الإصحاح الأول – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المقدمة

سبب كتابة الرسالة.

حدث إضطهاد ضد الكنيسة المسيحية وحكم السنهدريم على المسيحيين الذين كانوا من أصل يهودى بالطرد من المقادس ومعاملتهم كمتعدين على الناموس وأنهم نجسون مرتدون. وبهذا جرح هؤلاء الأتقياء فى أعماق قلوبهم، لأنهم شعروا أنهم عزلوا عن شعب المسيا.

بل لقد سلبوا أموالهم (10: 32 – 36) وسجن البعض (13: 3) وبعض المرشدين استشهدوا (13: 7) ومنهم يعقوب أخو الرب. بل لقد واجهوا إضطهاداً من الرومان أيضاً.

وحدثت مشكلة أخرى واجهت هؤلاء العبرانيين (المسيحيين الذين كانوا من أصل يهودى) وهى أنهم كانوا يتوقعون عودة المسيح سريعاً وكان هذا سبب تعزية لهم ومصدر فرح ولكن لما طالت المدة ولم يأتى المسيح تعثروا وبالذات لأن اليهود كانوا يبشرون بأن المسيح قد إقترب مجيئه لهم ليقيم وسطهم مملكته والتى من خلالها سيحكمون العالم كله.

فبولس يكتب لهؤلاء العبرانيين لأنهم كانوا يفكرون فى الإرتداد لليهودية وسط إغراءات من اليهود بقبولهم ثانية فى الهيكل ورد إعتبارهم مدنياً. وملخص ما قاله لهم بولس الرسول:

  1. هو صور المسيحية أنها الكمال واليهودية أنها النقص فمن يرتد لليهودية يكون كمن يرتد من الكامل إلى الناقص ومن الحقيقة إلى الظل ومن النور للعتمة.
  2. فى المسيحية صار لنا قبول لدى الله بالمسيح إبن الله الوسيط الوحيد أما فى اليهودية فكانت الوساطة عن طريق كاهن وذبيحة حيوانية، بل الكاهن نفسه يحتاج لذبيحة عن خطاياه، بل أنه يموت وينتن بينما أن المسيح حى إلى الأبد.
  3. يؤكد لهم بولس الرسول أن ما نالوه أكثر بكثير مما فقدوه، فهم إقتنوا الهيكل السماوى عوضاً عن الهيكل الأرضى الرمزى، وإنفتحت لهم أورشليم السماوية بدلاً من أورشليم الأرضية، فالمسيحية ليست حرماناً بل إقتناء للسماويات وتمتع بالأبديات.
  4. ولكن كما صلب المسيح خارج أورشليم هكذا نصيب من يتبع المسيح. وستكون كنيسته مطرودة لتشاركه آلامه.
  5. ضرب لهم بولس الرسول أمثلة لأبطال الإيمان فى العهد القديم الذين لم يروا المواعيد عياناً (إصحاح 11).
  6. بل إحتملوا بالإيمان كل أنواع المشقات. وعَرَّفَ لهم الإيمان بأنه الثقة بما يرجى. وعليهم أن يتشبهوا بهؤلاء الأبطال ويحتملوا الآلام، بل يتشبهوا بالمسيح نفسه فى إحتمال الآلام. وبالإيمان أيضاً ينتظروا المسيح فلا يتعجلوا مجيئه ويصيبهم اليأس من عدم مجيئه. بل أن المسيح رئيس خلاصهم تكمل بالآلام (عب 2: 10) فلابد أن نكمل نحن أيضاً بالآلام.
  7. يحذرهم بولس الرسول أن من ذاق المواهب السمائية وإرتد يكون بلا رحمة وبلا توبة.
  8. أدرك بولس الرسول أن الهيكل كان على وشك الخراب وكانت هذه الرسالة لتعزية من إرتبط قلبه بالهيكل وليعلم العبرانيين أن هذا علامة على نهاية الكهنوت اليهودى.

الرسالة للعبرانيين هى ربط العهد الجديد بالقديم.

  1. هذه الرسالة هى سفر هام يربط العهدين. فبولس الرسول يقارن بين العهد القديم وبين العهد الجديد ليثبت تفوق العهد الجديد راجع (2كو 3: 6 – 11).
  2. الرسالة ربط مبدع بين كلمة الله للأنبياء (عبادة الهيكل) وبين عبادة المسيح كلمة الله.
  3. نرى أهمية العهد القديم فى هذه الرسالة (عب 1: 1، 2) فالله هو الذى نطق بما فيه بل العهد القديم يحمل فى طياته العهد الجديد، بل هو ظل له وهو رمز له والعهد الجديد به إكتمل العهد القديم. فالله له فكر واحد وكلمة واحدة. فمثلاً الراحة فى العهد القديم تشير لراحتنا فى السماويات ورئيس الكهنة اليهودى يشير للمسيح رئيس كهنتنا الذى دخل السموات بدم ذبيحة جسده ليتراءى أمام الله فيجد لنا فداء أبدياً وصلحاً وخلاصاً أبدياً. لذلك فاليهودية وحدها لا تكفى إذ تقف بالإنسان بعيداً عن الله.
  4. الناموس علم الإنسان كيف يتطهر من النجاسات التى تنجس الجسد لكى يتدرب الضمير على بغضة النجاسة والخطية وهذه أسماها الرسول الأعمال الميتة فى داخل الضمير 9: 14 ولكن كل التشريعات الناموسية بقيت ناقصة غير قادرة على الوصول بالضمير لحالة الرضا الكامل 10: 1 – 4. ويتحول السفر ليشرح كيف تنقلنا المسيحية من الناقص إلى الكامل، من التطهير بدم الذبائح إلى تقديس القلب والضمير بالروح 10: 5 – 10. إذاً فالوحى الإلهى يتدرج فى أخذه بيد الإنسان ليمتد إلى أعلى ويترقى 9: 9 – 11 لذلك قال المسيح ماجئت لأنقض بل لأكمل.

تشبيه: الناموس يشبه القانون. فمواد القانون الجنائى تمنع القتل، ولكنها لا تستطيع أن تصل لمنع البغضة والكراهية من القلب. أما المسيحية فهى تصل للقلب لذلك نسمع وصايا العهد القديم "لا تقتل أخيك" ووصايا العهد الجديد "أحبوا أعدائكم".

هى رسالة تعزية وإنذار.

هى رسالة إنفتاح السماء على المطرودين والمحرومين، يعزى فيها الرسول العبرانيين بأن لهم رئيس كهنة إحتمل الآلام مثلهم 2: 18 + 4: 15، 16. ولكن فى نفس الوقت يحذر الرسول من الإرتداد عن المسيحية. فالذى يرتد لا تكون له فرصة للتوبة.

أهمية هذه الرسالة الآن.

  1. رسالة العبرانيين كتبت والهيكل على وشك الخراب والضيقة الكبيرة (حصار الرومان وهدم أورشليم والهيكل وإبادة مئات الألوف من الشعب اليهودى على يد تيطس الرومانى) ونحن فى هذه الأيام قد إقتربنا من الضيقة العظيمة ونهاية العالم. ونجد فى هذه الرسالة تشجيع وتعزية حتى لا نرتد عن إيماننا إذا حدث ضيق (مت24).
  2. وكما أظهرت الرسالة عظمة المسيح بالمقارنة مع الملائكة ومع موسى، هكذا علينا أن نثق فى قوة مسيحنا فى هذه الأيام لنجتاز فترة الضيقة العظيمة.
  3. الرسالة تعلن شخص المسيح ومن يعرف المسيح حقيقة.

