أقمع جسدى 1998 محاضرات معهد الرعاية فيديو – البابا شنودة الثالث

أريد ان أكلمكم عن أية مخيفة و لكن الخوف ينفع الاية قالها بولس الرسول “بل أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا” كورنثوس الاولى 9: 27 وجه المخافة ان القديس بولس ليس شخصا عاديا بل أنسان أرتفع للسماء الثالثة و أنسان تعب أكثر من جميع الرسل و أنسان دعى من الاب و الابن و الروح القدس كلا على حدة و أنسان كتب رسائل أكثر من الجميع و تألم من أجل الرب أكثر من الجميع و أنسان خاف عليه الله من كثرة الاستعلانات فأعطى شوكة فى الجسد لئلا يرتفع من فرط الاعلانات ومع ذلك يقول “لئلا بعد ان كرزت لاخرين أصير أنا نفسى مرفوضا” عبارة تخيف الكل (الكهنوت و العلمانيين و كل خادم فى الكنيسة) و فى أية أيضا لا تقل عنها تخويفا فى كلام الرب لملاك كنيسة ساردس ” أنا عارف أعمالك ، أن لك اسما أنك حي وأنت ميت” رؤيا 3: 1 أحد ملائكة الكنائس السبعة و الرب يرسل له رسالة مع القديس يوحنا الحبيب القديس العظيم انه يقول له ” أن لك اسما أنك حي وأنت ميت”. ملاك أخر من ملائكة الكنائس السبعة ملاك كنيسة لاودكية فى الجزء الاخير من أصحاح 3 بسفر الرؤيا يقول ” لأنك فاتر، ولست باردا ولا حارا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي” رؤيا 3: 16 كلام صعب و أسمه أحد ملائكة الكنائس و أقلهم ملاك كنيسة أفسس يقول له ” عندي عليك: أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتب” رؤيا 2: 4-5 مع أنه يقول له فى نفس الرسالة ” أنا عارف أعمالك وتعبك … وقد احتملت ولك صبر، وتعبت من أجل اسمي ولم تكل” رؤيا 2: 2-3 فشخص ربنا يعلم تعبه و صبره وانه أحتمل من أجل أسمه ولم يكل ثم يهدده و يقول له ” وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها، إن لم تتب” رؤيا 2: 5 كلام صعب ولعل الغرض منه ان الخدام يحترسون فى خدمتهم ولا يظنون ان انهم بدأوا سيرة الكهنوت مثلا يكونون قد وصلوا, لا لم يصلوا بعد. هناك ناس بدأوا ولم يصلوا او بعضهم بدأ و هلك مثل ديماس تلميذ بولس الرسول وهو أحد مساعدى بولس الرسول فى خدمته الذى كان يذكره أحيانا قبل لوقا الطبيب ثم يكتب عنه بولس الرسول ” لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر” تيموثاوس الثانية 4: 10 و قرأت فى بعض كتب التاريخ عنه انه رجع وصار وثنيا و هناك أخرون أيضا ممن كان يذكرهم بولس الرسول فيقول ” لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارا، والآن أذكرهم أيضا باكيا، وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات.” فيلبي 3: 18-19 مسائل متعبة و مقلقة تجعل الانسان يحترس مهما وصل لدرجة فى خدمته, سواء خدمته فى المجال الروحانى او المجال العالمى و سواء فى الكهنوت او فى الخدمة الكنسية العادية. لان أسمع عن رجل عظيم جدا هو سليمان الحكيم لم يأخذ الحكمة من بشر و أنما من الله مباشرة و ليس كموسى النبى الذى قيل عنه ” فتهذب موسى بكل حكمة المصريين” أعمال 7: 22 بل سليمان أخذ الحكمة من الله مباشرة وصار احكم أهل العالم فى حينه و قيل عنه أنه كتب أكثر من 3 الاف مثل و مع ذلك نسمع عنه مرثاة فى ” و كان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه املن قلبه وراء الهة اخرى و لم يكن قلبه كاملا مع الرب الهه كقلب داود ابيه” ملوك الاول 11: 4 فسعى وراء الهة أخرى!! هذا هو سليمان الحكيم الذى ظهر له الله مرتين مرة فى حبرون و مرة فى أورشليم و دشن الهيكل و بارك الشعب كله.

