قاموس القديسين و الشخصيات حرف س

هذا الفصل هو جزء من كتاب: قاموس القديسين و الشخصيات التاريخية.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل


س

سابا الغوصي أو القوط الشهيد

أسرى كارزون

في القرن الثالث الميلادي رحل كثير من قبائل الجرمان البرابرة الغوصيين (القوط) Goths عبر نهر الدانوب Danube واستقروا في مقاطعتيّ داسيا Dacia ومويسيا Moesia الرومانيتين. وكانوا بين الحين والآخر يقومون بغزوات على آسيا الصغرى، وبالذات على غلاطية Galatia وكبادوكية Cappadocia، حيث كانوا يأسرون العديد من الكهنة والشعب المسيحي.

وبمرور الوقت بدأ هؤلاء المسيحيون المسبيون يكرزون بين زملائهم الأسرى ويحوّلون الكثيرين منهم إلى المسيحية، وبدأوا يشيِّدون كنائس مسيحية.

وفي سنة 307م أثار حاكم إحدى هذه المناطق الجرمانية الاضطهاد ضد المسيحيين، ويبدو أن السبب كان الانتقام من إعلان إمبراطور روما الحرب ضده. وتحتفل الكنيسة اليونانية بذكرى واحد وخمسين شهيدًا مسيحيًا منهم، أشهرهم القديسان سابا ونيسيتَس Nicetas..

رفض سابا الأسلوب الملتوي

كان سابا قد تحول إلى المسيحية في شبابه المبكر، وخدم كشماس للكاهن صنْسالا Sansala. وحين ثار الاضطهاد ضد المسيحيين أصدر الولاة أوامرهم للمسيحيين بالأكل من الذبائح المقدمة للأوثان. وإذ كان لبعض الوثنيين أقارب وأصدقاء من المسيحيين أرادوا إنقاذهم من الاضطهاد فأقنعوا المسئولين أن يقدموا لهم من اللحم الذي لم يذبح للأوثان فيأكلونه مُدَّعين طاعتهم للأوامر.

وقف سابا وبصوت عالٍ وأعلن رفضه هذا الأسلوب الملتوي، ولم يكتفِ بعدم الأكل بل أعلن أيضًا أن من يقبل أن يتخذ هذا الأسلوب فقد أنكر الإيمان. وقد حَيَّاه على تصرفه هذا بعض المسيحيين، ولكن آخرين تضايقوا منه حتى ألزموه على ترك المدينة، إلا أنه عاد إليها بعد فترة قصيرة.

استهانة الحاكم به

في العام التالي حين بدأ الاضطهاد مرة أخرى عزم بعض المسيحيين على القَسَم أمام المسئولين أنه لا يوجد أي مسيحي في المدينة. وإذ كانوا على وشك القَسَم قدَّم سابا نفسه للمسئولين قائلاً: "لا تجعلوا أحدًا يقسم لي، فإني مسيحي". سأل الحاكم الجمع الواقف عن سابا وعن شخصه، وحين علم أنه لا يملك سوى الملابس التي يلبسها، أطلق سراحه مزدريًا به قائلاً: "هذا شخص لا يساوي شيئًا، ولا يملك أن يؤدّي لنا أية فائدة أو ضرر".

عذاباته

بعد عدة سنوات تجددت الاضطهادات مرة أخرى ضد المسيحيين، فبعد ثلاثة أيام من عيد القيامة حضر إلى المدينة عدد من الجنود بقيادة ضابط اسمه أثاريدس Atharidus، واقتحموا منزل صنْسالا واقتادوه هو وسابا الذي كان يقيم عنده بعد أن أمضيا العيد معًا.

ربطوا صنْسالا وألقوه في العربة بينما جذبوا سابا من السرير وجرّوه عاريًا على الصخور المدببة ثم ضربوه بالعصي. وفي الصباح نادى على مضطهديه قائلاً: "ألم تجروني بالأمس عاريًا على الصخور المدببة والأرض الحجرية؟ انظروا إذا كانت رجليَّ مجروحة أو أن الضربات قد تركت أي آثار في جسدي". فحصوا جسمه وإذ لم يجدوا أي أثر للإصابات مهما كان بسيطًا عزموا على تعذيبه بأكثر قسوة، فربطوه في إحدى العربات من يديه ورجليه وأخذوا يعذبونه طول الليل حتى تعبوا.

أتت المرأة التي كان الجنود يقيمون عندها وفكَّت وثاقه إشفاقًا عليه إلا أنه رفض أن يهرب.

وفي الصباح علقوه من يديه في سقف المنزل، ثم وضعوا أمامه وأمام صنْسالا لحمًا من المذبوح للأوثان فرفض كلاهما الاقتراب منه. وأضاف سابا قائلاً: "هذا اللحم دنس ونجس مثل أثاريدس الذي أرسله". فضربه أحد الجنود بحربته في صدره بكل عنف حتى أن كل الموجودين ظنوا أنه لا بد أن يكون قد مات، إلا أن القديس لم يُصب بأي مكروه، وقال: "هل تظن أنك قتلتني؟ لقد كانت الحربة مثل قطعة قماش بالنسبة لي".

استشهاده

حين سمع أثاريدس بما حدث أمر بقتل سابا، فاقتادوه إلى نهر Mausaeus الذي يصب في الدانوب ليقتلوه غرقًا. وحين وصلوا إلى الشاطئ قال أحد الضباط للآخرين: "لماذا لا نترك هذا الرجل يمضي لحال سبيله؟ أنه بريء وأثاريدس إنسان غير حكيم إذ يريد قتله"، إلا أن سابا أقنعه بضرورة تنفيذ الأوامر وأضاف:

"إني أرى ما لا تراه أنت.

فعلى الضفة الأخرى من النهر أرى أشخاصًا مستعدين لأخذ روحي لكي ينقلوني إلى المجد.

وهم منتظرون اللحظة التي تفارق فيها روحي جسدي ".

ساقه الجلادون إلى النهر حيث ربطوا حول عنقه حجرًا وألقوه في الماء فاستشهد غرقًا وذلك سنة 372م. وكان ذلك في الغالب في تارجوفيست Targoviste شمال غرب بوخارست Bucarest في رومانيًا Rumania حاليًا.

Butler, April 12.

سابا الشهيد

ضابط غوصي Gothic officer استشهد في روما مع سبعين آخرين أثناء حكم أوريليان Aurelian.

تُعيِّد له الكنيسة الغربية في الرابع والعشرين من شهر إبريل.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 566.

سابا من أريحا القديس

محبته للرهبان المتوحدين

كان هذا الرجل من أريحا، وكان متزوجًا ومحبًا للرهبان المتوحدين. وكان قد اعتاد أن يتوجه ليلاً إلى صوامعهم ويعطي كل واحدٍ منهم كيلة من التمر وبعض الخضراوات لسد أعوازهم، إذ كان رهبان وادي الأردن لا يتناولون الخبز مطلقًا.

صداقة مع أسد

ذات مرة أرسل إليه عدو الخير أسدًا لكي يمنعه من تقديم صدقاته. لكن الله الذي سدَّ أفواه الأسود فلم تضر دانيال النبي (دا 2: 6، 33: 11) قد أمر الأسد ألا يؤذي "سابا"، بل قدم له القديس طعامًا مما معه، ورجع إلى الرهبان يوزع صدقاته ويتذكر إحسانات الله معه.

بستان القديسين، صفحة 54.

سابّاتيوس الشهيد

استشهد مع تروفيمُس Trophimus بإنطاكية بيسيدية Pisidia، تحت حكم الوالي هليدورُس Heliodorus وذلك أثناء حكم بروبُس Probus.

تُعيِّد له الكنيسة الغربية في التاسع عشر من شهر سبتمبر.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 567.

ساباتيوس النوفاتياني

سامه ماركيانوس Marcianus كأسقف نوفاتياني للقسطنطينية (كان أتباع نوفاتيان يشعرون بأن قدسية الكنيسة صارت في خطر بسبب قبول المرتدّين عن الإيمان أثناء الاضطهاد)، انسحب من جسم هذه الفرقة العام قبل عام 380م، ومعه اثنان هما ثيؤكتستس Theoctistes ومكاريوس Macarius. وقد نادوا بأن عيد الفصح يلزم الاحتفال به في نفس اليوم وبنفس الطريقة التي يحتفل بها اليهود.

اشتكى أيضًا بأن أُناسًا غير مستحقين قد انضموا إلى جماعة النوفاتيانيين، فارتكب النوفاتيانيون نفس الخطأ الذي ارتكبته الكنيسة.

صار أسقفًا على فرقة صغيرة تدعى الساباتيين Sabbatiai نسبة إليه.

سابور واسحق الأسقفان الشهيدان

في بلاد فارس

كان الاضطهاد العنيف والطويل الذي عاناه المسيحيون في بلاد فارس تحت حكم الإمبراطور سابور الثاني Sapor II سببه الشك في أنهم يتآمرون مع أباطرة روما ضد مصلحة بلادهم. وكان اختبار ولائهم لبلادهم هو خضوعهم للدين الرسمي للدولة وهو المجوسية Mazdeism.

كان أول من قُبِض عليهم هم ماهانس Mahanes وإبراهام Abraham وسيمون Simeon، وبعدها بقليل قُبِض على الأسقفين سابور واسحق بتهمة بناء الكنائس وتحويل الشعب إلى المسيحية.

أُحضِر الخمسة أمام الملك الذي قال لهم: "ألم تعلموا إني انحدر من الآلهة، ومع هذا فإني أقدم القرابين للشمس وأتعبد للقمر؟ فمن تظنون أنفسكم حتى تقاوموا أوامري؟"

أجابه القديسون: "نحن نعترف بإله واحد وهو وحده الذي نعبده". وأضاف سابور الأسقف: "نحن نعترف بإله واحد وحده الذي خلق كل الأشياء، ويسوع المسيح المولود منه".

أمر الملك بضرب الأسقف على فمه، وكانت الضربة عنيفة حتى أسقطت أسنانه، ثم ضُرِب بعنف حتى أصيب كل جسمه بكدمات وتكسّرت عظامه.

استشهاد الأسقف اسحق

جاء الدور على اسحق الذي اتهمه الملك ببناء الكنائس، فكان الأسقف ثابتًا لا يلين، فأمر الملك بإحضار بعض الجاحدين الذين ضعفوا تحت تهديد الملك وأمرهم برجم الأسقف حتى استشهد.

استشهاد الأسقف سابور

إذ سمع سابور الأسقف باستشهاد اسحق فرح متهللاً، وبعد يومين استشهد في السجن تحت تأثير جراحاته، وكان الملك من القسوة أنه أمر بقطع رأسه حتى يتأكد من موته، وكان استشهادهما في سنة 399م.

أخيرًا أمر الملك بإحضار الثلاثة الباقين، وحين رأى عدم استعدادهم للتنازل عن إيمانهم أمر بسلخ جلد ماهانس من قمة رأسه حتى بطنه، فاستشهد من تأثير هذا التعذيب. وكان نصيب إبراهام فقء عينيه بسيخ حديد محمي، وسيمون دُفِن في الأرض حتى صدره ثم ضربوه بالسهام حتى استشهد.

Butler, November 30.

سابيليوس المبتدع

تلميذ نوئيتوس الهرطوقي

أحد أساقفة بطلومايس بالخمس مدن الغربية. كان قد تربى في مدينة رومية، وتتلمذ لنوئيتوس الهرطوقي. وأخذ عنه تعاليمه التي تنحصر في أن الله أقنوم واحد أعطى الناموس لبني إسرائيل بصفته الآب، وصار إنسانًا في العهد الجديد بصفته الابن، وحلّ على الرسل في علّية صهيون بصفته الروح القدس. ومن اعتقاد نوئيتوسNoetus دُعي تابعوه "مؤلّمي الآب"، لأنه اعتبر ما حّل بالابن من آلام قد حّل على الآب.

يرى البعض أن سابيليوس شرح ما تُعلِّمه الكتب عن الآب والابن والروح القدس بنوع يختلف عن نوئيتوس، فاعتقد أن جزءً من الطبيعة الإلهية أُفرز من الله الآب وكوّن الابن بالاتحاد مع الإنسان يسوع المسيح، وأن جزءً آخر انفصل عنه فكوّن الروح القدس.

نشر بدعة سابيليوس في روما ومصر

أول من اعتنق بدعة نوئيتوس وسابيليوس زفيرينوس أسقف رومية وكاليستوس خليفته، وساعدا المبتدعين على نشر بدعتهما حتى انتشرت تلك الهرطقة وعمَّت أنحاء الغرب. غير أن كاليستوس سام أساقفة وقسوسًا وشمامسة من الذين تزوّجوا ثانية وثالثة، ثم أباح العماد لمغفرة الخطايا وادّعى بأن الأسقف لا يُقطَع من الكهنوت مهما ارتكب من الآثام. ولما لم يوافقه سابيليوس على ذلك حرمه، فجاء إلى مصر سنة 257م، وأخذ ينشر فيها بدعة مؤلّمي الآب فجذب إليه كثيرين، ولما اعرف بالبابا ديونيسيوس أمره قاومه بشدة، وانتهى الأمر أخيرًا بحرم سابيليوس في مجمع عقد سنة 261م.

السابيلية

السابيلية Sabellianism أو Modelist أو المونارخية (الوحدانية المطلقة) Monarchiaism، وفي الغرب تدعى مؤلمي الآب Patripassianism.

ترجع هذه الحركة إلى عصر الشهيد يوستين الذي أدان القائلين بأن "الابن هو الآب" (حوار مع تريفو 128). جاءت هذه الحركة أولاً كرد فعل خاطئ لمقاومة الفكر الغنوصي في القرن الثاني، حيث كان الغنوصيون يتطلعون إلى الابن والروح القدس أنهما أيونان صادران عن الله الأسمى، وانهما أقل منه، فأراد البعض تأكيد الوحدانية بين الثالوث فسقطوا في نوعٍ من السابيلية.

وجاءت أيضًا كرد فعل ضد الأريوسية في القرن الرابع (استخدمها مارسيلليوس أسقف أنقرة Marcellus of Ancra لنزع فكرة التدرج عند الثالوث القدوس.

لقد أوضح ترتليان في مقدمة مقاله ضد براكسيس Praxeas، بأن هذه الهرطقة إنما ظهرت خلال الرغبة في تأكيد الإيمان الأرثوذكسي.

سابينا الشهيدة

كانت أرملة رومانية، آمنت بالسيد المسيح على يد خادمتها سيرابيا Serapia التي كانت من سوريا. أقامت من بيتها كنيسة يتعبد فيها المؤمنون.

استشهدت سيرابيا في عهد الإمبراطور هادريان Hadrian (117 - 138). في التاسع والعشرين من شهر يوليو، وبعدها بشهر نالت سيدتها سابينا إكليل الاستشهاد.

يوجد على تل Aventine hill كنيسة titulus القديسة سابينا؛ الاسم اللاتيني titulus يشير إلى اسم أسرة فتحت بيتها ليكون كنيسة في أيام الضيق. توجد حجرات تحت مبنى الكنيسة ترجع إلى القرن الثاني.

المبنى الحالي أُنشئ في القرن الخامس، ويُعتبر مثلاً رائعًا للبازليكا المسيحية القديمة في روما. بها قطعتان من الفن القديم، إحداهما قطعة من الموزاييك على المدخل والقطعة الثانية قطعة خشبية محفورة بها مناظر من العهدين القديم والجديد، وهي قطعة نادرة إذ يصعب وجود خشب محفور يرجع إلى القرن الخامس.

Butler, August 29.

سابينوس الأسقف ورفقاؤه الشهداء

استشهاد الشماسين مارسيللوس وإكسوبرانتيوس

كان سابينوس أسقفًا على إحدى مدن إيطاليا، وأثناء اضطهاد دقلديانوس Diocletian قُبِض عليه مع عدد كبير من كهنته وشمامسته، وأُحضِروا أمام فنوستيان Venustian حاكم إتروريا Etruria. أحضر الحاكم تمثال الإله جوبيتر ووضعه أمام سابينوس طالبًا منه تقديم العبادة له، فأمسكه القديس وألقاه في الأرض فتحطم، فأمر الحاكم بقطع يديَّ القديس. في نفس الوقت اعترف شمّاساه مارسيللوس Marcellus وإكسوبرانتيوس Exsuperantius بالإيمان، فجلدا وعذبا بشدة حتى الاستشهاد، ودفنا في أسيزي Assisi.

شفاء صبي كفيف في السجن

وُضع سابينوس في السجن، وكان لأرملة اسمها سيرينا Serena ابن كفيف، فأحضرته إلى القديس الذي مدّ ذراعيه المقطوعتيّ الكفين وباركه بهما فشُفي الصبي، وللحال آمن كثير من المسجونين وطلبوا نوال سرّ المعمودية. آمن أيضًا فنوستيان وزوجته وأبناؤه وقدموا حياتهم للسيد المسيح. أما سابينوس فقد ضُرِب حتى الموت عند سبوليتو Spoleto، ودُفن بالقرب من المدينة، وكان استشهاده حوالي سنة 303م.

سابينوس الأسقف القديس

هو أسقف بياكنزا Piacenza، نسمع عنه من خلال صداقته الحميمة مع القديس أمبروسيوس، حيث كانا يتبادلان الرسائل. ومن إحدى رسائل القديس أمبروسيوس نعرف أن سابينوس كان يشتهر بعلمه الغزير، إذ يطلب منه أمبروسيوس نقدًا لبعض كتاباته التي أرسلها إليه.

قد شارك في مجمع أكويليا Aquileia سنة 381م ضد الأريوسيين، وفي مجمع ميلان بعدها بتسع سنوات ضد جوفينيان Jovinian..

يروي القديس غريغوريوس القصة التي ذاعت عنه والتي تحكي عن حدوث فيضان مدمر في نهر بو River Po، فكتب القديس سابينوس أمرًا في ورقة وألقاها في النهر، فأطاع النهر وعاد إلى مساره الطبيعي.

يُقال أنه تنيح في 11 ديسمبر سنة 420م.

Butler, January 17.

سابينيان الشهيد

يعتبر الشهيد سابينيان أول رسول وشهيد لمدينة تروي Troyes.

وُلد في جزيرة ساموس Samos، وتحوّل إلى المسيحية عند قراءته للإنجيل، ثم سافر إلى بلاد الغال للتبشير. ونتيجة لتحول الكثيرين إلى المسيحية بسببه، قُبِض عليه وأُحضِر أمام الإمبراطور أوريليان Aurelian، الذي فشل في تهديده، وأخيرًا بعد سلسلة من الحوادث المعجزية، منها فشل النيران في حرقه أو السهام في إصابته، قُطِعت رأسه بحد السيف فنال إكليل الشهادة.

Butler, January 29.

سابينيسيوس أسقف القيروان

راجع: سينسيوس مطران بنتابوليس.

السنكسار الأمين، 4 هاتور.

ساتورُس الشهيد

استشهد مع بربتوا Perpetua، وتُعيِّد له الكنيسة الغربية في السابع من شهر مارس. وقد كتب الشهيد ساتورُس رؤيا يصف فيها الفردوس، وتحمل ملاحظات على الممارسات الليتورجية.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 589.

ساتورنينوس الأسقف الشهيد

استطاع القديس ساتورنينوس أو سيرنين Sernin هو أول أسقف على تولوز Tolouse تحويل الكثير من الوثنيين إلى المسيحية بعظاته والمعجزات التي أجراها الله على يديه. كان يجتمع مع شعبه في كنيسة صغيرة في تولوز، وكان المعبد الوثني الرئيسي في المدينة يقع بين تلك الكنيسة ومنزل القديس. في هذا المعبد كان الوثنيون يسألون الأوثان فتجيبهم، ولكن لفترة طويلة ظلت صامتة، فأوعزوا صمتها إلى وجود الأسقف المسيحي.

مقاومة الوثنيين له

في أحد الأيام رآه كهنة الأوثان فقبضوا عليه واستدرجوه إلى معبدهم، وخيَّروه بين إعلان إيمانه بالأوثان بتقديم القرابين لها أو أن يُرضُوا الآلهة بتقديم دمه قربانًا لها. أجابهم القديس: "أنا لا أعبد إلا الله الواحد، وله وحده فقط أقدم ذبيحة التسبيح، أما آلهتكم فهي شريرة، وكيف أخشاها بينما أنتم بأنفسكم تعترفون بأنها ترتعب أمام إنسان مسيحي؟"

اغتاظ الوثنيون من رده، فربطوا رجليه إلى ثور كان قد أُحضِر لتقديمه ذبيحة، ثم أطلقوا الثور ليجري أسفل الجبل حتى تهشمت رأس القديس وتكسرت عظامه، وظل الثور يجري حتى تمزق الحبل فحُمِلت جثة القديس إلى خارج المدينة. بعد ذلك حملت رفاته امرأتان مسيحيتان ودفنتاه في الكنيسة الكبيرة المعروفة الآن باسم كنيسة القديس سيرنين، كما بُنِيت كنيسة أخرى في المكان الذي توقف فيه الثور، ومازالت تسمى تور، وكان استشهاد القديس ساتورنينوس في القرن الثالث الميلادي.

Butler, November 29.

ساتورنينوس الشهيد

كان كاهنًا شيخًا، أتى من قرطاجنة Carthage إلى روما مع شماسه سيسينينوس Sisininus، وذلك في زمن اضطهاد الإمبراطور ماكسيميان. بعد أن حُبِسا مدة طويلة حتى ضعفت قوتهما، أمر حاكم المدينة بربطهما وشدَّ أطرافهما ثم ضربهما وجلدهما وحرقهما بالنار، وأخيرًا قطع رأسيهما، فنالا إكليل الشهادة، وكان ذلك في سنة 309م.

Butler, November 29.

ساتورنينوس وداتيفوس ورفقاءهما الشهداء

عدم تسليم الكتب المقدسة

إذ حدث اضطهاد شديد على المسيحيين في عهد دقلديانوس طُلب من المؤمنين أن يسلموا الكتب المقدسة لتُحرق بالنار، وقد اختار المؤمنون أن يُحرقوا هم بالنار ولا يُسلموا الكتاب المقدس للنار. وكان من بين هؤلاء الكاهن ساتورنينوس وأولاده الأربعة وخمسة وأربعون شخصًا.

سيامته كاهنًا

سيم ساتورنينوس كاهنًا بعد نياحة زوجته. وإذ اجتمع مع المؤمنين لخدمة سرّ الإفخارستيا ألقيَ القبض عليهم: واقتيدوا إلى قرطاجنة لمحاكمتهم أمام الوالي انولينوس.

شهدت المحاكمة صورة حيّة للسباق في التمتع بإكليل الاستشهاد.

وجه الوالي حديثه إلى أحد المؤمنين يُدعى ذاتيفوس حيث وجه إليه الاتهام بأنه حضر اجتماع المسيحيين مخالفًا أمر الملك. وإذ لم ينكر ذلك معلنًا أنه مسيحي علقه الجند على خشبة ومزقوا جسده بمخاليب حديدية حتى ظهرت عظامه.

إذ رأى تيليكا ذلك انطلق نحو الجند واعترف بأنه اشترك في الاجتماع فنال نفس العقوبة وهو شاكر الله.

تقدم رجل شريف وثني وهو أخ القديسة ناصرة التي كانت من بين المقبوض عليهم وادعى أن ذاتيفوس هو الذي أغوى أخته لتصير مسيحية وتشترك في هذه الاجتماعات. أما هي فقالت: "كلا. فإنني باختياري صرت مسيحية وبإرادتي اشتركت معهم في الاجتماعات".

سُئل الكاهن ساتورنينوس عن عقده اجتماعات للمسيحيين للصلاة مخالفًا لأمر الملك فأجاب أنه يفعل ذلك طاعة لله، فعذبوه بقسوة وأخيرًا قطعوا رأسه.

تقدم أميرتيوس وقال: "أنا هو الذي قدمت بيتي مكانًا للاجتماع".

وقف الحاكم في حيرة، فقد كان الكل يتسابقون في إعلان مسيحيتهم وشركتهم في الاجتماعات واحتفاظهم بالكتاب المقدس. وكان كلما شدّد العذابات تهلّل الآخرون مشتاقين إلى التمتع بالآلام من أجل إيمانهم.

نذكر على سبيل المثال أن الفتاة ناصرة لاحظت أن أخاها الوثني أراد أن ينقذها من الموت، فادعى أنها مخبولة العقل، فوقفت تُعلن أنها عاقلة، وأنها لا تعرف لها أخًا لا يحفظ وصايا الله، وأنها بإرادتها حضرت الاجتماعات واحتفظت بالكتاب المقدس.

للأسف سلّم مينسوريوس الأسقف وسيشيليانوس شماسه الكتب المقدسة للحاكم، وأغواهما الشيطان على مقاومة الشهداء فوضعا جنودًا على باب السجن ومنعوا دخول الطعام حتى مات هؤلاء الشهداء جوعًا.

استشهدت هذه المجموعة من الرجال والنساء والأطفال سنة 304م، إبان الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور دقلديانوس.

وقد وردت سيرتهم في حرف "د"، تحت "ساتورنينوس، داتيفوس ورفقاءهما الشهداء".

Butler, February 11.

الأب بطرس: مروج الأخبار في تراجم الأبرار، بيروت 1999، شباط 11.

ساتورنينوس أو ساتورنيلس الغنوصي

مواطن أنطاكي يرجع إلى نهاية القرن الأول الميلادي، يعتبر من القادة الغنوصينن الأوائل، تدرب على يدي Menander الغنوصي السامري.

ينسب إليه القديس إيرينيؤس (ضد الهرطقات 24: 1: 1 - 2) نظام للمسكونة فيه يدعى أن الله الذي لا يُعبر عنه قد خلق قوات أقل منه، منهم السبعة ملائكة الذين خلقوا العالم والبشرية. فالإنسان هو من صنع الملائكة الذين لم يستطيعوا أن يهبوه قوة للثبات وعدم السقوط، فصار كدودة تزحف على الأرض.

وُهبت الكائنات البشرية إشراقة إلهية للحياة، ويمكنهم أن يخلصوا منن البؤس بنزول المسيح كمخلص غنوصي وكغالب لإله اليهود الذي هو أحد الملائكة السبعة الخالقين وكفادي للقوات الأخرى.

عند الموت تعود هذه الإشراقة الإلهية إلى مصدرها، ويعود بقية الإنسان إلى العناصر التي خُلق منها.

هذا التعليم أوحى لتلاميذ ساتورنينوس فكرًا نسكيًّا متطرفًا برفض الزواج والعلاقات الجسدية.

Everett Ferguson: Encyclopedia of Early Christianity, 1999.

ساتيروس القديس

هو الأخ الأكبر للقديس أمبروسيوس، وقد ولد قبل سنة 340م في ترير Triér، وكانت شقيقته الكبرى القديسة مارسيلينا. لما توفي والدهما، الذي كان حاكمًا في بلاد الغال، سنة 354م، انتقلت الأسرة إلى روما، حيث تلقى الولدان تعليمهما تحت الإشراف الدقيق للأم والأخت الكبرى.

عمل ساتيروس اتجاهًا بالمحاماة ثم صار حاكمًا لمقاطعة صغيرة. لكن عندما اختير أمبروسيوس ليكون أسقفًا لمدينة ميلان سنة 374م استقال ساتيروس من عمله ليشرف على الشئون الإدارية لإيبارشية شقيقه. وقد قام بعدة رحلات إلى أفريقيا، وفي آخرها كاد يفقد حياته حين انكسرت به السفينة. بسبب هذا انتهز أول فرصة ليتعمَّد حيث كان من الموعوظين فقط. وقد توفي القديس ساتيروس سنة 379م في ميلان فجأة في حضرة شقيقته وشقيقه، الذي وزّع كل ممتلكاته على الفقراء والمحتاجين حسب وصية ساتيروس له. وفي تجنيز شقيقه تحدث أمبروسيوس عن فضائله وأعماله الطيبة ومحبته، طالبًا من الله أن يقبل الذبيحة التي يرفعها إليه من أجل شقيقه.

Butler, September 17.

سادوث الأسقف الشهيد

سيامته أسقفًا

كان القديس سادوث Shadost, or Sadosh, or Shiadustes شماسًا للأسقف سليوسيا Seleucia - Ctesiphon ومثَّله في مجمع نيقية سنة 325م.

وحين استشهد الأسقف سمعان بارسابا Simeon Barsabae أثناء الاضطهاد البشع الذي أثاره سابور الثاني Sapor II، اختير سادوث ليخلفه في هذه الأسقفية والتي كانت تعتبر أهم أسقفية في مملكة فارس ولكن أكثرها تعرضًا للضيق والاضطهاد.

فعلاً بعد رسامته بفترة قصيرة ازداد عنف الاضطهاد مما اضطر القديس سادوث وبعض رجال الإكليروس للهروب والاختباء في أحد الأماكن، ومنه كانوا يساندون ويشجعون قطيعهم في ضيقهم.

رؤيا سماوية

في تلك الفترة رأى القديس سادوث رؤيا أدرك منها أن الوقت قد حان لكي يكلل إيمانه بسفك دمه، وقد وصف تلك الرؤيا لكهنته وشمامسته قائلاً: "رأيت في الرؤيا سلمًا محاطًا بالنور صاعدًا من الأرض إلى السماء، وفي أعلاه وقف القديس سمعان بمجد عظيم ونظر إليَّ بابتسامة حانية وقال: اصعد يا سادوث ولا تَخَف فقد صعدت أنا بالأمس واليوم هو دورك لكي تصعد. وهذا يعني أنه كما استشهد هو العام الماضي سوف أتبعه في هذا العام".

تعذيبه

حدث أن أتى الملك سابور إلى سليوسيا فقُبِض على القديس سادوث و128 شخصًا مسيحيًا من بينهم بعض رجال الكهنوت، ووُضِعوا جميعًا في سجون حيث عانوا لمدة خمسة شهور من التعذيب والأوضاع السيئة. وثلاث مرات وضعوهم على آلات التعذيب وشدوهم بالحبال بقوة حتى سُمِعت أصوات تكسير عظامهم.

وفي وسط هذه العذابات كان الجنود يصرخون نحوهم: "أطيعوا الملك واعبدوا الشمس لتنقذوا حياتكم". فأجابهم القديس سادوث نيابة عنهم كلهم، أن الشمس ما هي إلا خليقة الله صنعها من أجل الإنسان، وأنهم لن يعبدوا أحدًا إلا الخالق. أجاب الجنود: "أطيعوا وإلا كان الموت المؤكد من نصيبكم"، لكن الشهداء صرخوا بصوت واحد: "لن نموت بل سنحيا ونملك إلى الأبد مع الله وابنه يسوع المسيح". رُبِطوهم اثنين اثنين واقتيدوا خارج المدينة، وكانوا في سيرهم يترنمون متهللين ولم يتوقف صوت صلواتهم وتسبيحهم حتى استشهد آخر شهيد منهم، وكانت شهادتهم في سنة 342م.

Butler, February 20.

سارماتاس الشهيد

تلمذته للأنبا أنطونيوس

كان القديس سارماتاس زميلاً للأنبا مقاريوس الكبير في التلمذة للأنبا أنطونيوس أب الرهبان. وبعد أن تشبّعت روحه بالتعاليم الإلهية وبقدوة معلمه الكبير، غادر الصحراء الشرقية وقصد إلى منطقة بيسبير، وهي المنطقة الأولى التي قصد إليه الأنبا أنطونيوس قبل انزوائه في الصحراء، وكان فيها دير عظيم لم يلبث رهبانه أن اختاروا سارماتاس رئيسًا عليهم، فحلَّت بركة أبيه الروحي كوكب البرية عليه، فكان يسطع بنور السيد المسيح.

نسكياته

مارس هذا القديس تدريبات غاية في النسك والتقشف حتى بلغ به الأمر أنه كان يستطيع الاستغناء عن النوم لأسبوعٍ بأكمله. وقد تزيَّن إلى جانب ذلك بعطفه الشديد على الخطاة، وكثيرًا ما كان يقول: "إني أُفضل الخاطئ الذي يعرف أنه خاطئ عن البار الممتلئ غرورًا ببره".

استشهاده

ظل في رئاسة الدير إلى أن أغار البربر عليه وخربوه تخريبًا شاملاً، ومن العجيب أنهم لم يقبضوا إلا على القديس سارماتاس تاركين رهبانه وشأنهم، فأذاقوه صنوف العذاب مستهدفين جحده لسيده. ولكنه تحمل الآلام بصبرٍ وسكونٍ إلى أن استودع روحه الطاهرة في يديّ الآب السماوي ونال إكليل الشهادة.

السنكسار الأمين، 2 بابه.

سارة ابنة سنحاريب الشهيدة

قبولها الإيمان مع أخيها

هي ابنة الملك سنحاريب ملك الفرس، وكانت مريضة ولم يُمكن شفائها بشتى الوسائل. وفي ذات يوم خرج بهنام أخوها للصيد مع أربعين من غلمانه، وفي الليل ظهر له ملاك الرب وطلب منه أن يتوجه إلى قديس يدعى متى يسكن في أعلى الجبل لأنه على يد هذا القديس ستُشفى أخته. فتوجه في الصباح إلى حيث القديس متى، الذي علم بالروح عن مجيئهم فقابلهم وعلمهم طريق الحياة وعمدهم ثم ناولهم من الأسرار المقدسة.

رجع القديس متى مع بهنام وغلمانه لشفاء أخته، فلما وصلوا إلى باب المدينة رفض الدخول، فذهب بهنام إلى المنزل وأتى بأخته للقديس الذي وعظها ثم عمدها فتركها المرض.

استشهادها مع أخيها وغلمانه

أما والدها فلما علم بشفائها سألها عن السبب، فأخبرته أن إله القديس متى الذي خلق الكون هو الذي شفاها، فأمر أبوها بقطع رأسها ورأس أخيها ورؤوس الغلمان الذين كانوا معه، فنالوا جميعًا إكليل الشهادة في الرابع عشر من كيهك.

إيمان سنحاريب

في نفس الوقت أصاب الملك روح نجس وصار يعذبه عذابًا شديدًا، فأحضروا له القديس متى الذي صلى عليه فشُفي في الحال، وعندئذ آمن هو وكل كورته، ثم بنى كنيسة عظيمة ووضع فيها أجساد الشهداء الأبرار تذكارًا لهم.

شهيدات المسيحية، صفحة 89.

سارة وولداها الشهداء

في مدينة إنطاكية

وُلدت من أبوين مسيحيين في أواخر القرن الثالث الميلادي في مدينة إنطاكية، ولما كبرت تزوجت برجل يُدعى سقراط، وكان قائدًا في جيش الإمبراطور دقلديانوس وأحد أشراف إنطاكية.

كان سقراط هذا صديقًا للشهيد أبادير. ولكنه انحرف وترك الإيمان لكي يرضي الملك. تظاهر أمام زوجته أنه فعل ذلك خوفًا من الإمبراطور.

تعمد ولديها

رزقت بولدين وأرادت تعميدهما ولكنها لم تستطع ذلك في إنطاكية، فسافرت إلى الإسكندرية عبر البحر لهذا الغرض. في الطريق هاج عليها البحر وكادت السفينة أن تغرق، فخشيت سارة أن يغرق طفلاها دون أن يعتمدا، فصلّت صلاة طويلة ثم غطّستهما في الماء ثلاث دفعات وحوّلت وجهها نحو الشرق، وصلّت وهي تقول: "أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس" ثم جرحت ثديها الأيمن ورسمت بدمها صليب على جبهتي ولديها ".

حدث أن هدأ البحر فوصلوا إلى الإسكندرية، فقدمت سارة ولديها للبابا بطرس خاتم الشهداء لتعميدهما فتجمد الماء كالحجر، وقد حاول ذلك ثلاث مرات، وفي كل مرة يتجمد الماء. ولما سألها البابا عن قصتها أخبرته بكل ما حدث معها، فصار يردد: "ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا".

استشهادها

لما عادت وعلم زوجها بما فعلته غضب وأخبر الإمبراطور، فأحضرها أمامه ووبخها واتهمها بأنها زنت مع المسيحيين بالإسكندرية، فأنّبته تأنيبًا شديدًا، وأفهمته أن المسيحيين لا يزنون. فأمر بشد يديها وربطهما إلى خلفها ثم وضع ولديها على بطنها أما هي فحولت وجهها إلى الشرق وكانت تصلي إلى خالقها وفاديها. أحرقهم بالنار فصعدت أرواحهم كرائحة بخور ذكية أمام العرش الإلهي، ونالوا إكليل الشهادة.

قدّمت هذه الشهيدة مثلاً حيًّا عبر كل الأجيال عن غيرة المؤمن على خلاص اخوته. وكيف أنه عند الضرورة القصوى يمكن للمؤمن (من الشعب) أن يعمد الآخر بجرح نفسه ورشمه بالدم باسم الثالوث القدوس.

بعد ذلك أمر الإمبراطور بالقبض على البابا بطرس الذي عمّد الطفلين، وكان ذلك في عام 311م.

شهيدات المسيحية، صفحة 53.

سارة الشهيدة

رهبنتها

وُلدت من أبوين مسيحيين تقيين، وكان لها أخ يدعى مويسيس. لما توفي والداها أراد أخوها أن يزوجها ليترهب، فأخبرته أنها تريد أن تترهب أيضًا، فأودعها دير للعذارى وترهب هو بأحد الأديرة بالإسكندرية. وظل الاثنان يعبدان الله بطلبات وصلوات مدة عشر سنوات لم يرَ فيها أحدهما الآخر.

استشهادها

لما أثار الملك ديسيوس الاضطهاد على المسيحيين في عهد البابا ديمتريوس الكرام واستشهد كثيرون، أرسل مويسيس إلى أخته يودعها ويعلمها بعزمه على الاستشهاد، فاستأذنت من رئيسة الدير ثم انضمت إلى أخيها وتوجها سويًا إلى الوالي حيث اعترفا بالسيد المسيح، فعذبهما عذابًا شديدًا ثم أمر بقطع رأسيهما، وكان استشهادهما في الثاني والعشرين من شهر مسرى.

شهيدات المسيحية، صفحة 25.

سارة القديسة

محاربة الأفكار الشريرة

أقامت العذراء الشريفة سارة ديرًا للعذارى في برية شيهيت، وكانت أما وديعة حكيمة محبة محبوبة. ويروي عنها الآباء النساك أنها قضت ثلاث سنوات في محاربة الأفكار الشريرة ولم تطلب إلى الله في يوم من الأيام أن يرفع عنها هذه المحاربات بل داومت على مطالبته بأن يعطيها القوة على الانتصار.

وبعد هذه السنوات الطويلة ظهر لها شيطان الزنى في شكل مرئي ودسّ عليها أمور العالم الفانية. أما هي وبدون أن تتخلى عن مخافة الرب والنسك صعدت للحال إلى غرفتها للصلاة. ظهر لها روح الزنى وقال لها: "لقد غلبتيني يا سارة. فقالت:" لست أنا التي قهرتك، وإنما ربي يسوع المسيح ". وبهذه الكلمات اختفى الشرير من أمامها، ومن تلك اللحظة استراحت من كل هجمات العدو.

جهادها

قالوا عنها أنها أقامت عند النهر ستين سنة دون أن تنحني لتنظر إليه.

وذات يوم جاءها شيخان ناسكان كبيران من تخوم بيلوسيوس. وبينما كانا في الطريق إليها، قالا فيما بينهما: "هلم نذلل هذه العجوز". ولما وصلا قالا لها: "انتبهي أن يناهضك فكرك فتقولي ها قد جاء النساك إلىّ مع أنى امرأة". فقالت لهما: "أنا في الطبيعة للمرأة، لكنى في الفكر لست هكذا".

مرشدة روحية

ذاع صيت حكمتها حتى أنها أصبحت مركزًا للحياة الروحانية، وكان كثيرون يأتون إليها لاستشارتها بعد أن يكونوا قد استناروا بآباء شيهيت ونتريا، وكل من جلس إليها عاد ممتلئًا نشوة روحية مما سمعه.

ذهب لزيارتها ذات يوم عدد من الاخوة الذين في شيهيت، وبعد التحدث إليهم قدمت لهم طبقًا من الفاكهة، واختار الاخوة الفاكهة المعطبة تاركين النضرة جانبًا، وراقبتهم بابتسامة حلوة ثم قالت لهم: "من الواضح أنكم بالحقيقة شيهيتيون".

قالت الأم سارة: إذا طلبت إلى الله أن يكون الجميع مرتاحين من جهتي، فسأكون عند باب كل واحد تائبة. إلا إني سأصّلي كي يكون قلبي عفيفًا تجاه كل واحد.

وقالت أيضا: يحسن للبشر أن يتصدقوا حتى ولو كان السبب إرضاء للناس، لأن الإحسان يحقق لنا إرضاء الله.

بعد حياة قضتها في الجهاد الروحي المستمر انتقلت بهدوء تام في شيخوخة صالحة.

سافين القديس

نشأته

عاش في القرن الخامس الميلادي، حيث ولد في برشلونة Barcelona وقامت بتربيته والدته الأرملة، وحين صار شابًا أرسلته والدته ليكون تحت رعاية خاله في بواتييه Poitiérs.

تأثر بتدين ابن خاله وقدوته وكلامه المملوء من الروح، الذي ترك منزله سرًا وذهب ليترهب بدير في ليجيج Liguge. طلب منه خاله وزوجته أن يستخدم تأثيره على ابنهما ليعود إليهما، ولكن سافين رفض مُذَكِرًا إياهم بقول السيد المسيح أنه يجب على الإنسان أن يحبه أكثر من محبة الأب والأم، وزاد على ذلك أنه أخبرهما بعزمه على الرهبنة في نفس الدير.

رهبنته ووحدته

ترك سافين المنزل عازمًا على حياة الوحدة حيث ذهب إلى الدير، وهناك أراه الأب فرونيميوس Fronimius رئيس الدير مكانًا بين الجبال يصلح للوحدة، فبنى لنفسه مغارة، ولكنه بعد فترة استبدلها بحفرة في الأرض. وحين زاره الأب فرونيميوس ورأى ذلك، قال له أنه يبالغ في نسكه وشدته مع نفسه، فكان رد القديس سافين أن كل إنسان ينبغي أن يندم على خطاياه بالطريقة التي يرى أنها تناسبه. وكان سافين يلبس ثوبًا واحدًا صيفًا وشتاءً، وظل يلبسه طوال ثلاثة عشر عامًا.

محبته للفلاحين

كان سافين يعظ الفلاحين في المنطقة ليس فقط بالكلام ولكن أيضًا بالمثال والقدوة في حياته، وتعددت المعجزات التي كان الله يجريها على يديه.

في أحد المرات منعه بعنف أحد الفلاحين من العبور من خلال حقله للوصول إلى نبع الماء، فضرب صخرة بعصاه فتفجر منها الماء.