(4: 14 + 7: 24 – 26) لا ترهبه الآلام ولا الإضطهادات ولا سلب الأموال ولا يفرط فى إيمانه أو يرتد.

  1. هناك تحذيرات مرعبة لمن يرتد عن الإيمان: - (2: 1 – 3 + 3: 6 - 19 + 4: 1 + 6: 4 – 6 + 10: 28 – 31 + 10: 39).
  2. وهناك كلمات تشجيع: - (4: 14، 16 + 6: 11، 12 + 10: 23، 36 + 12: 1، 3، 4).

الرسالة تعلن بوضوح أن المسيح هو الله.

(عب 1: 8) "وأما عن الإبن كرسيك يا الله" فهو أعلن صراحة أن النبوة التى قيلت عن الله هى منطبقة على الإبن.

أقسام الرسالة.

  1. سمو العهد الجديد عن العهد القديم: -.
  2. المقارنة بين وسطاء العهدين: - فوسيط العهد الجديد هو المسيح ووسطاء العهد القديم هم موسى والملائكة. والمسيح أعظم من الملائكة.

(1: 3، 4، 14، 6) + (2: 2 – 5 + 2: 8) والمسيح أعظم من موسى (3: 3، 5، 6).

  1. سمو كهنوت المسيح عن الكهنوت اللاوى: -.

(4: 14 + 5: 6 + 7: 18، 19).

  1. سمو شريعة العهد الجديد عن شريعة العهد القديم: -.

(8: 7 – 13) + (9: 13 – 16) + (9: 24).

  1. نصائح أخلاقية: -.
  2. الثبات على الإيمان والتمسك به: - 10: 22، 23، 32 – 39.
  3. تحديد معنى الإيمان وذكر بعض أمثلة لأبطال الإيمان: - ص 11.
  4. السفر فى إبداع مزج العقائد مع الروحيات لنخرج بفوائد روحية وتطبيقات عملية. فهم كانوا فى خجل من صليب المسيح وضعف الإنجيل والمسيحية. وبولس الرسول هنا يرفع نظرتهم للمسيح ليكون حامل تقديس وتكميل عوضاً عن أن يكون حامل عار. فالخطية التى حطمت نفوسهم وأضعفت موقفهم أمام الله ولم تستطع ألاف الذبائح وصفوف الكهنة ورؤسائهم أن يزحزحوها عنهم، هذه الخطية أبطلها لهم المسيح ليعيشوا، ليس بضمير ملوث بالخطية بل بشعور التقديس والمقدسين والمكملين أمام الله. والآن عليهم أن لا يتسرعوا عودة المسيح بل يفرحوا بأنه فى السموات يشفع فيهم، بل ينظروا للمسيح الذى إحتمل الآلام لأجلهم ليحتملوا هم أيضاً (12: 2 – 4).
  5. واجبات إجتماعية: - 13: 1 – 5.
  6. واجبات رعوية: - 13: 7 – 17.

من الذى كتب الرسالة إلى العبرانيين.

كاتب رسالة العبرانيين لم يكتب إسمه إلا أن الكنائس الأرثوذكسية والشرقية منذ بدايتها نسبت الرسالة لبولس الرسول، وقال بهذا معظم الأباء وعلى سبيل المثال البابا بطرس خاتم الشهداء والبابا أثناسيوس الرسولى وديديموس الضرير والبابا كيرلس عمود الدين ويوحنا فم الذهب وكيرلس الأورشليمى وكثيرون. والكنائس الغربية تبعت الكنائس الشرقية بعد القرن الرابع.

إلا أن بعض الدارسين ينسبون الرسالة لكاتب آخر غير بولس الرسول لسببين:

  1. أنه لم يكتب إسمه كما تعود فى باقى رسائله.
  2. هناك بعض الإختلافات عن باقى رسائل بولس الرسول.

أولاً: - لماذا لم يذكر بولس الرسول إسمه؟

  1. بولس الرسول كرسول للأمم كان أكثر تحرراً من الرسل الذين بشروا اليهود مثل بطرس ويعقوب ويوحنا فى الإرتباط بالطقوس اليهودية كالختان مثلاً، وهذا سبب فى نفور العبرانيين منه (المسيحيين الذين من أصل يهودى). وهؤلاء تحاملوا عليه. فلو ذكر إسمه لنفروا من الرسالة كلها ورفضوها وشككوا فيها.
  2. بولس أُرسِل للأمم ولم يُرسَل لليهود، فتأدباً منه وتواضعاً لم يذكر إسمه فيكون كمن إعتبر نفسه رسولاً للعبرانيين.

ثانياً: - إن كان هناك بعض الإختلافات عن باقى الرسائل فهناك أوجه كثيرة للشبه:

  1. التشابه بين رسالة العبرانيين ورسائل بولس الرسول الأخرى.

الملائكة نطقوا بالناموس عب 2: 2 – 5.

مع غل 3: 19 – 25.

أورشليم السمائية عب 12: 22، 13: 14.

مع غل 4: 25، 26.

كلمة الله هى سيف الروح عب 4: 12.

مع أف 6: 17.

اللبن هو طعام الأطفال فى الإيمان عب 5: 12 – 14 مع 1كو 3: 1 – 3.

الدهر الأتى فى مقابل الدهر الحاضر عب 6: 5، 9: 9.

مع أف 1: 21.

الظل فى مقابل الحقيقة عب 8: 5، 10: 1.

مع كو 2: 17.

تحديد علاقة الإبن بالآب وبالعالم عب 1: 1 – 3.

مع كو 1: 15 – 17 + 1كو 8: 6.

تواضع المسيح الإختيارى عب 2: 9 + 5: 7، 9.

مع فى 2: 7 – 8 + غل 4: 4 – 5.

إسم المسيح فوق كل إسم عب 2: 7 + 10: 12.

مع أف 1: 20 – 22 + فى 2: 9 – 11.

ثلاثية بولس (الإيمان والرجاء والمحبة) عب 6: 10 – 12 + 10: 22 – 24 مع 1كو 13: 13 + 1تس 1: 3 + 8: 5.

المسيح يظفر على إبليس وعلى الموت عب 2: 14.

مع كو 2: 15 + 1كو 15: 54 – 57.

إمكانية هلاك المؤمن عب 3: 16، 17.

مع 1كو 10: 5 – 12 (لاحظ استخدام نفس التشبيه).

  1. الإختلافات بين العبرانيين وباقى رسائل بولس الرسول:
  1. لقب رئيس كهنة الذى إستخدمه بولس الرسول هنا للمسيح لم يذكره فى باقى رسائله والسبب أن باقى الرسائل موجهة للأمم الذين لا يعرفون شيئاً عن الطقوس اليهودية ولا عن رئيس الكهنة. أما هذه الرسالة فموجهة للعبرانيين.
  2. كان بولس الرسول يذكر الجزء العملى والأخلاقى فى نهاية رسائله وهنا نراها ممتزجة مع الجزء التعليمى. ولكنه هنا أراد أن يفعل هذا ليحول العقيدة إلى خبرة حياة.
  3. فى مقارنته بين العهدين كان يقارن بإختصار فى باقى الرسائل، أما هنا فهو قد أسهب فى المقارنة. والسبب واضح أن هذا هو موضوع الرسالة وهى موجهة للعبرانيين الذين يعرفون تفاصيل العبادة والشرائع اليهودية.
  4. فى ص (11) ذكر سلسلة طويلة لأبطال الإيمان ولا نجد ما يقابل هذا فى باقى الرسائل ونقول وما المانع فهل لا بد أن تتشابه كل الرسائل فى كل شئ.
  5. نجد الرسول هنا يذكر إسم السيد المسيح مجرداً من الألقاب فيقول يسوع فى معظم الأحيان والسبب أنه كان يركز على عمل المسيح بجسده.

