20ـ السيدة العذراء 10ـ08ـ2011 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

بمناسبة صوم العذراء أريد أن أكلمكم في هذه الليلة عن القديسة العذراء مريم.

انتظر العالم ميلاد السيدة العذراء طويلًا:

حينما نتكلم عن السيدة العذراء، لابد أن نرجع إلى أيام أمنا حواء. وإلى وعد الرب لها أن نسل المرأة يسحق رأس الحية. فظل العالم ينتظر من هي هذه المرأة التي نسلها سيسحق رأس الحية؟! وكانت كل امرأة تلد بنين تحزن جدًا أنها ستفقد هذا المجد العظيم، مجد أن من نسلها يأتي الفادي العظيم الذي سيسحق رأس الحية. إلى أن جاء إشعياء النبي وضيق الدائرة فقال: “هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا, وهذا الابن سيكون رئيس الحياة” ونص الآية: “هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»” (سفر إشعياء 7: 14). فظل الناس ينتظرون من هي هذه العذراء التي منها سيولد الفادي العظيم.

ملء الزمان:

أجيال كثيرة ظلت تنتظرها وتنتظر ملء الزمان الذي تكون فيه هذه المرأة ويولد منها الرب. وكلمة “ملء الزمان” ذكرت في رسالة غلاطية: “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 4). هذه التي يولد منها الرب ستكون أعظم امرأة في العالم.

السيدة العذراء هي أعظم امرأة في العالم:

قد اختار الله من كل نساء العالم هذه الإنسانة التي ستكون أعظم امرأة. ويقول الكتاب: “نساء كثيرات نلن كرامات ولم تنل مثلك واحدة منهن” ونص الآية: “بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا” (سفر الأمثال 31: 29).

ألقاب السيدة العذراء:

هذه التي ستأتي لقبوها بألقاب كثيرة:

1- سلم يعقوب:

لقبوها بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، تصعد عليه الطغمات وتنزل بالاستجابات.

2- الحمامة الحسنة:

لقبوها بالحمامة الحسنة. ولقب “الحمامة الحسنة” يذكره الكاهن باستمرار وهو خارج من الهيكل ليبخر. فعندما يبخر عند العذراء يقول: “السلام لك أيتها الحمامة الحسنة”.

ولماذا لقب “الحمامة الحسنة”؟ الحمامة التي أتت لنوح ببشارة الخلاص أن موجة الطوفان قد انتهى وعادت الحياة إلى الأرض فأحضرت معها غصن الزيتون.

الحمامة الحسنة أيضًا في بساطتها ونقاوتها. ولذلك في سفر النشيد يقول: حبيبتي عيناها حمامتان، ونص الآية: “هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ” (سفر نشيد الأنشاد 1: 15).

لذلك سميت العذراء بالحمامة الحسنة.

3- المجمرة الذهبية:

وسُميت العذراء أيضًا بالمجمرة الذهبية. والمجمرة أي الشورية، وهذا تعبير لاهوتي، وذلك لأن الشورية نجد داخلها الفحم متحد بالنار وينتج عن هذا الاتحاد رائحة بخور ذكية. “الفحم” يرمز للجسد أو الطبيعة الإنسانية، و”النار” ترمز للاهوت كما قيل: إلهنا نار. “لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ” (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 29). وهي مصفحة بالذهب من الداخل والخارج رمز لقيمتها العظيمة.

4- تابوت العهد:

شبهوها أيضًا بتابوت العهد المُغشى بالذهب من الداخل والخارج، رمز لقيمته العظيمة، حيث أن بداخل تابوت العهد كان يوجد قسط المن الذي يرمز للسيد المسيح ويوجد أيضًا لوحا الشريعة وقد سُميَ المسيح كلمة الله.

لذلك في التجسد حيا جبرائيل رئيس الملائكة السيدة العذراء بتحية الإكرام والإجلال قائلًا: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك. وعندما سألته عن سر هذه التحية قال لها: سيولد منك ولد ويجلس على كرسي داود أبيه ولا يكون لملكه انقضاء. فقالت له: كيف لي هذا وأنا لست أعرف رجلًا. قال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله.