علم القديس سافين بموعد نياحته، فأرسل إلى الدير حيث أحاط به الرهبان والشعب حتى تنيح بسلام. وبعد ذلك بنوا كنيسة تسمَّت باسمه، ثم امتد اسمه ليشمل البلدة بأسرها St. Savin de Tarbes.

Butler, October 9.

سالامانس المتوحد

متوحد في كابِرسانا Capersana وهي قرية على الشاطئ الأيمن لنهر الفرات، حبس نفسه في مغارة على الشاطئ المقابل للقرية. وكان يخرج مرة واحدة في السنة، كان يحفر لنفسه نفقًا يخرج منه ليُحضِر طعامًا يكفيه لإثني عشر شهرًا تالية، ثم يعود مرة أخرى إلى مغارته دون أن يتبادل كلمة واحدة مع أحدٍ.

إذ أراد أسقف الإيبارشية ممارسة سلطانه على هذا المتوحد، أمر بهدم جدران المغارة وقبض على سالامانس المتوحد، الذي استسلم بسلبية دون أن يبدي أية موافقة أو اعتراض. وبنفس السلبية قَبِل الانتقال إلى مغارة أخرى على الجانب الآخر من النهر في مغارة أعدها له أهل القرية، ثم مرة أخرى قَبِل العودة إلى جيرانه السابقين.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 576.

سالفيان أو سلفيانوس كاهن مرسيليا

تكشف سيرة سالفيان (سلوانوس) عن شعور المؤمن بالالتزام نحو التمتع بالحياة المقدسة الداخلية والشهادة الحيّة القوية لإنجيل المسيح وجاذبية الصليب لكسب نفوس كثيرة بالرغم من تحدي العالم للإيمان الحق.

لقد تزوج سالفيان فتاة وثنية ابنة رجل له مكانته الاجتماعية في فرنسا، واستطاع لا أن يجتذبها إلى الإيمان المسيحي فحسب، بل وأن يرتفعا معًا إلى الحياة السماوية ليشتهيا السلوك الملائكي. لقد التهب قلبه وقلبها لتكريس حياتهما للعبادة، فافترقا حسب الجسد، والتحق كل منهما في دير بعد إنجابهما ابنة مباركة، تاركًا مركزه الاجتماعي.

التحق سالفيان بدير Lérins ثم في دير بمرسيليا، وهناك سيم كاهنًا.

دُعي كاهن مرسيليا؛ اشتهر بحياته المقدسة وأيضًا بكتاباته التي كان لها صداها القوي في بلاد الغال في القرن الخامس.

تحدث عنه جناديوس وقدم لنا قائمة بكتاباته.

نشأته

في عام 429م وصفه القديس هيلاري أسقف آرل في عظة له عن القديس هونوراتس Honoratus جاء فيها: "سلفانوس المطوّب جدًا، الكاهن".

ولد غالبًا في تريف ببلاد الغال، ويظهر من كتاباته أنه كان على علم تام بعادات وسلوكيات تلك المنطقة، وكان يقاومها بكل شدة.

كان هو أو أحد أقاربه يقطن في كولوني Cologne، ويحتل مركزًا مرموقًا في المدينة.

رهبنته

سلك سيلفانوس وزوجته الحياة الرهبانية بعد أن تزوج بالاريا Palladia ابنة هيباتيوس Hypatius، وأنجبت طفلة تُدعى إسبيسيولا Auspiciola. هذا الأمر أحزن هيباتيوس فانسحب إلى مكان بعيد، ورفض أية علاقات مع سيلفانوس وأسرته لمدة سبع سنوات. كتب سيلفانوس رسالة (رسالة 4) يطلب بحرارة هو زوجته وابنته تجديد علاقات الحب والصداقة مع هيباتيوس، ولا ندري إن كانت هذه الرسالة وجدَت استجابة أم لا.

كان سيلفانوس قد شاخ جدًا عندما كتب عنه جبناديوس بعبرات التكريم فيدعوه "Episcoporum Magister" وهو لقب يُعطى للشخص الراهب العلاّمة.

كتاباته

لكتاباته أهمية كبرى من الجوانب الاجتماعية والسياسية والكنسية.

أشار في كتاباته إلى جمهور التجار السريان في كل مدن الغال، هذه الحقيقة التي تفسر لنا وجود نقوش سريانية وأشورية وغيرها من الثقافات الشرقية في فرنسا.

يساعدنا أيضًا على تفسير الارتباك في العلاقات بين المسيحية والرومانية والبريطانية في القرنين الخامس والسادس.

Henry Wace & William Piercy: A Dictionary of Early Christian Biography, 1999.

سالفينا أو سيلفينا

تكشف سيرة هذه الأرملة التي عاشت في القصر الإمبراطوري عن قوة الإيمان الذي يسحب قلب الإنسان من وسط ملذات قصور الأباطرة ليرفعه إلى العرش ويتمتع بالحياة الملائكية. هكذا عاشت هذه الفتاة في جناح النساء بالقصر الإمبراطوري في القسطنطينية، لكنها لم ترتبك بملذات القصر ولا بإمكانياته، بل سلكت بروح الحكمة والتقوى، فكرّست كل طاقاتها لخدمة طفليها اليتيمين وتفرّغت لحياة الشماسية تحت قيادة روح الله القدوس، تعين القديس يوحنا الذهبي الفم.

هنا أيضًا ننحني بإجلال أمام القديس جيروم الذي يكشف في رسالته لتعزيتها عند وفاة زوجها الشاب أنه يحمل قلبًا أبويًّا نحو كل المؤمنين، فيجد لذّته في تقديم راحة لكل قلب جريح. وأيضًا أمام القديس يوحنا ذهبي الفم الذي أخرجها من حالة الترمّل القاسية وهي شابة لتكرس طاقاتها لخدمة ملكوت الله.

نشأتها

هي ابنة جيلدو Gildo، الذي كان له مركزه في أفريقيا. وكما يقول القديسان جيروم وذهبي الفم أن النساء في عائلة Gildo يتّسمْن بفضائلٍ عُظمى على نقيض الوحشية والبهيمية التي تلتصق باسمه.

في القصر الإمبراطوري

إذ كانت لا تزال فتاة صغيرة أُرسلت سالفينا إلى بلاط الإمبراطور ثيؤدوسيوس كعلامة ولاء والدها وولاء كل ولاية أفريقيا التي يحكمها جيلدو.

تربّت في القصر مع صغار الأسرة الإمبراطورية وفي حوالي سنة 390م تزوّجت نابريديس Nabridius ابن أخت الإمبراطورة. هذا الذي تعلّم مع ابني خالته أركاديوس وهونوسيوس اللذين صارا إمبراطورين فيما بعد.

مات نابريدس بعد فترة قصيرة تاركًا لها ابنًا يُدعى نابريدس وابنة. كرّست سالفينا حياتها لخدمة الله. ذاعت شهرتها إلى فلسطين فكتب إليها القديس جيروم رسالة مع أنه كان غريبًا في فللسطين.

التصقت هي وطفلاها بوالدتها أرملة جيلدو، حيث مات والدها في عام 398م.

غيرة سالفينا للتقوى جعلتها تلتصق بسرعة بالقديس يوحنا ذهبي الفم، فصارت إحدى شماساته على قدم المساواة مع الشماسة أولمبياس والشماسة بنتاديا Pentadia. بقيت معه حتى النهاية، وعندما أُستبعد ودّعته هي وأولمبياس وبنتاديا وبروكيولا Procula في معمودية الكاتدرائية ليلة استبعاده.

رسالة القديس جيروم (رسالة 79)

كتب لها القديس جيروم يعزّيها في موت زوجها، يمتدح فيها عفة رجلها وسخاءه في العطاء للفقراء. ويحذّرها من المخاطر التي قد تحل بها كأرملة، ويشجّعها لكي تكرّس كل طاقاتها لخدمة ابنها وابنتها، مظهرًا لها أن هذه هي مسئوليتها الرئيسية.

[هذه التي أكتب لها الآن هي غنية وفقيرة، حتى أنها لا تستطيع أن تخبر بما لديها حقيقة.

لست أتحدث إليها من أجل حافظة أموالها، بل من أجل نقاوة نفسها. لا أعرف وجهها، لكنني تعرّفت حسنًا على فضائلها. فإن التقارير تنطق عنها وعن صباها هذه التي تلهج بالأكثر بطهارتها.

بحزنها على رجلها اشاب تُقدم مثلاً لكل الزوجات؛ وبضبطها للنفس تبرهن عن إيمانها أنه لم يُفقد لكنه ذهب أمامها.

عظمة احتمالها لموت حبيبها أبرز صدق تديّنها. فبينما هي قادرة على التفكير في نابريديس المفقود، تعرف أنه لا يزال معها في المسيح.

ولكن لماذا أكتب إلى شخص غريب عني؟

لثلاثة أسباب:

أولاً: فإنني ككاهن مرتبط أن أحب كل المسيحيين كأبناء لي، وأجد مجدي في إراحتهم.

ثانيًا: لأنه كانت تربطني بوالد نابريديس علاقات قوية (كان حاكمًا في الغال أولاً ثم ذهب إلى الشرق).

ثالثًا: وهذا هو السبب الأقوى من السببين السابقين، وهو إني عجزت عن أن أقول لا لابني أفيتوس Avitus...]

Henry Wace & William Piercy: A Dictionary of Early Christian Biography, 1999.

سالفيوس الشهيد

شهيد من قرطاجنة Carthage في القرن الرابع الميلادي، وهو مذكور في سنسكسار كنيسة قرطاجنة.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 581.

سامان وأوسابيوس وهرواج وباخوش الأراخنة الشهداء

في حديثنا عن الأم دولاجي رأينا كيف تحدت هذه الأم وصبيانها الأربعة العذابات والموت من أجل إخلاصهم لمخلصهم السيد المسيح. في غيظ شديد ترك إريانا والي أنصنا مدينة إسنا، ثم عاد إليها في جولته الثانية ظنّا أنه حتمًا قد أخذ كهنة المدينة وشعبها درسًا لن ينسوه، وإن موت الأم دولاجي وصبيانها هو نموذج لقسوة التعذيب، الذي يحل بمن لا ينكر إيمانه بالمسيح ويعبد الأصنام.

لكنه سرعان ما خاب ظنه وكذب تخمينه عند ما دخل إسنا للمرة الثانية فقابله أراخنتها الأربعة، وكانوا هم رؤساء المدينة وكتابها والمشرفين على أمورها وهم أوسابيوس وسامان وهرواج وباخوش. اتسم هؤلاء الرؤساء بالرحمة ومحبة الفقراء.

وقفوا أمام الوالي معترفين بإيمانهم، غير مكترثين بالتهديدات، فأمر الوالي أن يكون التعذيب قاسيًا ووحشيًا، لكن لم تستطع العذابات أن تثنيهم عن إيمانهم.

وإذ وجد الوالي أن العذابات لا تجدي أمر بقطع رؤوسهم، فنالوا إكليل الشهادة في اليوم السادس من بؤونة.

ساموناس وجورياس وأبيبوس الشهداء

هؤلاء الشهداء الثلاثة من مدينة أديسّا Edessa بسوريا، عاشوا في حوالي القرن الرابع الميلادي واستشهدوا في الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور دقلديانوس.

وردت سيرتهم في حرف "ج"، تحت "جورياس، ساموناس وأبيبوس الشهداء".

Butler, November 15.

سانكتوس الشماس الشهيد

التزامه بالصمت

هو أحد شهداء ليون المشهورين، وقد استشهد في عهد مرقس أوريليوس سنة 177م.

كان سانكتوس شماسًا من فينا، واحتمل آلام تعذيب فاق الطاقة، ومع ذلك لم يستطع معذبوه ولا الحكام أن يظفروا منه بكلمة واحدة أو أية معلومات عن اسمه أو موطنه أو جنسيته. كان جوابه على جميع الأسئلة المتنوعة بعبارة واحدة: "أنا مسيحي". كان يرددها باللغة اللاتينية ولا يزيد عليها كلمة أخرى.

تشويه جسمه

إذ فشل الوالي في انتزاع أية معلومات منه امتلأ غضبًا، وأمر أن يعذب بلا رأفة. وبعد أن أتم أنواع العذابات المألوفة. ربطت صفائح نحاسية محماة إلى أجزاء جسمه الحساسة فاحترقت، ومع ذلك ظل ثابتًا منتعشًا ومتقويًا.

تشوه جسمه وتهرأ بشكل بشع حتى أنه، كما تصفه رسالة ليون وفينا، صار أبعد ما يكون عن شكل الإنسان. وإذ وُجد سليمًا ومعافى بعد أن ظنوه قد مات، وضعوا نفس الصفائح المحماة على جسده لكنه انتعش وانتصب واقفًا وسط كل هذه العذابات واستعاد شكله الطبيعي. فبدأوا يعذبونه بأنواع أخرى ومنها شيّه على كرسي حديدي يوقدون تحته، وأخيرًا فاضت روحه تحت آلام التعذيب.

الاستشهاد في المسيحية، صفحة 151.

ساويرس البطريرك القديس

الإيمان المستقيم

حينما يذكر اسم القديس الأنبا ساويرس بطريرك إنطاكية يُذكر اهتمامه باستقامة الإيمان وتآلفه مع كنيسة الإسكندرية. عرف بالصلابة والرسوخ في الإيمان وقوة الحجة.

كانت الصلة وطيدة بين البطريرك الأنطاكي والبطريرك السكندري البابا تيموثاوس في القرن السادس بخصوص دفاعهما عن الإيمان المستقيم والتمسك بعبارة القديس كيرلس السكندري الخاصة بالطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد وتمييزها عن الطبيعة الواحدة التي نادى بها أوطيخا منكر ناسوت المسيح.

أصر الاثنان على رفض مجمع خلقيدونية المنعقد في 451م، وصار تقليد بين الكنيستين أن يخاطب البطريركان الأنطاكي والسكندري بما يقر الإيمان المستقيم وكانت الكنيستان تذكر اسم البطريرك الآخر بعد بطريركها في أوشية الآباء.

تذكره الكنيسة القبطية في المجمع بعد القديس مرقس الرسول وتضمه مع الأبطال المجاهدين القديسين أثناسيوس وكيرلس الكبير وديسقورس. ولأهميته وُجدت مخطوطات ومراجع كثيرة أثيوبية وسريانية ويونانية ولاتينية وقبطية وإنجليزية وفرنسية وعربية. وقد أورد المتنيح الشماس يوسف حبيب قائمة بأسماء أهم المخطوطات وناشريها في مذكراته "تاريخ كنسي" عن محاضراته بالكلية الأكليريكية واللاهوتية بالإسكندرية عام 1974م. والمعتمد في تسجيله لسيرته رئيسيًا على المخطوطة الأثيوبية في المتحف البريطاني القسم الشرقي رقم 773 وعلى ميمر رقم 299 بدير السريان، مع رجوعه إلى بعض النصوص الأخرى.

نشأته

وُلد في سوزوبوليس من أعمال بيسيدية بآسيا الصغرى حوالي عام 459م. وحدث أن أنبا ساويرس الكبير أسقف مجمع كنيسة أفسس أُختطف عقله وغاب حسه مقدار ساعة. قال أنه سمع صوتًا يقول: "قصبة مرضوضة لا يقصف، فتيلة مدخنة لا يطفئ (إش42: 3). إن ساويرس سيثبت أركان الإيمان المسيحي، ويثبت صخرة الأرثوذكسية بكلامه الحق، لكنه سيقاسي تعبًا عظيمًا، ويرد كثيرين عن الضلال".

إذ صار شابًا أرسلته والدته الأرملة ليكمل هو وأخواه اللذان يكبرانه دراسته في العلوم والفلسفة واللغة بالإسكندرية ثم انطلق إلى بيروت يدرس العلوم القانونية. هناك كان موضع إعجاب كل زملائه من أجل صلابة طبعه وجده في الدراسة وذكائه، ففاق الجميع بمعرفته وانطلاقه وتعمقه في دراساته. وتوقع الجميع ما سيكون عليه من عظم شأنه.

يذكر عنه زميل له يدعى زكريا كان يقيم في الإسكندرية:

[أثناء دراسته في الإسكندرية كان زملاؤه معجبين لصفاء روح ساويرس ولمحبته للعلم، وكيف كان في عمقٍ يتعلم ويتفوق بلياقة واجتهاد ومواظبة، وفي دراسة قوانين العلماء القدامى كان يحاول أن يقلد أسلوبهم البراق، ولم يكن يشغل تفكيره شيء غير هذا، ولا يتعزى بشيءٍ آخر مما كان يتعزى به عادة الشبان، فكان يكرس ذاته للدراسة، ويبتعد من أجل حماسه لها عن الاهتمام بالأمور الباطلة.

أبدى ساويرس اهتمامات بمقالات الفيلسوف ليبانيوس الذي كان معجبًا به، وكذا أعمال القدماء وأقوال القديسين باسيليوس وغريغوريوس الأسقفين الشهيرين وغيرهما وكنا ننصحه أن يُقبل إلى العماد حتى يصل عن طريق البيان الذي كان له إلى حكمة هؤلاء وفلسفتهم...

فلما تعلم ساويرس أن يعرف كتبهم شُغف بها بالكلية وسمع وهو يمدح الخطابات الموجهة من باسيليوس إلى ليبيانوس وردود ليبيانوس، وكان يفرد ما اكتسبه إلى خطابات القديس باسيليوس. وكان نتيجة ذلك أنه عكف ساويرس منذ ذلك الوقت على قراءة كتب تأملاته.]

قيل أن أحد المؤمنين بالإسكندرية يدعى ميناس اتسم بطهارة سيرته وقوة إيمانه وكرم طبعه ومحبته للعفة والفقراء لما رأى ساويرس تعجب وقال لهم: "سيتألق نوره بين الأساقفة وسيروي الناس مياه المعرفة مثل العظيم يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية".

في بيروت

التقى زكريا به في بيروت ومضى به إلى كنيسة القيامة لكي يصلي ثم ذهب إلى كنيسة والدة الإله بالقرب من الميناء. وإذ انتهى من صلاته اقترب منه ساويرس وبمرحٍ قال له: "إن الله قد أرسلك إلى هذه المدينة بسببي. قل لي أذن كيف أخلص؟"

تحدث معه صديقه خلال الكتاب المقدس وما علمه الآباء القديسون. سأله ساويرس إن كان لديه كتب باسيليوس الكبير وغريغوريوس والحكماء الآخرين. فأجابه بأنه أحضر الكثير من مؤلفاتهم.

صلّيا معًا ثم تحدث معه عن محبة الله الفائقة وسقوط الإنسان وعمل الله الخلاصي.

عماده

عكف على قراءة كتب القديسين باسيليوس وغريغوريوس خاصة عن العماد وعدم تأجيله.

كان لزكريا صديق يدعى أفاجيروس (أوغريس) يؤنب زكريا بشدة على تأخر ساويرس على العماد. أخيرًا انطلق الثلاثة إلى كنيسة لاونديوس في طرابلس الشام حيث نال سرّ العماد وكان أفاجيروس إشبينًا له، تم ذلك على يد كاهن يدعى ساويرس.

قيل أنه وهو في طريقه للعماد التقى به متوحد يدعى أليشع أسرع إليه وهو يقول: "يا ساويرس افرح، افرح، يا بطريرك يا رئيس الأساقفة..." كما قيل ظهر القديس لاونديوس الشهيد قائمًا مثل أمير جبار وكانت منطقته مرصّعة بالجواهر، وإذ خافوا طمأنهم القديس واختفى عن أعينهم.

أثناء العماد ظهرت يد نازلة على رأسه وسمع الحاضرون صوتًا يقول: "مستحق مستحق مستحق"، فتعجب الكل لما حدث.

رهبنته

بعد عماده تقدم في الروحيات جدًا، فكان يصوم كل يوم، ويقضي أغلب الليل في الكنيسة.

انطلق إلى بلده بعد دراسته للقانون واشتغل بالمحاماة زمانًا. ثم قرر أن يمضي إلى أورشليم لزيارة الأماكن المقدسة، وهناك شعر بشوقه للتكريس للخدمة، وأن يستبدل ثوب المحاماة بثوب الرهبنة.

قيل أنه إذ كان يقرأ في كتب الفلسفة ظهر له الشهيد لاونديوس وقال له: "حسبك هذه القراءة. هلم اتبعني لكي تتعمق في دراسة قوانين الله التي يقرأها الآباء حتى أيام نياحتهم. انهض يا ساويرس، وأعد نفسك للعمل الجَدّي في الكنيسة، وأُسلك في الرهبنة لكي تعرف الجهاد بقوة، وتحمل ترس الإيمان الذي به تقدر أن تطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة..."

وقيل أن أحد المتوحدين الساكن خارج المدينة رآه في حلم يمسك "كوريكًا" ينظف نافورة مملوءة طينًا ونتنًا. وإذ جاء إليه القديس لكي يصلي عرفه وقال للذين معه: "هذا سيكون عظيمًا بين الحكماء، شهيدًا بين الأساقفة..."

عكف على قراءة الكتاب المقدس بلا انقطاع، وصار يتعمق في دراسة الكتاب المقدس وفي كتب الآباء القديسين. ثم انطلق إلى دير الشهيد لاونديوس بفلسطين بالقرب من طرابلس الشام سنة 488م. هناك انضم إليه بعض أصدقائه ممن كانوا يتعلمون معه الفلسفة.

توحده

التهب قلبه بالشوق نحو حياة الوحدة فترك الدير وذهب إلى صحاري إيلوتيروبليس يصحبه أثناسيوس من الرُها. كرس وقته للعبادة والدراسة وإذ أتعب جسده بالصوم والسهر مرض، لكن مرضه لم يطفئ شعلة غيرته.

في دير القديس رومانيوس

إذ هزل جسده جدًا وانتابته الأمراض مضى إلى دير القديس رومانيوس. استقبله رئيس الدير ويدعى رومانيوس بحفاوة وقال له: "الذي أنت عبد له أظهر لي عملك وعلمك في هذه الليلة ومقدار كرامتك".

رؤية رومانيوس

رأى كأن صحراء مملوءة شوكًا وحسكًا وإذا بامرأة جميلة تجري الدموع من عينيها على خدّيها وصدرها، وكانت ثيابها مهلهلة وممزقة وهي حزينة. سمع من يقول لرفيقه: "هوذا يأتي ساويرس ليقتلع الشوك من هذه الأرض ويقدس كرمًا لرب الصباؤوت" ثم خاطب المرأة: "لا تخافي أيتها المدينة إنطاكية، هوذا يأتي ساويرس رجل مستقيم ويبني على أساس المجامع المقدسة".

اهتمامه بالعمل اليدوي

كان القديس ساويرس بالرغم من مرضه يعمل باجتهاد حسب طاقته وكان يحث الرهبان على العمل اليدوي. بسبب مرضه الشديد كان رئيس الدير رومانيوس ينصحه بأن يخفف من نسكه ويهتم بجسده لكي يمارس الفضائل، فأقنعه بذلك.

رؤيا راهب بالدير

رأى أحد الآباء الرهبان المباركين وهو قائم ليصلي ملاك الرب يقول له: "انظر إلى هذه الأرض وتأمل ساحة الدير". عندئذ تطلع فرأى رجلين يسيران نحو ساويرس لا يقدر أحد أن ينطق بكرامتهما وإشراق وجهيهما، صارا يتحدثان مع ساويرس ويعلنان له سرّ الإيمان الأرثوذكسي.

سأل راهب الملاك عن هذين الحكيمين اللذين يخاطبان ساويرس وهو منصت لهما فأجابه بأن أحدهما هو باسيليوس الكبير والآخر غريغوريوس الناطق بالإلهيات، وأنهما يرشدانه إلى قواعد الإيمان لأنه سيكون حارسًا للإيمان المستقيم يرعى شعبًا عظيمًا في إنطاكية وفي المسكونة كلها.

ذاع صيت ساويرس في الشرق والغرب وجاء كثير من الكهنة والرهبان يسألونه في تفسير الكتاب المقدس والعقيدة.

دير بالقرب من غزة

بعدما استقر زمانًا طويلاً في دير الشهيد رومانيوس اشتاق إلى الهدوء الذي كان ينشده، وإذ كان قد ورث عن والديه ثروة كبيرة (كان والده عضوًا في مجلس الشيوخ بالمدينة) أخذ نصيبه ووزع جزءً منه على الفقراء: وشيّد بالباقي ديرًا بجهة مايوما قرب غزة. اجتذب كثيرين للحياة الرهبانية: وجاء كثيرون ينتفعون بكلمات النعمة الموهوبة له.

اهتمامه باستقامة الإيمان

بعث إليه يوليانوس الهرطوقي رسالة يقول فيها أنه لم يره منذ كان مقيمًا معه في Tiberias، وأنه يلزمه أن يرجع إلى عقله ولا يتدخل في العقيدة والدفاع عنها لئلا يجلب متاعب للرهبان. أما ساويرس فبعث إليه بالرد مبينًا له خطأه، وأنه يغير على الإيمان المستقيم.

وإذا أعلن آخر يدعى Kelibselimos أنه يحارب الروح القدس رد عليه ساويرس وافحمه.

ضل راهب يدعى ديونيسيوس الفيلسوف عن الإيمان المستقيم، وإذ خشي أن يتلقي بساويرس هرب من الدير. وعلى بعد ميل ظهر له ملاك الرب وحثه على العودة إلى الدير والالتقاء مع ساويرس، وبالفعل عاد ورجع عن طريقه.

قطع مقدونيوس واتباعه

اتصل مقدونيوس أسقف القسطنطينية برهبان الأديرة يعلم بينهم بأن الذي صلب هو يسوع الإنسان، الذي لم يقدر أن يخلص نفسه، ورفض القول "أيها المصلوب ارحمنا" مما أثار انقسامًا في الشعب.

بناء على دعوة الإمبراطور انطلق الراهب ساويرس وأفحم مقدونيوس. وانعقد مجمع الأساقفة في حضور القديس ساويرس وحكموا بقطع مقدونيوس ونفيه، وكان ذلك عام 511م

سيامته بطريركًا

إذ عاد القديس إلى ديره اجتمع الأساقفة الشرقيون وطلبوا من بطريرك إنطاكية فلافيان أن يترك هرطقته وإذ رفض أقالوه. أقر الجميع من أساقفة ورهبان وشعب بصوت واحد: "إن ساويرس هو الذي يجلس على الكرسي..."

وافق الإمبراطور على هذا الاختيار، وحاول القديس الهروب لكنه تحت الضغط ذهب إلى إنطاكية حيث ارتجت المدينة كلها متهللة.

لدى وصوله ألقى عظة مليئة بالمعرفة اللاهوتية كشف فيها عن تعاليم نسطور الغريبة والإيمان المستقيم، واعتذر لهم عن قبوله البطريركية لكن الكل صرخ بأن الله يدينه إن هرب وترك النفوس تهلك. فتمت رسامته عام 512م. قيل أن رائحة طيب كانت تفوح أثناء سيامته في كل موضع، علامة فرح السمائيين بذلك.

اهتمامه بالترنيم

كأب نزل إلى أبنائه الصغار ليضع لهم ترانيم بسيطة، وكان يؤلف الألحان وينغمها. بهذا أحل الترانيم المقدسة عوض الأغاني المعثرة.

قيل أنه في أيامه كانت الميادين العامة تشبه كنائس إذ كان صوت الترنيم والتسابيح المقدسة يسمع فيها عِوض الأغاني العابثة.

أعماله الرعوية

لم يعرف القديس ساويرس الراحة بل كان يجول يصنع خيرًا كسيده، كما كانت الجماهير تأتي إليه لتنتفع بتعاليمه.

كان يحث الكهنة على الاهتمام بالرعية. ووجّه رسائل كثيرة للإكليروس والشعب يثبتهم على الإيمان المستقيم وتعاليم المجامع المسكونية الثلاثة التي حرّمت آريوس ونسطور ومقدونيوس، كما رفض مجمع خلقيدونية ورسالة لاون.

عقد مجمعًا في إنطاكية سنة 513م يشجب فيه مجمع خلقيدونية وطومس لاون، وآخر عام 514م في صور لذات الهدف.

تبادل الرسائل مع الإسكندرية

تبادل الرسائل مع البابا يوحنا الثاني السكندري (507 - 517) بشأن تأكيد الإيمان بالطبيعة الواحدة ورفض مجمع خلقيدونية. ولما جلس البابا ديسقوروس الثاني على الكرسي المرقسي بعث برسالة إلى الأنبا ساويرس، وبعث الأنبا ساويرس إليه برسالة يعزيه في نياحة البابا يوحنا الثاني، ويؤكد وحدتهما في الإيمان.

اضطهاد يوستينوس له (518 - 527م)

توفى انسطاسيوس التقي عام 518م، وتولى لملك بعده يوستينوس، أحد قادة الحرس الإمبراطوري، واصدر أمرًا بالاعتراف بمجمع خلقيدونية، وخيّر الأساقفة بالقول بالطبيعتين للسيد المسيح أو الطرد، فأقصى 32 أسقفًا عن كراسيهم منهم فيلوكسينوس أسقف منيج وبولس الرهاوي، كما طرد الرهبان الرافضين ذلك من أديرتهم.

شدد الإمبراطور الأمر ضد القديس ساويرس باعتباره الرأس وناله ضيق شديد. هرب إلى مصر عام 518م وبقى فيها زهاء عشرين عامًا (518 - 538م)، خلالها رجع إلى القسطنطينية في الفترة من 534 إلى 536م.

استخدم يوستينوس كل وسائل التعذيب لإلزام الأساقفة إلى قبول قرارات خلقيدونية. كمثال نفي القديس فيلوكسينوس إلى غنغرة، وأمر بحبسه في بيت أوقد فيه بالنار وسدّت منافذه فمات مخنوقًا.

لازم عصر يوستينوس كوارث طبيعية كثيرة منها زلزال في عين زربة، وطوفان غرّق الرُها، وصاعقة في بعلبك أحرقت هيكلها، وجفاف في فلسطين دام مدة طويلة. وفي 526م حدث زلزال ضخم بإنطاكية دمّر بيوتها ومبانيها العمومية وكنائسها وكان عدد ضحاياه حوالي 50 ألفًا من السكان، كان من بينهم الأسقف أفراسيوس (521 - 526م) الذي مات تحت الأنقاض.

اضطهاد جوستانيوس الأول له (527 - 565م)

حذا حذو سلفه، فظل القديس ساويرس في مصر عدا مدة قصيرة وهي من 534 إلى 536م لحضور المجمع الذي انعقد في القسطنطينية.

كان القديس في مصر مهتمًا بشعبه خلال الرسائل المتبادلة. كان يكتب رسائله إلى القديسة أنستاسية، ويرد على رسائلها كما ورد في المخطوطات السريانية واليونانية.

الإمبراطورة ثيؤدورا

كان جوستيانوس الأول يعتبر نفسه رئيسًا للدولة والكنيسة، له حق التفسير والتطبيق دون الرجوع إلى آباء الكنيسة. كان ينفذ قوانينه بكل صرامة، فيقطع الأساقفة ويعين من يشاء ويدعو إلى المجامع، ويعدل قراراتها أو يلغيها. غير أن الإمبراطورة ثيؤدورا (527–548م) كانت تخفف من ثورته في الاضطهاد. كانت تتميز بالشجاعة وكانت تهتم بالقضايا العامة لاسيما الدينية، كما كانت تؤمن بوحدة طبيعة السيد المسيح، وتدافع عنها ضد زوجها. وكان لها دورها الفعال من إفلات القديس ساويرس من تعقب الإمبراطور له.

وقد سبق لنا الحديث عنها (الإمبراطورة ثيؤدورا الأولى) تحت حرف "ث".

القديس ساويرس في القسطنطينية

في سنة 534م على الأرجح، مضى القديس ساويرس إلى القسطنطينية وظل بها حتى عام 536م. فقد أمر جوستينيانوس الأول بعقد مجمع في القسطنطينية لإلزام الأرثوذكس بقبول مذهب الخلقيدونيين، ودعا إليه جميع رؤساء الكنائس، فحضر كليسوس أسقف روما وأبوليناريوس الذي صار البطريرك السكندري الملكي فيما بعد وأوطيخوس بطريرك القسطنطينية والأساقفة الذين يتبعوهم. وقد حتم الإمبراطور على حضور البابا تيموثاوس السكندري والأنبا ساويرس الأنطاكي. أما الأول فكان يعلم غرض الإمبراطور السيئ فلم يقبل الدعوة واستمر يدير رعاية شعبه فتعرض لشدائد عظيمة.

روى الأب أثناسيوس بأن الأنبا ساويرس أخذ معه بعض الأساقفة العلماء وانطلق سرًا إلى عسقلان بفلسطين، وكان معه الأب أثناسيوس ودخلا الدير الذي بناه القديس بطرس. هناك ظهر له ملاك الرب وسأله أن يذهب إلى القسطنطينية ويعترف بالإيمان المستقيم. انطلق ومن معه إلى البحر فوجدوا سفينة قاصدة القسطنطينية، وانطلقوا هناك إلى فيرونيا التي كانت من القصر الملكي.

بعد يومين ظهر القديس أمام الإمبراطور الذي قال له: "هل أنت ساويرس الذي يحتقر كنائس الله؟" أجابه القديس: "لا لست أنا لكنك أنت الذي تركت الإيمان المستقيم" ثم أردف قائلاً: "أين إيمان قسطنطين الملك وعقيدة الملك زينون وأناستاسيوس الملك؟ أما أنت فقد تركت إيمان أولئك وقبلت هرطقة نسطوريوس ومجمع خلقيدونية وسببت اضطرابًا للعالم"

تعجب الملك والضباط من حوار الأب ساويرس ومن حكمته وثباته في الإيمان وتحيّر الملك في أمره.

استمر القديس ساويرس سنة يُعد نفسه للجهاد وبعد نياحة البطريرك القديس تيموثاوس سنة 535م، عندما التأم مجمع القسطنطينية عام 536م جرى حوار عنيف بينه وبين الإمبراطور، فاغتاظ الإمبراطور وأمر بالقبض عليه وقطع لسانه.

قيل أن أحد ضباط الملك كان ماكرًا وشريرًا أشار على الملك بالقضاء على القديس ساويرس بحكم الموت قائلاً بأنه الأفضل أن يموت ليكون سلام في الكنيسة. إذ علمت الإمبراطورة ثيؤدورا ذلك أوعزت إليه أن يهرب، أما هو فلم يقبل أولاً وقال أنه مستعد أن يموت في سبيل الإيمان المستقيم. تحت إلحاح الإمبراطورة والمحبين له ترك القسطنطينية وهرب إلى مصر عام 536م.

أرسل الإمبراطور خيلاً ورجالاً لتعقبه فأسدل الله حجابًا على أبصارهم ولم يروه مع أنه كان قريبًا منهم.

ظل في ديار مصر حتى نهاية حياته، وكان لشدة تواضعه يجول متنكرًا من مكان إلى آخر، ومن دير إلى دير في شكل راهب بسيط وأجرى الله على يديه آيات وعجائب كثيرة.

عجائب الله معه

ورد في المخطوطات الخاصة بسيرته بعض الآيات والعجائب التي صنعها الله على يديه نذكر منها:

1. صلاته وسقوط المطر

حلّ جفاف ببلاد المشرق وصارت مجاعة شديدة، فذهب القديس أكلوديوس ومعه جماعة من المؤمنين إلى قلاية الأب ساويرس، وطلبوا بإلحاح أن يصلي لكي يرسل الله مطرًا حتى لا يهلك الناس والبهائم. بكى بكاءً عظيمًا وصلى إلى الله مع جماعة الأخوة، فانفتحت أبواب السماء وانهمر المطر. فلما رأوا ذلك مجدوا الله قائلين أن الله أقام لنا نبيًا عظيمًا.

يقول الكاتب: "حقًا إني أصمت وأتحير، لقد كان وجهه يضيء مثل شعاع الشمس من أجل طهارته، وكان عجيب المنظر لامتلائه من نعمة الروح القدس".

2. شفاء ابرص

أصيب القس ثيؤدورس بالبرص في يديه حتى ما كان يقدر أن يدخل الكنيسة. إذ سمع القس عن المعجزات التي يصنعها الله على يدي القديس ساويرس ذهب إليه. طلب منه القديس ألا يشارك النساطرة هرطقتهم. ثم طلب منه أن يستحم من ماء البئر، ففعل ذلك وشُفي. فرجع كثيرون عن النسطورية لما رأوا ذلك.

3. شفاء مريضة

في تجواله بمصر متخفيًا ذهب إلى مدينة أوسيم مركز إمبابة فاستقبله رجل تقي محب لإضافة الغرباء كان يعمل في النسيج، ينفق على أسرته ويوزّع ما يتبقى على الفقراء والمحتاجين. وكانت امرأة ابنه تشكو من آلام شديدة في أمعائها، ولم يقدر أحد من الأطباء أن يشفيها. صلى عليها القديس وشفاها الرب، فتعجب أهل البيت ومجدوا الله.

4. ماء البئر المالح يصير عذبًا

دخل القديس دير القديس مقاريوس متخفيًا، فعرفه راهب قادم من الصعيد يدعى مقاريوس. قدّم له الإكرام وطلب منه أن يصلي على البئر لأن ماءها مالحًا. أجابه القديس ساويرس أن صلاته هو قادرة على ذلك، وإذ أصرّ الشيخ الراهب أخذ القديس مقاريوس قليل من الماء الذي في الصينية بعد غسلها بعد القداس الإلهي وسكبه في البئر فصار الماء حلوًا بأمر الله.

5. تكريم الله له

إذ عبر القديس على كنيسة السيدة العذراء التي تُعرف بالمعلقة وكان الكاهن يصلي على المذبح. وإذ رفع الأبروسفارين لم يجد الصينية ولا الكأس فبكى كثيرًا وبكى الحاضرون حين قال الكاهن: "لست أدري إن كان هذا من أجل خطيتي أم خطيتكم!" ظهر له الملاك وأعلمه بأنه رفع القرابين في حضرة البطريرك أشار إليه في إحدى زوايا الكنيسة. جاء إليه الكاهن وأدخلوه بكرامة إلى الهيكل وصعد القس إلى الهيكل فوجد الصينية والكأس كما كان أولاً.

نياحته

انطلق القديس إلى مدينة سخا وأقام عند حاكمها دوريتاس المحب لله. افتقد الرب القديس بمرضٍ فرأى قبل نياحته كأن قومًا بمنظرٍ باهرٍ قد حضروا إليه. إنهم القديسون الذين سبقوه، الذين كان يردد كلماتهم المقدسة ويتذكر تعاليمهم.

كان القديس راقدًا على فراشه ونصحوه أن يأخذ حمامًا، ولما أضجعوه على الأرض كان جسمه شبه ميت ولم يقوَ على الجلوس. ولما رفعوه عن الحجر الذي كان مضجعًا عليه وجدوا علامة لا تمحى. وقد تمتع كثيرون بالشفاء بلمسهم هذا الحجر.

أدرك الحاضرون أن وقت انحلاله قد حضر فسألوه ألا يتركهم، أما هو فقال لهم:

"لقد انتهى عملي وإني مستعد للرحيل منذ زمن طويل.

وكنت أفكر فيه في كل وقت.

وعن قريب تلحقون بي، ونتحد سريعًا معًا في المسيح ونفرح إلى الأبد... "

إذ نطق بهذا فاضت روحه وجاء البطاركة والأنبياء والمعلّمون الحكماء، خاصة معلّمو الكنيسة يستقبلونه، وكان متهللاً معهم. كان ذلك في الرابع عشر من أمشير عام 538م.

بعد موته انبعث من جسمه عطر زكي، كان يفوح منه حتى في حياته حتى كان يعتقد البعض أنه كان يتعطر بالبرفير.

دفنه

بعد نياحته أرسله دوروثاؤس مع قوم في مركب إلى دير الزجاج غرب الإسكندرية وأمرهم أن لا يدخلوا الخليج بل يسيروا في البحيرة حتى يصلوا إلى الساحل، ولما وصلوا بحري قرطسا قليلاً واتجهوا نحو الغرب لم يجدوا ماءً يكفي لسير مركبهم فحاروا وقلقوا. ولكن الله المحب حفظ جسد هذا القديس من أعدائه وأظهر آية بأن جعل المركب تسير في ماءٍ قليل مقدارٍ ستة أميال حتى وصلوا إلى حيث الساحل. ومن هناك حملوه إلى دير الزجاج ووضعوه في المكان الذي بناه له الأرخن دوروثاؤس، وصار بذلك فرح عظيم في مدينة الإسكندرية. وقد أجرى الله آيات وعجائب كثيرة من جسده وعظَّم القديس بعد مماته أكثر من حياته.

كتب عنه الأب يوحنا رئيس دير أفتونيا ما ترجمته:

"ذهب إلى الصحراء التي أحبها وتنبأ أن نهاية حياته وشيكة وسينتهي كل شيء بالنسبة له، ستنتهي الحياة والجهاد معًا، وكموسى بطريقة ما سمع من يقول له: اصعد إلى الجبل ومت هناك، لأنه عند قمة الجبل الروحي تتم نهاية كل حياة في الفضيلة".

كما ذكر الأب يوحنا رئيس الدير لرجل الله دوماديوس معجزة حدثت عند دفن القديس ساويرس. فقد لاحظوا أن القبر المُعد له غير مناسب لطوله، بل كان أقصر منه بكثير. فاحتار الكل واقترح البعض أن يثنوا رجليه. وقال البعض أن في ذلك إهانة. لكنهم شعروا كأن قوة إلهية تدفع الجسم، فنزل الجسم دون أن يُثنى ولو قليلاً. كما يقول الأب "ترى هل صغر الجسم أم كبر القبر؟! الله وحده صانع هذه المعجزة فهو يكرم الذين يكرمونه حتى بعد الموت".

يوجه كاتب السيرة حديثه إلى رجل الله دوماديوس قائلاً: "اقتطفت بطريقة ما وردة في حديقة أو عنقودًا جميلاً من كرمة وقدمتها إليك وإلى القراء لكي أكون لك مرضيًا".

أعياده

في 2 بابة تذكار مجيئه إلى مصر.

في 14 أمشير تذكار نياحته.

في 10 كيهك تذكار نقل جثمانه إلى دير الزجاج.

ساويرس بن المقفع الأسقف

من أعظم الشخصيات التي أنجبتها الكنيسة القبطية في القرن العاشر الميلادي. وُلد نحو سنة 915م من والد لُقِّب بالمقفع (معناه المنكّس الرأس دائمًا أو مَن كانت يده متشنجة). نشأ في مصر القديمة غالبًا وتربى تربية حسنة وجمع بين العلوم الدينية والدنيوية كما يتضح ذلك من مؤلفاته الكثيرة اللاهوتية والعقيدية.

أبو البشر بن المقفع الكاتب

تدرج في وظائف الدولة في عصر الإخشيديين حتى أصبح كاتبًا ماهرًا، وكان يُشتَرَط في كاتب الدواوين إلمامه باللغة العربية، وعلى ذلك فقد كان ملمًا باللغة العربية إلى جانب القبطية واليونانية، وكانت وظيفة الكاتب شريفة جدًا.