لمن كتبت الرسالة إلى العبرانيين.

الرسالة كتبت إلى مؤمنين مسيحيين من أصل يهودى، ومن غير الممكن أن تكون مكتوبة لمؤمنين كانوا من الأمم، فالأمم لا يعرفون شيئاً عن الطقوس والعقائد اليهودية.

وهم الذين أسماهم بولس أهل الختان فى أماكن أخرى (غل 2: 12) + (كو 4: 10، 11) + (أع 11: 2).

  1. هناك من يقول أن هؤلاء العبرانيين كانوا من يهود فلسطين وخاف عليهم الرسول من الارتداد بسبب شدة اضطهاد اليهود لهم والمشكلة هنا لماذا كتب باليونانية وليس بالعبرية.
  2. هناك من يقول أنه كتبها لمؤمنى إنطاكية. وهناك من قال للعبرانيين فى الإسكندرية وهناك من قال أنها لمؤمنى إيطاليا لذلك كتبها باليونانية.
  3. الأرجح أنها كتبت لكل هؤلاء ولكى تصلح للكل كتبها الرسول باليونانية.

حقاً هى كتبت لمجموعة خاصة يعدهم الرسول بالزيارة ولكن كتبها الرسول وفى ذهنه منفعة الجميع. فالعبرانيين فى كل مكان وجدوا مقاومة شديدة من اليهود.

تاريخ كتابة الرسالة.

كتبت قبل خراب الهيكل الذى تم هدمه سنة 70 م بدليل أن بولس لم يشير إلى هدمه بل قال أن الذبائح التى تقدم لا تكمل 9: 9 + 10: 1، 2 + 13: 10.

ولكن كانت الأحداث تشير بقرب الحرب فى أورشليم. وبالروح أدرك بولس أن اليوم قد إقترب لخراب الهيكل بل وخراب أورشليم فأرسل لهم أى للعبرانيين يقول ليس لنا هنا مدينة باقية 13: 13، 14 حتى لا يصدموا صدمة عنيفة حين يروا خراب أورشليم. ونجد فى 10: 25 إحساس الرسول الصادق بإقتراب هذا الموعد. وإذا علمنا أن أحداث الخراب بدأت سنة 67 م. فيمكن تحديد زمن كتابة الرسالة على أنه يسبق هذا الميعاد ويحدده الدارسون بأنه سنة 63 م.

وعلامات هذا اليوم، يوم خراب أورشليم حددها الرب يسوع فى مت 24. فهو رأى بالروح أن اليوم آت سريعاً وينبغى الخروج من أورشليم.

معنى كلمة عبرانى.

سمى إبراهيم عبرانى حيث أنه أتى إلى أرض الميعاد عابراً نهر الفرات (يش 24: 3) + (تك 14: 13).

تسلسل الرسالة:

بولس الرسول يوجه رسالته للمسيحيين ويقصد بالذات تعزيتهم ويُعرِّفَهُم بعظمة وجلال شخص المسيح وأنه فوق كل الخليقة وفوق كل أمجاد العهد القديم، وأن الإيمان به يُحيى، فهناك من إرتد عن الإيمان لليهودية بسبب:

  1. إحساسهم بمرارة عزلهم من الجماعة اليهودية.
  2. إحساسهم بأنهم فقدوا بركات العهد القديم.
  3. الإضطهاد الشديد الذى تعرضوا له.

والرسول بولس يُظهر أن الإيمان بالمسيح هو طريق الحياة بينما الإرتداد عنه يؤدى للموت والهلاك.

ونرى فيما يلى تسلسل الرسالة:

المسيح هو الله ظهر فى الجسد ليستعلن لنا الآب، ويفدى البشر. وإذا تكلم فهو الله يتكلم وليس كالأنبياء الذين كان الله يوحى إليهم بما يقولون. لذلك فمن حقه أن يقول "سمعتم أنه قيل للقدماء (يهوه هو الذى كان يقول ويُشرِّع فى العهد القديم) أما أنا فاقول (فهو يهوه إذن له حق التشريع) (مت21: 1، 22).

اليهود كانوا يفتخرون بأن ناموس موسى قد سلمه له ملائكه، والرسول هنا يقول للمسيحى أنت لم تخسر بل كسبت بإيمانك بالمسيح، فالمسيح أعظم من الملائكة. أليس هو نفسه يهوه العظيم؟.

الرسول يُنبه إلى خطورة إهمال الإيمان بالمسيح وعدم الإهتمام بكلامه ووصاياه فهو يهوه.

إن كان المسيح إبن الله قد ظهر فى الجسد وتألم وأُهين، فهو قد فعل ذلك لنحصل نحن على الخلاص والبنوة لله، بأن جعلنا له أخوة، ثم تمجد ليأخذنا للمجد، هو الذى كان يسعى وراءنا ليجذبنا للمجد فهو يحبنا (آية16). هو تألم لكى يَكْمُل (أى يُشبهنا فى كل شئ)، ونحن نتألم لنكمل ونشبهه (غل19: 4).

هو إبن الله الديان، ولكنه رحيم بنا إذ يُحبنا، وأيضاً حينما تجسَّد شعر بآلامنا ويُعيننا ويرحمنا.

هم يفتخرون بأنهم شعب موسى. والرسول هنا يقول موسى فعلاً عظيم، لكن المسيح هو إبن الله الذى له كل المجد، وهو خالق موسى وخالق الجميع = بانى البيت.

إذن كل من يؤمن بالمسيح يخلُص ويدخل للراحة السماوية. وأما من يُقسِّى قلبه تاركاَ الإيمان بالمسيح فلن يدخل إلى الراحة. إذاً تمسكوا بالإيمان وليكن لكم رجاء فى هذه الراحة، بل إفتخروا بالمجد المُعَّد لكم، إن تمسكتم بالإيمان، والرسول إستخدم هنا كلمة شاملة غرور الخطية (آية13)، فالخطية هى كلمة عامة تعنى أن يُخطئ الإنسان الهدف. وهدفنا المجد والراحة، والطريق لهما هو الإيمان بالمسيح والثبات فيه فهو الطريق. والإيمان هو الطريق لغفران الخطية (يو9: 16)، إذاً عدم الإيمان هو الخطية. وكل من يسلك عكس الوصية فى غرور وتحدى لله فهو يُخطئ الهدف أى الراحة والمجد. وغرور الخطية لها معنى آخر = أنها مخادعة تظهر لذة الخطية وتخفى المرار الناشئ عنها.

لاحظ قوله فى (آية1) قد خاب منه أى فشل فى الوصول للهدف أى أخطأ الهدف، إذ ترك الإيمان وإرتد عنه، وبهذا يفقد الراحة. إذاً فلنحذر أن نرتد فتضيع منّا الراحة.

الله قال أن من يرتد ويُخطئ لن يدخل الراحة، وكلمة الله لا تسقط، بل هو فاحص القلوب والكُلى، فلا ينفع معه أسلوب الرياء.

ليس معنى أن كلمة الله لا تسقط أن كل مرتد أو كل خاطئ سوف يهلك، فطريق التوبة مفتوح، والله يقبل كل تائب فهو رحيم.

