونة القومية للإنسانيات" وهي هيئة أمريكية مستقلة، وذلك بعد أن قدم عزيز عطية للهئية مشروع الموسوعة متضمنا العلماء والمواد، وذلك في يوليو 1977م وبهذا التأييد المعنوي والمادي من هيئة المعونة أمكن أن تبدأ الموسوعة رسميا في سبتمبر 1977م وسارع البابا شنودة الثالث بتقديم العون الروحي والمادي لهذا المشروع الجليل، وانهالت المساعدات المادية من الأفراد والهيئات في أمريكا وأوروبا وفي مصر عن طريق لجان تكونت لهذا الغرض تحت إشراف أمين فخري عبد النور.

وفي مارس 1980م تم عقد إجتماع هيئة المستشارين في مكتب مؤسسة روكفلر في فيللا سريلوني على بحيرة كوسو في إيطاليا، واستقر رأي لجنة التحرير أن يعقد اجتماع آخر في سبتمبر 1980م وذلك.

أثناء انعقاد المؤتمر الدولي الثاني للدراسات القبطية في روما، وتمت لقاءات أخرى لهيئة التحرير في سويسرا لتبادل الآراء والمقترحات ولتنظيم وتنسيق العمل في هذا المشروع.. وفي سنوات الأعداد لإصدار الموسوعة توفي ثلاثة من محرري وقادة المشروع وهم: صبحي لبيب، وبيير بورجيه وعزيز سوريال عطية، الذي مات في مكتبه وهو يتابع لحظات ميلاد وتحقق حلمه العظيم وصدور الموسوعة القبطية ".

وتقول لولا عطية أخيرًا:

"ولم يبق على أتمام هذا المشروع العظيم إلا بعض اللمسات الأخيرة. وكان لابد من إتمام العمل، وساعد في ذلك مدير مركز الشرق الأوسط.. وأخيرا رأت الموسوعة القبطية النور..".

ثم تقرر هذه الحقيقة:

"أن مصر القبطية مهملة في التاريخ المصري، وهي تقع بين مصر الفرعونية وبين ظهور الإسلام. ومن المؤمل أن صدور هذه الموسوعية سوف يلقي قدرا أكبر من الضوء على هذه المرحلة الحضارية التي بدأت بنشر المسيحية في مصر عن طريق القديس مرقس واستمرت بعد فتح العرب لمصر في القرن السابع الميلادي"..

مقدمة الموسوعة القبطية لـ د / عزيز سوريال عطية.

وبعد هذه الافتتاحية تقرأ تميهدا بقلم عزيز سوريال عطية.. يقول:

"يجب أن نذكر أن التبشير بالمسيحية بدأ في الإسكندرية عن طريق القديس مرقس صاحب أقدم أنجيل معروف، ولم تكن الاستجابة للمسيحية وانتشار الدين الجديد بين المصريين مجرد صدفة أو أتفاق. والجدير بالذكر أن الأساطير المصرية القديمة قد مهدت الطريق لانتشار المسيحية. أن الافكار الرئيسية في المسيحية لها ما يقابلها في العقائد المصرية القديمة، وهذا ساعد على تقبل المصريين للمسيحية، وذلك أن أخناتون أول من قال بالتوحيد في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، مع أنه لم ينجح في دعوته في ذلك الوقت، ولكن هذه الدعوة بقيت في أعماق الفكر المصري.. كذلك فكرة الثالوث وجدت ما يقابلها في كل بلد وفي كل مقاطعة في مصر، واشهرها جميعا ثالوث إيزيس وازوريس وحورس. وميلاد الإله من أم عذراء عن طريق روح مقدسة كانت فكرة شائعة في مصر القديمة.. كذلك هروب العائلة المقدسة إلى مصر لعب دورًا هامًا، فالمسيح الذي جاء إلى مصر طفلا وعاد إلى فلسطين صبيا لابد أن عقله تشبع بحكمة المصريين، وأنشاء الكنيسة القبطية كان على يد القديس مرقس البشير، وأصبح أول بابا على الإسكندرية... هكذا أنتشرت المسيحية لأن الفكر المصري القديم كان مستعدًا لإعتناقها..

وبعد حديث طويل عن عصور الاستشهاد والرهبنة يقرر د. عزيز عطية:

"أن بقاء واستمرار المسيحية في مصر رغم كل ألوان الاضطهاد والقهر والعذاب يرجع إلى عاملين: عامل داخلي وعامل خارجي.. الأول هو عمق روحانية المصريين مما دفعهم إلى التعلق بالكنيسة والثاني هو تقبلهم كجزء أساسى من مصر عن طريق المسلمين الذين استخدموا الأقباط في الأعمال والمصالح الحكومية وفي الزمن الحديث عن طريق الديموقراطية".

وكم أسعدنا طلب قداسة البابا تواضروس الثاني من مؤسسة القديس مارمرقس بترجمة هذه الموسوعة إلى اللغة العربية، لأنها بحق كنز ثمين عن الدراسات القبطية المصرية.

أخيرًا توفي المؤرخ المصري الأصيل في 24 سبتمبر 1988م عن عمر يناهز 90 عامًا أثناء عمله ودراسته، ليرحل عن عالمنا ولكن علمه أبدًا لن يرحل!