عُرِف ساويرس في ذلك الوقت باسم "أبي البشر بن المقفع الكاتب" وهذه الكنية لا تعني أنه أنجب ولدًا باسم بشر وإنما تدل على أنه كان شخصًا مُعتَبَرًا ومبجلاً على نحو ما جرت عليه العادة في ذلك الوقت.

رهبنته

بعد أن وصل أبو بشر إلى أعلى المناصب ترك مجد العالم وتخلى عن وظيفته وترهب في أحد الأديرة التي نجهلها، ولا شك أنه استفاد من فترة رهبنته ليكمل تكوينه الديني. وكان هذا التكوين يعتمد أساسًا على قراءة الكتاب المقدس ومؤلفات الآباء، وقد تفوّق أبو البشر في كليهما.

معرفته للكتاب المقدس

يذكر الباحثون أن معرفة ساويرس للكتاب المقدس مذهلة، وكذلك معرفته لآباء الكنيسة كانت تفوق مستوى معاصريه. وكتابه "الدر الثمين في إيضاح الاعتقاد في الدين" (وهو يختلف عن كتاب آخر له عنوان "الدر الثمين في إيضاح الدين") يدل على تبحره في معرفة الكتاب المقدس، بل ربما لا يوجد مؤلِف كتب بالعربية يعادله في معرفته للكتاب المقدس، كما أن كتاباته اللاهوتية تدل على معرفته بكتابات آباء الكنيسة سواء القبطية أو اليونانية.

سيامته أسقفًا

اختير أسقفًا على مدينة الأشمونين التي كانت أسقفية عظيمة مزدهرة بالكنائس والأديرة وهي الآن قرية تابعة لمركز الروضة محافظة أسيوط شمال غربي ملّوي. ولا يُعرَف مَن مِن البطاركة رسمه أسقفًا، لكن يحتمل أن يكون قد رُسِم بيد أنبا مقار البطريرك الـ 59.

مجادلاته

من الأمور التي اشتهر بها مجادلاته مع أئمة المسلمين في عصره، ويُعتَبَر ساويرس بن المقفع بلا منازع أكبر عالِم دين ولاهوتي مسيحي في القرن العاشر الميلادي كله.

كان صديقًا للبابا ابرآم بن زرعه السرياني وهو البابا 62، كما كان يتردد على بلاط المعز لدين الله الفاطمي الذي كان يدعوه للمناظرة مع أئمة المسلمين واليهود في حضرته. وكان ساويرس يتفوق عليهم بقوة حجته وفرط ذكائه. وبسبب توقد ذكائه وعلمه كانت له علاقات طيبة مع كبار علماء المسلمين، وكان يمزج جلساته معهم بالمرح.

من أمثلة مرحه وسرعة بديهته أنه كان جالسًا عند قاضي القضاة، وحدث أن مرَّ عليهم كلب، وكان يوم الجمعة، وكان هناك بعض الجالسين.

فقال له قاضي القضاة: "ماذا تقول يا ساويرس في هذا الكلب؟ هل هو نصراني أو مسلم؟"

فقال له: "اسأله فهو يجيبك عن نفسه".

فقال له القاضي: "هل الكلب يتكلم؟ وإنما نريدك أنت أن تقول لنا".

فأجابه القديس: "نعم يجب أن نجرب هذا الكلب، وذلك أن اليوم يوم الجمعة والنصارى يصومون ولا يأكلون فيه لحم فإذا فطروا عشية يشربون النبيذ، والمسلمون ما يصوموه ولا يشربون فيه النبيذ ولا يأكلون فيه اللحم. فضعوا قدامه لحمًا ونبيذًا، فإن أكل اللحم فهو مسلم وإن لم يأكله وشرب النبيذ فهو نصراني".

فلما سمعوا كلامه تعجبوا من حكمته وقوة جوابه.

مناظرته مع موسى اليهودي

بالإضافة إلى مناظرة المسلمين كانت له مناظرات مع اليهود، منها مناظرته مع موسى اليهودي التي تمت في حضرة المعز لدين الله سنة 975م، وقد رواها الشماس ميخائيل بن بدير الدمنهوري في كتاب "تاريخ البطاركة" المجلد الثاني الجزء الثاني صفحة 93.

كان موسى اليهودي صديقًا ليعقوب بن كلِّس الوزير الذي كان يهوديًا واعتنق الإسلام، وفي اليوم المحدد حضر موسى اليهودي والوزير بن كلِّس بحضرة الخليفة المعز في قصره. فجلسوا وقتًا طويلاً وهم سكوت، فقال لهم الخليفة المعز: "تكلموا فيما اجتمعتم فيه"، ثم قال: "تكلم يا بطرك وقل لنائبك يقول ما عنده"، فقال البطريرك للأسقف: "تكلم يا ولدي فإن الله يوفقك". فقال الأسقف للمعز: "ما يجوز خطاب رجل يهودي بحضرة أمير المؤمنين". فقال له اليهودي: "أنت تعيبني وتقول بحضرة أمير المؤمنين ووزيره أني جاهل؟" قال له أنبا ساويرس: "إذا ظهر الحق لأمير المؤمنين ما يكون فيه غضب"، قال المعز: "ما يجوز أن يغضب أحد في المجادلة بل ينبغي للمجادلين أن يقول كل واحدٍ منهم ما عنده ويوضح حجته كيف شاء". قال الأسقف: "ما أنا شهدت عليك يا يهودي بالجهل بل نبي كبير جليل عند الله شهد عليك بذلك". قال اليهودي: "ومن هو النبي؟" فأجابه القديس: "هو إشعياء الذي قال في أول كتابه:" عرف الثور قانيه والحمار عرف مزود سيده وإسرائيل لم يعرفني ". فقال المعز لموسى:" أليس هذا صحيح؟ "فأجاب:" نعم هذا هو مكتوب "، قال الأسقف:" أليس قد قال الله أن البهائم أفهم منكم؟ وما يجوز لي أن أخاطب في مجلس أمير المؤمنين دام عزه من تكون البهائم أعقل منه وقد وصفه الله بالجهل ". فأعجَب الملك المعز ذلك وأمرهم بالانصراف، واستحكمت العداوة بين الفريقين وقوي غضب الوزير وصار يطلب عثرة على البطريرك لأجل أنه فضح اليهود بين يديّ الخليفة المعز.

أعماله الكتابية

قد يكون ساويرس هو أول من نشر كتبًا مسيحية باللغة العربية. اهتم بجمع سير البطاركة السالفين، جمعها من المخطوطات القبطية واليونانية بدير أبي مقار بوادي النطرون ودير نهيا قرب الجيزة (اندثر) وقد أتمّ هذا الكتاب وهو في سن الثمانين.

كتبه تدل على معرفته للفلسفة اليونانية والإسلامية، فلا يوجد مصنَّف من مصنفاته إلا وفيه رد فلسفي دقيق، كما كانت له دراية بالطب والفلك.

أما عن مؤلفات ساويرس بن المقفع، فحسبما يذكر أبو البركات المعروف بابن كبر كاهن الكنيسة المعلقة (1324م) أنها تبلغ ستة وعشرين كتابًا في اللاهوت والعقيدة والتاريخ.

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 78.

سلبيسيوس ساويرس

نشأته

مؤرخ كنسي في بلاد الغال، ينتسب إلى أسرة أرستقراطية في Aquitaine، ولد بعد سنة 353م. تعرفنا عليه من خلال عمل جناديوس "مشاهير الآباء" ورسائل صديقه بولينوس Paulinus.

درس القانون وانخرط في عمل المحاماة. تزوج سيدة غنية من أسرة فاضلة، توفت بعد فترة قصيرة.

رهبنته

يذكر عنه بولينوس أنه وهو في زهرة شبابه وقد نبغ في عمله وصار يمدحه الجميع تحدي غضب والده وتسخيف معارفه له وانطلق من العالم بعد أن اعتمد عام 381م. لقد تأثر بمثال مارتن أسقف تور Martin of Tours واهتدي بنصائحه.

لا يعرف تمامًا أين قطن مع قلة من التلاميذ، إنما يُحتمل أن يكون في Primuliacum، قرية بين تولوز Toulouse وكاركاسون Carcassonne حيث بنى كنيستين. ربما كان ذلك في ممتلكات زوجته أو حماته، لأن والده يبدو أنه حرمه من الميراث.

يرى جيناديوس أنه كان كاهنًا، وإن كان البعض يتشكك في ذلك. فقد جاءت لهجة أحاديثه الموجهة ضد الأساقفة والكهنة الذين ينعتهم بأنهم محبون للترف ويطلبون ما لأنفسهم ويضطهدون من هو بطل في عينيه "القديس مارتن أسقف تور" تكشف عن أنه لم يكن كاهنًا.

أخطاؤه

يذكر جيناديوس عنه أنه مال في أيامه الأخيرة إلى البيلاجية وإذ شعر أنه يخطئ بكثرة الكلام التزم الصمت حتى يوم وفاته لكي يصحح بصمته التأديبي الخطية التي ارتكبها بكثرة كلامه.

في عبارة للقديس جيروم (تفسير سفر حزقيالPL 20: 58) اتهمه بأنه سقط في بدعة الحكم الألفي.

كتاباته

1. التاريخ المقدسHistoria Sacra, Chronica: وهو الذي أعطاه شهرته كمؤرخ. وضعه حوالي عام 403م، وفيه حاول تقديم تاريخ مختصر للعالم من الخلقة إلى أيامه حيث قنصلية Stilicho عام 400م. اعتمد فيه علي الترجمة السبعينية للكتاب المقدس، والترجمة اللاتينية القديمة، وكتاب التاريخ الكنسي ليوسابيوس ترجمة القديس جيروم، وHistorici Ethniciلمؤلفين غير مسيحيين.

ضم الكتاب الأول وجزء من الثاني تاريخ العالم إلى ميلاد المسيح ثم حذف ما ورد في الأناجيل وسفر الأعمال وتحدث عن الاستيلاء علي أورشليم، مقدمًا تفاصيل أكثر للقصة الواردة في يوسيفوس. ثم عرض اضطهاد المسيحيين بواسطة تسعة أباطرة، ووصف اكتشاف الصليب بواسطة الملكة هيلانة كما سمعها من بولينوس.

حديثه عن الأريوسية غير دقيق وليس بذي قيمة، أما عن الهرطقة البريسكلانية Priscillianist فأكثر أهمية، هذه التي ظهرت في أيامه، فتحدث عنها بتفصيل إذ كان مدركًا لها. غير أنه اهتم بوجه عام بالتاريخ أكثر من اللاهوت والعقيدة.

2. حياة القديس مارتن Vita S. Martini وهي أول أعماله الكتابية. وقد قدم في هذا العمل والعملين التاليين كل ما هو أصيل بخصوص قديس المسيحية الغربية مارتن أسقف تور. أخبرنا أنه إذ سمع عن قداسة هذا الرجل ومعجزاته ذهب إلى تور لكي يراه، وقدم له أسئلة ونال منه عنها إجابات، كما جمع عنه معلومات عن شهود عيان وعن عارفيه (فصل 25 من حياة مارتن). تمت هذه الزيارة ربما عام 394م، تبعها عدة زيارات لاحقة. وقد نُشر هذا الكتاب أثناء حياة القديس مارتن.

3. الحوارات Dialogue. كتبه حوالي عام 405م. جاء الحوار مع صديقه Postumianus عندما عاد بعد إقامة ثلاث سنوات في الشرق، ومع غالوس Gallus تلميذ القديس مارتن وكان قد مات غالوس.

في الحوار الأول خصص 22 فصلاً عن النزاع في الإسكندرية بين رئيس الأساقفة ثاوفيلس والرهبان بخصوص أوريجينوس والقديس جيروم ورهبان ومتوحدي طيبة. وفيه أيضا سأل Postumianus عن القديس مارتن وتعرف علي شعبيته في كل البقاع. فقد تحدث عنها بولينوس في روما. وقرطاجنة قرأت عنه، وأما الإسكندريون فكانوا يعرفون أكثر مما جاء في الحوار.

4 - ثلاث رسائل. ورد فيها عن القديس مارتن، حيث كان أول من تحدث عن موته ودفنه. توجد سبع رسائل أخري منسوبة خطأ إليه.

Henery Wace & William Piercy: A Dictionary of Early Christian Biography, 1999.

ساينيسيوس الأسقف

راجع سينيسيوس مطران بانتوبوليس.

سبيراتوس ورفقاؤه الشهداء

استشهد هؤلاء القديسون في السنة الأخيرة من اضطهاد ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius سنة 180م، وذلك في مدينة سكيليام Scillium (تونس حاليًا)، وكانوا اثني عشر شهيدًا: سبعة رجال وخمسة نساء، وكانت أسماؤهم: سبيراتوس Speratus، نارتزالوس Nartzalus، سيتّينوس Cittinus، فيتوريوس Veturius، فيلكس Felix، أكويلينوس Aquilinus، ليتانتيوس Laetantius، جانواريا Januaria، جينيروزا Generosa، فِستيا Vestia، دوناتا Donata وسِكوندا Secunda.

قُبِض عليهم وأُحضِروا إلى مدينة قرطاجنة أمام الوالي ساتورنينوس Saturninus، الذي عرض عليهم عفو الإمبراطور إن هم عبدوا آلهة الرومان. أجاب سبيراتوس باسم المجموعة كلها: "إننا لم نرتكب أية جريمة ولم نؤذِ أحدًا، وقابلنا الإساءة التي عاملتمونا بها بكل شكر، وذلك لأننا نحمل داخلنا إلهنا العظيم".

أجابهم الحاكم: "ونحن أيضًا أناس متدينون وديننا بسيط، فنحن نُقسِم باسم روح سيدنا الإمبراطور ونصلي من أجل سلامته، وأنتم يجب عليكم أن تعملوا بالمثل لأن ذلك واجبكم".

حاول سبيراتوس أن يشرح له أسرار المسيحية في بساطة ولكن الوالي كان يطلب طلبًا واحدًا: أن يقسموا باسم الإمبراطور. رد عليه سبيراتوس: "أنا لا أعرف مملكة هذا العالم ولكنني أخدم الله الذي لم يره ولا يستطيع أن يراه الإنسان. أنا لم أسرق من قَبل، وأدفع الضرائب بانتظام، لأنني أعرف سيدي الذي هو ملك الملوك وسيد كل ممالك العالم".

حاول الوالي إقناع الباقين بالتخلي عن سبيراتوس وترك إيمانهم، فأجابه سيتّينوس: "نحن لا نخاف إلا إلهنا رب السماء"، وأضافت دوناتا: "نحن نكرم القيصر التكريم الذي يستحقه ولكننا لا نخاف سوى الله وحده". قالت له فِستيا: "أنا مسيحية"، ثم قالت له سِكوندا: "أنا لا أشتهي أن أكون سوى ما أنا عليه"، وهكذا تكلم جميعهم. أخيرًا قال الوالي لسبيراتوس: "هل مازلت مصممًا أن تبقى مسيحيًا؟" أجابه القديس: "نعم أنا مسيحي". سأله الوالي: "هل تعيد التفكير في الموضوع؟" أجاب القديس: "حين يكون الحق ظاهرًا فإن الموضوع لا يحتمل إعادة التفكير".

منحهم الوالي ثلاثين يوم مهلة لإعادة التفكير، ولكنهم كلهم ثبتوا على إيمانهم وبصوت واحد قالوا له: "نحن مسيحيون". أمام إصرارهم حكم عليهم ساتورنينوس بالقتل بالسيف، فكان رد سبيراتوس: "شكرًا لله"، وقال نارتزالوس: "نحن اليوم شهداء في السماء. الشكر لك يا رب"، وهكذا قال الجميع شاكرين الله على عطية الاستشهاد. وبعد ذلك سيقوا إلى ساحة الإعدام حيث قُطِعت رؤوسهم ونالوا إكليل الشهادة.

Butler, July 17.

سبيريديون الأسقف القديس

راعي غنم عجيب!

تُحكَى كثير من الروايات عن هذا الأسقف القبرصي، الذي كان راعيًا للغنم، متزوجًا وأسقفًا في نفس الوقت.

ويروي سوزومين Sozomen الذي كتب في القرن الخامس أن في إحدى الليالي عَزَمت عصابة من اللصوص أن يسرقوا بعضًا من غنمه، فأوقفتهم يد خفية حتى أنهم لم يقدروا أن يسرقوا ولا أن يهربوا، وظلوا على هذه الحال حتى الصباح حيث وجدهم القديس سبيريديون (سبيريدون Spyridon) فحررهم بصلاته وأعطاهم حَمَلاً حتى لا يكونوا قد مكثوا طول الليل بدون فائدة.

أسقف تريميثوس

بالرغم من عدم تعلمه وبساطة سلوكه، إلا أنه بسبب فضائله اُختير القديس أسقفًا على تريميثوس Tremithus على شاطئ البحر بالقرب من سلاميس Salamis، فمزج رعاية الغنم برعاية النفوس. كانت إيبارشيته صغيرة جدًا وكان شعبها فقيرًا إلا أنهم كانوا جادين في حياتهم الروحية وعبادتهم، وكان مازال بينهم عدد من الوثنيين.

الأسقف المعترف

في اضطهاد جالريوس Galerius قدم شهادة حسنة للإيمان، ويقول التقليد الروماني أنه فقد عينه اليمنى وقُطِعت أوتار رجله اليسرى، وبهذه الحال أُرسِل للعمل في المناجم. كما يذكر نفس التقليد أنه أحد الأساقفة الذين حضروا مجمع نيقية سنة 325م.

القديس سبيريديون ومجمع نيقية

تقول أحد التقاليد الشرقية أنه وهو في طريقه لحضور المجمع التقى بجماعة من الأساقفة الذاهبين أيضًا إلى المجمع، الذين انزعجوا من شدة بساطة القديس، وخافوا أن يُضعِف من موقف الأرثوذكس. فلكي يمنعوه من الحضور أمروا خدامهم بقطع رأسيّ بغليَّ القديس وشماسه. وفي اليوم التالي قبل الفجر استعد القديس للرحيل، وحين اكتشف ما حدث أمر شماسه بوضع الرأسين المقطوعين فوق الجسمين وفي الحال عاد الحيوانان للحياة. ولكن حين أشرقت الشمس اكتُشِف أن خطأ قد حدث في الظلام، فقد كان بغل القديس سبيريديون الأبيض وقد وُضع له الرأس البني، وبغل شماسه البني وقد وُضع له الرأس الأبيض!

إيمان الفيلسوف الوثني أولوجيوس

أثناء المجمع وقف أحد الفلاسفة الوثنيين اسمه أولوجيوس Eulogius يهاجم المسيحية، فقام للرد عليه هذا الأسقف الشيخ بعين واحدة والبسيط في مظهره وسلوكه، حتى أعلن الفيلسوف إيمانه بوحدانية الله وتجسد الله الكلمة من أجل خلاص جنس البشر. في الحال طلب إليه الأسقف أن يذهب معه إلى الكنيسة لكي ينال علامة الإيمان. يقول أولوجيوس أن الكلمات والمجادلات لا تستطيع أن تقاوم الفضيلة، قاصدًا قوة الروح القدس الظاهر في هذا الأسقف غير المتعلم.

القديس سبيريديون وابنته أيريني Irene

من المعجزات أيضًا التي تُروَى عنه أن أحدهم أودع لدى أيريني Irene ابنة القديس سبيريديون بعض الأشياء الثمينة، وحين أتى الرجل ليطلبها من القديس بعد وفاة ابنته لم يعثر عليها ولم يكن أحد آخر يعلم مكانها. قيل أن سبيريديون ذهب إلى حيث كانت ابنته مدفونة ونادى اسمها وسألها عن مكان التخبئة، فرَدَّت عليه ووجهته إلى المكان الأمين الني وضعتها فيه حيث وجدها هناك.

تنيح سنة 348م ونُقِلت رفاته من قبرص إلى القسطنطينية ثم إلى جزيرة كورفو Corfu حيث مازال يُكرَم القديس سبيريديون.

Butler, December 14.

The Penguin Dictionary of Saints, page 303.

سبيوسيبَّس واليوسيبَّس وميليوسيبَّس الشهداء

كانوا ثلاثة اخوة توائم، استشهدوا مع جدتهم ليونيللا Leonilla في لانجريه Langrés بفرنسا، في زمن الإمبراطور ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius، وكان استشهادهم حوالي سنة 155م.

Butler, January 17.

ستراتونيس الشهيدة

شهيدة من سيزيكم Cyzicum في ميسيا Mysia مع سيليوكُس Seleucus زوجها، أثناء اضطهاد دقلديانوس.

كان زوجها أحد الشخصيات الرسمية المهمة في المدينة. بهذه الصفة كانت تشاهد تعذيب أعداد كبيرة من المسيحيين الذين قُبِض عليهم، وتأثرت بصبرهم في احتمال التعذيب حتى آمنت بالمسيحية وحوَّلت زوجها أيضًا للإيمان. بذل أبوها أبوللونيوس Apollonius جهدًا كبيرًا ليردها إلى الوثنية، ولما فشل في مسعاه أصبح أشد مهاجميها.

بعد تعذيب طويل وشديد، ومعجزات عديدة جرت على أيديهما، نالا إكليل الاستشهاد بقطع رأسيهما. وتُعيِّد لها الكنيسة الغربية في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 743.

سِدراك الأنطوني ورفقاؤه الشهداء

استشهدوا في مصر في عصر المماليك الشراكسة.

نزل سِدراك الأنطوني وفضل الله ورفيقهم المختار داود البنا من جبل القديس الأنبا أنطونيوس لكي ينالوا إكليل الشهادة، واقتدوا في ذلك بأب الرهبان الذي نزل إلى الإسكندرية في أيام مكسيميانوس وهو يقول: "لأذهب إلى حيث نيران العذاب، فإن سمحت النعمة الإلهية باستشهادي تجدني مستعدًا، وإن لم تسمح بذلك أكون على أقل تقدير واقفًا إلى جانب المضطَهَدين من أبناء القديس مرقس الإنجيلي".

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 250.

سرجيوس الإتريبي ورفقاؤه الشهداء

ولد هذا القديس بمدينة أتريب من أب صالح اسمه تادرس وأم تقية اسمها مريم. فلما بلغ عمره عشرين سنة خطر على فكره أن يموت على اسم السيد المسيح، فتقدم إلى الوالي كبريانوس واعترف بالسيد المسيح، فأمر بعذابه.

رؤيا في السجن

بعد تعذيبه بأنواع كثيرة أودعوه السجن، وفي الليل رأى في رؤيا كأن نفسه عرّجت إلى السماء وابصر مساكن القديسين فتعزت نفسه، وشفاه السيد المسيح من أوجاعه.

استشهاد القس مانصون

سمع بجهاده قس يسمى مانصون فأتى ومعه شماسان إلى أتريب واعترفوا باسم السيد المسيح أمامه. فأمر الوالي بضربهم ضربًا موجعًا، والتفَّ حولهم جمهور كثير كانوا يعطفون على هذا القس الذي لم يكن منه إلا أن حوّل وجهه إليهم ووعظهم وأوصاهم بالثبات على الإيمان بالسيد المسيح ثم صلى وباركهم. فاعترف الجميع بالإيمان المستقيم، وبعد العذاب الكثير أُخِذت رؤوسهم ونالوا إكليل الحياة. أما القس فقد عذّبه الوالي بالنار، ولكن الرب أخرجه سالمًا، فأرسله الوالي إلى الإسكندرية وهناك نال إكليل الشهادة.

استشهاده مع أسرته

أما القديس سرجيوس فقد أحضره الوالي كبريانوس وعذّبه بأنواع العذاب الأليمة، وكان الرب يشفيه ويعزّيه ويقوّيه، ولما أحضروا له الوثن وكلّفوه بالسجود له ركله بقدمه فسقط وتحطم، فآمن كبريانوس في الحال وقال: "إله لا يقدر أن يخلص نفسه كيف يقدر أن يخلص غيره؟" وتولى أوهيوس الإسفهسلار تعذيب القديس، فأمر بسلخ جلده ودلكه بخل وملح، ولكن الرب أعطاه قوة ونعمة، وأتت إليه أمه وأخته وأبصرتاه على هذه الحال فبكيتا كثيرًا حتى ماتت أخته من شدة الحزن، فأقامها الله بصلاته. ثم أتاه القديس يوليوس الأقفهصي وكتب سيرته ووعده أنه سيهتم بجسده وتكفينه.

أمر أوهيوس أن يُعصر بالهنبازين وأن تُقلّع أظافره وأن يوضع على سريرٍ حديدي ويوقد تحته: وأن تُوضع مشاعل نار في أذنيه، وكان الرب يقويه ويشفيه. ولما ضجر منه أمر بقطع رأسه، فاستدعى أباه وأمه وأخته ليودعهم فحضروا ومعهم بقية أهله، ولما رأوه مشدودًا بلجام كالخيل إلى مكان الشهادة احتجوا على الوالي لقسوته فأمر بقطع رؤوسهم، ونال الجميع إكليل الحياة والسعادة الأبدية.

شهادة صبي صغير

كان بين الجمع صبي صغير فتح الرب عينيه فأبصر أنفس القديسين الشهداء مع الملائكة صاعدين بها، فصرخ بأعلى صوته قائلاً: "يا سيدي يسوع المسيح ارحمني"، فخاف أبوه أن يسمعه الوالي فيهلكهما بسببه، ولما لم يستطيعا إسكاته وضعا أيديهما على فمه وهو يصرخ ويستغيث بالسيد المسيح حتى أسلم روحه الطاهرة بيد الرب.

السنكسار، 13 أمشير.

سرجيوس القمص

ولد بجرجا سنة 1882 م ورُسِم قسًا على بلده ملوي باسم القس ملطي سرجيوس، ثم عُيِّن وكيلاً لمطرانية أسيوط في 30 أكتوبر سنة 1907م.

اشتهر بغيرته على دينه، وألمه الشديد على مجد أمته الزائل، وكان رجلاً ثائرًا على كل مالا يرضيه، ولكن ثورته اقتصرت في بداية حياته في تمسكه الشديد لعقيدته.

ثائر وطني في السودان

أصدر مجلة المنارة المرقسية في سبتمبر سنة 1912م في مدينة الخرطوم عندما كان وكيلاً لمطرانيتها، وكان هدف المجلة دعوة الأقباط والمسلمين إلى التضامن والتآخي، وتقويم الاعوجاج الذي تأصل في الأقباط ككنيسة، والضرب على العادات التي أضلَّت الشعب وأفسدت ما ورثناه من الآباء القديسين.

غضب عليه الإنجليز وأمروا بعودته إلى مصر في أربع وعشرين ساعة، وكانت آخر كلماته للمدير الإنجليزي هي: "إنني سواء كنت في السودان أو في مصر لن أكف عن النضال وإثارة الشعب ضدكم إلى أن تتحرر بلادي من وجودكم".

قائد في ثورة سنة 1919م

في ثورة سنة 1919م برز القمص سرجيوس وسط الثائرين، فكان أشبه بعبد الله النديم، فقد وهبه الله لسانًا فصيحًا يهز أوتار القلوب إلى حد جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب خطيب مصر أو خطيب الثورة الأول. عاش في الأزهر لمدة ثلاثة شهور كاملة يخطب في الليل والنهار مرتقيًا المنبر، معلنًا أنه مصري أولاً ومصري ثانيًا ومصري ثالثًا، وأن الوطن لا يعرف مسلمًا ولا قبطيًا، بل مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وقدم الدليل للمستمعين إليه بوقفته أمامهم بعمامته السوداء.

ذُكِر عنه أنه ذات مرة وقف في ميدان الأوبرا يخطب في الجماهير المتزاحمة، وفي أثناء خطابه تقدم نحوه جندي إنجليزي شاهرًا مسدسه في وجهه، فهتف الجميع: "حاسب يا أبونا، حايموتك"، وفي هدوء أجاب أبونا: "ومتى كنا نحن المصريون نخاف الموت؟ دعوه يُريق دمائي لتروي أرض وطني التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء. دعوه يقتلني ليشهد العالم كيف يعتدي الإنجليز على رجال الدين". وأمام ثباته واستمراره في خطابه تراجع الجندي عن قتله.

مرة أخرى وقف هو والشيخ القاياتي يتناوبان الخطابة من فوق منبر جامع ابن طولون. فلما ضاق بهما الإنجليز ذرعًا أمروا بنفيهما معًا في رفح بسيناء. وكانا في منفاهما يتحدثان عن مصر، ويتغنيان بأناشيد حبهما لها. كذلك انشغل في المنفى بكتابة الخطابات، وإرسالها إلى اللورد، يندد فيها بسياسة الإنجليز، ويعيب عليهم غطرستهم وحماقتهم في معاملة الوطنيين، وعلى الأخص في معاملة قادتهم وزعمائهم. وقد قضى أبونا سرجيوس والشيخ القاياتي ثمانين يومًا في هذا المنفى. وبعدما خرج من الاعتقال ظل يخطب في كل مكان في المساجد والكنائس والأندية والمحافل وفي الشوارع والميادين.

كتب في الدفاع عن الإيمان

أما فيما يتعلق بالكنيسة، فبالإضافة إلى مجلة المنارة المصرية أصدر عددًا كبيرًا من الكتب التي دافع فيها عن الإيمان، والتي رد فيها على الكثير من الأسئلة والافتراءات. ولم يكتفِ في كتبه بتقديم الأدلة من الكتاب المقدس بل استند أيضًا إلى الكثير من الآيات القرآنية وباقتباسات من كبار المفكرين المسلمين. كذلك كتب الكثير من المقالات في مجلات غير مجلته، كان يوقع عليها باسم "يونس المهموز".

ظل القمص مرقس سرجيوس زوبعة عاصفة إلى آخر نسمة في حياته بالرغم من شيخوخته، إذ قد انتقل إلى العالم الباقي عن إحدى وثمانين سنة، وكان ذلك في 5 سبتمبر سنة 1964م. وأبت الجماهير الشعبية التي اشتركت في تشييع جنازته إلا أن تحمل نعشه على الأعناق. ثم أبدت الحكومة اعترافها بجهاده الوطني بأن أطلقت اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة بالقاهرة.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الخامس صفحة 105.

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 404.

سرجيوس وواخس الشهيدان

كانا قائدين في الجيش الروماني تحت ولاية جالريوس ومكسيميانوس. ولما دعيا ذات مرة لحضور الاحتفال بذبيحة كانت ستقرب للآلهة رفضا بثبات، فحمي غضب القيصر عليهما وجردهما من رتبهما وملابسهما العسكرية. وأمر أن توضع عليهما ثياب نسائية في حضوره، وأن يُوضع قيد حديدي في عنقيهما، وأن يمر بهما بين الجنود في هذه الحالة حتى ما يعتريهما الخزي والمهانة. وقد احتمل القديسان بكل شجاعة هذه الإهانات ثم أحالهما إلى أنطيوخس حاكم سوريا لكي يعذّبهما.

إذ فشل في كل محاولاته لردعهما أمر أن يصلب واخس عاريًا ويجلد جلدًا قاسيًا بأعصاب البقر، فأسلم روحه تحت هذا التعذيب الوحشي. أما القديس سرجيوس فبعد أن اجتاز سلسلة من العذابات المريرة أثبت فيها صلابته وإيمانه، أمر بقطع رأسه فنال إكليل الشهادة.

الاستشهاد في المسيحية، صفحة 136.

سرفاتيوس الأسقف القديس

كان أرمينيًا بالمولد، ويقال أنه استضاف القديس أثناسيوس الرسولي أثناء نفيه، ودافع عنه وعن الإيمان المستقيم في مجمع سارديكا Sardica.

بعد مقتل الإمبراطور قنسطنس Constans أرسله المغتَصِب للعرش ماجنِنتيوس Magnentius مع أسقف آخر إلى الإسكندرية للدفاع عن موقفه لدى الإمبراطور قنسطنطيوس Constantius. لم تسفر مهمته عن نتيجة إيجابية، ولكن استطاع سرفاتيوس أثناء وجوده في مصر أن يجدد علاقته بالقديس أثناسيوس.

وفي سنة 359م حضر مجمع ريميني Rimini، وفيه وقف بشجاعة مع القديس فوباديوس أسقف آجن Phoebadius of Agen مدافعًا عن الإيمان المستقيم أمام الأريوسيين المسنودين بالإمبراطور.

يُقال أن القديس سرفاتيوس تنبأ عن غزو الهونيين Huns لبلاد الغال، وأنه مكث يصلي ويصوم لكي يرفع الله عن شعبه هذه الضيقة. ثم سافر إلى روما للتشفع بالقديسين بطرس وبولس حتى يضعا شعبه في رعايتهما. وبعد عودته مباشرة إلى مدينته Tongres أصيب بحمى وتنيح، وذلك في سنة 384م.

وفي نفس العام دُمِّرت المدينة جزئيًا في إحدى الغزوات، ولكن نبوته تحققت كاملة بعد ذلك بسبعين عامًا حين غزاها أتّيلا Attila ودمرها بالكامل.

مجمعا ريميني وسيلوكية

مجمعا ريميني وسيلوكية Seleucia يمثلان مجمعًا واحدًا في موقعين، عُقدا بناء على طلب الإمبراطور قنسطنطيوس الثاني عام 359م. أُختير الموقعان لتجنب الأسفار الطويلة، وكان هدفهما هو مساندة الجانب الأريوسي بالرغم من قلة عددهم.

قدم قنسطنيوس أجندة عمل وهي قبول قانون إيمان وضع في سيرميام Sirmium مشابه لقانون الإيمان الأنطاكي لعام 341م، وبعث إلى كل مجمع رؤساء أمبرياليين. وكان المطلوب إرسال مندوبين عن كل مجمع ليلتقيا في Nike بتراقيا Thrace لتوحيد نتائج المجمعين.

في الجانب الغربي اشترك 400 عضوًا في مجمع ريميني (اريمينم Ariminum) بإيطاليا، ورأى الأغلبية أن قانون الإيمان النيقوي فيه الكفاية، وأنه يجب وضع حرمان ضد الأريوسية. التقى الطرفان (الأرثوذكس والأريوسيون) من كنائس متعددة بعد رفض الاقتراح الأريوسي بأن التعبيرين homoousios (أي عن ذات الجوهر) وhomoiousis (أي من جوهر مشابه) ليسا كتابيين وإن المعنى الأدق هو homoios (مثل أو شبه). أُستبعد قادة الفكر الأريوسي، لكن الإمبراطور عاد فسندهم.

أما في الموقع الآخر الشرقي وهو سيلوكية أسبيرا Aspera عاصمة آشور Isauria فكان المشتركون فيه 160 عضوًا طالب أغلبهم بتعبير Homoiosuios. وطالبت القلة الأريوسية وكان عددهم خمسين بالتعبير Homoios ورفضوا التعبيرين الآخرين وحرموا القائلين Anomoiso "غير مشابه". رُفض رأيهم عندما أعلن أكاكيوس أسقف قيصرية أن الابن لم يكن إلا مشابه للآب في الإرادة. مرة أخرى أُستبعد الأريوسيون لكن سندهم الإمبراطور.

استطاعت القلة في المجمعين التي هي ضد قانون الإيمان النيقوي أن تتمتع برضى الإمبراطور. التقى مندوبون من المجمعين في Nike وقبلوا قانون الإيمان الأريوسي بعد أن قيل لكل طرف أن الطرف الثاني قد قبله، ووضع قانون Nikene لكي يختلط على البسطاء على أنه قانون إيمان نيقوي.

Everett Ferguson: Encyclopedia of Early Christianity, 1999.

Butler, May 13.

سرور الجلال المعلم

من مشاهير الأقباط في عهد الفاطميين، وكان ملتزمًا في خلافة المستنصر فكوَّن ثروة طائلة. وكان محسنًا فطنًا مدبرًا. فنال بذلك نعمة لدى الخليفة واكتسب ثقته لصِدقه واستقامته، فلم يَرُدّ له كلمة ولم يرفض له طلبًا، ومع كل ذلك يُذكَر عنه أنه كان متواضعًا كريمًا جوادًا، عالي الهمة حسن الأخلاق محبًا لعمل الخير لجميع الناس على السواء دون تمييز بين مسيحي أو مسلم، ولذا أحبه الجميع.

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 153.

سعد سليمان البار

ولد سنة 1901م في بلدة نوب طحا، مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية من أبوين تقيين. وقد حفظ المزامير والألحان الكنسية وتعلم اللغة القبطية، ولما أتمَّ دراسته عمل بمصلحة السكة الحديد.

تأثره بعظات الأرشيدياكون إسكندر حنا

في شبابه أحب سماع عظات الأرشيدياكون إسكندر حنا، وكان يتأثر بها جدًا لدرجة أنها كانت السبب في إقلاعه عن التدخين وعزمه على السلوك في طريق التوبة وحياة القداسة.

من بداية حياته الروحية كان حارًا جدًا، فكان يصلي السبع صلوات كل يوم كالآتي:

باكر قبل ذهابه للعمل.

صلوات الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة كان يصليها في إحدى عربات السكة الحديد الواقفة على الرصيف.

أما الغروب والنوم فبعد عودته من عمله.

وفي أصوامه كان صارمًا مع نفسه إلى حد القسوة فلم يكن يتناول طعامًا في أي يوم، عدا السبت والأحد، قبل الثالثة بعد الظهر، بل أحيانًا كثيرة لم يكن يفطر إلا في المساء. وقد بلغ به التقشف أنه كان يصوم باليومين والثلاثة وكان طعامه قليلاً من البقول. وقد مزج الصوم والصلاة بمداومة الإطلاع في الكتاب المقدس، وفي أحيان كثيرة كان يقرأ كتاب الله وهو راكع على الأرض.

حرب الشياطين

لم تتركه الشياطين في سلام، بل كانت محاربتهم له تفوق الاحتمال، لكنه بقوة الله كان ينتصر عليهم. وفي إحدى المرات بعد تعرضه لحربٍ شديدة ظهر له رب المجد ليشجعه ويقويه.

زواجه

كان المقدس سعد رافضًا الزواج مفضلاً حياة البتولية، إلى أن علم أن بعض الناس يريدونه أن يترهب لرسامته أسقفًا، فحسب نفسه غير أهلٍ لهذه الكرامة، ولم يجد مفرًا للهروب إلا أن يتزوج، وقد ظل سائرًا في طريق القداسة بعد زواجه. لم يكن قاسيًا في معاملة أولاده بل كان ينصحهم بوجوب الاهتمام بأجسادهم وعدم إهانتها.

مواهب روحية

منحه الرب مواهب كثيرة، فكان يشفي الأمراض ويخرج الأرواح الشريرة، كما كانت له بصيرة روحية يميّز بها الأرواح والأفكار، ويتنبأ عن أحداث قبل وقوعها. ففي أيام البابا يوساب البطريرك 115 تنبأ بمجيء بطريرك قديس في عهده ستكون ظهورات سمائية على قباب الكنائس، وفعلاً تحققت نبوته ورُسِم البابا كيرلس السادس الذي في عهده ظهرت السيدة العذراء في كنيستها بالزيتون.

نياحته

في آخر عشر سنوات من حياته أصيب بعدة أمراض منها الشلل وفقدان الذاكرة، فلم يكن يتذكر أي شيء إلا أنه لم يكف عن تقديس اسم الله.

قبل نياحته بحوالي شهر بدأ يُعْلِم من حوله بأن زمن انتقاله قد اقترب. ورقد في الرب سنة 1978م عن عمر يناهز سبعة وسبعين عامًا.

قديس تنبأ بظهور العذراء، إصدار أبناء البابا كيرلس.

سعيد بن كاتب الفرغاني

مهندس نابغة

مهندس قبطي ظهر اسمه في عهد الطولونيين، وغالبًا ما يُنسَب إلى ناحية فرغان بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية أو إلى مدينة الفراجون التي اندثرت ومحلها اليوم مدينة سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ.

أول ما نسمعه عنه أنه تولى عمارة مقياس النيل في جزيرة الروضة سنة 864م بعد أن أمر بعمارته الخليفة العباسي المتوكل. ولما تولى أحمد بن طولون حكم مصر عهد إليه ببناء أهم منشآته، فبنى له أولاً قناطر بن طولون وبئر عند بركة حبش لتوصيل الماء إلى مدينة القطائع بين عامي 872 و873م. وحدث لما ذهب ابن طولون لمعاينة العمل بعد انتهائه أن غاصت رِجل فَرَسِه في موضع كان لا يزال رطبًا، فكبا الفرس بابن طولون، ولسوء ظنه قدَّر أن ذلك لمكروه أراده به النصراني، فأمر بشق ثيابه وجلده خمسمائة سوطًا وألقاه في السجن، وكان المسكين يتوقع بدلاً من ذلك جائزة من الدنانير!

بعد ذلك فكر ابن طولون في بناء جامع يكون أعظم ما بُنِي من المساجد في مصر، ويقيمه على ثلاثمائة عمود من الرخام، فقيل له أنه لن يجد مثل ذلك العدد إلا إذا مضى إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب ويحملها من هناك. وبلغ الأمر للفرغاني وهو في السجن، فكتب لابن طولون يقول له أنه يستطيع أن يبنيه بلا أعمدة إلا عمودي القبلة، وصوّره له على الجلود فأعجبه واستحسنه وأطلق سراحه وأطلق له النفقة حتى يقوم بالبناء، وبعد الانتهاء أمَّنه ابن طولون على نفسه وأمر له بجائزة عشرة آلاف دينار. ويشهد جامع ابن طولون بعبقرية هذا المهندس القبطي، إذ ترى العقود المدببة في الجامع قبل أن يُعرَف استخدامها في إنجلترا بقرنين على الأقل.

فيما يختص بما انتهى إليه أمر هذا المهندس القبطي، فإن بعض المصادر تروي أن ابن طولون عرض عليه اعتناق الإسلام فأبى وتمسك بإيمانه المسيحي، فقُطِعت رأسه ومات شهيدًا. ويذكر أبو المكارم في كتابه المنسوب خطأ لأبي صالح الأرمني "ذكر في دلال الأعياد" أنه في اليوم السابع من كيهك قُطِعت رأس ابن كاتب الفرغاني وجسده محفوظ في كنيسة القديس قلته.

وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 76.

سِفِرينوس الأسقف

اشتهر القديس سِفِرينوس أو سيرين Seurine بغيرته الشديدة في مقاومة الأريوسية.

قيل أنه كان كاهنًا، وفى أحد الأيام أثناء سيره في الحقل سمع صوتًا يقول: "يا سِفِرينوس سوف تصير أسقفًا لكولونيا Cologne". سأل القديس: "متى يكون هذا؟" فسمع الصوت مرة أخرى: "حين تُنبِت عصاك زهورًا". وحدث بالفعل بعد فترة أن عصاه ثبتت في الأرض فصار لها جذور وأنبتت زهورًا، ثم دُعي لأسقفية كولونيا.