اليهود كانوا يفتخرون بأن لهم رئيس كهنة إختاره الله بنفسه (هرون ثم من خلفه فى رئاسة الكهنوت) وأن الله أسس الكهنوت الهارونى اللاوى ليشفع فيهم، فيصيروا مقبولين أمام الله. والرسول هنا يُظهر عظمة المسيح إبن الله الذى أرسله الآب ليُقدِّم نفسه ذبيحة وهو الذى لم يُخطئ بينما أن رئيس الكهنة اليهودى كان إنساناً يُخطئ ويُقدِّم ذبيحة عن خطاياه. وكما إختار الله هارون للكهنوت، أرسل الله المسيح إبنه متجسداً ليقوم بدور رئيس الكهنة الذى يُقدِّم ذبيحة نفسه. وإذ كان المسيح بلاهوته يستحيل أن يموت، أخذ جسداً يموت به = أنا اليوم ولدتك.

بل أن كهنوت المسيح أعظم من كهنوت هارون، فهو على طقس ملكى صادق، كهنوته (شفاعته فى البشر) شفاعة كفارية أبدية.

المسيح الذى بلا خطية صار إنساناً كاملاً وذاق آلامنا فكُمِّل أى شابهنا فى كل شئ. وأطاع حتى الموت موت الصليب ليشفع فينا أى يُعطينا حياة بدلاً من الموت الذى نُعانى منه، وهذا هو الخلاص الأبدى.

وكهنوت المسيح أعلى من كهنوت هارون، فكهنوت المسيح على رتبة ملكى صادق.

ربما تتساءلون لماذا كهنوت ملكى صادق أعلى من كهنوت هارون، وهذا لأن عيونكم مُغلقة، وحواسكم الروحية التى تستشعر السماويات مُغلقة، فلم تستطيعوا فهم من هو ملكى صادق هذا، وإلى من يرمز. والناضجين روحياً لهم الحواس الروحية مفتوحة، هم القادرين أن ينظروا بعُمق لمعنى كلمات الكتاب المقدس، أما الأطفال روحياً فلا يستطيعون بل هم يكتفون بالمفاهيم السطحية، والسبب فى هذا الضعف هو الخطية، فكيف يفتح الروح القدس حواسكم لتفهموا وأنتم لكم أهداف أخرى غير الله.

أنا لا أكتب لمن إرتد وترك الإيمان فهؤلاء إختاروا طريق الموت. فالإرتداد هو خطية للموت (1يو16: 5). وقطعاً فمثل هؤلاء لن يفهموا معانى الكتاب (إش9: 29 – 12) حواسهم مُغلقة بسبب الخطية، لذلك لن يفهموا ولذلك أقول أن ما أقوله ليس لهؤلاء.

أنا أكتب لكم أنتم لتفهموا أو تثبتوا للنهاية فترثوا المواعيد.

المواعيد صادقة، ودليل هذا أن الله وعد بل أقسم أن يُعطيها لإبراهيم ولورثة إبراهيم بالإيمان. ونحن قد صار لنا رجاء فى هذه المواعيد فالمسيح سبق ودخل السماء ليشفع فينا فهو كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق.

الرسول يشرح هنا لماذا كان كهنوت ملكى صادق أعظم من كهنوت هارون.

الرسول يسترسل فى الشرح عن عظمة كهنوت المسيح بالمُقارنة بالكهنوت الهارونى. بل أن الكهنوت الذى على طقس ملكى صادق هو الكهنوت الأبدى الكامل وبهذا أُلغى الكهنوت الهارونى. فهل ترتدوا عن إيمانكم إذ تريدون أن تعودوا لكهنوت تم إبطاله, وإستبدله الله بكهنوت أبدى الذى هو شفاعة المسيح الكفارية الأبدية.

يعود الرسول ويقول أنه يُريد أن يتكلم عن عظمة كهنوت المسيح الذى بعد أن قدَّم ذبيحة نفسه جلس عن يمين عرش العظمة ليشفع فينا، فهل نرتد عن إيمان عظيم بهذا المقدار. بل لنفهم أن العهد القديم كله بكهنوته وذبائحه، ما هو إلا وسيلة شرح ورموز لكهنوت المسيح. كهنوت المسيح وشفاعته هو المقبول عند الله.

الرسول مازال يسترسل فى شرح فكرة شفاعة المسيح الكفارية المقبولة عند الله الآب، وهذا معنى كهنوته. ويُظهر الرسول عظمة كهنوت المسيح بالمقارنة مع الكهنوت الهارونى الذى كان رمزاً وإشارة لكهنوت المسيح ولنرى المقارنة هنا:

  1. رئيس الكهنة اليهودى خاطئ ويُقدم ذبائح عن نفسه (آية7).
  2. المسكن الأول رمز فقط وسيختفى (الآيات8، 9).
  3. ذبائح العهد القديم ذبائح حيوانية، أما المسيح فإبن الله المتجسد الكامل (آية11).
  4. الذبائح الحيوانية لا تُكَمِّل (آية 9).
  5. الذبائح الحيوانية تؤدى لطهارة الجسد، أما المسيح الكامل فذبيحته تطهر حتى الضمير (آيات 13، 14).
  6. المسيح جاء ليكون وسيط يدعونا لوعد الميراث الأبدى (آية 15).
  7. المسيح لم يدخل إلى قدس أقداس أو أقداس أرضية ليشفع فينا، بل إلى السماء (آية 24).
  8. ثم المسيح سيظهر ثانية للخلاص للذين ينتظرونه (آية28).

الرسول يُكَمِّل الشرح لإيضاح معنى كهنوت المسيح وأنه يُكَمِّل ويُقَدِّس ويَغْفِر الخطايا ويُطَهِّر الضمائر. ويثبت فى الآيات (4 – 10) أن الله لم يكن مسروراً بالذبائح الحيوانية بل كان يُدَبِّر تجسد إبنه ليُكَمِّل ويُطَهِّر البشر ويقدسهم. وفى النهاية سيَخْضَع الكل تحت قدمي المسيح (آية13).

بعد أن فهمتم عظمة المسيح وكهنوته وشفاعته فلنتمسك بالإيمان به.

تحذير بهلاك من يرفض الإيمان ويرتد.

الرسول يشجع المؤمنين على الثبات فى الإيمان، ويُذَكِّرهم بمحبتهم القديمة ورجاءهم وإحتمالهم السابق للآلام الذى كان مصدر فرح وعزاء لهم. ولتشجيعهم ينبههم أن من يثبت على الإيمان يحيا، أما المُرْتَد سيهلك. فالمسيح الديان سيأتى ليدين (آيات37 - 39).

الرسول يشرح ماهو الإيمان، وعظمة الإيمان، وما يحصل عليه المؤمن. والإيمان هو الرجاء فى وطن سماوى، فلا تتضايقوا من الضيق الحالى. لا تطلبوا مجداً ارضياً. بل إثبتوا على الإيمان فتحصلوا على الوطن السماوى. بل الإيمان جعل الآباء يحتملون آلاماً كثيرة تاركين غنى العالم وخطاياه ناظرين لهذا الوطن السماوى برجاء.

الكنيسة كلها ستحصل على المواعيد السماوية معاً كجسد واحد، هؤلاء الذين سبقونا ونحن أيضاً.