الروح القدس حل على السيدة العذراء حلولًا أقنوميًا | الحبل بلا دنس وقت الحبل فقط:

لم يحل الروح القدس على السيدة العذراء حلولًا عاديًا مثل المواهب والنعمة …إلخ، وإنما حل حلولًا أقنوميًا لأنه سَيوجِد من جسدها ابن، وهذا عمل اللاهوت. وأيضًا ليقدس مستودعها حتى أن المولود منها لا يرث خطية، ويصبح حبلها بالمسيح حبلًا بلا دنس.

لم يحدث أن يحل الروح القدس على أي إنسان (رجلًا كان أو امرأة) حلولًا أقنوميًا. لذلك نحن نقول عن المسيح أنه تجسد من الروح القدس ومريم العذراء وتأنس.

5- السيدة العذراء أم الله وأمنا جميعًا:

وبهذا الشكل هناك تمجيد للسيدة العذراء: أولًا لأنها والدة الإله “ثيئوطوكوس” كما قرر المجمع المسكوني. وثانيًا: هي أم لجميع الرسل لأن السيد المسيح على الصليب قال ليوحنا الحبيب: هذه أمك. وقال لها: هذا ابنك. فأصبحت أم للرسول وبالتالي أم لجميع الرسل. وإن كانت السيدة العذراء أم للرسل ونحن أبناء للرسل، تكون هي أمنا كلنا. أمنا جميعًا ونحن نسبحها قائلين: أمنا القديسة مريم.

6- السيدة العذراء هي الملكة:

هي ليست أمًا وإنما هي أيضًا ملكة، وهذا من عظمتها. ويقول عنها الكتاب: قامت الملكة عن يمينك أيها الملك، ونص الآية: “جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ” (سفر المزامير 45: 9). ولذلك صورة العذراء الطقسية تكون عن يمين المسيح وعلى رأسها تاج وعلى رأسه هو تاج (الملكة على يمين الملك).

ألقاب السيدة العذراء كأم:

هناك ألقاب كثيرة للسيدة العذراء كأم مثل:

أم النور: لأن السيد هو نور العالم.

أم المخلص: لأن السيد هو المخلص.

أم الفادي: لأن السيد هو الفادي.

وهناك ألقاب كثيرة أخرى لن نستطيع حصرها.

تكريم العذراء في طقوس الكنيسة:

ومن عظمة العذراء أن جميع الأجيال تطوبها في كل وقت. وطقوس الكنيسة تطوب العذراء حيث نذكرها في الهيتينيات، ونذكرها قبل الملائكة وقبل رؤساء الملائكة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ونذكرها في القداس الإلهي في صلاة المجمع المقدس، ونذكرها قائلين: “سموت يا مريم فوق الشاروبيم، وعلوت يا مريم فوق السرافيم”، نذكرها في الإبصلمودية الكيهكية، ونذكرها في لحن: “شيري ني ماريا”. ونذكرها في صلوات كثيرة. ونذكرها بالأكثر في شهر كيهك، وإخوتنا الكاثوليك يسمونه الشهر المريمي.

السيدة العذراء فخر كل إمرأة:

والسيدة العذراء هي فخر لكل إمرأة. إن كانت حواء أصبحت عار على كل البشر، فإن العذراء عوضت عار حواء.

عظمة العذراء لدى إخوتنا المسلمين:

العذراء لها العظمة أيضًا لدى إخوتنا المسلمين. حيث يقولون عنها “إن الله فضلها على نساء العالمين”، ونص الآية هو: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ” (سورة آل عمران 42) وكلمة “العالمين” أي العالم الأرضي والعالم السماوي. لذلك أنا لا أَعجب إن كان المسلمون يبنون جامعًا (مسجدًا) باسم مسجد العذراء مريم، لأنها مفضلة على نساء العالمين.

عظمة العذراء تظهر في زيارتها لأليصابات:

ومن عظمة السيدة العذراء ما ظهر في زيارتها لأليصابات حيث يقول الكتاب: حينما صار سلام العذراء في أذن أليصابات امتلأت أليصابات بالروح القدس. ونص الآية: “فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،” (إنجيل لوقا 1: 41). أي أن أليصابات امتلأت من الروح القدس لمجرد السلام. وليس هذا فقط بل أن ابنها أيضًا الجنين الذي في بطنها الذي أصبح يوحنا المعمدان فيما بعد امتلأ أيضًا من الروح القدس كما قيل عنه في إنجيل: “وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (إنجيل لوقا 1: 15). وعندما امتلأ يوحنا المعمدان من الروح القدس وهو جنين تعرف على مريم العذراء، فارتكض بابتهاج في بطنها، يريد أن يجري ليقدم للرب يسوع التحية. وقد قالت أليصابات للسيدة العذراء أن الجنين ارتكض بابتهاج في بطنها، ونص الآية: “فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي” (إنجيل لوقا 1: 44).