يقال أنه تنيح في أوائل القرن الخامس حوالي سنة 420م.

Butler, October 23.

سفينة الراهبة الناسخة القديسة

من قرية الشيخ مسعود غرب طهطا مديرية جرجا، وهي أكبر أبناء المعلم صليب جرجس المسعودي. كانت عائلتها عريقة وعميقة الروحانية. عمها هو القمص عبد المسيح جرجس صليب المسعودي، الذي كان مرشدًا لعددٍ كبيرٍ من الرهبان، وألَّف الكثير من المدائح بعضها مذكور في مدائح شهر كيهك، وعمتها الأم عزيزة راهبة فاضلة بدير الشهيد العظيم مارجرجس بحارة زويلة تنيحت سنة 1870م.

أتقنت القديسة سفينة اللغة القبطية، وكانت شغوفة جدًا بقراءة الكتاب المقدس وسير القديسين، فتعلق قلبها منذ حداثتها بمحبة الله الشديدة وطريق العفة والفضيلة، وخصصت وقتها كله وهي مازالت في بيت أبيها لنسخ الكتب المقدسة وسير الشهداء والقديسين حتى عزمت على ترك العالم والتحقت بسلك الرهبنة، فبارك والداها قراراها بكل فرح داعين لها بالنجاح. وفي عام 1884م التحقت بدير الشهيد العظيم أبي سيفين بمصر القديمة.

عاشت هذه الراهبة القديسة في الدير حياة الفضيلة وقضت معظم وقتها في نساخة كتب الأبصلمودية السنوية والكيهكية والأجابي لأخواتها الراهبات لإثراء الدير والكنيسة كلها. وكانت تنسخ عددًا كبيرًا من الكتب والمخطوطات القيمة التي كانت مهداه من الخارج فتركت لمكتبة الدير تراثًا نفيسًا. وكانت صانعة سلام بين الراهبات حتى دعوها "حمامة السلام"، إذ كانت لا تهدأ أبدًا ولا تستريح إلا إذا كان الدير يعمه السلام بالكامل.

في آخر قداس أعلنت لأخواتها الراهبات أنه آخر قداس تحضره معهن، وفي يوم الجمعة صباحًا 5 بؤونة عام 1645 للشهداء قالت القديسة سفينة "اذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك. في يديك أستودعك روحي"، وفاضت روحها الطاهرة في يد الرب الذي أحبته.

جريدة وطني، بتاريخ 21 يوليو سنة 1996.

سكلابيوس وديسقورس أخوه الشهيدان

كانا راهبين عابدين في جبل إخميم، استشهدا على يد إريانا الوالي أثناء الاضطهاد الذي أثاره على المسيحيين وبالذات في مدينة أخميم.

وردت سيرتهما في حرف "د" تحت: "ديسقورس وسكلابيوس أخوه الشهيدان".

سِكوندا وروفينا الشهيدتان

كانتا أختين واستشهدتا في روما في زمن الإمبراطور فالريان بحد السيف حوالي سنة 257م. وقد وردت سيرتهما في حرف "ر" تحت: "روفينا وسِكوندا الشهيدتان".

Butler, July 10.

سقراط المؤرخ

أحد أهم المؤرخين للكنيسة الأولي.

نشأته

وُلد في القسطنطينية ربما في بداية حكم ثيودوسيوس الصغير مع بدء القرن الخامس. يري البعض أنه وُلد حوالي سنة 379 أو 380م.

يخبرنا أنه قد تعلم هناك علي يدي هيلاديوس Helladius وأمونيوسAmmonnius، وهما اثنان من معلمي البلاغة والنحو الوثنيين, اللذين هربا من الإسكندرية بعد ما تهدم معبد السيرابيوم وغيره من المعابد الوثنية, وكانا من كهنة الأوثان هناك في عهد البابا ثيؤفيلوس السكندري. وقد قاما بأعمال انتقامية ضد المسيحيين في الإسكندرية.

درس سقراط الخطابة والقانون، وساعد تروليوس Troilus السوفسطائي، ومارس المحاماة، ونال لقب الباحث Scholasticus الخاص بالمحامين.

مبادئه

دافع عن قانون الإيمان النيقوي ضد الأريوسية وغيرها من الهرطقات. وكان يؤمن بالإلهام الإلهي في قرارات المجامع المسكونية.

دافع عن العلامة أوريجينوس وهاجم ميثوديوس ويوستاثيوس وأبوليناريوس لأنهم قللوا من شأن أوريجينوس.

لم يخجل من الاعتراف بعدم معرفته وعدم قدرته علي الإجابة علي بعض التساؤلات اللاهوتية تاركًا ذلك لرجال الكهنوت.

في نظره كان الأسقف محاطًا بهالة من القداسة, والراهب هو نموذج التقوى والنسك. وإن كان قد انتقد القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس كيرلس الكبير.

تاريخه الكنسي

يذكر سقراط أن دوافعه في كتابته التاريخ الكنسي هو محبته للتاريخ, وتقديره ليوسابيوس القيصري، فأراد تكملة ما قد وضعه, واستجابة لطلب ثيؤدورس Theodorus. ويلاحظ في هذا الكتاب الآتي:

1. إذ نشأ في القسطنطينية انشغل بأحداثها. وكما يقول: "لا عجب أن أكتب بالأكثر عن الأعمال الشهيرة في هذه المدينة، من ناحية لأني شاهدت معظمها بعيني, ومن ناحية أخري لأنها أكثر شهرة وأظن أكثر أهمية ويجب تذكرها أكثر من غيرها" (فصل 23).

اهتم بالأحداث المعاصرة له ليسجل بدقة ما شاهده بنفسه أو سمعه عن شهود عيان.

2. يري بعض المؤرخين أنه كان من أتباع نوفاتيان الهرطوقي, ودليلهم علي ذلك أنه يذكر أسماء الأساقفة النوفاتيين الذين تتابعوا علي القسطنطينية وآخرين في أماكن أخري, وأنه يعرف مشاكلهم وأمورهم الداخلية, ويسجل نقدهم للقديس يوحنا الذهبي الفم. غير أن بعض الدارسين يدافعون عنه معتبرين أن ما سجله إنما هو من الجانب التاريخي الموضوعي. وأنه تناول هرطقات أخري بنفس الكيفية. فإنه إذ كان علمانيًا شعر أنه لا يود أن يحكم في الأمور اللاهوتية.

3. يضم عمله هذا سبعة كتب تؤرخ فترة 133 سنة، أو كما يقول بطريقة تقريبية 140 عامًا. وهي تبدأ بإعلان قسطنطين ملكًا إلى أيامه, من سنة 306 إلى 439م. ينتهي عمله بجلوس الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير علي العرش، وهو نفس نهاية عمل المؤرخ سوزومين.

4. يظهر تأثير روفنيوس عليه واضحًا، خاصة في الكتابين الأول والثاني. وعندما تحدث عن القديس أثناسيوس ورسائل بعض الآباء القديسين أدرك أن ما بلغ روفنيوس كان خطأ، وأنه قد أخطأ في نقاطٍ كثيرةٍ. وواضح أن سقراط سجل تاريخه لتصحيح بعض الأخطاء وتقديم معلومات دقيقة وصادقة.

5. أوضح لثيؤدورس أنه لم يكتب ببلاغة، ولم يجرِ وراء التعبيرات والألفاظ الرنانة، بل أراد تسجيل العمل بروح البساطة لكي يُمكن فهمه بسهولة.

6. أوضح في مقدمة كتابه الارتباط بين الكنيسة والدولة, وأنه لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، فإن ما يحل بالواحدة من البؤس ينعكس على الأخرى.

7. في الفصل السابع (7: 47) أوضح أن فترة السلام لا تحتاج إلى تاريخ, ولعل هذا ما دفعه إلى التوقف عند عام 439م حيث ساد السلام والهدوء بعد ذلك.

8. يري أن دراسة الأعمال الوثنية ضرورية للرد عليهم في الجدال العقيدي.

9. يجد الدارسون أهمية خاصة في عمله حيث يضم مستندات أصيلة مثل قرارات المجامع ورسائل الأباطرة والأساقفة. قدم تفاصيل هامة عن مجامع نيقية وخلقيدونية وأنطاكية والإسكندرية والقسطنطينية وأفسس الخ. كما عالج مواضيع كثيرة خاصة بالأباطرة في عصره وشخصيات هامة من الأساقفة مثل باسيليوس أسقف قيصرية وغريغوريوس النزنيزي وأمبروسيوس وأثناسيوس ويوحنا الذهبي الفم ويوسابيوس النيقوميدي وكيرلس الخ. كما تحدث عن الرهبان المصريين وعجائبهم. وعن Ulphilas أسقف القوط وهيباتيا Hypatia. وعن استقلال وبدء انشغال كنيسة روما بالسلطة الزمنية. تحدث عن تقدم الإنجيل بين القوط والعرب Saracens والفارسيين.

10. اهتم سقراط بالحديث عن الكنيسة الشرقية، ولم يتعرض للكنيسة الغربية إلا فيما يتصل بالكنيسة الشرقية.

11. غطت الكتب السبعة فترة حكم ثمانية أباطرة شرقيين.

الكتاب الأول: الكنيسة في عصر قسطنطين الكبير (306 - 337م).

الكتاب الثاني: الكنيسة في عصر قسطنطين الثاني (337 - 360م).

الكتاب الثالث: الكنيسة في عصر يوليان (361 - 363م) وجوفيان (363 - 364م).

الكتاب الرابع: الكنيسة في عصر فالنس (364 - 387م).

الكتاب الخامس: الكنيسة في عصر ثيؤدوسيوس الكبير (379 - 395).

الكتاب السادس: الكنيسة في عصر أركاديوس (395 - 408م).

الكتاب السابع: الكنيسة في عصر ثيؤدوسيوس الصغير (408 - 439م).

سلفانوس الممثل القديس

الممثل الراهب

ارتدي سلفانوس ثوب الرهبنة عشرين عامًا، وكان في الأصل يحترف مهنة التمثيل ثم انخرط في سلك الرهبنة، وكان في شوقٍ زائدٍ إلى خلاص نفسه في البداية.

العودة إلى ترديد الأغاني العالمية

بدأ يتكاسل عن أمور خلاصه، ويتذكر حياة المسرح ويردد الأغاني العالمية بين الرهبان. فاستدعاه القديس باخوميوس وأمره أمام الرهبان أن يخلع رداء الرهبنة ويغادر الدير فورًا. فركع تحت قدميه متوسلاً إليه: "سامحني يا أبي هذه المرة ومن الآن سأتوب عن هذه الأمور وأرجع عن تكاسلي الروحي وسترى تغيري تمامًا". فقال له القديس باخوميوس: "ألم تعرف كم تحملتك؟ وكم مرة عاقبتك؟ وكنت مضطرًا إلى هذا من أجل خلاص نفسك. وبالرغم من كل هذه الضربات لم تُغير مجرى حياتك. فكيف يمكن أن أصفح عنك بعد ذلك؟"

دموع لا تجف

عفا عنه بعدما تقدم الراهب بترونيوس ليضمنه هذه المرة فقط. فنما سلفانوس في نعمة الله وفي حياة الزهد والنسك حتى فاق كثيرين في الفضيلة. وكانت الدموع تنهمر من عينيه عندما كان يأكل مع الاخوة فتختلط بطعامه. ولما طلب منه الاخوة ألا يبكي أمام الزوار أجابهم بأنه يحاول ولم يستطع منع دموعه.

وقال بعضهم: "أليس من الأفضل أن يأكل طعامه وحده؟"

وقال آخرون: "نريد أن نعرف ماذا تقول، لأن بعضنا يراك باكيًا فيخجل من نفسه ولا يكمل طعامه".

وقال لهم سلفانوس ذات مرة: "أتريدوني ألا أبكي وأنا أرى رجالاً قديسين يخدمونني؟ الذين لست أهلاً أن أكنس تراب أقدامهم؟" ثم تساءل: "أليس مناسبًا أن أبكي على نفسي يا اخوتي لأن رجلاً من المسرح يخدمه القديسون؟ وأخشى أن يحدث لي ما حدث لداثان وأبيرام (عد1: 16 - 35)، وأبكي لأني بجهلي لم أهتم كثيرًا بخلاص نفسي، وكنت على وشك الطرد من الدير، وأبكي أيضًا لأنني أعلم أنه إذا خرجت روحي من جسدي فلن أكون سعيدًا".

تفوقه في تواضعه

فيما بعد تحدث القديس باخوميوس إلى الرهبان قائلاً: "إني أشهد أمام الله أنه منذ بناء هذا الدير وإلى الآن لم يصل أحد من الرهبان إلى النموذج الذي رسمته في مخيلتي إلا واحد فقط". فلما سمع الاخوة هذا الكلام تساءلوا: "من هو هذا الواحد؟" وقال البعض أنه أنبا تادرس، وقال آخرون بترونيوس، وقال غيرهم أرسانيوس. وأخيرًا سأله تادرس، فلم يشأ القديس أن يذكره خوفًا من المجد الباطل، ولما ألحّوا عليه قال لهم: "هو الشخص الذي كان منذ وقت قصير سيُطرد من الدير، لكنه قاوم العدو وعرف حيله وصنع البرّ ونما في الروحانية، وكانت الدموع تنساب دائمًا من عينيه. وقد تفوق عليكم في تواضعه".

نياحته

هكذا أكمل سلفانوس جهاده في ثمانية أعوام، وأصبح خادمًا حكيمًا. وقد شهدوا له عند رحيله إلى دار الخلود بأن طغمة من الملائكة قد حملت روحه الطاهرة وهي ترتل ترانيم النصرة، وتقدم تلك النفس إلى الله كتقدمة بخور طيب الرائحة ينبعث من احتراق الجسد عن الأطعمة والشهوات واللذات.

بستان القديسين، صفحة 108.

سلوانس أو سيلفانوس القديس

متوحد من سيناء، وكان من أهل فلسطين واعتزل أولاً في الإسقيط ثم بعد ذلك في جبل سيناء. سار في الفضيلة وأجهد نفسه بالصوم الطويل والسهر الكثير والتواضع والمحبة حتى صار أبًا عظيمًا. وقد أسس جماعة مقدسة من الرجال وهي التي انضم إليها فيما بعد القديس العظيم زكريا.

أهَّله الله لرؤية المناظر الإلهية، وكان يوصي تلاميذه دائمًا بأن لا يهملوا شغل اليد وأن يتصدقوا بما يتفضل عنهم.

وقد رُوِي عنه بعض القصص الطريفة، من بينها القصة التالية:

كان القديس سيلفانوس قد درَّب تلاميذه على العمل اليدوي، وفي إحدى المرّات جاء أحد المتوحدين السوّاح، وإذ رأى الاخوة يعملون عملهم بفرحٍ وبهجةٍ قال لهم: "لا تعملوا للطعام الفاني، فإنه مكتوب أن مريم اختارت لنفسها نصيبًا صالحًا لا يُنزَع منها". فلما سمعه الشيخ قال لتلميذه: "أعطِ الأخ كتابًا وأدخله الكنيسة وأغلق عليه ليقرأ ولا تدع عنده شيئًا يؤكل"، ففعل التلميذ ذلك. ولما أتت الساعة التاسعة تطلع هذا الأخ منتظرًا دعوته للأكل، إلا أن أحدًا لم يدعه. أكل الشيخ وتلاميذه ولم يدعوا الراهب. وإذ اشتد به الجوع خرج من الكنيسة وقال للشيخ: "يا أبي ألم يأكل الاخوة اليوم؟" فأجابه: "نعم"، فقال: "لماذا لم تدعُنِي للأكل معهم؟" فأجابه: "أنت رجل روحاني لا حاجة بك إلى طعام جسداني ويكفيك النصيب الصالح. أما نحن فقوم جسدانيون محتاجون إلى الغذاء الجسداني ولهذا نعمل بأيدينا. وأنت قد اخترت النصيب الصالح واستمريت تقرأ طول اليوم فلا تحتاج للطعام الجسداني". فعلم الأخ أنه قد أخطأ، فضرب مطانية مستغفرًا. فأجابه الشيخ قائلاً: "يا بني لابد لمريم من أن تحتاج إلى مرثا، لأن بمرثا مُدِحَت مريم". فانتفع الأخ من هذا التعليم وصار مداومًا على العمل بيديه ويتصدق بما يفضل عنه.

ويروي كوتِليريوس Cotelerius العديد من القصص عنه، منها أنه في إحدى المرات استيقظ من النوم مفزوعًا لأنه كان في عالم الأبدية ورأى العديد من الرهبان في الجحيم، بينما الكثير من العلمانيين في السماء.

وضع هذا الأب أقوالاً نافعة في الجهاد الروحاني، ولما أكمل جهاده بشيخوخة صالحة أعلمه الله بوقت نياحته، فاستدعى الرهبان القريبين منه وتبارك منهم وسألهم أن يذكروه في صلاتهم ثم تنيح بسلام.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 670.

سليمان القديس

كان متوحدًا بالجبل في أطراف مدينة أنصنا، التي كان يسكن أديرتها في وقته حوالي 1100 عابدًا، علاوة على المتوحدين في الجبل.

كان وديعًا وأعطاه الله فضيلة الصبر، حيث قضى خمسين عامًا في مغارة بالجبل، كان يُطعِم نفسه فيها بعمل يديه، ويتلو آيات الكتاب المقدس عن ظهر قلب.

بستان القديسين، صفحة 49.

سِليوكُس الشهيد

جندي من كبادوكية استشهد في قيصرية أثناء اضطهاد الإمبراطور دقلديانوس، في نفس الوقت الذي استشهد فيه القديسان بامفيلوس Pamphilus وبورفيري Porphyry.

تُعيِّد له الكنيسة الغربية في السادس عشر من شهر فبراير.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 601.

سلستين الأول أسقف روما

ولِد في كمبانيا Campania وكان شماسًا في روما قبل اختياره أسقفًا في سبتمبر سنة 422م. وخلال العشر سنوات التي قضاها على كرسي روما أظهر طاقة كبيرة في مواجهة الهرطقات.

كان القديس أغسطينوس يوقر القديس سلستين ويبجله في خطاباته، بسبب موقفه القوي ومقاومته البيلاجية والنسطورية، وكان يشجع القديس جرمانوس Germanus على مقاومة هرطقة البيلاجية، وهو الذي أرسل القديس باتريك Patrick إلى أيرلندا لخدمة المنضمين حديثًا للإيمان بالمسيح، ويقال أنه هو أيضًا الذي أرسل بالاديوس للخدمة هناك قبل أن يبدأ القديس باتريك خدمته.

وقد تنيح القديس سلستين سنة 432م، وتعيد له الكنيسة الغربية في يوم 6 إبريل.

Butler, April 6.

سمعان ابن كليل الراهب

عاش الراهب سمعان ابن كليل بن أبي الفرج في زمن البابا يؤانس الخامس البطريرك الثاني والسبعين، وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي.

قضى حياته في دير الأنبا يؤانس القصير، وانصرف إلى البحث والتأمل وإلى دراسة الأسفار الإلهية. ولإحساسه بالمسئولية أراد أن يقدم لاخوته خلاصة لكل أبحاثه وتأملاته ودراساته، فوضع تفسيرًا لبشارة متى ثم وضع كتابًا أسماه: "روضة الفريد وسلوة الوحيد" قال في مقدمته:

"حين أدركت نفسي الحقيرة أن نهايتي قد قربت ورحيلي عن هذا العالم وشيك الحدوث، قررْت وضع كتاب يتضمن اختباراتها وثمار أبحاثها. وإذ ذاك وضعت كل اتكالي على الله، فأدركت أنني بلغت الهدف مقدمًا. أما هدفي فيتلخص في تعزية الحزين وإرشاد الضال إلى طريق البر".

وبعد هذه المقدمة القصيرة قسّم ابن كليل كتابه إلى اثني عشر فصلاً تناول فيها موضوعات: غاية خلق الإنسان، الإيمان بالله، التقوى وخوف الله، الصلاة والصوم، الصبر، المحبة والعطاء، العفاف، التواضع، المغفرة، القناعة، الصيت الحسن.

قد طُبع كتابه هذا مرة واحدة سنة 1602ش، وأما سيرة هذا المرشد الروحي وحياته فهي غير معروفة.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الثالث صفحة 166.

سمعان الأرمني الأسقف الشهيد

هو أسقف بلاد فارس، استشهد ومعه مائة وخمسون شهيدًا.

كان هذا القديس في زمان سابور بن هرمز ملك الفرس الذي كان كثير الجور والظلم على المسيحيين ويعاملهم بكل قساوة. فكتب هذا القديس رسالة قال له فيها: "إن الذين ابتاعهم السيد المسيح بدمه قد تخلصوا من عبودية البشر، ولا يجوز أن يتعبدوا للذين يتعدون الشريعة". فلما قرأ الملك هذه الرسالة غضب جدًا واستحضره ثم ربطه بالحديد وألقاه في السجن. فوجد بعض المحبوسين يعبدون الشمس، فعلمهم ووعظهم، فآمنوا بالسيد المسيح وأقروا بذلك أمام الوالي، فقطع رؤوسهم كلهم. ثم أحضر القديس من السجن وقطع رأسه، فنال بذلك هو ومن معه إكليل الشهادة.

السنكسار، 19 برمودة.

سمعان الأسقف

تعيد الكنيسة في التاسع من شهر بابه بتذكار القديس سمعان الأسقف.

السنكسار، 9 بابه.

سمعان الدباغ القديس

نقرأ عنه ضمن سيرة البابا إبرام بن زرعة السرياني البابا الـ 62 (975 - 978م)، والذي تمت في عهده معجزة نقل جبل المقطم. فقد أوغر الوزير اليهودي الذي أسلم يعقوب بن كلِّس صدر المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين في مصر ضد النصارى. وكان هذا الخليفة متسع الأفق واسع الصدر فهيمًا، فقال له الوزير: "مكتوب في إنجيل النصارى (من كان له إيمان مثل حبة خردل فإنه يقول للجبل انتقل واسقط في البحر فيفعل)، فإما أن يكون النصارى على صدق أو كذب في إنجيلهم".

استدعى الخليفة البطريرك وسأله عن حقيقة ورود هذا القول في الإنجيل فأجاب بالإيجاب. طلب إليه أن يرى هذه الآية وإلا أفنى النصارى بالسيف. كانت مفاجأة للبطريرك واعتراه خوف عظيم ولم يعرف بماذا يجيب سوى أن طلب أن يمهله ثلاثة أيام. استدعى البطريرك الكهنة والأراخنة والشعب في بيعة العذراء المعروفة بالمعلقة وأعلمهم بالأمر وهو يبكي. ووضع على الرهبان قانون صلاة وصوم بالخبز والملح والماء من المساء إلى المساء وأن يجتمعوا في الكنيسة ليل نهار. أما البطريرك فظل صائمًا هذه الأيام الثلاثة، ومن فرط حزنه وإعيائه سقط في صبيحة اليوم الثالث على الأرض وغفا غفوة يسيرة، فرأى السيدة العذراء وقالت له بوجهٍ فرحٍ: "ما الذي أصابك؟" أخبرها بالأمر فقالت له العذراء: "لا تخف فإني ما أغفل عن الدموع التي سكبتها في كنيستي هذه". وقالت له أن يقوم ويخرج من موضع معين يؤدي إلى السوق الكبير، وسيجد إنسانًا بعينٍ واحدةٍ يحمل جرة ماء، وهذا الإنسان هو الذي تتم على يديه الآية.

استيقظ البطريرك وهو مرتعب ونهض بسرعة وسار في الطريق كما قالت له العذراء، ووجد الرجل فأمسكه وقال له: "من أجل الرب ارحم هذا الشعب"، ثم روى له عن الموضوع الذي لأجله تقابل معه. فقال له الرجل: "اغفر لي يا أبي فإني خاطئ ولم أبلغ إلى هذا الحد". عندئذ أخبره البطريرك بما قالته له السيدة العذراء، ثم سأله عن صناعته فأراد أن يخفي أمره، لكن البطريرك وضع عليه الصليب وسأله أن لا يخفي شيئًا عنه من أمره ".

قال له: "يا أبي أنا أخبرك بحالي على أن تكتمه.

أنا رجل دباغ وعيني هذه التي تراها أنا قلعتها لأجل وصية الرب عندما نظرت ما ليس لي نظرة شهوة. ورأيت أنني ماضٍ إلى الجحيم بسببها، ففكرت وقلت الأفضل لي أن أمضي إلى الحياة بعينٍ واحدةٍ كما قال السيد المسيح، من أن أمضي إلى الجحيم بعينين.

وأنا في هذا الموضع أجير لرجلٍ دباغ، ولا يفضل مما أعمل به في كل يوم إلا خبزًا آكله، والباقي أعطيه للمستورين المنقطعين من الاخوة نساءً ورجالاً. وهذا الماء أستقيه لهم كل يوم قبل أن أمضي إلى شغلي وأمضي به إلى قوم فقراء لا قدرة لهم على شرائه من السقا، فنهاري كله أعمل في المدبغة وليلي أقضيه في الصلاة.

هذا هو حالي وأنا أسألك يا أبي ألا تظهرني لأحد فليس لي قدرة أن أحتمل مجد الناس بل الذي أقوله لك افعله. أخرج أنت والكهنة والشعب كله إلى الجبل الذي يقول لك الخليفة عنه، ومعكم الأناجيل والصلبان والمجامر والشمع الكبير.

وليقف الخليفة وعسكره وجماعته في جانب وأنت وشعبك في جانب وأنا خلفك قائم في وسط الشعب بحيث لا يعرفني أحد.

وأصرخ أنت وكهنتك قائلين يا رب ارحم عدة مرات ثم مُرهم بالسكوت والهدوء وتسجد ويسجدون كلهم معك وأنا أسجد معكم من غير أن يعرفني أحد. وافعل هكذا ثلاث مرات وكل دفعة تسجد وتقف تُصلِّب على الجبل فسترى مجد الله.

طاب قلب البابا بهذا الكلام وتوجه للخليفة المعز ومعه الشعب وقال له أنه مستعد للخروج للجبل. وفعل البطريرك كما قال له الرجل، وصرخوا دفعات كثيرة "يا رب ارحم". ثم أمرهم بالسكوت وسجد على الأرض وسجد الجميع معه ثلاث مرات، وكل مرة يرفع وجهه ويصلِّب يرتفع الجبل عن الأرض، وإذا سجدوا نزل الجبل إلى حدّه. فاعترى الرعب الخليفة ومن معه وصاحوا "الله أكبر". ثم قال المعز للبطريرك بعد ثالث مرة: "حسبك يا بطريرك، قد عرفت صحة دينكم". فلما هدأ الموقف التفت البطريرك يطلب الرجل القديس سمعان فلم يجده!

باقات عطرة من سير الأبرار والقديسين، صفحة 199.

سمعان الِشيخ الكاهن والنبي

سمعان والترجمة السبعينية

إذ استولى بطليموس الأول على أورشليم أرسل كثير من الأسرى اليهود إلى مصر وأعطاهم الحرية في ممارسة أعمالهم التجارية. اهتم بعضهم بالفكر الهيليني والثقافة اليونانية، وقاموا بحركة ترجمة لبعض كتبهم الدينية.

أنشأ بطليموس مكتبة الإسكندرية التي ضمت أكثر من نصف مليون مجلدًا. وجاء عن بطليموس الثاني "فيلادلفي، أي محب أخيه" Ptolemy II Philadelphus (283 - 246 ق. م) أنه اهتم بترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانية، وهي الترجمة المعروفة بالسبعينية Septuagint وتعتبر أهم ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى اليونانية. وقد جاءت قصة هذه الترجمة في خطاب أرستياس Letter of Aristeas في المنتصف الأخير من القرن الثاني ق. م.

أشار بطليموس إلى كاتب يوناني لديه يدعى أرسكاى ليكتب لرئيس الكهنة اليعازر في أورشليم أن يرسل إليه نسخ الأسفار المقدسة وكتب التاريخ مع بعض الخبراء في اللغة العبرية واللغة اليونانية، وقد أرسل إليه هدية فاخرة ووعده بإطلاق سراح 120 ألفًا من اليهود المقيمين في مصر.

أرسل اليعازار 72 عالمًا، ستة من كل سبط وسلمهم نسخة التوراة مذهبة للملك، فأكرمهم الملك. أقامهم في جزيرة فاروس عند مدخل مرفأ الإسكندرية، التي ألحقت فيما بعد باليابسة وأقيمت فيها المنارة.

قسمهم الملك ستة وثلاثين فرقة، ووزعهم في أماكن منفردة، وطلب منهم أن يترجموا التوراة، فأقاموا نحو سبعين يومًا حتى أكملوا الترجمة. وقد أجزل لهم بطليموس الجوائز، وكان ذلك في حوالي سنة 250 ق. م.

اُستخدمت هذه الترجمة في مجامع اليهود في مصر حتى يمكنهم أن يقرأوا من الكتاب المقدس يوميًا باللهجة الكوين Koinĕ التي نشرها الإسكندر الأكبر في كل الشرق

كان ذلك بتدبير إلهي حيث أمكن للعالم بثقافته اليونانية أن يتعرف على النبوات الخاصة بالسيد المسيح عند كرازة الرسل لهم، خاصة وأن الترجمة تمت بواسطة علماء يهود قبل انتشار المسيحية.

ها العذراء تحبل

خشي سمعان أن يترجم كلمة عذراء "تي بارثينوس" (إش 7: 14)، فيسخر به الملك ويهزأ به، فأراد أن يستبدلها بكلمة "فتاة". ويبدو أن الشك دخل إليه، فتساءل: "كيف يمكن لعذراء أن تحبل وتلد؟" في وسط صراعه الداخلي بين ثقته في الكتاب المقدس وأمانته في الترجمة وبين استحالة تحقيق ذلك رأى في حلم من يقول له: "إنك لن تعاين الموت حتى ترى عمانوئيل هذا مولودًا من عذراء".

عاش قرابة 300 عاما فكلّ بصره، وجاء إلى الهيكل وحمل السيد المسيح على ذراعيه وأبصر.

جلس الشيخ في طريق العالم يتفرس لينظر متى يأتي سيد العالم كما وعد.

جازت عليه أجيال، وجاز الموت هنا وهناك، ولم يتعرض له، والشيخ قائم ثابت ومستيقظ ليكون شاهدًا ببقائه لسيد الأزمان، لأن الكلمة حفظه في الطريق حتى يأتي الذي يأتي؟

مار يعقوب السروجي

لماذا تتوانى؟... قم خذ الطفل من سمعان الشيخ واحمله أنت أيضًا على ذراعيك فتفوح من جسدك المائت رائحة الحياة التي من جسده المقدس.

القديس يوحنا سابا

انفتحت عينا سمعان لرؤية الطفل، وانفتحت بصيرته الداخلية لإدراك سرّ الخلاص، وانفتح لسانه بالتسبيح والنبوة.

القمص بيشوى عبد المسيح: سمعان الشيخ الكاهن والنبي.

سمعان العمودي القديس

شخصية عجيبة وغريبة

بقدر ما كانت هذه الشخصية الفريدة عجيبة في حياتها وفي سلوكها بقدر ما سمح الله أن يؤكد صحتها. فكما يقول المتنيح الشماس يوسف حبيب وأخوه مليكة في مقدمة كتابهما:

[كان هذا القديس في حياته وفي سلوكه موضع إعجاب ليس كل سكان الإمبراطورية الرومانية فحسب، بل للبرابرة وغير المؤمنين أيضا. فكان موضع احترام جزيل عند الفرس والميديين والأثيوبيين، وكان الأباطرة الرومان يسعون في طلب صلواته، ويستشيرونه في الأمور الهامة.

وقد كتب سيرته تلميذه الذي ظل معه حتى نهاية حياته (ثيؤدورت)... كتب أيضًا كل ما رآه بنفسه إذ كان معاصرًا للقديس، واستشهد علي صحة روايته بأشخاص كثيرين من جميع الفئات، قال:

"إن الموجودين تحت حكم الإمبراطورية الرومانية يعرفون سمعان الشهير الذي يمكن تسميته بحق أعجوبة العالم.

ولكنني بالرغم من كثرة الشهود أخشى الكتابة عن جهاد هذا القديس لئلا يبدو مستغربًا في نظر الآتين بعدنا أنهم لا يصدقون.

لأن الإنسان يقيس كل شيء حسب مجريات الأمور الطبيعية، ويحسب كل ما يتعدى الطبيعة خطأ.

أما الذين يعرفون عظمة نعمة الله العجيبة فلا يرفضون تصديق ما أكتب ".]

نشأته

وُلد هذا القديس سنة 390م بقرية الصيص Sisan بالقرب من مدينة نيفربوليس علي حدود سوريا الشمالية من أب اسمه يوحنا وأم اسمها مرثا. وقد حدثت بسببه أمور كثيرة عجيبة، منها أنه قَبل الحبل به جاء القديس يوحنا الصابغ إلى والدته في حلم وبشرها بمولده وأطلعها على ما سيكون منه، وكان والده راعي غنم.

كان له اخوة كثيرون ماتوا جميعًا ماعدا أخ واحد يكبره يدعي سمسنSemson.

في أحد الأيام لم يستطع سمعان أن يخرج ليرعي أغنام والده إلي المراعي بسبب كثرة الثلج، فمضي إلي الكنيسة ليحضر القداس الإلهي.

كثيرا ما كان يحرم نفسه من الأطعمة ليقدمها لاخوته المحتاجين كما كان يجهد نفسه في الصلاة، فيذهب إلى الكنيسة باكرًا ليبقي بها لمدة طويلة، حتى أنه أحيانًا كان يقضي الليالي بأكملها راكعًا أو ساجدًا ليصلي.

مات والده ثم عمته أيضا فورث مع أخيه كل ثروتهما. فأعطي الأراضي لأخيه ووزع بقية الميراث علي الفقراء والأديرة، فيما عدا بعض القطعان قدمها للدير فيما بعد الذي ترهب فيه.

إذ كان عمره ثلاث عشرة سنة سمع العبارة الإنجيلية "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون"، فسأل شيخًا عن معناها. فشرح له الشيخ سعادة الزهد عن مباهج العلم من أجل التمتع بفرح المسيح، كما حدثه عن شركة الآلام مع المصلوب من أجل التمتع بالسماء.

رهبنته

إذ سمع عن الانطلاق نحو البرية من أجل الله للحال ترك كل شيء وذهب إلي البرية وصام أسبوعًا كاملاً وهو يصلي بدموع. ثم انطلق إلي الأب هليودوروس Heliodore رئيس دير في تلك النواحي يُدعى يوزيبونا، مكث تحت تدبيره عشر سنوات. وكان ابن عمه راهبًا في نفس الدير لم يخرج منه مند خمس وثلاثين سنة منذ أن دخله، فأراد أن يحذو حذوه. كان يقدم حصته في الطعام إلي الفقراء ويقضي حوالي ستة أيام كل أسبوع صائمًا.

كانت نعمة الله الغنية واضحة في حياته حتى قدمه رئيس الدير للأسقف بعد ثلاثة أيام. ناقشه الأسقف وأعجب به فسامه راهبًا، قيل أنه رأي ملاكًا أثناء الصلاة عليه يقف بجوار القديس سمعان أخبره بأنه سيكون إناءً مختارًا يضع فيه الله عطاياه الغنية.

استرداد بصره بعد فقده

إذ كان في أحد الأيام يصلي ظهر له الشيطان في سحابة قاتمة مفزعة وضربه علي عينيه فأفقده بصره. حزن رئيس الدير عليه جدًا وأراد أن يُحضر له طبيب لمعالجته، أما القديس سمعان فاستأذن رئيس الدير وذهب إلى القبور وصار يصلي لمدة أربعين يوما. وإذ بنورٍ يشرق حوله ويسترد القديس بصره، ويعود إلى الدير ليمارس عبادته.

طرده من الدير

إذ ازداد في التقشف كان يربط جسمه بحبل حتى كان يجرحه. وكان يرفض العلاج، فطلب الرهبان طرده من الدير حتى لا يتشكك الضعفاء. خرج من الدير ودخل برية قريبة من هناك وسكن في بئر جافة. وكان يقضي أغلب نهاره مرتلاً ومسبحًا الله.

رأي رئيس الدير أناسًا لابسين ثيابًا بيضاء يطلبون منه بعودة سمعان المطرود من الدير مهانًا. أرسل الرئيس بعض الاخوة يبحثون عنه وبالكاد قبِل أن يرجع معهم، وكان قد قضي خمسة أيام هناك.

أقام في الدير ثلاث سنوات، وكان يسلك بتقشف شديد، وإذ أكرمه الرهبان تألم جدًا وطلب من الرئيس أن يترك الدير. وبالفعل انطلق إلي مكان خراب حيث عاش هناك ثلاث سنوات.

صمم أن يصوم كل سنة أربعين يومًا بدون طعام ولا شراب. وحين كتب ثيؤدورت سيرته كان سمعان في صومه الأربعيني هذا للمرة الثمانية وعشرين.

كان سمعان يستخف بكل الأمور كلما تطلع إلي السيد المسيح مصلوبًا.

كان يصعد إلي قمة الجبل ويبقي علي الصخرة وعيناه تشخصان نحو السماء علي الدوام وقلبه يتنهد عشقًا للسيد المسيح.

وضع قيودّا من حديد في قدميه حتى لا يتحرك كثيرًا. ولما زاره ملاتيوس أسقف إنطاكية سأله عن السب فأجاب أنه يريد أن يقيد نفسه. قال له الأسقف: "إن هذه القيود تخص الحيوانات لا الإنسان، وأن ما يربطنا ليس رباطات حديدية بل قيود الحب للمسيح". فسمع كلام الأسقف وطلب من الحداد أن يقطع قيوده.

صانع العجائب

صنع آيات كثيرة وعجائب عظيمة، فجاءته جماهير من بلاد فارس وأثيوبيا وفرنسا وأسبانيا وإنجلترا وإيطاليا تطلب مشورته ونصائحه وشفاء أمراضهم، واستشاره ملوك وأساقفة من أوربا، وكان يجيب علي أسئلتهم حسبما يرشده روح الرب.

وكان كثيرون يضعون صورته في بيوتهم للبركة.

وإذ كانت الجماهير تقبل يديه وثيابه ملتمسين بركته أراد التخلص من ذلك، فصعد علي عمود علوّه ستة أذرع ثم زاده ستة أخري، ثم زاده ثمانية أذرع وهكذا حتى صار طول العمود ثلاثين ذراعًا. وكانت دائرة قمته حوالي ستة أشبار وحولها مسند، وقد شاهد المعلم ثيؤدورت ذلك عيانًا.

وقد جذب بذلك كثير من المؤمنين إلي التوبة، بل وكان له أثره العجيب علي حياة الوثنيين، فقبلوا الإيمان بمخلص العالم. كان سرّ تعزية الكثيرين.

يقول واضع سيرته الشاهد العيان بأن عدد الجماهير كان مدهشًا للغاية. كان الكل ينصت إلي عظاته، وقد تاب كثيرون جدًا، وردّ كثيرين عن الوثنية إلي الإيمان بالسيد المسيح.

توبة لص

كان انتيوخوس أجوناتوس رئيس عصابة يعتمد علي قوته البدنية، فكان الجند يخافونه. ازدادت جرائمه جدًا، فتعقبه مجموعة من الجند مسلحين. وإذ وجدوه في ملهي أشهر سيفه فارتعبوا. أما هو فهرب وذهب إلي القديس سمعان يقدم توبة بدموع.

جاء الجند للقبض عليه ودهشوا لما حدث وسألوا القديس كيف يحمي إنسانًا مجرمًا كهذا. أما هو فأجابهم بأنه لم يحضره ليحميه، لكنه هو جاء لكي يرحمه الله، مقدمًا له التوبة.

انسحب الجنود، وطلب منه القديس ألا يعود إلي جرائمه. أما اللص فصار يصرخ طالبًا مراحم ربنا يسوع، ثم رفع يديه نحو السماء وقال: "يا ربي يسوع المسيح ابن الله اقبل روحي". وإذ صار يبكي لمدة ساعتين تأثر القديس جدًا، وتسللت الدموع من عينيه، وأيضا الذين كانوا حاضرين. أمال اللص رأسه علي العمود وأسلم الروح!

رجل صلاة

أراد تلميذه ثيؤدورت أن يحصي عدد المطانيات التي يصنعها سمعان العمودي أثناء صلواته. ففي أحد الأيام بدأ العدْ حتى بلغ 1240 مطانية فتوقف عن العد.

قيل أن شريفًا ما زاره يومًا ما، إذ تأمله صرخ قائلاً: ناشدتك بالذي تجسد من أجلنا أن تخبرني هل أنت إنسان حقًا أم خليقة أخرى تترآى كإنسان؟ فطلب القديس أن يحضروا سلمًا وأن يصعد الشريف عليه حتى بلغ إليه وأذن له أن يلمس رجليه المجروحتين حتى يتأكد من شخصه.

أبوة فائقة

مع حزمه وقسوته مع نفسه كان رقيقًا وبشوشًا مع الجميع يحمل حبًا نحو الجميع.

كان يعظ مرتين كل يوم فكان يرفع القلوب إلي السماء بعظاته. وكان يعطي الفرصة للأسئلة ليجب عليها كما كان يصالح المتخاصمين.

مع محبته كان لا يجامل إنسانًا علي حساب خلاص نفسه، فكان ينصح الملوك والعظماء كما يهتم بالقيادات الكنسية.

رسالة سماوية

إذ كان نائمًا شعر بمن يربت عليه ويدعوه باسمه، فاستيقظ للحال، ولما فتح عينيه رأي شخصًا ذا جمال سماوي متسربلاً بحلة بهية نورانية، ممسكًا بيده صولجانًا من ذهب. فتعجب وخاف وسقط علي الأرض. فطمأنه الملاك وقال له:

"لا تخف، بل اتبعني وأصغِ لقولي.

إن الرب يريد أن يستخدمك لمجد اسمه ولبنيان كنيسته، ورد الكثيرين من الضلال والخطية...

واعلم أيضًا أنه يلزمك أن تتألم كثيرًا، وأن تعد قلبك في صبرٍ زائدٍٍ ومحبةٍ كاملةٍ لكل الناس مهما كانت صفاتهم. وفوق كل شيء عليك أن تطرد عنك كل فكر الكبرياء والمجد الباطل، وتضع نفسك في منزلة أقل من منزلة أي إنسان في العالم ".

انطلق به الملاك فوق الجبل وأمره أن يقيم مذبحًا بأربعة حجارة، ثم اقتاده نحو كنيسة حيث رأي جمعًا من كل الأجناس يرتدون ملابس سماوية وقد انطبع علي وجوههم سمة التواضع والتقوى. وأخبره الملاك أن هؤلاء هم الذين يرجعون إلي الله بسبب قدوتهم به وخلال عظاته.