الإيمان ليس نظرياً فقط، بل هو إيمان عملى حى. وعلامة أنه إيمان حى حقيقى أن نجاهد ضد الخطية. فمن ما زال يُخطئ ولا يجاهد فهو غير ناظر إلى المواعيد بل إلى شهواته الزمنية مُتعللاً بضعفه أمام الخطية لكن الله يُعطى قوة ومعونة تجعلنا نُقاوم الخطية بسهولة.

الله يُساعدنا ببعض التأديب والتجارب لنكره الخطية ونتبرر فنفرح ونحيا فى سلام. وبالتالى علينا أن لا نتذمر إن أدبنا الله، فالله هدفه أن نفرح حينما نمتنع عن الخطية ولا نخسر بنوتنا لله.

علينا أن نتشدد فى طريق التوبة وصُنع السلام، لكى نرى الرب، ولا تضيع منّا فرصة الخلاص.

الرسول يُشجعهم ويقول أن من يستمر فى طريق الإيمان والتوبة فهو مدعو لحياة سماوية أفضل بما لا يُقاس من العهد القديم.

بعد أن شجعهم الرسول فى الآيات السابقة يعود ويُنذر المُرتد بالهلاك، فالذى يرفض طريق الإيمان ويسير فى طريق الخطية فهو يرفض الله نفسه الذى أتى من السماء ليدعونا إلى الدعوة السماوية.

قدم الرسول فى الآيات السابقة الجانب السلبى من الإيمان العملى أى الإبتعاد عن الخطية ومقاومتها، وعدم الإرتداد عن الإيمان. وهنا يقدم الجانب الإيجابى أى عمل أعمال بر مثل المحبة والعطاء للمحتاج والطهارة وعدم محبة المال وطاعة المُرشدين، وعدم الإنحراف وراء أى إنحراف فى العقيدة والثبات على الإيمان المُقدم مرّة للقديسين "يه3"، فالمسيح هو هو لا يتغيَّر، أى لا تسيروا وراء الإختراعات الإيمانية. وعليهم أن يحتملوا الإهانات والتعييرات من اليهود الذين يهزأون بهم إذ أنهم حرموا من الكهنوت اليهودى وذبائحه إذ آمنوا بالمسيح، فقُطِعوا من شركة اليهود. والرسول يوضح لهم أن كهنة اليهود هؤلاء واليهود هم المحرومون من شركة الإفخارستيا (آيات9، 10). ولماذا لا نحتمل التعيير والطرد فالمسيح نفسه إحتمل هذا لأجلنا (آية12). وإذا طُردنا هنا لننظر إلى السماء المعدة لنا.

ختام الرسالة. الرسول يطلب صلواتهم عنه وهو يُصلى لهم ويُباركهم.

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ.".

كَلَّمَ = كلمة الله لها قوة فعالة (إش10: 55، 11). وكانت أقوال الأنبياء تتم فى الحال (1مل1: 13 - 5) + (2مل23: 2، 24) + (2مل9: 1، 10) فالنبوة كانت كلمة الله المنطوقة.

بالأَنْبِيَاءِ = الأنبياء شهدوا للمسيح وأعلنوا شخصه وعمله بل إن شهادة يسوع هى روح النبوة (رؤ10: 19) والنبى هو من يسمع قول الرب بأذنه المفتوحة ويرى رؤيا القدير بعينه المكشوفة ويخبر بما يسمع ورأى ولأنه يسمع ويتكلم يسمى نبى ولأنه يرى ويخبر يسمى رائى. والأنبياء أعدوا الطريق للمسيح فجعلوا الشعب ينتظر مجيئه والنبوات أعلنت كل شىء عن المسيح ولكن ظل شخص المسيح غامضا (2بط19: 1) + (لو25: 24 - 27) حتى جاء المسيح ورأينا فيه تحقيق كل النبوات فمثلا من كان يدرى أن رجل الأوجاع هو المسيح أو أن ملاك العهد هو المسيح أو أن الصخرة هى المسيح (1كو4: 10).

بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ = الله كلم آدم وقايين ونوح وإبراهيم وموسى وكلم أنبياء مرات عديدة. كلمهم بالرؤى والأحلام، بالأوريم والتميم، بالأمثال على يد الأنبياء وبواسطة الملائكة. بل تكلم مع موسى فما لفم. وكان الله يعلن جزء من الحقيقة لكل واحد بقدر ما يحتمل. ولكن فى المسيح ظهر إستعلان الله بالكامل. فخروف الفصح وعمود السحاب وعمود النار والصخرة والمن والحية النحاسية... الخ هذه كلها إعلانات تحققت وظهرت فى المسيح الذى قال أنا هو النور، أنا هو الخبز. الأباء والأنبياء نقلوا من الله لشعوبهم كلمة. أما المسيح الإبن فنقل لنا ورأينا فيه الله ذاته. فالمسيح هو الله متكلما فى إبنه. وهذا هو الإستعلان الكلى والكامل لله فى ذاته وصفاته الجوهرية. في محبة المسيح وغفرانه وتواضعه ووداعته رأينا صورة محبة الله وغفرانه وتواضعه.. في معجزات السيد المسيح رأينا إرادة الآب من نحو البشرية ففي إقامة الموتى رأينا إرادة الله في أن تكون لنا حياة أبدية. وفي تفتيح عيون العمى رأينا إرادة الله أن تكون لنا رؤية له ولأمجاد السماء وهكذا.

العدد 2

آية (2): -

"2كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَة فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ.".

فِي ابْنِهِ = الله يتحرك نحونا دائما بحركة الإعلان عن حبه وهو دائم الحديث معنا. الله ليس فى معزل عن الإنسان بل يود أن يتحد معه لينعم بشركة أمجاده الأبدية. وكلام المسيح روح وحياة (يو63: 6) وليس مجرد ألفاظ بل هو حياة فعالة (عب 12: 4، 13).

والله كان يتكلم عن طريق الأنبياء كآلات تعلن صوته، ولكنه الآن يحدثنا فى إبنه الذى هو كلمته الواحد مع الآب وبفدائه وهبنا حق الدخول فيه نازعا العداوة وصرنا واحدا مع كلمة الله وأعضاء جسده. لم يعد كلام الله مجرد وصايا نتقبلها لنطيعه، إنما بالأكثر قبول للكلمة الإلهى وثبوت فيه. فيه نلتقى مع الآب كأب لنا. الإبن واحد مع أبيه يحمل فيه الآب، والإبن يحوينا داخله أيضا بتقديسنا بدمه فنلتقى مع الآب فيه ونتعرف عليه. الفارق الهائل بين إستعلان الله بالكلمة على فم الأنبياء وبين إستعلانه فى المسيح كالفرق بين أن نعرف شيئا عن الله وبين أن نراه ونسمعه ونلمسه وإن كان كلام الله بالأنبياء لا يزول بل كلام الأنبياء يتحقق فى الحال فبالأولى كلمة المسيح التى تخلق. ونرى هنا وحدة العهدين فالله الذى كلمنا فى الأنبياء هو هو نفسه الذى كلمنا فى إبنه ولكن الآن أكمل الإستعلان. فى العهد القديم رأينا ظلال الحقائق أما الآن فنرى الحق عينه بل أعطانا الله الروح القدس الذى به نعرف عقل الله وفكر الله ونرى صورة للمجد (1كو9: 2 - 11).