قد تشعر المرأة بالجنين يرتكض في بطنها، ولكن كيف تعرف أن هذا الجنين في حالة ابتهاج؟! هذا لا نستطيع أن نفسره إلا بالكشف الإلهي. فعندما حل الروح القدس على أليصابات تمتعت بالكشف الإلهي، فكُشف لها أن الجنين ارتكض بابتهاج. وعرفت أيضًا أن العذراء هي والدة الإله بالكشف الإلهي (بالروح القدس) حيث قالت للسيدة العذراء: “فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟” (إنجيل لوقا 1: 43). وأيضًا قالت لها: “َطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ” (إنجيل لوقا 1: 45). وهذا يدل على أنها علمت بالروح القدس أيضًا أن هناك شيئًا قيل للعذراء من قبل الرب، وأنها آمنت بهذا الشيء.

كل هذه أشياء من عظمة العذراء في حلول الروح القدس، وأنها عندما تُسلم على إنسان يمتلئ من الروح القدس. لا توجد امرأة في الوجود حدث معها هذا.

السيدة العذراء باركت أرض مصر بزيارتها:

نحن نحب العذراء جدًا ونبتهج أيضًا بأنها زارت بلادنا مصر وقدست كثير من الأماكن. وشهدت مصر معجزات كثيرة تحدث بزيارة العذراء لها. فكانت عندما تزور أحد البلاد التي بها أصنام (حيث سادت عبادة الأصنام في ذلك الوقت) كانت هذه الأصنام تقع إلى الأرض. وقد أمضت السيدة العذراء ثلاثة سنوات في مصر وكان آخر مكان زارته هو المكان الذي بني فيه دير المحرق فيما بعد – بالطبع لم يكن هناك أديرة في ذلك الوقت. لذلك نجد أن الأثيوبيين يقدسون دير المحرق جدًا لأن به مغارة مقدسة من زيارة العذراء قبل أن يبنى الدير. وقد قمنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت بزيارة كنيسة في الحبشة، وتحمل اسم “كنيسة العذراء قسقام”، تيمُنًا بدير المحرق الموجود في جبل قسقام بمصر.

السيدة العذراء باركت مصر بظهورها:

السيدة العذراء أيضًا زارت كنيسة العذراء بالزيتون في يوم 2 أبريل 1968، وتجولت على قبابها وجرت معجزات كثيرة أثناء ظهورها في ذلك الوقت، ولذلك أصبحت هذه الكنيسة مزارًا عالميًا للسيدة العذراء.

أيضًا ظهرت السيدة العذراء في بابادبلو وفي الوراق وفي أسيوط. أي أن العذراء باركت مصر كثيرًا بزيارتها.

كانت العذراء تظهر بهيئة روح وبهيئة حمامة، وبشكلها الخاص وهذا يدل على الحياة بعد الموت. فالعذراء تنيحت منذ فترة طويلة (حوالي 2000 سنة) ولكنها تظهر حتى الآن مما يؤكد أنها ما زالت حية بعد أن ماتت. وهذا شيء جميل يعطينا الكثير من الإيمان.

معجزات كثيرة في حياة العذراء:

وعظمة العذراء أنها تحاط بمعجزات كثيرة. فمجرد حبلها بالمسيح معجزة، ودوام بتوليتها معجزة، ومعجزتها كحالة الحديد في إنقاذ متياس الرسول حتى بعد نياحتها وصعود جسدها إلى السماء كان معجزة.

2ـ القلق 26 01 2011 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

† في الظروف الحاضرة التي يضطرب فيها الناس، وتوجد مظاهرات في أماكن متعددة، والبعض قَلِقْ، أريد أن أكلمكم عن القلق.

معنى القلق:

هل تعرفون معنى القلق؟ الإنسان القلق يكون غير مطمئن،  الأفكار تلف وتدور في مخه، وكلها أفكار سوداء وصعبة.