دخل به الملاك إلى الكنيسة، فتقدم إلي أمام الهيكل ليصلي وإذا به يري شخصا أكثر بهاءً من الشمس. بعد أن حياه قال له السيد المسيح: "تشجع ولا تضعف أبدًا".

سند سماوي

في رؤيا أخري ظهر له إيليا النبي علي مركبة نارية وأمره ألا يرهب عظماء العالم، لأن الله حافظه، فلن يستطيع أحد أن يؤذيه.

تواضعه

يشك بعض المتوحدين لمنهجه الغريب باعتزاله علي عمود ووعظه المستمر للشعب مع صلواته الطويلة. فذهب اثنان منهم وقالا له جئنا إليك من قبل رؤساء المتوحدين المكرمين وهم يقولون لك أنهم متعجبون أنك حِدْت عن طريق الفضيلة، واتبعت منهجًا غريبًا غير منهج القديسين. لهذا نأمرك أن تنزل حالاً عن عمودك. في الحال طلب سمعان سلمًا لينزل بروح التواضع. أما هما فقالا له: "لقد تحققنا من طاعتك وأن الله معك، وروحه يهديك في هذا الطريق الفريد، فاستمر حيث أنت ولا تنزل، لأنه هكذا أوصانا الذين أرسلونا إليك".

ترفقه براغبي قتله

تسلل ثلاثة لصوص مسلحين ليلاً داخل السور الذي بناه القديس لنفسه فوق الجبل لقتله إذ ظنوا أن لديه أموالاً كثيرة بسبب كثرة زائريه. وإذ صوبوا السهام ضده ارتدت عليهم فسقطوا فاقدي الحركة والنطق. وفي غروب اليوم التالي عبر بهم القديس وسألهم عن أشخاصهم فاعترفوا بقصدهم الشرير وما حلّ بهم. أما هو فصلي من أجلهم ونالوا الشفاء وأطلقهم بعد أن حذرهم: "احذروا أن تؤذوا إنسانًا ما وإلا يصيبكم أشر مما حلّ بكم".

صاحب سلطان

كان القديس يشعر بأنه صاحب سلطان بالمسيح يسوع مخلصه. ففي إحدى المرات وهو يصلي أظهر له الشيطان حية مفزعة التفت حول رجليه، أما هو فلم برتبك بل أكمل صلواته وهو مملوء سلامًا، فانشقت الحية نصفين وماتت.

مرة أخري ظهر له الشيطان في شكل تنين ضخم أراد أن يفترسه، فرفع عينيه نحو السماء فم قال للتنين: "ليضربك الله" واختفي التنين.

تقديس يوم الرب

كان القديس سمعان مهتمًا بتقديس يوم الرب. وفي أحد الأيام جاءت جماهير تشكو له بأن نبع ماء قد جف مما عرَّض حقولهم للجفاف، وإذ لم يتجاسروا أن يعترفوا له بالسبب قال لهم:

"إني أدرك أن في الأمر ذنبًا تريدون إخفاءه عني.

تكلموا بصراحة ولا تقدموا أعذارًا واهية. اعترفوا بأن مزارعًا صار يسقي الزرع يوم الأحد فجف الينبوع ".

عندئذ أنّبهم علي ذلك وحذرهم من تكراره وأمرهم أن يضعوا صليبًا علي ثلاثة حجارة ويلقوها في عين الماء ثم يلقوا ترابًا علي شكل صليب علي العين، ويصلون طول الليل. وفي الغد رأوا عمل الله العجيب إذ غمرت المياه حقولهم من العين.

نياحته

عاش قرابة سبعين عامًا وسمح الله للقديس سمعان أن يتألم كثيرًا وان تسوء صحته البدنية ويشعر بحنوّ ساعته. أما نياحة القديس سمعان العمودي فكانت في سنة 459م.

إذ شعر بقرب انتقاله ازدادت صلواته وركع، وكان تلميذه يتطلع إليه وبقي راكعًا ثلاثة أيام وهو منتقل، ولم يدرِ تلميذه بانتقاله.

سمع بطريرك إنطاكية بانتقاله فحضر ومعه ستة أساقفة وبعض قادة الجيش وستة آلاف جنديًا باحتفال عظيم. وقد تمّت معجزات كثيرة أثناء الموكب.

ملاحظة

يوجد ثلاثة أشخاص باسم "سمعان العمودي". الأول المذكور هنا ويدعي سمعان العمودي الكبير. والثاني سمعان العمودي الصغير في أواخر الجيل الخامس، ذكره الأب يوحنا الدمشقي في عظته الثالثة علي الأيقونات. أما الثالث فعاش في بلاد كيليكيا مات بصاعقة انقضت عليه. وقد ذكره صفرونيوس في الفصل السابع والخمسين من كتاب "المروج الروحية".

الأب بطرس فرماج اليسوعي: مروج الأخبار في تراجم الأبرار، 1877، 5 كانون الثاني.

من كلماته

وضع هذا الأب مصنفات وأقوال وعظية ونسكية نافعة وشرح من الكتب الكنسية فصولاً كثيرة.

من يتكلم فلينطق بكلام الرب بتواضع قلب، بأعماله قبل كلماته.

السنكسار، 29 بشنس و3 مسرى.

سمعان القانوي الرسول

هو المدعو نثنائيل، وقد ولد بقانا الجليل، وكان خبيرًا بالناموس وكتب الأنبياء. كان ذا غيرة حارة ولذا لُُقّب بالغيور، كما كان بارًا تقيًا لا يحابي أحدًا، لهذا لما قال له فيلبس الرسول: "قد وجدنا المسيح الذي كتب عنه موسى وذكرته الأنبياء، وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة"، لم يُحابِه ِبل قال له: "أمِن الناصرة يخرج شيء صالح؟" فقال له فيلبس: "تعالَ وانظر". وقد قال عنه الرب: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه"، ولكنه لم ينصع للسيد المسيح بل طلب الدليل على مدحه بقوله للمخلص: "من أين تعرفني؟" فقال له: "قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك"، فتحقق حينئذ أنه عالم بالخفيات ".

قيل أنه قتل إنسانًا في صباه على أثر مشاجرة ودفنه تحت شجرة التين ولم يعلم به أحد. وقيل أنه في وقت قتل الأطفال خبأته أمه في زنبيل في شجرة تين كانت في بيتها واستمرت ترضعه ليلاً وتعلّقه نهارًا إلى أن هدأ الاضطهاد، ولم تُعلِمه أمه بهذا الأمر حتى كبر وصار رجلاً، ولا هو أعلم أيضًا أحدًا بذلك. فلما أنبأه المخلص بذلك تحقق أنه الإله عالم الغيب، فخضع للرب وتبعه وصار من جملة تلاميذه الإثني عشر.

ذكره كل من متى ومرقس باسم القانوي (مت 10: 4؛ مر 3: 18)، وذكره لوقا في إنجيله وسفر أعمال الرسل باسم الغيور (لو 6: 15؛ أع 1: 13). يخلط البعض بينه وبين سمعان أحد المدعوين اخوة الرب، وأخي يعقوب البار ويهوذا الرسول، الذي صار أسقفًا لأورشليم في سنة 106م خلفًا ليعقوب البار، لكن هذا خطأ لأن سمعان الذي نحن بصدده هو أحد الرسل الإثني عشر.

بعد قبول نعمة الروح المعزي تكلم باللغات وبشر بالسيد المسيح. ونكاد لا نعرف شيئًا محققًا عن جهود هذا الرسول الكرازية والأماكن التي بشر فيها. قيل أنه بشر في سوريا وبلاد ما بين النهرين وبلاد فارس، وختم حياته بالاستشهاد مصلوبًا على خشبة ونال إكليل الشهادة.

السنكسار، 15 بشنس.

الكنيسة في عصر الرسل، صفحة 325.

سمعان المنوفي الشهيد

تُعيد الكنيسة في الرابع عشر من شهر كيهك لتذكار استشهاد القديس سمعان الذي من منوف العليا في أيام العرب.

السنكسار، 14 كيهك.

سمعان بارسابا الأسقف ورفقاؤه الشهداء

القبض عليه

كان القديس سمعان أسقف Seleucia and Ctesiphon ببلاد فارس، وكان يلقب بارسابا. أمر الملك سابور الثاني Sapor II بالقبض عليه، فكبّله الجنود بالأغلال وأحضروه أمام ولاة أشرار ليحاكموه. ولأنه رفض عبادة الشمس وكان يشهد للسيد المسيح بصوتٍ عالٍ وبثباتٍ وُضِع أولاً في السجن لمدة طويلة مع مائة آخرين كان من بينهم أساقفة وكهنة وشمامسة بدرجات مختلفة.

مساندته مستشار الملك

كان من بين المقبوض عليهم مستشار الملك واسمه يسثازانس Usthazanes، هذا كان قد ضعف وأنكر الإيمان، ولكنه تاب وندم بفضل الأسقف سمعان، فقُبِض عليه وأخيرًا حكم عليه بالموت فتقدم إلى الاستشهاد بكل ثبات.

استشهاده

وفي اليوم التالي لاستشهاده، وكان ذكرى آلام السيد المسيح، حُكِم على الآخرين كلهم بالموت وقطعت رؤوسهم جميعًا أمام القديس سمعان الذي كان بكل غيرةٍ يثبت كل واحدٍ منهم حتى ينال إكليله، وأخيرًا قُطعت رأسه هو أيضًا، وكان استشهادهم في سنة 341م.

كان ممن تعذبوا واستشهدوا أيضًا في ذلك الوقت الكاهنان عبدخالاس Abdechalas وحنانيا Ananias وبوسيشيوس Pusicius الذي كان ناظر عمال الملك، هذا قُتِل بصورة وحشية إذ كان يشجع حنانيا على الثبات وعدم التردد أمام الاضطهاد، فاُنتزع لسانه وقُطِعت رأسه ومن بعده ذُبِحت أيضًا ابنته العذراء.

Butler, April 21.

سمعان كلوبا الرسول

القديس سمعان الرسول هو ابن كلوبا شقيق يوسف البار خطيب مريم العذراء. نال هذا القديس نعمة المعزي في علية صهيون، ورُسم أسقفًا على أورشليم بعد القديس يعقوب الرسول، فجذب كثيرين من اليهود إلى الإيمان بالسيد المسيح، وصنع الله على يديه آيات كثيرة.

كان يحث الشعب على العفة والطهارة، وسمع به الإمبراطور تراجان فاستحضره وعذبه كثيرًا ثم قطع رأسه، فنال إكليل الشهادة، وكان له من العمر مائة وعشرين سنة.

السنكسار، 9 أبيب.

سمعان ويوحنا الشهيدان

كان القديسان يوحنا وسمعان ابن عمه من شبرا ملس. وقد وردت سيرتهما في حرف: "ي" تحت "يوحنا وسمعان الشهيدان".

السنكسار، 11 أبيب.

سنا الجندي الشهيد

هو رفيق القديس إيسيذورس الذي تعيد له الكنيسة في اليوم الثامن عشر من شهر برمهات. وذلك أنه بعدما عُذب الاثنان واستشهد إيسيذورس، بقى سنا في السجن إلى أن عُزل والي الفرما وتولى غيره، وقد أخذ وصية أن لا يُبقي أحدًا ممن يعترف باسم المسيح.

ولما سمع بوجود القديس سنا في السجن، وأنه من أكابر الجنود وأنه قد عُذب كثيرًا ولم ينثنِ عن رأيه أمر في الحال بقطع رأسه ونال إكليل الشهادة. وكانت أمه بجواره عند استشهاده، فرأت نفسه صاعدة إلى السماء كما رأت نفس إيسيذورس وقت استشهاده سابقًا.

السنكسار، 24 برمودة.

سِنِّن وعبدون الشهيدان

كانا مسيحيين من بلاد فارس، اعترفا بشجاعة بإيمانهما المسيحي في زمن الإمبراطور ديسيوس، وكانا يجولان يشجعان المؤمنين ويثبتانهم ويدفنان أجساد الشهداء.

قُبِض عليهما وأُحضرا إلى روما كأسيرين. لما رفضا تقديم القرابين للأوثان واستخفا بهذه الآلهة أُلقيا للوحوش التي رفضت أن تقترب منهما. أخيرًا أدخلوهما إلى مسرح حيث أخذ الجنود يضربونهم بسيوفهم، وكان كلما تمزق جسداهما تزداد روحاهما جمالاً بالنعمة، وتتمجدان برؤية السماء.

بعد أن استشهدا أخذ مسيحيو روما جسديهما، ودفنوهما في المساء في منزل شماس يدعى كويرينوس Quirinus. وفي زمن الإمبراطور دقلديانوس نُقِلت رفاتهما ودفنا قرب نهر التيبر Tiber، وذلك بناء على رؤيا كَشَفا فيها عن موضع جسديهما.

Butler, July 30.

سوتيريس العذراء الشهيدة

يتحدث القديس أمبروسيوس عن هذه القديسة على أنها أعظم فخر لأسرتها. كانت هذه القديسة تنحدر من أصل شريف كلهم مستشارون وحكام، ولكنها فضلت أن تترك مركزها وغناها وجمالها وكل مقتنيات العالم القيمة من أجل السيد المسيح. وهبت شبابها للَّه الذي أحبته وهجرت كل مباهج العالم وابتعدت عن كل خطر يمكن أن تتعرض له بسبب جمالها.

اعترفت بإيمانها وأُحضِرت أمام القضاة والحكام، وذلك بعد المراسيم والقوانين التي أصدرها دقلديانوس وماكسيميانوس ضد المسيحيين.

أثناء المحاكمة حين أمر القاضي بضربها على وجهها كانت سعيدة جدًا لأنها تشبهت بمخلصها، وبالرغم من العذابات الكثيرة والمتنوعة التي أمر بها القاضي إلا أنها لم تتفوه بكلمة أنين أو تبكي بدمعة واحدة. ومع مرور الوقت وأمام ثباتها وصبرها أمر بقطع رأسها، وكان ذلك في سنة 304م.

من غير الواضح إن كانت كل أحداث تعذيبها قد حدثت في نفس الوقت أو أنه قُبِض على الشهيدة وتعذبت وهي مازالت فتاة صغيرة في زمن اضطهاد ديسيوس، ثم استشهدت بعدها بخمسين سنة أثناء اضطهاد دقلديانوس.

Butler, February 10.

سورس وانطوكيون ومشهوري الشهداء

هم فلاحون من إسنا، التقى بهم أريانوس الوالي في زيارته الرابعة للمدينة. بعد المذبحة التي أجراها في إسنا، والتي استشهد فيها كل المدينة كما سنرى عند الحديث عن "شهداء إسنا". كانوا يسيرون على جسر المدينة ويحملون فؤوسهم، فصاحوا بصوت عظيم: "نحن مسيحيون مؤمنون بالسيد المسيح".

قال الجند للوالي: "أما تسمع هؤلاء الرجال الفلاحين الذين يصيحون؟" فقال الوالي: "قد أرجعنا سيوفنا إلى أغمادها إذ تلمت من كثرة القتل. وإذ عرف الفلاحون المؤمنون بذلك وكانوا يحملون فؤوسهم على أعناقهم، قالوا للوالي:" اقتلنا بفؤوسنا! "فأمر الوالي جنده أن يقتلوهم بفؤوسهم، فمدوا أعناقهم على حجر كبير كان في ذلك الموضع، وقطع الجند رؤوسهم بالفؤوس. وكان ذلك في الحادي عشر من شهر توت.

بنيت لهم مقبرة بعد انتهاء الاضطهادات. ومع مرور القرون زالت آثار المقبرة، إلى أن رأى أحد سكان إسنا في أواخر القرن التاسع عشر، وهو المرحوم ميخائيل الرشيدي، رؤيا في إحدى الليالي تطلب إليه أن يذهب إلى بحري البلد ويحفر في مكان معين محدد بالجير فسيجد رفات هؤلاء القديسين الثلاثة، وأن يقوم ببناء مقبرة لهم.

ذهب ميخائيل إلى الحاكم يستأذنه في بناء المقبرة فرفض في بداية الأمر لكنه عاد فصرح له بذلك بعد أن شاهد رؤيا تطلب إليه أن يأمر بالتصريح بالبناء.

وبالفعل بُنيت المقبرة وبجوارها حقل من النخيل، وإن كانت المباني في السنوات الأخيرة قد زحفت على حقل النخيل ولم يبقَ سوى قلة من النخيل.

ولا تزال هذه المقبرة قائمة تهتم بها عائلة "الرشايدة" بإسنا. كثيرًا ما تخرج منها رائحة بخور عطرة، خاصة في عشية الأحد.

سوريانوس الأسقف القديس

نشأته

كان اسم والده بلاريانوس، وتعلم الحكمة العالمية التي للأثينيين، ثم مضى إلى قيصرية وتعلم هناك ثم عاد إلى روما وتثقّف بعلوم الكنيسة وحفظ العتيقة والحديثة في سنينٍ قليلةٍ. وبعد هذا تنيح والداه وتركا له مالاً جزيلاً، فأراد أن يعطيه للسيد المسيح لكي ينال العوض عنه مائة ضعف، فبنى فندقًا لضيافة الغرباء والمساكين والمنقطعين وأقام فيه وكلاء لتوزيع ما يجمع على المساكين، حتى أنهم أطلقوا اسمه على تلك المواضع بعد رحيله من العالم بزمانٍ طويلٍ.

مع الملك أنوريوس

إذ كان عمه والي المدينة أبلغ أمره إلى الملك أنوريوس، بأنه قد بدد ماله على اسم السيد المسيح ليأخذ منه عوضه مائة ضعف، كما وعد في إنجيله، فأعجب به الملك ودعاه إليه وأمره ألا يفارق القصر، وكان يأخذه معه إلى الكنيسة. وكان الجالس على كرسي روما في ذلك الزمن هو الأسقف إينوكنديوس، فهذا أوحِي إليه من قِبَل الله بأن سوريانوس سيؤتمَن على جماعة كثيرة، فصار يكرمه ويبجله ويشتهي ألا يفارقه، وصار محبوبًا من الجميع.

في مدينة جبلة باليونان

لما رأى القديس إكرام الناس له خشي أن يضيع تعبه، وعزم على الهروب من مجد العالم سرًا، فظهر له ملاك الرب وأمره أن يمضي إلى مدينة جبلة باليونان وهناك يكون مدبرًا لنفوس كثيرة. فخرج ليلاً ومعه تادرس تلميذه بعد أن ألبسه إسكيم الرهبنة، وأرسل الرب إليه نورًا يهديه إلى تلك الجهة، وكان بها دير يرأسه رجل قديس، فعلم برؤيا عن قدوم القديس سوريانوس فخرج واستقبله وأعلمه بما قد رآه.

وبلغ صيته إلى تلك الجهة فتقاطرت إليه جموع كثيرة لا تحصى، وأرسل ثيؤدوسيوس الملك من قِبَلِه من جدد له أحد الأديرة ليقيم به كما حدد له الملاك، وصار معزيًا لنفوس كثيرة مداومًا على تعليم الرهبان وإرشادهم حتى صاروا قديسين كالملائكة.

أجرى الرب على يديه آيات كثيرة، منها أن ابنة والي جبلة كان بها روح نجس وكان يقول لأبيها: "إن أنت أخرجت سوريانوس من هذا المكان خرجت أنا من ابنتك". ولما أعلم أبوها القديس بهذا كتب له رقعة يقول فيها: "باسم يسوع المسيح تخرج منها"، فلما عاد إلى ابنته بالورقة صرخ الشيطان وخرج منها.

واتفق مرة قوم من السحرة مع بعض الجند أن يقتحموا ديره، فضُرِبوا بالعمى ولبثوا كذلك ثلاثة أيام حتى صلى القديس عنهم فشُفوا.

أسقف جبلة

كان أسقف المدينة ويسمى فيلادلفس قد علم برؤيا من قِبَل الله أن القديس سوريانوس سيجلس على كرسيه من بعده فأعلم شعبه بذلك، فلما رُسِم سوريانوس اجتهد في رعاية شعبه أفضل رعاية. وكان في تلك المدينة يهودي اسمه سكطار يفتخر بعلمه، هذا جاء إلى القديس وجادله وانتهى به الحال إلى الاقتناع بصحة الديانة المسيحية والإيمان بالسيد المسيح، كما آمن غيره من السحرة. وفي أيامه زهت مصر برهبانها كما زهت القسطنطينية بالقديس يوحنا ذهبي الفم.

أعلن الفُرس الحرب على أنوريوس وأرغاديوس فأرسلا إلى القديس يطلبان منه الصلاة عن المملكة، فأرسل إليهما يقول: "إن كنا للمسيح ومملكتنا من المسيح فلا نحتاج إلى سلاح ولا حراب ولا رجال"، وذكر لهما ما صنعه الرب مع من أرضاه من الملوك السالفين.

لما غضبت الملكة أفدوكسيا على القديس يوحنا ذهبي الفم وأحضرت هذا القديس ضمن من جمعتهم للمحاكمة بكَّتها قائلاً: "إن ذهبي الفم لم يعمل شيئًا يوجب نفيه"، ولكنها لم تسمع له.

وقد كتب مقالات كثيرة ومواعظ وميامر وهي مدونة في كتب الكنيسة إلى الآن. وشاخ وبلغ من العمر مائة سنة.

وقبل خروجه من الجسد بعشرة أيام ظهر له ملاك الرب وأعلمه بيوم انتقاله من هذا العالم، فأوصى شعبه وتنيح بسلام. وكفنوا جسده الطاهر كما يليق وأودعوه القبر، وكانت نياحته قبل نياحة يوحنا ذهبي الفم بسنتين.

السنكسار، 7 توت.

سوزومين المؤرخ

سالامينوس هرمياس سوزومين Hermias Sozomen Salaminus هو واضع الكتاب الشهير: "تاريخ الكنيسة".

نشأته

ولد سوزومين حوالي سنة 400م في بلدة صغيرة تسمى بيثيليا Bethelia قرب غزة في فلسطين، وكان جده من أوائل أهل البلدة الذين اعتنقوا المسيحية. كان أحد سكان البلدة واسمه ألافيون Alaphion قد سكنه روح شرير، وسعى للشفاء لدى أطباء وسحرة وثنيين ويهود ولكن دون فائدة. أخيرًا ذهب لراهب مسيحي يدعى هيلاريون Hilarion والذي بمجرد أن نادى باسم السيد المسيح خرج منه الروح النجس، فتحوَّلت أسرة ألافيون من بينهم جدّ سوزومين في الحال إلى المسيحية.

هكذا ولد سوزومين في أسرة مسيحية وفي جوٍ مسيحيٍ ونشأ متأثرًا بتوجيهات مسيحية.

روى لنا أن جده كان موهوبًا وقد كرَّس هذه المواهب الطبيعية لدراسة الكتاب المقدس. فأحبه المسيحيون سكان تلك المناطق إذ كان يشرح لهم كلمة الله ويفسر لهم غوامضها.

محبته للرهبان

حمل سوزومين روح جده التقوي مع تقديره واحترامه للحياة الرهبانية في ذلك الوقت، إذ صار الراهب هيلاريون مرشدًا روحيًا للأسرة.

إذ تكلم عن الرهبان الذين عرفهم في شبابه يذكر أن فضائلهم كانت أكبر من أن يُعبر عنها. أراد أن ينشر سير الرهبان إذ يقول: "أريد أن أترك للآتين بعدنا سِجِلاً لأسلوب حياتهم حتى يستفيد الآخرون من نموذجه ومثاله، وبه يحصلون على نهاية مباركة وسعيدة" (1: 1).

ثقافته

كانت بداية تعليم سوزومين في بلدته نفسها أو في مدينة غزة، إذ يتحدث عن بعض ذكريات شبابه في تلك المدينة (7: 28). ذهب إلى مدينة بريتس Berytus في فينيقية Phoenicia لكي يتعلم القانون المدني في مدرستها الشهيرة. وبعد انتهائه من الدراسة ذهب إلى القسطنطينية لكي يبدأ دراسته المهنية (2: 3). في تلك الفترة تكونت لديه فكرة كتابة تاريخ الكنيسة (2: 3)، منقادًا برؤيته وتصوره يوسابيوس كنموذجٍ ومثالٍ. وقد بدأ ببعض الدراسات التمهيدية إلى أن ظهر عمله الكبير في تسع كتب ممتدًا في الفترة من 323 إلى 439م، وقد أهدى عمله هذا للإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير.

تاريخ سوزومين

1. لتاريخ سوزومين أهمية خاصة، إذ يذكر العديد من التفاصيل الخاصة بأحداث وشخصيات الزمان الذي أرَّخ له، وبالتحديد أحداث تتعلق بمجمع نيقية، واضطهاد المسيحيين، وانتشار الإنجيل، وتحوّل قسطنطين إلى المسيحية، وتاريخ يوليانوس، وشخصية أثناسيوس الرسولي، بالإضافة إلى العديد من شخصيات أساقفة وشهداء ذلك العصر وقدم لنا مستندات تاريخية هامة.

2. كشف عن محبته للحياة النسكية بكونها الفلسفة الحقيقية، وإن كان ليس هناك من دليل أنه كان راهبًا. لقد أنكر قدرته على اتباع هذه الحياة الملائكية.

3. كان الجانب الأعظم لدراسته باللغة اليونانية، وقد برع فيها كما يشهد فوتيوس المؤرخ. كما كانت له معرفة باللغة السريانية كما يظهر من حديثه مع الرهبان السريان (4: 34) واستخدامه الوثائق التي كتبها مسيحيّو سوريا وفارس خاصة الرُها. وغالبًا ما كان يجيد اللاتينية كمحامٍ يرجع إلى القوانين والأحكام المكتوبة باللاتينية.

4. كان ذا ثقافة عالية ودراية بالفلسفات غير المسيحية (1: 6، 2: 3، 3: 15، 4: 17، 5: 18).

5. مع اعترافه بقانون الإيمان النيقوي شهد أنه غير ملمٍّ باللاهوتيات العميقة، كتلك التي وردت في رسالة القديس غريغوريوس النزيانزي إلى نكتاريوس Nectarius (6: 27).

6. دافع عن القديس يوحنا الذهبي الفم ضد الاتهامات التي وُجّهت إليه.

7. أراد تأكيد العناية الإلهية التي تقود الكنيسة وترشدها (2: 17؛ 6: 35).

8. يوقر عقيدة الكنيسة الجامعة ويتحدث عن الأسفار الإلهية باحترام، ويري أن الرمزية هي منهج التفسير.

9. يحمل تاريخه دلائل على تكريم أجساد القديسين، أما الكنوز المقدسة فهي صليب السيد المسيح والمسامير التي دقت في يديه إذ تتم عن طريقها عجائب.

10. كان معاصرًا لسقراط، ونجد صفحات كاملة تكاد تكون متطابقة. يعتقد بعض الدارسين أن سوزومين اقتبس الكثير من سقراط، وربما اقتبس من مصادر اقتبس منها سقراط نفسه.

محتوياته

كتبه سوزومين ليكون تكملة لتاريخ يوسابيوس القيصري ولم يكن هذا هو عمله الأول بل جاء في الفصل الأول أنه وضع ملخصًا لتاريخ الكنيسة منذ صعود المسيح إلى عام 323م، لكن هذا العمل مفقود.

يتكون "التاريخ الكنسي" من تسعة كتب يسبقها إهداء إلي الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني.

ك 1، 2: تاريخ الكنيسة أثناء حكم قسطنطين.

ك 3، 4: أثناء حكم أبناء قسطنطين.

ك 5، 6: أثناء حكم يوليان وجوفيان وفالنتينيان وفالنس.

ك 7، 8: أثناء حكم جراتيان وفالنتينان حتى هونوريوس.

ك 9: أثناء حكم ثيؤدوسيوس.

واضح من قائمة المحتويات أن نهاية الكتاب التاسع والتي تغطي الأحداث من عام 425 إلى 439م فُقدت.

وقد نُشِرت نسخة من كتابه باللغة اليونانية في باريس سنة 1544م، وأخرى بترجمة لاتينية سنة 1612م في كولون Cologne. أما أفضل نسخة وهي لفاليسياس Valesius ظهرت في باريس سنة 1668م، أعقبها واحدة أخرى مع تعليقات لفاليسياس في كامبريدج Cambridge سنة 1720م. هذا بالإضافة لوجود العديد من الترجمات اللاتينية لكتابه، وتجدر الإشارة إلى ترجمة إنجليزية ظهرت سنة 1855م من John’s Ecclesiastical Library.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 722.

سوزون الشهيد

دعوة للاستشهاد

كان راعيًا للغنم في كيليكية Cilicia، وكان اسمه أصلاً تاراسيوس ولما تعمّد تسمّى سوزون.

في أحد الأيام بينما كان ينام تحت شجرة ظهر له السيد المسيح وطلب منه أن يترك أغنامه ويتبعه إلى الاستشهاد. استيقظ سوزون ومضى إلى أقرب مدينة وهي بُمبيوبوليس Pompeiopolis، فوجد احتفالاً وثنيًا، فدخل مباشرة إلى معبد الوثن، وبضربة من عصاه سقط الوثن إلى الأرض وكُسِرت ذراعه الذهبية، فأخذها وفتّتها إلى قطع صغيرة ووزعها على الفقراء.

قُبِض على كثير من الأبرياء بسبب هذا العمل، فما كان من سوزون إلا أن توجه بكل شجاعة إلى المحكمة معترفًا بأنه الفاعل الحقيقي. عرض عليه القاضي العفو إن هو قدم العبادة للوثن الذي أهان تمثاله، فسخر سوزون من هذه الفكرة قائلاً: "كيف أعبد إلهًا يتحطم بعصا راعي غنم؟"

حرقه حيًّا

بدأوا معه سلسلة من العذابات، فوضعوا مسامير في حذائه وأجبروه على المشي به. وحين مرّ أمام الوالي أشار إلى قدميه المملوءتين دمًا وقال له: "إن لي حذاء أحمر جميل لا تملك مثله!" تعجّب الوالي من شجاعته وأراد أن يطلق سراحه، فقال له: "اعزف لنا بمزمارك وأنا أدعك تذهب إلى حال سبيلك"، فرد عليه القديس قائلاً أنه كثيرًا ما كان يعزف لأغنامه وأما الآن فلن يعزف إلا للَّه فقط. اغتاظ منه الوالي وأمر بحرقه حيًا، فنال إكليل الشهادة. وحين حلَّ المساء أتى المؤمنون وأخذوا عظامه ودفنوها بإكرامٍ جزيلٍ.

Butler, September 7.

سوسن القديسة

نشأتها

وُلدت سنة 427م في أرزانين التي تقع في بلاد أوديسا في منطقة الرُها من عائلة نبيلة، وتسمَّت سوسن التي تعني زهرة الزنبق أو السوسن. ربّاها والداها تربية مسيحية حقيقية، فاعتادت من صغرها أن تبدأ يومها وتنهيه بالصلاة، وكانت تواظب على الذهاب إلى الكنيسة والتناول من الأسرار المقدسة باستمرار. كانت حياة سوسن المضيئة وأعمالها الرقيقة وتواضعها ومحبتها للفقراء والمساكين موضع إعجاب والديها اللذين تنبئا لها بمستقبلٍ روحيٍ مشرقٍ.

رهبنتها

في أحد الأيام طلبت سوسن من والديها أن تذهب إلى أورشليم لتسجد عند قبر المخلص وتتبارك من الأماكن المقدسة، وإذا سمح الله لها فهي تريد أن تدخل إلى أحد الأديرة وتكون بصحبة العذارى القديسات.

قوبل هذا الطلب بالمعارضة الشديدة بسبب صغر سنها، أما هي فصمتت وأخذت تصلي من أجل هذا الموضوع بحرارة.

أخذت سوسن تفكر في طريقة للسفر إلى أورشليم، وفي أحد الأيام وجدت قافلة من الرجال والنساء ذاهبة إلى هناك فطلبت منهم أن تذهب معهم فقبلوها وسارت معهم. وبعد أن تبارك الجميع من الأماكن المقدسة وأرادوا العودة إلى بلادهم، طلبوا من سوسن أن تعود معهم لأنهم لا يستطيعون أن يتركوها وحدها في هذه الأماكن البعيدة عن بلدتها، إلا أنها استطاعت الاختفاء عنهم. وقامت القديسة تسأل عن أديرة هذه الأماكن المقدسة، فعلمت أنه يوجد دير للعذارى في منطقة ما بين إسكالون وغزة فاتجهت إلى هناك.

قابلت سوسن الأم الرئيسة وطلبت قبولها في الدير، فسُمِح لها بالمكوث معهن إلى أن يريد الرب وإلى أن يعرفن أحدًا يكون من بلدتها ليخبر والديها بما جرى لها. ومن هذا الوقت بدأت سوسن تتدرب على حياة الزهد والطاعة وأعمال الفضيلة، بينما كانت الأمهات يحاولن أن يزجرن هذه الفتاة الصغيرة حتى لا تندفع في زهدها بل تسير بهدوء وإفراز. كانت سوسن تستمر ساهرة واقفة في ركن من حجرتها طول الليل ترفع الصلاة والتسابيح والمزامير. وأما في النهار فكانت تنفذ ما يُطلَب منها بدون تذمر، ولم تكن تتكلم إلا إذا سُئِلت، وفي حدود وبكلمات بسيطة وهادئة.

كانت القديسة دومًا مطأطئة الرأس فلم تنظر في وجه إحداهن، وبصعوبة كانت أخواتها ينظرن وجهها، لم تضحك أبدًا ولم تسبب ألمًا لإحداهن، بل كانت قدوة حسنة لكل من يراها، حتى تعجب الجميع من هذه الفتاة التي كُنَّ يتشككن في قبولها في وسطهن لصغر سنها.

ذهابها إلى مصر

مرّت عشرة سنوات تقريبًا وعُقِد مجمع خلقيدونية سنة 451م، وانشقت الكنيسة الواحدة إلى قسمين، وتدخل الأباطرة المسيحيين لينتصروا لفريق ضد فريق ولو بقوة السلاح والترهيب والتعذيب. ولم يسْلم دير العذارى هذا من بطش الخلقيدونيين إذ لم يوافقن على قرارات هذا المجمع. فدخل العسكر إلى الدير وأخذوا في تهديد الأمهات الراهبات بأفظع العذابات إذا لم يخضعن للقرارات، فخضعت الكثيرات خوفًا من بطش هؤلاء الأشرار، أما سوسن فقررت الهروب والخروج من الدير، فخرجت ومعها خمس راهبات. ولكن سوسن صارحتهن أنها سوف لا تذهب إلى دير بل تريد التوحد في الصحراء، وطلبت منهن أن يبحثن عن دير أو مكان آخر إلا أنهن رفضن تركها. صارحتهن أنها تريد الذهاب إلى مصر حيث الإيمان القويم وشجاعة المصريين في مجابهة تلك الحملة الشريرة لإخضاعهم لقرارات مجمع خلقيدونية. فذهبن إلى الشاطئ وركبن سفينة مبحرة إلى الإسكندرية.

وصلت السفينة إلى الإسكندرية فنزلن منها وتوجهن إلى مريوط وتباركن من جسد الشهيد مار مينا، وعرفن أنه يوجد خارج هذه المنطقة قرية تدعى منديس Mendis وبجوارها خرائب تصلح لسكناهن. ذهبن إلى هناك ووجدن برجًا أثريًا كان يعمل كبرج مراقبة ضد البربر، فدخلت فيه الراهبات الخمس ومعهن سوسن واتفقن كلهن على ترتيب المكان وتنظيفه ليسكن فيه. وفكرن في عمل يصلح لهن حتى يقتتن منه، وعيَّن الرب لهن من القرية من يعطيهن لوازم شغل اليدين وبيعه وإحضار قوتهن يوميًا.

توحّدها

بعد مدة وجدت القديسة سوسن كهفًا تحت الأرض فاختارته لسكناها وتوحدها، وكانت الراهبات يحضرن إليها واحدة واحدة كل أسبوع، وبعد إلحاح كثير سمحت لهن بإحضار جرة ماء وبعض كِسَر الخبز الجاف كل بضعة أيام.

الراهب صموئيل شقيق المتوحدة سوسن

كان شقيق سوسن راهبًا في أحد أديرة فلسطين ويدعى صموئيل، فسمع عن أخته أنها في صحراء مريوط، فحضر ومعه رفقاؤه الرهبان راغبين الجلوس في مكان بعيد عن المشاحنات الدينية والاضطهادات التي حدثت بسبب مجمع خلقيدونية، فوجدوا أن هذه المنطقة تصلح لهم.

ذهبوا إلى مريوط وقابل صموئيل شقيقته وتعزّيا سويًا بكلام النعمة، وسألها أن يعيش مع اخوته الرهبان بجوارهن، فبنوا سورًا حول البرج الذي تسكنه الراهبات، ثم بنوا لأنفسهم ديرًا بالقرب من هذه المنطقة. وكانت الأم القديسة سوسن متوحدة في مغارتها، وكانت تزور دير الراهبات كل مدة للاطمئنان على الراهبات زميلاتها، وكان الرهبان إذا علموا بقدومها يحضرون أيضًا وينتظرونها خارج الباب ليسألونها ويتباركون منها ويأخذون تعاليمها وأقوالها سندًا لهم في حياتهم. وقد أعطاها الله موهبة شفاء الأمراض الجسدية والروحية، وبعد أن مكثت في هذا المكان أكثر من خمسة عشر عامًا تنيّحت بسلام.

القديسات سوسنة، شيرين، بولا، بولين، ميلانيا وفابيولا. صفحة 8.

سوسنة الشهيدة1

سبق لنا الحديث عنها في سيرة ابنها القديس بيفام الأوسيمي.

إذ رأت ابنها مربوطًا في فرس وكانوا يطوفون به في شوارع المدينة كأمر إريانا الوالي بكت. أما ابنها فقال لها: "لا تبكي يا أمي ولا تحزني، بل افرحي فإن هذا هو يوم عرسي لأكون صديقًا لعريسي السماوي..."

إذ سمعت الأم كلماته شهدت للسيد المسيح أمام الجموع، مستهينة بكل ما سيحل عليها من عذاب.

كانت تصرخ: "أنا مسيحية. أؤمن بالرب يسوع. لا تخف يا ولدي. الرب معك. لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح لي".

أمر إريانا الوالي بضربها بقسوة حتى سال دمها وتهشمت أسنانها. أما هي فكانت تطلب العون من السيد المسيح، ولم تتوقف عن الصلاة. أمر الوالي بإيقاد أتون من النار لكي تُلقى فيه. دخلت الأتون وهي تصلي، وكانت متهللة بالروح تترقب بشوقٍ لقاءها مع السيد المسيح.

نالت إكليل الاستشهاد في 28 من شهر توت.

سوسنة الشهيدة2

بتوليتها

كانت ابنة كاهن يدعى جابينيوس Gabinius وابنة أخ البطريرك القديس غايوس Caius. كانت سوسنة جميلة جمالاً أخّاذًا، ومتعلمة تعليمًا عاليًا يضاهي تعليم والدها. وكان الإمبراطور دقلديانوس يبحث عن زوجة لابن زوجته ماكسيميانوس، وسمع الكثير عن سوسنة فأرسل أحد أعمامها، كان يعمل ببلاط الإمبراطور، ويدعى كلوديوس، ليطلب يدها من والدها.

حين سمعت القديسة بهذا، ومع أنه كان شرف كبير لأي بنت، إلا أنها أعلنت أنها عروس للمسيح ولن تتزوج بأي عريس أرضي. وحين جاء عمّها كلوديوس ليراها وهمَّ بتقبيلها امتنعت، فأوضح لها أن هذا تعبير طبيعي عن المحبة، فأجابت أنها لا تعترض على قبلته بل على فمه الملوث بالأضحية الوثنية، وإذ سألها كلوديوس: "فكيف أنظف فمي؟" أجابته: "تب واعتمد".

أثرها على عائلتها

كان رفض ابنة أخيه لزواج ملكي أثره الكبير على كلوديوس حتى أنه سعى ليتعلم المسيحية وتعمَّد مع زوجته وابنيه، ثم أعتق عبيده وتخلى عن أملاكه للفقراء. ولما لم يرجع للبلاط أرسل دقلديانوس أخيه مكسيموس، الذي كان أيضًا ضمن حاشية البلاط، ليستعلم عن سوسنة ويتحرى عن كلوديوس الذي شاع عنه أنه مريض. أخبره كلوديوس بقرار سوسنة، فذهبا سويًا لزيارتها وتكلما في الأمر مع جابينيوس والدها وغايوس عمها، واتفق الاخوة الأربعة على أن الفتاة لا ينبغي إثنائها عن عزمها بالرغم من تيقنهم من الخطر الذي سيتعرضون له جميعًا. ثم تعمَّد مكسيموس أيضًا وتنازل عما يملك للفقراء.

استشهادها

عندما بلغ دقلديانوس أمر الفتاة وخبر تحوُّل ضابطيه إلى المسيحية تبلّدت مشاعره وأعطى الإذن لأحد المشيرين له ويدعى جوليان، والذي كان يحمل ضغائن ضدهم، بالقبض عليهم والتعامل مع الأسرة كلها بما يتراءى له. وخشية أن يلين دقلديانوس عن قراره أمر جوليان أن يساق مكسيموس وكلوديوس وزوجته وابنيه إلى الموت حرقًا، وألقيت جثثهم في الماء. أما سوسنة فقُطِعت رأسها في منزل أبيها الذي استشهد بالمثل.

Butler, August 11.

سوسنيوس الخصي القديس

كان أحد رجال قصر الملك ثاؤدوسيوس الكبير، وكان كثير الرحمة مملوءً نعمة وحكمة. ولما اجتمع المجمع المسكوني الثالث بأفسس لمحاكمة نسطور، كان هذا القديس في خدمة القديس كيرلس الكبير وباقي أعضاء المجمع القديسين من قِبل الملك ثيؤدوسيوس.

اتفق أنه مرض في ذلك الحين فصلى القديس كيرلس من أجله إلى الله فنهض من مرضه معافى ووزع كل ماله على الفقراء والمساكين. ثم تنيح بعد ذلك بسلام فصلى عليه القديس كيرلس ورتب تذكارًا.

سوسنيوس الشريف الشهيد

الشريف سوسنيوس

وْلد سوسنيوس من أسرة وثنية في منتصف القرن الثالث الميلادي. وكان والده يعمل في البلاط الملكي، وقد صار من المقرّبين جدًا إلى قلب دقلديانوس الجاحد. إذ كبر ابنه سوسنيوس تعيّن في البلاط الملكي لخدمة الإمبراطور.

أُعجب سوسنيوس بحياة المسيحيين وأمانتهم وسلوكهم وإيمانهم. فكان قلبه يلتهب بمعرفة الحق، ويصرخ إلى الله ليكشف له عن نفسه، فظهر له ملاك يحثّه على المعرفة الروحية والتمسك بالحق، ويكشف له عن قبوله إكليل الاستشهاد على اسم السيد المسيح، فحفظ هذا الأمر في قلبه.