الأَيَّامِ الأَخِيرَة = هو لفظ يشير لنهاية النظام اليهودى وبدء المسيحية. وفى المفهوم اليهودى يشير لعمل مقارنة بين الحاضر الزمنى والنظام فى المستقبل (تك1: 49) + (إر20: 23) + (إش2: 2). وبهذا تشير الكلمة لأيام المسيا وهكذا يفهمها سفر العبرانيين. والتعبير أيضا يشير للمجىء الثانى والدينونة وبذلك نفهم أنه بإقامة الكنيسة على الأرض بدأ ملكوت الله الذى سيكمل بعد القيامة. وفى (عد14: 24 - 19) تشير للأيام التى تسبق مجىء المخلص وإعلان الإنجيل يمثل الأيام الأخيرة فإعلان الإنجيل هو آخر ما إنتظرناه من إعلانات الله. فالإعلان الأول كان الإعلان الطبيعى وتلاه الإعلان للآباء البطاركة سواء بالأحلام أو الرؤى أما أخيرا فكان الإنجيل.

وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ = الإبن أخلى ذاته وصار فى شكل العبد حاملا إيانا فيه حتى إذا ما ورث بجسده الإنسانى كل شىء ببره الذاتى نرث نحن معه وفيه. الإبن لن يزداد شيئا فكل ما هو للآب هو للإبن ولكن نحن سنربح فيه الميراث حين يردنا له (رؤ15: 11). والله مهد لميراث السماوات بوعوده لليهود بأن يرثوا الأرض الجيدة ولكنهم كانوا سيفقدونها إن أخطأوا فالبر طريق الميراث. وقوله وارثا هى للجسد (ناسوت المسيح) فاللاهوت لن يرث شيئا جديدا فهو لم يخسر شيئا أصلا. وما ناله الجسد من مجد بجلوسه عن يمين الآب كان لصالح البشر. لذلك هو تجسد فهو لم يكن في حاجة لمجد فهو بلاهوته الأزلى له كل المجد. بل أخذ الجسد ليتمجد به ويعطينا هذا المجد. وهذا ما قاله السيد المسيح في (يو5: 17، 22). ففي (يو5: 17) الآن مجدني (بالناسوت) بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم (مجد لاهوته الأزلي). أما في (يو22: 17) وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني. فهو تمجد بجسده البشري لنتمجد نحن فيه. عَمِلَ الْعَالَمِينَ = THE WORLDS فالمسيح هو خالق السماء والأرض (يو3: 1). خالق الخليقة السمائية والأرضية. المنظور وغير المنظور، الزمنى والأبدى. هو اللوغوس هو قوة الله وحكمته.

العدد 3

آية (3): -

"3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي.".

بَهَاءُ مَجْدِهِ = فى آية 3 نرى طبيعة الإبن وعلاقته بالآب وطبيعة عمله الذى أتى ليعمله حين تجسد. وقوله بهاء مجده فلأن المسيح الإبن هو الإشعاع البهى لطبيعة الله المجيدة، الإبن هو نور من نور كان مع الآب منذ الأزل لأن الله على الدوام يشع الضياء ولم يوجد أبدا كشمس منطفئة. إذاً هذا التعبير يشير لأزلية الإبن. فالآب نور ولا يوجد نور بدون بهائه وإشراقه. بهاء النور لا ينفصل عن النور، بل هو واحد معه. ومن هنا فهم الأباء إصطلاح نور من نور ووضعوه فى قانون الإيمان وكون طبيعة الله نورانية فهذا يظهر من لمعان وجه موسى حين رأى جزء يسير من مجد الله. ولكن مع موسى فلقد إنعكس على وجهه بهاء خارجى، أما المسيح فهو البهاء بعينه غير منفصل عن الآب هو نور من مجد الله مرتبط بالله ومتحدا به ونابع منه.

المجد: أول مرة نسمع فيها عن المجد فى الكتاب المقدس كانت فى (تك1: 31) حينما إعتبر أولاد لابان أن قطيعا من الغنم هو مجد أبيهم ولكن الله عبر الكتاب المقدس إرتفع بالفكر الإنسانى حتى سمعنا هذه الآية فى (زك5: 2) "أكون مجداً فى وسطها". ومن هنا فهمنا أن المجد هو شىء خاص بالله فقط أو فلنقل أنه هو الله، ونحن نكون فى مجد إذا كان الله معنا وفى وسطنا وللأسف فإن كثيرين للآن مازالوا يفكرون بعقلية أبناء لابان متصورين أن المجد هو فى النقود والثروات والقصور... الخ.

ونحن لن نفهم طالما نحن على الأرض معنى كلمة مجد. فربما كانت تعنى النور أو تعنى العظمة أو تعنى الروعة أو تعنى القدرات والقوة وقد تعنى هذا كله.

وما يظهر من النور هو اللمعان.

وما يظهر من المجد هو البهاء.

ولا يوجد نور بدون لمعان ولا لمعان بدون نور.

ولا يوجد مجد بدون بهاء ولا بهاء بدون مجد.

ولأننا لا نستطيع أن نرى الآب فلقد ظهر لنا بهاءه فكان المسيح هو إستعلان للآب لذلك قال المسيح من رآنى فقد رأى الآب (يو9: 14).

وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ = هو الرسم الدقيق والصورة الحية لجوهر الآب أى أنه مساو للآب يحمل خصائص جوهر الآب ويحمل سماته بكل دقة وكمال. هو ليس مشابه للآب فى جوهره بل هو صورة الآب الكاملة وبهاؤه. الإبن هو حكمة الآب (1كو24: 1) فكيف يوجد زمان يكون فيه الآب بدون حكمته. لذلك فحين تجسد الإبن رأينا فيه الآب على قدر ما نحتمل. الذى رآنى فقد رأى الآب (يو9: 14). نحن لا يمكننا أن نرى الآب ولكن رأينا رسم جوهره متجسدا، لذلك أدركنا الله فى شخص المسيح وفى أعماله.

وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ = هنا نرى المسيح ضابط الكل لا يفلت منه شىء هو خلق العالم ومازال يضبطه ويتحكم فيه ولكننا نراه كراعٍ يحملنا فيه لنكون فيه تحت حمايته، يحملنا كما يحمل الراعى خروفه وكما تحمل الأم طفلها تغذيه وتتعهده برعايتها. يحمل أحزاننا وأفراحنا، يحملنا ليدخلنا إلى أفراحه.

بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا = لأنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته تجلت إمكانياته الإلهية ليس فقط فى خلقته إيانا من العدم، ولكن بعد أن فسدت طبيعتنا وهربنا من وجه الآب نزل لعمق الإنسان وحمل خطايانا مقدما ثمنها عل الصليب ليردنا إلى بيت الآب، وهو الآن يشفع فينا خلال ذبيحة نفسه. والتطهير شمل التقديس والتبرير والتبنى لله الآب والميراث (1كو9: 6 - 11).

جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ = (مز6: 45) + (مز1: 110) + (عب2: 12). المسيح بعد صعوده جلس عن يمين الآب. وكلمة اليمين لا تفيد معنى المكان (ونلاحظ فى نفس المزمور أن الآب عن يمين الإبن (مز1: 110، 5) إذاً اليمين ليس مكان، فالله فى كل مكان ولكنها بمعنى المجد والكرامة. وجلوس الإبن عن يمين الآب يشير للمساواة مع الآب فلا يتساوى مع الله غير الله ولنلاحظ أن الملائكة تقف أمام الله تغطى وجوهها (إش2: 6). هذه قيلت بعد أن أخلى ذاته آخذاً صورة عبد. فهو بناسوته أخذ صورة عبد، وأخذ ناسوته وتمجد به وهذه تساوي جلس في يمين العظمة.