مصادر أو أسباب القلق:

هناك أسباب داخلية للقلق وهناك أسباب خارجية. والأسباب الداخلية مثل:-

† الخوف والشك من أسباب القلق:

القلق مصدره الخوف والشك وتوقع الشر، والقلق والخوف يسيران معًا سبب ونتيجة، أي القلق يسبب الخوف والخوف يسبب القلق.

† عدم الثقة بالنفس أو بالناس من أسباب القلق:

وأيضًا من ضمن أسباب القلق عدم الثقة بالنفس وعدم الثقة بالناس أحيانًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. تعجبني عبارة داود النبي حينما قال: “إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام علي قتال، ففي ذلك أنا مطمئن” ونص الآية في الكتاب المقدس: “إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ” (سفر المزامير 27: 3) أي لا يهتز لجيش أو قتال.

† صِغَر النفس من أسباب القلق:

مثل طفل صغير يجد نفسه واقفًا بدون أحد والديه فيبكي. دون أن يحدث له أي ضرر! لكنه قلق كيف أنه يقف وحيدًا ولا يوجد بجانبه معين لا أب ولا أم.

† التفكير المحدود من أسباب القلق:

مثل أم تتأخر ابنتها عن الرجوع للبيت، فتظل قلقه وتدخلها الشكوك أن لا بد هناك شيء سيء حدث لابنتها، وقد تظن أنها خطفت، وتظل هكذا إلى أن تعود ابنتها للبيت. هنا سبب آخر للقلق وهو التركيز على نقطة واحدة لا غير، فالمفروض أن يكون الإنسان عقله واسع، فهذه الأم إذا كانت تفكر بعقل واسع ستدرك أن هناك أسباب أخرى لـتأخير ابنتها بخلاف مسألة خطفها، فقد تكون ذهبت لإحدى صديقاتها، أو انشغلت في اجتماع …إلخ هناك أسباب كثيرة. فلا يجب التركيز على نقطة واحدة تسبب القلق.

أسباب خارجية للقلق:

† الضيقات: أحيانًا القلق يأتي نتيجة تعرض الإنسان لضيقة لا يجد لها حلًا، فيبدأ في القلق، ويبدأ في التخيلات والتصورات ويتخيل أشياء كثيرة ستحدث، وكل هذا يسبب له القلق. المفروض أن مثل هذا الإنسان يكون عنده قليل من الإيمان أن الله قد يتدخل.

† قلق البنات من التأخر في الزواج:

عندما تتأخر فتاة في الزواج – خاصة أن هناك مشكلة بطالة تعاني منها الكثير من الدول حتى أصبح من الصعب على الشباب توفير احتياجات الزواج، مما تسبب في تأخر سن الزواج -تظل هذه البنت قلقة بشأن عدم زواجها، وقد تعتقد أن هناك عيب بها شخصيًا. وكلما تكبر في السن يزداد قلقها.

أتذكر عندما كنت أسقف عام 1963 أي منذ 47 سنة كنت أذهب أسابيع نهضة في بعض البلاد، وكنت ألقي العظة ليلًا وفي الصباح يأتي لي بعض الناس للاعتراف أو لطلب توجيه في موضوع معين، ففي أحد المرات جاءتني فتاة تحكي لي مشكلتها فقالت: “كلما يأتي لي عريس ينصرف عني ولا يعود مرة أخرى، وأصبحت أخاف من قدوم أي عريس حتى لا أواجه نفس الموقف مرة أخرى، أحيانًا أهلي يصممون أن أقابل العريس، فأضطر لمقابلته وأنا في حالة اضطراب وخوف لئلا ينصرف عني أيضًا ولا يعود”. قلت لها: “هذا الخوف والاضطراب هو الذي سيجعل العريس ينصرف عنك، لابد أن يكون لديكِ أمل وتقابليه وأنتِ هادئة، حتى لو انصرف بعد ذلك تكونين قد جلستي معه في هدوء بال”.

ارتكاب خطيئة كبيرة من أسباب القلق:

أحيانًا القلق يأتي من ارتكاب خطيئة معينة، فيظل الإنسان قلقًا وخائفًا من اكتشافها الذي قد يسبب له العقوبة أو الفضيحة. مثل:-

خطيئة القتل تسبب القلق:

قد يقتل الإنسان شخص ويكون حريصًا ألا يترك أثر لجريمته ولكنه يظل قلق خوفًا من أن يجد أحدهم أثر يدل عليه، لذلك قال بعض علماء النفس أن القاتل أحيانًا يتردد على مكان الجريمة بضعة أيام لكي يعرف أي أخبار.