إرسالية لاضطهاد المسيحيين

دعا الإمبراطور المغبوط سوسنيوس وكلّفه بتجديد عبادة الأوثان وإقناع المسيحيين في مدينة نيقوميدية أن يبخّروا للأوثان وينكروا الإيمان المسيحي ويقوم بتعذيب من يرفض هذا الأمر الإمبراطوري، فحزن هذا القديس جدًا.

انطلق سوسنيوس إلى نيقوميدية وقد وضع في قلبه أن يُعلن إيمانه بالسيد المسيح عوض اضطهاده للمؤمنين.

قبوله الإيمان

استدعى كاهنًا من آباء الكنيسة وجلس معه يستفسر عمّا خفيَ عنه من الحقائق الإيمانية، فوجد إجابة شافية ومفرحة لكل أسئلته.

إذ تباطأ سوسنيوس في تنفيذ أمر الإمبراطور، تساءل والده عن السبب وعلم عن رغبة ابنه في إعلان إيمانه بالسيد المسيح. استشاط الأب غضبًا ووشى بابنه لدى الإمبراطور أنه لا يعبد الأوثان. أمر الامبراطور بالتنكيل بسوسنيوس حتى يرتدع.

عذاباته واستشهاده

احتمل سوسنيوس الكثير من العذابات، وكان الرب يقوّيه ويصبّره. وأخيرًا صدر الأمر بقطع رأسه.

تجمع حوله حوالي ألف ومائة شخص وكانوا يُدهشون بشجاعته وثباته في الإيمان وفرحه بالاستشهاد.

تقدّموا إلى السيافين وأعلنوا إيمانهم بالسيد المسيح فقُطعت رؤوسهم. وهكذا لم تنطلق نفس هذا الشهيد وحدها بل انطلقت مع موكبٍ ضخمٍ من الشهداء يُفرّحون قلوب السمائيين ويتمتّعون بشركة الأمجاد السماوية.

تعيد الكنيسة لهذا الموكب المفرح في 26 برمودة.

سوليوتُر الشهيد

شهيد مع أوكتافيوس Octavius وأدفينتور Adventor، ويُعتَبروا شفعاء مدينة تورينو بإيطاليا. يُعتَقَد أن هؤلاء الشهداء كانوا من الكتيبة الطيبية (الذين وردت سيرتهم تحت "شهداء الكتيبة الطيبية"). وقد مدحهم مكسيموس الذي من تورينو Maximus of Turin، وذلك في القرن الخامس الميلادي، ويُقال أن سيرتهم كانت محفوظة في تورينو.

تُعيِّد لهم الكنيسة الغربية في العشرين من شهر نوفمبر.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 711.

سيباستيان الشهيد

التحاقه بالجيش

كان والداه من مدينة ميلان، بينما وّلد القديس ونشأ في ناربون Narbonne ببلاد الغال، وكان خادمًا أمينًا للسيد المسيح. بينما كانت اتجاهاته وميوله بعيدة عن الحياة العسكرية إلا أنه ذهب إلى روما ودخل الجيش تحت قيادة الإمبراطور كارينُس Carinus حوالي سنة 283م، حتى يتسنى له مساعدة المعترفين والشهداء في جهادهم، دون أن يثير شك أحدٍ فيه.

مساندته للشريفين مرقس ومارسيليانوس

ألقى حاكم المدينة القبض على أخوين من أشراف روما هما ماركُس Marcus ومارسيليانوس Marcellian وصار يعذبهما لكي ينكرا الإيمان، وإذ فشل ألقى بهما في السجن وحكم عليهما بالموت. كان والديهما وثنيين وهما ترانكيليوس ومرسيا، جاءا إلى الحاكم ومعهما زوجتا ابنيهما وأولادهما وتوسلا من الحاكم كروماسيوس أن يؤجل حكم الإعدام حتى يعطيهم الفرصة لجذبهما إلى عبادة الأوثان. أجل الحاكم الأمر لمدة ثلاثين يوما. انطلق الجميع إلى السجن ومعهم بعض رجال الدولة العظماء لأغراء الأخوين حتى يرضيا الملك. وكانت والدتهما والزوجتان يبكين بمرارة مع أبيهم، وكانا في خطر التزعزع عن ثباتهما، وإذ رأى سيباستيان أبدل ثيابه ودخل السجن متنكرًا والتقى بالأخوين وصار يحدثهما عن محبة الله، ويثبتهما في الإيمان. وأوضح لهما أنه كان يليق بهما أن يجتذبا والديهما وبقية الأسرة للإيمان، ويشترك الكل في الاستشهاد السعيد، حتى تأثر بكلماته كل الواقفين.

شفاء زوِّي زوجة نيكوستراتُس

وبينما كان يتحدث معهم إذا بنور سماوي يشرق في الموضع، ويظهر سبعة ملائكة ومعهم رب المجد يسوع المسيح حيث سجدت له الملائكة.

دنا السيد المسيح من سيباستيانوس وعانقه. وإذ رأت زوِّي Zoe زوجة نيكوسستراتيوس Nicostratus أحد قواد الحاكم كروماسيوس ذلك، وكانت خرساء منذ ست سنوات وقعت عند قدميَّ القديس سيباستيان. قال لها: "أنا عبد للسيد المسيح، وإن كان ما قلته حق، فليشفك سيدي يسوع ويفك رباط لسانك"، ثم رشم علامة الصليب على فمها، فبدأت في الحال تتكلم وتشكر ربنا يسوع. آمنت زوِّي وزوجها نيكوستراتُس، الذي كان مسئولاً عن المسجونين، ووالديَّ ماركُس ومارسيليان والضابط كلاوديوس Claudius مع ستة عشر مسجونًا آخرين.

خرّ نيكوسستراتيوس عند قدمي الأخوين معتذرًا عن كل ما فعله بهما، وطلب منهما أن ينطلقا حتى وإن كلّفه ذلك حياته، فإنه سيموت بطيب خاطر. آمنت كل أسرة الأخوين؛ أي آمن الوالدان والزوجتان والأولاد.

أخذهم نيكوستراتُس إلى منزله وعمدهم الكاهن بوليكاربوس Polycarp.

إيمان كروماتيوس حاكم روما

إذ انقضت المهلة استدعى كروماتيوس Chromatius حاكم روما ترانكويلينُس Tranquillinus والد الأخوين وسأله عنهما إن كانا قد رجعا إلى عقلهما ليقدما ذبائح للأوثان، وإذا ترانكيليوس هذا يُعلن إيمانه بالسيد المسيح، بل ويدعو الحاكم للتمتع بالحياة الجديدة الحقّة في المسيح يسوع. كرز له وطلب منه أن يسمع لسيباستيانوس، فدهش الحاكم وطلب أن يسمع من سيباستييانوس عن الإيمان.

سمع بما حدث، وسمع أن والد ماركُس ومارسيليانوس قد شُفي من داء النقرس بنواله المعمودية، أراد أن يتمثل بهم إذ كان هو نفسه مريضًا بشدة بنفس المرض، فأرسل في طلب سيباستيان الذي شفاه من مرضه وتعمّد هو وتيبورتيوس Tiburtius ابنه، ومن ثمَّ أطلق سراح المسجونين وحرّر عبيده واعتزل منصبه.

اضطهاد المسيحيين بعنف

بعد فترة قصيرة استطاع دقلديانوس Diocletian هزيمة كارينُس وقتله في إلِّيريكوم Illyricum وبدأ اضطهاد المسيحيين بعنفٍ، مع أنه لم تكن قد صدرت بعد أوامر من الإمبراطور الجديد تطلب ذلك. وإذ كان دقلديانوس معجبًا بشخصيته وشجاعة سيباستيان أراد أن يبقيه إلى جواره، ولجهله بحقيقة إيمانه عيَّنه قائدًا لعدد من حرسه الشخصي وكان ذلك تكريمًا شديدًا. وحين ذهب دقلديانوس إلى الشرق وبقى ماكسيميان Maximian إمبراطورًا على الغرب، استمر ماكسيميان يعامل سيباستيان بنفس التقدير والاحترام.

عزل الحاكم كروماتيوس

عُزل الحاكم من منصبه وحلّ محله فابيانوس فذهب كروماتيوس إلى مدينة كامبانيا Campania آخذًا معه عدد من المؤمنين الجُدُد.

قبض الحاكم الجديد على كثير من المسيحيين وقتلهم. حدثت مجادلة بين القديس سيباستيان والكاهن بوليكاربوس فيمن منهما ينبغي له مصاحبة كروماتيوس ومن معه لاستكمال تعليمها، ومَن الذي يبقى في موقع الخطر في المدينة لمساعدة وتشجيع الشهداء. فقَضَى غايوس Caius أسقف روما - الذي احتكما إليه - أن يبقى سيباستيان في روما.

وفي سنة 286م حين اشتد عنف الاضطهاد، اختفى البابا مع آخرين في القصر الإمبراطوري في منزل ضابط مسيحي اسمه كاستولُس Castulus، إذ كان القصر هو أكثر الأماكن أمانًا.

إذ عرف الحاكم الجديد أن وراء إيمان الكثيرين سيباستيانوس، أبلغ الإمبراطور دقلديانوس الذي حسب هذا خيانة عظمى وهدم لمملكته. أما القائد الشجاع فأظهر له أنه يحبه ويصلى لأجله لدى الله الحق وليس لدى حجارة لا تتحرك ولا تسمع.

استشهاد زوِّي وآخرين

ثم قُبِض على زوِّي أثناء صلاتها عند قبر بطرس الرسول في عيده، فعُذِّبت ثم عُلِّقت من كعبيها فوق النار حتى استشهدت. إذ خجل ترانكويلينُس أن يبدي شجاعة أقل من المرأة ذهب للصلاة عند قبر بولس الرسول، فقُبِض عليه ورُجِم حتى الموت. أيضًا قُبِض على نيكوستراتُس، كلاوديوس، كاستوريوس وفيكتورينُس، وبعد تعذيبهم أُلقوا في البحر. أما تيبورتيوس فقد قطعت رأسه، وكاستولُس دفن حيًا بعد تعذيبه، وماركُس ومارسيليان سُمِّرا من رجليهما في لوح وظلاً هكذا أربع وعشرين ساعة ثم بعد ذلك ضُربا بالسهام حتى استشهدا.

استشهاد سيباستيان

أخيرًا بعد أن أرسل سيباستيان عددًا كبيرًا من الشهداء إلى السماء، وقف هو نفسه للمحاكمة أمام دقلديانوس الذي أرسله إلى موريتانيا Mauritania. أمر دقلديانوس أن يساق ويوضع على صدره لوح مكتوب عليه: "هذا هو رجل مسيحي" ثم يعرّى ويربط على خشبه ويرشقه الجنود بالسهام. فعلوا هذا حتى صار كالقنفذ بالسهام المرشوقة في جسمه. حيث ضُرِب بالسهام في كل جسده وظن الكل أنه مات.

في المساء جاءت إيرينى Irene زوجة كاستولوُس ونزعت السهام وحلّته، وإذ أرادت أن تدفنه وجدته حيًّا، فحملته إلى بيتها وداوته فشفاه الله. طلبت منه الهروب فرفض إذ كان مشتاقًا إلى الاستشهاد من أجل الإيمان بالسيد المسيح.

انطلق إلى الطريق حيث كان دقلديانوس عابرًا، فذهل الإمبراطور عند رؤيته ولم يصدق أنه سيباستيانوس الذي ظنّه قد مات. شهد القائد الشجاع لمسيحه أمام الإمبراطور، ووبخه على وحشيته مع المسيحيين. أعقدت هذه الشجاعة التي صدرت من شخص كان يُظَن أنه قد مات لسان الإمبراطور، ولما أفاق من صدمته أمر بضرب سيباستيان بالعصي حتى الموت، ثم القوه في بئر. وبعد استشهاده - الذي كان حوالي سنة 288م - جاءت سيدة فاضلة اسمها لوسينا Lucina وحملته إذ وجدته معلقًا في البئر على خشبة. ودفنته بإكرام بالقرب من الرسولين بطرس وبولس.

أيقونة القديس سيبستيان

أيقونة القديس سيبستيان منتشرة جدًا في الغرب؛ يظهر في الأيقونات القديمة كرجلٍ مسنٍ يحمل إكليل الاستشهاد، ولكن حدث تجديد للأيقونة فصار يصور كشابٍ قد غرست فيه السهام آو ممسكًا بسهمٍ.

تعتبره الكنيسة الرومانية شفيعًا لها ضد مقاومي الإيمان ولضاربي السهام والجنود، يطلبونه في وقت حلول الكوارث خاصة الوباء.

يعيد له الغرب في 20 يناير والشرق (الروم) في 18 ديسمبر.

الأب بطرس فرماج اليسوعى: مروج الأخيار في تاريخ الأبرار، 1877، 20 كانون الثاني.

Butler, January 20.

سيبريللا ولوسي وأروا الشهيدات

نالت هؤلاء القديسات كرامة الشركة في قيود القديس الأنبا تادرس أسقف القيروان الذي كان أسقفهن، وكانت لوسي وأروا متقدمتين في السن وقد خدمتا الأسقف الجليل سنوات طويلة وقبض عليهما الجند عند القبض عليه.

شفاء الأرملة سيبريللا

نشأت سيبريللا تحت رعاية أبوين مسيحيين من عائلة أرستقراطية متدينة، ربّياها على المحبة والسعي نحو الكمال، ثم تزوجت من شابٍ تقيٍ شاركها حرارة الإيمان وشجاعة السعي الروحي. ولكنها لم تعش معه سوى سنتين انتقل بعدهما إلى الفردوس، فظلت ثمانٍ وعشرين سنة على وفائها لذكراه وشغلت نفسها بالتفاني في الخدمة. وفجأة أصيبت بآلام حادة في رأسها، وبلغها أمر القبض على أسقفها، إذ كانت قيروانية، فقصدت إليه في السجن لعلها تجد عنده العزاء، وهناك وجدته مقيدًا بالسلاسل. بصلاته نالت الشفاء التام، وتعبيرًا عن فرحتها قرّرت أن تشاركه قيوده واستشهاده.

القبض عليهن

لما انتهى الوالي من تعذيب الأسقف ومَن كان قد قُبض عليهم معه استدعى سيبريللا ومعها لوسي وأروآ اللتين كانتا قد نذرتا نفسيهما لخدمة الرب.

بدأ الوالي يتملق سيبريللا محاسنها ويحاول استمالتها إلى آلهته. فلما فشل أمر بتعذيبها بأقسى أنواع العذاب، فثبتت في صمت وتهليل. ويذكر السنكسار الروماني أنها إذ رفضت تقديم ذبيحة للأوثان وضعوا في حفنتيها فحمًا متقدًا، ونثروا فوقه بخورًا، وكان ذلك إمعانًا في تعذيبها. أما هي فقالت لهم: "إنكم لم تجبرونني بهذه الطريقة على تقديم ذبيحة، ولكنني أقوم متطوعة يتقديم البخور إلى المسيح". في النهاية ربطها الجند إلى جذع شجرة ووضعوا المشاعل في جنبيها، فاستودعت روحها الطاهرة في يد الآب السماوي. ومن العجيب أن لبنًا سال من جراحاتها كما حدث مع القديسة كاترين بينما تفجَّر من قبرها سائل عطر نال به الكثيرون الشفاء.

السنكسار الأمين: 29 بؤونة.

سيداروس أخنوخ القمص

وُلد هذا البار في قرية البيّاضية التابعة لملوي في شهر أغسطس من سنة 1890م من أسرة مباركة ودعي اسمه صادق أخنوخ بشاي. حصل على الابتدائية سنة 1904م وعمل وكيلاً للدائرة الملكية في قطاع قرية الروضة بملوي، وكان راتبه الشهري ثلاث جنيهات ذهبية. كان صادق أفندي يساعد القمص يوحنا نسيم فرج كاهن كنيسة مار جرجس بالبياضية في شتى مجالات الخدمة، وزار القدس حوالي سنة 1912، وكان لهذه الزيارة أثر كبير على نفسه، وأعطاه الرب موهبة التعليم بصورة إلهية فياضة الأمر الذي كان يبهر الناس.

رفضه نعمة الكهنوت

عرض عليه القمص يوحنا نسيم قبول نعمة الكهنوت لمعاونته في الخدمة ولكنه اعتذر عنها، فأنذره الرب بموت اثني عشر حمارًا له بعد شراء كل واحدٍ بثلاثة أيام، ونظرًا لأمانته رفعت الدائرة التي يعمل بها راتبه إلى 12 جنيهًا ذهبيًا وهو مبلغ كبير للغاية في ذلك الوقت سنة 1914م، وكان ذلك إغواء من الشيطان لكي يرفض نعمة الكهنوت.

وذات ليلة في نفس السنة ظهر له السيد المسيح وقام بقص شعر رأسه على شكل صليب الذي ظل سمة لا تمحى في رأس القمص سيداروس حتى يوم نياحته ووضع له الشعر المقصوص فوق الوسادة برسم الصليب أيضًا، كما أخبره أن اسمه لا يدعى صادق بل سيداروس، وأن الأنبا توماس (مطران المنيا الأسبق) سوف يقوم بتكملة رسامته.

بالفعل حضر الأسقف في اليوم التالي لرسامته ولم يضع يده على رأسه أثناء الرسامة بل رشم ملابسه فقط، ولما سألوه عن السبب أجاب أن السيد المسيح ظهر له في رؤيا الليل وقال له أنه قد رسم صادق أخنوخ كاهنًا باسم سيداروس، فحاشى له أن يضع يده مكان يد السيد المسيح.

محبته للغرباء

كان القمص سيداروس محبًا للغرباء بدرجة ملحوظة حتى أنه في مرة أعطى ملابسه لرجل كان يرتعش من البرد وفي الليل ظهر له السيد المسيح يشكره لأنه قد كساه.

صداقة خاصة مع الشهيد مار جرجس

قام بعدة قداسات مع الآباء السواح كما أنه تمتع بصداقة خاصة مع الشهيد مار جرجس، وقد أقام زوجته من الموت مرة بعد أكثر من ساعتين من كتابة شهادة الوفاة.

كان أبًا لكل شعب البيّاضية سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.

في أيامه الأخيرة أثر مرض السكر على بصره لكنه كان على درجة كبيرة من الورع والمهابة، وقبل نياحته باثنين وعشرين يومًا قال: "بعد 22 يومًا سأنتقل من هذا العالم"، فتم ما قاله وتنيح بسلام يوم 14 أكتوبر سنة 1959م.

قديس البياضية البار المتنيح سيداروس أخنوخ، إصدار كنيسة الملاك بالجيزة.

سيدهم بشاي الشهيد

في اليوم السابع عشر من شهر برمهات سنه 1561ش، 15 مارس سنة 1844م تحتفل الكنيسة بتذكار استشهاد القديس سيدهم بشاي أخ المعلم سليمان بشاي كاتب بديوان محافظة دمياط.

اتهام كاذب

كان تاجرًا للأخشاب بثغر الإسكندرية، وكان يحضر في كل سنة مرتين أو أكثر لشراء الأخشاب التي كانت تأتي عن طريق ثغر دمياط.

حدث أن تصدّع السقف الخشبي لكنيسة مار جرجس المزاحم الموجودة ببلدة بساط بناحية شربين، وكان هذا القديس رئيس شمامسة وكان يحب زيارة الكنائس القديمة. اهتم بالأمر وتقدم لإصلاح هذه الكنيسة وترميمها بسفينة أخشاب كاملة. بجانب ذلك فقد كان دائم الحضور للصلوات التي تُقام بكنيسة مارجرجس بدمياط. فحدث أن احتك معه أحد الأشخاص من غير المسيحيين وهو في طريقه إلى الكنيسة، قاصدًا أن يمنعه من المضي إليها، لكن المعلم سيدهم بشاي لم يهتم بكلامه مما أثار سخط هذا الشرير فسلّط عليه بعض الصبية فانهالوا عليه بالشتائم.

حدث أن مرَّ المفتي الخاص بالبلدة في ذلك الوقت فأعلموه بالأمر مدّعين على المعلم سيدهم بشاي ادعاءات كاذبة. وقد نالت شكواهم في نفس هذا المفتى وقعها المرغوب فاستشاط غضبًا وقال: "كيف تقولون أن الرجل النصراني استخف بالإسلام ودينهم وتطاول على نبيهم المرسل؟" فأخذ من تلك الزمرة شاهدين وتوجهوا إلى المحكمة، وبواسطتهم أثبتوا الدعوة علي المعلم سيدهم بشاي، الذي كان رجلاً يبلغ من العمر أكثر من أربعين عامًا، مشهودًا له بالحلم وسعة الصدر محبًا للجميع لا يُنتظر أن يتفوّه بما ادعوا به عليه.

تعذيبه

أمرت المحكمة بإحضاره، وفي أثناء مروره في الطريق كان يُضرب ويُهان من كل فرد صادفه حتى مَثَل أمام القاضي، الذي أمر بتعذيبه بكل أنواع العذاب فأخذت الجموع تضربه بالعصي ضربًا مؤلمًا، وتنتف شعر رأسه وتبصق في وجهه، حتى غاب عن وعيه.

وتصادف أن رآه في هذه الحال أحد إخوانه الأقباط وكان ذا مكانة مرموقة في البلدة، ويدعى المعلم بانوب إبراهيم فرح، فتحرّكت فيه الغيرة على أخيه فقال لهم: "أما كفاكم ضربه ثم تجرونه على وجهه أيضًا؟" ولما حضر المعلم سيدهم أمام القاضي للمرة الثانية حكم عليه بالدخول في الإسلام أو القتل، فخلعوا أحذيتهم وضربوه على وجهه حتى سالت منه الدماء وتركوه بين حي وميت. أخيرًا وضعوه داخل سجن المحكمة، وصار هذا اليوم مخوفًا في تلك المدينة حتى لم يخرج أحد فيه من المسيحيين لقضاء حوائجهم.

في ثالث يوم أحضروه مكبّلاً بالقيود فوعدوه ثم توعّدوه فلم يذعن لرأيهم. ثم أدخلوه ديوان المحافظة بالضرب والإهانة وأمام الجمع المحتشد. وحكم عليه المحافظ بما حكم عليه القاضي سابقًا، فضربوه خمسمائة كرباج وجرّوه على وجهه من أعلى سلالم المحافظة إلى أسفلها فتشوه وجهه، وطرحوه على الأرض وأخذوا يجرونه في الشوارع ثم أدخلوه في وكالة وقفلوا عليه.

وفي اليوم الرابع أيضًا أعادوا الكَرَّة حيث عرّوه من ملابسه واستهزءوا به بعد أن دهنوا جسده ولطخوا وجهه بالنجاسة ووضعوا على لحيته صليب خشب مدهون بالنجاسة، ومرّوا به على هذه الحالة في كافة شوارع المدينة التي كانت ملعب للطائشين في ذلك الوقت، وأمامه الجماهير بالطبل والزمر والرقص وهم يضربونه بالسياط والعصي والأحذية حتى برز لحمه من جسمه، وكان في كل ذلك صابرًا. وكان يصلي قائلاً: "يا طاهرة - يا يسوع".

ومروا به على حارة النصارى التي فيها الكنيسة الآن وصاروا يرجمون بيوت المسيحيين بالحجارة، وأيضًا الوكالات وبيوت القناصل مما أثار سخطهم فَشَكُوا لحكومات بلادهم. وأخيرًا جرّوه على وجهه متوجهين به إلى منزل أخيه سليمان بشاي بالمنية وهي ناحية بأطراف دمياط، وإذ بأحدهم يحضر قطران مغلي على النار في قدر ويصبّه على جسده من فوق رأسه.

العذراء مريم تعزّيه

كان أحد أبناء أخيه واسمه مليكه واقفًا، فطلب منه عمه قائلاً: "أمامي الآن سيدة واقفة فأسرع واحضر لها كرسي لكي تجلس"، ولم يرَ مليكه أحدًا. أما هو فكان ينادى العذراء ويقول لها "يا حنونة"، وكانوا يستهزئون به قائلين: "هوذا ينادي امرأته". ومع أن الرجل كان بتولاً فإنه لم يتضايق ولم يلتفت إلى تعييرهم. أخيرًا أسلم روحه الطاهرة بيد العذراء القديسة التي ظهرت أمامه وحده عند خروج الروح، وكان هذا بعد خمسة أيام من تعذيبه.

رفع الصليب جهرًا

على أثر هذا الحادث كتب قناصل الدول جميعهم إلى حكوماتهم بأوروبا بما حصل، فأرسلوا إلى ثغر دمياط البواخر الحربية المسلحة، فدخل الجنود المدينة. لكن الخديوي أسرع فأرسل مندوبًا عنه للتحقيق، وهدّأ خواطر القناصل، وانتهى الأمر بعقاب القاضي والمحافظ وتجريدهما مع من اشتركوا في تعذيبه.

وتهدئة للنفوس أمر الخديوي الذي كان في ذلك الوقت أحد أبناء محمد على باشا بتشييع جنازة الشهيد سيدهم بشاي رسميًا، حيث صُرّح برفع الصليب جهرًا فيها، كما رُفع على الكنائس وفى جنازات المسيحيين.

حدث أنهم أحضروا جثمانه الطاهر بإكرام عظيم ووضعوه في تابوت مغطى بألواح الزنك على نفقة الدولة، وقام بالاحتفال بدفنه كل الطوائف، ولبس الكهنة ملابسهم الكهنوتية، وساروا في شوارع المدينة والشمامسة يحملون الأعلام والصليب، وجاءوا إلى الكنيسة صلُّوا عليه. ثم دفنوه في قبرٍ خاص بأرض الكنيسة التي كانت أصلاً مدافن الأقباط، وقد شوهد ليلة دفنه عمود من نور ساطع على قبره، وقد حضر كثيرون وأخذوا من تراب القبر ليتبركوا ويستشفوا به.

أخيرًا وُضع جسد الشهيد بكنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بدمياط، وحدث أنهم في سنة 1565ش أرادوا توسيع بناء الكنيسة فاضطروا إلى نقل جسد الشهيد ووضْعه في مكان خاص كان موجودًا في الجنوب الغربي للكنيسة مع جسد المعلم بانوب فرج وبقية عائلاتهم، وظلّ الجسد هناك حتى سنة 1968م. وكانوا في كل سنة يقيمون له احتفالاً في عيد استشهاده، إلى أن جاء اليوم الذي أراد الرب أن يكرّم قديسه، فقامت لجنة الكنيسة بدمياط بنقل الجسد المبارك داخل صحن الكنيسة. فنقلوه باحتفال عظيم ووضعوه في مقصورة خاصة بالكنيسة. وكان ذلك في عهد غبطة البابا المعظم الأنبا كيرلس السادس البطريرك الـ 116. كذلك يوجد أحد أصابع قدم الشهيد اليمنى بأنبوبة وضعت بكنيسة السيدة العذراء مريم بديروط.

عجائب الله في هذا القديس

ظهرت عجائب كثيرة من هذا القديس، منها أن مسبحة كانت في يد الشهيد بعد نقله قدِّمت هدية لنيافة الأنبا أغابيوس، الذي كان قد قام بتدشين الجسد المبارك، فأراد أحد الأخوة أن يتبارك بها، ولما كان قد أخذها من الأب الأسقف همَّ بأخذ جزء منها، فظهر له القديس ولم يكن يعرف أنه مار سيدهم بشاي، غير أنه شاهد أمامه رجلاً طويل القامة يأمره بـإرجاع المسبحة إلى صاحبها وأن يتوب عمّا نوى عليه. فأعادها إلى الأب الأسقف واعترف بما كان وأخذ البركة.

مرة دخل أحد كهنة الكنيسة إليها وهو مريض ليتبارك بجسد الشهيد وقبل أن يخرج من باب البيعة كان قد بريء من مرضه. وقد قام بمعجزات أخرى كثيرة لكثير من أهل المدينة وزوار الكنيسة. وقد قدمت مقصورة هذا الشهيد هدية من أحد الذين صنع معهم القديس معجزة. صلاته تكون معنا آمين.

السنكسار، 17 برمهات.

سيرابيون الأب

كان كاهنًا، وهو من أشهر آباء البرية حول أرسينوي Arsinoe، إذ كان رئيسًا على عددٍ كبيرٍ من الأديرة ومرشدًا لعشرة آلاف راهبًا. وقد زاره بترونيوس Petronius الذي كتب كيف أنه في وقت الحصاد كان كل واحد من الاخوة يأتي إليه بجزء من مكسبه، حتى يقضي على الفقر والعوز من المنطقة المحيطة.

والقديس سيرابيون هذا هو الذي ورد اسمه في سيرة المتوحد الليبي ماركوس أثينينسيس (الترمقي) Marcus Atheniensis، وهو الذي قام بدفنه.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 613.

سيرابيون الأسقف القديس

هو أسقف (بطريرك) إنطاكية الذي تنيح سنة 212م، وقد اشتهر بتعاليمه وكتاباته اللاهوتية.

عاصر الإمبراطور الروماني سبتيموس سويرس، ويشير المؤرخ يوسابيوس Eusebius إلى إحدى الرسائل الخاصة التي كتبها هذا القديس إلى كاريكوس Caricus وبونتيوس Pontius، والتي فيها يحذرهما من فساد بدعة مونتانوس Montanism، ورسالة أخرى (يوسابيوس6: 12) يجادل فيها شخصًا يدعى دومنينوس (Domnos) Domnin، جحد الإيمان تحت تأثير الاضطهاد وتحوّل إلى اليهودية.

في أثناء حبرية القديس سيرابيون، ثارت مشاكل في كنيسة رهسوس Rhossos بكيليكية Cilicia بين رأس الخنزيرة والإسكندرونة حوّل شرعية الكتاب المسمى "إنجيل بطرس"، وهو أحد كتب الغنوسيين.

في بادئ الأمر، إذ لم يكن القديس يعلّم بمحتوى الكتاب واعتقد بصحته، سمح بقراءته علانية في الكنيسة. ثم استعار نسخة من الكتاب وقرأه فوجد أنه ينكر حقيقة ناسوت السيد المسيح، ويضيف إضافات غير حقيقية لتعاليم المُخَلِّص، فكتب إلى كنيسة هرسوس يمنع استعماله، ويخبرهم بعزمه على زيارتهم لتوضيح الإيمان المستقيم.

يتفق هذا الإنجيل الذي أُكتشف في أخميم عام 1886 مع ما ذهب إليه البطريرك سيرابيون. ففي مُجْمله أرثوذكسي لكنه يتضمن آراء غريبة.

من رسالته عن إنجيل بطرس

لأننا أيها الأخوة نقبل كُلا من بطرس وسائر الرسل كرسل المسيح، لكننا نرفض بشدة الكتابات المنسوبة إليهم زورًا، عالمين أن مثل هذه لم تُسلم إلينا.

لكنكم سترون مما كتب إليكم أيها الاخوة أننا قد عرفنا طبيعة بدعة مرقيون، وأنه ناقض نفسه بنفسه إذ لم يفهم ما قاله.

لأننا إذ حصلنا علي هذا الإنجيل من أشخاص آخرين درسوه دراسة وافية، أي من خلفاء أول من استعملوه... فقد استطعنا قراءته ووجدنا فيه أشياء كثيرة تتق مع تعاليم المخلص الصحيحة، غير أنه أضيفت إلي تلك التعاليم إضافات نشير إليكم عنها فيما بعد.

Butler, October 30.

سيرابيون أسقف تيمي أو طمويس القديس

هو أسقف طمويس Thmuis ويلقب بالعلامة Scholastic، وذلك لأنه جمع ما بين المعرفة الروحية والعلوم العالمية. وقد تتلمذ بعض الوقت في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ثم اعتزل في الصحراء حيث صار راهبًا، كما تصادق مع الأنبا أنطونيوس.

أُجبِر سرابيون على ترك عزلته ليجلس على كرسي أسقفية طمويس في جنوب مصر بالقرب من ديوسبوليس Diospolis.

دفاعه عن الإيمان

شارك في مجمع سارديكا سنة 347م، وكان من المقرّبين للقديس أثناسيوس في دفاعه عن الإيمان المستقيم، ويقول القديس جيروم أنه نُفي بأمر الإمبراطور قسطنطين.

قد اشترك أيضًا في مقاومة بدعة مقدونيوس Macedonian، بالإضافة إلى مقاومته للأريوسيين، كما ألَّف كتابًا عظيمًا ضد المانيين Manicheans..

كتاباته

ألَّف عدة كتب فُقد معظمها، ولكن أهم أعماله هو Euchologion الذي اكتُشِف وتم نشره في نهاية القرن الماضي.

يقول سقراط أن القديس سرابيون كان يردد هذه المقولة التي تلخص سموّ المسيحية: "العقل يتنقى بالمعرفة الروحية (أو بالتأمل المقدس والصلوات).

مع القديس أنبا أنطونيوس

يقول عنه القديس جيروم أنه كان الصديق الشخصي للقديس الراهب أنبا أنطونيوس. وقد ورد ذكره مرتين في كتاب "حياة أنطونيوس" للبابا أثناسيوس الرسولي.

في المرة الأولي إذ كان يتحدث عن رؤى القديس أنبا أنطونيوس، كان الاخوة يرونه صامتًا وهو جالس أو ماشٍ وبعد فترة يستأنف حديثه معهم، فكان رفقاؤه يدركون أنه شاهد رؤيا. لأنه عندما كان يجلس علي الجبل كثيرًا ما كان يشاهد ما يحدث في مصر، وكان يرويه لسيرابيون الأسقف الذي كان معه في مغارته.

أما المرة الثانية فعند نياحته طلب توزيع ثيابه بتقديم أحد جلود الغنم للبابا أثناسيوس والرداء الذي استلمه من الأسقف سيرابيون جديدًا يردوه إليه باليًا لكي يحتفظ بمسوحه.

رئاسته لجماعة رهبانية

روي لنا المؤرخ سوزومين أنه كان قبل سيامته أسقفًا رئيسًا لجماعة رهبانية في صعيد مصر، ويشهد له أنه كان متميزًا بقداسة عجيبة وقوة البيان.

كما يشهد البابا أثناسيوس صديقه الحميم أنه كان رئيسًا علي عددٍ كبيرٍ من الرهبان، كما جاء في رسالته إلى دراكونتيوس ليحثه علي قبول الأسقفية وهو رئيس محبوب للدير.

مساندته للبابا أثناسيوس

كان يسنده في جهاده ضد الأريوسية، بمثابة يده اليمنى له، إذ كان يتخذه نائبًا عنه في غيابه.

في عام 340م كلفه البابا أن يعلن عن موعد الفصح، ويُعتقد انه أنابه في كتابة الرسالة الفصحية في عامي 341 و342م.

نفيه

في 18 مايو عام 353م عندما أرسل البابا أثناسيوس بعثة للإمبراطور قسطنطينوس بعد انتصاراته وتوليه الإمبراطورية علي الشرق والغرب وقد سمع عن الوشايات التي بدأ الأريوسيون يخططون لها عنده. كانت هذه البعثة تحت رئاسة الأسقف سيرابيون، تضم خمسة أساقفة وثلاثة كهنة، ومعهم وثيقة موقعة من 80 أسقفًا من مصر يؤيدون فيها البابا أثناسيوس. فما كان من الإمبراطور إلا أنه نفي القديس من أجل استقامة إيمانه، لهذا دُعي بالمعترف.

قام اختياره على قدرته على الدفاع عن الإيمان والإقناع والصمود في المواجهة أمام الإمبراطور وأمام الضغط الأريوسي.

وقد تنيح في المنفي.

رسائل القديس أثناسيوس له

بعث إليه القديس أثناسيوس بخمس رسائل عقيدية:

1. رسالة عن موت آريوس، فيها ينفي القديس أثناسيوس أن آريوس رجع عن رأيه وأنه تصالح مع الكنيسة قبل موته. كتبها البابا عام 358 م وهو في المنفي.

2. 5 عبارة عن أربع رسائل عن الروح القدس، وهي في غابة الأهمية. فقد سبق فأرسل القديس سيرابيون إلي البابا يشكو له من سرعة انتشار التعليم ضد الروح القدس الذي يحسبه مخلوقًا لكن أعلي من الملائكة. تُعتبر هذه الرسائل أول بحث منهجي لاهوتي عن الروح القدس.

أول رسالة تاريخها عام 339.

كتاباته

1. ضد المانيين: يكشف هذا العمل عن براعة القديس سيرابيون البلاغية واللاهوتية والفلسفية. فيه اكتفي بنقد النقاط الرئيسية في فكر أتباع ماني، خاصة نظرتهم الثنائية (إله النور وإله الظلمة)، واعتراضاتهم علي العهد القديم وبعض أجزاء من العهد الجديد. كما اثبت تناقض أفكار أتباع ماني وعدم منطقيتها.

2. رسائله: منها رسالة تعزية موجزة مرسلة إلي الأسقف افجوكيوس الذي كان مريضًا. ورسالة إلى رهبان الإسكندرية فيها يستخدم تعبير: "الثالوث المساوي في الجوهر" (هوموسيوس ترياس). ورسالة إلي بعض تلاميذ القديس أنطونيوس عند نياحته سنة 356 م.

3. أعمال أخري يعتقد بعض الدارسين أنها من وضعه مثل "عظة عن البتولية"، و "رسالة إلي المعترفين"، وشذرات من تفسير سفر التكوين، كما ذكر القديس جيروم عمله.

4. خولاجي القديس سيرابيون، وقد سبق لنا الحديث عنه في كتابنا "المسيح في سرّ الأفخارستيا". وهو يمثل الليتورجيا الكنسية في مصر في القرن الرابع، وربما ترجع إلي فترة قبل ذلك. تحمل انعكاس فكر مدرسة الإسكندرية في القرن الثالث الخاص بلاهوت الكلمة "اللوغوس" بعدما أضيفت إليها ما يتناسب مع القرن الرابع ردًا على البدعة الأريوسية.

كثير من الصلوات الواردة بها هي بعينها الواردة بليتورجيا القديس مرقس وتلك الخاصة بانافورا "النظام الكنسي" للكنيسة الأثيوبية.

كل الصلوات تخاطب الله بكونه أب الابن الوحيد، وتشكره من اجل تحننه المملوء ترفقًا، المعلن خلال أعمال ربنا يسوع المسيح الخلاصية.

يقال أنه تنيح أثناء نفيه حوالي سنة 370م، وإن كان تاريخ نياحته غير مؤكد.

من خولاجي القديس سيرابيون

أطلب إليك أن ترسل روحك القدوس إلي عقلنا.

وامنحنا أن نفهم كتبك المقدسة الموُحي بها،

لكي ما تفسرها باستقامة واستحقاق،

حتى يستفيد منها جميع المؤمنين الحاضرين ههنا...

أعطنا روح النور،

حتى نعرفك أنك أنت هو الحق،

ويسوع المسيح الذي أرسلته (يو 17: 3)

امنحنا الروح القدس،

حتى نقدر أن نعلن بسعة عن أسرارك التي لا توصف، ونخبر بها.

ليتكلم فينا الرب يسوع والروح القدس وليمجدانك بواسطتنا.

Butler, March 21.

سيرابيون التائب

من أهل الإسكندرية، ضعُف أثناء اضطهاد دقلديانوس وبخّر للأوثان. وقد استخدم القديس ديوناسيوس السكندري Dionysius قصة سيرابيون هذا كدليلٍ عمليٍ ضد بدعة النوفاتيين Novatism، وهي البدعة التي كتب عنها إلى فابيوس الإنطاكي Fabius of Antioch الذي كان من أتباعها وهم متشددون جدًا في قبول من جحد الإيمان أثناء الإضطهاد.

ضعفه أمام الاضطهاد

عاش سيرابيون حياة طويلة بلا لوم، ولكنه ضعف أخيرًا في النهاية. إذ ندم على فعلته هذه، طلب الصفح بإلحاح والسماح له بالدخول مرة أخرى للكنيسة، ولكن طلبه كان يقابل بالرفض دائمًا.

مرض سيرابيون مرضًا شديدًا ومكث ثلاثة أيام لا يستطيع النطق، وأخيرًا عاد إلى وعيه وأرسل حفيده طالبًا الكاهن، الذي كان بدوره مريضًا لا يستطيع الذهاب لسيرابيون. إلا أنه أرسل الإفخارستيا المقدسة، وقد عاش سيرابيون حتى تلقى الأسرار المقدسة ثم تنيح بسلام. ويستخدم ديوناسيوس هذا كإعلان ودليل إلهي ضد رأي النوفاتيين.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 612.

سيرابيون الشهيد1

شهوة الإستشهاد

كان من أهل بينوسة من أعمال مصر السفلى، وكان ذا أموال ومقتنيات كما كان محبًا للصدقة جدًا، ولما جاءت أيام الاضطهاد وسمع أن أرمانيوس والي الإسكندرية قد وصل إلى الوجه البحري ليعذب المسيحيين. خرج إليه هو وصديقٍ له اسمه ثيؤدورُس وآخر من رعاة الدواب اسمه توما واعترفوا أمامه بالسيد المسيح، فطرحهم في السجن.

سمع بذلك أهل بلده فأتوا حاملين السلاح لقتل الوالي وإطلاق القديس، ولكن القديس منعهم وعرّفهم بأنه هو الذي يريد الاستشهاد على اسم المسيح فانصرفوا.

عذاباته

أما الوالي فأخذ القديس معه في سفينة إلى الإسكندرية، وهناك عذبه بالهنبازين، وألقاه في حفرة ملأها بالنار، ثم وضعه في إناء به زفت وقطران وأوقدوا تحته النيران، وفي هذا جميعه كان الرب يشفيه ويقيمه سالمًا. وأخيرًا صلبوه وأخذوا يضربونه بالنشاب، فجاء ملاك الرب وأنزل القديس.

بعد ذلك أسند الوالي أمر تعذيب القديس إلى أحد الأمراء اسمه أوريون، فسافر به بحرًا إلى بلده وعند المساء رست السفينة على إحدى القرى وناموا. وفي الصباح وجد أن المكان الذي رست أمامه هو بلد القديس الذي تعجب من ذلك، فأتاه صوت قائلاً: "هذه بلده فأخرجوه"، وبعد عذاب كثير قطعوا رأسه المقدس ونال إكليل الشهادة، وخلع أوريون قميصه ولف به جسد القديس وسلمه لأهله.

السنكسار، 27 طوبة.

سيرابيون الشهيد2

من كورنثوس، استشهد في مصر مع نيسيبورُس Niceporus تحت حكم نومريان Numerian، وذلك سنة 284م.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 613.

سيرابيون القديس1

كان طول حياته لا يضع على جسده سوى ثوبًا خشنًا، وعاش حياة إنكار للذات. ومع أنه لم يكن متعلمًا لكنه حفظ الكتب المقدسة عن ظهر قلب، ولم يسكن في قلاية: بل كان يطوف ويعلم الجموع وبذلك كسب عددًا كبيرًا للرب.