وقوله العظمة هو تعبير يميز جلال الله ومجده فوق كل شىء وكل مجد دنيوى. ولنلاحظ أن المسيح نزل وبعد أن نزل صعد، نزل إلينا وصعد ليصعدنا معه، إرتفع ليرفعنا معه وفيه وبه نجلس حيث هو جالس، إرتفع الرأس ليرفع معه الجسد.

العدد 4

آية (4): -

"4صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ.".

إبتداء من هنا دخل الرسول فى موضوع الرسالة مباشرة وبدأ يشرح كيف أن المسيح أعظم من الملائكة، ولأن التقليد اليهودى يقول أن موسى إستلم الناموس بيد ملائكة بدأ الرسول بأفضلية المسيح عنهم ثم يتبع بأفضلية المسيح عن موسى وغيره. أما شريعة العهد الجديد فسلمها المسيح مباشرة بدون ملائكة ولا نار ولا زلازل.

أَعْظَمَ = كان المسيح بالجسد يبدو فى حالة إتضاعه أنه أقل من الملائكة. ولكن الرسول هنا يظهر عظمته بالنسبة للملائكة كإبن وحيد الجنس. وكلمة أعظم هى فى الكرامة والإستحقاق. ونلاحظ فى الرسالة تكرار كلمتى أفضل وأعظم فى جمال المقارنة بين العهد القديم والعهد الجديد. ونلاحظ أن المسيح بلاهوته هو فوق كل مقارنة ولكن هذه المقارنات هى للمسيح بالجسد أى فى حالة إتضاعه ومع هذا فهو يفوق الجميع فى المقام والقوة والكرامة.

وَرِثَ = قارن مع (فى9: 2، 10) وراجع تفسير (2: 1) فالميراث لحسابنا فالملائكة خدام الله أما المسيح فهو إبن الله الوحيد.

أَفْضَلَ = الملائكة لهم إسما فاضلا ولكن الإبن أفضل.

العدد 5

آية (5): -

"5لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟".

أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ = هذه الآية من المزمور الثانى لداود.

أَنْتَ ابْنِي = هذه تشير لولادة المسيح الأزلية من الآب "نور من نور إله حق من إله حق".

أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ = هذه تشير ليوم ولادة المسيح بالجسد من العذراء مريم. ونلاحظ أن قوله أنت إبنى يسبق قوله أنا اليوم ولدتك لأن ولادته الأزلية تسبق ولادته بالجسد.

ولكننا كنيسة المسيح نحن أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30: 5) لذلك فقوله أنا اليوم ولدتك تشير لميلاد الكنيسة. هنا الآب يخاطب البشرية التى حملها المسيح فيه ولذلك فكلمة اليوم يتسع معناها لتشمل الآتى بالإضافة ليوم ميلاد المسيح بالجسد.

  1. يوم عماد المسيح: فعماد المسيح كان لحسابنا فنحن أيضا سنولد من الماء والروح وفيه حلول الروح على جسد المسيح لذلك قال الآب هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت. وسيحل علينا الروح فى المعمودية. نموت مع المسيح لنقوم معه. ويوم عماد المسيح كان هو البداية لذلك فالمسيح رسم فى هذا اليوم المعمودية لتكون موتا معه وقيامة معه. نزول المسيح للماء كان يشير لقبوله الموت عنا، وكل من سينزل الماء فى المعمودية سيموت معه. وخروج المسيح من الماء كان يشير لقيامته وقيامة كل معمد معه.

يوم العماد، عماد المسيح سمعنا الآب يقول "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت" (مت17: 3) + (مر11: 1) + (لو 22: 3) فهو فرحة الآب برجوع أولاده (أى الكنيسة جسد المسيح إبنه الوحيد الجنس) إليه.

أما يوم التجلى فالآب قال "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت له إسمعوا" (مت5: 17) + (مز7: 9) + (لو35: 9).

والفرق أن فى التجلى زيد قوله "له إسمعوا" لأن التجلى كان فيه إستعلان لمجد المسيح وطبيعته، والآب يدعونا أن نسمع له، فكل كلمة تصدر منه هى كلمة الله، فها أنتم يا من ترونه فى حالة التجلى قد عرفتم من هو وأنه ليس إنسانا عاديا. أما يوم العماد فلم نسمع قول الآب له إسمعوا، والسبب أن الآب يوم العماد كان ينظر للكنيسة التى تولد وشعبه الذين سيصيرون له أبناء بواسطة المعمودية. هو يوم فرحة الآب برجوع الإبن الضال إلى أحضانه.

  1. يوم قيامة المسيح: راجع (رو4: 1). فيوم قيامة المسيح من الأموات تمجد الإبن. وفى هذا اليوم إستعلنت بنوة الإبن للآب وأنه الحى الذى لا يموت بل هو الذى داس الموت. وبالقيامة صار للبشر أن يقوموا أيضا ويكونوا أبناء فى الميراث السماوى.
  2. يوم حلول الروح القدس وميلاد الكنيسة وتأسيسها.

الآب يخاطب البشرية ففى المسيح ولدت البشرية

1 - بميلاد المسيح بالجسد]

2 - يوم عماد المسيح] أى فى الزمن

3 - يوم قيامة المسيح]

4 - يوم حلول الروح القدس]

.

أنا أكون له أبا وهو يكون لى إبنا = راجع (2صم13: 7، 14) + (1أى12: 17، 13) هنا بولس الرسول يقتبس بإرشاد الروح القدس هذه الآية التى قالها الله لداود النبى عن إبنه ويفهم من المعنى المباشر أنه يتكلم عن سليمان، ولكن بالتدقيق نفهم أنه يتكلم عن المسيح إبن داود بالجسد الذى كان سليمان رمزاً له. وسليمان هو الذى بنى الهيكل، كما أن المسيح بنى هيكل جسده أى الكنيسة (يو21: 2) وبهذا يتفق النصف الثانى من الآية "هو يكون لى إبنا" مع النصف الأول "أنا اليوم ولدتك" فى أن الحديث هو عن بنوة الكنيسة للآب بواسطة المسيح.

ولكن المعنى المباشر للآية يأتى فى مجال المقارنة بين المسيح والملائكة، فمَن مِن الملائكة قال له الله مثل هذا، مَن مِن الملائكة مجده الله هكذا.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: « وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ».".

أَدْخَلَ = المسيح يقول خرجت من عند الآب (يو28: 16). والرسول يسمى تجسد المسيح دخول إلى العالم. فهو خرج خروجا إرادياً من أمجاده ليدخل إلى حياتنا لكى يضم إليه طبيعتنا وحياتنا ويخرج بنا من عالمنا ويدخل بنا إلى حضن أبيه. دخوله إلى العالم لم يمس لاهوته ولكنه قدم للإنسان كرامة. الْبِكْر = يسميه البكر لأنه صار بكرا بين إخوة كثيرين (رو29: 8) فهذه البكورية هى لحسابنا لقد صار آدم الثانى، رأس الخليقة الجديدة. وهو أيضا البكر فى القيامة بجسد لا يموت ثانية، وفى دخوله بالجسد للمجد.

وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ = فى (مز7: 97) نجد داود يقول "اسجدوا له يا جميع الآلهة" والذين ترجموا الآية من العبرية فهموا أن الآلهة هم الملائكة وهكذا ترجموها ومنهم أخذ بولس الرسول. ولكننا نجد أن هذا هو ما حدث ليلة الميلاد = ليلة دخول المسيح بالجسد إلى العالم أن الملائكة سبحوا وهللوا أى قدموا عبادة، والعبادة يشير لها كلمة سجود. لذلك فهذه الآية تتفق مع ما حدث ليلة الميلاد (لو9: 2 - 14) ونلاحظ أن الآية (5) السابقة كانت تحدثنا عن الميلاد.