أتذكر قصة قرأتها منذ زمن عن شاب كان يعيش مع عمه وعمه ليس له أحد غيره لذلك هو الوريث الوحيد لعمه. هذا الشاب كان ينتظر موت عمه حتى يرث أمواله وعندما تأخر ذلك فكر في قتله، وكان هذا الشاب يعلم أن القاتل قد يترك أي دليل نتيجة لعدم حرصه، لذلك كان حريصًا جدًا ألا يترك أي أثر له بعد ارتكابه الجريمة. وبعد أن تلقى العزاء من الناس في عمه، وأثناء سيره في الطريق قابله ضابط بالبوليس وقال له: “أحب أن أعزيك في عمك، وقد كان رجلًا طيبًا وكل الناس يحبونه، وهو كان يحبك” فشكره، ثم قال له الضابط: “ما هذه النقطة الحمراء التي على قميصك؟” فارتبك الشاب جدًا وظهر عليه الاضطراب الواضح لأنه رغم حرصه ألا يترك أي أثر له في مكان الجريمة إلا أنه لم يتأكد من عدم وجود أثر للدماء على ملابسه. ونظرًا لخبرة ضابط البوليس لاحظ هذا الارتباك والاضطراب عليه فألقى عليه القبض، وهنا انهار هذا الشاب واعترف بجريمته، وبعد أن اعترف طلب منه الضابط أن يوقع على اعترافاته فأخرج من جيبه قلمه الحبر الأحمر وفي هذه اللحظة اكتشف أن نقطة حبر من هذا القلم هي التي ظهرت على قميصه ونظرًا لارتباكه وقلقه ظنها دم مما دفعه للاعتراف.

خطيئة الزنا:

قد تقع فتاة في حب شاب، وتزداد العواطف بينهما إلى أن يخطئ هذا الشاب إليها ويُفْقِدها بكوريتها. فتظل في قلق هل حدث حمل نتيجة هذا الخطأ أم لا؟ فإذا تأكدت أنه لم يحدث حمل تظل قلقة أيضًا كيف ستتزوج وقد فقدت بتوليتها؟ وهل تلجأ للغش وخديعة من سيتزوجها؟ وهل من سيتزوجها سيدري بأمرها أم لا ؟؟ هل ستجلب الفضيحة لأهلها؟ وتظل في قلق يتعبها سنين وأيام بسبب هذه الخطيئة

خطيئة التزوير أو أخذ رشوة:

مثل إنسان يرتكب جريمة تزوير أو رشوة، فيظل قلقًا هل سينكشف أمره أم لا؟

كل إنسان يخشى من اكتشاف خطيئته يعيش في قلق..

قلق الطلبة في فترة الامتحانات:

أحيانًا القلق يصيب الطالب أثناء فترة الامتحانات. فهو لا يعلم هل سيأتي الامتحان سهل أم صعب؟ وإن كان شفوي لا يعلم إذا كان الممتحن طيب أم شديد؟! هل ستأتي الأسئلة معقدة أم عادية؟ ويظل في قلق ويلازمه القلق إلى أن تظهر النتيجة وقبل النتيجة يكون قلق هل سيكون من الناجحين أم من الراسبين؟ وإذا كان من الناجحين هل سيحصل على مجموع أم لا؟ وإن حصل على مجموع هل سيكون هذا المجموع عالي يسمح بدخوله كلية محترمة …. إلخ ويظل القلق يتعبه.

أو يدخل بعض الناس في منافسة مع رجل قوي فيظلون في قلق، هل سينتصرون أم لا؟ ويستمر القلق.

المرض:

قد يصاب المريض بالقلق، مثل مريض اكتشف وجود ورم بجسمه فيذهب لعمل فحوص وتحاليل ويعيش في قلق قبل أن يعرف نتيجة الفحوص والتحاليل. هل هذا الورم حميد أم خبيث؟ وماذا سيفعل لو كان هذا الورم خبيث؟

أو شخص تتطلب حالته عمل عملية جراحية، فيظل في قلق، هل ستأتي العملية بنتيجة؟ أم لا؟

وجود أعداء:

قد يصاب الإنسان بقلق من تدابير الأعداء، أو يخشى من خيانة صديق أو قريب أو خيانة شريك أو إيصال أمانة.

