التملق – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

التـمّـلق.

يأتي "التملق" في المعاجم بمعنى (تَوَدَّدَ إلَيْهِ طَمَعاً فِيهِ، وتذلّل وأبدى له من الودّ ما ليس في قلبه، وتضرّع له فوق ما ينبغي).

التملق مرض، يصيب النفس الأنانية التي تلهث وراء منفعتها الذاتية، والتي تقبل مجاملات غير حقيقية للحصول على غرض شخصي بدون تعب أو جهاد أو صبر.

والتملق هو سوس ينتشر في المجتمعات التي أصابها الفساد. فتحّول التملق عند البعض لمبدء حياة للحصول به على ما يريد، بل ويحسبون ذلك أنجازًا و وسيلة تبرّرها الغاية المنشودة!

والتملق فقر من الكفاءة، وقلة حيلة، ورياء به يُظهر عكس ما يبُطن، ومبالغة في التمجيد من أجل الوصول بسرعة!.. وقد قيل أن التملق صعود سريع لكنه هبوط أسرع!

والمتملق المحترف يعرف تقريباً توقيت دخوله إلى عالم المصلحة لكنه يعجز دائماً عن الانسحاب والتوقف في الوقت المناسب.

وفي المقابل الناجح هو من تتحدث عنه أعماله وجهاده، وليس لسانه الأنتهازي، الناجح يعلو بتعبه حتى وأن لم يصل للنهاية، ولكنه يصل لمستوي أداؤه، يحقق أهدافه ولو متأخرًا لكنه يصل بلا مبررات ومسكنّة.

المتملق متسلق على أتعاب المخلصين، يستخدم الآخر لتحقيق مأربه، ولا يستخدم مواهبه لأنه يحتقرها دون أن يعلن لنفسه ذلك، لا يملك عزة نفس وكرامة، فيهب أصحاب المصالح ذاتًا منتفخة ويستمد منهم تكميلاً لشعوره بالنقص!

فسيكولوجية الإنسان المتملق تسعى لتعبئ نقصاً أو عيباً يكتنفها عبر منصب تطمع فيه أو كرسي تأمل الجلوس يوماً عليه؟ والكراسي لها أشكال وأنواع وأحجام وألوان... وهو يحاول إخفاء الصراع الداخلى بين القيم العليا وبين الطموح الذي يلهث وراؤه... ويمكن أن يسكّن تملقه بإلباس هذا الإطراء صورة الفضيلة كاللطف والمجاملة والمديح المعقول، أو اجتماعية صادقة، أو تحسين علاقات المودة... ألخ.

بينما الناجح الحقيقي الكفء هو: قليلُ الكلام، عمليٌّ جدًّا، لا يُكثِرُ من المدح، ولا يسعى إلى توطيد العَلاقات مع الأشخاص المهمِّين ذوي الجاه والمال والسلطة للاستعانة بهم في قضاء حاجته ومطامعه فقط، ولا يحتاج للتملُّق والتسلق؛ فعمله هو الذي يتحدث عنه، وأكاد أجزم أنه لا يوجد البتة متملِّقٌ له كفاءة وخبرة يعتمد عليها، فلا يملك سوى شخصية مهزوزة، وثقة منعدمة بالنفس، فنفسُه الضعيفة جُبِلتْ وإعتادت على نيل ما تريد بالتملُّقِ، والتمسكن، والتذلل.

وحالة المتملق تتنافي مع "الرجولة" التي لا "تتمسّكن حتى تتمكن"، وتتماشى مع الأعتمادية الصبيانية التي لا تصل للنضج. وتتخذ من الآخر جسرًا إذا كان عامل مساعد في تقدمه، وتزيح الآخر إذا كان مُهددًا لرحلة وصوله مهما كلفه هذا من وسائل.

وقد بررت بعض الشعوب والثقافات "داء التملق"، وأعتبره "كذب جائز"، ويسميه الإنجليز (الكذب الأبيض) ويسميه الفرنسيون (الكذب المعذر) ويسميه الألمان (الكذب الاضطراري) أو (الكذب الرسمي)، وبعض المسلمين يطلقون عليه (الكذب المباح).

وفي المنظمات الإدارية الأمريكية تنتشر بينها مصطلحات مشابهة مثل (لاعقو الأحذية)... وكذلك مصطلح (مقشرو التفاح). وجميع هذه التعبيرات هي لغة متداولة لمن يعتقد بأن العمل بصورة فاعلة لا يكفي بل إن الفرد بحاجة إلى مهارة التملق أي (لعق الأحذية)... حتى يقنصوا الترقيات والعلاوات والامتيازات.

وقال الشاعر الفرنسي جان دو لافونتين: "يعيش المتملق على حساب من يستمع إليه"، فالتملق مثل "المال المزور" يشبع الغرور لكنه لا يفيد!.

كما ذكر الشاعر البريطاني جون ميلتون التملق بأنه صفة "تخص الشيطان"، والشاعر الإيطالي "دانتي"، قال: "إن المتملقين مكانهم في الحلقة الثامنة من جهنم مع الطغاة والقتلة"!.

ومن الطريف أن التملق ليس صفة تقتصر على بني البشر بل تتصف بها القردة أيضًا التي يلجأ بعضها إلى المداعبة من أجل التقرب إلى البعض الآخر طلبًا لإحراز تقدم في وضع معين أو في علاقة ما.

ويوجد من يتملق نفسه مثل  الفراعنة، فقد أحبوا أنفسهم وتملقوها عندما ظنوا أن باستطاعتهم هزيمة الموت وتحقيق الخلود!

وبتعبير الكتاب المقدس "يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ." (يه16) وفي ترجمة أخرى «يتملَّقون الناس في سبيل المصلحة الخاصة». ‏.

وفي لغة سليمان الحكيم الذي يتملق صاحبه ينشر شبكة لرجليه (أم5: 29)... فالتملق فخّ، وهذا ما فعله الفريسيون مع الرب يسوع  عندما قالوا له: ‏ «يا معلم نعلم انك صادق وتعلّم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس». ‏ وكان ذلك استرضاء وتملق! ‏.

لكنَّ كلامهم المعسول لم يخدع الرب يسوع. ‏.

فقد علم انهم لم يؤمنوا بتعاليمه الحقة بل كانوا يحاولون فقط أن يصطادوه بكلمة في مسألة دفع الجزية لقيصر.

لقد كان لا يقبل تملّق ولا يتملق أحد.. وبالمثل كان بولس الرسول: "فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللهُ شَاهِدٌ." (1تس2: 5).

لذلك نحذر التملق... فهو أبدًا لم يكن طريق التـألقّ!!