العدد 7

آية (7): -

"7 وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ».".

رِيَاحًا = من حيث السرعة والشفافية وعدم رؤيتنا لها راجع (مز4: 104).

وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ = من حيث قوة الضياء ورهبتها وقوتها وقوة تأثيرها. والرسول يكتب هذا عن الملائكة حتى لا يفهم أحد أنه يقلل من شأنهم. ولكن بالرغم من قوتهم فهم خليقة الله = الصانع ملائكته. ومزمور 104 يحدثنا عن الخليقة بينما أن المسيح هو الخالق = الذى به أيضا عمل العالمين. "كل شئ به كان، وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3) أى هو الذى خلق الملائكة. (عب2: 1).

العدد 8

آية (8): -

"8 وَأَمَّا عَنْ الابْنِ: «كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.".

نلاحظ هنا بوضوح أن الإبن هو الله. راجع (مز 7، 6: 45).

الإبن

.

فنجد أن الملائكة خدام مخلوقين وأما الإبن فهو الله وكرسيه للأبد.

قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ = القضيب هو الصولجان = وهو قضيب إستقامة فالله عادل ونلاحظ أن المزمور الذى إقتبس منه الرسول هو مزمور نشيد زفاف إبن الملك. وإبن الملك هو المسيح الذى ملك على شعبه بالحب وإتخذهم عروسا له.

العدد 9

آية (9): -

"9أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ».".

أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ = الله يحب البر ويبغض الإثم لدرجة إحتماله للصلب الذى به حمل خطايانا ومات ليعطينا أن نتبرر. وهو وحده بلا خطية.

مَسَحَكَ إِلهُكَ = كلمة مسحك تعنى كَرَّسَكَ وخصصك لهذا العمل المبهج للآب وللبشرية ولأنه عمل مبهج فأسماه بزيت الإبتهاج. هو مسح منذ الأزل أى تحدد أن عمل الخلاص سيكون عمل الإبن ووظيفته منذ الأزل وذلك فى خطة الله لخلاص البشرية وذلك بأنه سيتجسد ويقدم نفسه ذبيحة. فالآب يريد خلاصنا والإبن يحقق هذا الخلاص فالآب يحبنا كما الإبن. ولكن قوله مسحك بزيت تشير أيضا لحلول الروح القدس على المسيح يوم العماد (إش1: 61) + (أع27: 4) + (أع38: 10) وحلول الروح القدس يحمل السرور والإبتهاج إلى من يعطى له = فهو زيت الإبتهاج + ومن ثمار الروح الفرح (غل22: 5) وقوله مَسَحَكَ إِلهُكَ = مسحك أبيك الذى هو من ناحية الناسوت إلهك.

أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ = حلول الروح القدس على المسيح كان لحساب الكنيسة فبعد صعوده وفى يوم الخمسين حل الروح القدس على كل الشعب. ولكن هل حلول الروح القدس على المسيح سيكون بنفس القدر مثل باقى الشعب؟ طبعا لا. فالمسيح حل عليه الروح القدس بالكامل، لم يوهب الروح بقدر معين. أما بالنسبة لنا فالروح القدس يعطى لنا بقدر معين، وبقدر ما نجاهد نمتلىء لذلك يقول الرسول "إمتلئوا بالروح ويقول لتلميذه تيموثاوس" أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التى فيك بوضع يدىَّ "(2تى6: 1) ولذلك رأينا فى حلول الروح القدس على المسيح أنه حل على هيئة حمامة (هيئة كاملة)، أما فى حلوله على التلاميذ فكان على هيئة ألسنة نار منقسمة على كل واحد حسب ما يحتمل.

العدد 10

آية (10): -

"10 وَ «أَنْتَ يَارَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ.".

قارن مع (مز25: 102 - 27) + (يو1: 1) + (تك1: 1) نجد مفهوم الرسول أن الإبن هو الخالق، المسيح هو الله الخالق الذى يخلق من البدء ولا وجه للمقارنة بين الخالق والمخلوق فالخليقة تتغير والخالق لا يتغير. هو الذى خلق السماء والأرض.

العدد 11

آية (11): -

"11هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى.".

قارن مع (مز25: 102 - 27) + (إش6: 40 - 8) + (إش6: 51) + (إش4: 34).

تَبِيدُ = يفهم من الكلمة الإنحلال وعدم الديمومة. تَبْلَى = تقدم وتتهرأ.

فالخالق لا يتغير ولكن الخليقة تتغير لأنها وجدت من العدم. ومن له سلطان على كل شىء يُغَيِّر ولا يَتغيَّر. قادر أن يغيرنا من طبيعتنا الخاطئة لنكون قديسين.

العدد 12

آية (12): -

"12 وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى».".

كَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ = الخليقة كرداء يلبسه الإنسان يمكن أن يطويه فيتغير شكله (أش4: 34) فالسماء والأرض مهما بدا أنهما ثابتتان إلا أنهما غير ذلك. ويقال أن الهند كانت ملتصقة بساحل إفريقيا الشرقى والأمريكتين كانتا ملتصقتان بأوربا وبإفريقيا. ويقال أنه كانت هناك قارة إسمها أطلانتس إبتلعها البحر بعد زلزال عنيف وكم من جزر تظهر، وجزر تختفى. بل إن السماء والأرض تزولان (رؤ1: 21).

أَنْتَ أَنْت سِنُوكَ لَنْ تَفْنَى = أنت تظل على الدوام ولن تتعرض سنيك للإنتهاء والفناء.

العدد 13

آية (13): -

"13ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»؟.".

راجع (مز1: 110). هذا المزمور إستخدمه المسيح عن نفسه لإثبات لاهوته (راجع مت44: 22) وإستخدمه العهد الجديد كثيرا عن المسيح، ووضع فى قانون الإيمان "وجلس عن يمين أبيه".

حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ = أعداء المسيح هم الخطية والموت وإبليس بل أن المسيح أعطى للمؤمنين هذا السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب فكل نصرة لنا هى لمجد إسمه القدوس (لو19: 10)، فالذى يغلب حقيقة هو المسيح وليس نحن، فما نحن سوى فرس القتال الذى يقوده المسيح (رؤ6: 2). وكأن هذا الوعد للإبن أن الآب يضع أعداؤه موطئا لقدميه هو مقدم لجسد إبنه أى الكنيسة والمعنى المباشر للآية هل قيل لأحد من الملائكة مثل هذا الوعد؟!!

العدد 14

آية (14): -

"14أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!.".

الملائكة خدام لا يعملون بمقتضى مشيئتهم الذاتية ولكن يرسلون من قبل الله لخدمة أولئك العتيدين أن يرثوا الحياة الأبدية. ورأينا ملاكا يخدم إيليا (1مل4: 19 - 8). وملاك يبشر العذراء (لو19: 1) وملاك ينقذ بطرس من السجن (أع7: 12).

ولنلاحظ أن الغلبة التى أعطاها الله للبشر على إبليس تفرح الملائكة لذلك هم يفرحون بأن يكلفهم الله بخدمة البشر ومساعدتهم ليغلبوا. هى خدمة للبشر الذين سيشتركون معهم فى حياتهم السمائية.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 1
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 1