ارتكاب أعمال في الخفاء:

قد يقوم إنسان بعمل شيء معين ويخشى من اكتشافه، فيخاف من ذكاء شخص كتوم أي شخص بنظرته يستطيع أن يعرف كل الأمور ولكنه يكتم ولا يقول. ويظل هذا الشخص قلق لأنه لا يدري هل أكتشف أمره أم لا.

وهكذا أي عمل يعمله إنسان في الخفاء، يظل في قلق هل الذين حوله يدرون بأمره أم لا، تساوره شكوك مثل قد يكون هناك من سجل ما فعله. وهل يدري أحد بما قلته أم لا. خاصة أن  جهاز التسجيل أصبح من السهل حمله في الجيب .. أو زوج ينظر لامرأته نظرة مريبة دون أن يتكلم، فتشعر بقلق مما وراء هذه النظرة، وإذا كانت قد أخفت عليه شيء تظل قلقة ويأتيها شكوك أن زوجها ينظر إليها لأنه عرف هذا الموضوع الذي أخفته عنه. أو من أن يكون هناك من أبلغه بهذا الأمر، وتظل في قلق.

أنواع أخرى من القلق:

† هناك من يقلق على مشاعر شخص معين ويتساءل هل تضايق مني أم لا؟! أتذكر أنني في السنوات الأولى لي في الرهبنة كان لدينا راهب موسوس وعندما أمر عليه يسألني: “يا قدس أبونا هل أنت متضايق مني؟!” فأقول له: “لا يا قدس أبونا لست متضايق.” فيقول لي: “الحمد لله.. الحمد لله”! هذا الراهب عنده قلق، فأي كلمة أقولها له قد يأخذها بمعنى ويقلق بسبب هذا المعنى. وهذا المعنى يسبب له ألف معنى.

† كذلك هناك إنسان يعيش في قلق قبل صدور الحكم عليه، وتدور به الأفكار، يا ترى ماذا سيكون الحكم؟! وإذا حكموا عليه بالإدانة يظل في قلق، كيف ستتم معاقبته وكيف سيواجه ذلك؟ وكيف سيحتملها؟

† هناك من يعيشون في قلق نتيجة خوفهم من المستقبل، يا ترى ماذا سيكون المستقبل؟!  كثيرًا ما يُحال موظف إلى المعاش المبكر، ومرتبه قليل يظل في قلق كيف سيعيش.

† أو إنسان تقدم به السن، وهاجر أحد أبناءه خارج البلاد، والابن الآخر جاءته وظيفة في الصعيد، والابن الثالث جاءته وظيفة في بلد أخرى والكل تزوج وتركوه وظل هو بمفرده في شيخوخته، فيعيش في قلق.. لذلك نحن نقيم بيوت للمسنين يستريحون فيها إلى حد كبير ولا يكون لديهم قلق ولا تعب.

† هناك شخص يظل في قلق من أجل اختيار طريق الحياة، فعندما يصل إلى سن معينة يتساءل: هل أدخل الرهبنة أم أتزوج أم أكرس وأعيش خادم بتول أو خادم متزوج ويظل في حيرة وقلق وتعب. حتى لو أراد الدخول في الرهبنة يقلق أي دير يدخله؟!

† أو إنسان يقلق لأنه أقام مشروع ولا يدري هل سينجح هذا المشروع أم لا. أو يقلق من أجل رهان معين أو من أجل البورصة أو من أجل مسابقة.

علاج القلق:

المهم في علاج القلق أن الإنسان يضع ثقته في الله، ويثق بأن الله لابد سيعمل. الذي لديه هذا الإيمان لا يمكن أن يقلق، حتى لو قامت الدنيا ثم قعدت لا يقلق. وهناك مقالة نشرتها الأسبوع الماضي في الأهرام، أولها: “حينما تجد كل الأبواب مغلقة أمامك، ارفع نظرك إلى فوق فتجد بابًا مفتوحًا في السماء، الله الذي يفتح ولا أحد يغلق”. وضع في مخك أن كل مشكلة لها حل. فلا تقلق. الله يعطيكم السلام والفرح.