باع نفسه لفرقة مسرحية كوميدية

باع نفسه بعشرين دينارًا لفرقة مسرحية كوميدية في مدينة وثنية. ولما حصل على المبلغ حفظه في حقيبة مختومة، وخدم الممثلين الذين اشتروه وكان يغسل لهم أرجلهم: واستطاع أن يصيرهم كلهم مسيحيين: وجعلهم يتركون المسرح. وكان القديس لا يأكل سوى الخبز الجاف والماء، ولم يتوقف لسانه عن تلاوة الآيات الكتابية.

تحريره

بعد فترة وجيزة أصبح كل هؤلاء الممثلين قديسين بعدما علّمهم وساعدهم على سلوك طريق البرّ، وسرعان ما عرفوا قدره فحرّروه من الرق لأنه حرّرهم من الوثنية. فكشف لهم حقيقة أمره وطلب منهم أن يذهب إلى مكان آخر بعدما رد لهم المال الذي أخذه منهم.

في أثينا

سافر إلى أثينا وجاع هناك ولم يجد من يطعمه خبزًا ولم يكن يحمل مالاً ولا غطاء. ولما مرّ اليوم الرابع صعد إلى مكان عال، ٍ حيث يجتمع أشراف المدينة وصرخ بصوت مرتفع: "يا رجال أثينا ساعدوني". فلما تجمع حوله الناس قال لهم: "إني مصري الجنس وقد وقعت بين ثلاثة من الدائنين، رحل اثنان منهم عني بعدما أخذا مالهما، ولم يفارقني الثالث!"

قال له الفلاسفة: "أرنا هؤلاء الدائنين لنساعدك".

أجابهم قائلاً: "إنني منذ صباي أحببت المال والزنا وشهوة البطن التي تضغط عليَّ. وقد تحرّرت من الأولين، ولم أتخلص بعد من شهوة البطن، لأن لي أربعة أيام وهي تطالبني بالدين!"

ظن الفلاسفة أنه اخترع ذلك لاحتياجه إلى المال فأعطاه أحدهم دينارًا اشترى به رغيفًا من الخبز.

باع نفسه لهرطوقي

في مدينة أخرى باع نفسه لمسيحي يتبع مذهب هرطوقي. فمكث معه في بيته سنتان، علّمه فيهما مبادئ الإيمان الصحيح. ولم ينظر إليه بعد ذلك كعبدٍ بل كأب وسيد وامتدح حكمته ومجّد إلهه الذي أرسله إليه.

إلى روما

مرة قرر الذهاب إلى روما وركب سفينة من الإسكندرية. ومرّ اليوم الأول وجلس البحارة يتناولون طعامهم أما هو فلم يأكل، وهكذا حتى مرّ اليوم الرابع فسألوه عن سبب عدم أكله، فعرّفهم بأنه لا يحمل طعامًا ولا مالاً. فأشفقوا عليه وأطعموه إلى أن وصل إلى إيطاليا.

كان هدفه من هذه الزيارة اللقاء مع راهبة اشتهرت بالبرّ الذاتي، فذهب لمن تخدمها وأعلمها بأنه قد أتى من عند الرب لزيارتها. وبعدما انتظر يومين رآها وبادرها بالسؤال: "هل أنت حيّة أم ميتة؟" فأجابته قائلة: "إنني أؤمن أنني ميّتة". فقال لها: "إنه من السهل على من مات عن العالم أن يفعل كل شيء ماعدا الخطية"، ثم أضاف قائلاً: "أخرجي من دارِك إلى خارج"، فقالت له: "إن لي خمسة وعشرين عامًا لم أخرج فيها إلى الآن". فقال لها: "من مات عن العالم فخروجه ودخوله سواء". ثم أخذها وذهب إلى الكنيسة.

في الطريق قال لها: "هل تستطيعين أن تخلعي ملابسك وتضعينها فوق رأسك في الشارع؟" فأجابته بأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك لئلا يتعثر الناس. فقال لها: "إن كنتِ قد متِّ عن العالم فهل يعنيكِ قول الناس أنك قد فقدتِ عقلك؟" ثم نصحها بألاً تعتقد بأنها أصبحت أكثر كمالاً من غيرها. ولما وضع حدًا لكبريائها ولقّنها التواضع الحقيقي عاد إلى البرية في وادي النطرون وعاش هناك ستّين عامًا، ثم تنيح بشيبة صالحة.

بستان القديسين، صفحة 54.

سيرابيون القديس

جاء في كتاب "مشاهير الآباء" للقديس جيروم:

رأيناه في إقليم أرسينوي (الفيوم)، وكان شيخًا وأبًا للأديرة ولرهبانها الذين كانوا نحو عشرة آلاف رجلاً: وكان يهتم باحتياجاتهم كلها.

وكان الذين يحصدون في الحقول يأتون له بكمية 12 أردبًا، كان يقدمها لخدمة ذوي الحاجة. ويوزعها بيده. حتى يأخذ كل الفقراء في المنطقة نصيبهم، كما أرسل لفقراء الإسكندرية عطاياهم.

وكان آباء البرية لا يهملون حاجات الفقراء. ولكن نظرًا لانشغالهم في حياة الجهاد الروحي، فكانوا يملأون المراكب بالطعام والملبس ويرسلونها، من عام لآخر، إلى فقراء الإسكندرية (العاصمة). لأن الفقراء الذين كانوا يعيشون حولهم (في الصحراء) كانوا قلائل.

وقد رأينا في منطقة بابليون (مصر القديمة) وممفيس (البدرشين) الكثير من الآباء العظام، وكانوا بلا حصر. وكانوا من الرهبان الذين تزّينوا بالأعمال الصالحة، وكانوا مباركين ومقبولين لدى الله.

سيرابيون الكبير القديس

كان متوحدًا في جبل نتريا، ويُذكَر اسمه مع مكاريوس Macarius، بامبونيوس Pambonius وهيراكلياس Heraclius وآخرين، الذين اشتهروا واجتذبوا كثيرين حولهم في زمن الإمبراطور قنسطنطيُس Constantius، وحفظوا الإيمان السليم الذي وضعه آباء مجمع نيقية.

كان معاصرًا للقديس أنطونيوس، وزاره بولا Paula سنة 386م، وميلانيا الكبرى Elder Melania سنة 387م، وبالاديوس Palladius سنة 390م.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 614.

سيريكوس أسقف روما

يشتهر هذا الأسقف الروماني بتعاليمه وحماسه وغيرته الدينية ومقاومته للهرطقات، وإعادة النظام إلى الكنيسة بالقوانين التي أصدرها.

من الهراطقة الذين قاومهم هذا الأسقف هم الراهب جوفينيان Jovinian الذي أنكر دوام بتولية السيدة العذراء، وبونوسوس Bonosus أسقف سارديكا الذي شاركه في هذه الهرطقة.

فرض التبتل على الإكليروس في روما

كتب القديس رسالة إلى هيمريوس أسقف تاراجونا Himerius of Tarragona، وطلب منه أن ينشرها إلى بقية الأساقفة، وفيها يرد على الأسئلة التي وجّهها هيمريوس إليه. ومن ضمن نقاط هذه الرسالة طلب سيريكوس من الكهنة والشمامسة المتزوجين قبلاً أن يمتنعوا عن العلاقة الزوجية، ويُعتَبر هذا الخطاب أول أمر رسمي معروف يفرض التبتل على الإكليروس في كرسي روما.

من أعماله أيضًا أنه بنى كاتدرائية القديس بولس التي وسعها الإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول.

وقد جلس على كرسي روما 15 سنة إلى أن تنيّح بسلام سنة 399م.

Butler, November 26.

سيريناس البستاني الشهيد

إلى يوغوسلافيا

كان يونانيًا بالمولد، وترك كل ما له ليخدم الله في حياة الوحدة والبتولية. ذهب بهذه النية إلى سيرميام Sirmium (يوغوسلافيا الآن) واشترى بستانًا وقام بزراعته وكان يعيش على الفاكهة والخضروات التي ينتجها.

سيدة تتمشى في بستانه

عندما ثار الاضطهاد ضد المسيحيين اختبأ عدة شهور، ولكنه عاد إلى بستانه. وفي أحد الأيام وجد امرأة تتمشى في بستانه، فسألها بحرجٍ عما تفعله في ملكية رجل متوحد مثله، فأجابته بأنها تستمتع بالمشي في هذا البستان على وجه الخصوص، فرد عليها بحسمٍ وهو مصمم ألا يسمح لها بالبقاء إذ أدرك أنها إنما أتت إليه بنية غير سليمة: "إنه وقت القيلولة ومن غير المناسب لسيدة في مركزِك أو وقارِك أن تمشي في هذا الوقت غير اللائق الذي لا يخرج أو يتمشى فيه إنسان محترم".

إذ سمعت السيدة هذا التوبيخ هاجت وكتبت في الحال لزوجها الذي كان من ضمن حراس الإمبراطور ماكسيميان، واشتكت له بأن سيريناس قد أهانها، فذهب زوجها إلى الإمبراطور طالبًا العدل قائلاً: "بينما نقوم نحن بخدمتك والسهر على سلامتك تتعرض زوجاتنا للإهانة بعيدًا في بلادنا". أعطاه الإمبراطور خطابًا إلى حاكم المقاطعة لكي ينصفه.

استدعى الحاكم سيريناس وسأله: "كيف تكون من الوقاحة حتى تهين زوجة الضابط في بستانك؟" تعجب سيريناس ورد قائلاً: "حسب علمي إني لا أتذكر أنني أهنت أية سيدة، ولكني فقط أتذكر أن سيدة أتت إلى البستان في وقت غير مناسبٍ وقالت أنها جاءت لتتمشى، فقلت لها أنه لا يليق لامرأة في مركزها أن تأتي وتتمشى بالخارج في مثل هذه الساعة".

اشتياقه للإستشهاد

هذا الدفاع جعل الضابط نفسه ينظر إلى الموضوع بوجهة نظر مختلفة، إذ أدرك أن سيريناس بريء بينما زوجته هي المخطئة ولذلك سحب دعواه على البستاني.

لكن كلام سيريناس أثار شكوك الحاكم، إذ علم أن إنسانًا بمثل هذا التدقيق لابد أن يكون مسيحيًا، فسأله عن ديانته فأجاب القديس بحسم: "أنا مسيحي"، ولما سأله إن كان يقدم القرابين للآلهة أجاب سيريناس: "أشكر الله الذي حفظني حتى هذا الوقت، لقد بدا لي أن الله قد رفضني لكوني حجر غير صالح في بنائه، ولكني أرى الآن أنه يدعوني لكي يكون لي مكان فيه. وإني مستعد أن أتألم من أجله، فربما يكون لي مكان في مملكته مع قديسيه". أجابه الحاكم بدهشة: "حيث أنك حاولت التهرب من قرارات الملك ورفضت أن تضحي للآلهة، فإنك تموت بقطع رأسك".

فعلاً قام بتنفيذ الحكم واستشهد القديس سيريناس سنة 302م.

Butler, February 23.

سيريناس القديس

يوجد أكثر من شهيد وقديس يحملون اسم سيريناس:

1. سيريناس وسيريناس الشهيدان: اثنان من تلاميذ أوريجينوس كانا يحملان نفس الاسم، عُذِّبا أثناء اضطهاد سويروس Severus مع الشهيد بلوتارش Plutarch. تعيِّد لهما الكنيسة الغربية في الثامن والعشرين من شهر يونيو.

2. الأب سيريناس: من آباء صحراء نتريا، كان في غاية النسك والتقشف وتميز بكثرة فضائله. وقد زاره كاسيان سنة 395م وتحدثا معًا مرتين: في المرة الأولى كلّمه الأب سيريناس عن طبيعة الروح، وسرعة انتقال الأفكار، وتأثير الأرواح الشريرة عليها، وضرورة تثبيت الإرادة نحو الله. أما في المرة الثانية فكلّمه عن طبيعة الأرواح الشريرة، وسقوطها، وعملها.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 615 - 616.

سيسوي صيصوي الأب

راجع صيصوي (الأنبا شيشوي).

سيسيليا أو سيسيل أو كيكلية العذراء الشهيدة

زواج عجيب

وُلدت في بداية القرن الثالث. كانت من أشراف روما ونشأت نشأة مسيحية، وكانت تلبس ثوبًا خشنًا تحت الملابس التي تليق بطبقتها. وكانت تصوم عدة أيام في الأسبوع ووضعت في قلبها أن تظل عذراء من أجل محبة الله. ولكن والدها كان له رأي آخر، إذ زوجها من أحد شباب الأشراف اسمه فالريان Valerian. قبل زفافها بثلاثة أيام، دخلت سيسيل حجرتها وأغلقت على نفسها واعتكفت للصلاة تطلب مشيئة الله ومعونته لتحقيقها. طلبت منه أن يسندها في تحقيق نذرها له بأن تعيش بتولاً. كما طلبت منه أن يصنع رحمة مع خطيبها فيقبل الإيمان بالسيد المسيح وأن يحب حياة البتولية.

بعد صلوات حارة نامت سيسيل فرأت في حلمٍ ملاكًا يطمئنها بأن الرب قد استجاب طلباتها.

في يوم عُرسِها، وسط الموسيقى وصخب المدعوين جلست سيسيليا في أحد الأركان ترنم لله في قلبها وتصلي طالبة المعونة منه. حين اختلت مع زوجها في حجرتيهما استجمعت شجاعتها وقالت له برفق: "عندي سر لابد أن أقوله لك. يجب أن تعرف أن لي ملاك من الله يراقبني، وإذا اقتربت مني كزوج فإنه سيغضب منك ويؤذيك، ولكن إذا احترمت عذراويتي فسوف يحبك كما يحبني". أجابها فالريان: "أريني هذا الملاك، فإذا كان من الله فعلاً فسوف أبتعد عنكِ كما ترغبين". فقالت له القديسة: "إذا آمنت بالواحد الحيّ وقبلت المعمودية فسوف ترى الملاك".

وافق فالريان وذهب ليبحث عن الأسقف إربان Urban وسط الفقراء الذين استقبلوه بكل ترحاب، ثم ظهر الأسقف القديس يحمل المكتوب التالي: "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. واحد هو الله أبو كل أحد وفوق كل أحد وفي كل أحد".

سُئل فالريان: "هل تؤمن بهذا؟" ولما رد بالإيجاب عمَّده الأسقف، ثم عاد إلى سيسيليا فوجد إلى جوارها يقف ملاك، ثم تقدم الملاك ووضع على رأس كل منهما إكليل زهور. وعبقت رائحة جميلة لم يسبق أن اشتمها من قبل.

إيمان أخ زوجها

كان لفالريان شقيق اسمه طيبورتيوس أو تيبورتيوس Tiburtius، فتكلم فالريان مع شقيقه عن الله الواحد الحقيقي. أظهر طيبورتيوس في البداية عنادًا وكان يسأل: "من هو الذي قام من القبر حتى يخبرنا عن تلك الحياة الأخرى؟" فأخذت سيسيليا تكلمه طويلاً وحدثته عن السيد المسيح، فآمن هو الآخر ونال المعمودية وللحال اختبر أشياءً مدهشةً. من تلك اللحظة كرَّس الشقيقان نفسيهما للكرازة بالسيد المسيح وأعمال البرّ.

القبض على الزوج وأخيه

بسبب غيرتهما وحماسهما في دفن أجساد الشهداء قُبِض عليهما وأُحضِرا أمام ألماخيوس Almachius الوالي. بدأ الوالي يستجوبهما، فأجابه فالريان أنه هو وشقيقه يؤمنان بيسوع المسيح ابن الله، ثم بدأ يقارن بين أمجاد السماء الأبدية وأفراح العالم الزمنية. لكن ألماخيوس قاطعه وأمره أن يُخبِر المحكمة إن كان يوافق أن يذبح للآلهة فيطلق سراحه.

أجابه الشقيقان بصوت واحد: "ليس للآلهة بل لله الواحد نقدم له ذبيحة يومية".

أمر الحاكم بجلدهما فذهبا فرحين، وكان فالريان يقول للمسيحيين الحاضرين: "لا تجعلوا تعذيبنا يخيفكم ويبعدكم عن طريق الحق بل اثبتوا في الله الواحد، واطرحوا تحت أقدامكم الأوثان الخشب والحجارة التي يعبدها لماخيوس". ومع هذا كان الحاكم مستعدًا للعفو عنهما إن هما تراجعا.

استشهادهما

مستشار الحاكم أخبره بأنهما سيستفيدان من الوقت في توزيع ممتلكاتهما وبهذا يحرمان الدولة منها، فحكم عليهما بالموت وقطعوا رأسيهما على بعد أربعة أميال من روما. واستشهد معهما أحد المسئولين في الدولة اسمه ماكسيموس Maximus الذي أعلن إيمانه المسيحي حين عاين شجاعة الشهيدين وثباتهما.

سيسيليا الكارزة

دَفَنت سيسيليا أجساد الشهداء الثلاثة، ثم جاء دورها لكي يُطلَب منها أن تنكر إيمانها، وبدلاً من أن تفعل ذلك استطاعت أن تحوّل كل الذين أتوا إليها لهذه المهمة، حتى أن الأسقف إربان حين أتى لزيارتها في منزلها عَمَّد 400 شخصًا.

كان أحدهم ويدعى جورديان Gordian رجل ذو مكانة في الدولة، أنشأ كنيسة في منزله كرَّسها الأسقف إربان فيما بعد.

استشهادها

أخيرًا أُحضِرت القديسة إلى المحكمة، فأخذ ألماخيوس يجادلها محاولاً التأثير عليها، فكانت تسخر منه ومن كلامه، فحكم عليها أن تُخنَق في حمام منزلها، ومع أن النيران حُمِّيَت سبعة أضعاف إلا أن القديسة ظلت يومًا وليلة دون أن يصيبها أية أذية، فأرسل الوالي إليها أحد الجنود ليقطع رأسها.

ضربها الجندي ثلاث مرات على عنقها وتركها ملقاة ظنًا منه أنها ماتت، إلا أنها ظلت حيّة ثلاثة أيام تنزف دمًا، أتى خلالها المسيحيون ليكونوا إلى جوارها، وسَلَّمت الأسقف إربان منزلها ليكون تحت رعايته، ثم دُفِنت بعد ذلك في عام 230م.

Butler, November 22.

سيسيليانوس الأسقف

رئيس شمامسة وشهوة الاستشهاد

كان رئيس شمامسة ثم أسقفًا على قرطاجنة سنة 311م.

حين كان رئيس شمامسة، كان مؤيدًا لأسقفه مينسوريوس Mensurius في معارضته الاشتهاء الخاطئ للاستشهاد، إذ كان المسيحيون في شمال أفريقيا يبالغون في تشوقهم للاستشهاد، وبلغ هذا مداه بعد اضطهاد دقلديانوس. كان الشعب يطلبون الموت بأيدي الوثنيين حتى يُكَرَّموا بعد موتهم كشهداء ومعترفين، البعض بروح مسيحية صادقة تثير الإعجاب، ولكن آخرين لافتراضهم أن صليب الشهيد سوف يغسل في الأبدية أتعاب الحياة كلها وحماقاتها والخطايا والجرائم. كان من المستحيل التفريق بين هاتين الفئتين من الشعب، فكان التصرف السليم هو أن تُثَبَّط تلك الشهوة الخاطئة باللين أولاً، ولكن إن لم تفلح فبالقوة والأساليب العنيفة.

سيامته أسقفًا

بعد نياحة مينسوريوس، رُشِّح سيسيليانوس خلفًا له، ولكن هذا الترشيح واجهته معارضة شديدة من الفئة التي قاوم سيسيليانوس شهوتها في الاستشهاد. هذه المجموعة رَشَّحت شخصًا آخر، فانقسم المؤمنون في قرطاجنة إلى مجموعتين من المؤيدين والمعارضين لسيسيليانوس. واشتد الانقسام واشتعل الخلاف بين الفريقين، مما استدعى تدخُّل الإمبراطور قسطنطين شخصيًا، وانعقاد مجمع في روما سنة 313م من أجل ذلك الموضوع.

وقد تنيّح الأسقف مينسوريوس سنة 345م.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. I, page 367.

سيسيليوس القديس

يذكره السنكسار الروماني باعتباره كاهنًا من قرطاجنة، وهو الذي جذب القديس كبريانوس إلى الإيمان بالمسيح، ليس فقط بواسطة حجته ومنطقه إنما أيضًا بقدوته وسيرته. كان متقدمًا في السن، ومن الأرجح أن كبريانوس عاش في منزله بعد إيمانه، معتبرًا إياه أبًا لحياته الجديدة.

تذكره بعض المراجع باسم سيسيليانوس Cecilianus، وتقول أنه حين دنت وفاته أوصى تلميذه الحبيب برعاية زوجته وأبنائه، وتنيّح حوالي سنة 248م.

Butler, June 3.

سيسينيوس القديس

كان في الأصل عبدًا كبادوكيًا لكنه أصبح حرًا، ثم آمن بالمسيح وصار تلميذًا للقديس ألبيديوس. عاش معه بالجبل حيث حبس نفسه في مغارة سبعة أعوام، ثم استقر في مقبرة ثلاثة أعوام أخرى، وأصبحت له موهبة إخراج الشياطين. وقد اختير كاهنًا فقاد الناس نحو القداسة.

كان محبًا للغرباء وللفقر الاختياري، موبخًا الأغنياء البخلاء. وقد أعطاه الله نعمة التغلب على شهوات الجسد.

بستان القديسين، صفحة 53.

سيسينيوس الشهيد

شهيد من أنتينوي Antinoe أثناء اضطهاد دقلديانوس، وكان استشهاده مع كولوثُس Colothus الكاهن والطبيب، وعدد كبير آخر ذُكِرت أسماؤهم في سيرة الشهيدين أبادير Apater وإيرائي Irai.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 704.

سيسينيوس ومارتيريوس وألكسندر الشهداء

كارزون بالإنجيل

من الغرباء الكثيرين الذين أتوا للاستقرار في مدينة ميلان، في زمن حكم الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير Theodosius the Great، ثلاثة من مواطني كبادوكيا هم سيسينيوس والشقيقان مارتيريوس وألكسندر. إذ عرف القديس أمبروسيوس سيرتهم وفضائلهم أرسلهم إلى القديس فيجيليوس Vigilius أسقف ترنت Trent الذي كان في حاجة ماسة إلى مبشرين.

رُسِم سيسينيوس شماسًا ومارتيريوس قارئًا، ثم أُرِسل الثلاثة للتبشير بالإنجيل في Tyrolese Alps، حيث كانت المسيحية تنتشر ببطء. وبالرغم من المقاومة وسوء المعاملة كسبوا الكثيرين للمسيح، وبنى سيسينيوس كنيسة حيث كان يجتمع بالمؤمنين لكي يكمل تعليمهم وإرشادهم.

منع الاشتراك في الحفلات الوثنية

إذ استثار نجاحهم في التبشير الوثنيين، حاولوا إجبار المتعمّدين حديثًا على الاشتراك في حفلاتهم الوثنية، فعمل سيسينيوس ورفيقاه بكل قوة لكي يمنعوا المؤمنين من الاشتراك.

استشهادهم

هاجم الوثنيون المبشرين الثلاثة في كنيستهم وضربوهم بشدة حتى استشهد سيسينيوس بعد عدة ساعات.

نجح مارتيريوس في الزحف خارج الكنيسة ولكن المهاجمين عثروا عليه في اليوم التالي وجذبوه من رجليه فوق الصخور الحادة إلى أن استشهد.

هدّدوا ألكسندر حتى ينكر إيمانه محاولين إرهابه بمنظر النار التي أشعلوها في جسدي رفيقيه، ولما فشلوا في ذلك ألقوه حيًا في نفس النار، وكان استشهاد الثلاثة في سنة 397م.

جمع المؤمنون رماد أجسادهم وأخذوها إلى ترنت، وفيما بعد بنى القديس فيجيليوس كنيسة في الموضع الذي تعذبوا فيه.

Butler, May 29.

سيفيريانوس المعترف

احد المعترفين من أفريقيا، مع نوفاتـُس Novatus وبوسيديوس Possidius وذلك تحت حكم جينسيريك Genseric سنة 437م.

سيكستوس الأول أسقف روما الشهيد

خَلَف القديس سيكستوس الأول القديس ألكسندر Alexander على كرسي روما، حوالي نهاية حكم الإمبراطور تراجان Trajan، وجلس على الكرسي حوالي عشرة سنوات، في وقت كان العُرف أن الأسقفية هي طريق للاستشهاد.

في كل السنكسارات القديمة يكرّم القديس سيكستوس كشهيد، وإن كنّا لا نملك أي تفاصيل عن حياته أو وفاته، وإن كان معروفًا فقط أنه كان رومانيًا بالمولد، وأنه كأسقف أول من وضع القانون ألا يلمس الأواني المقدسة إلا الإكليروس فقط. وكانت نياحته في سنة 127م.

Butler, April 3.

سيكستوس الثاني أسقف روما ورفقاؤه الشهداء

قانونية معمودية الهراطقة

جلس سيكستوس على كرسي روما سنة 257م خلفًا لأسقف روما اسطفانوس الأول، واشترك في الجدل الذي ثار في تلك الأيام حول قانونية معمودية الهراطقة. وعندما أثار الإمبراطور فالريان الاضطهاد على المسيحيين سنة 257م استشهد الكثير منهم.

استشهاده

نتيجة للاضطهاد كان المسيحيون يهربون إلى القبور والمغائر حتى يستطيعوا الاحتفال بالأسرار الإلهية بعيدًا عن أعين الإمبراطور الذي منع اجتماعات المسيحيين. وفي أحد هذه الاجتماعات قُبِض على الأسقف سيكستوس أثناء جلوسه على كرسيه ووعظه للشعب، ويقال أنه إما أن يكون استشهد في الحال بقطع رأسه، أو أنه سيق إلى محاكمة ثم نُفِّذ فيه الحكم بعدها بقليل وذلك سنة 258م.

يرى البعض أنه من أكثر أساقفة روما قداسة بعد بطرس الرسول.

تعذب واستشهد معه أربعة شمامسة هم جانواريوس Januarius وفينسنت Vincent وماجنوس Magnus واسطفانوس Stephen ومعهم اثنان آخران استشهدا في نفس اليوم هم فيليسيسيموس Felicissimus وأغابيتوس Agapitus. وكان سابع من استشهد معهم هو الشماس لورانس Laurance الذي استشهد بعدهم بأربعة أيام حسب نبوة القديس سيكستوس له.

Butler, August 6.

سيكوندا وماكسيما ودوناتيلا الشهيدات

ثلاث فتيات من مدينة ثيوبربو Thuburbo بشمال أفريقيا، استشهدن أثناء الاضطهاد الذي أثاره دقلديانوس ومكسيميانوس.

قد وردت سيرتهن في حرف "د" تحت "ماكسيما، دوناتيلا وسيكوندا الشهيدات.

سيكوندس1

كان أسقفًا على Tigisi مدينة محصّنة في نوميديا Numidiaومطرانًا لكل نوميديا. كان متعاطفًا هو ودوناتس مع مقاومي Mensurius أسقف قرطاجنة.

بلغ الاضطهاد في أيام دقلديانوس قمته في فبراير سنة 304م. مات بولس Paulus أسقف Cirta وفي 5 مارس (يقول Optatus 8 مايو) سنة 305م اجتمع 11 أو 12 أسقفًا في Cirta تحت رئاسة سيكوندس مطران نوميديا لتعيين خلف له. من الجانب النظري كان الاضطهاد قد توقف، لكن عمليًا لم تكن الكنائس قد أعيد بنائها فاجتمعوا في بيت Urbanus، وفيه تمت سيامة سلوانس Silvanus.

سيكوندس الغنوصي

تحدث عنه القديس إيريناؤس في كتابه ضد الهرطقات (11: 1: 2). من رجال القرن الثاني، وهو أقدم تلاميذ فالنتينوس وخلفائه.

سيكوندينوس القديس

القديس سيكوندينوس أو سيكنال Sechnall حسب الترجمة الأيرلندية لاسمه. كان أحد ثلاثة أُرسِلوا من بلاد الغال لمساعدة القديس باتريك Patrick.

وصل أيرلندا سنة 439م، يصحبه أوكسيليوس Auxilius وإيسيرنينوس Iserninus وأنه تنيّح هناك سنة 477م في سن الثانية والسبعين.

ويُذكَر عن هذا القديس كتابته للترانيم، فكان أول من كتب ترنيمة لاتينية في أيرلندا، كانت بداياتها مرتبة على الحروف الهجائية، ونظمها في مدح القديس باتريك.

Butler, November 27.

سيلا الرسول

ذكر لهذا القديس في سفر أعمال الرسل أثناء الحديث عن مجمع أورشليم الذي انعقد لبحث مشكلة تهود الأمم. لكن يبدو أنه كان له وضع متميز في كنيسة أورشليم (أع22: 15). ومن هنا فقد أوكلت إليه تلك الكنيسة مع يهوذا الملقب بارسابا، أن يرافقا بولس وبرنابا لتبليغ كنائس إنطاكية وسوريا وكيليكية قرار المجمع. ويقول عنه سفر الأعمال أنه ذهب ووعظ الاخوة بكلام كثير وقواهم لأنه كان نبيًا (أع22: 1 - 23).

كان مواطنًا رومانيًا نظير بطرس (أع23: 16) ومن هنا جاء اسمه اللاتيني "سلوانس"، أما سيلا فهو اسم يوناني مأخوذ عن الأصل الآرامي "شئيلا".

غالبًا عاد إلى أورشليم بعد أن أتم المهمة التي كلفته بها كنيستها (أع3: 15)، ويبدو أيضًا أنه ذهب بعدها ثانية إلى إنطاكية، فقد اختاره القديس بولس رفيقًا له في الخدمة الكرازية خلفًا لبرنابا (أع40: 15) في رحلته الثانية (أع18: 15 - 22). رافق القديس بولس حينما اجتاز في سوريا وكيليكية يشدد الكنائس، وكذا في فريجية وكورة غلاطية. وبعد أن ظهرت لبولس رؤيا الرجل المكدوني، رافقه إلى فيلبي في مقاطعة مكدونيا (أع12: 16 - 39). وفي فيلبي احتمل سيلا مع القديس بولس الضرب بالعصي وزجّ به في السجن، حيث حدثت المعجزة وفُتحت أبواب السجن وآمن حافظ السجن (أع25: 16 - 32). ومن فيلبي رافق القديس بولس إلى تسالونيكي ثم إلى بيريه، حيث تخلف هو والقديس تيموثاوس عن مصاحبة بولس إلى أثينا، لكنه لحقه فيها بعد ذلك ورافق بولس في كورنثوس، ثم لا نعود نقرأ عنه شيئًا بعد ذلك في سفر أعمال الرسل. ويقال أنه أنهى حياته بسفك دمه على اسم المسيح في مكدونيا.

الكنيسة في عصر الرسل، صفحة 346.

سيلبون الشهيد

من الشهداء العسكريين في بابلون بمصر، استشهد مع اثنين آخرين هما بفنوتيوس Paphnutius وبانيسنيو Panesniu، أثناء اضطهاد دقلديانوس.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 668.

سيلفانوس الأب القديس

راجع سلوانس سيلفانوس القديس.

سيلفانوس الأسقف الشهيد1

سيلفانوس الجندي الكارز

أسقف غزة Gaza، ومن شهداء اضطهاد ماكسيميان سنة 305م. بحسب التقليد اليوناني خدم سيلفانوس كجندي قبل أن يبدأ خدمته المقدسة، ونجح نجاحًا كبيرًا في تحويل الكثير من الوثنيين إلى المسيحية.

الأسقف المنفي والشهيد

كان سيلفانوس مازال كاهنًا حين بدأ اضطهاد ماكسيميان، ومنذ بدايته تحمَّل القديس الكثير من المعاناة احتملها بكل صبر. أخيرًا حُكِم عليه ومع تسعة وثلاثون آخرون بالنفي إلى مناجم النحاس في فينو Phaeno بفلسطين، وقبل فترة قصيرة من استشهاده - التي كانت من الأواخر في فلسطين - نال درجة الأسقفية.

يتكلم يوسابيوس بكل تقدير عن احتماله وصبره كمسيحي. وأخيرًا استشهد بقطع رأسه في الرابع من مايو سنة 308م.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 669.

سيلفانوس الأسقف الشهيد2

اسقف إميسا Emesa ومن شهداء اضطهاد دقلديانوس. كان في سن الشيخوخة بعد أن قضى أربعين سنة على كرسي الأسقفية، وكان استشهاده بأن ألقوه للوحوش المفترسة.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 669.

سيلفستر الأول أسقف روما

ولد هذا الأب بروما، ونظرًا لفضائله ونسكه وعلمه اُختير لأسقفية روما بعد انتقال ملطيانوس) ميلتيادس St. Miltiades) سلفه سنة 314م.

كانت سيرة هذا الأب مضيئة جدًا لمداومته على تعليم الشعب وإزالة الشكوك من نفوسهم، وتفسير ما يعسر عليهم فهمه، ومناقشة المبتدعين، حتى رد كثيرين منهم إلى الإيمان بالسيد المسيح وعمدّهم. وقد وضع كتبًا كثيرة في معرفة الله وفي سرّ التجسد.

معاصر للإمبراطور قسطنطين

كان معاصرًا للإمبراطور قسطنطين، وكان جلوسه على كرسي روما بعد أقل من سنة من إصدار الإمبراطور مرسوم ميلان الذي أعطى الحرية للديانة المسيحية. جاء في السنكسار الروماني أن هذا الأسقف عمَّد الإمبراطور قسطنطين، مع أنه من المعلوم أن قسطنطين ظلّ ضمن الموعوظين حتى رقد على فراش الموت، وحينئذ استدعى أحد الأساقفة الأريوسيين فعمّده في نيقوميديا Nicomedia، وكان ذلك بعد نياحة سيلفستر بثمانية عشر شهرًا.

مجمع نيقية

حين انعقد مجمع نيقية Nicea المسكوني الأول سنة 325م، لم يحضر سيلفستر بنفسه إنما أرسل مندوبين عنه، وقد أدان المجمع بدعة أريوس ولكن كان هذا بداية خلاف وجدل طويل داخل الكنيسة. ولم يوجد أي تسجيل أو توثيق أن سيلفستر قد اعتمد رسميًا توقيع مندوبيه على قرارات المجمع.

قد عاصر البطريرك سيلفستر انتقال عاصمة الإمبراطور قسطنطين من روما إلى بيزنطة Byzantium سنة 330م، وهو أول من بنى كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان Vatican، كما بنى عدة كنائس أخرى دفن في إحداها بعد نياحته سنة 335.

ولما أكمل سعيه الصالح تنيح بسلام بعد أن أقام على الكرسي 11 سنة.

Butler, December 31.

سيلكو الملك

اول ملك مسيحي على النوبة، عاش في أوائل القرن السابع الميلادي. وهو الذي طرد الـ Blemmyes من منطقة فيلة المجاورة، وأقام نصبًا تذكاريًا لانتصاره، هذا مازال قائمًا حتى الآن.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. IV, page 668.

سيليرينس المعترف القديس

رسالته إلى لوسيانوس

من المعترفين في روما، ويبدو أنه قد عُذِّب أمام الإمبراطور ديسيوس Decius شخصيًا. وقد كتب سنة 250م رسالة مملوءة حزنًا إلى لوسيانوس Lucianus المعترف الذي من قرطاجنة Carthaginian، يتضرع إليه من أجل مسامحة أختيه نومريا Numeria وكانديدا Candida. وكانت الأخيرة قد ضعفت وبخرّت للأوثان بينما الأولى لتجنب ذلك دفعت رشوة. وقد ندمت الأختان وتابتا، ومن أجل التكفير عن ذنبهما عملتا على الاهتمام باللاجئين من قرطاجنة في مدينة روما، واعترفتا أمام أحد الكهنة في روما، ولكن قبولهن مرة أخرى في شركة الكنيسة تأجل لحين اختيار أسقف جديد.

أسرة شهداء

يقال أن سيليرينس ينتمي إلى أسرة شهداء: فجدّته سيليرينا Celerina وعمَّيه لورنتينوس Laurentinus وأغناطيوس Ignatius كانا جنديين رومانيين، استشهد جميعهم وتعيِّد لهم كنيسة قرطاجنة يوم 3 فبراير. وقد عاد بعد ذلك سيليرينس من روما إلى قرطاجنة حيث رسمه كبريانوس شماسًا.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. I, page 433.

سيمبليسيان الأسقف القديس

تأثيره على القديس أغسطينوس

كان أسقفًا على مدينة ميلان بإيطاليا، واكتسب شهرة حين كان كاهنًا بسبب صداقته للقديس أغسطينوس وتأثيره على حياته.

ومما أثر في أغسطينوس أيضًا ما علمه عن فيكتورينوس Victorinus الذي كان معلمًا في روما وتتلمذ عليه الكثير من أكابر المدينة، ثم تحول إلى المسيحية وتعمّد على يد سيمبليسيان وبتشجيع منه، بعد أن كان محرجًا من إعلان مسيحيته أمام أصدقائه.

وحين أمر يوليانوس الجاحد بمنع المسيحيين من التعليم لم يتردد فيكتورينوس في هجر التدريس والمدرسة، وقد تأثر أغسطينوس جدًا من هذا الموقف، وبتشجيع من سيمبليسيان والنموذج الذي قدمه فيكتورينوس قاداه نحو تحوله هو شخصيًا إلى حياة التوبة.

امتدح القديس أمبروسيوس في كتاباته علم سيمبليسيان وحكمته وإيمانه، وعلى فراش الموت رشحه ليكون خليفته على كرسي ميلان.

في عهده ثارت بعض المشاكل نتيجة عدم فهم رسالة بولس الرسول للعبرانيين، فطلب من أغسطينوس ردًا على ذلك.

كان من عادته هو وأغسطينوس أن يلبسا حزامًا من جلدٍ أسود، بناءً على رؤيا يُقال أنها أُعلِنت للقديسة مونيكا حيث أخبرتها السيدة العذراء أن تلبسه تكريمًا لها.

تنيّح هذا القديس سنة 400م بعد أن جلس على كرسي الأسقفية لمدة ثلاث سنوات.

Butler, August 13.

سيمبليسيوس الأسقف القديس

كان أسقف أوتُن Autun منذ سنة 390م على ما يبدو، اشتهر بكثرة فضائله واستقامة سيرته وأعمال الرحمة، ومن المحتمل أن يكون هو الأسقف سيمبليسيوس الذي ذكره القديس أثناسيوس كأحد المُوَقِّعين على قرارات مجمع سارديكا Sardica سنة 347م.

متزوج بتول

انحدر القديس من أسرة عريقة، وتزوج من شابة غنية مثله واتفق مع زوجته أن يعيشا في حياة البتولية مكرِّسين نفسيهما لأعمال الخير.

وبعد اختياره أسقفًا كثرت الأقاويل والشائعات في المدينة التي كان معظم أهلها من الوثنيين، لأن الأسقف الجديد استمر يعيش تحت سقفٍ واحدٍ مع زوجته.

لكي يبررا نفسيهما أمام الرعية أخذا جمر نار ووضعاه في ملابسهما ووقفا أمام الجمع لمدة ساعة كاملة بدون أن تحرقهما النار أو تحرق ملابسهما. وكانت هذه المعجزة مؤثرة ومقنعة للجموع، قيل أن بسببها أكثر من ألف وثني آمن بالمسيح وطلب المعمودية.

تمثال الإلهة بِريسينثيا

معجزة أخرى كان لها تأثيرها القوي في تحويل عدد كبير من الوثنيين إلى المسيحية حدثت في عيد الإلهة بِريسينثيا Berecynthia الذي كان يُعتبر مناسبة لممارسات الأعمال الشائنة. أثناء احتفال الجموع بالعيد والمرور بالوثن في الحقول لمباركتها، وقف القديس أمام الجمع وصلى إلى الله ثم رفع يديه ورشم علامة الصليب، وفي الحال وقع التمثال إلى الأرض وفشلت كل المحاولات لرفعه مرة أخرى، بل وأكثر من ذلك رفضت الحيوانات التي كانت تجر العربة الموضوع عليها التمثال أن تتحرك خطوة واحدة إلى الأمام.

Butler, June 24.

سيمفوروزا وأولادها السبعة الشهداء

أرملة الشهيد جيتوليوس Getulius، كانت تعيش مع أولادها السبعة في تيفولي Tivoli بالقرب من روما، وذلك خلال مُلك الإمبراطور هادريان.

أصدر الإمبراطور منشورًا يطالب فيه الكل بتقديم الذبائح للأوثان، وذلك حين علم بنبوءة تقول أن مدة حكمه في الإمبراطورية تعتمد على تقديم القرابين للآلهة. رفضت سيمفوروزا أن تطيع الأمر، فنالت عذابات كثيرة وأخيرًا أُغرِقَت في نهر أنيو Anio فنالت إكليل الشهادة.

في اليوم التالي حاول الإمبراطور مع أولادها السبعة كريزنس Crescens، جوليان Julian ونيميسيوس Nemesius وبريماتيفُس Primativus وجوستين Justin وستاكتيوس Stacteus وأوجينيوس Eugenius، ولكنه لم ينجح مع أيًّ منهم، فاستشهدوا جميعًا بطرق مختلفة.

Butler, July 18.

سيمفوريان الشهيد

عاش في حوالي القرن الثاني أو الثالث الميلادي في مدينة أوتونAutun ببلاد الغال، بالقرب من ليون بفرنسا حاليًا، والتي اشتهرت بعبادة الآلهة سيبيل Cybele وأبوللو Apollo ودياناDiana.

تمثال سيبيل

في أحد أيام الاحتفالات الدينية في عهد مرقس أوريليوس حوالي سنة 180م، حُمِل تمثال سيبيل في عربة وطيفَ به في الشوارع، وبسبب عدم الاحترام الذي أظهره سيمفوريان نحو التمثال، حُمِل بواسطة الجمع واقتيد إلى هيراكليوس حاكم المنطقة الذي كان شديد التعلق بوثنيته، وقد حاول جذب المسيحيين إلى الوثنية عن طريق الحجة والبرهان.

سأله الحاكم عن سبب عدم احترامه للآلهة، فأجاب بأنه مسيحي ولا يعبد إلا الإله الحقيقي وحده، وأنه لو كان معه مطرقة لهوى بها على التمثال وكسره.

كان الرد مثيرًا للحاكم فسأل إن كان الرجل من سكان المنطقة، فأجابه أحدهم بالإيجاب وأنه من عائلة شريفة. تحدث الحاكم القديس قائلاً: "إنك تراهن بأصلك الشريف أو ربما أنك لا تدري بأوامر الإمبراطور". وأمر الحاكم بقراءة المنشور الإمبراطوري ثم سأله: "ماذا تقول عن ذلك يا سيمفوريان؟" ولما استمر الشهيد في إظهار عدم احترامه للوثن أمر الحاكم بضربه ثم أرسله للسجن. مرة أخرى أحضره أمامه، ولما استمر الشهيد في ثباته أمر الحاكم بقتله بالسيف.