تلك مسائل تجعل كل أنسان فى خدمة ان يحترس جدا و يدقق, فليس هو أقوى من الذين سقطوا من قبل كما قيل عن الخطية ” لأنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء” أمثال 7: 26 و لعل من هؤلاء الاقوياء أذكر رئيس ملائكة من طائفة الكاروبيم قد سقط الذى صار الشيطان, فى “أنت خاتم الكمال، ملآن حكمة وكامل الجمال” حزقيال 28: 12 و يكمل “أنت الكروب المنبسط المظلل وأقمتك. على جبل الله المقدس كنت. بين حجارة النار تمشيت. أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم” حزقيال 28: 14-15 يقول عنه كلام جميل جدا و انه لم يكن ملاك عادى بل من طائفة الكاروبيم فهذا الكامل المملوء من الحكمة سقط وكان سقوطه عظيما.

الخدمة تحتاج الى حرص كبير و تحتاج الى تدقيق لان الشيطان حروبه صعبة. نسمع عن أشخاص كثيرين بدأوا ولم يكملوا كما قال بولس الرسول “أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد؟” غلاطية 3: 3 فسمح الله لمثال هؤلاء الكبار ان يسقطوا ليكونوا دروسا للباقيين فى الحرص و الضيق فى الحياة, على ان الاباء الكهنة لهم حروبهم أن ذكرنا أمثلة فليس معناها الكل فتوجد حروب كثيرة تجعل البعض يسقطون. لعل من أهم الحروب للكبار الكبرياء و الذات فيحاول الشخص ان يكون الاول ثم لا يكفيه عبارة الاول فيريد ان يكون الوحيد و الشيطان أيضا وقع فى هذا كما ورد فى “وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السماوات. أرفع كرسيي فوق كواكب الله…أصير مثل العلي” أشعياء 14: 13-14 و نفس العبارة قيلت فى أغراء أدم و حواء حينما قال “تصيران مثل الله عارفين الخير والشر” تكوين 3: 5. ربما أنسان كان متواضعا وهو علمانى وهو خادم وهو أمين خدمة وكان الناس يرون فيه الروحانية فلما صار كاهنا تغيرت صورته و لبسته الكبرياء و الذات فيقول (انا قلت كده يبقى كده). فى مرة من المرات فى بداية الثمانينات كان هناك راهب يكلم أحد الاباء الاساقفة ولم تعجبه الكلمة فقال له: (لازم تعرف انت مين و أنا مين) و جائنى الراهب يشكو فقلت له عندما يقول لك (لازم تعرف انت مين و أنا مين) قوله احنا الاتنين شويه تراب و رماد لا تعتقدوا ان تراب و رماد تلك شتيمة تلك تعنى مرتبة أبينا أبراهيم أب الاباء حين قال

“أني قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد” تكوين 18: 27 ناس كثيرين عندما يأخذون الرتبة يظنونها كرامة او رئاسة لكن كما قلت لاحد الاجانب و كان يكلمنى عن خدمة كنيستنا قلت له “Priesthood is not authority but responsibility” بمعنى “أن الكهنوت عندنا ليس سلطة بل مسئولية” تقول لى لكن فعلا هناك سلطة؟ سأقول لك ان السلطة من أجل المسئولية و لكى يقوم بالمسئولية وليس لكى يقيم ذاته رئيسا على الاخرين. كثيرا ما أضاعت الرئاسة ناس و لم تضيعهم الرئاسة بقدر أضاعهم حبهم للرئاسة او التصرف كرؤساء وليس كأباء. لذلك اذا صار أحد كاهنا فليتذكر أنه أبا ولا يضع فى ذهنه انه رئيس فلينسى قصة الرئاسة تلك.فهناك الذات و الكبرياء و السلطة, مفروض على الانسان ان يتسلط على السلطة ولا  يجعل السلطة تتسلط عليه.

هناك ناس ضاعوا بسبب حرب او شهوة المعرفة مثل الجوابات التى تأتى لى أحيانا عن شخص  قال كذا بكلام يخالف العقيدة او أنسان يؤلف كتب مملوءة بدع و هرطقات فحب الظهور بمظهر المعرفة, لعل أول حرب حورب بها الانسان كانت هى هذه أن يأكل من شجرة المعرفة حين قال الشيطان

“يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله عارفين الخير والشر” تكوين 3: 5 ولذلك معلمنا يعقوب الرسول يقول “لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي … لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا” يعقوب 3: 1-2 خصوصا الذين يريدون المعرفة فى أمور فوق قدراتهم, فما هو الذى أسقط أوريجانوس غير هذا الموضوع بالدخول فى معرفة ليست من أختصاصه و البحث فى الروح و أصل الروح وفى الملائكة و فى المسيح و نفسه وكلام كثير هو ليس على قدره. مثلما قال القديس الانبا أنطونيوس عندما قال لانبا يوسف “طوباك يا أنبا يوسف لانك عرفت الطريق الى كلمة لا أعرف” فهناك أشياء أحسن أجابة عنها ان نقول لا نعرف. فأدعاء المعرفة مسئلة خطيرة و متعبة ويجوز ان ينطبق عليها كلمة الحكيم “الذي يزيد علما يزيد غما” جامعة 1: 18 و بعض الاباء الذين سقطوا كانوا ممن يقرأون الكتب الاجنبية و يعجبون بالافكار التى فيها و يعتقدون بها و ينشرونها. لذلك ينبغى ان الانسان ينتقى فيما يقرأ ولا يعتقد بكل ما يقرا بأن يكون له الافراز فى الفهم ولا يعجب بكل غريب لاننا فى أشياء كثيرة نعثر. أريوس كان أعظم واعظ فى الاسكندرية وكان له تأثيره فى وعظه على الناس بدليل انه عندما سار فى بدعته تبعه كثيرون حتى أساقفة تبعوه, وضاع أريوس فى المعرفة. كل الطوائف التى ترونها الان سببها المعرفة شهود يهوه ما الذى أضاعهم البحث وراء معرفة ولو تحدوا فيها المفهوم العام كله, السبتيين و الطوائف المتعددة بعشرات الطوائف  بالمعرفة كل واحد يعتقد انه يعرف ما لا يعرفه الباقون و ينشر فكر و يعتقد ان تلك المعرفة تأتى له بالشهرة و شهوة المعرفة او الاعجاب بالمعرفة او أدعاء المعرفة كل هذه طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء. لذلك نجد ان من ضمن من طرحتهم اثنين من بطاركة الكرسى القسطنطينية مقدونيوس و نسطور و حرموا من الكنيسة فتلك مأساة و أوطاخى كان رئيس رهبان القسطنطينية وكان مشهورا بالتقوى ولو وقف عند هذا الحد أنه راهب و رئيس رهبنة بقى بالتقوى كان من الناس المشهوريين و الجيدين الذين تطلب شفاعتهم لكن شهوة المعرفة و التكلم فى اللاهوتيات من حيث لا يعرف فوقع فى هرطقة  و حرمته الكنيسة.

الانسان المتواضع لا يقع فى البدع لكن الانسان الذى يدعى المعرفة و يظهر ان الباقيين لا يعرفون و هو الوحيد الذى يعرف ممكن ان يضيع نفسه. لذلك اذا وهبك الله علما و معرفة فأطلب منه أيضا ان يهبك تواضعا لكى يحمى هذه المعرفة, بل حتى لو وهبك الله معجزة او قوات أطلب منه ان يهبك تواضعا ليحمى هذه المعجزات لان كثيرين سيقفون امام الله فى اليوم الاخير ” كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب! أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عني يا فاعلي الإثم ” متى 7: 22-23 تلك صعبة أيضا أن ناس كبار مثل هؤلاء بمعجزات و أخراج شياطين و تنبأ ويقول لهم “إني لم أعرفكم قط” لا يوجد أحسن من ان الانسان يسلك فى التواضع و حتى اذا اراد ان يصل الى درجة أعلى فليختبر نفسه و ليختبر الدرجة, من الحاجات العجيبة أننا نقرأ عن الانبا مقار الكبير يقول (أتانى فكر أن أذهب الى البرية الجوانية لارى الاخوة السواح – ماذا فيها هذه الفكرة؟– يقول فبقيت مقاتلا هذا الفكر ثلاث سنوات لاعرف هل هو من الله ام لا!!!) مجرد انه يذهب ليرى السواح فهو ممكن ان يتيهوه الشياطين ولا يرى سواح او شىء مثلما حدث مع الانبا غليون فى بداية سياحته و أنقذه الله كما يسلك الانسان بأتضاع عليه فى عمل الكهنوت أيضا و فى عمل الرعاية و فى الخدمات الكبيرة التى يقوم بها كخادم فى الكنيسة ان يتذكر قول الرسول “لا تستكبر بل خف” رومية 11: 20 و يقول “من يظن أنه قائم، فلينظر لئلا يسقط” كورنثوس الأولى 10: 12 ممكن ان تقرأوا رومية 11.