تشجيع والدته له

في طريقه للقتل خارج المدينة وقفت أمه على سور المدينة لتراه وصرخت نحوه: "يا ابني سيمفوريان تذكَّر الله الحي وكن شجاعًا. لا تَخَف فإنك تذهب إلى الموت الذي يقودك إلى الحياة الأكيدة".

قُطِعت رأسه ودفن جسده في مغارة، وفيما بعد في القرن الخامس بنيت كنيسة فوق ذلك المكان تكريمًا له.

Butler, August 22.

الاستشهاد في المسيحية، صفحة 174.

سيمون الأول البابا الثاني والأربعون

خلاف حول اختيار البابا

إذ تنيح الأنبا اسحق البابا الحادي والأربعون (من رجال القرن السابع) حدث خلاف بين كهنة كنيسة القديس مار مرقس الرسول بالإسكندرية وكهنة كنيسة الإنجيليين بالمدينة. فقد مال الأولون إلى ترشيح القمص يوحنا بدير الزجاج بكونه رجلاً عالمًا كاتبًا، بينما الآخرون رشحوا القمص بقطر بدير تفسر بكونه رجلاً فاضلاً.

مال الكُتاب الأقباط إلى القمص بقطر الذي رشحه كهنة كنيسة الإنجيليين، وكان عددهم مائة وأربعين كاهنًا، بينما كان الفريق الأول يساعده الكاتب المتولّي وكتب تادرس أرخن مدينة الإسكندرية إلى الوالي يذكر له أن القمص يوحنا بدير الزجاج هو الذي وقع عليه الاختيار ليكون بطريركًا.

استدعى الوالي القمص يوحنا، فذهب وكان معه بعض كهنة الإسكندرية والأرخن تادرس كما كان معه تلميذه سيمون. سُرّ الوالي بالقمص يوحنا، إذ كان شخصًا بهيًّا في المنظر، وإذ سأل الوالي الأساقفة عن سلوكه مدحوه.

لكن أحد الأساقفة قال: "هذا لا ينبغي أن يكون لنا بطريركًا". فصمت بقية الأساقفة، عندئذ سأله الوالي: "من تراه يصلح للبطريركية؟" أجابه أن المستحق لهذه الرتبة سيمون.

استدعاه الوالي وإذ سأل عن جنسه قيل له أنه سرياني من أهل الشرق. فقال للأساقفة: "أما كان الأفضل أن تختاروا لكم بطريركًا من بلادكم؟" أجابوه: "الذي اخترناه أحضرناه بين يديك، والأمر لله ولك". عندئذ سأل الوالي سيمون عن القمص يوحنا، وهل يليق أن يكون بطريركًا. أجابه: "لا يوجد في كل مصر ولا في الشرق من يستحق هذه الرتبة مثل يوحنا، فهو أبي الروحي منذ صغري، وسيرته كسيرة الملائكة". تعجب الوالي من كلامه، حينئذ قال الأساقفة والكُتاب الأراخنة: "ليحيي الله الأمير لنا سنيًا طويلة، سلّم الكرسي لسيمون فهو مستحق للبطريركية". وإذ سمع الأمير ذلك عن شهادتهم لرجل غريب سمح لهم بإقامته بطريركًا، فمضوا به إلى كنيسة الإنجيليين لسيامته. كان ذلك في عهد خلافة عبد الملك بن مروان، وقد امتنع سيمون كثيرًا عن قبول السيامة وأخيرًا قبل ذلك وكان أبوه الروحي يوحنا متهللاً جدًا بسيامة تلميذه.

في دير الزجاج

كان القديس سيمون سرياني الجنس وقد قدمه والده إلى دير الزجاج الذي فيه جسد القديس ساويرس الإنطاكي الكائن غربي مدينة الإسكندرية، فترهب به وتعلم القراءة والكتابة وحفظ أكثر كتب الكنيسة، ورسمه البابا أغاثون قسًا. وقد ذاع صيت فضائله وعلمه.

سيامته بطريركًا

لما انتخبوه للبطريركية وكُرِس بطريركًا دعا إليه معلمه الروحاني وأوكل إليه تدبير أمور البطريركية، وتفرغ هو للصوم والصلاة والمطالعة. وكان يعيشً على الخبز والملح بالكمون والبقول حتى اخضع النفس الشهوانية للنفس العاقلة الناطقة.

علاقته بأبيه الروحي

خلال محبته وثقته في أبيه الروحي، القمص يوحنا، جعله وكيلاً له، متصرفًا في كل الأمور. كان يستشيره ويسير حسب نصيحته، وعاش الاثنان في محبة كاملة لمدة ثلاث سنوات حتى انتقل القمص يوحنا فكفّنه البابا بنفسه وأخذ بركته، وبنى له قبرًا متسعًا، وطلب أن يدفن فيه معه.

علاقته بكرسي إنطاكية

كتب رسالة إلى يوليانوس بطريرك إنطاكية وأرسلها مع أساقفته، ففرح بها البطريرك وقرأها في كنيسته، وبعث بدوره رسالة كما أكرم الأساقفة الذين جاءوا حاملين إليه الرسالة.

محاولة قتله

عاش البابا كراهبٍ ناسكٍ فلم يكن يأكل سوى الخبز والملح المخلوط بكمّون وبعض البقول ويشرب ماءً. وكثيرًا ما كان ينفرد بعيدًا عن الأساقفة والكهنة لإتمام قوانين الصلاة.

لاحظ أن بعض الكهنة قد أفرطوا في معيشتهم فوبّخهم على ذلك. فابغضه البعض وأرادوا الخلاص منه. وقد أجرى الله على يديه آيات عظيمة، منها أن أربعة كهنة من الإسكندرية قد حنقوا عليه فتأمروا على قتله، واتفقوا مع أحد السحرة فأعطاهم سمًا قاتلاً في قارورة وقدموها للبطريرك على أنها دواء ليستعمله، فأخذها وبعد التناول من الأسرار الإلهية شربها فلم تؤذه.

وإذ فشلوا في مؤامرتهم رَكَّبوا سمًا آخر قاتلاُ ووضعوا منه في التين، واحتالوا على المكلف بعمل القربان حتى منعوه ذات ليلة من عمله وذهبوا إلى البطريرك في الصباح وقدموا له التين هدية وألحوا عليه حتى تناول جانبًا منه. فلما أكله تألم من ذلك ولزم الفراش مدة أربعين يوما. وحدث أن الملك عبد العزيز حضر إلى الإسكندرية وسأل عن البطريرك فعرفه الكتبة النصارى بما جرى له، فأمر بحرق الأربعة كهنة والساحر فتشفع فيهم البابا البطريرك راكعًا أمامه، متوسلاً بدموع كثيرة، فتعجب الملك من حبه ووداعته ثم عفا عن الكهنة وأحرق الساحر ليكون مثلاً.

ازداد هيبة ووقارًا في عيني الملك وسمح له بعمارة الكنائس والأديرة، فبنى ديرين عند حلوان قبلي مصر.

طلب سيامة أسقف للهند

حاول وفد قادم من الهند أن يذهب إلى سوريا ليقوم بطريرك إنطاكية بسيامة أسقفٍ لهم، حيث كانت الهند تابعة له. وإذ لم يستطع الوفد الوصول إلى سوريا طلبوا من البابا سيمون أن يقوم بالسيامة فخشي ببأس الوالي، واعتذر لهم بأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بدون إذن الوالي. فخرج الوفد من عنده واجتمع بهم مجموعة من الخلقيدونيين فأخذوهم إلى بطريرك الملكيين، فسام لهم أسقفًا من مريوط وكاهنين، وساروا سرًّا في الطريق إلى الهند.

بعد عشرين يومًا قبض عليهم قوم من العرب في الطريق، فهرب القس الهندي وعاد إلى مصر، وأوثفوا الثلاثة وأحضروهم إلى الخليفة مروان في دمشق، وإذ علم أنهم من مريوط ومصر اقتص منهم وأرسلهم إلى ابنه عبد العزيز والي مصر موبخًا إيّاه على عجزه من معرفة الأمور الجارية في بلاده، وأخبره بان بطريرك الأقباط المقيم بالإسكندرية قد بعث بأخبار مصر إلى الهند مع رُسل من قبله، وأمره بضربه مائتي سوطًا وتغريمه مائة ألف دينارًا يرسلها إليه بسرعة مع الرسل القادمين إليه.

وصل الوفد الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكان البابا بحلوان بصحبته أحد الأساقفة فاستدعاه وهدّده بالقتل إن لم يعترف بالحقيقة، فروى له أن قسًا هنديًّا داء وطلب سيامة أسقف وأنه رفض السيامة بدون إذن الوالي. لم يصدقه الوالي وهدده بهدم جميع الكنائص وقتل الأساقفة، فطلب البابا منه أن يسأل الذين قُبض عليهم، ولم يخبره بان بطريرك الملكيين قام بالسيامة. طلب البابا مهلة أسبوعًا ليدعو الله فيكشف له الحقيقة، فظن الوالي أن البابا يريد أن يهرب أو ينتحر وأعطاه مهلة ثلاثة أيام.

ظهر القس الهندي واعترف بكل ما حدث بعد أن أخذ وعدًا من الوالي بالعفو عن المذنبين. ألقى الوالي القبض على بطريرك الملكيين وتشفع فيه البابا فعفا عنه. وبعث الوالي إلى والده يؤكد له براءة البابا.

مع القس مينا

كان هذا البابا قد عين قسًا اسمه مينا وكيلاً على تدبير أمور الكنائس وأموالها وأوانيها وكتبها، فأساء التصرف وبلغ به الأمر أن أنكر ما لديه من مال الكنائس. وحدث أنه مرض فانعقد لسانه عن الكلام، ولما سمع البابا البطريرك بذلك حزن وسأل الله أن يشفيه حتى لا تضيع أموال الكنائس. ثم أرسل أحد تلاميذه إلى زوجة ذلك القس ليسألها عن مال الكنائس، فلما أقترب من البيت سمع الصراخ والبكاء وعلم أن القس توفى فدخل إليه وانحنى يقبله، فعادت إليه روحه وجلس يتكلم شاكرًا السيد المسيح ومعترفًا بأن صلاة القديس سيمون عنه هي التي أقامته من الموت، وأسرع إلى البابا البطريرك نادمًا باكيًا وقدّم ما لديه من مال الكنائس.

كان في أيامه قوم يتسرّون على نسائهم فحرمهم حتى رجعوا عن هذا الإثم.

أقام على كرسي البطريركية سبع سنوات وسبعة أشهر ثم تنيّح بسلام.

السنكسار، 24 أبيب.

سيمون الثاني البابا الحادي والخمسون

راهب بجبل شيهيت

كان من أهالي الإسكندرية ابنًا لأبوين مسيحيين من أكابر المدينة، ربّياه تربية مسيحية سليمة وأدباه بعلوم الكنيسة، فاختار لنفسه سيرة الرهبنة، فقصد جبل شيهيت وترهّب في قلاية سلفه الأنبا يعقوب البطريرك، ومكث عنده عدة سنوات أضنك فيها جسمه بالنسك الطويل والتعبد الكثير.

سكرتير البطريرك

ولما قُدِّم الأنبا مرقس الثاني بطريركًا طلبه من أبيه الروحي الأنبا يعقوب، لِما علم عنه من السيرة الصالحة والتدبير الحسن.

لما قُدِّم الأنبا يعقوب أبيه الروحي بطريركًا جعله أيضًا عنده وكان ينتفع به كثيرًا.

سيامته بطريركًا

لما تنيّح الأنبا يعقوب أجمع رأي الأساقفة والكهنة والشعب على تقدمة هذا الأب لِما رأوه فيه مدة إقامته عند الأبوين المذكورين من التقوى والإيمان الصحيح. فأمسكوه وقيدوه ورسموه بطريركًا، فسار السيرة الملائكية المرضيّة للرب.

شاء الله أن ينيّحه فلم يقم على الكرسي سوى خمسة أشهر ونصف ثم تنيّح بسلام، وكانت نياحته سنة 822م. وقد أجمع المؤرخون على أن أيام باباويته قد امتازت بالسكينة والسلام.

السنكسار، 3 بابه.

سينكليتيكي القديسة

أم العذارى المتبتلات

يعدّها بعض المؤرخين ندًا للقديس الأنبا أنطونيوس كوكب البرية، فكما كان الأنبا أنطونيوس أبًا لجميع الرهبان، كانت سينكليتيكي أمًا لتلك المجموعة المتناسقة من العذارى المتبتلات، اللاتي جعلن من وادي مصر الخصيب مقرًا للنعمة الإلهية.

نشأتها

وُلدت سينكليتيكي من أبوين شريفين استقرا في الإسكندرية ليكونا على مقربة من مدرستها العظيمة، وكانا قد أنجبا ولدين وبنتين فأرادا أن يثقفانهم بأسمى أنواع الثقافة التي لم تكن متوفرة سوى في مدرسة الإسكندرية.

وفاة أخويها

فُجعت هذه الأسرة بوفاة أصغر اخوة سينكليتيكي في صباه، أما الأكبر فقد انتقل إلى عالم الخلود ليلة زفافه، وكان من أثر الصدمتين أن اندفعت سينكليتيكي إلى التفكير والتأمل وإلى الانطواء على نفسها وأضحت مباهج العالم ومفاتنه في نظرها سرابًا خادعًا.

بتول في بيت والديها

حين طغت عليها هذه الخواطر قرّرت أن تكرّس حياتها لخدمة الله، على أنها أدركت في الوقت عينه أنها لا تستطيع ترك أبويها، لأنها إن تركتهما فستزيدهما حزنًا على حزن، فاستمرت تعيش في البيت معهما ولكنها أعلمتهما بأنها ترغب في الاحتفاظ ببتوليتها.

طلبا إليها في بادئ الأمر أن تتزوج كي يتعزيا بتربية أولادها، ولكنهما نزلا على رغبتها حين اتضح لهما أنها صادقة العزم في ما قالت، ومن ثم وضعت لنفسها نظامًا نسكيًا تسير عليه بكل دقة وإخلاص وهي مقيمة في بيت أبويها.

في مقبرة العائلة

ظلت سينكليتيكي مداومة على أصوامها وصلواتها ونسكها وتعبدها في بيت أبويها إلى أن انتقلا إلى عالم النور، وعند ذاك وزّعت أموالها على الفقراء وأخذت أختها وذهبت إلى مقبرة العائلة حيث عاشت بضع سنوات، وفي تلك الفترة ضاعفت أصوامها وصلواتها وتأملاتها.

بدأ عبير حياتها ينتشر في الأرجاء إلى أن ملأ الإسكندرية، فجاء لزيارتها عدد غير قليل من الشابات. البعض منهن لمجرد رؤيتها وأخذ بركتها، والبعض الآخر مستفسرات عن حل مشاكلهن. وكان من الطبيعي أن تتأثر بعضهن بقدوتها ويمكثن معها ويشاركنها حياة النسك والتأمل.

تركت مقبرة العائلة وأخذت زميلاتها ليعشن معًا في مبنى خارج المدينة، وكرست حياتها لخدمتهن صائرة قدوة وصورة حية لما تنادي به من تعاليم، ولذلك أحبتها زميلاتها وأخلصن الولاء لها وأطعنها عن رضى وحبور.

تزايد عدد الشابات اللواتي خضعن لرياستها سنة بعد الأخرى، وكان بعضهن يقضين معها فترة من الزمن يعدن بعدها إلى بيئتهن ليحملن إلى أهلهن النعمة المنعكسة عليهن من حياة سينكليتيكي.

مرضها ونياحتها

بلغت القديسة الثمانين من عمرها وكانت حتى ذلك الوقت تتمتع بصحة تامة، وفجأة أصيبت بمرض مزعج، فقد غطت القروح جسمها من قمة الرأس إلى أخمص القدم حتى أفقدها القدرة على النطق. تضاعف ألم القروح بحمى عالية موجعة فكان صبر القديسة شبيهًا بصبر أيوب إذ تحملت كل ما أصابها برضى وطول أناة. وقبل انتقالها بثلاثة أيام رأت جمهورًا من الملائكة ومعهن عدد من العذارى، وتقدموا إليها قائلين: "إننا أتينا لندعوكِ فتعالي معنا". وما أن سمعت هذه الكلمات حتى تبدّل حالها فبدت كأنها شخص جديد إذ قد اكتنفها نور بهي، وعاشت بعد ذلك ثلاثة أيام كاملة استنار الراهبات خلالها بالنور السماوي المنعكس عليهن من رئيستهن المريضة، ثم انتقلت إلى بيعة الأبكار في هدوء.

البابا أثناسيوس الرسولي يسجل سيرتها

لقد أراد البابا أثناسيوس الرسولي أن يبين عظمة قداسة هذه الراهبة المكرّسة فكتب سيرتها هو بنفسه، فبذلك يكون قد كتب سيرة الأنبا أنطونيوس بوصفه أبًا للرهبان كما كتب سيرة القديسة سينكليتيكي بوصفها أمًا للراهبات.

من أقوالها:

يكثر في البداية التعب والجهاد عند الذين يتقدمون نحو الله، لكن بعد ذلك يغمرهم فرح لا يوصف. وهم كالذين يريدون إشعال النار، يلفحهم الدخان فتدمع عيونهم لكنهم يبلغون إلى ما يرومون، لأنه يقول: "إن إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29). هكذا يجب علينا أن نضرم النار الإلهية بدموع وأتعاب.

يجب علينا نحن الذين اخترنا هذه المهمة أن نقتنى التعقل الأسمى، لأن التعقل يبدو طريقًا صحيحًا لنا ولأهل العالم أيضًا. لكن يرافقه جهل بسبب ارتكاب الخطيئة بكل الأحاسيس الكثيرة الأخرى. في الحقيقة أمثال هؤلاء لا يرون كما يجب، ولا يضحكون كما يليق.

كما تُبعد الأدوية القوية الحادة الوحوش السامة، هكذا تبعد الصلاة مع الصوم الفكر الشرير.

بالتميز الروحي ينبغي أن نسوس أنفسنا. وعندما نكون في شركة مع الاخوة لا ينبغي أن نطلب ما هو لنا، ولا يليق أن نستعبد لرأينا، فالأحرى أن نكون مطيعين لأبينا في الإذعان.

إذا أزعجنا المرض، لا نحزن إذا لم نقدر أن نسبح الرب بصوتنا، لأن هذا يكون لتنقية الأهواء. في الحقيقة إن الصوم والانطراح في الفراش سُمحا لنا من أجل الشهوات. هذا هو النسك العظيم: أن نحتمل الأمراض ونرفع تسابيح الشكر لله.

لا يغريك تنعّم أهل العالم الأغنياء كما لو أن فيه شيئًا ثمينًا بسبب اللذة الجوفاء. أولئك يوقّرون فن الطهي، أما أنت فبالصوم عن الأطعمة تسمو فوق لذات وطيبات أطعمتهم، لأنه يقول: "إن النفس التي تحيا بالتنعم، تهزأ بالشهد" (أم 27: 7). لذا لا تشبع من الخبز ولا ترغب الخمر.

حسن أن لا تغضب. ولكن إذا حصل وغضبت، لا يسمح لك الرب بغضب يوم كامل قائلاً: "لا تغرب الشمس على غضبكم" (أفس 4: 26). فهل تنتظر أنت إذن حتى يغرب زمان حياتك كله؟ لماذا تبغض من أحزنك؟ ليس هو الذي ظلمك، بل الشيطان. فأنت مدعو أن تبغض المرض لا المريض.

إذا كنت تعيش في شركة لا تغير مكانك، لأنك بذلك تتأذى كثيرًا. في الحقيقة كما أن الدجاجة عندما تغادر البيضة تهملها، هكذا حال الراهب أو البتول، عندما يتنقل من موضع إلى آخر، يفتر وتنطفئ جذوة الإيمان فيه.

قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الأول صفحة 297.

سينسيوس أو ساينيسيوس مطران بنتابوليس

يعتبر سينسيوس الليبي من أشهر أساقفة المدن الخمس الغربية، وكان صديقًا حميمًا للأنبا ثيؤفيلس البابا الثالث والعشرين.

نشأته وثقافته

ولد في سيرين بليبيا نحو عام 370م، من عائلة قيروانية شريفة وكان أبواه وثنيين ومثقفين. ويبدو أنه فقد أبويه في سن مبكر، إذ لم يشر إليهما قط في كتاباته. ورث عنهما أراضٍ زراعية كثيرة في سيرين ومكتبة عامرة بالكتب اليونانية القديمة.

التحق بالجيش في بنتابوليس اكتسب خلالها المهارة وقوة الاحتمال. وانتقل مع أخيه أفوبتيوس Evoptius إلى الإسكندرية وهو في السابعة عشر أو ما يزيد، وهناك تمكن من أن ينتفع بالمكتبة العظيمة، وبهره المجتمع المثقف كما أذهلته الروحانية والأفكار العليا. أبدى حماسًا متقدًا للفلسفة فدرس الفلسفة اليونانية.

توجّه إلى أثينا لعله يجد مزيدًا من المعرفة، وإذ لم يجد بغيته عاد إلى سيرين.

جنديته

كان سينسيوس يقسِّم وقته بين الاشتراك في المعارك ضد الغارات البربرية ودراسة الأدب والفلسفة، وزراعة الأشجار، وتربية الخيول وكلاب الصيد، وكتابة الشعر.

دفاعه عن مواطنيه

انتخبه القيروانيون وهو في السابعة والعشرين من عمره لينوب في الدفاع عنهم أمام الإمبراطور أركاديوس في القسطنطينية عام 397م فيما أصاب بلادهم من قحط نتيجة لإغارة الجراد، ويستعطفه لتخفيف عبء الضرائب. وفي تلك الأثناء استطاع أن يتصادق مع أشخاص مرموقين في القسطنطينية، وبعد جهود مضنية استطاع أن يلقي خطابًا أمام الإمبراطور في حضرة كل هيئة البلاط. ويرجع ذلك إلى الصداقة التي ربطت بينه وبين أوريليانوس قائد الحرس البريتوري.

نجاحه في الدفاع عن مواطنيه يكشف عن شخصه أنه كان لبِقًا في الحديث، مخلصًا في محبته لقومه. ولقد أطرى المؤرخين على خطبته لما اتسمت به من الصراحة الجريئة، وقد وصل إلى نتيجة سارة في دفاعه كما يتضح من إشاراته العديدة إليها.

تحدث بفصاحة عجيبة وشجاعة نادرة، جاء في خطابه:

[إن البر أساس الحُكم...

يليق بالملك أن يكون أكثر نقاءً من الجميع، وأن يكون جنديًا، يعيش بين خبراء القتال...]

وبعد جهود عنيفة تمكن من مقابلة الإمبراطور

اعتناقه المسيحية

لقد كانت الفترة التي قضاها في محاولاته ودفاعه فترة عصيبة عليه مما أكسبه نفوذًا متزايدًا، ويبدو أنه اعتنق المسيحية آنذاك، فقد زار الكنائس أثناء سيطرة القلق عليه، ومما لا شك فيه أنه أصغى إلى القديس يوحنا الذهبي الفم.

في الإسكندرية

عاد إلى القيروان سنة 402م، وبعد ذلك بحوالي سنة قام بزيارة أخرى للإسكندرية عام 403م حيث تعرّف على البابا ثيؤفيلس، فكان البابا موضع حبه وتقديره. وأغلب الظن أن بذور المسيحية والوعي بتعاليمها وعقائدها قد تأصلت فيه نتيجة للصداقة التي ربطت بينه وبين البابا السكندري الكبير، وقد قضى ساينيسيوس سنتين في عاصمة مارمرقس ثم عاد إلى وطنه. في هذه الفترة تشرب من البابا روح الإيمان، ثم تزوج بفتاه مسيحية مصرية، وقام البابا نفسه بإتمام طقس الزواج. يقول في رسالته 105: [الله والشريعة (المسيحية) ويد البابا ثيؤفيلس المباركة أعطتني زوجتي.]

في بنتابوليس

عاد إلى وطنه مع زوجته عام 405، حيث وجد سريلز Cerealis البيزنطي يحكم بنتابوليس، وكان إنسانًا شريرًا لا يبالي بمصلحة البلد. كتب إلى صديق له، ربما زوج أخته، في البلاط الإمبراطوري يطلب مساعدته للتخلص منه. جاء في رسالته: [إنه من النوع الذي يبيع نفسه بثمنٍ بخسٍ، وهو غير صالح للحرب (ضد البربر)، ظالم في السلم.]

كما كتب إلى أستاذته هيباشيا Hypatia بالإسكندرية أستاذة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة New - Platonism: [لقد أحاطني سوء حظ بلدي، وأنوح عليه كل يوم، كلما رأيت أعداءنا حاملين السلاح وهم يسوقون رجالنا كالأغنام، وأن الهواء الذي أتنسمه يفوح برائحة أجساد الموتى.]

في تلك الآونة استولى البربر على كل ما في منزله الريفي في ضواحي سيرين. وقد وضع كتاب "الكارثة" Catastasis أثناء غزوة قوية للبربر يصفها تفصيليًا ".

مواهبه

قيل أنه كان رسامًا، كما كان هاويًا للفلك، فقد صنع بنفسه جهاز الأسطروبلابي Astroblabii وأهداه إلى صديقه باؤنيوس Paeonius وأرفقه بخطابٍ يوضّح له كيفية استعمال هذا الجهاز.

فلسفته وكتاباته

يعتبره البعض مؤسسًا للفلسفة الواقعية إلا أنه مال إلى الأفلاطونية الجديدة، وجاءت أفكارها واضحة في دراسته "عن العناية الإلهية" De Providentia.

كتب أيضًا Dion تحدث فيه عن أهمية شغل وقت الفراغ بالدراسة العلمية.

كما كتب "عن الأحلام" De Insommiis.

وألف ملحمة شعبية في مدح فضيلة الشجاعة.

كما كتب 156 رسالة تكشف عن أحوال عصره بكل صدقٍ ووضوحٍ.

لعله تأثر بمدرسة الإسكندرية التي تبنّت الفلسفة بكونها طريقًا للإيمان وليست ضده. يقول: [إنني لم أسمع (في بنتابوليس) من صوت الفلسفة إلا صدى صوتي، ومع ذلك لو لم يوجد شاهد غيري لاستخدمني الله بكل تأكيد، لأن عقل الإنسان هو ثمرة من نتاج الله.]

على أي الأحوال لم تكن له فلسفة مستقلة متميزة، ولا العمق الفلسفي، لكن جاءت قصائد ه تمثل نوعًا من الشعر الفلسفي (الصوفي) المليء بالخبرة الدينية. يعتبره البعض "أصدق مثال للتعبير عن الشعور الديني المسيحي في القرن الخامس".

لم يستطع حتى سيامته مطرانًا من التخلص من بعض الأفكار الفلسفية مثل النظرة الخاطئة للمادة. فيقول في كتابه "تفسير الأحلام": [إن فساد الروح يرجع في كل الأحوال إلى غواية المادة وخضوعها لها.]

سيامته مطرانُا

إذ خلا كرسي المطرانية في بتوليمايس (العاصمة حينذاك) سنة 409م لم يوجد من هو أكثر منه كفاءة، فقد عُرف بوطنيته مع ثقافته وحبه لعمل الخير، وشخصيته الفذّة مع إيمانه المسيحي العملي. وثق به أهالي مدينته فأعلنوا رغبتهم في أن يكون مطرانهم، وقد فرح الأنبا ثيؤفيلس البابا الثالث والعشرون بهذا الاختيار.

تردّد في قبول هذا المركز لمدة سبعة أشهر، محاولاً الهروب من الكرامة، كما كانت له بعض تحفظات بخصوص قيامة الجسد (يبدو أنه غيَّر أفكاره بعد استرشاده بإسيذورس الفرمي) مع شعوره بالالتزام نحو زوجته التي أحبها جدًا (كان يعيش معها كأخوين) وأولاده الثلاثة. وأعلن مازحًا أنه سيتأسف على ترك رياضة تربية الكلاب.

إذ لاحظ إجماع الكهنة والشعب والبابا السكندري ثيؤفيلس وافق، فسامه البابا عام 410م أسقفُا لطلميته ورئيسًا للمجمع المقدس في بنتابوليس.

جاء في رسالته التي بعثها من مصر إلى كهنة إيبارشيته:

[أنني لم أستطع مهما أوتيت من قوة أن أقف ضد رغبتكم وأرفض الأسققية بالرغم من كثرة آثامي... أليست القوة الإلهية هي التي سمحت بضعفي؟...

كنت أُفضِّل أن أموت عدة ميتات من أن أتولى هذا العمل الروحي، لأنني أعتقد إني لست أهلاً لهذا العبء، لكن الله قد سمح ليس بما سألته منه ولكن بما سمحت به عنايته...

لذلك هل ترفعون أيديكم إلى الله للصلاة من أجلي وأن تأمروا الناس في المدينة، والذين يعيشون في الحقول، والذين يتردّدون على كنائس القرى ليذكرونني في صلاتهم الخاصة والصلوات الجماعية؟

وإن لم يتخل الله عني سأدرك أن كرسي الكهنوت ليس انحدارًا عن عروش الفلسفة (حياة التأمل والسكون)، بل على النقيض خطوة للصعود إليها.] (رسالة 11)

في القسطنطينية

قيل أنه بعد سيامته ذهب إلى القسطنطينية حيث قضى عامين. هناك التقى بالقديس يوحنا الذهبي الفم وانتفع بعظاته. التقى أيضًا بعد ذلك بالقديس أغسطينوس أسقف هيبو في شمال أفريقية على أرض بنتابوليس.

أعماله الرعوية

كان مهتمًا بافتقاد الشعب وتعليمه، فلم يكف عن وعظ شعبه للتمتع بالحياة المقدسة في الرب، وأحيانًا كان يكتب عظاته ويطلب من الكهنة قراءتها.

جذب كثير من الوثنيين واليهود إلى الإيمان المسيحي وقام بتعميدهم.

بناء على طلب البابا ثيؤفيلس قام برحلة رعوية لافتقاد شعب الإيبارشية وحل مشاكلهم الروحية والاجتماعية، ثم أرسل تقريرًا مستفيضًا للبابا.

بنى كاتدرائية بطلميتة، وكنائس كثيرة خاصة في القرى خلال مدة أسقفيته المحدودة التي يقدّرها البعض بخمس سنوات.

كذلك دافع ذات مرة عن عدد من الرجال أُتهموا بالتمرد على الوالي، فكان دفاعه عنهم سببًا في تخلية سبيلهم.

مع جهاده الرعوي لم ينسَ حياته الداخلية، فكان يميل إلى السكون والتأمل. كان يقضى أغلب الليل يكتب الترانيم الروحية. كما أنشأ ديرًا بجوار دار الأسقفية (رسالة 126)، ربما كان يقضي فيه فترات خلوة.

المتاعب والتجارب التي حلت به

كان سينسيوس يحب السلام بكل جوارحه، ولكنه وجد نفسه في وسط صراعات لا يرتضيها مما جعل قلبه يقطر دمًا على شعبه. عانى الأنبا سينسيوس الكثير من المتاعب والمصاعب، فمن جهة كانت أحوال الكنيسة الروحية في بنتابوليس مضطربة مع فساد الإدارة الحكومية البيزنطية وانتشار الظلم وضعف الأمن.

ومن الجانب الشخصي ففي فترة خدمته الصغيرة فقد أبناءه الثلاثة وحزن عليهم جدًا حتى كتب لصديقه بوكلس Poclus: [إنني أعتبر ما أنا فيه واحدة من سلسلة الكوارث التي حلّت بي في أوقات مختلفة.] (رسالة 70)

أيضًا اعتلت صحته بشكل مفاجئ بعدما تراكمت عليه المشاكل، حتى أوصى الكهنة في رسالة دورية (57) باختيار من يخلفه قبل وفاته ليساعده في مهام عمله. غالبًا ما اختاروا أخاه أفوبتيوسEvoptius الذي تولى كرسي المطرانية بعده.

صراعه مع أندرونيكوس Andronicus

عندما توجه الأنبا سينسيوس إلى مقر كرسيه وجد الوالي البيزنطي "أندرونيكوس" يمارس الظلم والجور، فكان ينصحه فلم يقبل.

حاول الأسقف أن يصدر قرارًا بإنشاء ملجأ يحمي من تضرّروا من ظلم الوالي، بالتجائهم إلى المذبح المقدس لكنه رفض تمامًا (رسالة 7).

اضطر المطران إلى عقد مجمع مقدّس يُحرم الوالي الشرير من شركة الكنيسة ويقوم بلصق القرار على أبواب كنائس بنتابوليس. أسرع الوالي وأعلن توبته والسير بأمانة فقبله المطران.

عاد الوالي إلى بطشه فأصدر المجمع قرارًا نهائيًا بقطعه من الشركة هو ومن معه من الجائرين، وطلب من الكهنة منعهم من دخول الكنيسة أو حتى السلام عليهم أو الصلاة عليهم بعد موتهم.

جاء في قرار الحرمان التالي:

[إن قوى الشر في العالم تحقق مقاصد العناية الإلهية، كما أنها تعاقب كل من يستحق العقاب، ومع ذلك فهي ممقوتة من الله ويجب أن نتجنبها. "لأني سأقيم ضدك، يقول الرب، أمة تحت يديها ستعاني ويلات كثيرة" (إر27: 8). إلا أن هؤلاء الأشخاص الذين يقيمهم القتال (للتأديب) يعود الرب بدوره فيقاومهم، لأننا حينما نقع في أيديهم لن يشفقوا علينا، ولن يعاملوننا بطريقة إنسانية...

ونظرًا لأن القوى، التي تجلب الشر علينا شريرة بطبيعتها، وقادرة على ارتكاب الشر، لذلك فقد حلّت الشرور على الجميع (في بنتابوليس)، لأنهم ابتعدوا عن حكمة الله، وعن الفضيلة، وعن فعل الخير، الذي هو من طبع الله...

قد يُقال أن النار للتدفئة أو للإضاءة أو أن استخلاص شيء نافع يمكن أن يتم من أشياء ضارة، اخترعها بعض الناس، كما أنه يمكن الاستفادة من أمور قد تبدو شريرة. ولهذا السبب يمكن أن ينتفع المرء حتى من الظروف السيئة...]

هذه فقرات من مقدمة طويلة لقراره يقدم فيها تبريره الروحي والمنطقي لإيقاع الحرمان الكنسي على الوالي واتباعه. وقد بعث برسالة إلى البابا ثيؤفيلس يوضح فيها المظالم التي ارتكبها الوالي، ختمها بقرار المجمع المقدس الليبي.

هجمات البربر

كانت المشكلة الرئيسية الأخرى التي واجهت المطران وعانى منها الشعب هي الهجمات البربرية العنيفة التي دامت حوالي سبعة أعوام. لكن خطورتها قلّت بعدما تحوّلت المنطقة إلى المسيحية في منتصف القرن السادس، ربما بعد حملات الإمبراطور جستذيان التبشيرية المكثفة في ليبيا الشرقية.

كانت هذه القبائل تهاجم الشعب المسيحي وكنائسه المنتشرة ولم يكن لدى القوات البيزنطية في هذه الولاية الكفاءة أو الإمكانية لمقاومة هذه الهجمات، لهذا أوكلت مهمة الدفاع إلى الكنيسة. وقام المطران نفسه بما له من خبرة سابقة، بمساعدة الشمامسة بتنظيم وتدريب المتطوعين وتحويل المنازل والكنائس إلى شبه قلاع صغيرة، ومن أسطحها ومن أبراج الحصون كانوا يتبادلون إشارات ضوئية لإنذار الأماكن السكنية المهددة عند اقتراب الخطر (رسائل 79، 89، 139).

قوّى المطران أسوار العاصمة بتوليمايس، وأوقف عليها الحراس، وطلب نجدات سريعة من عاصمة الإمبراطورية (رسالة 78).

جاء في رسائله:

[لقد سُبيت عدة نساء وحتى الأطفال الصغار قتلوهم بدون رحمة، وامتلأ الهواء برائحة الجثث المتعفنة] (رسالة 108).

[لقد نبشوا القبور واحرقوا كل كنائس أمبيلوس Ampelus بالقرب من طلميتة، ولم يراعوا حرمة المائدة المقدسة. وحملوا أدوات المذبح وكل أسلابهم مع الأسرى على خمسة آلاف جمل.]

وباء الطاعون

عانت المنطقة من تفشي وباء الطاعون، وقد اهتم المطران بمساندة الشماسات والأرامل لخدمة المرضى في المستشفى. ذكرت الشماسة الليبية لونا أن المطران سينسيوس كان يردّد قوله: [ليس لدينا متسع من الوقت الآن للنحيب وللبكاء على الموتى، بينما الأحياء من حولنا أحق برحمتنا ودموعنا.]

جاء في مذكرات الشماسة أيْريني (التي نقلها الراهب أندريّا الليبي) مقتطفات من عظة القديس سينسيوس في عيد الميلاد المجيد:

[يليق بكل إنسان أن يقدم هدية لطفل المزود في يوم عيده.

والهدية التي قدمناها جميعًا في عيد الميلاد هذا العام هي الألم...

ربما تكون أيها الأب قد فقدت ابنًا، وربما تكون أيها الأخ قد فقدت أختًا... وجئتم جميعًا هذا اليوم وقد حملتم على أيديكم المرّ...

فشكرًا لطفل المزود الذي سيقبل كل هذه الآلام التي تئنّون بحملها...

إنه سيحملها عنّا، كما حملها قديمًا (على الصليب).

وإن كنّا نفتقد أحبائنا اليوم في هذا العيد، فإنهم يعيدونه في السماء. وإن كنّا كبشر في هذا العالم لا نملك إلا المرّ لنقدمه، فهم يقدّمون الذهب لذاك (الملك السماوي) الذي يملك عليهم إلى الأبد.]

ومن المتواتر أنه تنيح سنة 423م. ولقد ظلت ذكراه تتردد بين الناس إلى حد أنه بعد قرنين من نياحته كانوا يصفونه بـ "الأسقف الفيلسوف الصالح".

من قصائده (مترجمة بتصرف)

حررت أرواح الأبرار من وسط الظلام،

بعد ما تحملت وحدك الآلام،

وقدمت للآب ترنيمة الحمد وذبيحة السلام.

وعند صعودك إلى العلاء،

تزعزعت شياطين الهواء،

وترك تيتان (إله وثني إغريقي صاحب سلطان) مفاتيح الأضواء.

وعرف أنك ابن الله،

الكُلّي الفهم والحب،

مصدر النور واللهب.

أيها المسيح ابن العليّ الديان العظيم،

تذكر عبدك الأثيم،

الذي ورث الخطيئة منذ القديم.

حرّرني يا يسوع من الشهوات.

فلا أهلك كالأموات.

بل أعيش في نور السموات.

هناك أُنم لشافي النفوس،

وأحيا فيفرح، كعريس وعروس،

في ظل الآب العظيم وروحه القدوس.

د. ميخائيل مكس إسكندر: تاريخ كنيسة بنتابوليس، 1987.

سينوسيوس الشهيد

كان سينوسيوس في صباه يرعى غنم أبيه، فكان يوزّع طعامه على الرعاة الصغار ويقضي يومه صائمًا، وكلما وجد فرصة ذهب ليفتقد المرضى والمحبوسين.

ذات ليلة ظهر له ملاك وأشار عليه بالذهاب إلى الوالي والاعتراف أمامه بالسيد المسيح، ففي الصباح استأذن من أمه وذهب إلى شبرا حيث تقيم امرأة بارة اسمها مريم تشغل نفسها بالعناية بالمعوزين والغرباء، فذهبت معه إلى الوالي الذي كان في ذلك الوقت مقيمًا في مركب راسية عند شاطئ النيل. ولما وقفا كلاهما أمامه قالا: "نحن مسيحيان"، فأمر بتعذيبهما. وخلال التعذيب أسلمت مريم روحها في يد الرب.

أمام أريانا والي أنصنا

أما سينوسيوس فلما عجز الوالي عن تحويله إلى آلهته أرسله إلى والي أنصنا، فاستحضر ساحرًا من أخميم قدم للقديس كأسًا ممزوجًا بالسم، فرسمه سينوسيوس بعلامة الصليب المقدس وشربه وظلّ معافى. فآمن الساحر بالسيد المسيح، ثم أمر الوالي بقطع رأس سينوسيوس فنال إكليل الاستشهاد.

السنكسار الأمين، 6 بؤونة.

سيونيه وأغابي وإيريني الشهيدات

كنّ من أهل تسالونيك، وكنّ عابدات للمسيح عن آبائهن ثم اخترن عيشه البتولية والعفاف، واتفقن على السلوك في الفضيلة، وكنّ مداومات على الأصوام المتواصلة والصلوات الكثيرة، متردّدات على أديرة العذارى متنسكات مع الراهبات.

لما تملّك الإمبراطور مكسيميانوس وأمر بعبادة الأصنام، وسفك دماء كثيرين من المسيحيين، خافت القديسات وهربن إلى الجبل واختبأن في مغارة مداومات على نسكهن وعبادتهن، وكانت هناك امرأة عجوز مسيحية تفتقدهن بكل ما يحتجنه في كل أسبوعن وتبيع ما يعملنه بأيديهن وتتصدق عنهن بما يفضل.

وحدث أن رأى أحد الأشرار كثرة خروج هذه العجوز إلى الجبل فتبعها عن بعد إلى أن عرف المغارة التي تدخل إليها، فاختبأ حتى لا تراه عند عودتها، وكان يظن أنها تخبئ أشياء ثمينة، فلما خرجت من المغارة وابتعدت عنها دخل إليها فوجد الجواهر النفيسة عرائس المسيح وهن يصلين، فربطهن وجذبهن وأحضرهن إلى والي تسالونيك، فسألهن عن إيمانهن فأقررن أنهن مسيحيات عابدات للمصلوب. فحنق الوالي عليهن وعذبهن كثيرًا ثم طرحهن في النار فأسلمن الروح ونلن إكليل الشهادة.

السنكسار، 8 برمودة.

سيهما القديس

كلمة "سيهما" معناها "الطويل اللحية".

استقر في جنوب شرقي أدوا. وهو أحد القديسين التسعة الذين جاءوا من صعيد مصر إلى أثيوبيا. لا يوجد أي مركز ديني يحمل اسمه، ومع ذلك توجد منطقة في تجري تُدعى إندا آبا سيهما Enda Abba Sehma، غير أن بعض المصادر تفيد بأنه مؤسس دير سيدينيا.

تحتفل الكنيسة الأثيوبية بعيده في 16 طوبة.

دير البراموس: الرهبنة الحبشية، 1999، ص 105.

المحتويات

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ش

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ز

قاموس القديسين و الشخصيات حرف س
قاموس القديسين و الشخصيات حرف س

المحتويات